إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مقالات الدكتور السني الأنجري في بحثه عن المتعه والذي توصل فيه الى حليتها

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقالات الدكتور السني الأنجري في بحثه عن المتعه والذي توصل فيه الى حليتها

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وال محمد
    هذه مقالات كتبها الدكتور السني محمد بن الأزرق الأنجري في بحثه والذي توصل فيه لحلية المتعة وقد قمت بتجميعها .

    محمد ابن الأزرق*
    الخميس 18 فبراير 2016 - 12:21
    صدر لي بحمد الله وتيسيره كتاب: "زواج المتعة: قراءة جديدة في الفكر السني" عن دار رؤية للنشر والتوزيع المصرية، في أكثر من ستمئة صفحة من الحجم المتوسط، وهو موجود الآن برواق دار رؤية ضمن معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب.وكنت نشرت بهسبريس مقالا في خمسة أجزاء لخّصت فيه أهمّ محاور الكتاب وأعظمها.
    وجاء في كلمة غلاف بيان للدوافع نحو تأليف كتاب "زواج المتعة"، وهذا نصه:
    إن فاحشة الزنا أصبحت ظاهرة تهدد شباب المسلمين وفتياتهم، وكان التفكير فيها يؤرقني بشدة، وأتساءل في نفسي:
    هل الزواج العادي وحده كاف لعلاج ظاهرة الزنا ومعالجتها؟
    وهل أغلق الإسلام غيره من المنافذ؟
    وذلك الشاب الذي لا يجد قدرة على الزواج، وتلك المرأة الأرملة أو المطلقة التي لا يخطبها أحد، ألا يمكن أن يكون في الشريعة الحنفية ما يخفف عنهما؟
    وكنت أجيب نفسي فأقول: لو كان الزواج الدائم حلا نهائيا لما انتشرت الفاحشة بكل أنواعها في مجتمعاتنا المسلمة.
    وليس من الواقعية في شيء أن يكون النكاح المؤبد هو الوسيلة الشرعية الوحيدة لتصريف الغريزة الجنسية.
    ثم إني كنت أقرأ في موضوع متعة النساء، فرأيت سيدنا عبد الله بن عباس يقول: "لولا نهي عمر عن المتعة ما زنا إلا شقي"، فاستوقفتني هذه الجملة وحيرتني، وأنا السني الذي يعتقد أن الصحابة مجمعون على تحريم المتعة.
    فتساءلت: هل المتعة علاج للزنا كما يقول حبر الأمة؟
    ثم لما وجدت أن علماءنا يكادون يجمعون على أنها كانت مباحة ثم نسخت وحرمت، وأن الصحابة الأطهار كانوا يفعلونها في غزواتهم وأسفارهم.
    بدهني سؤال زلزل كياني، وهو: هل من المنطقي أن يبيح الله تعالى للصحابة متعة النساء، والزواج المؤبد كان متيسرا لهم، والفتنة الجنسية لا وجود لها في مجتمعهم، ثم يحرمها على من يأتي بعدهم، وهم أضعف إيمانا، وأكثر تعرضا للفتن؟
    وهنا خلصت إلى أن إعادة البحث والدراسة المتأنية ، بعيدا عن التعصب المذهبي الطائفي، هي السبيل لمعرفة موقف الشريعة من متعة النساء.
    فقمت بالبحث الذي هداني، بتوفيق من الله، إلى أن مقولة سيدنا ابن عباس عين الصواب، وأن المتعة وسيلة شرعية مباحة هدفها التخفيف والوقاية من الزنا.
    إن نكاح المتعة مباح مشروع، منعه سيدنا عمر بصفته الخليفة الشرعي الساهر على مصلحة أمته، بغية وقاية المجتمع من النتائج الكارثية المترتبة عن استمتاع بعض الناس دون الاعتراف بأولادهم من المتعة، لأنها كانت تتم في الغالب سرا، إذ يجوز أن يكتفى فيها بشهادة رجل واحد أو امرأة.
    ولكي لا يتخذها ضعاف الإيمان ستارا يخفي فاحشة الزنا.
    ونحن نرى أن مقصد سيدنا الفاروق كان نبيلا، لكنه كان مطالبا بتشديد الإجراءات دون منع حاسم.
    وإذا افترضنا أنه لم يجد بدا من المنع، فإن اجتهاده رضي الله عنه لا يسع الأمة اليوم.
    فشباب المسلمين مهددون بالوقوع في الزنا، وكثيرون منهم منغمسون فيها ويرجون الخلاص.
    فعلى العلماء أن يجهروا برفع الحظر والمنع الفاروقي، وعلى فقهاء القانون أن يقترحوا التشريعات المنظمة والمقيدة لهذا النكاح الشرعي العلاجي.
    وإذا كان الزواج المؤبد قد تم تقييده وتشديد إجراءاته، حيث لم يعد يكفي فيه الولي والمهر والإشهاد العرفي والصيغة، بل أصبح مفتقرا إلى التوثيق والتصريح به عند السلطات المسئولة، وصار متوقفا على إذن المحكمة، ومحتاجا إلى وثائق تثبت الخلو من المرض المعدي، وأخرى تؤكد العزوبة...
    فإن تشديد إجراءات زواج المتعة أولى.
    فلا بد أن يكون مصرحا به عند السلطات ليتميز عن الزنا، وضمانا لحقوق الأبناء المحتملين، ولكي تكون المرأة ملزمة بالعدة، ويستحسن أن يتم بإذن الولي وعلم أسرة المرأة صونا لكرامتها إذا ظهر الحبل، وكان الصحابة يستمتعون دون علم ولي المرأة لأن العرف العربي كان يسمح بذلك، وهذا من الفروق الأساسية بين الزواج الدائم ونكاح المتعة.
    وأعلم أن مخالفة التيار السائد أمر خطر على الباحث، فهو إذا ناقض أقوال طائفته، ووافق طائفة غيرها، سارع أهل طائفته إلى نفيه وشتمه واتهامه بأنه على مذهب الطائفة المخالفة، وربما أوذي وعودي.
    وهذا الإرهاب الفكري من أسباب سكوت الكبار قبل الصغار عن كثير من الحقائق الثابتة، عقيدة وفقها وتاريخا.
    فالتفكير الطائفي والتعصب المذهبي أحد أسباب تشرذم الأمة وتصارعها.
    ويستوي في هذا الإرهاب: السنة والشيعة.
    وأنا متأكد من أن أهل طائفتي السنية سيرمونني بالتشيع بالنظر لهذا التأليف
    . اهـــــ
    يتبع ...............

  • #2
    محمد ابن الازرق
    قال الإمام ابن حزم في المحلى9/519: وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من السلف رضي الله عنهم، منهم من الصحابة رضي الله عنهم: أسماء بنت أبي بكر الصديق وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمة ومعبد أبناء أمية بن خلف، ورواه جابر بن عبد الله عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر. واختلف في إباحتها عن ابن الزبير، وعن علي فيها توقف. وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وأباحها بشهادة عدلين. ومن التابعين طاوس وعطاء وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة أعزها الله. وقد تقصينا الآثار المذكورة في كتابنا الموسوم بالإيصال.
    وقال ابن الأزرق مطأطئا رأسه، مقبلا ما مشى عليه العلماء الصادقون من تراب: إن الزعم بأن هؤلاء الأصحاب ما كانوا يعرفون التحريم، سوء أدب وانعدام ضمير، بل هو تعصب بارد، وعناد شارد.
    كيف، والتحريم كان ينتشر بينهم في زمن قياسي كما حصل في شأن الخمر؟
    فلماذا لم يفش تحريم المتعة يا ترى؟ ولماذا لم يجهل الصحابة تحريم لحوم السباع، بينما جهلوا ما يجب أن يعلمه العامة بل والضباع؟
    إن الجماهير يدعون أن المتعة حرمت يوم خيبر أو الفتح، فهل يعقل أن يبقى النبي صلى الله عليه وسلم حيا بين أصحابه أكثر من عامين، ثم يتوفاه الله وهم لا يدرون أنه حرمها؟
    ثم إن حديث سبرة، عمدة المحرمين، يدعي واضعه أن التحريم أعلن في خطبة أمام آلاف الصحابة، فقال الربيع الكذاب على لسان أبيه التابعي البريء: ( ثم أصبحت غاديا إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحجر والباب قائم يخطب وهو يقول: “يا أيها الناس ألا إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء، ألا فإن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا).
    وهذه رواية صحيحة السند إلى الربيع الكذاب، لا إلى أبيه الذي كان عند وضعها تحت التراب.
    فهل يعقل أن يكون إعلان التحريم تم في خطبة رسمية بين الجنود المخلصين، ثم يبقى أخطر قرار تتضمنه خطبة الانتصار مجهولا عند كبار أصحاب القائد من الوزراء والمستشارين والعلماء إلى زمن الفاروق؟
    أجيبوا يا سادة بالمعقول، فالجاهلون بزعمكم كبار الصحابة الفحول، وادعاؤكم لا يقبله عاقل ولا مخبول.
    لقد كان جماهير الصحابة يستمتعون ويفتون بالإباحة بعد الحبيب عليه السلام، فادعاء النسخ كذب أو جهالة ورب الأنام.
    ولنثبت مذهب الخلفاء بالتفصيل، دون مراعاة للتفضيل:
    مولانا أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
    كان المسلمون يفعلون المتعة طيلة خلافة الصديق، بعلمه وإقراره، وهو ما عناه ابن حزم بقوله: (رواه جابر بن عبد الله عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر).
    وكان الصديق بمثابة الوزير الأول زمن النبوة، فهل يستحي من يراه جاهلا نسخ المتعة من خيبر أو الفتح إلى وفاته؟
    وهذه الحجة على الإباحة عنده:
    أخرج عبد الرزاق وأحمد ومسلم وأبو داود والطحاوي عن جابر بن عبد الله قال: كنا نعمل بها، يعني متعة النساء، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي زمان أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر، حتى نهانا عنها. وفي رواية: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر رضي الله عنه. وفي ثالثة: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث. وفي رابعة: استمتعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نهي عمرو بن حريث.
    وقول جابر “كنا نعمل” أو “تمتعنا”، صريح في استمتاع جماهير الصحابة مرات وكرات.
    وقوله: “مع أبي بكر”، فصيح في أن الصديق كان عالما مقرا.
    وروى الطبري في “تهذيب الآثار” عن ابن المسيّب: استمتع ابن حريث وابن فلان، كلاهما ولد له من المتعة زمان أبي بكر وعمر.
    وروى من طريق ابنة أبي خيثمة أنّ رجلا قدم من الشام فنزل عليها، فقال: إنّ العزبة قد اشتدّت عليّ فابغيني امرأة أتمتّع معها. قالت: فدللته على امرأة فشارطها، فأشهدوا على ذلك عدولا، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث، ثمّ إنّه خرج. فأُخبر عن ذلك عمر بن الخطّاب، فأرسل إليّ، فسألني: أحقّ ما حُدّثت؟ قلت: نعم. قال: فإذا قدم فآذنيني به، فلمّا قدم أخبرته، فأرسل إليه، فقال: ما حملك على الّذي فعلته؟ قال: فعلته مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ لم ينهنا عنه حتى قبضه الله، ثمّ مع أبي بكر فلم ينهنا عنه حتى قبضه الله، ثمّ معك، فلم تحدث لنا فيه نهياً، فقال عمر: أما والّذي نفسي بيده، لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك، بيّنوا حتى يعرف النكاح من السفاح».
    وهذان الأثران عزاهما المتقي الهندي في كنز العمال للطبري، ولم أقف على إسنادهما، لكنهما يؤكدان ما تضمنه حديث جابر من أن المتعة كانت مرخصة زمن الصديق.
    فما هو موقف الصديق بعد الذي سمعتم؟ وهل تزعمون أنه جهل ما عرفه سبرة على فرض صحبته وعدالة ابنه الكذاب؟
    مولانا عثمان بن عفان رضي الله عنه:
    لم يرد عن ذي النورين ما يوضح موقفه صراحة، لكننا نرجح أنه كان يبيحها انطلاقا من هذه القرائن:
    أولا: قول جابر “كنا نعمل” يشمل سيدنا عثمان.
    ثانيا: كان سيدنا عثمان وزيرا للشيخين، وكانت المتعة شائعة في عصرهما، ولم يثبت عنه ما يفيد الإنكار والاعتراض، فسكوته إقرار وموافقة.
    ثالثا: ثبت استمتاع معاوية قبل الملك، والراجح أنه فعلها أيام سيدنا عثمان، ومعاوية كان واليا حينئذ، ولم ينكر عليه الخليفة، فيكون مقرا له.
    روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن جابر قال: استمتع معاوية ابن أبي سفيان مقدمه من الطائف على ثقيف بمولاة ابن الحضرمي يقال لها معانة. قال جابر: ثم أدركت معناة خلافة معاوية حية، فكان معاوية يرسل إليها بجائزة في كل عام حتى ماتت.
    وروى أيضا عن عطاء: لأول من سمعت منه المتعة صفوان بن يعلى قال: أخبرني يعلى أن معاوية استمتع بامرأة بالطائف، فأنكرت ذلك عليه، فدخلنا على ابن عباس فذكر له بعضنا، فقال: له نعم. (صححه ابن حجر في فتح الباري9/174).
    وبالقرائن الثلاث، يترجح أن مذهب سيدنا عثمان هو الإباحة، وإلا فلا قول له ولا رأي، لأنه لا ينسب لساكت قول.
    مولانا علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
    يرى ابن حزم أن الإمام متوقف في مسألة المتعة، أي أنه لا يبيحها ولا يحرمها!
    وهذه شهادة إمام كبير على أن الإمام لم يكن يرى التحريم، وأن النهي يوم خيبر ليس للتجريم.
    وإذا كان ما قاله ابن حزم سليما، فتوقف الإمام دليل على انتفاء الناسخ، لأن وجوده يقتضي علمه به فإنه “باب مدينة العلم”:
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب” أخرجه الحاكم والخطيب البغدادي والمزي، وصححه ابن معين والحاكم، وحسنه جماعة من الحفاظ، وخاتمتهم المحقق أحمد بن الصديق في “البرهان الجلي”.
    فهل يجوز أن يتوقف باب مدينة العلم في مسألة عظيمة كالمتعة، في حين يعلم سبرة المغمور نسخها ومعه المقلدون المذهبيون؟
    والحق أن أبا الحسنين يجيز المتعة، تواتر ذلك عنه في كتب الشيعة، ولسنا نكذب إخوتنا في الملة، ولا نحتج بمروياتهم لاختلاف معايير قبول الروايات بيننا بمرة.
    وفي مصادرنا السنية غنية وكفاية:
    1ـ قال ابن جريج: أخبرني من أصدق أن عليا قال بالكوفة: لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب، أو قال من رأي ابن الخطاب، لأمرت بالمتعة، ثم ما زنا إلا شقي.
    رواه عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح إلى ابن جريج، ولولا إبهام شيخه لكان هذا الأثر صحيحا بلا خلاف، وهو كذلك على مذهب بعض المحدثين، لأن ابن جريج وثق شيخه.
    ثم هو حسن بهذا الشاهد القوي: قال الطبري في التفسير: حدثنا محمد بن المثنى قال: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} إلى هذا الموضع: {فما استمتعتم به منهن} أمنسوخة هي؟ قال: لا. قال الحكم: قال علي رضي الله عنه: لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.
    رجاله أئمة ثقات رجال الصحيحين، والحكم أدرك الصحابة، ثم هو كوفي حيث كانت عاصمة مولانا علي، وسمع كبار أصحابه، فنفيه نسخ الآية ثم احتجاجه بمقولة الإمام، يدل بوضوح على صحة الأثر عنده عن مولانا علي.
    فأثر الإمام علي حسن عند الجمهور بمجموع طريقيه لزاما، وحسب القلة هو صحيح نظرا لتعديل ابن جريج لمن أخبره، ولأن الحكم تابعي كبير غير معدود في المدلسين، ولجلالة رواته.
    ويزيده أثر ابن عباس قوة، فصح أنه قال: رحم الله عمر! ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلولا أنه نهى عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي.
    وقد انتهى علم مولانا علي إلى ابن عباس، فيكون أخذ هذا الكلام عنه.
    ومحال أن يتمنى مولانا علي عدم المنع لو لم يكن عالما باستمرار جواز المتعة، وأن قرار الفاروق إداري تنظيمي بحكم إمامته.
    وقوله: “لأمرت بها” إشارة خفية إلى إذنه وتسامحه، ولكن دون أمر وعزم، لأن الأمر يقتضي الحض، وذلك تهوين من شأن الفاروق لا يفعله مثل “الفتى” علي.
    2ـ كانت المتعة شائعة أيام الصديق والفاروق، وكان مولانا علي بها عالما، فلم ينكر على الخليفتين ولا على الفاعلين، ومثله لا يقر المنكرات، فسكوته إقرار عند العقول النابهات.
    3ــ كان أئمة آل البيت من التابعين وأتباعهم بإحسان على مذهب الإباحة، وعنهم أخذ ذلك الشيعة الإمامية وغيرهم.
    وأئمة الآل أتقى وأعلم بسنة النبي وجدهم علي، من أئمة السنة أجمعين يا ولي.
    وإن كذبتني فاسأل نفسك هذا السؤال: أيهم أتقى وأعلم حسب مصادرنا: موالينا زين العابدين والباقر والصادق؟ أم أئمة المذاهب السنية؟
    أما لماذا ليس بين مذاهبنا السنية مذهب إمام من أئمة الذرية الطاهرة؟
    فلأن “الآل” كانوا مضطهدين مشردين كالغريب، واسأل التاريخ كيف وصل مولانا إدريس إلى المغرب الحبيب، يبكيك ما لحق أحفاد المصطفى من الإبادة والترهيب.
    ولست أعني هنا أن الشيعة متمسكون بمذهب أهل البيت.
    بل أقول جازما: لا توجد طائفة تتبنى الميراث الفقهي للذرية الشريفة، وفقه العترة الطاهرة ضاع بين السنة والشيعة، حيث أخذت كل طائفة منه بطرف، فنرجو أن يعاد جمعه لتتوحد الأمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نتمسك بكتاب الله وعترته آل بيته، أي ما ورثته من علوم وحكمة وربانية، لا الموالاة المجردة عن الاتباع، وبشرنا بالهداية ما تمسكنا بهما جميعا حتى النخاع.
    وبالجملة، فقد كان أئمة آل البيت يرون المتعة غير منسوخة، وهم أعلم بميراث النبي وابن عمه علي، بعد الخلفاء الراشدين أولي الفضل الجلي.
    ومحال أن تجهل العترة سنة نبيها أو تخالف أباها عليا، فموقفها حجة على أن المتعة كانت مباحة سنة وقولا علويا.
    ونذكر القراء بأن مولانا زين العابدين علي بن الحسين بن علي، سيد التابعين وبقية مولانا الحسين، الناجي الوحيد من مجزرة كربلاء، كان يقرأ آية النساء: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة).
    وهكذا قرأها ابنه مولانا محمد أبو جعفر القارئ الباقر للعلم، وكذلك قرأها ابنه مولانا جعفر الصادق، عليهم السلام.
    ونذكرهم أيضا بهذه الرواية الثابتة الدالة على موقف العترة من مصادرنا السنية:
    روى الإمام الروياني السني عن عبادة بن الوليد بن عبادة الصامت أن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب قال: إن أهل بيتي قد أبوا علي إلا هذه المتعة حلال، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن فيها، وقد خالفتهم في ذلك، فاذهب بنا إلى سلمة بن الأكوع فلنسأله عنها، فإنه من صالح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم القدم، فخرجنا نريده، فلقيناه بالبلاط عند دار مروان يقوده قائده، وكان قد كف بصره، فقال الحسن: قف حتى أسألك أنا وصاحبي هذا عن بعض الحديث. قال له سلمة: ومن أنت؟ قال: أنا ابن محمد بن علي بن أبي طالب. قال: ابن أخي، ها إذن، ومن معك؟ فما الذي تسألاني عنه؟ قال له الحسن: متعة النساء. قال: نعم، أي ابن أخي اكتما عني حديثي ما عشت، فإذا مت فحدثا، فإن شاءوا بعد ذلك أن يرجموا قبري فليرجموه، أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملنا بها حتى قبضه الله، ما أنزل الله فيها من تحريم، ولا كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا فيها من نهي.
    قال الأنجري، كان الله له ولمخالفيه: محمد بن علي هو ابن الحنفية زوجة مولانا علي بعد وفاة الطاهرة فاطمة بنت الرسول، أم الحسن والحسين عليهما السلام، حشرنا الله معهما في الجنة بعد يوم الزحام، قولوا: آمين يا إخوة الإسلام، فإنهما سيدا الجنة في قول خير الأنام.
    وقول الحسن بن محمد: “إن أهل بيتي قد أبوا علي إلا هذه المتعة حلال” يقصد به أهل البيت من ذرية عميه الطاهرين، وفي مقدمتهم زين العابدين وريث الحسين.
    فثبت أن التابعين من العترة يرون المتعة حلالا في الشتاء والخريف، ويجتهدون في الإقناع بحليتها حماية للشريعة من التحريف، على يد الأمويين أولي الضلال والتجديف.
    وسؤال الحسن بن محمد لقدماء الصحابة، أصله: (ولكن ليطمئن قلبي) يا أمة الإجابة، فلا يستغله للمشاغبة إلا مقلد الحطابة، ولا يلتفت إليه من زالت عن سماء قلبه ظلمات الضبابة.
    أجوبة عقلانية على اعتراضات صبيانية:
    عندما تكون الاعتراضات غير موضوعية، فهي صبيانية، لا يلجأ إليها أولو الألباب النورانية، إلا إذا كانوا جاهلين معذورين بالأمية، وهاك اعتراضات المحرمين على ما نسبناه ليعسوب الأمة بطوائفها الشيعية والسنية؟
    الاعتراض الأول: سيحتج بعض الناس علينا كما احتج من سبق من العاطفيين بما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما عن مولانا علي أنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال: مهلا يا ابن عباس! فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية.
    وجاء في رواية تقطع الطريق على من ادعى، أن النهي عن الحمر الأهلية كان يوم خيبر، وأن النهي عن المتعة كان بعدها: (نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن خيبر حين نهى عن لحوم الحمر الأهلية).
    هذا الحديث أصح أدلة المحرمين، وبه أخذ من ضعف حديث سبرة، كالإمام الشافعي ومن على طريقته في التفكير.
    وهو حديث مروي من طريق الحسن وعبد الله ابني محمد ابن الحنفية حفيدي مولانا علي.
    وبناء عليه، يزعم بعض علمائنا أن المتعة حرام عند مولانا علي بدليل أنه مر بابن عباس، وهو يفتي الناس بجوازها، فوقف عليه وقال له إن رسول الله نهى عنها يوم خيبر.
    وهذا الذي فهموه تعسف لا يراعي القرائن الدالة على إباحة المتعة عند الإمام.
    وقد أحسن ابن حزم إلى نفسه لما اعتبر الإمام متوقفا لا رأي له، ولم يزد على ذلك.
    ونجيب على احتجاجهم بحديث خيبر بهذه الأجوبة المقنعة للمنصف، الرادعة للمذهبي المتعسف:
    الجواب الأول:
    تقدم أن أئمة آل البيت كانوا يرون المتعة حلالا، وأنهم كانوا يعرفون حديث النهي يوم خيبر، وأنهم أعرف بمواقف جدهم.
    فهل يعقل أن يكون مولانا علي قصد الاحتجاج بحديث خيبر على التحريم والنسخ بعد الإباحة، ثم تخالفه ذريته؟
    كلا ورب الكعبة، فهم أتقى وأورع وأعلم من علماء الدنيا كلها، ولو كره المتعصبون.
    الجواب الثاني:
    كان الإمام علي مع رسول الله، قريبا منه يوم حنين وأوطاس، بل كان من القلة الثابتة حينئذ، أي أنه كان عالما باستمتاع الصحابة أيام حنين، فهل يعقل أن يحتج بحديث خيبر على التحريم؟
    كلا ورب الأرض والسماء، بل احتج به على أمر آخر سيأتي.
    إن احتجاجه أكبر صفعة لمن يكذب على الله ورسوله، فيدعي أن المتعة حرمت يوم فتح مكة أو بعدها، فلو كان ذلك لاحتج به مولانا علي ولم يحتج بحديث خيبرالمتقدم بأعوام.
    الجواب الثالث:
    آية المتعة نزلت بعد فتح مكة كما أثبتنا في الأجزاء السابقة، ومولانا علي أعلم الصحابة على الإطلاق بالقرآن وتأويله، فقد بشره النبي بأنه سيقاتل العرب على تأويل القرآن بعد أن قاتل هو على تنزيله.
    وتقدم أن ذريته الطاهرة كانت تقرأ الآية بزيادة (إلى أجل مسمى)، وذريته لم تأخذ القرآن إلا عنه.
    فهل يتجرأ مؤمن على القول بأن مولانا عليا، الذي كان حاضرا عند نزول الآية، لم يكن يدري مضمونها أو تاريخ نزولها؟
    وهل يقبل عاقل أن يحتج “باب العلم” بحديث خيبر المتقدم تاريخيا على الآية، حتى ولو كان صريحا في التحريم؟
    الجواب الرابع:
    إذا كانت المتعة محرمة منذ خيبر، فالواجب يقتضي قيام مولانا علي بإنكارها على عهد الصديق والفاروق، ولو أنكرها لنقل خبره وتواتر، لأن معارضة مثله لا يمكن نسيانها أو إخفاؤها.
    فلماذا سكت يا ترى، هل كان جاهلا؟ أم خائفا وجلا؟
    الجواب الخامس:
    يتعمد بعض العلماء إخفاء الحقائق نصرة لمذاهبهم، فلا يذكرون أن النبي نهى يوم خيبر عن عدة أشياء، بعضها مباح كأكل الثوم، لأن ذكره ينسف دعوى تحريم المتعة، فيفضلون التدليس، ولن نسكت فنكون من جنود إبليس:
    روى البخاري في الصحيح والطحاوي في الآثار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن أكل الثوم، وعن لحوم الحمر الأهلية.
    فهل تزعمون أيها المخالفون أن أكل الثوم حرام؟ وهل تجدون في الحديث قرينة تفرق بين النهي عن الثوم والنهي عن المتعة؟ وهل تستطيعون نسبة تحريم أكل الثوم لسيدنا ابن عمر، لروايته الحديث، كما نسبتم تحريم المتعة لمولانا علي؟ وهل كان الإمام أقل علما منكم ففهم التحريم من النهي المجرد، بينما فرقتم أنتم بين النهي عن الثوم والنهي عن المتعة بدون قرينة؟
    كلا ورب البرية.
    ولا حجة لكم في الاستدلال على التحريم باقتران النهي عن المتعة بالنهي عن لحوم الحمر الأهلية، لأن النهي كان عن تلك الأمور مجتمعة في وقت واحد، ولاختلاف الصحابة في علة النهي عن الحمر على أكثر من ثلاثة أقوال، فرأى بعضهم أن النهي راجع إلى حاجة المسلمين يومئذ لركوبها وحمل أثقال الغنائم عليها، ورأى آخرون أنها كانت من الغنائم، فسارع بعض الصحابة إلى نحرها قبل أن تقسم، فنهاهم القائد العام عن الأكل لأنها تدخل في الغلول المحرم.
    وبالنسبة للمتعة، فنساء خيبر يهوديات، واليهود لا يجيزون المتعة، فاحترم النبي صلى الله عليه وسلم معتقداتهم، ومنع المتعة عسكريا تنظيميا لا تحريما، بدليل ترخيصه فيها بعد ذلك.
    إن هذه الأجوبة، تجعل المنصف يقطع بأن مولانا عليا لم يحتج بحديث خيبر على التحريم والنسخ، بل على أمر آخر، فما هو؟
    كان سيدنا عمر خليفة عادلا مجتهدا، فكان من حقه أن يمنع المباح درءا للمفسدة وجلبا للمصلحة العامة حسب اجتهاده.
    وكان ابن عباس ينكر قرار الفاروق بشأن المتعة، ويقول فيما صح عنه، ووثقناه سلفا: رحم الله عمر! ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلولا أنه نهى عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي.
    بل كان يدعو إلى التمرد على المنع العمري، ويحرض على المتعة في الأماكن العامة، كما جاء صريحا في روايات نقاشه مع مولانا علي.
    وكان الخليفة الرابع يدرك ما لا يدركه ابن عباس العالم، فاحتج الإمام بحديث خيبر دفاعا عن أحقية الفاروق في منع المتعة استنانا بمنع النبي لها يوم خيبر، فهو يقول لابن عباس بأسلوب العلماء الراسخين: إذا كان الفاروق منع المتعة المباحة، فإنه ليس مبتدعا ولا جائرا، لأنه حاكم يحق له القيام بذلك اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي منعها يوم خيبر من باب التصرف بالإمامة.
    وهذا التفسير، هو الجمع الوحيد الممكن بين الروايات الدالة على جواز المتعة عند الإمام علي، وبين استشهاده بحديث خيبر، بل هو التوفيق القادر على رفع التعارض عن نصوص الشريعة الواردة في المتعة.
    وهو تفسير مؤيد بهذا البرهان العقلي الشرعي:
    لقد استمر ابن عباس على القول بحلية المتعة بعد مناقشته للإمام، ولو كان استدلاله بحديث خيبر على التحريم، لا على حق الخليفة الشرعي في منع المباح، لتراجع ابن عباس عن رأيه في الإباحة بعد نقاشه مع ابن عمه، فإنه عنده صادق مصدق.
    والواقع المتواتر أن ابن عباس ظل يفتي بجواز المتعة بعد نقاشه مع الإمام علي حتى مات: ففي صحيح مسلم وغيره عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال: إن ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم، يفتون بالمتعة، يعرض برجل ـ في رواية: يعرض بابن عباس ـ فناداه فقال: إنك لجلف جاف! فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك، فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك.
    قلت: كان عبد الله بن الزبير، حاكما على الحجاز حين حدوث هذا النقاش الدال على ضعف حجته، وصلابة ابن عباس في الحق رغم تهديد الأمير، لأن الأمر دين لا يصمت عنه أسد نحرير.
    وقول ابن الزبير “كما أعمى أبصارهم” يشير إلى أن ابن عباس كان قد عمي.
    وقد انتهت القصة بينهما بالاحتكام إلى سيدتنا أسماء أم ابن الزبير، فشهدت لابن عباس وحذرت ابنها من الاعتراض عليه، وأوضحت له أن السلامة في الصمت إذا نطق الحبر، فدخل ابن الزبير بعد ذلك (سوق رأسه).
    أعتذر عن استعمال هذا التعبير العامي، فالمقام يستحسنه ترويحا على القارئ المخالف والمحامي.
    ورضي الله عن سيدنا ابن الزبير وأبيه وأمه خير الناس، ومن يحتج بقوله الأول في معارضة الحبر ابن عباس، فهو مصاب بفيروس الوسواس الخناس.
    وبعد، فهل يجوز أن يكون النهي عن المتعة يوم خيبر نهيا تحريميا تشريعيا، ثم يجازف ابن عباس بدينه فيعاند ويكابر؟
    وهل نحن مسبوقون بابن عباس إلى أن النهي يوم خيبر لم يكن تحريما بل إدارة وسياسة؟ وهل نقدم فهم العلماء المتأخرين على فهم ابن عباس شمس المجتهدين؟
    أجيبوا يا قوم بالحق والوضوح، وإن أمعنتم في العناد المفضوح، فاسمعوا الصرامة من الصوت المبحوح:
    قول مولانا علي: “لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي” صريح في اعتقاده جواز المتعة، فلا يحتمل إلا هذا المعنى.
    أما احتجاجه بحديث خيبر فيحتمل أنه احتج به على النسخ، أو على جواز منع المتعة من قبل الحاكم كالفاروق، فهو غير قطعي الدلالة.
    وما احتمل وجها واحدا كان راجحا مقدما، وما احتمل واحتمل، سقط به الاستدلال.
    هل تؤمنون بهذه القاعدة؟ فاحترموها إن كنتم مبدئيين، وطبقوها على مسألتنا يظهر لكم النور المبين.
    وإن كابرتم وتعسفتم، فلكم ما لو تجنبتم ما تأسفتم:
    كان مولانا أبو تراب يرى المتعة محرمة بالنهي يوم خيبر، على زعمكم الكاذب، وكان يجهل ترخيص النبي فيها بعد حنين وأوطاس، ثم لما ناقش الفقيه الغواص ابن عباس، أوضح له أن نهي خيبر لم يكن نسخا ولا تحريما عند عقلاء الناس، وعلمه أن المتعة شرعت بآية النساء يوم حنين، وأطلعه على قراءة سيدنا أبي بن كعب الصريحة في الزواج المؤقت دون مين، وأخبره أن الصحابة استمتعوا، بعد نزول الآية بالإذن المبارك حتى تشبعوا، فاقتنع سيدنا علي برأي حبر الأمة المتقي، وأدرك الحكمة فقول: “لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي”.
    ولنا برهان على هذا الافتراض الذي يرفعه أهل الاعتراض، وهو قبل الانفضاض:
    إن نقاشا بين إمامين كبيرين متواضعين حريصين على الدين، كعلي وابن عباس أولي الزين، لا شك يثمر اقتناع أحدهما، حفظنا وأنتم من العين.
    وقد صح عن سيدنا ابن عباس أنه مات معتقدا جواز المتعة، وهذا يستلزم أنه لم يجد الصواب مع جد العترة، وأن الإمام تراجع عن رأيه آخر مرة.
    وهذا ليس من الإمام بغريب، فقد رجع إلى رأي ابن عمه مرات غير كئيب، من ذلك اعترافه بالخطأ في تحريق عصاة الرب الحبيب:
    روى الإمام أحمد وغيره أن مولانا عليا حرق ناسا ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
    قال: “لا تعذبوا بعذاب الله” بل كنت قاتلهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من بدل دينه فاقتلوه”. فبلغ ذلك عليا فقال: ويح ابن عباس، وفي رواية: ويح ابن عباس إنه لغواص على الهنات.
    فهذا اعتراف من مولانا علي بمكانة ابن عمه العلمية، ورجوعه إلى آرائه الزكية.
    وقد أفسد علينا الرواة مناظرتهما في شأن المتعة، فأخفوا تفاصيلها ونهايتها الممتعة، حيث رووها مختصرة مستبشعة.
    إن ابن عباس من النوع الذي لا يهزم عند الحجاج، بل يفحم بالبرهان ويذهب اللجاج، ولو كان تحت الإكراه كما فعل بابن الزبير قتيل الحجاج.
    فلا نشك في أنه رد على ابن عمه بما يسكت دعاة التحريم، لكن الرواة العاطفيين لم ينقلوا ذلك الرد العظيم، كيف، وقد اختصروا فأفسدوا أحاديث المصطفى الكريم؟
    لكن استمرار حبر الأمة على القول بالإباحة، فضحهم وكشف تدليسهم فلا نياحة.
    ومما يزيدنا إصرارا على أن القصة لم تنقل إلينا كاملة، وأن دعاة النسخ من رواتها حذفوا كلمات ابن عباس الحافلة، ما جاء في روايات المناظرة من إشارات هائلة، إلى أن حوارا طويلا جرى بين جدي ما بقي من العائلة.
    فعند الطبراني وابن الأعرابي والخطيب وابن بشكوال: تكلم علي وابن عباس في متعة النساء، فقال له علي: إنك امرؤ تائه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء.
    فأين كلام ابن عباس يا سادة، أم ترونه كان عاجزا؟
    هذا، ولو كان مولانا علي يرى تحريم المتعة، لما احتاج حفيده سيدنا الحسن بن محمد بن علي لسؤال سلمة بن الأكوع، فإنه روى حديث جده في النهي عنها يوم خيبر، ثم رأيناه يسأل سلمة بن الأكوع عن حكمها.
    فهل الإمام الشافعي ومن قلده أعرف من الحبر ابن عباس والحجة الحسن بن محمد الراوي؟
    أما أنا والعقلاء فنقول: هيهات يبلغ علم الشافعي رحمه الله عشر ما علمه هؤلاء.
    أما جملة: “إنك امرؤ تائه”، فتعني المتحير الضال، وقد وردت في صحيح مسلم وغيره، وأقسم بالله ربي أنها زيادة منكرة مكذوبة من قبل المتعصبين عمدا أو سهوا، إذ لا يليق بمولانا علي أن يقولها في حق حبر الأمة، وليس فوقها شتيمة جارحة.
    والعبارة اللائقة بالإمامين هي ما جاء في صحيح مسلم أيضا: مَهْلاً يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ.
    واعلم أن الإمام مالكا روى الحديث في موطئه عن شيخه ابن شهاب الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد دون تلك الشتيمة، وهكذا هو في صحيح البخاري.
    وطرق الحديث مدارها على الإمام الزهري الراوي عن الحسن وعبد الله ابني محمد، فهو بريء من نسبة تلك الزيادة المنكرة الموضوعة عليه وعلى شيوخه.
    فلا تغتر بورودها في المتابعات عند مسلم رحمه الله، فإنه لم يكن ينتقي الروايات كشيخه البخاري، وكتابه ليس قرآنا متواترا، فنصر على أنها مختلقة موضوعة، وأن واضعها ناصبي أراد الإساءة إلى جدي الشرفاء معا.
    ووجود الزيادات الشاذة أو المنكرة بل والمكذوبة في صحيح مسلم الحافل، لا ينكره إلا مكابر أو جاهل، ولا يضر الكتاب عند الخبير العاقل، فالأصل في أحاديثه الصحة يا غافل، حيث يخرج الأصل الصحيح ثم يتبعه بالشواهد والمتابعات عن الثقة والمائل، وهذا مقرر في مقدمته معروف عند الأواخر والأوائل، فلا تنكر علينا بالكذب العاطل والزعم الآفل.
    وإذا كنتم تقبلون تلك الزيادة الشنيعة، فقائلها عند الربانيين ليس عليا صاحب الخصال الرفيعة، بل هو علي سفيه ذو خلال وضيعة، فاربؤوا بأنفسكم عن المرويات المنحطة الصريعة.
    الاعتراض الثاني:
    يزعم المحرمون أن مولانا عليا لم يعارض قرار الفاروق عندما منع متعة النساء، ولم يأمر بها لما ولي الخلافة، فدل ذلك على فهمهم أنها محرمة عنده.
    وهذا اعتراض الصبيان، إليك البيان:
    الجواب الأول:
    كان مولانا علي حريصا على عدم مخالفة قرارات الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، أدبا معهما، وحرصا على وحدة المسلمين، وخشية استغلال خصومه كأهل الشام لأي مخالفة تصدر منه لهما.
    أي أن ظروفه السياسية والعسكرية كانت تمنعه من تنفيذ آرائه المخالفة لمن تقدم عليه، حيث كان الجماهير يعتبرون اجتهادات الشيخين عليهما الرضوان، قمة الحكمة والصواب، ومن هنا كانت العامة مرحبة بالثورة على نظام مولانا عثمان، لأنه انحرف في نظرهم عن سيرة من قبله.
    ولو أن الإمام عليا خالف ما استقر من إجراءات الشيخين كمنع المتعة، لانفض عنه غالب المبايعين له، والتحقوا بالمتمردين عليه، أو اختاروا مسارا آخر.
    وبين أيدينا براهين على ما نقول:
    البرهان الأول: كان غالب المسلمين يميلون إلى استخلاف مولانا علي بعيد سيدنا عمر، لكنه رفض شرط الحكم بسيرة الصديق والفاروق، وحق له لأنه مجتهد لا مقلد، بينما قبل ذو النورين الشرط، فبايعه المسلمون.
    فتعلم الإمام الدرس، فكان يتحاشى مخالفة الشيخين عند توليه، وهذا المثال الأوضح:
    كتب النبي عليه السلام لنصارى نجران كتابا، بخط مولانا علي، أن لا يجلوا من بلادهم، فأجلاهم سيدنا عمر لما كثروا خوفا على المسلمين، وكان إجلاؤهم بطريقة مشرفة لكنهم كانوا كارهين.
    فلما استخلف مولانا علي، سأله النجرانيون العودة إلى بلدهم بالجزيرة، فرفض مخالفة الفاروق، وقال لهم: ما قدمت لأحل عقدة شدها عمر بن الخطاب رضي الله عنه. في رواية: إن عمر كان رشيد الأمر، فلا أغير شيئا صنعه عمر.
    وكان الناس يقولون: لو كان الإمام طاعنا على عمل من أعمال سيدنا عمر، لطعن في إجلائه لأهل نجران، لأنهم كانوا يملكون عهد النبي صلى الله عليه وسلم بخطه، حتى إنه بكى لما أظهروه.
    وهذه واقعة صحيحة رواها ابن أبي شيبة وأحمد في الفضائل، والبيهقي، وغيرهم.
    ولسنا نشك في أنه رفض طلبهم سدا للذرائع التي قد يستغلها المتمردون الحيارى، إذ لو قبل لأشاعوا أنه يوالي النصارى، ويتعمد الإساءة إلى الخيارى.
    فلما لم يفعل، كان ذلك أمارة على أنه لن يخالف الفاروق فيما هو دون قضية نصارى نجران، كمتعة النساء للعطشان.
    وكان الإمام يكتفي بالإشارة إلى موقفه منها بكلامه المتقدم.
    البرهان الثاني: صح في الإبانة لابن بطة، عن محمد بن إسحاق صاحب السيرة أنه قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي: أرأيت عليا حين ولي العراق وما كان بيده من سلطان، كيف صنع في سهم ذي القربى؟ قال: سلك به والله طريق أبي بكر وعمر. قلت: وكيف وأنتم تقولون ما تقولون؟ قال: أما والله ما نقول غير هذا، وما كان لأهله أن يصدروا إلا عن رأيه ولا يقولوا بغير قوله، ولقد كان يكره أن يدعى عليه خلاف أبي بكر وعمر رحمهم الله. هـ
    الجواب الثاني:
    سكت الصحابة عن كثير من قرارات الفاروق، لأنه كان شديد الصرامة، وخشية ظهور الفتنة بمقتله، وهكذا لم يعلنوا مخالفته، في متعة الحج مثلا، إلا بعد استشهاده.
    أما مولانا علي، فكان متهما من قبل الرعاع منذ تأخره عن مبايعة الصديق، فتحاشى مخالفة الفاروق في القضايا الاجتهادية، وكان شعاره: “لأسالمن ما سلمت أمة محمد”.
    ثم إن الفاروق لم يحرم المتعة كما تكذبون عليه، بل أوقف العمل بها اجتهادا وإدارة، ومن حق الإمام أن يجتهد في تنزيل الأحكام الشرعية، وإذا عزم على أمر، وجب على الرعية أن تطيع، ومنها الإمام علي.
    فسكوت الصحابة، ومعهم الإمام، عن قرارات الفاروق، لا يقتضي أنهم موافقون له، أو خائفون.
    هذا، وتعلمون أن الفاروق منع متعة الحج ومتعة النساء في خطبة واحدة، ولم يتمرد على قراره أي من الصحابة، فهل متعة الحج عندكم محرمة منسوخة؟
    واعلموا أن مولانا عليا وسيدنا أبي بن كعب، هما الوحيدان اللذان تجرءا على الفاروق، فأنكرا عليه منع متعة الحج، فأبان لهما أن قراره إجراء تنظيمي ليس إلا، فأقراه.
    فالإنكار عليه في متعة الحج، إنكار ضمني عليه في متعة الفرج، وإقراره باجتهاده في التعبدية، إقرار منه باجتهاده في الجنسية.
    أو يقال: سكت مولانا علي عن متعة النساء، لأنها أمر دنيوي من حق الحاكم أن يمنعه، أما متعة الحج فعبادة لا يجوز لأحد منعها ولو كان خليفة عادلا كالفاروق.
    روايات مكذوبة للتشويش على مذهب الإمام في المتعة:
    اختلق المتعصبون متونا ساقطة، نسبوها إلى مولانا علي، فننبه عليها قبل أن يحتج بها العاطفيون:
    الرواية الأولى:
    روى الحافظ البزار عن محمد بن الحنفية قال: سألت عليا عن المتعة، قال: نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المتعة حرام.
    وهذه الرواية واهية سندا، منكرة متنا، رواها أبو سعد البقال الواهي المدلس المضطرب المخالف للثقات، صاحب المنكرات، ثم فيها عبيد الله بن محمد شبه المجهول.
    الرواية الثانية:
    روى أبو عوانة من طريق عبد الوهاب الثقفي عن يحيى الأنصاري عن مالك عن ابن شهاب أن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب قال: “حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم متعة النساء يوم خيبر”.
    قلت: لفظ “حرم” شاذ غير محفوظ، محرف عن “نهى”، فالذي في الموطأ والصحيحين وباقي المصادر، من رواية يحيى الليثي وابن قزعة وابن وهب وبشر وسفيان وغيرهم من أصحاب مالك عنه عن ابن شهاب عن الحسن وعبد الله عن أبيهما عن سيدنا علي أنه استعمل عبارة “نهى”، وليس حرم، وكذلك رواه أقران مالك عن الزهري كمعمر وسفيان وغيرهما.
    وشتان بين “نهى” و”حرم”.
    والتحريف مصدره سوء حفظ عبد الوهاب الثقفي، الذي اختلط قبل موته بثلاث سنين.
    ومما يؤكد فساد حفظه للحديث، اضطرابه في تاريخه، حيث جعل غزوة حنين مكان غزوة خيبر، في طريق صحيح إليه عند النسائي والفسوي، بنفس الإسناد عن يحيى الأنصاري عن مشايخه.
    وقد أنكر عليه الحفاظ ذلك، فقال الفسوي: أصحاب الزهري كلهم يقولون خيبر، وكذلك قال مالك في الموطأ، وهو الصحيح يوم خيبر.
    وفي تلخيص الحبير لابن حجر: يوم حُنَيْن، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ مِنْ خَيْبَرَ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ تَفَرَّدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِقَوْلِهِ: حُنَيْنٍ.هـ
    قلت: سواء كان تصحيفا أو تحريفا، فالمحدثون يعترفون بوقوع عبد الوهاب الثقفي في الغلط.
    فتأكد أنه لم يجود الحديث، فحرفه وتناقض.
    الرواية الثالثة:
    روي عن مولانا علي بن أبي طالب أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة. قال: وإنما كانت لمن لم يجد، فلما نزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت. في رواية: فلما نزل النكاح والطلاق والعدة والميراث نهى عنها.
    قلت: هذه رواية منكرة، وردت من طريقين ضعيفين جدا، لا ينجبران، رواهما الدارقطني والطبراني والبيهقي.
    والمتن ساقط، لأن الأمور المذكورة شرعت قبل المتعة، فواضعه كذاب أحمق.
    الرواية الرابعة:
    روى ابن شاهين في ناسخه من طريق عبد الله بن سليمان عن شيخه أحمد بن محمد بن عمر اليمامي بسنده إلى مولانا علي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء، ويقول: هي حرام إلى يوم القيامة.
    قلـت: هذه رواية موضوعة والله، فعبد الله بن سليمان ابن أبي داود السجستاني، وشيخه أحمد بن محمد اليمامي، متهمان بالكذب، موصوفان بالوضع، فلا شك أن
    الجملة الأخيرة من افتعال أحدهما.
    خاتمة:
    ــ مذهب مولانا أبي بكر في المتعة هو الإباحة، ثبت بروايات في غاية الصحة والصراحة.
    ــ موقف مولانا عثمان غير صريح، لكنه يدرك بالقرائن والتلميح، لذي العقل الرجيح.
    ــ حديث خيبر لا يدل على التحريم، قاله جمهور صحابة النبي الكريم، في مقدمتهم مولانا علي وابن عباس العليم، وعليه سائر العلماء مصححي حديث سبرة بن معبد، مدعي النسخ يوم الفتح الأمجد، ومنهم ابن حزم في المحلى، و ابن حجر في فتح الباري المجلى، وابن القيم في الزاد المعلى.
    وقد شارفت كلمات المقال المحسوبة على التمام، والمتعة مشروعة عند الفاروق المعدود في العظام، لكن أخباره متشعبة كثيرة، فنفردها بمقالة مفصلة مثيرة، فترقبوها بإذن الكريم الوهاب، فإنها شمس تمحو الضباب
    . اهــ
    هسبريس
    يتبع .....

    تعليق


    • #3
      محمد ابن الأزرق الأنجري الطنجي -
      يبدو أن جوابي على السيد محمد الشركي المحفوف بالأدب رغم قوة التعبير آلمه جدا، وليس ألامه، كما جاء في رده على الوقفات، فأرغد وأزبد وبالغ في الشتم إلى حد وصفي بالحمار، وهو نعت لا يضيرني يا أخي في الآدمية قبل المحمدية، بل يسيء إليك وأنت ذو الشيبة الحريص على إيمان الناس، ولا عذر لك أمام الله ثم أمام القراء، الذين كان من حقهم أن تحترم أذواقهم إن كنت أنا لا أرقى مستوى الآدمية.
      وأما رده الجديد “وجهة نظر” فجاء أخف وأهدأ، وإن تكررت صفة المتنطع فيه مرات وكرات.
      وقد حاول الأستاذ الذي نرجو أن يتعلم الحلم قبل الحكم، مناقشة موضوع المتعة بأسلوب علمي، لكنه سقط مرة أخرى، فلم يتمالك نفسه فصار يتهمني بتهم تعد عند المؤمنين فاحشة، من قبيل كوني متساوقا مع حملة الطعن في الدين وأهله، وتضخم عقدة “الأنا” لمجرد أنني أختم مقالاتي بجملة: “متخصص في علوم الحديث” أو “خريج دار الحديث الحسنية”، وهي عبارات يعرف منها البريئون من العقد أن صاحبها يتحدث من داخل حقل علوم الشريعة، فتعرف منطلقاته ومنهجيته.
      وبخصوص النهي، فعبد ربه أوضح في مقال: “النهي النبوي لا يقتضي التحريم” موقفه، فينصح أخاه الشركي بالعودة إليه.
      ولما كان العم محمد الشركي بارك الله له في العمر، يريد المناقشة العلمية الهادئة كما يظهر من “وجهة نظر”، فأنا أستأذنه من خلال إعادة نشر أجزاء مقالاتي حول المتعة مع بعض التعديل، ليعرف قارئ “وجدة البوابة” مدى التزام العم المحترم بالموضوع، ومدى قدرته على صد الإشكالات العلمية المطروحة في مقالي.
      وأقول العم احتراما لا سخرية، فأنا أصغره كثيرا، حيث إني من مواليد 1974، وأرجو أن لا يرميني بالمراهق بعدما سماني حمارا، وأتمنى أن يتواضع فيسميني باسمي ولا يقول: المدعو ابن الأزرق، فإن عبارة “المدعو” تعني في العرف لا اللغة أن المتكلم لا يستسيغ التسمية أو يتعاظم على المخاطب، والعم المسمى محمد الشركي يستعمل كلمة “المدعو” بالمعنى العرفي، وإن أراحه ذلك فلا مانع، فأنا مسمى محمد بن الأزرق في السماء والأرض، وفي ذلك غنية عن معاندة شرقية.
      ولندخل في الموضوع من بابه العلمي، قائلا بعد التعوذ بالله والصلاة على مصطفاه:
      قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الأم6/206: والمستحل لنكاح المتعة والمفتي بها والعامل بها ممن لا ترد شهادته… لأنا نجد من مفتي الناس وأعلامهم من من يستحل هذا… فَهذا كُله عندنا مَكْرُوه مُحَرَّمٌ وَإِنْ خَالَفْنَا الناس فيه، فرغبنا عن قَولهم ولم يدعنا هذا إلَى أن نجرحهم ونقول لهم: إنكم حَلَّلتم ما حَرم الله وأخطأْتم، لِأَنهم يَدعون علينا الْخطأ كما نَدعِيه عليهم، ويَنسبون من قال قَولنا إلَى أنه حرم ما أَحَل اللَّه عز وجل. هـ
      فهل توافق الإمام الشافعي يا عم محمد أم تتهمه بالتشيع؟
      ///
      إن فاحشة الزنا أصبحت ظاهرة تهدد شباب المسلمين وفتياتهم، فل الزواج العادي وحده كاف لعلاج ظاهرة الزنا ومعالجتها؟ وهل أغلق الإسلام غيره من المنافذ؟ وذلك الشاب الذي لا يجد قدرة على الزواج، وتلك المرأة الأرملة أو المطلقة التي لا يخطبها أحد، ألا يمكن أن يكون في الشريعة الحنيفية ما يخفف عنهما؟
      رأي باحث لا فتوى عالم
      إن الفتوى وظيفة شرعية عظيمة، لها رجالها كبار الفقهاء، ولها جهاتها المختصة ممثلة في المجالس العلمية والمجلس العلمي الأعلى.
      ولست أحمق حتى أتجرأ على الإفتاء بجواز ممارسة المتعة قبل أن يصدر ذلك عن الجهات المختصة، وقبل أن يتم التقنين ووضع التشريعات اللازمة.
      وإن العمل بالمتعة منع بقرار من الحكام والملوك السابقين عملا بسنة سيدنا عمر بن الخطاب، فلا يمكن رفع الحظر عنها إذا ثبتت صلاحيتها لعصرنا، إلا بقرار من السلطة السياسية والدينية العليا ممثلة في شخص الملك كما حدث في مسائل كثيرة نجدها في مدونة الأسرة.
      فالأمر ليس فوضى، ومقالنا ليس تحريضا ودعاية.
      الهدف من الإدلاء بالرأي
      إن الدعارة مهنة متفشية، والزنا ظاهرة منتشية، والاغتصاب جريمة منتشرة، والخيانة الزوجية آفة منتثرة، والأسباب هي الحاجة الغريزية أولا، ثم الفقر والبطالة والعنوسة، وغير ذلك من موانع الزواج وعوائق التعدد الموضوعية، والنتائج كوارث اجتماعية.
      فهل تعجز الشريعة عن التخفيف والوقاية من تلك المفاسد؟ وهل يمكن أن يكون رفع الحظر عن نكاح المتعة وتقنينه مساعدا للزواج المؤبد على تجنيبنا مزيدا من الشدائد؟
      إن حبر الأمة عبد الله بن عباس سبقني، وأنا الجاهل الحقير، فقال رضي الله عنه: (رحم الله عمر! ماكانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلولا أنه نهى عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي).
      رواه عبد الرزاق في المصنف بإسناد صحيح.
      وابن عباس مسبوق إلى نفس المقولة من قبل مولانا علي بن أبي طالب حيث قال: لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب، أو قال: من رأي ابن الخطاب، لأمرت بالمتعة، ثم ما زنا إلا شقي.
      رواه عبد الرزاق و الطبري وهو أثر حسن.
      فهل ما أقوله مبتدع شاذ إذا كان أعلم الصحابة على الإطلاق، وباعتراف علماء مذاهبنا السنية، قد صرحوا به منذ البداية؟
      المتعة ليست حراما عند إمامنا مالك
      إن إمامنا مالك بن أنس رضي الله عنه لم ينص على تحريم المتعة، بل تصرفه في كتاب الموطأ يدل على الكراهة فقط:
      جاء في الموطأ برواية يحيى الليثي: (باب نكاح المتعة): حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية. وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه، فخرج عمر بن الخطاب فزعا يجر رداءه فقال: هذه المتعة، ولو كنت تقدمت فيها لرجمت. انتهى
      وبعد التأمل العميق، نفهم أن الإمام لا يحرم المتعة، وإنما يريد بيان أحقية منع سيدنا عمر لها باعتباره حاكما واجب الطاعة، ومن ثم الرد على منتقدي سياسة الفاروق رضي الله عنه.
      فكأن الإمام يقول: إن عمر بن الخطاب حاكم يجوز له منع المتعة المباحة بدليل منع النبي صلى الله عليه وسلم لها في غزوة خيبر.
      وكان منعها يوم خيبر بإجراء عسكري يهدف إلى الإبقاء على الجهوزية القتالية للصحابة، أو لأن اليهود كانوا يرون المتعة حراما، فمنعها النبي احتراما لمعتقدات أهل خيبر اليهود.
      وما استنتجناه مؤيد بهذه القرائن الصارم بعضها:
      القرينة الأولى:
      لم يقل الإمام: (باب تحريم نكاح المتعة) بل قال: (باب نكاح المتعة)، واختيار ألفاظ الترجمة تساعد على فهم قصد الإمام كما هو معلوم.
      حيث نجد في الموطأ: (باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع) ، و ( باب تحريم الخمر ).
      فلماذا صرح في هذين الموضعين بالتحريم؟ ولم يصرح في باب نكاح المتعة رغم أن المتعة أعظم شأنا من الخمر والسباع؟
      أليس هذا أمارة على عدم التحريم عنده؟ أم أنه كان يصوغ العناوين اعتباطا؟
      القرينة الثانية:
      جاء في المدونة (2/ 130) لمولانا سحنون بن سعيد: (النكاح إلى أجل: قلت: أرأيت إذا تزوج امرأة بإذن ولي بصداق قد سماه، تزوجها إلى أشهر أو سنة، أو سنتين، أيصلح هذا النكاح؟ قال: قال مالك: هذا النكاح باطل، إذا تزوجها إلى أجل من الآجال فهذا النكاح باطل. قال: وقال مالك: وإن تزوجها بصداق قد سماه فشرطوا على الزوج إن أتى بصداقها إلى أجل كذا وكذا من الآجال، وإلا فلا نكاح بينهما. قال مالك: هذا النكاح باطل. قلت: دخل بها أو لم يدخل؟ قال: قال مالك: هو مفسوخ على كل حال، دخل بها أو لم يدخل بها. قال مالك: وإنما رأيت فسخه لأني رأيته نكاحا لا يتوارثون عليه أهله).
      قلت: أجوبة الإمام رحمه الله خالية من ألفاظ التحريم والزنا، ومن الوعيد بالحد والرجم على الاستمتاع، فأين كلامه من المغالين؟
      وتعليل الإمام الفسخ والإبطال بعدم التوارث أصرح قرينة على أنه لم يفهم من النهي عن المتعة يوم خيبر تحريمها.
      والإمام رحمه الله سمى المتعة نكاحا رغم وصفه بالبطلان فقال: (فهذا النكاح باطل)، ولو كان عنده حراما أو سفاحا ما سماه (نكاحا).
      فثبت لدينا أن المتعة مكروهة عند الإمام كراهة تنزيه لعدم التوارث بين المستمتعين.
      ويمكن للفقهاء والقانونيين أن يجعلوه سببا في التوارث كما فعلوا مع أبناء البنت وأبنائهم، وكل ذلك صلة للقرابة، فلا ضير.
      القرينة الثالثة:
      هناك روايات خارج الموطأ صريحة في أن إمامنا مالكا لم يكن يحرم المتعة، وهي موضحة لتصرفه في الموطأ وشاهدة على صحة قراءتنا: ففي الشرح الكبير للعلامة الدردير2/238: قال ابن العربي: وقد كان ابن عباس يقول بجوازها ثم ثبت رجوعه عنها، فانعقد الإجماع على تحريمها، فإذا فعلها أحد رجم في مشهور المذهب، وفي رواية أخرى عن مالك لا يرجم لأن نكاح المتعة ليس بحرام، ولكن لأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر العلماء، وهو أن ما حرم بالسنة هل هو مثل ما حرم بالقرآن أم لا؟ فمن رواية بعض المدنيين عن مالك أنهما ليسا بسواء وهذا ضعيف. هـ
      قلت: صرح هذا النقل أن المتعة ليست حراما عند الإمام مالك، وأن المنهي عنه بالسنة غير المنهي عنه في القرآن، وهو عين قولنا في مقال: “النهي النبوي لا يقتضي التحريم”.
      وتضعيف الدردير للأصل المذكور، رغم إقراره بأنه من أصول المذهب، مثال على انتقاء الفقهاء ما يشتهون من كلام الأئمة المجتهدين، ودليل على مدى تأثير المذهب الشافعي في مواقف علماء مذهبنا، فالشافعي رحمه الله أقدم من ساوى بين الكتاب المتواتر والسنة الآحادية.
      وابن العربي رحمه الله عرف بين العلماء بالقسوة والشدة على المخالف، واشتهر بالغلو في أحكامه القضائية، فلا عجب أن يصدر عنه العجب في مبحث المتعة، وما ضاع الدين إلا بسبب التشدد والغلو. رحم الله ابن العربي وسائر علماء الملة.
      القرينة الرابعة:
      جاء في المدونة: قلت ـ أي سحنون لشيخه ابن القاسم رحمهما الله: والذي يتزوج المرأة في عدتها عامدا يعاقب ولا يحد، وكذلك الذي يتزوج المرأة على خالتها أو على عمتها، وكذلك نكاح المتعة عامدا لا يحدون في ذلك ويعاقبون؟ قال: نعم.
      قلت: أرأيت في قول مالك، أليس كل وطء درأت فيه الحد عن الرجل وإن كان ذلك الوطء لا يحل، أليس من قذفه يضرب الحد؟ قال: نعم، ذلك في رأيي. هـ
      قلت: إمامنا أسقط حد الزنا عن المتمتع عمدا، أي أنه ليس زنا عنده، وإذا لم يكن زنا فهو ليس حراما حتما.
      فلماذا يتجرأ العم الشركي فيسمي المتعة زنا؟
      القرينة الخامسة:
      إن جماهير علماء المذاهب الأربعة يجيزون النكاح بنية الطلاق، وهو متعة لاشتماله على تحديد الأجل، وإمامنا مالك من جملة مجيزي النكاح بنية الطلاق، وعليه علماء المذهب، فهل يعقل أن تكون المتعة عنده حراما إذا كان يبيح بعض تطبيقاتها؟ أم أنه كان يجيزها لكنه يشدد شروطها ؟
      والزواج بنية الطلاق صورتان: الأولى أن يتزوج الرجل المرأة ناويا تطليقها بعد شهر أو سنة ، لكنه لا يطلعها أو وليها على نيته المبيتة. والثانية أن يطلعها هي أو وليها على نيته تطليقها بعد انتهاء الأجل، لكن لا يكتب ذلك في العقد، ولا يذكر عند حضور الشهود، فيكون الزواج في صورته مؤبدا، وفي حقيقته مؤقتا.
      وإذا كانت الأعمال بالنيات كما قال مولانا رسول الله، فلا يغير هذا الاحتيال من الأمر شيئا.
      لقد رأينا فيما سبق أن الإمام مالكا يكره نكاح المتعة لعدم التوارث بين الزوجين المستمتعين، فيظهر أن الإمام يجيز المتعة إذا كانت تضمن التوارث، لذلك ابتدع بعبقريته الفذة النكاح بنية الطلاق، فإنه متعة في صورة زواج أبدي.
      فهل تفسيرنا منطقي أم أننا نخرف يا عم؟
      وهل الزواج بنية الطلاق متعة أم لا رحمك الله؟
      قال ابن عبد البر في الاستذكار5/508: وقالوا كلهم – إلا الأوزاعي: إذا نكح المرأة نكاحا صحيحا، ولكنه نوى في حين عقده عليها ألا يمكث معها إلا شهرا أو مدة معلومة، فإنه لا بأس به، ولا تضره في ذلك نيته إذا لم يكن شرط ذلك في نكاحه. هـ
      وقال العبدري في التاج والإكليل (3/ 446): ( ومطلقا كالنكاح لأجل ) ابن عرفة: نكاح المتعة فيها هو النكاح إلى أجل قرب أو بعد. ابن حبيب: وكذا قول المسافر: أتزوجك ما أقمت. ابن عرفة: ظاهرها مع غيرها ولو بعد الأجل بحيث لا يدركه عمر أحدهما. اللخمي وسواء شرط الأجل الرجل أو المرأة يفسخ بعد البناء بغير طلاق. وسمع ابن القاسم: لا بأس أن يتزوج المرأة من نيته قضاء إربه ويطلقها، وليس من أخلاق الناس. هـ
      وفي الشرح الكبير للدردير2/238: وحقيقة نكاح المتعة الذي يفسخ أبدا أن يقع العقد مع ذكر الأجل للمرأة أو وليها، وأما إذا لم يقع ذلك في العقد ولم يعلمها الزوج بذلك، وإنما قصده في نفسه وفهمت المرأة أو وليها المفارقة بعد مدة فإنه لا يضر، وهي فائدة تنفع المتغرب. هــ
      وقال الخرشي في شرح قول الشيخ خليل رحمه الله: ( ومطلقا كالنّكاحِ لأجل): وهذا كلُّه إذا أَعلم الزَّوج المرأة أو وليّها بما قَصده من الأجل. وأمّا إن لم يقع ذلك في العقد ولا اشترطه إلَّا أَنّ الرّجل قَصده وفهمت المرأة ذَلك منه فإنّه يجوز وقيل بالفساد ، فإن لم تَفهم الْمرأة ذَلك فَليس بِمتعة اتّفاقا هـ
      وفي الفواكه الدواني للنفراوي على رسالة ابن أبي زيد القيرواني 5/82: وشرط فساد نكاحِ المتعة إعلام الزّوجة بأنَّه إنّما ينكحها مدّة من الزَّمان، وأمّا إن لم يعلمها وإنَّما قَصد ذلك في نفسه، فلا يفسد وإن فهمت منه ذلك. هـ
      قلت: وهذا الكلام صريح في أن النكاح بنية الطلاق متعة.
      وفي حاشية الصاوي على الشرح الصغير (4/ 497): ( كالنّكاحِ لِأجل ) : وهو نكاح المتعة عيّن الْأَجل أَم لا ، ويعاقب فيه الزّوجان ولا يحدّان على المذهب ، ويفسخ بلا طلاق ، والمضرّ بيان ذلك في الْعقد للمرأة أو وليّها ، وأمّا لو أضمر الزّوج في نفسه أن يتزوّجها ما دام في هذِه الْبلدة أو مدّة سنة ثمّ يفارقها فلا يضرّ ، ولو فهمت المرأة من حاله ذلك . هـ
      فهل النكاح بنية الطلاق ثابت في المذهب؟ وهل يذكره علماء المذهب على أنه نوع من المتعة؟ وإذا كان كذلك، فهل يصح القول بأن الإمام يحرمه؟
      ونحن في انتظار قراءة مقنعة من العم محمد تنقض قراءتنا لموقف الإمام رحمه الله.
      المتعة مذهب الصحابة والتابعين قبل الشيعة
      قال الإمام ابن حزم الأندلسي في المحلى9/519: وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من السلف رضي الله عنهم، منهم من الصحابة رضي الله عنهم: أسماء بنت أبي بكر الصديق وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمة ومعبد أبناء أمية بن خلف، ورواه جابر بن عبد الله عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر. واختلف في إباحتها عن ابن الزبير، وعن علي فيها توقف. وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وأباحها بشهادة عدلين. ومن التابعين طاوس وعطاء وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة أعزها الله. وقد تقصينا الآثار المذكورة في كتابنا الموسوم بالإيصال. انتهى كلام ابن حزم
      وقال الحافظ ابن عبد البر في تمهيده10/111: أما الصحابة فإنهم اختلفوا في نكاح المتعة، فذهب ابن عباس إلى إجازتها، فتحليلها لا خلاف عنه في ذلك، وعليه أكثر أصحابه، منهم عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وطاووس، وروي تحليلها أيضا وإجازتها عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبدالله. هـ
      وقال العلامة القرطبي في تفسير قوله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة}: قال أبو بكر الطرطوسي: ولم يرخص في نكاح المتعة إلا عمران بن حصين وابن عباس وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت.
      وقال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير3/159: كلام الرافعي يوهم أن ابن عباس انفرد عن غيره من الصحابة بتجويز المتعة لقوله: (إن صح رجوعه وجب الحد للإجماع)، ولم ينفرد ابن عباس بذلك، بل هو منقول عن جماعة من الصحابة غيره. هـ
      وقد تأكد للعبد الجاهل أن الصحابة الذين صح عنهم التصريح بالإباحة ونفي النسخ هم: موالينا الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعلي، وساداتنا: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع، وأبو سعيد الخدري، وأسماء بنت أبي بكر، وخولة بنت حكيم، وسلمى مولاة حكيم السلمية.
      والصحابة الذين فعلوها بعد النبي صلى الله عليه وسلم هم: جابر بن عبد الله، وعمرو بن حريث المخزومي، وسلمة بن أمية بن خلف ومعاوية بن أبي سفيان.
      وكل رواية تقول إن عبد الله بن عباس تراجع عن الإباحة ضعيفة أو موضوعة من قبل المتعصبين، قال حافظ المغرب ابن عبد البر في التمهيد10/121 بعد إيراده لبعضها: هذه الآثار كلها عن ابن عباس معلولة لا تجب بها حجة من جهة الإسناد، ولكن عليها العلماء، والآثار التي رواها المكيون عن ابن عباس صحاح الأسانيد عنه وعليها أصحاب ابن عباس، وأما سائر العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين وفقهاء المسلمين فعلى تحريم المتعة.اهـ
      قلت: بل سائر الصحابة والتابعين على جواز المتعة، وقد تقدم عنك ما يفيد العكس!
      وقول الإمام: (عليها العلماء) يقصد بعد استقرار المذاهب السنية، والعبرة بالزمن الأول.
      وقال في الاستذكار (5/ 507): وقد روي عن ابن عباس أنه انصرف عن المتعة وأنه قال نسخ المتعة : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) ، وروي أنه قال: الاستمتاع هو النكاح. وهي كلها آثار كلها ضعيفة لم ينقلها أحد يحتج به ، والآثار عنه بإجازة المتعة أصح ، ولكن العلماء خالفوه فيها قديما وحديثا. هـ
      قلت: وهل في العلماء الذين خالفوه من يعادل حبر الأمة وأعلمها بعد مولانا علي بتأويل القرآن؟
      وقال الحافظ ابن بطال كما في فتح الباري لابن حجر: روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة، وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة، وإجازة المتعة عنه أصح، وهو مذهب الشيعة. هـ
      ورأيت كذلك الشيخ الألباني يصرح بتضعيف كل ما نسب لابن عباس في الرجوع.
      ومن أئمة التابعين الذين أجازوها أو عملوا بها: سعيد بن جبير، وعبد الملك ابن جريج وعطاء بن أبي رباح، والحكم بن عتيبة.
      فهل هؤلاء سلف الشيعة أم سلفنا نحن السنة يا عم؟
      إن الشيعة لا يعترفون إلا بمولانا علي من بين هؤلاء المجيزين.
      زواج المتعة واقع لا يرتفع
      إن المتعة منتشرة في بلدنا شئنا أم أبينا، أبحنا أم حرمنا، ففي بعض مناطق الأطلس تتزوج الفتاة بابن البلدة دون توثيق بموافقة الأهل مدة معينة، تصل إلى سنة في الغالب، على أن يطلقها عند انقضاء الأجل، ويعتبرون ذلك تمرينا للشابين على الزواج النهائي، والذي قد يكون بينهما أو مع شخص آخر، وهذا هو المتعة بعينه، ولا مجال لوصف هؤلاء الناس بالزناة أو نحوها من النعوت القبيحة.
      ولا نشك في أنها عادات راجعة إلى شيوع المتعة في بلادنا سابقا، أي قبل استقرار المذهب.
      وبعض الباحثين يرجعون ذلك إلى الاستعمار الفرنسي، وهم مخطئون يجانبون الصواب.
      فتلك العادات منتشرة في مناطق نائية لم تصلها سلطة المستعمر ورياحها الثقافية.
      وتفيدنا الأخبار الشفهية أن المساكنة بين الطلبة والطالبات، وبين العاملين والعاملات، والمعلمين والمعلمات، والمخيمين والمخيمات، وربما المفتشين والمفتشات، ظاهرة مترسخة في المدن الكبرى.
      فهل تنكر ذلك يا أخي محمد؟ وإذا كان حقيقة، فما التوصيف الشرعي لكل ذلك ؟ وما الحل الشرعي الواقعي؟

      نكتة لطيفة
      قال لي بعض المتذاكين: إذا كانت المتعة حلالا، فهل تقبلها لابنتك أو أختك؟ وظن أنه أحرجني وأفحمني، فصار يضحك وأنا أتأمل غيبوبته الفكرية، ثم قلت له من حيث لا يدري: وهل ترضى أن يتزوج أبوك على أمك الجميلة الشابة؟ وهل تقبل الضرة على ابنتك وأختك ما دام التعدد حلالا؟ وهل تستطيع أن تأكل الضب والجراد المباحين؟
      فهم أنني أريد الآتي: إن الشيء المباح شرعا لا تؤثر في حكمه الأمزجة والأهواء، لأن الشريعة خالدة شاملة، والنفوس متقلبة مائلة، وما يحبه إنسان ويجد راحته فيه ولذته، قد يعافه غيره لأنه ليس مضطرا إليه.
      والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعاف الضب ويتقزز منه رغم أنه كان يأذن لأصحابه في أكله بحضرته، بل جمع عليه السلام بين أكثر من زوجة، لكنه رفض بشدة أن يتزوج مولانا علي على ابنته مولاتنا فاطمة.
      ويبدو أن الأستاذ الشركي لم يتذوق هذه المعاني، لذلك لم يفهم مغزى جوابي ردا على تحديه المجاني.
      وأضيف هنا أن النقاش حول حكم الشريعة وليس الميول النفسية، والمفتي إذا قال مثلا: التعدد سنة النبي وحكم القرآن، لا يقال له إنك متناقض إذا كره الضرة على أمه وبنته وأخته، بل إن المرأة المسلمة تقر بمشروعية التعدد لكنها تبغضه وتخشاه.
      وفي “روضة العقلاء” لابن حبان، عن عبد الرحمن ابن القاسم قال: قال أبو حنيفة لشيطان الطاق: ما تقول في المتعة؟ قال: حلال، قال: فَيسُرك أن أمَّك تزوجت متعة؟ فسكت عنه ساعة، ثم قال: يا أبا حنيفة: ما تقول في النبيذ؟ قال: حلال، قال: وشربه وبيعه وشراؤه؟ قال: نعم، قال: فيسرك أن أمك نَبَّاذة؟ قال: فسكت عنه أبو حنيفة.
      قلت: كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله يجيز النبيذ الشديد الذي قد يسكر بعض الشاربين، لذلك رد عليه شيطان الطاق بما رأيت.
      ولو سألت المفتش الشركي هذا السؤال: هل ترضى وتقبل أن تكون إحدى بناتك الأبكار ضرة عند رجل يكبرك سنا له خمسة أبناء وست بنات، لرفض العرض إلا أن تغرم ابنته بالخاطب وتهدد بالانتحار، فهل يرفض لأن التعدد حرام؟ أم لأنه لا يليق بابنة المفتش والصحفي أن تكون ضرة دوارة بين الشيخ والعجوز؟
      هذا، والمتعة لا يلجأ إليها إلا مضطر من الرجال، ولا تفعلها فتاة بكر إلا مكرهة بدافع الفقر أو التشرد واليتم، وهي رحمة كما قال موالينا علي وابن عباس بالأرملة والمطلقة والعانس الفقيرات المكبوتات، والعاجز عن الزواج من الرجال، فحاورونا بالنقل والعقل، ولا تجهلوا علينا هداكم الله وهدانا.
      أيها العم الفاضل، حاول أن تنظر في آراء هذا الطويلب بتواضع وموضوعية، وتجيب على إشكالات المقدمات الضرورية، واصبر حتى يطرح ما عنده بكل حرية، وتحقق من منقولاته بروح علمية، ولا تزعم أنك لست بحاجة للبحث الجدي في متعة النساء المرضية، واحفظ حسناتك قبل حلول المنية، ولا تظنن أن الانفعال والاتهام المجاني يخدم القضية، وإن أصريت على محو ذنوبي بالقدح والشتم، فلك مني كل التحية، وبيني وبينك نصوص الوحي القطعية، ثم القواعد والأصول الشرعية، والاختلاف لا يفسد للود قضية.
      ويتبع بإذن الله ما لم تعاجلني الغيبية
      تلميذكم ومحبكم الشارب يوما من وجدة الشرقية اهـــ

      تعليق


      • #4
        حوار أجري مع الدكتور الأنجري
        - لعقود طويلة ظل موضوع زواج المتعة الحلقة الأضعف التي يهاجم من خلالها التيار السني التيار الشيعي باعتباره ممارسة حاطة من القيم الإنسانية والإسلامية، لكنك اليوم تحاول "شرعنة" الفكرة من منطلق سني، ألا ترى في الأمر مغامرة لا طائل منها؟
        إنها مسألة قرون لا عقود من الصراع المذهبي الطائفي السياسي بين "السنة" و"الشيعة" بعيدا عن أحكام الإسلام العادلة وأخلاقه السمحة، بل بعيدا عن الإنسانية الحقة. فالسنة يطعنون ويضللون...، والشيعة يمارسون المصائب ذاتها، إلى يومنا هذا الذي عرف أوج الصراع والاقتتال على أراضي العراق وسوريا...
        والفقيه المسلم أو المفكر الإنسان، يجب أن ينظر إلى القضايا الاجتماعية بالفكر المجرّد عن الخصومات المذهبية أو الصراعات الطائفية والحروب السياسية. وبخصوص "الشرعنة"، فأنا لا أريد إلا تذكير السادة الفقهاء بضرورة إعادة النظر فيما كان مشروعا بنص القرآن الكريم وبيان السنة الصحيحة، وكان عاملا من عوامل العفّة عن الفاحشة، لكن الخلافات المذهبية عصفت به وألحقته بمجال الحرام والحظر.
        وهذا (مغامرة فكرية) لا بد منها، ويوما ما سيحتاج الناس لطرحي، فإني ألقى تجاوبا ودعما من شباب السنة بحجم الانتقاد والصراخ العالي، فالمؤشرات على تحرّر الجيل المسلم الصاعد من التعصب والتقليد المذهبي في تصاعد مطّرد يرصده كل مهتم بوسائط التواصل الاجتماعي، وكل من له صلة متينة بأبناء الوقت.
        - أشرت في مقدمة كتابك إلى حديث ابن عباس المعارض لاجتهاد عمر المانع لزواج المتعة، ماهي الدوافع التي جعلتك تفاضل بين وجهة نظر الصحابيين، ومادمت قد رأيت في خلافهما نوعا من الاجتهاد، لماذا اخترت الرأي الذي يبدو بالنسبة للكثيرين شاذا عن الاجماع؟
        إن سيدنا عمر الفاروق لم يكن يعتقد تحريم المتعة، بل كان من جملة القائلين بإباحتها كما قال ابن حزم في "المحلّى"، ودلّت النقول والأخبار الصحيحة عنه.
        إنما منع الفاروق زواج المتعة، بعدما كان يتسامح فيها جريا على سنة رسول الله وخليفته الصدّيق، وكان المنع بقرار اجتهادي إداري لدوافع اجتماعية بينتها في كتابي، خلاصتها أن صحابيا اسمه عمرو بن حريث استمتع بامرأة حين قدم المدينة النبوية بشهادة صحابية وتابعية، فظهر الحمل على المرأة، وشاع أنها زانية لأنها كانت غير ذات زوج قبل الاستمتاع، فاستدعاها مولانا عمر للتحقيق معها، ثم أمرها بالانصراف بعدما شهدت الصحابية والتابعية بزواجها متعة، وفي ذلك برهان على اعتقاده الإباحة، لكن لما ولدت المرأة أنكر عمرو بن حريث أن يكون ولدها منه، مع إقراره بعقد المتعة عليها، فرأى الحاكم العادل عمر أن يمنع شيئا مباحا حماية للمجتمع قطعا للطريق على البغايا من جهة، وعلى الرجال الذين يستمتعون ولا يوفون بعهدهم مستغلين حاجة الأنثى للمال أو إشباع الغريزة، تماما كما تفعل بعض حكومات المسلمين اليوم بخصوص منع التعدد أو تشديد شروطه وقيوده.
        وسيدنا عمر منع متعة الحج في نفس الخطبة التي منع فيها زواج المتعة، بهدف تكثير زيارة المسلمين للبيت الحرام، حيث قال مولانا جابر بن عبد الله في مسند أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم: (تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر، فلما ولي عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال: إن القرآن هو القرآن، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرسول، وأنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إحداهما متعة الحج والأخرى متعة النساء)
        في رواية أوضح: عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: "مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا أَوْ أُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا: أَحَدُهُمَا مُتْعَةُ النِّسَاءِ، فَلَا أَقْدِرُ عَلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إِلَى أَجْلٍ إِلَّا غَيَّبْتُهُ فِي الْحِجَارَةِ، وَالْأُخْرَى مُتْعَةُ الْحَجِّ: افْصِلُوا حَجَّكُمْ عَنْ عُمْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّكُمْ وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ".
        فظهر موقف مولانا عمر الصريح في اعترافه بأن متعة النساء مشروعة كمتعة الحج، وأنه يمنعهما باجتهاد مقاصدي.
        لكن ما ذا حصل؟
        شاع بين الناس زمن معاوية بن أبي سفيان رحمه الله أن المتعتين حرام، وأن عمر رضي الله عنه كان يعلم أدلة تحريمهما الخفية على غيره، فتصدى جماعة من علماء الصحابة لهذا الفهم السطحي، منهم موالينا جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع وابن مسعود، إلا أن حامل لواء التصدي لهذا التحريف كان مولانا عبد الله بن عباس حبر الأمة، خاصة وأنه عاش بعدهم جميعا، فبقي وحيدا يواجه إعصار التحريف الذي اجتاح الأمة بعده.
        لذلك شاع أن رأيه شاذ في مقابل جمهرة الصحابة، وليس كذلك، بل كانت المتعة حلالا عند سائرهم بدليل قول سيدنا جابر بن عبد الله في صحيح مسلم وغيره: (كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبِى بَكْرٍ، حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ فِى شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ).
        فطرحي ليس إلا إحياء لفقه الصحابة رضي الله عنهم، ودعوة للعودة إلى ما كان عليه الأمر زمن النبوة والخلافة الراشدة الأولى.
        ألا ترى أن فكرة التأصيل لزواج المتعة، هي في النهاية خطوة تؤصل لما يشبه الفوضى في العلاقات الجنسية؟
        - بل زواج المتعة علاج واقعي للفوضى الجنسية، شريطة أن يكون موثقا لدى السلطات، حتى تكون حقوق الطرفين مضمونة، وكرامتهما مصونة. إن مجتمعاتنا تعاني من تلك الفوضى، ويبدو أنها في تطور متسارع نحو الأسوأ، وهنا أستحضر مقولة مولاي ابن عباس رضي الله عنهما: (ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها هذه الأمة، ولولا نهي عمر بن الخطاب عنها ما زنى إلا شقي).

        - ألا ترى أن هناك نقاط تقاطع بين زواج المتعة الذي يرى فيها البعض "وسيلة شرعية" لتصريف ما أسميته غريزة جنسية، وبين المساكنة التي يختارها شخصان عن طواعية بعيدا عن مؤسسة الزواج؟
        هذه المساكنة الشائعة في مجتمعنا علاقة محرمة شرعا مجرمة قانونا، ولو رفع الحظر عن زواج المتعة لكان العلاجَ الأمثلَ لهذه الظاهرة المستشرية بين الطلبة في الجامعات، والعمال في المدن الكبرى، والموظفين في كثير من القطاعات. وخير لهؤلاء أن يكونوا أزواجا إلى أجل متفق عليه موثق يحفظ الحقوق، ويرفع الحرج عن الضمير، من الاختباء تحت علاقة آثمة.
        - أشرت في كتابك إلى فكرة تدخل الولي كشاهد حفظا لكرامة المرأة إذا ظهر الحمل، لكن ألا تعتقد أن هذه الخطوة في حد ذاتها إهانة للأب الذي يطلب منه تقديم ابنته كسلعة جنسية مقابل حرمانها من امتيازات الزواج المؤبد؟
        - في مجتمعنا من يقدم ابنته أو أخته للفاحشة عن طواعية مقابل مال زهيد، وفيه من يدري تعاطي قريبته الدعارة فيغض الطرف مقابل ما تدره عليه المسكينة الضحية من عطاء، وفيه من يقبل انحراف أبيه أو ابنه أو أخيه وإدمانه على الفساد، فلم لا نرحم هؤلاء بزواج موثق لأجل يسمى "المتعة"؟ أيهما أشد إهانة وامتهانا للولي أو المرأة؟ الدعارة أم الزواج المؤقت؟

        إن الواقع مؤلم جدا، وفي دنيا الناس نساء أرامل وعوانس فقيرات لا يجدن عملا يضمن عيشهن، فيقصدن امتهان الدعارة مضطرات مكرهات، وفي مجتمعنا نساء لا رجال لهن، ولا أمل لهن في الزواج المؤبد، تدفعهن الحاجة الجنسية وجبروت الغريزة إلى الدخول في علاقات محرمة، تماما كما يقع للرجال العاجزين عن الزواج الدائم لأسباب مادية أو اجتماعية مع وجود الطاقة الجبارة الهدارة، ولكل هؤلاء جعل الله "زواج المتعة" متنفسا ورحمة كما قال سيدي ابن عباس، فلم تحجير رحمة الله وتضييق الخناق؟
        - ألا تعتقد أن محاولة الحديث عن المتعة من وجهة نظر سنية، يترجم عجزا عن الاجتهاد في معالجة عدد من المشاكل الاجتماعية بروح معاصرة؟
        عن أي معالجة معاصرة يمكن أن نتحدث؟ إن الرغبة الجنسية الجامحة لا تُضبَط بالشعارات والخيالات، بل تتطلب حلولا واقعية مؤسسة على أخلاق الإسلام وأحكامه حينما يتعلق الأمر بمجتمع مسلم.
        وإذا استطاعت الإجراءات الاقتصادية التقليل من ظاهرة احتراف الدعارة المتفشية بين نساء الطبقة الفقيرة المسحوقة، فإنها لا تمكِّن من النتيجة ذاتها بخصوص النسوة الجامحات والرجال المكبوتين، فلا بد من علاقة مشروعة تكبح الجماح، وعندما يتعذر الزواج الدائم، ويستحيل التعدد، فلا خيار أمام المضطرين إلا زواج المتعة الموثق لتفادي سخط الله ثم تجريم القانون. هذه هي الروح المعاصرة المستمدة من رحمة الله وتشريعه الواقعي العادل. اهــــ

        تعليق


        • #5

          لماذا منع مولانا عمر بن الخطاب زواج المتعة؟
          محمد ابن الأزرق الأنجري

          الاثنين 20 أبريل 2015 - 13:00
          عقد العلامة المؤرخ المجمع على توثيقه عمر بن شبة في تاريخ المدينة فصلا تحت عنوان: (ذكر من استمتع قبل تحريم عمر رضي الله عنه)، ثم سرد أسماء جماعة من الصحابة استمتعوا قبل قرار المنع، وختم يقصد الفاروق بقوله: فحرم المتعة.هـ

          وقال الإمام ابن حزم في المحلى 9/519 مبينا موقف الفاروق من المتعة: وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وأباحها بشهادة عدلين.ه

          وقال الحافظ السيوطي في ترجمة الفاروق من تاريخ الخلفاء: عمر بن الخطاب أول من حرم المتعة.ه

          فهذه شهادات صادرة عن أئمتنا المرضيين، تصرح أن الفاروق كان للمتعة من المبيحين، وأنه أول من منعها بصفته أمير المؤمنين، وليس لأنها منسوخة في شريعة المسلمين.

          وهؤلاء سلفنا في بيان موقف الفاروق، فلا تتهمونا بالابتداع والعقوق، وفي الآخرة تحق الحقوق، فاتقوا الله قبل اللحد والشقوق.

          وهذا تفصيلنا لموقف الخليفة عمر، مانع متع النساء والحج والعمر، نأخذه من صحيح الأخبار والأثر، مع إبطال كل مروي مشتمل على الضعف والضرر.

          سكوت الفاروق زمن الصديق إقرار:

          كان المسلمون يستمتعون أيام مولانا أبي بكر بإذنه وإقراره، وكان الفاروق بمثابة نائب الخليفة.

          ولم يثبت عنه أي معارضة للخليفة أو إنكار على المستمتعين، طيلة خلافة الصديق.

          ولا يقبل عاقل أن يجهل مثل الفاروق حكم المتعة، ولا ترخيص الصديق فيها، ولا استمتاع المسلمين بعد نبيهم.

          فيكون سكوته، وهو القوي الأمين، موافقة وإقرارا يدلان على إباحة المتعة عنده.

          ترخيص الفاروق صفعة لمدعي نسخ المتعة:

          لم يكتف الفاروق بإقرار الصديق، بل أبقى الوضع قائما سنين من خلافته، فكان المسلمون صحابة وتابعين يستمتعون بإذنه.

          ولو كانت المتعة محرمة لمنعها في بداية دولته على فرض جهالته بترخيص الصديق.

          بل إن الروايات الصحيحة، تدل بوضوح على أن المتعة كانت شائعة أيام الفاروق أكثر منها في زمن الصديق والنبوة، حيث صارت تفعل في السفر والحضر، في الحرب والسلم، وهذه الأدلة:

          الرواية الأولى:

          في صحيح مسلم ومسند أحمد، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن ابن منصور، وسنن البيهقي وشرح الآثار للطحاوي عن سيدنا جابر بن عبد الله قال: كنا نعمل بها، يعني متعة النساء، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي زمان أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر، حتى نهانا عنها.

          وفي مصنف عبد الرزاق بإسناد صحيح: استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، حتى إذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث بامرأة. الحديث

          فأثبتت شهادة جابر أن الصحابة كانوا يستمتعون طيلة خلافة الفاروق دون إنكار، ولا مجال لادعاء جهله بفعلهم، فإنه محال، وهذه روايات صريحة في الدلالة على علمه:

          الرواية الثانية:

          روى الإمام مالك بإسناد صحيح، ومن طريقه الشافعي في الأم، عن عروة بن الزبير عن خولة بنت حكيم أنها دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه! فخرج عمر بن الخطاب فزعا يجر رداءه فقال: هذه المتعة، ولو كنت تقدمت فيها لرجمت.

          وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح: عن عروة ابن الزبير أن ربيعة بن أمية بن خلف تزوج مولدة من مولدات المدينة بشهادة امرأتين، إحداهما خولة بنت حكيم، وكانت امرأة صالحة، فلم يفجأهم إلا الوليدة قد حملت، فذكرت ذلك خولة لعمر بن الخطاب، فقام يجر صنفة ردائه من الغضب حتى صعد المنبر فقال: إنه بلغني أن ربيعة بن أمية تزوج مولدة من مولدات المدينة بشهادة امرأتين! وإني لو كنت تقدمت في هذا لرجمت.

          وعند ابن شبة بإسناد صحيح: عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم بن أمية، وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تحت عثمان بن مظعون، فلما حملت المولدة من ربيعة ابن أمية فزعت خولة، فأتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبرته الخبر، ففزع عمر رضي الله عنه، فقام يجر من العجلة صنفة ردائه في الأرض حتى جاء المنبر، فقام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: بلغني أن ربيعة بن أمية تزوج امرأة سرا فحملت منه، وإني والله لو تقدمت في هذا لرجمت فيه.

          وروى الطبري، كما في كنز العمال، عن أمّ عبد الله ابنة أبي خيثمة أنّ رجلا قدم من الشام فنزل عليها، فقال: إنّ العزبة قد اشتدّت عليّ فابغيني امرأة أتمتّع معها. قالت: فدللته على امرأة فشارطها، فأشهدوا على ذلك عدولا، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث، ثمّ إنّه خرج. فأُخبر عن ذلك عمر بن الخطّاب، فأرسل إليّ، فسألني: أحقّ ما حُدّثت؟ قلت: نعم. قال: فإذا قدم فآذنيني به، فلمّا قدم أخبرته، فأرسل إليه، فقال: ما حملك على الّذي فعلته؟ قال: فعلته مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ لم ينهنا عنه حتى قبضه الله، ثمّ مع أبي بكر فلم ينهنا عنه حتى قبضه الله، ثمّ معك، فلم تحدث لنا فيه نهياً، فقال عمر: أما والّذي نفسي بيده، لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك، بيّنوا حتى يعرف النكاح من السفاح».

          قلـت: استمتاع ربيعة بن أمية تم بشهادة امرأتين، وفي السر، حيث لم يعلم الخليفة والناس، إلا بعد ظهور الحمل، فجاءت خولة بنت حكيم رضي الله عنها تدلي بشهادة براءة المولدة من الزنا، لكن الخليفة غضب ونهى عن المتعة، وبين أن غضبه راجع إلى الاكتفاء بشهادة امرأتين، وحصول ذلك في السر، وذلك قوله: "بلغني أن ربيعة بن أمية تزوج مولدة من مولدات المدينة بشهادة امرأتين"، وفي الرواية الثالثة: بلغني أن ربيعة بن أمية تزوج امرأة سرا فحملت منه.

          فهو لم ينكر المتعة، بل أنكر عدم إشهاد العدول من الرجال.

          أما قرار المنع، فسببه هو تخوف سيدنا عمر من ظهور المشاكل الاجتماعية التي تترتب عن جحود أولاد المتعة.

          فهو قرار تنظيمي وإجراء اجتماعي لا أكثر.

          ويفهم من قول المتمتع في الرواية الرابعة: فعلته مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ لم ينهنا عنه حتى قبضه الله... هـ أنه صحابي، ويظهر أنه سلمة بن أمية، لتشابه القصتين.

          وقوله: "ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً"، يؤكد ما صرح به بعض الصحابة كجابر بن عبد الله أن المتعة كانت تفعل في خلافة الفاروق دون إنكار منه.

          وقول سيدنا عمر: "بيّنوا حتى يعرف النكاح من السفاح"، يظهر أن الدافع وراء نهيه عن المتعة هو الإسرار بها مما يجعلها مشابهة للسفاح.

          وعدم تعزيره رضي الله عنه لابنة أبي خيثمة التي توسطت بين المتمتعين، صريح في أنها مباحة عنده، لأنها لو كانت محرمة لكان فعلها قوادة تستلزم العقوبة.

          ويستفاد من وساطة أم عبد الله، وشهادة الشهود دون إنكار منهم، وهم صحابة في الغالب، أن نكاح المتعة كان شائعا بين المسلمين، وأنه لم يكن منسوخا عندهم.

          الرواية الثالثة:

          روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قدم عمرو بن حريث من الكوفة فاستمتع بمولاة، فأتي بها عمر وهي حبلى، فسألها فقالت: استمتع بي عمرو بن حريث، فسأله فأخبره بذلك أمرا ظاهرا، قال: فهلا غيرها، فذلك حين نهى عنها.

          وفي المصنف أيضا بإسناد صحيح عن عطاء بن أبي رباح قال: قدم جابر بن عبد الله فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا له المتعة فقال: نعم، استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، حتى إذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث بامرأة، سماها جابر فنسيتها، فحملت المرأة، فبلغ ذلك عمر فدعاها فسألها فقالت: نعم. قال: من أشهد؟ قال عطاء: لا أدري قالت: أمي وأمها أو أخاها وأمها. قال: فهلا غيرهما؟ قال: خشي أن يكون دغلا.

          وفيه عن محمد بن الأسود بن خلف أن عمرو بن حريث استمتع بجارية بكر من بني عامر بن لؤي فحملت، فذكر ذلك لعمر فسألها فقالت: استمتع منها عمرو بن حريث، فسأله فاعترف، فقال عمر: من أشهدت؟ قال: لا أدري أقال: أمها أو أختها أو أخاها وأمها، فقام عمر على المنبر فقال: ما بال رجال يعملون بالمتعة ولا يشهدون عدولا ولم يبينها إلا حددته. قال: أخبرني هذا القول عن عمر من كان تحت منبره، سمعه حين يقوله، فتلقاه الناس منه.

          وروى ابن شبة في تاريخه بإسناد حسن لغيره من طريق عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: استمتعت من النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزمن أبي بكر، ثم زمن عمر حتى كان من شأن عمرو بن حريث الذي كان، فقال عمر رضي الله عنه: إنا كنا نستمتع ونفي، وإني أراكم تستمتعون ولا تفون، فانكحوا ولا تستمتعوا.

          نأخذ من مجموع هذه الروايات أن الصحابي عمرو بن حريث استمتع لما جاء المدينة قادما من الكوفة في غير حرب ولا ضرورة.

          ولم يشهد ابن حريث على استمتاعه إلا أقارب المرأة من النساء، فبقي أمره سرا حتى حملت منه زوجة المتعة، وانتشر خبرها بين أهل المدينة عاصمة الخلافة.

          فغضب سيدنا عمر لعدم إشهاد غير الأقارب، حيث أشبهت المتعة "الدغل"، أي الزنا.

          ونأخذ من قوله: "فهلا غيرهما" وقوله: "ما بال رجال يعملون بالمتعة ولا يشهدون عدولا"، أنه كان يجيز المتعة بشهادة العدول من غير أقارب المرأة كما استنبط ابن حزم رحمه الله.

          وعبارة: (إنا كنا نستمتع ونفي، وإني أراكم تستمتعون ولا تفون، فانكحوا ولا تستمتعوا)، صريحة في أن التحريم كان رأيا من سيدنا عمر، وأن السبب في ذلك هو عدم وفاء المستمتعين، أي تضييعهم للنساء المتمتع بهن وجحد الأولاد منهن.

          وبالجملة، فسيدنا عمر لم يعاقب المرأة ولا عمرو بن حريث، وإنما أنكر عليهما إخفاء المتعة، وكل ذلك برهان على أنها ليست حراما ولا منسوخة.

          الرواية الرابعة:

          روى عبد الرزاق بإسناد صحيح، ومن طريقه البخاري في التاريخ، عن ابن عباس قال: لم يرُع عمر أمير المؤمنين إلا أم أراكة قد خرجت حبلى، فسألها عمر عن حملها فقالت: استمتع بي سلمة بن أمية بن خلف. فلما أنكر ابن صفوان على ابن عباس بعض ما يقول في ذلك، قال: فسل عمك هل استمتع.

          وقال عمر بن شبة في الفصل المذكور أعلاه: استمتع سلمة بن أمية من سلمى مولاة حكيم بن أمية بن الأوقص الأسلمي فولدت له، فجحد ولدها. فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة.

          وفي الإصابة لابن حجر: سلمى مولاة حكيم بن أمية بن الأوقص السلمي، ذكر هشام في كتاب المثالب أن سلمة بن أمية بن خلف استمتع منها فولدت له ثم جحده، فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة.ه

          قلت: هو في تاريخ ابن شبة من طريق حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن رجل: أن سلمة بن أمية المخزومي تزوج مولاة له بشهادة أمها وأختها، أو شهادة أمه وأخته، فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فأرسل إليه فقال: مالك ولفلانة؟ فقال: مولاتي أعجبتني فتزوجتها بشهادة أمها وأختها، أو شهادة أمي وأختي، فقال لأبي بن كعب رضي الله عنه: ما ترى؟ قال: أرى أن عليه الرجم. قال: فوثب إلى رجل عمر رضي الله عنه وقال: أنشدك الله والرحم، قال: إن الرحم لا يغني عنك شيئا، الجهالة فعلت ما فعلت ؟ قال: نعم. قال [أي عمر]: لكني أرى غير ما رأى أبي، فانطلق فأشهد ذوي عدل وإلا فرقت بينكما.

          وسماك بن حرب تغير بأخرة، وشيخه مبهم، فالسند ضعيف، ولا يجوز الاستدلال بهذه الرواية على أن سيدنا أبيا كان يرى تحريم المتعة، لكنها تقوي خبر تمتع سلمة بن أمية، وتؤيد اشتراط الفاروق في نكاح المتعة شهادة عدلين، فإنه قال: فانطلق فأشهد ذوي عدل وإلا فرقت بينكما.

          وتفيد قصة الصحابي سلمة بن أمية، أن أحدا من غير أقارب أم أراكة لم يعلم بتمتعها مع سلمة حتى خرجت حاملا، فرآها الخليفة وهو يدري أنها غير ذات زوج، ففزع لحملها وخشي أن تكون زانية، لكنها طمأنته لما أخبرته باستمتاع سلمة منها، فلم يقل شيئا إلا عندما ولدت وجحد سلمة أن يكون ولدها منه، فتوعده ونهاه عن عمل المتعة سرا مرة أخرى.

          فسكوت الفاروق قبل جحود سلمة، صريح في عدم حرمة المتعة عنده.

          الرواية الخامسة:

          روى الطبري في تاريخه من طريق عيسى بن يزيد بن دأب عن عبد الرحمن بن أبي زيد عن عمران بن سوادة قال: صليت الصبح مع عمر، فقرأ سبحان وسورة معها، ثم انصرف وقمت معه، فقال: أحاجة؟ قلت: حاجة. قال: فألحق. قال: فلحقت. فلما دخل أذن لي، فإذا هو على سرير ليس فوقه شيء فقلت: نصيحة. فقال: مرحبا بالناصح غدوا وعشيا. قلت: عابت أمتك منك أربعا! وفيه: قلت: وذكروا أنك حرمت متعة النساء، وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها في زمان ضرورة، ثم رجع الناس إلى السعة، ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق، وقد أصبت.

          ورواه البخاري في التاريخ وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل مختصرا.

          قلت: هذه رواية ضعيفة بسبب عيسى بن يزيد الأديب الإخباري العالم بالسير، المضعف في رواية الحديث، وشيخه عبد الرحمان ابن البيلماني مولى سيدنا عمر، لينه أبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات.

          وبعض ما تضمنته الرواية حسن بالشواهد المتقدمة.

          وهي صريحة في أن متعة النساء لم تنسخ إباحتها عند الفاروق، فإنه لم ينكر على ابن سوادة مقالته، بل إنه قال: فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق. ـ

          ولعلها مستند جمهور فقهاء السنة في تجويز النكاح بنية الطلاق.

          فهذه ثلاثة وقائع تتفق في كون المتعة كانت تتم بالمدينة سرا زمن الخليفة، وبشهادة النساء فقط، وكلها أدت إلى الحمل.

          وإذا علمت أن زواج المتعة كان يتم في العلن زمن النبوة، واستحضرت آثار إنكار الرجال المستمتعين في السر لأولادهم على المجتمع، أدركت بوضوح أن سيدنا عمر قرر منع المتعة، بعدما كان يسمح بها، درءا للمفاسد الاجتماعية التي خشي حدوثها إذا تفشت المتعة بين الناس.

          وهذا إجراء إداري لا علاقة له بالتحريم، قد يوافقه فيه أو يخالفه حاكم آخر.

          وإذا كان عهد الخليفة الثاني لا يلجئ الناس إلى المتعة، فإن غيره من الأزمنة يحتاجها، ولا شك أننا في عصر يتطلب تقنين المتعة ورفع الحظر عنها.

          خطبة منع المتعتين تفضح المحرمين:

          بناء على الوقائع السابقة وغيرها، قرر سيدنا عمر منع المتعة بقرار إداري اجتماعي اجتهادي، هدفه حماية المجتمع وضمان حقوق النساء والأولاد.

          وكان منعه في خطبة علنية حفظها ونقلها جماعة، حرص خلالها الفاروق على تأكيد مشروعية المتعة، مؤكدا أنه مجتهد لا مبين لحكم شرعي.

          ورغم وضوح كلام الفاروق وصراحته، فإن علماءنا يغمضون أعينهم ويتكلفون تحريف كلامه بما يوافق المقرر في المذاهب.

          ونورد روايات خطبة الفاروق، لتعرف مدى تعسف وتعصب علمائنا رحمهم الله، ونحن مسبوقون بقراءة ابن حزم، فلا يتجنى علينا إلا أعمى البصر والبصيرة:

          رواية جابر بن عبد الله:

          قال: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر رضي الله عنه، فلما ولي عمر خطب الناس فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرسول وإن هذا القرآن هو القرآن، وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، إحداهما متعة النساء، ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلا غيبته بالحجارة، والأخرى متعة الحج فأفصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم. رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم.

          رواية أبي سعيد الخدري:

          قال: قام عمر رضي الله عنه خطيبا حين استخلف فقال: إن الله عز وجل كان رخص لنبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء، ألا وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق به، فأحصنوا فروج هذه النساء، وأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم.

          رواه الطحاوي في شرح الآثار بإسناد صحيح.

          رواية عبد الله بن عمر:

          روى عن أبيه أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج. أخرجه الطحاوي وابن عبد البر بإسناد صحيح.

          رواية التابعي سعيد بن المسيب:

          روى سعيد بن منصور في السنن والدارقطني في العلل عن سعيد بن المسيب أن عمر نهى عن متعة النساء ومتعة الحج. وفي لفظ عنه أن عمر قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما: متعة النساء ومتعة الحج. وهذا مرسل صحيح.

          رواية التابعي أبى قلابة:

          روى ابن منصور وابن عبد البر وابن حزم عنه: قال عمر بن الخطاب: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج. إسناده صحيح.

          فهذه خمس روايات صحيحة، تنفي أن يكون سيدنا عمر قد احتج على قراره بنهي سابق عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويفيد سائرها أنه اتخذ قراره بالاجتهاد، بل وتصرح بأن المتعة بقيت معمولا بها طيلة عهد النبوة.

          ونفهم بعد نظرة يسيرة على خطبة الفاروق أن المتعة مباحة عنده، بطرق ثلاث:

          الطريقة الأولى:

          ألفاظ الخطبة صريحة في نفي وجود أي تحريم سابق للمتعة:

          فقوله عند جابر: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرسول، وإن هذا القرآن هو القرآن"، يقصد به أنه لا يتلقى الوحي، ولا يتصرف بناء عليه، وأنه لا يريد تغيير الأحكام الثابتة في القرآن، بل يجتهد في تنزيلها وحسن تطبيقها بناء على ما تقتضيه المصلحة العامة.

          فكأنه يقول: المتعتان ثابتتان بالكتاب والسنة، وأنا لست نبيا معصوما، فلا تفهموا من قراري أنني مستند إلى وحي أو نص من الكتاب والسنة، بل أنا إمام مجتهد في رعاية مصالح الرعية.

          فكلامه تصريح بأن حكم المتعتين باق على ما كان عليه زمن النبوة.

          وقد كان العمل بهما جاريا، باعترافه رضي الله عنه، والعمل دليل الإباحة، فهما مباحتان عنده، لكن المصلحة اقتضت إيقاف العمل بهما في عهده.

          وقوله عند أبي سعيد الخدري:"إن الله عز وجل كان رخص لنبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء، ألا وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق به"، تصريح بأن المتعتين كان مرخصا فيهما زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن مات، وقوله: "قد انطلق به" يعني أن الوحي قد انقطع، وأنه يتصرف عن اجتهاد لا عن سنة سابقة.

          فرواية أبي سعيد تؤكد ما قلناه في رواية جابر.

          وقوله عند الجميع: "متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، صريح في أن العمل بالمتعة بقي مستمرا مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

          لأن "كانتا" تستلزم الخبر، وهو محذوف، وتقديره: كانتا مباحتين أو معمولا بهما أو شائعتين.

          وقوله: "أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما" يدل بوضوح على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن المتعتين بشهادة الفاروق، فهي لطمة قوية لمدعي النسخ.

          وأي تكلف في توجيه هذا القول العمري لا ينطلي على عاقل، فبعض الشراح يزعمون دون حياء ولا خجل، أنه يقصد توكيد النهي النبوي، وهو تعسف وكذب عليه وعلى المعصوم.

          وكونه أول من منع المتعة موافق لقول سيدنا جابر: "كنا نعمل بها، يعني متعة النساء، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي زمان أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر، حتى نهانا عنها".

          وقول سيدنا سلمة: أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملنا بها حتى قبضه الله، ما أنزل الله فيها من تحريم، ولا كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا فيها من نهي.

          فتأكد بالألفاظ المتقدمة أن الفاروق كان مجتهدا لا متبعا لحكم شرعي.

          الطريقة الثانية:

          من سوء حظ محرمي متعة الفرج، أن الفاروق نهى عنها مع متعة الحج، فحرمهم أقوى الحجج.

          فإنه صرح في الخطبة وخارجها بمشروعية متعة الحج، فكفانا ردا على من يعدون منعه وتهديده دليلا على التحريم، ويرون سكوت الصحابة إقرارا على ذلك:

          روى الشيخان عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ فَقَال: «بِمَ أَهْلَلْتَ»؟ قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلاَلِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْىٍ»؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: « فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ». فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي، فَكُنْتُ أُفْتِى النَّاسَ بِذَلِكَ فِى إِمَارَةِ أَبِى بَكْرٍ وَإِمَارَةِ عُمَرَ، فَإِنِّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إِذ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِى مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِى شَأْنِ النُّسُكِ. فَقُلْتُ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ بِشَيء فَلْيَتَّئِدْ، فَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ، فَبِهِ فَائْتَمُّوا. فَلَمَّا قَدِمَ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا هَذَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟ قَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)، وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، فَإِنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْىَ.

          وفي سنن النسائي بإسناد جيد عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: والله إني لأنهاكم عن المتعة وإنها لفي كتاب الله، ولقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني العمرة في الحج.

          وروى ابن أبي حاتم في العلل والبيهقي في السنن عن عبيد بن عمير قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنهيت عن المتعة؟ قال: لا، ولكني أردت كثرة زيارة البيت. قال: فقال علي رضي الله عنه: من أفرد الحج فحسن، ومن تمتع فقد أخذ بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم.

          وقوله: (لا) بعد استفهام مولانا علي، صريح في أن السؤال هو: هل تمنع المتعة لأنك تراها محرمة؟

          فهذه اعترافات من عمر رضي الله عنه بأنه منع متعة الحج اجتهادا لا تنفيذا لأمر الله ورسوله، وبه يسقط تعلق المحرمين بقراره، لأن قوله "كانتا على عهد رسول الله" يعني أن متعة الحج كانت مشروعة مباحة بدليل تصريحه في الروايات المتقدمة عن أبي موسى وابن عباس رضي الله عنهما.

          وما دامت الجملة إقرارا بعدم نسخ متعة الحج، فهي تعني نفس الأمر بخصوص متعة النكاح، فقد جمع بينهما سيدنا عمر.

          ومن زعم أن مقولته تصريح بجواز متعة الحج دون متعة النساء، فهو مطالب بالحجة والقرينة.

          فإن قال: الحجة والقرينة هي الروايات الدالة على مشروعية متعة الحج عند الفاروق.

          قلنا: وتقدمت كذلك روايات صريحة في أن الفاروق كان يرى عدم نسخ متعة النساء، فهي قرينة على أن قوله: "كانتا على عهد رسول الله" يعني أنها كانت مشروعة طيلة حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

          الطريقة الثالثة:

          ثبت عن جماعة من الصحابة القول بإباحة المتعة بعد استشهاد الفاروق، منهم ابن عباس وجابر وسلمة بن الأكوع وابن مسعود ومعاوية وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم، وكلهم كانوا عالمين بقراره ومنعه، بل كان سيدنا ابن عباس أعلم الناس بقضاء الفاروق وسياسته، وكان من الحاضرين عندما منع المتعتين، ثم كان إمام القائلين بمشروعيتهما بعد الفاروق.

          فهل يجوز أن يكون سيدنا عمر مستندا في قرار المنع إلى تحريم ونسخ سابقين زمن النبوة، ثم يكون هؤلاء الصحابة الكبار أول المخالفين بعد استشهاده؟

          وقد زعمتم أنهم كانوا يجهلون النسخ زمن النبوة وخلافة الصديق وصدرا من خلافة الفاروق، حتى أعلمهم في شأن عمرو بن حريث، فرجعوا إلى التحريم.

          فما قولكم في الروايات الدالة على أنهم صرحوا بالإباحة بعده؟

          نحن بين احتمالين لا ثالث لهما: إما أن الفاروق كان مجتهدا فأصر هؤلاء الصحابة على الإباحة، أو أنه كان مستندا إلى تحريم سابق سمعه من النبي دونهم فلم يصدقوه.

          والاحتمال الثاني مرفوض جملة وتفصيلا، فلم يبق إلا الاحتمال الأول، ومن له احتمال آخر يقنع العقلاء فليكرمنا به.

          أما ما قاله السادة العلماء، فهو كلام يضحك منه المغفلون والحمقى قبل أولي العقل والنهى، حيث زعموا أن هؤلاء الصحابة رجعوا إلى التحريم بعد قرار الفاروق مباشرة، وهؤلاء السادة يعلمون أن كلامهم كذب مخالف للواقع، إذ كل الروايات عن هؤلاء الصحابة كانت بعد استشهاده رضي الله عنه، بل إنهم يحتجون بحديث خيبر، وهو صريح في أن ابن عباس كان يرى الإباحة إلى عصر الإمام علي، أليس هذا تناقضا وكذبا مكشوفا؟

          لماذا جمع الفاروق بين المتعتين؟

          لأن الصحابة والتابعين كانوا يجمعون بين متعة الحج ومتعة النساء، فكان بعض المسلمين يحرمون بالمتعة إلى الحج، وينكحون النساء متعة بينهما.

          فكره سيدنا عمر أن يستمتع المسلمون بالنساء بين العمرة والحج، لأنه رآه لا يتناسب وهاتين العبادتين، فقرر أن يمنع متعة الحج حتى لا تكون مبررا لمتعة النساء، لذلك نهى عنهما في الموسم الذي حج فيه بالمسلمين آخر حياته رضي الله عنه.

          وحديث سيدنا أبي موسى الأشعري صريح فيما نقول: فعن أبي موسى أنه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك! فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد، حتى لقيه بعد فسأله فقال عمر: قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم.

          فقوله رضي الله عنه: ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك، ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم.

          لا يمكن أن يعني به استمتاع الرجل بين العمرة والحج بزوجته المؤبدة، فلا يعقل أن يراه مولانا الفاروق، الذي نزل بسببه تشريع الجماع في ليالي رمضان أمرا مكروها لا يتناسب وعبادة الحج.

          لكنه يستساغ منه أن يكره نكاح المتعة، لأنه ليس إلا رخصة وفسحة.

          فالذي يطمئن إليه القلب، هو أن المتعتين كانتا متلازمتين عند المسلمين قبل نهي سيدنا عمر، هذا التلازم تؤكده مقولة مولانا جابر بن عبد الله الصحيحة: "تمتعنا مع النبي صلى الله عليه وسلم المتعتين جميعا، فلما قام عمر نهانا عنهما، فلم نعد"

          رواه أحمد ومسلم وأبو عوانة والطحاوي وأبو نعيم في المستخرج.

          وتقدم أن المسلمين تمتعوا بعد عمرة الجعرانة.

          وقول مولانا الفاروق في خطبته: "متعتان كانتا على عهد رسول الله"، يشير أيضا إلى جمع الصحابة بين المتعتين زمن النبوة.

          فكأنه يقول: كان الناس يجمعون بين المتعتين بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنني أرى منعهما لتغير أحوال الأمة.

          فهو كجعله ثلاث تطليقات في المجلس الواحد طلاقا بائنا، رغم أنه يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله طلقة واحدة.

          وكإيقافه سهم المؤلفة قلوبهم رغم أنه ثابت بالقرآن صراحة.

          فإن كان مجتهدا في هذين ونحوهما، فهو مجتهد في منع المتعتين.

          وقفة مع الكذابين على الفاروق:

          حاول المتعصبون تبرئة مولانا عمر من منع المتعة اجتهادا، فكذبوا عليه وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعوا رواية زادوا فيها تصريح الفاروق بأنه يمنع المتعة تنفيذا للتحريم النبوي.

          فروى محمد بن يوسف الفريابي عن أبان بن أبي حازم عن أبي بكر بن حفص عن ابن عمر قال: لما ولي عمر بن الخطاب، خطب الناس فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها، والله لا أعلم أحدا يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله أحلها بعد إذ حرمها.

          رواه ابن ماجه والبزار وتمام في فوائده وابن حزم في حجته والضياء في مختارته.

          وروى أبو خالد الأموي ويحيى بن أبي زكريا أبو مروان عن منصور بن دينار حدثنا عمر بن محمد عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: صعد عمر على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها؟! ألا وإني لا أوتى بأحد نكحها إلا رجمته.

          أخرجه البيهقي في السنن وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ.

          وهذان الأثران موضوعان سندا، منكران متنا، فلا تقوم بهما حجة، إلا عند المعتوهين قلبا وعقلا:

          نقد السند:

          أما الطريق الأول، فقال الشوكاني في نيل الأوطار: أما ما رواه البزار عن عمر أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحل لنا المتعة ثم حرمها علينا. فقال ابن القيم: إن هذا الحديث لا سند له ولا متن، أما سنده فمما لا تقوم به حجة عند أهل الحديث، وأما متنه فإن المراد بالمتعة فيه متعة النساء.هـ

          وقال ابن الأزرق مستغفرا ربه متوكلا عليه: أبان بن عبد الله بن أبي حازم البجلي الكوفي وثقه أحمد وابن معين وابن نمير والعجلي. لكن قال النسائي: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبان: كان ممن فحش خطؤه وانفرد بالمناكير. وقال الفلاس: ما سمعت يحيى القطان يحدث عنه قط. وذكره العقيلي في الضعفاء. وقال الذهبي: كوفي له مناكير، حسن الحديث. وقال الحافظ في التقريب: صدوق، في حفظه لين.هـ

          والذين جرحوا أبانا فسروا سبب الجرح، وهو ضعف الحفظ والضبط المؤدي إلى فحش الغلط والنكارة، فقولهم مقدم على من وثقوه، فهو ضعيف فيما تفرد به، والضعفاء كانوا يسمعون الحديث الموضوع من الكذابين، ثم ينسون ويختلط عليهم الأمر، فيحدثون به عن شيوخهم الثقات، ولا نشك في وضع هذا الأثر لنكارة متنه، فيكون من جملة ما سمعه أبان البجلي من الوضاعين الكذبة.

          وأما الطريق الثاني، ففيها من العلل القادحة:

          أولا: يحيى بن أبي زكريا ضعيف، يروي المقلوبات عن الثقات. ومتابعه أبو خالد الأموي هو عبد العزيز بن أبان الكوفي أحد المتروكين، مجمع على ضعفه، واتهمه جماعة من النقاد كابن معين بالكذب والوضع وسرقة الأحاديث. فمتابعته لا تفيد يحيى بن أبي زكريا شيئا، لأن الأموي ضعيف جدا، ولأنه قد يكون أحدهما سرق حديث الآخر ثم بدأ يرويه.

          ثانيا: منصور بن دينار مضعف.

          ثالثا: عمر بن محمد العمري في حفظه لين، ثم هو مضطرب في روايته لحديث المتعة من طريق ابن عمر.

          نقد المتن:

          اشتمل متن الأثر من طريقيه على علتين تقضيان عليه بالنكارة والوضع، هما:

          الأولى: استعمل في طريق أبان بن أبي حازم فعل "حرم" مكان "نهى"، وذلك مخالف للطرق الصحيحة التي نقلت أخبار المتعة في خيبر والفتح وأوطاس، فإنها كلها تروي النهي الإداري لا التحريم الشرعي.

          وقلب الألفاظ إذا كان صادرا من الضعفاء يكون منكرا ولا بد.

          الثانية: يصرح الأثر أن سيدنا عمر استدل، في خطبة منع المتعة، بنهي النبي صلى الله عليه عنها، وهذه زيادة لم ترد في أي طريق من الطرق الصحيحة التي روت خطبة الفاروق رضي الله عنه، عن جابر والخدري وابن المسيب وأبي قلابة.

          بل صح عن ابن عمر أنه روى خطبة أبيه ولم يذكر أنه نسب التحريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

          فهي زيادة منكرة مكذوبة ورب الكعبة.

          فثبت بمجموع هذه العلل أن الأثر المتضمن للزيادة المرفوعة كذب على الفاروق، وابنه عبد الله، بل هو كذب على رسول الله، وضعه الرواة المتعصبون لتأييد مذهبهم العاطل.

          شاهـد لا يفرح به إلا متعصب أو جاهل:

          قال الطبراني في الأوسط: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رِشْدِينَ قَالَ: أخبرنا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ أَبُو صَالِحٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: أخبرنا الْبَرَاءُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْغَنَوِيُّ قَالَ: سمعت أبا نضرة يحدث عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب لما استخلف، نهى الناس عن متعة النساء وقال: إنما هذا شيء رخص للناس فيه والناس قليل، ثم إنه حرم عليهم بعد ذلك، فلا أقدر على أحد يفعل ذلك اليوم إلا أحللت به العقوبة. لم يرو هذا الحديث عن أبي نضرة إلا البراء بن عبد الله.هـ

          وقال الدارقطني في السنن: أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى نا أَبُو نُعَيْمٍ نا الْبَرَاءُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَبُو نَضْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ، وَقَالَ: «إِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ لِلنَّاسِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنِّسَاءُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ، ثُمَّ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ بَعْدُ، فَلَا أَقْدِرُ عَلَى أَحَدٍ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَتَحِلُّ بِهِ الْعُقُوبَةُ»

          قلت: هذا خبر موضوع مكذوب والله، فالبراء الغنوي مجمع على ضعفه، خصوصا فيما يرويه عن أبي نضرة.

          ولم يصح السند إليه، فشيخ الطبراني هو أحمد بن محمد بن الحجاج ابن رشدين موصوف بالكذب والوضع، وكذلك شيخ الدارقطني ابن أبي داود، اتهمه أبوه صاحب السنن وغيره بالكذب.

          ومما يدل على بطلانه واختلاقه، أن سيدنا ابن عباس كان من أشد الصحابة معارضة لمنع المتعة، حتى صار أول وأشهر من ينسب إليه مذهب إباحتها. فكيف يروي عن سيدنا عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم المتعة، ثم يفتي بخلاف ذلك إلى أن مات؟

          ورغم وضوح بطلان هذين الأثرين المكذوبين على الفاروق، فإن بعض كبار العلماء يحتجون بهما، وفيهم محدثون وحفاظ كالجبال.

          وهذا أكبر برهان على تغلغل التعصب والمذهبية في علمائنا غفر الله لهم، وهو أقوى حجة على انتفاء الدليل الصحيح عندهم، فاحتموا بالضعيف والموضوع ظانين أن البحث الموضوعي لن يكشفهم.

          سؤال وجيه: هل يجب احترام قرار الفاروق وعدم تغييره؟

          إن قرار الفاروق اجتهادي منطلق من ظروفه الاجتماعية وبساطته الإدارية، ولسنا ملزمين بقراراته رضي الله عنه ولا بقرارات غيره من الخلفاء، وإنما نحن ملزمون بأوامر الله ورسوله التشريعية، بالنظر إلى أحوالنا وظروفنا العصرية.

          والفاروق كان عليه أن يشدد الإجراءات القانونية، لا أن يمنع المتعة بالكلية، لأن قراره أحد أسباب فشو الزنا في الأمة كما يفيد قول ابن عباس، ثم إنه أدى إلى اعتقاد تحريم المتعة المشروعة من قبل الناس.

          وربما يكون الفاروق معذورا لأنه لم يجد الوسائل القانونية لضمان عدم انزلاق المجتمع إلى الهاوية بسبب إخفاء المتعة وإنكار المواليد الناتجين عنها، وباستطاعة رجال القانون اليوم أن يبدعوا الوسائل الكفيلة بحماية المجتمع المعاصر مما تخوفه الفاروق.

          فشتان بين أوضاعنا وأوضاع أهل القرن الأول إدارة وتنظيما وقانونا.

          وإذا جاز للفاروق أن يخالف ما كان ثابتا زمن النبوة وخلافة الصديق رعاية لمصالح الأمة، فإن مخالفته أولى بالجواز، لأننا سنترك سنته ونأخذ بسنة نبي الرحمة، بل بسنته أيضا قبل أن يمنع وينهى.

          ولنا في هذا المثال درس وعبرة:

          شهد على الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بشرب الخمر، فَقَالَ سيدنا عُثْمَانُ لِمولانا علي بن أبي طالب: أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَأَمَرَ عَلِيٌّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ أَنْ يَجْلِدَهُ، فَأَخَذَ فِي جلده وَعَلِيٌّ يَعدُّ حَتَّى جَلَدَ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ قَالَ علي لعبد الله: «أَمْسِكْ؛ جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ».

          رواه أحمد ومسلم وغيرهما.

          ونحن نقول: أذن النبي صلى الله عليه وسلم في المتعة، وتبعه خليفته الصديق، ومنعها الفاروق سياسة، وكل سنة، وما كان عليه رسول الله أحب إلينا وأنسب لعصرنا وظروفنا.

          ومن يقدم قرار الفاروق على النبي والصديق، فهو محروم من التوفيق.

          الخلاصة:

          كان سيدنا الفاروق مقرا مشروعية المتعة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر خلافته.

          ولم يصح أنه احتج على قرار المنع بنهي أو تحريم سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فالأسانيد التي نقلت ذلك عنه كلها واهية، ورغم تعددها لا تنجبر ببعضها ولا تعتضد لشدة ضعفها. ثم إن متونها مشتملة على نكارات واضحة.

          وتضمنت خطبة منع المتعة، إشارات قوية على أنه لا ينكر إباحتها، وقرائن صريحة في أنه مجتهد لا تابع.

          رضي الله عن سيدنا عمر والصحابة الكرام، وجمعنا بهم في جنات النعيم مع عظيم المقام، وصلى الله على شفيع المذنبين يوم الزحام.

          -خريج دار الحديث الحسنية . انتهى

          تعليق


          • #6

            نكاح المتعة: رحمة أم حرام عند السلف؟
            محمد ابن الأزرق

            24-مارس-2015 15:00
            (1)
            مقدمات ضرورية
            الباحث السني هو الذي يعتمد في أبحاثه على المصادر والمراجع المتفق عليها بين علماء السنة، ويستند إلى القواعد العلمية والمعايير المجمع عليها أو المقبولة من قبل علماء أهل السنة، في فهم القرآن الكريم، وتصحيح الأحاديث وفقهها...
            فإذا كانت مرجعية الباحث وقواعده سنية بامتياز، ثم خالف القول المشهور عند متأخري علماء السنة، فهو سني ولو وافق اليهود والنصارى، فضلا عن طائفة مسلمة كالشيعة أو المعتزلة، فالرأي بدليله وليس بقائله.
            وما يعد اليوم قواعد مسلمة، كان في الماضي البعيد محل خلاف وجدال بين سلفنا إلى أن أغلق باب الاجتهاد، وساد التلخيص والتقليد والتعصب.
            ولا يمكن أن يكون الرأي الذي يتوصل إليه أي باحث موضوعي اليوم، غير مسبوق إليه من بعض السلف من الصحابة أو التابعين أو الأئمة المجتهدين عبر العصور.
            فكل ما في الأمر أنه سيحيي قولا قديما هجره المسلمون بعد فشو التقليد والمذهبية، وقد يكون القول المهجور أصح من المشهور.
            خذ نكاح المتعة مثلا، ستجد علماءنا متفقين على تحريمه ونسخه بعد ثبوت مشروعيته، وإنما وقع ذلك الاتفاق بعد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله الذي كان له رأيان في الموضوع، وكان معاصرا لجماعة من الفقهاء السنة القائلين بالإباحة وعدم النسخ.
            وقبل ذلك، كان السلف من الصحابة والتابعين يبيحون نكاح المتعة ويعملون بها، ويفتي كبار الفقهاء السنة بمشروعيتها.
            قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الأم6/206: والمستحل لنكاح المتعة والمفتي بها والعامل بها ممن لا ترد شهادته... لأنا نجد من مفتي الناس وأعلامهم من من يستحل هذا... فَهذا كُله عندنا مَكْرُوه مُحَرَّمٌ وَإِنْ خَالَفْنَا الناس فيه، فرغبنا عن قَولهم ولم يدعنا هذا إلَى أن نجرحهم ونقول لهم: إنكم حَلَّلتم ما حَرم اله وأخطأْتم، لِأَنهم يَدعون علينا الْخطأ كما نَدعِيه عليهم، ويَنسبون من قال قَولنا إلَى أنه حرم ما أَحَل اللَّه عز وجل. هـ
            وفي الأم (7/ 53) أيضا: وكلّ من تأوَل فَأَتَى شيئا مستحلًّا كان فيه حَدّ أو لم يَكن لم تردّ شَهادته بذلك، أَلا ترى أَنّ ممّن حمل عنه الدّين وَنُصب علما في الْبلدان من قد يَستحل الْمُتعة، فيفتى بِأَن ينكح الرجل الْمرأَة أَياما بدراهم مُسَماة، وذلك عندنا وعند غَيرنا من أَهل الْفِقه مُحرم. هـ
            وبالنسبة للصحابة، فلم يصح القول بتحريمها بعد بحث طويل، إلا عن اثنين من صغار الصحابة سنا، هم أم المؤمنين عائشة الصديقة، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
            وبعد تحقيق في الروايات المنقولة عنهما ، تبين أنهما لم يكونا يعرفان أن المتعة أبيحت بالكتاب والسنة يوما ما، وأن الصحابة كانوا يفعلونها بإذن رسول الله، حيث أنكرا وقوعها بشدة.
            وموقفهما رضي الله عنهما مناقض لقول كل علماء السنة، فلا يجوز لعلمائنا المعاصرين الاستشهاد بهما، لأن مذهبهما شاذ لا يخدم مقولة النسخ بعد الإباحة، بل ينقضها تماما.
            ثم إنه موقف معارض لمن أصر من الصحابة على بقاء مشروعية المتعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أكثر وأفقه وأعلم من الأصحاب الثلاثة المحرمين كما سيأتي.
            سبب إثارة الموضوع
            إن فاحشة الزنا أصبحت ظاهرة تهدد شباب المسلمين وفتياتهم، وكان التفكير فيها يؤرقني بشدة، وأتساءل في نفسي: هل الزواج العادي وحده كاف لعلاج ظاهرة الزنا ومعالجتها؟ وهل أغلق الإسلام غيره من المنافذ؟ وذلك الشاب الذي لا يجد قدرة على الزواج، وتلك المرأة الأرملة أو المطلقة التي لا يخطبها أحد، ألا يمكن أن يكون في الشريعة الحنيفية ما يخفف عنهما؟
            وكنت أجيب نفسي فأقول: لو كان الزواج الدائم حلا نهائيا لما انتشرت الفاحشة بكل أنواعها في مجتمعاتنا المسلمة.
            وليس من الواقعية في شيء أن يكون النكاح المؤبد هو الوسيلة الشرعية الوحيدة لتصريف الغريزة الجنسية.
            ثم إني كنت أقرأ في موضوع متعة النساء لأكون على بينة عند مناظرة الشيعة، فرأيت سيدنا عبد الله بن عباس يقول: "لولا نهي عمر عن المتعة ما زنا إلا شقي".
            استوقفتني هذه الجملة وحيرتني، فتساءلت: هل المتعة علاج للزنا كما يقول حبر الأمة؟
            ثم وجدت علماءنا يجمعون على أنها كانت مباحة ثم نسخت وحرمت، وأن الصحابة الأطهار كانوا يفعلونها في غزواتهم وأسفارهم.
            فبدهني سؤال زلزل كياني، وهو: هل من المنطقي أن يبيح الله تعالى للصحابة متعة النساء، والزواج المؤبد كان متيسرا لهم، والفتنة الجنسية لا وجود لها في مجتمعهم، والجواري والإماء بالعشرات عند الواحد منهم، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، والتعدد كان عادتهم قبل الإسلام وبعده، وأوقاتهم بين حرب واستعداد لحرب، ثم يحرمها على من يأتي بعدهم، وهم أضعف إيمانا، وأكثر تعرضا للفتن؟
            وهنا خلصت إلى أن إعادة البحث والدراسة المتأنية ، بعيدا عن التعصب والعاطفة، هي السبيل لمعرفة موقف الشريعة من متعة النساء.
            يتبع ...

            تعليق


            • #7
              فقمت بالبحث المعمق المتأني سبع سنين، انتهت بتسطير كتاب ضخم في الموضوع، أرجو أن تتيسر لي ظروف طبعه ونشره لتعم الفائدة، وهذه المقالات مأخوذة منه باختصار وتصرف.
              فكل نقل أورده فيها، هو نقل موثق في الأصل، وكل حكم أصدره على رواية ما هو حكم مدروس، فلا مجال للمشاغبة علينا بأننا لا نوثق في مقالنا بعض ما ننقله، فنحن في مقال يستحسن فيه عدم التشويش على القارئ بالأرقام والمراجع، والعبد الحقير على استعداد لأي مناظرة أو نقاش علمي موضوعي في القضية، ولو على الهواء مباشرة.
              اللهم ارزقنا الإخلاص والصدق في القول والعمل، وأستغفر الله من أي غرور.
              رأي باحث لا فتوى عالم
              إن الفتوى وظيفة شرعية عظيمة، لها رجالها كبار الفقهاء، ولها جهاتها المختصة ممثلة في المجالس العلمية والمجلس العلمي الأعلى.
              ولست أحمق حتى أتجرأ على الإفتاء بجواز ممارسة المتعة قبل أن يصدر ذلك عن الجهات المختصة، وقبل أن يتم التقنين ووضع التشريعات اللازمة.
              فكما نرفض زواج الفاتحة أو الزواج العرفي لعدم التصريح بهما لدى السلطات، فإننا نمقت غيرهما لنفس العلة.
              وإن العمل بالمتعة منع بقرار من الحكام والملوك السابقين عملا بسنة سيدنا عمر بن الخطاب، فلا يمكن رفع الحظر عنها إذا ثبتت صلاحيتها لعصرنا، إلا بقرار من السلطة السياسية والدينية العليا ممثلة في شخص الملك كما حدث في مسائل كثيرة نجدها في مدونة الأسرة.
              فالأمر ليس فوضى، ومقالنا ليس تحريضا ودعاية.
              وعلى السادة العلماء أن يعيدوا النظر في المسألة كما يفعلون مع التعدد والإجهاض وغيرهما، ثم إذا توصلوا إلى عدم النسخ فليجهروا بعدم التحريم، ثم يتولى فقهاء القانون وضع التشريعات المنظمة لهذا النكاح الشرعي العلاجي.
              فلا بد أن يكون مصرحا به عند السلطات ليتميز عن الزنا، وضمانا لحقوق الأبناء المحتملين، ولكي تكون المرأة المستمتعة ملزمة بالعدة، وهي حيضة واحدة أو حيضتان.
              الهدف من الإدلاء بالرأي
              إن الهدف من هذا الموضوع، هو إثارة النقاش حول نكاح المتعة، كما أثير موضوع الإجهاض وغيره، وسؤال الفقهاء والجهات المختصة عن هذه النازلة:
              إن الدعارة مهنة متفشية، والزنا ظاهرة منتشية، والاغتصاب جريمة منتشرة، والخيانة الزوجية آفة منتثرة، والأسباب هي الحاجة الغريزية أولا، ثم الفقر والبطالة والعنوسة، وغير ذلك من موانع الزواج وعوائق التعدد الموضوعية، والنتائج كوارث اجتماعية.
              والمعالجة الأمنية لم تقض على تلك الظواهر، فالسجون لا تردع، والغرامات لا تقمع، والأسر تتصدع، والمجتمع يتضرع.
              فهل تعجز الشريعة عن التخفيف والوقاية من تلك المفاسد؟ وهل يمكن أن يكون رفع الحظر عن نكاح المتعة وتقنينه مساعدا للزواج المؤبد على تجنيبنا مزيدا من الشدائد؟
              إن حبر الأمة عبد الله بن عباس سبقني، وأنا الجاهل الحقير، فقال رضي الله عنه: (رحم الله عمر! ماكانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلولا أنه نهى عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي).
              رواه عبد الرزاق في المصنف بإسناد صحيح، ومن طريقه الطحاوي في شرح الآثار وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ، ورواه ابن شبة في تاريخ المدينة من طريق آخر حسن لغيره.
              وابن عباس مسبوق إلى نفس المقولة من قبل مولانا علي بن أبي طالب:
              قال الإمام ابن جريج: أخبرني من أصدق أن عليا قال بالكوفة: لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب، أو قال: من رأي ابن الخطاب، لأمرت بالمتعة، ثم ما زنا إلا شقي.
              رواه عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح إلى ابن جريج، ولولا إبهام الواسطة بينه وبين سيدنا علي لكان هذا الأثر صحيحا بلا خلاف، وهو كذلك على مذهب بعض المحدثين، لأن ابن جريج وثق شيخه.
              ثم هو حسن بهذا الطريق: روى الطبري في تفسير آية المتعة عن شعبة أنه سأل الإمام التابعي الحكم بن عتيبة عن هذه الآية:{والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} إلى هذا الموضع: { فما استمتعتم به منهن } أمنسوخة هي؟ قال: لا. قال الحكم: قال علي رضي الله عنه: لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.
              وعزاه الحافظ السيوطي في "الدر المنثور" لعبد الرزاق وأبي داود في الناسخ والمنسوخ.
              ورجال الطبري ثقات رجال الصحيحين، لكن الإمام الحكم بن عتيبة الكوفي لم يلق عليا رضي الله عنه، وقد أدرك بعض الصحابة وكبار أصحاب سيدنا علي وروى عنهم.
              وبطريقي ابن جريج والحكم بن عتيبة يصير أثر الإمام علي حسنا لغيره، ويزداد قوة بأثر ابن عباس الصحيح.
              فهل ما أقوله مبتدع شاذ إذا كان أعلم الصحابة على الإطلاق، وباعتراف علماء مذاهبنا السنية، قد صرحوا به منذ البداية؟
              نداء للسادة الفقهاء
              أيها السادة العلماء المبجلون صدقا، إنكم غير متمسكين بمشهور المذهب المالكي في كثير من المسائل، فالقانون المغربي المتعلق بالأحوال الشخصية، يسمح بعقد النكاح دون إلزام المرأة بإحضار الولي أخذا بمذهب الأحناف بسبب تعنت الآباء، ويعتبر الطلاق الثلاث في مجلس واحد طلقة واحدة فرارا من تشتيت الأسر، ويورث أبناء البنت وأبناءهم صلة للرحم، ويشترط في التعدد شروطا لا وجود لها في المذهب، ويصحح الزواج بالمزني بها...
              وأنا أرى كل ذلك عين الصواب لاختلاف أحوالنا وظروفنا عن أحوال الفقهاء السابقين.
              وأنتم لا تعتبرون شيئا من ذلك تقويضا للمذهب، بل تقوية وتجديدا.
              فهل أنتم مستعدون لإعادة النظر في مسألة متعة النساء، رحمة بالمسلمين أتباع المذهب، ودون خشية على المذهب؟
              المتعة ليست حراما عند إمامنا مالك
              أيها السادة الموقرون، لعلكم تعلمون أن القطع بتحريم المتعة قول متأخر في مذهبنا المالكي، تسرب إلينا من المذهب الشافعي عبر سيطرة علمائه على الدراسات الأصولية والحديثية.
              وإن إمامنا مالك بن أنس رضي الله عنه لم ينص على تحريم المتعة، بل تصرفه في كتاب الموطأ يدل على الكراهة فقط:
              جاء في الموطأ برواية يحيى الليثي: (باب نكاح المتعة): حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية. وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه، فخرج عمر بن الخطاب فزعا يجر رداءه فقال: هذه المتعة، ولو كنت تقدمت فيها لرجمت. انتهى
              وبعد التأمل العميق، نفهم أن الإمام لا يحرم المتعة، وإنما يريد بيان أحقية منع سيدنا عمر لها باعتباره حاكما واجب الطاعة، ومن ثم الرد على منتقدي سياسة الفاروق رضي الله عنه.
              فكأن الإمام يقول: إن عمر بن الخطاب حاكم يجوز له منع المتعة المباحة بدليل منع النبي صلى الله عليه وسلم لها في غزوة خيبر.
              وكان منعها يوم خيبر بإجراء عسكري يهدف إلى الإبقاء على الجهوزية القتالية للصحابة، أو لأن اليهود كانوا يرون المتعة حراما، فمنعها النبي احتراما لمعتقدات أهل خيبر اليهود.
              وما استنتجناه مؤيد بهذه القرائن الصارم بعضها:
              القرينة الأولى:
              لم يقل الإمام: (باب تحريم نكاح المتعة) بل قال: (باب نكاح المتعة)، واختيار ألفاظ الترجمة تساعد على فهم قصد الإمام كما هو معلوم.
              حيث نجد في الموطأ: (باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع) ، و ( باب تحريم الخمر ).
              فلماذا صرح في هذين الموضعين بالتحريم؟ ولم يصرح في باب نكاح المتعة رغم أن المتعة أعظم شأنا من الخمر والسباع؟
              أليس هذا أمارة على عدم التحريم عنده؟ أم أنه كان يصوغ العناوين اعتباطا؟
              القرينة الثانية:
              جاء في المدونة (2/ 130) لمولانا سحنون بن سعيد: (النكاح إلى أجل: قلت: أرأيت إذا تزوج امرأة بإذن ولي بصداق قد سماه، تزوجها إلى أشهر أو سنة، أو سنتين، أيصلح هذا النكاح؟ قال: قال مالك: هذا النكاح باطل، إذا تزوجها إلى أجل من الآجال فهذا النكاح باطل. قال: وقال مالك: وإن تزوجها بصداق قد سماه فشرطوا على الزوج إن أتى بصداقها إلى أجل كذا وكذا من الآجال، وإلا فلا نكاح بينهما. قال مالك: هذا النكاح باطل. قلت: دخل بها أو لم يدخل؟ قال: قال مالك: هو مفسوخ على كل حال، دخل بها أو لم يدخل بها. قال مالك: وإنما رأيت فسخه لأني رأيته نكاحا لا يتوارثون عليه أهله).
              قلت: أجوبة الإمام رحمه الله خالية من ألفاظ التحريم والزنا، ومن الوعيد بالحد والرجم على الاستمتاع، فأين كلامه من المتنطعين المغالين؟
              وتعليل الإمام الفسخ والإبطال بعدم التوارث أصرح قرينة على أنه لم يفهم من النهي عن المتعة يوم خيبر تحريمها.
              فبطلان العقد لا يستلزم تحريم المعقود عليه كما يعرف المشتغلون بالفقه واصطلاحاته، فالعقد يبطل باتفاق الزوجين على إسقاط الصداق، أو عدم الولي أو عدم الإشهاد، دون أن يعد الفعل حراما يستوجب العقاب، بل يتم تصحيح الزواج عند علمائنا ببساطة ويسر من خلال عقد جديد تتوفر فيه جميع الشروط.
              والإمام رحمه الله سمى المتعة نكاحا رغم وصفه بالبطلان فقال: (فهذا النكاح باطل)، ولو كان عنده حراما أو سفاحا ما سماه (نكاحا).
              فثبت لدينا أن المتعة مكروهة عند الإمام كراهة تنزيه لعدم التوارث بين المستمتعين.
              ويمكن للفقهاء والقانونيين أن يجعلوه سببا في التوارث كما فعلوا مع أبناء البنت وأبنائهم، وكل ذلك صلة للقرابة، فلا ضير.
              القرينة الثالثة:
              هناك روايات خارج الموطأ صريحة في أن إمامنا مالكا لم يكن يحرم المتعة، وهي موضحة لتصرفه في الموطأ وشاهدة على صحة قراءتنا: ففي الشرح الكبير للعلامة الدردير2/238: قال ابن العربي: وقد كان ابن عباس يقول بجوازها ثم ثبت رجوعه عنها، فانعقد الإجماع على تحريمها، فإذا فعلها أحد رجم في مشهور المذهب، وفي رواية أخرى عن مالك لا يرجم لأن نكاح المتعة ليس بحرام، ولكن لأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر العلماء، وهو أن ما حرم بالسنة هل هو مثل ما حرم بالقرآن أم لا؟ فمن رواية بعض المدنيين عن مالك أنهما ليسا بسواء وهذا ضعيف. هـ
              قلت: صرح هذا النقل أن المتعة ليست حراما عند الإمام مالك، وأن المنهي عنه بالسنة غير المنهي عنه في القرآن، وهو عين قولنا في مقال: "النهي النبوي لا يقتضي التحريم".
              وتضعيف الدردير للأصل المذكور، رغم إقراره بأنه من أصول المذهب، مثال على انتقاء الفقهاء ما يشتهون من كلام الأئمة المجتهدين، ودليل على مدى تأثير المذهب الشافعي في مواقف علماء مذهبنا، فالشافعي رحمه الله أقدم من ساوى بين الكتاب المتواتر والسنة الآحادية.
              وما قاله العلامة ابن العربي لا عبرة به، فالرجل ليس مرجعا كبيرا في الفقه المالكي لما عرف عنه من التأثر بشيوخه المشارقة الشوافع، وقد زعم رجوع ابن عباس عن المتعة وهو يعلم أن الروايات في ذلك ضعيفة وموضوعة، وادعى الإجماع على تحريمها، وهو يعلم أن أئمة آل البيت ومجتهدي الشيعة لم يتراجعوا عنها، فلا إجماع، وأفتى بالرجم خلافا للمستقر في المذاهب الأربعة.
              وابن العربي رحمه الله عرف بين العلماء بالقسوة والشدة على المخالف، واشتهر بالغلو في أحكامه القضائية، فلا عجب أن يصدر عنه العجب في مبحث المتعة، وما ضاع الدين إلا بسبب التشدد والغلو.
              رحم الله ابن العربي وسائر علماء الملة.
              وفي كتاب "المبسوط" للسرخسي5/152: (باب نكاح المتعة) وتفسير المتعة أن يقول لامرأته: أتمتع بك كذا من المدة بكذا من البدل. وهذا باطل عندنا جائز عند مالك بن أنس، وهو الظاهر من قول ابن عباس رضي الله عنه. هـ
              فثبت مما في المدونة والمبسوط أن الإمام مالكا لم يكن يحرم المتعة، فبينوا لنا رحمكم الله.
              القرينة الرابعة:
              جاء في المدونة: قلت ـ أي سحنون لشيخه ابن القاسم رحمهما الله: والذي يتزوج المرأة في عدتها عامدا يعاقب ولا يحد، وكذلك الذي يتزوج المرأة على خالتها أو على عمتها، وكذلك نكاح المتعة عامدا لا يحدون في ذلك ويعاقبون؟ قال: نعم.
              قلت: أرأيت في قول مالك، أليس كل وطء درأت فيه الحد عن الرجل وإن كان ذلك الوطء لا يحل، أليس من قذفه يضرب الحد؟ قال: نعم، ذلك في رأيي. هـ
              قلت: إمامنا أسقط حد الزنا عن المتمتع عمدا، أي أنه ليس زنا عنده، وإذا لم يكن زنا فهو ليس حراما حتما.
              فلماذا يتجرأ بعض الناس فيسمون المتعة سفاحا؟
              وفي عقاب قاذف المتمتع بالحد، أي ثمانين جلدة، درس لمن يقول عن الشيعة: إنهم أولاد الزنا.
              أما عقاب المتمتع الوارد في كلام الإمام، فهو من باب التعزير على عصيان النظام العام، فلا يستدل به على التحريم إلا من يريد العناد والجحود.
              القرينة الخامسة:
              ساق الإمام مالك في الموطأ أثر سيدنا عمر بعد حديث مولانا علي، إشارة إلى استمرار عمل الصحابة بالمتعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى أن المنع كان على يد الفاروق لا تحريما من النبي صلى الله عليه وسلم.
              فكأن الإمام يقول: النهي يوم خيبر ليس صريحا في التحريم، إذ لو كان كذلك ما ظلت المتعة معمولا بها بين الصحابة إلى عهد الخليفة الثاني.
              القرينة السادسة:
              إن حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام فتح مكة هو أصرح وأقوى ما احتج به علماء المذاهب الأربعة على التحريم والنسخ، فقد تضمن أن الصحابة استمتعوا عام الفتح ثلاثة أيام بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي اليوم الثالث أعلن النبي التحريم المؤبد إلى يوم القيامة.
              وهو حديث يرويه الإمام مسلم في الشواهد لا في الأصول، فتذكر هذا وتعرف الفرق بين الأصل والشاهد، وأن الثاني قد يكون ضعيفا باعتراف الإمام مسلم في مقدمة صحيحه.
              وقد اهتبل العاطفيون من المحدثين والفقهاء بحديث سبرة بن معبد فصححوه وطاروا فرحا به، لأنه أصرح ما لديهم في مواجهة الشيعة.
              لكن الشافعي تردد بشأن ثبوته في كتاب الأم، وصرح ابن معين بضعف كل ما يروى عن سبرة بن معبد في ترجمة حفيده عبد الملك بن الربيع بن سبرة، وانتقد الإمام الدارقطني في "الإلزامات والتتبع" مسلم بن الحجاج على تخريجه لعدم ثبوت صحبة سبرة بن معبد، وأضرب عنه الإمام البخاري فلم يستشهد به في الصحيح رغم أنه تناول موضوع نكاح المتعة هناك، وعلى الرغم من معرفته به إذ رواه في التاريخ الكبير.
              وقد كان إمامنا مالك الصيرفي الجهبذ أول وأقدم من أشار إلى تضعيف حديث سبرة، فإنه كان يعرفه ويرويه من طريق شيخه الزهري، لكنه لم يحتج به في الموطأ رغم وضوحه والحاجة إليه، لو صح.
              قال الحافظ ابن عبد البر في كتاب التمهيد: رواه إبراهيم بن علي التميمي عن مالك عن ابن شهاب عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء عام الفتح. ولا يصح عن مالك.
              ثم قال ابن عبد البر: وقد روي عن مالك هذا الحديث عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة. هكذا مختصرا، روته طائفة لا يحتج بمثلها عن مالك، وليس يصح فيه لمالك عن ابن شهاب حديث هذا الباب والله أعلم هـ
              قلت: لم يفسر الحافظ ابن عبد البر سبب عدم الصحة، ورواية الزهري للحديث متواترة عنه، والإمام مالك من جلة أصحاب الزهري، فيبعد أن يفوته حديث مثل هذا.
              وإذا كان كل فرد من الطائفة التي روت الحديث عن مالك ضعيفا، فإن تعددهم أمارة على الثبوت أيها الحافظ الكبير.
              وكيف تصحح ما يروى عن النبي عليه السلام من طريقين ضعيفين، عملا بتقوية الحديث بتعدد الطرق، ولا تصحح برواية طائفة ما يروى عن إمام ؟ أم أنك تخشى ما يترتب على الاعتراف برواية الإمام للحديث؟
              إن ذلك يعني أن الحديث من جملة ما أسقطه الإمام من الموطأ خلال أربعين عاما من التهذيب، وهذا يعني أن الحديث لا يصلح للاحتجاج، أي أنه ضعيف عند الإمام.
              وهو عين الصواب، فسبرة بن معبد لا تصح صحبته وإن ترجمه بعض المصنفين في الصحابة، لأنه لم يرو عنه إلا ابنه الربيع بن سبرة، والربيع كان مجهول الحال عند معاصريه، فلم يوثقه أحد منهم، وكان صاحب مناكير يسرق المرويات ثم يركب لها الأسانيد عن أبيه، ومتن حديثهما في المتعة مضطرب متناقض، لا يوجد في الدنيا حديث مضطرب كاضطرابه وتناقضه، وفي القصة منكرات فجة يستحيل صدورها من الصحابة الأبرار كالمساومة على الفتاة بين سبرة بن معبد وابن عمه، وحكاية سبرة أوصافها المخلة بالحياء لابنه الربيع.
              هذا، ولم يرو سبرة الحديث طيلة حياته إلا لابنه الربيع بن سبرة رغم حاجة الأمة إليه على فرض صحته، ورغم اختلاف الصحابة والتابعين في المتعة، ولم يروه ابنه إلا زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز، أي بعد سنة 98 هـ ، فلعله اخترعه ليحصل على الحظوة ويشتهر بين العلماء.
              فلا جرم يضعفه مثل الإمام مالك ويسقطه.
              وما دام يعرفه ولا يحتج به، فهو لا يرى المتعة حراما.
              القرينة السابعة:
              أيها السادة العلماء الفضلاء، إن جماهير علماء المذاهب الأربعة يجيزون النكاح بنية الطلاق بكل صوره، وهو متعة أقررتم أم أنكرتم، وإمامنا مالك من جملة مجيزي النكاح بنية الطلاق، وعليه علماء المذهب، فهل يعقل أن تكون المتعة عنده حراما إذا كان يبيح بعض تطبيقاتها؟ أم أنه كان يجيزها لكنه يشدد شروطها ؟
              إن الزواج بنية الطلاق صورتان: الأولى أن يتزوج الرجل المرأة ناويا تطليقها بعد شهر أو سنة ، لكنه لا يطلعها أو وليها على نيته المبيتة. والثانية أن يطلعها هي أو وليها على نيته تطليقها بعد انتهاء الأجل، لكن لا يكتب ذلك في العقد، ولا يذكر عند حضور الشهود، فيكون الزواج في صورته مؤبدا، وفي حقيقته مؤقتا.
              وإذا كانت الأعمال بالنيات كما قال مولانا رسول الله، فلا يغير هذا الاحتيال من الأمر شيئا.
              لقد رأينا فيما سبق أن الإمام مالكا يكره نكاح المتعة لعدم التوارث بين الزوجين المستمتعين، فيظهر أن الإمام يجيز المتعة إذا كانت تضمن التوارث، لذلك ابتدع بعبقريته الفذة النكاح بنية الطلاق، فإنه متعة في صورة زواج أبدي.
              فهل تفسيرنا منطقي أم أننا نخرف؟
              إن اخترتم رمينا بالتخريف، ولا أراكم فاعلين، فالمتعة الصريحة أفضل من النكاح بنية الطلاق على الصورة الأولى، لأنه نوع من الخداع والتلاعب.
              وهذه نصوص المذهب في جواز النكاح بنية الطلاق:
              قال ابن عبد البر في الاستذكار5/508: وقالوا كلهم - إلا الأوزاعي: إذا نكح المرأة نكاحا صحيحا، ولكنه نوى في حين عقده عليها ألا يمكث معها إلا شهرا أو مدة معلومة، فإنه لا بأس به، ولا تضره في ذلك نيته إذا لم يكن شرط ذلك في نكاحه. هـ
              قلت: قوله: (وقالوا كلهم) يعني به الأئمة الأربعة وغيرهم، فإنه ذكرهم قبل ذلك، والإمام مالك من جملتهم.
              وقال العبدري في التاج والإكليل (3/ 446): ( ومطلقا كالنكاح لأجل ) ابن عرفة: نكاح المتعة فيها هو النكاح إلى أجل قرب أو بعد. ابن حبيب: وكذا قول المسافر: أتزوجك ما أقمت. ابن عرفة: ظاهرها مع غيرها ولو بعد الأجل بحيث لا يدركه عمر أحدهما. اللخمي وسواء شرط الأجل الرجل أو المرأة يفسخ بعد البناء بغير طلاق. وسمع ابن القاسم: لا بأس أن يتزوج المرأة من نيته قضاء إربه ويطلقها، وليس من أخلاق الناس. هـ
              أي أن ابن القاسم سمع الإمام مالكا يقول ذلك.
              وفي الشرح الكبير للدردير2/238: وحقيقة نكاح المتعة الذي يفسخ أبدا أن يقع العقد مع ذكر الأجل للمرأة أو وليها، وأما إذا لم يقع ذلك في العقد ولم يعلمها الزوج بذلك، وإنما قصده في نفسه وفهمت المرأة أو وليها المفارقة بعد مدة فإنه لا يضر، وهي فائدة تنفع المتغرب. هــ
              قلت: أي أن المتغرب البعيد عن أهله يفيده النكاح بنية الطلاق، وعلى هذا الأساس كان التجار والعلماء يتزوجون كلما دخلوا بلدة لتجارة أو تعليم، ويضمرون الطلاق إلى حين خروجهم وعودتهم إلى الديار، ثم يأتي الفقهاء اليوم فيحرمون ما فعله الأجداد.
              وقال الخرشي في شرح قول الشيخ خليل رحمه الله: ( ومطلقا كالنّكاحِ لأجل): وهذا كلُّه إذا أَعلم الزَّوج المرأة أو وليّها بما قَصده من الأجل. وأمّا إن لم يقع ذلك في العقد ولا اشترطه إلَّا أَنّ الرّجل قَصده وفهمت المرأة ذَلك منه فإنّه يجوز وقيل بالفساد ، فإن لم تَفهم الْمرأة ذَلك فَليس بِمتعة اتّفاقا هـ
              قلت: هي متعة بالنسبة للرجل إذا لم تفهم المرأة أنه عازم على مفارقتها إذا قضى حاجته، والاتفاق دعوى مجردة عن الدليل.
              وفي الفواكه الدواني للنفراوي على رسالة ابن أبي زيد القيرواني 5/82: وشرط فساد نكاحِ المتعة إعلام الزّوجة بأنَّه إنّما ينكحها مدّة من الزَّمان، وأمّا إن لم يعلمها وإنَّما قَصد ذلك في نفسه، فلا يفسد وإن فهمت منه ذلك. هـ
              قلت: وهذا الكلام صريح في أن النكاح بنية الطلاق متعة.
              وفي حاشية الصاوي على الشرح الصغير (4/ 497): ( كالنّكاحِ لِأجل ) : وهو نكاح المتعة عيّن الْأَجل أَم لا ، ويعاقب فيه الزّوجان ولا يحدّان على المذهب ، ويفسخ بلا طلاق ، والمضرّ بيان ذلك في الْعقد للمرأة أو وليّها ، وأمّا لو أضمر الزّوج في نفسه أن يتزوّجها ما دام في هذِه الْبلدة أو مدّة سنة ثمّ يفارقها فلا يضرّ ، ولو فهمت المرأة من حاله ذلك . هـ
              فهل النكاح بنية الطلاق ثابت في المذهب؟ وهل يذكره علماء المذهب على أنه نوع من المتعة ؟ وإذا كان كذلك، فهل يصح القول بأن الإمام يحرمه؟
              القرينة الثامنة:
              إن تفاصيل قصة سيدنا عمر مع ربيعة بن أمية تشير بوضوح إلى أن الفاروق لم يكن يحرم المتعة، وأنه كان يكره أن تتم في السر حيث تكون مشابهة للزنا، فيتستر الزناة بها.
              روى عبد الرزاق في المصنف بإسناد صحيح عن عروة ابن الزبير أن ربيعة بن أمية بن خلف تزوج مولدة من مولدات المدينة بشهادة امرأتين، إحداهما خولة بنت حكيم، وكانت امرأة صالحة، فلم يفجأهم إلا الوليدة قد حملت، فذكرت ذلك خولة لعمر بن الخطاب، فقام يجر صنفة ردائه من الغضب حتى صعد المنبر فقال: إنه بلغني أن ربيعة بن أمية تزوج مولدة من مولدات المدينة بشهادة امرأتين! وإني لو كنت تقدمت في هذا لرجمت.
              وعند العلامة ابن شبة في تاريخ المدينة بإسناد صحيح: عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال ابن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهيئة بن سليم السلمية، وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تحت عثمان بن مظعون، فلما حملت المولدة من ربيعة ابن أمية فزعت خولة، فأتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبرته الخبر، ففزع عمر رضي الله عنه، فقام يجر من العجلة صنفة ردائه في الأرض حتى جاء المنبر، فقام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: بلغني أن ربيعة بن أمية تزوج امرأة سرا فحملت منه، وإني والله لو تقدمت في هذا لرجمت فيه. هـ
              فظهر من الروايتين الصحيحتين أن استمتاع ربيعة بن أمية تم بشهادة امرأتين، وفي السر، حيث لم يعلم الخليفة والناس، إلا بعد ظهور الحمل، فجاءت الصحابية خولة بنت حكيم تدلي بشهادة براءة المولدة من الزنا، لكن الخليفة غضب ونهى عن المتعة، وبين أن غضبه راجع إلى الاكتفاء بشهادة امرأتين، وحصول ذلك في السر، وذلك قوله: "بلغني أن ربيعة بن أمية تزوج مولدة من مولدات المدينة بشهادة امرأتين"، وفي الرواية الثانية: "بلغني أن ربيعة بن أمية تزوج امرأة سرا فحملت منه".
              فهو لم ينكر المتعة، بل أنكر عدم الإشهار وإشهاد العدول من الرجال.
              والإمام مالك يدري هذه التفاصيل والحيثيات، وهي صريحة في أن الفاروق لا يرى المتعة منسوخة، فيكون ذكر قصته في الموطأ بعد حديث النهي يوم خيبر صريحا في صرف النهي عن التحريم إلى الكراهة التنزيهية.
              ونحن في انتظار قراءة مقنعة تنقض قراءتنا لموقف الإمام رحمه الله، ومن زعم أن علماء المذهب السابقين قد أغنونا عن أي قراءة جديدة، فقد حجر واسعا، وقدس الأشخاص.
              المتعة مذهب الصحابة
              أيها السادة الفقهاء الغيارى على الشريعة، إن جواز المتعة مذهب كبار الصحابة والتابعين، فلا ضير في التراجع عن القول بتحريمها ونسخها إذا تأكد لديكم أن ذلك صحيح ثابت، لأنكم ستعودون بالأمة إلى ما كان عليه سلفها الصالح:
              قال الإمام ابن حزم الأندلسي في المحلى9/519: وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من السلف رضي الله عنهم، منهم من الصحابة رضي الله عنهم: أسماء بنت أبي بكر الصديق وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمة ومعبد أبناء أمية بن خلف، ورواه جابر بن عبد الله عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر. واختلف في إباحتها عن ابن الزبير، وعن علي فيها توقف. وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وأباحها بشهادة عدلين. ومن التابعين طاوس وعطاء وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة أعزها الله. وقد تقصينا الآثار المذكورة في كتابنا الموسوم بالإيصال. انتهى كلام ابن حزم
              وقال الحافظ ابن عبد البر في تمهيده10/111: أما الصحابة فإنهم اختلفوا في نكاح المتعة، فذهب ابن عباس إلى إجازتها، فتحليلها لا خلاف عنه في ذلك، وعليه أكثر أصحابه، منهم عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وطاووس، وروي تحليلها أيضا وإجازتها عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبدالله. هـ
              وقال العلامة القرطبي في تفسير قوله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة}: قال أبو بكر الطرطوسي: ولم يرخص في نكاح المتعة إلا عمران بن حصين وابن عباس وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت.
              وقال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير3/159: كلام الرافعي يوهم أن ابن عباس انفرد عن غيره من الصحابة بتجويز المتعة لقوله: (إن صح رجوعه وجب الحد للإجماع)، ولم ينفرد ابن عباس بذلك، بل هو منقول عن جماعة من الصحابة غيره. هـ
              قلت: عجبا لابن حزم والقرطبي والطرطوسي وابن عبد الر وابن حجر رحمهم الله، يعرفون أن هؤلاء الصحابة ثابتون على القول بحلية المتعة، ثم يخالفونهم فيحرمونها وينصرون القول بنسخها، وليس لديهم في المحرمين من الصحابة إلا أم المؤمنين عائشة وابن عمر رضي الله عنهما.
              وقد تأكد للعبد الجاهل أن الصحابة الذين صح عنهم التصريح بالإباحة ونفي النسخ هم: موالينا الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعلي، وساداتنا: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع، وأبو سعيد الخدري، وأسماء بنت أبي بكر، وخولة بنت حكيم، وسلمى مولاة حكيم السلمية.
              والصحابة الذين فعلوها بعد النبي صلى الله عليه وسلم هم: جابر بن عبد الله، وعمرو بن حريث المخزومي، وسلمة بن أمية بن خلف ومعاوية بن أبي سفيان.
              وكل رواية تقول إن عبد الله بن عباس تراجع عن الإباحة ضعيفة أو موضوعة من قبل المتعصبين، فقد درسناها كلها فوجدناها كذلك، وقبلنا قال حافظ المغرب ابن عبد البر في التمهيد10/121 بعد إيراده لبعضها: هذه الآثار كلها عن ابن عباس معلولة لا تجب بها حجة من جهة الإسناد، ولكن عليها العلماء، والآثار التي رواها المكيون عن ابن عباس صحاح الأسانيد عنه وعليها أصحاب ابن عباس، وأما سائر العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين وفقهاء المسلمين فعلى تحريم المتعة.اهـ
              قلت: بل سائر الصحابة والتابعين على جواز المتعة، وقد تقدم عنك ما يفيد العكس!
              وقول الإمام: (عليها العلماء) يقصد بعد استقرار المذاهب السنية.
              وقال ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 507): وقد روي عن ابن عباس أنه انصرف عن المتعة وأنه قال نسخ المتعة : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) ، وروي أنه قال: الاستمتاع هو النكاح. وهي كلها آثار كلها ضعيفة لم ينقلها أحد يحتج به ، والآثار عنه بإجازة المتعة أصح ، ولكن العلماء خالفوه فيها قديما وحديثا. هـ
              قلت: وهل في العلماء الذين خالفوه من يعادل حبر الأمة وأعلمها بعد مولانا علي بتأويل القرآن؟
              وقال الحافظ ابن بطال كما في فتح الباري لابن حجر: روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة، وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة، وإجازة المتعة عنه أصح، وهو مذهب الشيعة. هـ
              ورأيت كذلك الشيخ الألباني يصرح بتضعيف كل ما نسب لابن عباس في الرجوع.
              ومن أئمة التابعين الذين أجازوها أو عملوا بها: سعيد بن جبير، وعبد الملك ابن جريج وعطاء بن أبي رباح، والحكم بن عتيبة.
              فهل هؤلاء سلف الشيعة أم سلفنا نحن السنة؟
              إن الشيعة لا يعترفون إلا بمولانا علي من بين هؤلاء المجيزين.
              فإذا صاح اليوم باحث سني أن المتعة مباحة غير منسوخة، موافقا لجلة علماء الصحابة والتابعين، فلا عليه إذا خالف أقوال كل مجتهدي الأمة الذين جاؤوا بعد الصحابة، وليس من الدين والخلق اتهامه بالتشيع، لأنه سيقوم برد الفعل فيتهم من يرفض موقف جمهور الصحابة بالتلاعب بالدين.
              ترخيص المتعة يمنع التشيع
              أيها الفضلاء النبلاء، إن شباب مذاهبنا السنية يتشيعون لدوافع سياسية وأخرى جنسية، فهم يعانون العزوبة والفتنة، ويجدون في مذهب الشيعة متنفسا ومخلصا.
              إنهم يجدون مذهب الشيعة في المتعة حلا واقعيا يناسب الفطرة، فيعتنقونه في بلاد المهجر بكل ما فيه من غث وسمين، ثم يعودون إلى بلادهم دعاة مبشرين.
              وهذا يذكرنا باعتناق بعض النصارى للإسلام بسبب إباحته التعدد.
              إن مذاهبنا السنية تتعامل مع القضية الجنسية بحساسية مفرطة، فتحرم كل صورة من صور الزواج ما لم يكن مؤبدا بالأركان والشروط المشددة.
              والمجتمع يعج بالأرامل والمطلقات والعوانس، وبالرجال والشباب العاجزين عن الزواج المعروف، والغريزة الجنسية أقوى غرائز الإنسان، فلا عجب يزني ويغتصب، ولا غرو يتشيع أو يلحد.
              فإذا كنا حريصين على المذهب أصولا وفروعا، فعلينا أن نفتح النقاش الهادئ بحثا عن الحق والصواب، وحفظا للدين والخلق والمجتمع.
              زواج المتعة واقع لا يرتفع
              أيها السادة العلماء والدعاة، إن المتعة منتشرة في بلدنا شئنا أم أبينا، أبحنا أم حرمنا، ففي بعض مناطق الأطلس تتزوج الفتاة بابن البلدة دون توثيق بموافقة الأهل مدة معينة، تصل إلى سنة في الغالب، على أن يطلقها عند انقضاء الأجل، ويعتبرون ذلك تمرينا للشابين على الزواج النهائي، والذي قد يكون بينهما أو مع شخص آخر، وهذا هو المتعة بعينه، ولا مجال لوصف هؤلاء الناس بالزناة أو نحوها من النعوت القبيحة.
              وتفيد بعض التقارير والأخبار أن الأسر في بعض المناطق، تسلم الفتاة للغريب المسافر، مدفوعة بالفقر والحاجة، فيقضي ليلته معها مقابل دراهم معدودات.
              ولا نشك في أنها عادات راجعة إلى شيوع المتعة في بلادنا سابقا، أي قبل استقرار المذهب.
              وبعض الباحثين يرجعون ذلك إلى الاستعمار الفرنسي، وهم مخطئون يجانبون الصواب.
              فتلك العادات منتشرة في مناطق نائية لم تصلها سلطة المستعمر ورياحها الثقافية.
              وتفيدنا الأخبار الشفهية أن المساكنة بين الطلبة والطالبات، وبين العاملين والعاملات، ظاهرة مترسخة في المدن الكبرى.
              فهل تنكرون ذلك يا سادة ؟ وإذا كان حقيقة، فما التوصيف الشرعي لكل ذلك ؟ وهل حال منع المتعة دون حدوثه ؟ ثم ألا يدفعكم ذلك إلى التحقيق من جديد في الموضوع رحمة بالناس ؟
              نكتة لطيفة
              قال لي بعض العقلاء الأذكياء جدا: إذا كانت المتعة حلالا، فهل تقبلها لابنتك أو أختك؟ وظن أنه أحرجني وأفحمني، فصار يضحك وأنا أتأمل غيبوبته الفكرية، ثم قلت له من حيث لا يدري: وهل ترضى أن يتزوج أبوك على أمك الجميلة الشابة؟ وهل تقبل الضرة على ابنتك وأختك ما دام التعدد حلالا؟ وهل تستطيع أن تأكل الضب والجراد المباحين؟
              وختمت بسؤاله: هل يعجبك أن تكون لك أكثر من زوجة؟ قال مسرعا: نعم. قلت: لما سألتك عن التعدد لأبيك وصهرك بقيت ساكتا حائرا، وعندما سألتك عن رغبتك أنت أجبتني بلهفة، فكيف؟
              ثم سألته: ما رأيك في أن تكون مسافرا إلى بلد أوربي مثلا، وتكون بعيدا عن زوجتك، فتتزوج امرأة برضاها مدة مقامك هناك، فلا تقع في الفاحشة؟ قال: ما أجمل ذلك وأحسنه. قلت: هل نسيت أن ذلك يسمى المتعة؟ قال: وإن.
              وتذكرت هنا ما رواه الإمام ابن حبان في "روضة العقلاء" عن عبد الرحمن ابن القاسم قال: قال أبو حنيفة لشيطان الطاق: ما تقول في المتعة؟ قال: حلال، قال: فَيسُرك أن أمَّك تزوجت متعة؟ فسكت عنه ساعة، ثم قال: يا أبا حنيفة: ما تقول في النبيذ؟ قال: حلال، قال: وشربه وبيعه وشراؤه؟ قال: نعم، قال: فيسرك أن أمك نَبَّاذة؟ قال: فسكت عنه أبو حنيفة.
              قلت: كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله يجيز النبيذ الشديد الذي قد يسكر بعض الشاربين، لذلك رد عليه شيطان الطاق بما رأيت.
              ***
              أيها السادة، المتعة لا يلجأ إليها إلا مضطر، ولا تفعلها فتاة بكر، بل هي رحمة بالأرملة والمطلقة والعانس والعاجز عن الزواج من الرجال، فحاورونا بالنقل والعقل، ولا تجهلوا علينا هداكم الله وهدانا.
              أيها العلماء والباحثون، حاولوا أن تنظروا في آراء هذا المسكين بتواضع وموضوعية، واصبروا حتى يطرح ما عنده بكل حرية، وتحققوا من منقولاته بروح علمية، ولا تزعموا أنكم لستم بحاجة لمطالعة ما جاء في مصادرنا حول متعة النساء الشرعية، فنحن نعرف برامج التدريس الديني وطرقه العتيقة والعصرية.
              وأنتم أيها المعلقون العاطفيون تأدبوا بالأخلاق المرضية، وحافظوا على حسناتكم قبل حلول المنية، ولا تظنوا أن الصياح والعويل يخدم القضية، وإن أصررتم على محو ذنوبي بالعدوان، فلكم مني كل التحية.
              اللهم من اتهمني في عقلي وعلمي فاغفر له ثم اغفر له ثم اغفر له فإني عاذره، ومن اتهمني بالخروج عن المذهب السني المالكي فاهده وعلمه فإني مسامحه، ومن قذفني في إيماني وعقيدتي أو شتمني في عرضي وآبائي، فوفقه للتوبة رحمة به، وإلا فعامله بما يستحق يا مجير المظلومين وحسيب المكلومين.
              *ـ خريج دار الحديث الحسنية
              ــ باحث متخصص في علوم الحديث

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة وهج الإيمان
                محمد ابن الأزرق الأنجري الطنجي -
                يبدو أن جوابي على السيد محمد الشركي المحفوف بالأدب رغم قوة التعبير آلمه جدا، وليس ألامه، كما جاء في رده على الوقفات، فأرغد وأزبد وبالغ في الشتم إلى حد وصفي بالحمار، وهو نعت لا يضيرني يا أخي في الآدمية قبل المحمدية، بل يسيء إليك وأنت ذو الشيبة الحريص على إيمان الناس، ولا عذر لك أمام الله ثم أمام القراء، الذين كان من حقهم أن تحترم أذواقهم إن كنت أنا لا أرقى مستوى الآدمية.
                وأما رده الجديد “وجهة نظر” فجاء أخف وأهدأ، وإن تكررت صفة المتنطع فيه مرات وكرات.
                وقد حاول الأستاذ الذي نرجو أن يتعلم الحلم قبل الحكم، مناقشة موضوع المتعة بأسلوب علمي، لكنه سقط مرة أخرى، فلم يتمالك نفسه فصار يتهمني بتهم تعد عند المؤمنين فاحشة، من قبيل كوني متساوقا مع حملة الطعن في الدين وأهله، وتضخم عقدة “الأنا” لمجرد أنني أختم مقالاتي بجملة: “متخصص في علوم الحديث” أو “خريج دار الحديث الحسنية”، وهي عبارات يعرف منها البريئون من العقد أن صاحبها يتحدث من داخل حقل علوم الشريعة، فتعرف منطلقاته ومنهجيته.
                وبخصوص النهي، فعبد ربه أوضح في مقال: “النهي النبوي لا يقتضي التحريم” موقفه، فينصح أخاه الشركي بالعودة إليه.
                ولما كان العم محمد الشركي بارك الله له في العمر، يريد المناقشة العلمية الهادئة كما يظهر من “وجهة نظر”، فأنا أستأذنه من خلال إعادة نشر أجزاء مقالاتي حول المتعة مع بعض التعديل، ليعرف قارئ “وجدة البوابة” مدى التزام العم المحترم بالموضوع، ومدى قدرته على صد الإشكالات العلمية المطروحة في مقالي.
                وأقول العم احتراما لا سخرية، فأنا أصغره كثيرا، حيث إني من مواليد 1974، وأرجو أن لا يرميني بالمراهق بعدما سماني حمارا، وأتمنى أن يتواضع فيسميني باسمي ولا يقول: المدعو ابن الأزرق، فإن عبارة “المدعو” تعني في العرف لا اللغة أن المتكلم لا يستسيغ التسمية أو يتعاظم على المخاطب، والعم المسمى محمد الشركي يستعمل كلمة “المدعو” بالمعنى العرفي، وإن أراحه ذلك فلا مانع، فأنا مسمى محمد بن الأزرق في السماء والأرض، وفي ذلك غنية عن معاندة شرقية.
                ولندخل في الموضوع من بابه العلمي، قائلا بعد التعوذ بالله والصلاة على مصطفاه:
                قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الأم6/206: والمستحل لنكاح المتعة والمفتي بها والعامل بها ممن لا ترد شهادته… لأنا نجد من مفتي الناس وأعلامهم من من يستحل هذا… فَهذا كُله عندنا مَكْرُوه مُحَرَّمٌ وَإِنْ خَالَفْنَا الناس فيه، فرغبنا عن قَولهم ولم يدعنا هذا إلَى أن نجرحهم ونقول لهم: إنكم حَلَّلتم ما حَرم الله وأخطأْتم، لِأَنهم يَدعون علينا الْخطأ كما نَدعِيه عليهم، ويَنسبون من قال قَولنا إلَى أنه حرم ما أَحَل اللَّه عز وجل. هـ
                فهل توافق الإمام الشافعي يا عم محمد أم تتهمه بالتشيع؟
                ///
                إن فاحشة الزنا أصبحت ظاهرة تهدد شباب المسلمين وفتياتهم، فل الزواج العادي وحده كاف لعلاج ظاهرة الزنا ومعالجتها؟ وهل أغلق الإسلام غيره من المنافذ؟ وذلك الشاب الذي لا يجد قدرة على الزواج، وتلك المرأة الأرملة أو المطلقة التي لا يخطبها أحد، ألا يمكن أن يكون في الشريعة الحنيفية ما يخفف عنهما؟
                رأي باحث لا فتوى عالم
                إن الفتوى وظيفة شرعية عظيمة، لها رجالها كبار الفقهاء، ولها جهاتها المختصة ممثلة في المجالس العلمية والمجلس العلمي الأعلى.
                ولست أحمق حتى أتجرأ على الإفتاء بجواز ممارسة المتعة قبل أن يصدر ذلك عن الجهات المختصة، وقبل أن يتم التقنين ووضع التشريعات اللازمة.
                وإن العمل بالمتعة منع بقرار من الحكام والملوك السابقين عملا بسنة سيدنا عمر بن الخطاب، فلا يمكن رفع الحظر عنها إذا ثبتت صلاحيتها لعصرنا، إلا بقرار من السلطة السياسية والدينية العليا ممثلة في شخص الملك كما حدث في مسائل كثيرة نجدها في مدونة الأسرة.
                فالأمر ليس فوضى، ومقالنا ليس تحريضا ودعاية.
                الهدف من الإدلاء بالرأي
                إن الدعارة مهنة متفشية، والزنا ظاهرة منتشية، والاغتصاب جريمة منتشرة، والخيانة الزوجية آفة منتثرة، والأسباب هي الحاجة الغريزية أولا، ثم الفقر والبطالة والعنوسة، وغير ذلك من موانع الزواج وعوائق التعدد الموضوعية، والنتائج كوارث اجتماعية.
                فهل تعجز الشريعة عن التخفيف والوقاية من تلك المفاسد؟ وهل يمكن أن يكون رفع الحظر عن نكاح المتعة وتقنينه مساعدا للزواج المؤبد على تجنيبنا مزيدا من الشدائد؟
                إن حبر الأمة عبد الله بن عباس سبقني، وأنا الجاهل الحقير، فقال رضي الله عنه: (رحم الله عمر! ماكانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلولا أنه نهى عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي).
                رواه عبد الرزاق في المصنف بإسناد صحيح.
                وابن عباس مسبوق إلى نفس المقولة من قبل مولانا علي بن أبي طالب حيث قال: لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب، أو قال: من رأي ابن الخطاب، لأمرت بالمتعة، ثم ما زنا إلا شقي.
                رواه عبد الرزاق و الطبري وهو أثر حسن.
                فهل ما أقوله مبتدع شاذ إذا كان أعلم الصحابة على الإطلاق، وباعتراف علماء مذاهبنا السنية، قد صرحوا به منذ البداية؟
                المتعة ليست حراما عند إمامنا مالك
                إن إمامنا مالك بن أنس رضي الله عنه لم ينص على تحريم المتعة، بل تصرفه في كتاب الموطأ يدل على الكراهة فقط:
                جاء في الموطأ برواية يحيى الليثي: (باب نكاح المتعة): حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية. وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه، فخرج عمر بن الخطاب فزعا يجر رداءه فقال: هذه المتعة، ولو كنت تقدمت فيها لرجمت. انتهى
                وبعد التأمل العميق، نفهم أن الإمام لا يحرم المتعة، وإنما يريد بيان أحقية منع سيدنا عمر لها باعتباره حاكما واجب الطاعة، ومن ثم الرد على منتقدي سياسة الفاروق رضي الله عنه.
                فكأن الإمام يقول: إن عمر بن الخطاب حاكم يجوز له منع المتعة المباحة بدليل منع النبي صلى الله عليه وسلم لها في غزوة خيبر.
                وكان منعها يوم خيبر بإجراء عسكري يهدف إلى الإبقاء على الجهوزية القتالية للصحابة، أو لأن اليهود كانوا يرون المتعة حراما، فمنعها النبي احتراما لمعتقدات أهل خيبر اليهود.
                وما استنتجناه مؤيد بهذه القرائن الصارم بعضها:
                القرينة الأولى:
                لم يقل الإمام: (باب تحريم نكاح المتعة) بل قال: (باب نكاح المتعة)، واختيار ألفاظ الترجمة تساعد على فهم قصد الإمام كما هو معلوم.
                حيث نجد في الموطأ: (باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع) ، و ( باب تحريم الخمر ).
                فلماذا صرح في هذين الموضعين بالتحريم؟ ولم يصرح في باب نكاح المتعة رغم أن المتعة أعظم شأنا من الخمر والسباع؟
                أليس هذا أمارة على عدم التحريم عنده؟ أم أنه كان يصوغ العناوين اعتباطا؟
                القرينة الثانية:
                جاء في المدونة (2/ 130) لمولانا سحنون بن سعيد: (النكاح إلى أجل: قلت: أرأيت إذا تزوج امرأة بإذن ولي بصداق قد سماه، تزوجها إلى أشهر أو سنة، أو سنتين، أيصلح هذا النكاح؟ قال: قال مالك: هذا النكاح باطل، إذا تزوجها إلى أجل من الآجال فهذا النكاح باطل. قال: وقال مالك: وإن تزوجها بصداق قد سماه فشرطوا على الزوج إن أتى بصداقها إلى أجل كذا وكذا من الآجال، وإلا فلا نكاح بينهما. قال مالك: هذا النكاح باطل. قلت: دخل بها أو لم يدخل؟ قال: قال مالك: هو مفسوخ على كل حال، دخل بها أو لم يدخل بها. قال مالك: وإنما رأيت فسخه لأني رأيته نكاحا لا يتوارثون عليه أهله).
                قلت: أجوبة الإمام رحمه الله خالية من ألفاظ التحريم والزنا، ومن الوعيد بالحد والرجم على الاستمتاع، فأين كلامه من المغالين؟
                وتعليل الإمام الفسخ والإبطال بعدم التوارث أصرح قرينة على أنه لم يفهم من النهي عن المتعة يوم خيبر تحريمها.
                والإمام رحمه الله سمى المتعة نكاحا رغم وصفه بالبطلان فقال: (فهذا النكاح باطل)، ولو كان عنده حراما أو سفاحا ما سماه (نكاحا).
                فثبت لدينا أن المتعة مكروهة عند الإمام كراهة تنزيه لعدم التوارث بين المستمتعين.
                ويمكن للفقهاء والقانونيين أن يجعلوه سببا في التوارث كما فعلوا مع أبناء البنت وأبنائهم، وكل ذلك صلة للقرابة، فلا ضير.
                القرينة الثالثة:
                هناك روايات خارج الموطأ صريحة في أن إمامنا مالكا لم يكن يحرم المتعة، وهي موضحة لتصرفه في الموطأ وشاهدة على صحة قراءتنا: ففي الشرح الكبير للعلامة الدردير2/238: قال ابن العربي: وقد كان ابن عباس يقول بجوازها ثم ثبت رجوعه عنها، فانعقد الإجماع على تحريمها، فإذا فعلها أحد رجم في مشهور المذهب، وفي رواية أخرى عن مالك لا يرجم لأن نكاح المتعة ليس بحرام، ولكن لأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر العلماء، وهو أن ما حرم بالسنة هل هو مثل ما حرم بالقرآن أم لا؟ فمن رواية بعض المدنيين عن مالك أنهما ليسا بسواء وهذا ضعيف. هـ
                قلت: صرح هذا النقل أن المتعة ليست حراما عند الإمام مالك، وأن المنهي عنه بالسنة غير المنهي عنه في القرآن، وهو عين قولنا في مقال: “النهي النبوي لا يقتضي التحريم”.
                وتضعيف الدردير للأصل المذكور، رغم إقراره بأنه من أصول المذهب، مثال على انتقاء الفقهاء ما يشتهون من كلام الأئمة المجتهدين، ودليل على مدى تأثير المذهب الشافعي في مواقف علماء مذهبنا، فالشافعي رحمه الله أقدم من ساوى بين الكتاب المتواتر والسنة الآحادية.
                وابن العربي رحمه الله عرف بين العلماء بالقسوة والشدة على المخالف، واشتهر بالغلو في أحكامه القضائية، فلا عجب أن يصدر عنه العجب في مبحث المتعة، وما ضاع الدين إلا بسبب التشدد والغلو. رحم الله ابن العربي وسائر علماء الملة.
                القرينة الرابعة:
                جاء في المدونة: قلت ـ أي سحنون لشيخه ابن القاسم رحمهما الله: والذي يتزوج المرأة في عدتها عامدا يعاقب ولا يحد، وكذلك الذي يتزوج المرأة على خالتها أو على عمتها، وكذلك نكاح المتعة عامدا لا يحدون في ذلك ويعاقبون؟ قال: نعم.
                قلت: أرأيت في قول مالك، أليس كل وطء درأت فيه الحد عن الرجل وإن كان ذلك الوطء لا يحل، أليس من قذفه يضرب الحد؟ قال: نعم، ذلك في رأيي. هـ
                قلت: إمامنا أسقط حد الزنا عن المتمتع عمدا، أي أنه ليس زنا عنده، وإذا لم يكن زنا فهو ليس حراما حتما.
                فلماذا يتجرأ العم الشركي فيسمي المتعة زنا؟
                القرينة الخامسة:
                إن جماهير علماء المذاهب الأربعة يجيزون النكاح بنية الطلاق، وهو متعة لاشتماله على تحديد الأجل، وإمامنا مالك من جملة مجيزي النكاح بنية الطلاق، وعليه علماء المذهب، فهل يعقل أن تكون المتعة عنده حراما إذا كان يبيح بعض تطبيقاتها؟ أم أنه كان يجيزها لكنه يشدد شروطها ؟
                والزواج بنية الطلاق صورتان: الأولى أن يتزوج الرجل المرأة ناويا تطليقها بعد شهر أو سنة ، لكنه لا يطلعها أو وليها على نيته المبيتة. والثانية أن يطلعها هي أو وليها على نيته تطليقها بعد انتهاء الأجل، لكن لا يكتب ذلك في العقد، ولا يذكر عند حضور الشهود، فيكون الزواج في صورته مؤبدا، وفي حقيقته مؤقتا.
                وإذا كانت الأعمال بالنيات كما قال مولانا رسول الله، فلا يغير هذا الاحتيال من الأمر شيئا.
                لقد رأينا فيما سبق أن الإمام مالكا يكره نكاح المتعة لعدم التوارث بين الزوجين المستمتعين، فيظهر أن الإمام يجيز المتعة إذا كانت تضمن التوارث، لذلك ابتدع بعبقريته الفذة النكاح بنية الطلاق، فإنه متعة في صورة زواج أبدي.
                فهل تفسيرنا منطقي أم أننا نخرف يا عم؟
                وهل الزواج بنية الطلاق متعة أم لا رحمك الله؟
                قال ابن عبد البر في الاستذكار5/508: وقالوا كلهم – إلا الأوزاعي: إذا نكح المرأة نكاحا صحيحا، ولكنه نوى في حين عقده عليها ألا يمكث معها إلا شهرا أو مدة معلومة، فإنه لا بأس به، ولا تضره في ذلك نيته إذا لم يكن شرط ذلك في نكاحه. هـ
                وقال العبدري في التاج والإكليل (3/ 446): ( ومطلقا كالنكاح لأجل ) ابن عرفة: نكاح المتعة فيها هو النكاح إلى أجل قرب أو بعد. ابن حبيب: وكذا قول المسافر: أتزوجك ما أقمت. ابن عرفة: ظاهرها مع غيرها ولو بعد الأجل بحيث لا يدركه عمر أحدهما. اللخمي وسواء شرط الأجل الرجل أو المرأة يفسخ بعد البناء بغير طلاق. وسمع ابن القاسم: لا بأس أن يتزوج المرأة من نيته قضاء إربه ويطلقها، وليس من أخلاق الناس. هـ
                وفي الشرح الكبير للدردير2/238: وحقيقة نكاح المتعة الذي يفسخ أبدا أن يقع العقد مع ذكر الأجل للمرأة أو وليها، وأما إذا لم يقع ذلك في العقد ولم يعلمها الزوج بذلك، وإنما قصده في نفسه وفهمت المرأة أو وليها المفارقة بعد مدة فإنه لا يضر، وهي فائدة تنفع المتغرب. هــ
                وقال الخرشي في شرح قول الشيخ خليل رحمه الله: ( ومطلقا كالنّكاحِ لأجل): وهذا كلُّه إذا أَعلم الزَّوج المرأة أو وليّها بما قَصده من الأجل. وأمّا إن لم يقع ذلك في العقد ولا اشترطه إلَّا أَنّ الرّجل قَصده وفهمت المرأة ذَلك منه فإنّه يجوز وقيل بالفساد ، فإن لم تَفهم الْمرأة ذَلك فَليس بِمتعة اتّفاقا هـ
                وفي الفواكه الدواني للنفراوي على رسالة ابن أبي زيد القيرواني 5/82: وشرط فساد نكاحِ المتعة إعلام الزّوجة بأنَّه إنّما ينكحها مدّة من الزَّمان، وأمّا إن لم يعلمها وإنَّما قَصد ذلك في نفسه، فلا يفسد وإن فهمت منه ذلك. هـ
                قلت: وهذا الكلام صريح في أن النكاح بنية الطلاق متعة.
                وفي حاشية الصاوي على الشرح الصغير (4/ 497): ( كالنّكاحِ لِأجل ) : وهو نكاح المتعة عيّن الْأَجل أَم لا ، ويعاقب فيه الزّوجان ولا يحدّان على المذهب ، ويفسخ بلا طلاق ، والمضرّ بيان ذلك في الْعقد للمرأة أو وليّها ، وأمّا لو أضمر الزّوج في نفسه أن يتزوّجها ما دام في هذِه الْبلدة أو مدّة سنة ثمّ يفارقها فلا يضرّ ، ولو فهمت المرأة من حاله ذلك . هـ
                فهل النكاح بنية الطلاق ثابت في المذهب؟ وهل يذكره علماء المذهب على أنه نوع من المتعة؟ وإذا كان كذلك، فهل يصح القول بأن الإمام يحرمه؟
                ونحن في انتظار قراءة مقنعة من العم محمد تنقض قراءتنا لموقف الإمام رحمه الله.
                المتعة مذهب الصحابة والتابعين قبل الشيعة
                قال الإمام ابن حزم الأندلسي في المحلى9/519: وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من السلف رضي الله عنهم، منهم من الصحابة رضي الله عنهم: أسماء بنت أبي بكر الصديق وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمة ومعبد أبناء أمية بن خلف، ورواه جابر بن عبد الله عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر. واختلف في إباحتها عن ابن الزبير، وعن علي فيها توقف. وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وأباحها بشهادة عدلين. ومن التابعين طاوس وعطاء وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة أعزها الله. وقد تقصينا الآثار المذكورة في كتابنا الموسوم بالإيصال. انتهى كلام ابن حزم
                وقال الحافظ ابن عبد البر في تمهيده10/111: أما الصحابة فإنهم اختلفوا في نكاح المتعة، فذهب ابن عباس إلى إجازتها، فتحليلها لا خلاف عنه في ذلك، وعليه أكثر أصحابه، منهم عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وطاووس، وروي تحليلها أيضا وإجازتها عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبدالله. هـ
                وقال العلامة القرطبي في تفسير قوله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة}: قال أبو بكر الطرطوسي: ولم يرخص في نكاح المتعة إلا عمران بن حصين وابن عباس وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت.
                وقال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير3/159: كلام الرافعي يوهم أن ابن عباس انفرد عن غيره من الصحابة بتجويز المتعة لقوله: (إن صح رجوعه وجب الحد للإجماع)، ولم ينفرد ابن عباس بذلك، بل هو منقول عن جماعة من الصحابة غيره. هـ
                وقد تأكد للعبد الجاهل أن الصحابة الذين صح عنهم التصريح بالإباحة ونفي النسخ هم: موالينا الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعلي، وساداتنا: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع، وأبو سعيد الخدري، وأسماء بنت أبي بكر، وخولة بنت حكيم، وسلمى مولاة حكيم السلمية.
                والصحابة الذين فعلوها بعد النبي صلى الله عليه وسلم هم: جابر بن عبد الله، وعمرو بن حريث المخزومي، وسلمة بن أمية بن خلف ومعاوية بن أبي سفيان.
                وكل رواية تقول إن عبد الله بن عباس تراجع عن الإباحة ضعيفة أو موضوعة من قبل المتعصبين، قال حافظ المغرب ابن عبد البر في التمهيد10/121 بعد إيراده لبعضها: هذه الآثار كلها عن ابن عباس معلولة لا تجب بها حجة من جهة الإسناد، ولكن عليها العلماء، والآثار التي رواها المكيون عن ابن عباس صحاح الأسانيد عنه وعليها أصحاب ابن عباس، وأما سائر العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين وفقهاء المسلمين فعلى تحريم المتعة.اهـ
                قلت: بل سائر الصحابة والتابعين على جواز المتعة، وقد تقدم عنك ما يفيد العكس!
                وقول الإمام: (عليها العلماء) يقصد بعد استقرار المذاهب السنية، والعبرة بالزمن الأول.
                وقال في الاستذكار (5/ 507): وقد روي عن ابن عباس أنه انصرف عن المتعة وأنه قال نسخ المتعة : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) ، وروي أنه قال: الاستمتاع هو النكاح. وهي كلها آثار كلها ضعيفة لم ينقلها أحد يحتج به ، والآثار عنه بإجازة المتعة أصح ، ولكن العلماء خالفوه فيها قديما وحديثا. هـ
                قلت: وهل في العلماء الذين خالفوه من يعادل حبر الأمة وأعلمها بعد مولانا علي بتأويل القرآن؟
                وقال الحافظ ابن بطال كما في فتح الباري لابن حجر: روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة، وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة، وإجازة المتعة عنه أصح، وهو مذهب الشيعة. هـ
                ورأيت كذلك الشيخ الألباني يصرح بتضعيف كل ما نسب لابن عباس في الرجوع.
                ومن أئمة التابعين الذين أجازوها أو عملوا بها: سعيد بن جبير، وعبد الملك ابن جريج وعطاء بن أبي رباح، والحكم بن عتيبة.
                فهل هؤلاء سلف الشيعة أم سلفنا نحن السنة يا عم؟
                إن الشيعة لا يعترفون إلا بمولانا علي من بين هؤلاء المجيزين.
                زواج المتعة واقع لا يرتفع
                إن المتعة منتشرة في بلدنا شئنا أم أبينا، أبحنا أم حرمنا، ففي بعض مناطق الأطلس تتزوج الفتاة بابن البلدة دون توثيق بموافقة الأهل مدة معينة، تصل إلى سنة في الغالب، على أن يطلقها عند انقضاء الأجل، ويعتبرون ذلك تمرينا للشابين على الزواج النهائي، والذي قد يكون بينهما أو مع شخص آخر، وهذا هو المتعة بعينه، ولا مجال لوصف هؤلاء الناس بالزناة أو نحوها من النعوت القبيحة.
                ولا نشك في أنها عادات راجعة إلى شيوع المتعة في بلادنا سابقا، أي قبل استقرار المذهب.
                وبعض الباحثين يرجعون ذلك إلى الاستعمار الفرنسي، وهم مخطئون يجانبون الصواب.
                فتلك العادات منتشرة في مناطق نائية لم تصلها سلطة المستعمر ورياحها الثقافية.
                وتفيدنا الأخبار الشفهية أن المساكنة بين الطلبة والطالبات، وبين العاملين والعاملات، والمعلمين والمعلمات، والمخيمين والمخيمات، وربما المفتشين والمفتشات، ظاهرة مترسخة في المدن الكبرى.
                فهل تنكر ذلك يا أخي محمد؟ وإذا كان حقيقة، فما التوصيف الشرعي لكل ذلك ؟ وما الحل الشرعي الواقعي؟

                نكتة لطيفة
                قال لي بعض المتذاكين: إذا كانت المتعة حلالا، فهل تقبلها لابنتك أو أختك؟ وظن أنه أحرجني وأفحمني، فصار يضحك وأنا أتأمل غيبوبته الفكرية، ثم قلت له من حيث لا يدري: وهل ترضى أن يتزوج أبوك على أمك الجميلة الشابة؟ وهل تقبل الضرة على ابنتك وأختك ما دام التعدد حلالا؟ وهل تستطيع أن تأكل الضب والجراد المباحين؟
                فهم أنني أريد الآتي: إن الشيء المباح شرعا لا تؤثر في حكمه الأمزجة والأهواء، لأن الشريعة خالدة شاملة، والنفوس متقلبة مائلة، وما يحبه إنسان ويجد راحته فيه ولذته، قد يعافه غيره لأنه ليس مضطرا إليه.
                والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعاف الضب ويتقزز منه رغم أنه كان يأذن لأصحابه في أكله بحضرته، بل جمع عليه السلام بين أكثر من زوجة، لكنه رفض بشدة أن يتزوج مولانا علي على ابنته مولاتنا فاطمة.
                ويبدو أن الأستاذ الشركي لم يتذوق هذه المعاني، لذلك لم يفهم مغزى جوابي ردا على تحديه المجاني.
                وأضيف هنا أن النقاش حول حكم الشريعة وليس الميول النفسية، والمفتي إذا قال مثلا: التعدد سنة النبي وحكم القرآن، لا يقال له إنك متناقض إذا كره الضرة على أمه وبنته وأخته، بل إن المرأة المسلمة تقر بمشروعية التعدد لكنها تبغضه وتخشاه.
                وفي “روضة العقلاء” لابن حبان، عن عبد الرحمن ابن القاسم قال: قال أبو حنيفة لشيطان الطاق: ما تقول في المتعة؟ قال: حلال، قال: فَيسُرك أن أمَّك تزوجت متعة؟ فسكت عنه ساعة، ثم قال: يا أبا حنيفة: ما تقول في النبيذ؟ قال: حلال، قال: وشربه وبيعه وشراؤه؟ قال: نعم، قال: فيسرك أن أمك نَبَّاذة؟ قال: فسكت عنه أبو حنيفة.
                قلت: كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله يجيز النبيذ الشديد الذي قد يسكر بعض الشاربين، لذلك رد عليه شيطان الطاق بما رأيت.
                ولو سألت المفتش الشركي هذا السؤال: هل ترضى وتقبل أن تكون إحدى بناتك الأبكار ضرة عند رجل يكبرك سنا له خمسة أبناء وست بنات، لرفض العرض إلا أن تغرم ابنته بالخاطب وتهدد بالانتحار، فهل يرفض لأن التعدد حرام؟ أم لأنه لا يليق بابنة المفتش والصحفي أن تكون ضرة دوارة بين الشيخ والعجوز؟
                هذا، والمتعة لا يلجأ إليها إلا مضطر من الرجال، ولا تفعلها فتاة بكر إلا مكرهة بدافع الفقر أو التشرد واليتم، وهي رحمة كما قال موالينا علي وابن عباس بالأرملة والمطلقة والعانس الفقيرات المكبوتات، والعاجز عن الزواج من الرجال، فحاورونا بالنقل والعقل، ولا تجهلوا علينا هداكم الله وهدانا.
                أيها العم الفاضل، حاول أن تنظر في آراء هذا الطويلب بتواضع وموضوعية، وتجيب على إشكالات المقدمات الضرورية، واصبر حتى يطرح ما عنده بكل حرية، وتحقق من منقولاته بروح علمية، ولا تزعم أنك لست بحاجة للبحث الجدي في متعة النساء المرضية، واحفظ حسناتك قبل حلول المنية، ولا تظنن أن الانفعال والاتهام المجاني يخدم القضية، وإن أصريت على محو ذنوبي بالقدح والشتم، فلك مني كل التحية، وبيني وبينك نصوص الوحي القطعية، ثم القواعد والأصول الشرعية، والاختلاف لا يفسد للود قضية.
                ويتبع بإذن الله ما لم تعاجلني الغيبية
                تلميذكم ومحبكم الشارب يوما من وجدة الشرقية اهـــ

                هذا القول الا يوجي اشيئ

                والمتعة لا يلجأ إليها إلا مضطر من الرجال، ولا تفعلها فتاة بكر إلا مكرهة بدافع الفقر أو التشرد واليتم،

                كيف يفهم من المضطر (( هل هيا محرمة عن المتزوج )) امر محير
                او الفتات البكر (( يعني تتاجو بجسمها لكسب القوت ))

                تعليق


                • #9

                  الأستاذ بولوز

                  محمد ابن الأزرق*


                  30-مارس-2015 00:30
                  دليل مشروعية " نكاح المتعة " من القرآن الكريم:
                  قال الله تعالى في سورة النساء: { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين، فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، إن الله كان عليما حكيما } .ولا ينكر جمهور علمائنا كونها نصا صريحا في المتعة، وإنما يزعمون أن حكمها منسوخ.قال الشوكاني: أما نكاح المتعة، فلا خلاف أنه قد كان ثابتا في الشريعة كما صرح به القرآن: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} هـ
                  وأنكر قلة منهم أن تكون متعلقة بالمتعة دون احترام لهذه القراءة الصحيحة الواردة فيها: قال أبو نضرة: سألت ابن عباس عن متعة النساء، قال: أما تقرأ سورة النساء؟ قلت: بلى. قال: فما تقرأ فيها: [ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى] ؟ قلت: لا، لو قرأتها هكذا ما سألتك، قال فإنها كذا. رواه الطبري وابن أبي داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، ولم يضعفه أحد من القائلين بالنسخ.وقوله : "إنها كذا " ، أي معناها كذلك أو أنزلت كذلك .وهي قراءة مولانا أبي بن كعب، فصح عن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه قال: أعطاني ابن عباس مصحفا فقال: هذا على قراءة أبي، قال أبو كريب: قال يحيى : فرأيت المصحف عند نصير فيه: [ فما استمتعتم به منهن (إلى أجل مسمى) ] أخرجه الطبري وابن شاهين.ولم يصح عن الصحابة ما يعارض قراءة أبي وابن عباس، فهو شبه إجماع.واعتمدها عطاء بن أبي رباح وقتادة وسعيد بن جبير ومجاهد والحكم بن عتيبة وسفيان الثوري وموالينا علي بن الحسين وأبو جعفر محمد وابنه جعفر.
                  ومن المفسرين القدامى مقاتل والسدي، والمصنفون في النواسخ كابن سلام وابن حزم.
                  وقال القرطبي: اختلف العلماء في معنى الآية، فقال الحسن ومجاهد وغيرهما: المعنى: فما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح فآتوهن أجورهن أي مهورهن ... قال الجمهور: المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام، وقرأ ابن عباس وأُبي وابن جبير: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن. هـ
                  ولا يصح ما ذكره عن الحسن ومجاهد، والغير الذي أشار إليه، ليس من الصحابة حتما، فلا عبرة به في معارضة أبي وابن عباس.
                  إنها قراءة شاذة على قول الجمهور، والشاذ كل قراءة صحيحة الأسانيد، لم تواتر التواتر المشترط في القرآن الكريم، لذلك لا نجدها في المصحف. ولعلمائنا رحمهم الله ثلاثة مسالك في التعامل مع القراءات الشاذة الصحيحة:
                  المسلك الأول:
                  يعتبرها الجمهور من القرآن المنسوخ لفظا، فتكون بذلك حجة في بيان معنى الآية المرتبطة بها، وأقوى عندهم من حديث الآحاد.
                  قال الزركشي: [الأمر الثامن: قال أبو عبيد في كتاب "فضائل القرآن": إن القصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها، وذلك كقراءة عائشة وحفصة: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى (صلاة العصر)}، وكقراءة ابن مسعود: {والسارق والسارقة فاقطعوا (أيمانهما)} [...] فهذه الحروف وما شاكلها، قد صارت مفسرة للقرآن، وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين في التفسير فيستحسن ذلك، فكيف إذا روي عن كبار الصحابة؟]. هـ
                  ولسنا نقر هذا المذهب، فنسخ التلاوة مع بقاء الحكم أو نسخ التلاوة والحكم معا، ابتدعا فرارا من حقائق كثيرة، وننصح المصدومين بقراءة رسالة العلامة عبد الله الغماري: "ذوق الحلاوة ببيان امتناع نسخ التلاوة".
                  المسلك الثاني:
                  يرى بعض العلماء أن القراءة الشاذة بمثابة الحديث، أي أن النبي عليه السلام كان يفسر الآية، ثم ينسى الصحابي فيخلط بين الآية وتفسيرها، ويكتبها في المصحف الخاص به كما فهم، ويقرئ تلامذته ذلك، ومن هنا كلف سيدنا عثمان بن عفان لجنة من جماعة كبيرة، قامت بإعادة جمع القرآن صافيا من التأويل النبوي وتفاسير الصحابة، وأقر ذلك الجميع بمن فيهم مولانا علي. قال ابن قدامة في "المغني": في قراءة أبي وعبد الله بن مسعود: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}، كذلك ذكره الإمام أحمد في التفسير عن جماعة، وهذا إن كان قرآنا فهو حجة لأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإن لم يكن قرآنا فهو رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يحتمل أن يكون سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرا فظناه قرآنا، فثبتت له رتبة الخبر ولا ينقص عن درجة تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للآية، وعلى كلا التقديرين فهو حجة يصار إليه.ـ
                  وقال ابن كثير: [ نص الشافعي في موضع آخر في الأم على وجوب التتابع كما هو قول الحنفية والحنابلة، لأنه قد روي عن أبي بن كعب وغيره أنهم كانوا يقرؤونها: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}. قال أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}. وحكاها مجاهد والشعبي وأبو إسحاق عن عبد الله بن مسعود. وقال إبراهيم: في قراءة أصحاب عبد الله بن مسعود: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}. وقال الأعمش: كان أصحاب ابن مسعود يقرؤونها كذلك. وهذه إذا لم يثبت كونها قرآنا متواترا، فلا أقل أن يكون خبر واحد أو تفسيرا من الصحابة، وهو في حكم المرفوع] هـ
                  وقال الشوكاني في "النيل": ولو سلم انتفاء قرآنيته على جميع التقادير، لكان سنة، لكون الصحابي راويا له عنه صلى الله عليه وآله وسلم لوصفه له بالقرآنية، وهو يستلزم صدوره عن لسانه، وذلك كاف في الحجية لما تقرر في الأصول من أن المروي آحادا، إذا انتفى عنه وصف القرآنية لم ينتف وجوب العمل به كما سلف. هـ
                  ونحن مع هذا المسلك، لأنه تأويل منسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن لم يصرح به الصحابي. فما دام ينسبه إلى الله تعالى، ولا نجده في المصحف، فالمنطق يقضي أنه حديث نبوي صحيح.هذا إذا لم يختلف الصحابة القراء، أما إذا حصل الاختلاف بينهم ، فلا تكون أي من قراءاتهم الشاذة حديثا، بل هي من تأويلاتهم. واعلم أن قراءة آية المتعة أصح بكثير من قراءة (فصيام ثلاثة أيام متتابعات)، ومع ذلك أعرض عنها ابن كثير وآخرون، فاحذر زلات العلماء.
                  المسلك الثالث:
                  يرى جماعة من العلماء أن القراءات الآحادية، من باب تفاسير الصحابة، وأن تفسير الصحابي القارئ كأبي وابن عباس معدود في قسم التفسير بالمأثور، وهو حجة إذا لم يعارضه مثله أو أقوى. وعلى هذا المسلك، فقراءة: {إلى أجل مسمى} حجة لأنه قرأ بها أحد الصحابة الذين أمرنا بأخذ القرآن عنهم، هو سيدنا أبي ووافقه ابن عباس الأعلم بالقرآن بعد مولانا علي.فهي تفسير اثنين من كبار الصحابة، ولم يخالفهما غيرهما، وبه قال أئمة التفسير من التابعين. وبالجملة، فهي حجة في حمل الآية على المتعة، لأن القراءة الآحادية تندرج فيما نسخت تلاوته، أو هي بمنزلة الحديث، أو هي تفسير الصحابي. وما عدا هذه المسالك شاذ لا يعتد به عند علماء السنة. ودعني من قول الطبري رحمه الله في تعليقه على قراءة ابن كعب: "وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئا لم يأت به الخبر القاطع" فإنه خطأ واستماتة في تحريم المتعة، وما كان الطبري أحرص على القرآن من ابن عباس وتلامذته.والطبري من القائلين بأن القراءات الشاذة من المنسوخ لفظا.
                  ثم إنه لم يسلك موقفا واحدا، فإذا كان يرفض الاحتجاج بقراءة {إلى أجل مسمى}، فإنه احتج بالشواذ في مواضع، منها قوله: وقال تعالى ذكره: {فاقطعوا أيديهما}، والمعنى أيديهما اليمنى كما حدثني محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن مفضل قال: ثنا أسباط عن السدي: فاقطعوا أيديهما اليمنى. حدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبي عن سفيان عن جابر عن عامر قال: في قراءة عبد الله: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما} هـ
                  وقال: قرأ بعض القراء {ويهلك الحرث والنسل} برفع يهلك (...) وذلك قراءة جائزة وإن كان لها مخرج في العربية لمخالفتها لما عليه الحجة مجمعة من القراءة في ذلك قراءة: {ويهلك الحرث والنسل} وأن ذلك في قراءة أبي بن كعب ومصحفه فيما ذكرنا ليفسد فيها وليهلك الحرث والنسل، وذلك من أدل الدليل على تصحيح قراءة من قرأ ذلك: {ويهلك} بالنصب عطفا به على ليفسد فيها.
                  ودعني من أقوال غير الطبري، فإنهم يحتجون بالشاذ من القراءات إذا وافق آراءهم، ثم يردونها إذا خالفت مذاهبهم، قال ابن القيم في الزاد: وقد احتج كل واحد من الأئمة الأربعة به في موضع، فاحتج به الشافعي وأحمد في هذا الموضع، واحتج به أبو حنيفة في وجوب التتابع في صيام الكفارة بقراءة ابن مسعود: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}، واحتج به مالك والصحابة قبله في فرض الواحد من ولد الأم أنه السدس بقراءة أبي: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت من أم فلكل واحد منهما السدس}. فالناس كلهم احتجوا بهذه القراءة، ولا مستند للإجماع سواها. قالوا: وأما قولكم إما أن يكون نقله قرآنا أو خبرا، قلنا بل قرآنا صريحا. قولكم: فكان يجب نقله متواترا، قلنا: حتى إذا نسخ لفظه أو بقي؟ أما الأول فممنوع والثاني مسلم، وغاية ما في الأمر أنه قرآن نسخ لفظه وبقي حكمه، فيكون له حكم قوله: {الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما} مما اكتفى بنقله آحادا، وحكمه ثابت، وهذا مما لا جواب عنه]ه
                  بعد الذي تقدم، لا يبقى للمنصف إلا أن يقر بأن آية النساء صريحة في نكاح المتعة، ثم ينتقل للسؤال عن نسخ حكمها من عدمه.
                  فنقول وبالله التوفيق:
                  على رأي القائلين بوجود النسخ بكل أنواعه، فإنهم يرون أن الأحكام الثابتة بالقرآن الكريم لا تنسخ إلا بالقرآن أو بالحديث المتواتر.
                  أما حديث الآحاد فلا ينسخ شيئا من القرآن، لأن الآية قطعية الثبوت، والحديث ظني الثبوت مشكوك فيه بنسبة ما، ومحال أن ينسخ المشكوك في صحته كلام الله المحكم.
                  جاء في المحصول للقاضي ابن العربي عن نسخ القرآن بالحديث: وأنكره أصحابنا وأصحاب الشافعي والأستاذ أبو إسحاق الاسفراييني رحمهم الله، وعمدتهم أن القرآن معجز وكلام النبي غير معجز، فكيف يرد المعجز بما ليس بمعجز (...) ولكن ذلك عندنا إذا ثبت طريق السنة قطعا بالخبر المتواتر، وأما إن كان خبر واحد فقد تعاطى بعضهم النسخ به وهي مزلة قدم لأن خبر الواحد مظنون ولا يساوي الظن اليقين فضلا أن يعارضه.هـ
                  فهل لعلمائنا محرمي المتعة أي ناسخ من القرآن أو السنة المتواترة لآية النساء؟ والله لا يوجد لديهم إلا العناد والضباب.
                  أما الأحاديث التي احتجوا بها فكلها أخبار آحاد بإقرارهم، وهي مختلفة فيما بينها من حيث التاريخ، أصحها حديث مولانا علي في النهي يوم خيبر. وهو حديث صحيح، لكنه لا يشتمل على أي لفظ من ألفاظ التحريم، ثم إنه منسوخ عندهم بترخيص النبي في المتعة عام فتح مكة. والحق أن النبي نهى عن المتعة عام خيبر نهيا عسكريا لا تشريعيا، وإن كان هناك نسخ فنهيه منسوخ بآية المتعة التي نزلت بعد خيبر، وبإذنه في المتعة بعدها.وأما حديث سبرة بن معبد المصرح بالتحريم فضعيف لا يحتج به عاقل يخشى الله.ولو سلمنا إمكان نسخ كلام الله بحديث الآحاد، فآية المتعة ناسخة لحديث سبرة لأنها نزلت بعده.
                  وأما دليل الجمهور على نسخ آية المتعة بالقرآن، فهو قول الحق سبحانه في سورة "المؤمنون" و"سورة المعارج" : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } قال بعض كبار الأئمة رحمهم الله : نصت الآية على أن من قضى شهوته الجنسية مع غير الزوجة أو المملوكة ، فهو من العادين ، أي الظالمين أنفسهم المجاوزين حدود الله ، وامرأة المتعة ليست زوجة ، فتكون الآية ناسخة حتما لآية المتعة .قلت : سبحان الله ، كيف يتجرأ أئمة كبار على التفوه بمثل هذا الكلام ؟
                  يعترفون أن المتعة كانت مباحة بعد الهجرة ، ولم تنسخ عندهم إلا عام خيبر أوبعده ، ثم يستدلون على نسخها بآية مكية نزلت قبل الهجرة بإجماع.أهو الجهل بتوقيت نزول الآية ؟ أم هو العناد والمكابرة عند فقدان الحجة والبرهان ؟ ثم من قال لهم إن المرأة المستمتع بها ليست زوجة قبل انقضاء أجل المتعة ؟ في أي كتاب أو سنة صحيحة وجدوا ذلك ؟
                  إن المتعة زواج شئتم أم أبيتم ، والمستمتع بها زوجة أحببتم أم كرهتم ، وكلمة " أزواجهم " عامة مطلقة تشمل الزوجة المؤبدة والزوجة المؤقتة ، فلا علاقة لآية " المؤمنون والمعارج " بالنسخ والتحريم حتى لو نزلت بعد آية المتعة التي في سورة النساء المدنية .
                  وإن شئتم العناد والتعنت ، فآية المتعة ناسخة لما في آية " المؤمنون " و " المعارج " من تقييد على فهمكم البديع ، بمعنى أن الآية المكية قيدت النكاح المشروع بالزوجة المؤبدة والمملوكة ، ثم جاءت آية المتعة المدنية لتوسع دائرة النكاح المباح ، فأضافت زوجة المتعة .
                  والحق أن المسألة لا ناسخ فيها ولا منسوخ ، فالمتعة نكاح عربي قديم ، لم ينزل فيه من الله شيء قبل آية النساء ، فكان بعض الصحابة يفعلونه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان بعضهم يتحرجون منه ، فأنزل الرب الرحيم بعباده آية المتعة لرفع الحرج عن أمة الإسلام ، وكان ذلك بعد انتهاء المسلمين من غزوة حنين في السنة الثامنة بعد الهجرة ، فكانت أول متعة يفعلها الصحابة الأطهار بعد نزول الآية بالإذن، عند تحللهم من عمرة الجعرانة بعد حنين ، لكن علماءنا لا يريدون التحقيق ، لأنه ينسف لهم حججهم ويبطلها فيفضلون التعمية على الحقائق أو يتكاسلون عن البحث، فلا أحد منهم أشار إلى نزول آية المتعة بعد الفتح وحنين، رغم وجود الدليل على ذلك، وهو أن سورة النساء متأخرة النزول، والآية 24 المشتملة على إباحة المتعة نزلت يوم حنين، وهي قوله سبحانه: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا }
                  روى مسلم في الصحيح عن سيدنا أبي سعيد الخدري أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حُنين سريَّة، فأصابوا حيًّا من أحياء العرب يومَ أوطاس، فهزموهم وأصابوا لهم سبايَا، فكان ناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأثَّمون من غشيانهن من أجل أزواجهن، فأنزل الله تبارك وتعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} منهن، فحلالٌ لكم ذلك . وجاء التصريح بنزولها يوم حنين عن مولانا ابن عباس وسعيد بن جبير والشعبي.
                  وبعد نزولها ، أذن النبي عليه السلام لأصحابه في المتعة :
                  روى الشيخان عن الحسن بن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهما قالا: خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لكم أن تستمتعوا، يعني متعة النساء.ولفظ البخاري: كُنَّا فِي جَيْشٍ، فَأَتَانَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا، فَاسْتَمْتِعُوا.وجملة " كنا في جيش " تعني جيش المسلمين يوم حنين بدليل هذه الرواية الصريحة من طريق البخاري عند ابن أبي الحافظ المتوفى عام 490 هـ في كتابه: "تحريم نكاح المتعة ص 49 " عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَا: كُنَّا فِي حُنَيْنٍ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أذِنَ لَكُمْ أَنِ اسْتَمْتِعُوا، فَاسْتَمْتِعُوا ".
                  وروى الطبراني في المعجم الكبير بإسناد حسن عن سعيد المقبري أن ابن عباس وعروة بن الزبير اختلفا في المتعة، فقال عروة: هي زنى! وقال ابن عباس: وما يدريك يا عرية ! فمر بهما سلمة بن الأكوع، فسأله ابن عباس فقال: غرب بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر ، كنت أخرج مع الجيش فأقيم حين يمسون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من شاء فليستمتع من هذه النساء. هـ
                  ولم يغرب النبي بالمسلمين قرابة ثلاثة أشهر إلا في السنة الثامنة بعد الهجرة، وهو عام الفتح وحنين وأوطاس ، فتأكد نزول الآية في ذلك التاريخ .وقوله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّهُ قَدْ أذِنَ لَكُمْ أَنِ اسْتَمْتِعُوا، فَاسْتَمْتِعُوا " ، صريح في نسبة الإذن إلى الله سبحانه ، أي أنه أخبر أصحابه بنزول الآية بإباحة ملك اليمين والمتعة.
                  وقد استمتع بعض الصحابة بعد عمرة الجعرانة بدليل هذه الرواية :
                  روى سعيد بن منصور والقاسم بن سلام بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرته، تزين نساء أهل المدينة، فشكا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: تمتعوا منهن واجعلوا الأجل بينكم وبينهن ثلاثا، فما أحسب رجلا يتمكن من امرأة ثلاثا إلا ولاها الدبر.
                  وظن بعض العلماء أن ذلك كان في عمرة القضاء ، وهم بعيدون عن الصواب لأمرين هامين لم يلتفتوا إليهما:
                  الأول : كان أهل مكة أيام عمرة القضاء مشركين معادين للمسلمين ، ويشترط في المتعة إسلام المرأة ، ونساء مكة حينئذ مشركات ، وقومهن في حرب مع المسلمين ، فكيف يستمتع الصحابة بهن ؟
                  الثاني : أخلى المشركون مكة للمسلمين أيام عمرة القضاء بموجب اتفاق الحديبية ، وكان الاتفاق يقضي بأن يظل المسلمون بمكة للعمرة ثلاثة أيام فقط ، وهو ما حصل بالضبط كما نص أهل السير والتاريخ ، أي أن الصحابة كانوا محرمين بالعمرة طيلة الأيام الثلاثة ، وقد استمتعوا حسب أثر الحسن البصري ثلاثة أيام ، فيكون المجموع ستة ، وهو مناقض للتاريخ الثابت .
                  ولم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد عمرة القضية عمرة غير مقرونة بالحج إلا عمرة الجعرانة بعد حنين، فهي المقصودة حتما .
                  وقد كان المسلمون آمنين في مكة حينئذ ، ونساؤها مسلمات ، فكان من الملائم أن تتوق نفوسهن لنكاح صحابة الرسول حبا وتبركا، ومعانقة للفاتحين ، لذلك تزينت النساء فاستمتعن .وهذه صورة من واقعية الإسلام واحترامه رغبات الإنسان الفطرية ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقب النسوة ولا انتهرهن ، بل دعا أصحابه لتحقيق رغباتهن البريئة ، من خلال الزواج المؤقت .فهل يشفق فقهاؤنا على الأرامل والمطلقات والعوانس المتعطشات للشهوة الحلال ، وعلى المحتاجين من الرجال للزواج المؤقت الموثق تأسيا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم مع نسوة مكة ؟
                  لا أظن ذلك قريبا، فلا يزال أمامنا طريق طويل ليستفيق علماؤنا ، ثم ينزلون من الأبراج العاجية السامية المحققة للطهرانية حسب ظنهم .
                  إنهم بحاجة للتأكد من وجود آية قرآنية محكمة تبيح النكاح المؤقت ، المتعة ، فاسألوهم أيها المتعطشون للحق هل تلك الآية نزلت في المتعة أم لا ؟ وأتحفوهم بهذا الأثر : عن شعبة الإمام أنه سأل الحكم بن عتيبة التابعي الكبير جليل القدر عن هذه الآية: { فما استمتعتم به منهن} أمنسوخة هي؟ قال: لا. ثم قال الحكم : قال علي رضي الله عنه : لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.
                  رواه الطبري في التفسير بإسناد صحيح إلى الحكم بن عتيبة.
                  نثر الكنوز في التعقب على السيد محمد بولوز
                  لقد رد على الجزء الأول من مقالنا فضيلة الأستاذ محمد بولوز بمقال تحت عنوان : " زواج المتعة محرم عند أهل السنة ومصيدة "للمؤلفة فروجهم" عند الشيعة " ، ونحن نشكره على سرعة تجاوبه مع المسألة ، لكننا نأسف ونتألم لتسرعه في إطلاق الأحكام والتهم ، واستعجاله في ولوج معترك الموضوع دون احترام للتحقيق العلمي .ولسنا هنا لنقدم دروسا في النحو والإملاء لأستاذنا الفاضل ، حيث دفعته العجلة للتصدي لنا تحصينا للأتباع ، فملأ مقاله بالأخطاء النحوية ولعله كان يملي على كاتب لا يتقن مبادئ اللغة العربية .
                  ولسنا هنا لنذكر فضيلته بوجوب تحلي العالم الداعية بالخلق الحسن من خلال الكلمة الطيبة وحسن الظن ، فمقال الرجل يقطر حنقا وسوء ظن ، من قبيل اتهامنا بالتشيع والنفاق والتظاهر بالعلم والترضي على الصحابة مداهنة ، فكأنه " إله " مطلع على النوايا ذات الصدور، ولست أدري هل يتهم الشيخين الفاضلين القرضاوي والكبيسي بمثل ما اتهمني به ، فهما من المتسامحين في شأن المتعة .
                  ـــ جاء في عنوان الحبيب بولوز: " زواج المتعة محرم عند أهل السنة " ، ونسي أو تجاهل أنني قلت ذلك في الجزء الأول ، لكن السؤال المركزي الذي سيحار السيد بولوز في الجواب عليه هو : ما موقف جماهير الصحابة وكبار التابعين من زواج المتعة ؟ وإذا كانوا يبيحونه كما سنثبت بإذن الله ، فهل هم سلف السنة أم الشيعة ؟ وهل هم أولى بالاتباع أم فقهاء المذاهب الذين خالفوهم ؟
                  إنني كنت دقيقا في اختيار عنوان مقالي حيث قلت : " نكاح المتعة رحمة أم حرام عند السلف " ، والسلف عندنا هم كبار الصحابة العلماء لا غير .وقد وجدنا جلهم على القول بإباحة المتعة ، فلا قيمة لمن أتى بعدهم أيا كان .والآن يا سيد بولوز : هل نتبع الصحابة أم نقلد أخطاء المذهبيين ؟أما أنا فلو خيرت ، ما فضلت ضوء المصباح على شمس النهار ، فافرز بينهما رعاك الله.
                  ـــ حشد الأستاذ الناصح في مقاله نقولا كثيرة عن بعض العلماء كالطبري والرازي والقرطبي ظنا منه أن ذلك يرهبنا ، وقد أخطأ سهمه وطاش ، فنحن على دراية تامة بأقوالهم وأقوال غيرهم في الموضوع ، بل قرأنا ما لم يقرأ هداه الله وعلمه ، ولعله لا يعرف كتاب " تحريم نكاح المتعة " للإمام ابن أبي حافظ ، إذ لو عرفه لنقله لنا كله ليردعنا .
                  فاعلم أيها الفاضل أننا تأملنا أقوال هؤلاء الرجال رحمهم الله وجمعنا بهم في الدار الآخرة، منطلقين من أن القول بدليله لا بقائله ، وأن الرجال يعرفون بالحق لا العكس ، وأن الجماعة هي الحق ولو كنت وحدك...
                  فوجدناهم رحمهم الله مضطربين مختلفين في الموضوع متناقضين ، ورأينا بعضهم مقلدين متعصبين غير محققين، وآخرين معاندين للشيعة مكابرين ، أو خائفين على أنفسهم وجلين ، أو متخوفين على الطائفة مرهوبين .ووالله الذي لا إله إلا هو ، لو أن أحد كبارهم المحققين المطلعين ، كالحافظ ابن حجر رحمه الله ، أعاده الله إلى الدنيا ، لأقر أنه كان يعرف الحقيقة ، أي عدم نسخ المتعة ، وأنه لم يستطع معاكسة التيار الجارف ، لأنه كان في عصر الإرهاب الفقهي العلمي السياسي ، فافهم .فعوض أن تجمع وتحشد ، أخرج لنا العلم الحق من كتاب ربنا وسنة نبينا الصحيحة .
                  وإذا كنت تستقوي علينا بالمفسرين والمحدثين ، فنحن نستظل بالوحي ، ونستقوي بالصحابة المرضيين ، فإن الواحد منهم كمولانا ابن عباس ، إذا نفخ على كل العلماء الذين أوردتهم وغيرهم معهم نفخة واحدة ، طيرهم وألقاهم في بحر الجهل والأمية .ولعلك يا سيد بولوز على مذهب القائلين بعدم وجوب النقاب مثلا ، فهل تتراجع وتتهيب إذا أتيناك بعشرات النصوص عن العلماء المتشددين في المسألة ، أم ستركز على صحة الأدلة وصلاحيتها ؟
                  رحم الله كل العلماء ، فلا مشكل لنا مع أشخاصهم ، وإنما نخالفهم كما خالفوا غيرهم في الأفكار والمواقف ، ونلتمس لهم العذر تلو العذر ، وما نحن إلا تراب تحت أرجلهم ، لكنهم أصلوا لنا أصولا وقعدوا لنا قواعد صارمة ، وعلمونا أن الرشد في اتباع تلك الأصول والقواعد ، وأن أقوالهم إذا شذت عن المبادئ شبه الريح .فنحن بنصيحتهم عاملون ، ولقواعدهم متبعون ، ونتحداك يا أستاذ بولوز أن تجد في مقالي خروجا عن قاعدة متفق عليها ، أو رأيا عاريا عن الدليل ، أو قولا فاقدا لمستند من المبادئ الأصول ، فاجهد رعاك الله ومعك الجن والإنس .
                  ـــ إن التقليد والتسليم لأقوال المتقدمين آفة الدين وعماية ، والاغترار بسكوت الأعلام عن الروايات الضعيفة والموضوعة مصيبة الفكر وجناية .
                  والسيد بولوز لم يكلف نفسه ذرة من التمحيص والتحقيق في الأحاديث والآثار التي ساقها أصالة أو على لسان الأئمة الذين جيش أقوالهم ضدنا ، فهو موغل في التقليد، وذلك عين التعصب والجمود .لقد أزرى المسكين بنفسه أمام الباحثين المجدين، وبين القارئين المنصفين، بعد أن يطالعوا ما توصلنا إليه بشأن تلك النقول ، من الضعف والنكارة والأفول.ولو أنه تأنى حتى نكمل ما عندنا، لكان في غنية عن هذا النقد العلمي المهذب الخالي من السباب والحكم على النوايا، وقديما قالوا: إذا تكلم الإنسان في غير فنه جاء بالعجائب.
                  وإليه ، بصره الله وبصرنا، حقيقة بعض المرويات الساقطة التي أوردها، مع تأجيل النظر في الصحيح الذي لا يصلح حجة علمية على ما يحامي عليه :
                  الخبر الأول :
                  احتج الأستاذ المحترم بما رواه مسلم في صحيحه عن سبرة بن معبد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس ! إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله . ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا" وساق روايته الأخرى التي فيها : عن الربيع بن سبرة الجهنيّ، عن أبيه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: " اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِهِ النَّساء "، والاستمتاع عندنا يومئذٍ التزويج. ه
                  أقول : هذا الحديث رواه الإمام مسلم في الشواهد لا في الأصول ، فلا عبرة بوجوده فيه كما يعرف المختصون، وتفرد به الربيع بن سبرة الذي لم يوثقه أحد قبل الإمام العجلي ، وكان مجهولا مغمورا عند معاصريه ، وتفرد به عن أبيه سبرة بن معبد ، وسبرة لا تثبت صحبته وإن كان مترجما في كتب الصحابة ، إذ لم يرو عنه إلا ابنه المشكوك في عدالته وضبطه ، ومتن حديثه متناقض تناقضا فاحشا لم يبلغه أي حديث مضعف بالاضطراب ، حيث اضطرب في التاريخ على أكثر من ثلاثة أوجه كما اضطرب في غير التاريخ، وأصح رواياته عند مسلم من طريق الليث بن سعد خالية من الجزء المصرح بالتحريم.
                  ثم إنه حديث يشتمل على مضامين منكرة ، فسبرة حكى تفاصيل جمال المرأة لابنه ، وزعم أنه خطبها هو وابن عمه في لحظة واحدة فاختارته لشبابه ، وذلك محال في حق الصحابة لأن النبي نهى عن خطبة الرجل على خطبة أخيه ، فكيف يخطب رجلان من الصحابة امرأة في مجلس واحد ؟ إنه فيلم هوليودي من إخراج الربيع بن سبرة المعتوه بالأدلة العلمية المخفية عن بولوز في بطون الكتب .
                  ولم يسمع أحد من الصحابة كبارا وصغارا بهذا الحديث رغم حاجتهم إليه أثناء النقاش في الموضوع، وتفرد به سبرة الذي لا ذكر له من غير رواية ابنه المخرج ، ولم يسمعه أحد من سبرة إلا ابنه المبجل .بمعنى أن سبرة الذي مات في دولة معاوية كتمه طيلة حياته عن كل الصحابة والتابعين باستثناء ابنه الربيع ، أي أنه كان يتضمن خطة لتصنيع السلاح النووي ، وبعد ذلك بقي ابنه الربيع المتفرد بسماع الخطة متكتما عليها حتى حدث بها أول مرة أمام الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، أي أن الحديث الفاصل لم يخرج إلى الوجود إلا بعد سنة 99 ه ، فيكون الربيع بن سبرة مجدد القرن الأول لا محالة .
                  هذا ، ولم ينتبه السيد بولوز إلى أن رواية : ( والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج ) تقضي ببطلان حجته الساقطة ، فهي رواية صحيحة السند إلى الربيع المخرج لا إلى النبي صلى الله عليه وسلم .وهل يمكن يا سيد أن يكون النبي أعلم أصحابه بتحريم التزويج إذا كان هو الاستمتاع ، وكان المعصوم نهاهم عن الاستمتاع وحرمه تحريما مؤبدا ، أجب أيها الألمعي واعلم أن الكذاب كالربيع يترك آثار الجريمة لا محالة.
                  لكل ما تقدم ، فالحديث أسقطه إمامنا مالك من الموطأ بعدما كان يرويه، وكذلك فعل البخاري فلم يحتج به رغم معرفته به ووضوحه في التحريم، وضعفه الشافعي وابن معين ، وانتقد الدارقطني مسلما على تخريجه مشيرا إلى عدم ثبوت صحبة سبرة .وبالجملة ، فلي في الحديث بحمد الله ومنه بحث طويل الذيل ، محقق مدقق ، خلصت في نهايته إلى أن الربيع بن سبرة كان كذابا أو مجنونا يبحث عن الشهرة ، لذلك اختلق قصة المتعة مستغلا موت أبيه وجهالة الناس بأصله ونسبه ووفادته على الخليفة الراشد الخامس، وأقسم بالله ربي أني صادق فيما أقول ومستعد للمباهلة عليه بعد مناقشة مع جهة تستحق أن تكون حكما ، فليجهد بولوز لتأليفها.
                  وأتحدى أخوته بكل تواضع أن يثبت صحبة سبرة بن معبد بالطرق الثلاثة المعروفة عند العلماء، كما أتحداه أن يجد راويا ثقة يروي عن سبرة غير ابنه الربيع ، ولو أثبت واحدا من الأمرين فأنا أعلن تراجعي عن القول بعدم نسخ المتعة على الملأ وفي هسبريس نفسها.
                  وأزيدك أن الصحابة استمتعوا بعد فتح مكة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ثم مولانا أبي بكر ثم مولانا عمر ، واستمر جابر وسلمة بن الأكوع وابن عباس وغيرهم على القول بالإباحة ، فهل نصدقهم أم نصدق سبرة المغمور على فرض صحبته ؟
                  ثم إن آية المتعة نزلت بعد حنين ، وحديث سلمة بن الأكوع يا أخي يوم أوطاس، وحديث سبرة مؤرخ بفتح مكة عند " محققينا " من المحدثين كالألباني رحمه الله ، فهل ينسخ حديث صحيح آية قرآنية متأخرة عليه بأكثر من شهر ؟ وهل ينسخ حديث فرد غريب آية قطعية الثبوت يا رجل ؟ فحقق ثم أطلق .
                  الخبر الثاني :
                  ذكر السيد بولوز أثر ابن عباس: إذا تزوّج الرجل منكم المرأة ثم نكحها مرة واحدة فقد وجب صداقها كله. والاستمتاع هو النكاح، وهو قوله:{ وَءاتُواْ ٱلنِّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً }
                  قلت : هذا أثر ضعيف جدا يرويه الطبري من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث وهو ضعيف، عن علي بن أبي طلحة وقد جرحه بعض النقاد، وما لقي ابن عباس ولا سمع منه، فيكون منقطعا سمعه من أحد الكذابين المتعصبين. قال الحافظ ابن حجر في التقريب: علي بن أبي طلحة سالم مولى بني العباس، سكن حمص، أرسل عن ابن عباس ولم يره، من السادسة، صدوق قد يخطىء. هـ
                  فهل تحتج به بعد الآن يا إمام ؟
                  الخبر الثالث:
                  وساق بولوز ما رواه عطاء الخرساني عن ابن عباس في قوله: { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } قال: صارت هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: { يأيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنّسَاء فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } قلت: الآية الثانية لا تعارض الأولى فلا يعقل أن يعدها مولانا ابن عباس ناسخة، وعطاء الخراساني ضعيف، ولم يلق ابن عباس، فكان يدلس عنه ، أي أنه كان يسقط الكذابين والمجاهيل الذين بينه وبين ابن عباس ليوهم صحة مروياته عنه، والسيد بولوز لا دراية له بمثل هذه الخبايا، أو أنه يدريها فيمارس التدليس عندما يسكت عن حال أسانيد ما يعارضنا به، فلعله معجب بمنهج عطاء الخراساني غفر الله لهما.
                  وهناك آثار أخرى ضعيفة أوردها الأخ الفاضل فنكتفي بما أثبت المراد، واستدل بأحاديث صحيحة لكنها لا تصلح لكونها منسوخة على مذهبه، وسيأتي ذكرها بحول الله.وأذكر السيد بولوز بقول حافظ المغرب ابن عبد البر في التمهيد10/121 عما نسب لابن عباس في الرجوع: هذه الآثار كلها عن ابن عباس معلولة لا تجب بها حجة من جهة الإسناد هـ وقال الحافظ ابن بطال: روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة، وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة، وإجازة المتعة عنه أصح، وهو مذهب الشيعة. هـ
                  قلت: بل مذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، تركه علماؤنا لما صار شعارا شيعيا، فآن أن نسترجعه لأنه دين.
                  ـــ أرجو من السيد بولوز أن ينظر بعين الباحث الموضوعي المتواضع فيما قلناه، وأقترح على فضيلته مناظرة علمية علنية.
                  وأقول له مطمئنا إنك أمام باحث سني راسخ القدم، وهل يخشى إعلان تشيعه من يتجرأ على طرح موضوع المتعة في ظرفية تاريخية حساسة يا سيد بولوز ؟ إنني ترددت كثيرا قبل نشر الموضوع، نظرا لخصومتنا السياسية مع الشيعة في أكثر من موطن، وانتظرت أن تتوقف هذه الحروب والمعارك بيننا وبينهم، حتى لا أتهم بالتشيع ومخالفة الإجماع، لكنها طالت حتى نظن أنها مستحيلة التوقف.
                  والحقيقة العلمية لا ينبغي أن تحاصرها الأحداث والوقائع، وما استمر تعصب كل فريق لمذهبه غثه وسمينه إلا لاستمرارية الصراعات الطائفية بين المسلمين.
                  فهل نوقف البحث أم نمضي غير عابئين بصراعات الساسة؟
                  واعلم هداك الله وهداني أن منهجيتي أخطر على الشيعة وأشد صلابة من منهجيتك القائمة على العناد والصياح والمكابرة ، فالشيعة يسهل عليهم نسف مواقف المعاندين وفضحهم أمام القراء ، أما أن يقول رجل حقير مثلي : إن المتعة مباحة بكتاب الله وسنة رسول الله وفتاوى جماهير الصحابة والتابعين، ويحصن بذلك أساس مذهبه ومصدره ، فهيهات يقدر متشيع على تسور محرابه .وإن كنت يا سيد بولوز متشككا في صدقي ، فأنا أقسم لك أيها القاضي العادل بالله ربي أنني سني أكثر منك، وإن شئت فأنا أعلن تسنني على يدك.هذا، ووالله ليس للعبد الفقير الآن أي انتماء تنظيمي أو حزبي أو حركي ، فهو مستقل حر طليق في فضاء الفكر والمعرفة ، يرجو أن يكون على علاقة طيبة بكل المسلمين فرادى وجماعات ، وهمه وحدة الأمة ونهضتها .أقول هذا مع عميق الاعتذار لكل الأحبة أهل الله الذين جالسناهم يوما في الله.
                  ولا أريد أن تكون مواقفي وآرائي محسوبة على أي جهة، ولا سببا في إذاية أي مجموعة مؤمنة، فأنا مستقل منذ زمان حتى أتحرر من كل سلطة تعوق أبحاثي التي أسأل الله أن يبارك لي فيها.وأخيرا، أختم بهذين الأثرين الصحيحين، الذين لهما صلة قوية بموضوعنا، ليتعلم الأستاذ بولوز وغيره، أن الفاصل بيننا قال الله قال رسوله، لا قال فلان أو علان مهما كان، حاشا الصحابة أولي العلم والبيان:
                  روى أحمد وغيره عن سالم قال: سئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها، فقيل له: إنك تخالف أباك، قال: إن أبي لم يقل الذي تقولون، إنما قال: أفردوا العمرة من الحج، أي أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي، وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحج، فجعلتموها أنتم حراما وعاقبتم الناس عليها، وقد أحلها الله عز وجل وعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإذا أكثروا عليه قال: أفكتاب الله عز وجل أحق أن يتبع أم عمر؟ في رواية: ويلكم ألا تتقون الله ان كان عمر نهى عن ذلك فيبتغى فيه الخير يلتمس به تمام العمرة فلم تحرمون ذلك وقد أحله الله وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أفرسول الله صلى الله عليه و سلم أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر؟ إن عمر لم يقل لكم إن العمرة في أشهر الحج حرام، ولكنه قال: إن أتم العمرة أن تفردوها من أشهر الحج.
                  وروى إمامنا مالك عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان، وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي، فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينهى عنها، فقال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه.
                  فكن رجلا يا سيد بولوز وأجب على الأسئلة المركزية العالقة، ولا تشتغل بالجزئيات والهوامش الملحقة، وكن من أهل الصبر والمرحمة، جمعني الله بك في دار الدنيا أخا صديقا، وحشرني معك في الجنة رفيقا.اللهم علمنا وارزقنا الإخلاص والخلاص.
                  يتبـــــــع بإذن الله
                  -باحث متخصص في علوم الحديث

                  تعليق


                  • #10
                    السؤال الى الاخت وهج اريد ان تقنعيني عقلا ان المتعة حلال والزنا حرام

                    اقول عقلا لان ابن الازرق اعتمد في تحليله للمتعة على العقل وليس على النقل

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    x

                    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                    صورة التسجيل تحديث الصورة

                    اقرأ في منتديات يا حسين

                    تقليص

                    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                    أنشئ بواسطة وهج الإيمان, يوم أمس, 06:44 PM
                    ردود 0
                    8 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة وهج الإيمان
                    بواسطة وهج الإيمان
                     
                    أنشئ بواسطة مروان1400, 26-03-2024, 06:41 AM
                    ردود 0
                    11 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة مروان1400
                    بواسطة مروان1400
                     
                    يعمل...
                    X