إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

المتجدد في جواب التحدي السند الصحيح للخطبة الفدكية لسيدتنا الزهراء عليها سلام الله

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المشاركة الأصلية بواسطة وهج الإيمان
    جاء في تفسير الدر المنثور للامام السيوطي :
    وأخرج البزار ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية : وآت ذا القربى حقه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك .
    [ ص: 321 ] وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت : وآت ذا القربى حقه أقطع رسول الله فاطمة فدك .
    https://library.islamweb.net/newlibr...no=203&ID=1525
    أقول : وابن ابي حاتم إشترط الصحه على ماأخرجه من روايات في كتابه



    قال الشيخ إبراهيم الأميني في الفصل السابع من كتابه فاطمة الزهراء (س) المرأة النموذجية في الإسلام :


    يستفاد من هذه الروايات، وروايات أخرى وردت في أسباب نزول الآية الشريفة، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كان مأموراً بإعطاء فدك ـ بعنوان حقّ ذوي القربى ـ لفاطمة عليها السلام ليدعم البناء الإقتصادي لأسرة الإمام علي عليه السلام المجاهدة المضحية في سبيل الدين.
    وقد يقال: إنّ الآية (وآت ذا القربى حقّه) في سورة الإسراء وهي مكية، والنبيّ صلّى الله عليه وآله أقطع فدكاً فاطمة في المدينة، بعد فتح خيبر؟!
    ويجاب على ذلك بأحد جوابين:
    أولاً: إنّ سورة الإسراء مكيّة، ولكن بعض آياتها مدنية، ومنها هذه الآية. عن الحسن أنّها مكيّة إلاّ خمس آيات منها، وهي قوله: (ولا تقتلوا النفس) الآية (ولا تقربوا الزنا) الآية (أولئك الذين يدعون) (اقم الصلاة) (وآت ذا القربى).
    وثانياً: إنّ حقّ ذوي القربى شرّع في مكة، ونفّذه النبيّ صلّى الله عليه وآله في المدينة
    .اهـ
    آية 26 من سورة الإسراء مدنية وهي قوله تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ) وممن عدها كذلك السيوطي في تفسير الجلالين :
    تفسير الجلالين
    جلال الدين المحلي - جلال الدين السيوطي
    دار ابن كثير
    سنة النشر: 1407 هـ

    سورة الإسراء
    [مكية إلا الآيات 26 و 32 و 57 ومن آية 73 إلى غاية 80 فمدنية، وآياتها 111 نزلت بعد القصص].

    http://library.islamweb.net/Newlibra...no=211&ID=2029

    تعليق


    • بسم الله الرحمن الرحيم
      اللهم صل على محمد وال محمد
      هذه الروايه في طبقات ابن سعد :
      «أخبرنا محمّد بن عمر، حدّثني هشام بن سعد،عن عبّاس بن عبد الله بن معبد، عن أبي جعفر قال: جاءت فاطمة الى أبي بكر تطلب ميراثها، وجاء العبّاس بن عبد المطّلب يطلب ميراثه، وجاء معهما علي، فقال أبو بكر: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا نورّث ما تركنا صدقة، وما كان النبي يعول فعليَّ. فقال علي (وَوَرِثَ سُلَيَْمانُ دَاوُودَ) وقال زكريّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) قال أبو بكر: هو هكذا، وأنت تعلم مثل ما أعلم. فقال علي: هذا كتاب الله ينطق . فسكتوا وانصرفوا»
      والتي فيها إستشهاد الامام علي عليه السلام على أبي بكر بآيات التوريث في كتاب الباري عزوجل على أن الأنبياء يورثون إحتج بها الشيخ الأزهري الدكتور محمود شعبان على الشيخ حسن الله ياري في مناظرته معه
      في رده على الشيخ في استدلاله برواية "واختلفوا في ميراثه فما وجدنا عند أحد في ذلك علما فقال أبو بكر سمعت رسول الله يقول إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " على أنهم لم يجدوا عند أحد علمآ الا من أبي بكر ، وكان إستدلاله الطريف على أن أبابكر في الروايه قال : "هو هكذا، وأنت تعلم مثل ما أعلم " فقال إن عليآ عليه السلام يعلم أن النبي صلى الله عليه واله وسلم لايورث !!!!! ، فأجابه الشيخ حسن الله ياري أنه كيف يطالب بهذا الحق وهو يعلم أنه صلى الله عليه واله وسلم لايورث وكيف يستدل عليه بكتاب الله الذي فيه أن الأنبياء يورثون ويقول له هذا كتاب الله ينطق ان ابابكر يكذب فماكان جواب الشيخ الأزهري محمود شعبان الطريف أيضآ بعدما إنحرج أن عليآ كان يجامل الزهراء في مطالبته بهذا الحق ويطيب خاطرها ويرضيها !!!!

      إستمع في الوقت :2:13

      https://www.youtube.com/watch?v=U9SOjqBdmMY
      دمتم برعاية الله
      كتبته : وهج الإيمان

      تعليق


      • الآن أنتقل معك أخي القارئ لدراسه حديثه أعدها الباحث الدكتور محمد بن الأزرق الأنجري وفيها توصل الى أن الزهراء عليها السلام طالبت بفدك على أنها هبه ووضع الروايات الداله على ذلك ، وأن المصطفى صلى الله عليه واله وسلم حاله كبقية البشر يورث ماله بعد رحيله لكن تصدق بهذه الأموال وتبرع بها قبل رحيله وجعلها وقفآ وليس لأن ميراثه ممتنع وقد طالب ورثته به فهو يدخل في أحكام الميراث وتشمله كغيره من الناس فهذا معنى حديث لانورث ماتركنا صدقه و قال أن أبابكر إجتهد وأخطأ وأن الزهراء عليها السلام أصابت

        قضية فدك بين الصديق أبي بكر والطاهرة الزهراء
        ابن الأزرق محمد الأنجري الطنجي

        الجزء الأول
        تقديم :
        يعتبر النزاع الذي جرى بين مولاتنا فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيدنا أبي بكر الصديق أول خلافته حول أرض "فدك" ، أخطر نزاع لا تزال الأمة تدفع ثمنه .
        فالشيعة لا يزالون يعلنون مظلومية آل البيت الأطهار شعارا ، ويتخذون ما جرى بين الصديق والطاهرة سبيلا للطعن في إيمانه وعدله ، محتجين بما ورد في الطاهرة من آيات وأحاديث .
        وأهل السنّة والجماعة لا ينفكون يردّدون أن الحق كان مع الصديق ، وأن الطاهرة بالغت في خصومتها حين هجرته فلم تكلّمه حتى ماتت ، وأوصت أن تدفن ليلا ودون إعلام الخليفة الصديق ، بل يذهب بعض سفهائنا إلى حدّ التطاول على عقل الطاهرة وخلقها ، فيزعم أنها تعاملت بعقلية المرأة التي تحركها العاطفة .
        قبّح الله تجديف الشيعة ، وأخزى تخريف السنة في هذه النازلة العظيمة .
        والحقّ أن هناك سرّا غامضا يستوجب الكشف والتحري ، وهو ما لم يقم به أحد فيما أعلم ، فلله الأمر من قبل ومن بعد .
        الأهداف والغايات :
        قد يعيب علينا بعض الناس ولوج غمار هذا المبحث الشائك متخوّفين علينا من خطر الولوغ في الصحابة.
        وهؤلاء واهمون ، فالصديق رضي الله عنه عندي أفضل الصحابة بعد آل البيت أصحاب الكساء ( وهم موالينا علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ) .
        والتعرّض لشخصه عندي خطّ أحمر ، فلعنة الله على من أساء إلى رفيق رسول الله وصهره ووزيره ولو بشطر كلمة .
        وربما يتساءل بعض المحبّين عن الفائدة والهدف من إحياء هذه القضية التي دفنها التاريخ ونسيها الناس .
        والجواب :
        أولا : من لم يعرف تاريخه ، عجز عن تفسير حاضره وتجاوز مخاطره .
        ثانيا : نريد أن نقدم قراءة مختلفة عما قدمته المدرستان الكبيرتان ، وهي قراءة تنصف الطاهرة والصديق معا .
        ثالثا : هذه القراءة ستكون كفيلة بإصمات غلاة الشيعة المتطاولين على الصديق ، وستسحب من يدهم سلاحا تاريخيا يعتمدونه وسيلة لتقوية مذهبهم ، ويصطادون به ضعفاء العقول من شباب السنة المفطور على محبّة آل بيت رسول الله ، فكم تشيّع أقوام بسبب ما يقدمه غلاة الشيعة في قنواتهم عن مظلومية العترة الشريفة بناء على روايات مبثوثة في تراثنا السني ، يتم استخراجها وتأويل مضامينها بما يضعف الثقة في علماء السنة ومذهبهم.
        فمن واجبي أن أحرص على توعية أهل طائفتي ومذهبي دون هضم لحقوق المخالفين .
        ومن حقي أن أسحب من الشيعة الغلاة أي سلاح فكري يمكنهم من إلحاق الجراحات بجسم مذهبي ، ولكن من غير تجديف ولا تخريف ولا دجل ، بل على أساس الإنصاف والتحقيق في الموروث .
        رسول الله يتصدق بأمواله قبل وفاته حقيقة ضائعة

        قرّر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بكل أمواله قبل موته ، ليكون القدوة من جهة ، وليسبق الأمة لتطبيق ما حرّض عليه من الإنفاق في سبيل الله ، فلا ينطبق عليه قول الله تبارك وتعالى في سورة "الصّف": ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3).
        وهذا القرار النبوي العظيم ، تؤكده هذه الأحاديث التي لم تعط حقها من الشرح والدرس :
        قَالَتْ السيدة عَائِشَةُ أم المؤمنين رضي الله عنها: " مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا، وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ " . ( مسند الطيالسي 3/175 ، ومسند أحمد ح 24176 و ح 25053 وح25538 ، وصحيح مسلم 18 - (1635) ، وسنن أبي داود 2863 ، وسنن النسائي ح3621 وسنن ابن ماجه ح 2695 )
        وعَنِ مولانا ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَفَتَ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أُحُدًا تَحَوَّلَ لِآلِ مُحَمَّدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَمُوتُ يَوْمَ أَمُوتُ وَأَدَعُ مِنْهُ دِينَارَيْنِ، إِلَّا دِينَارَيْنِ أُعِدُّهُمَا لِدَيْنٍ إِنْ كَانَ " " فَمَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا تَرَكَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا وَلَا وَلِيدَةً، وَتَرَكَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ - يَعْنِي مَرْهُونَةً عِنْدَهُ " ( مسند أحمد ح 2724 ح 2743 ، والمنتخب لعبد بن حميد ح 598 ، وتركة النبي (ص: 76) لحماد )
        وعَنْ سيدنا أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ " ( مسند أحمد ح7303 ، وصحيح البخاري ح 2776 )
        وعَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا، وَلاَ دِرْهَمًا، وَلاَ عَبْدًا، وَلاَ أَمَةً، إِلَّا بَغْلَتَهُ البَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا، وَسِلاَحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا لِابْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً» (صحيح البخاري ح 4461 وسنن النسائي ح3594 )
        وخلاصة هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم تخلّص من الأموال الثابتة والمتحركة التي كانت عنده عبر التصدّق بها قبل وفاته ، وشاع ذلك بين أصحابه ، فلم يلتحق بربّه إلا بعدما تخلّص من حطام الدنيا ومتاعها عبر التبرع والتصدق .
        والنتيجة المنطقية لذلك ، أن وراثته لم تكن عملا ممتنعا يجعله صلى الله عليه وسلم مستثنى من قوله تعالى في سورة النساء : ( للرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً )
        أو قوله جل وعزّ بعد ذلك : ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ) .
        فالآيات الواردة في الفرائض / المواريث ، عامة تشمل النبي صلى الله عليه وسلم .
        والنبي عليه السلام تبرّع بأمواله تقرّبا إلى الله ، وتعليما للأمة ، وليس لأن أمواله لا يجوز أن تورث .
        وأقوى دليل على أن أحكام الميراث كانت تشمله عليه السلام كغيره من الناس ، هو مطالبة أزواجه رضي الله عنهن ، وبضعته السيدة فاطمة عليها السلام ، وعمه مولانا العباس في حقوقهم .
        أي أنهم لم يسمعوا يوما أن ميراث أموال رسول الله ممتنع شرعا ، فهم أولى بمعرفة ذلك ، لكنهم نسوا أو لم يعلموا أنه كان قد تصدق بأمواله قبل وفاته حتى أخبرهم بذلك غيرهم .
        فعن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ؛ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. فَيَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ نُورَثُ. مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ. ( رواه مالك في الموطأ 2/393 ، وأحمد 26260 ، وصحيح البخاري ح 6730 وصحيح مسلم رقم 51- 1758 )
        وعنها أَنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ – عليهما السلام - أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَهُ مِنْ فَدَكَ، وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ،
        فَقَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ " ، وَإِنِّي وَاللهِ لَا أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهِ إِلَّا صَنَعْتُهُ . ( مسند أحمد رقم 9 و 25 و 58 ، وصحيح البخاري رقم 4035 وصحيح مسلم رقم 55 – 1759 )
        وتذكر قولها رضي الله عنها المتقدم : " مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا، وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ " .
        تفهم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " .
        فالنبي قال ذلك في سياق تبرعه بأمواله على سبيل الوقف فيما هو ثابت كالأراضي والمزارع ، وعلى طريق الصدقة فيما هو متحرك منقول كالدواب .
        وما فهمه علماؤنا رحمهم الله من أن هذا الحديث ناسخ لعموم آيات المواريث غلط ناشئ عن عدم انتباههم للأحاديث المتضمنة لتصريحه عليه السلام بالتبرع والتصدق بأمواله ، على أن يسري مفعول الصدقة والوقف بعد موته لا حال حياته .
        فعموم آيات الفرائض لا ينسخه أو يخصصه حديث آحاد ، ظني الثبوت ظني الدلالة على التحقيق ، ولو انتفت تلك الأحاديث الدالة على الصدقة .
        أما وقد وجدنا تصدّق النبي وتبرّعه بكل أمواله ثابتا ، فلا مجال للنسخ أو التخصيص لعدم الحاجة إليهما
        .

        أقف هنا ثم نواصل في الأجزاء القادمة بحول الله .
        تنبيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــه :
        هذه المقدمة لا تكفي لإدراك موقفي من القضية ، والذي أراه منصفا متميزا ، فالرجاء الانتظار حتى تكتمل الصورة ، فهناك لغز خفي أو تم إخفاؤه ، سنرفع الستار عنه بتوفيق الله وفتحه .
        تحذيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر :
        من تعرض لأحد الصحابة بشتيمة أو تنقيص ، فلعنة الله عليه أولا ، والحظر ثانيا ، فليكن النقاش على أساس العلم والحلم والأدب اهـ.

        يتبع ...............

        تعليق


        • فدك بين الصديق والطاهرة
          الجزء الثاني :
          محمد ابن الأزرق الأنجري

          رأينا في الجزء الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم تخلص قبل وفاته من أمواله عبر الصدقة والتبرع .
          فبماذا طالبت الطاهرة فاطمة عليها السلام ؟ بالميراث أم بالهبة ؟
          إن المستقر عند علمائنا السنة أن العباس عمّ النبي والطاهرة فافطمة طالب كل واحد منهما بنصفه في تركة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنهما كانا يجهلان امتناع ميراثه لأن الأنبياء لا يورثون حتى أخبرهما سيدنا أبو بكر .
          والحقيقة الضائعة بين الروايات هي أن مولاتنا الطاهرة فاطمة جاءت تطلب فدكا ، وهي أرض خيبرية ، وهبها لها أبوها صلى الله عليه وسلم بعدما كانت في ملكه لا في ملك الأمة .
          وكان سيدنا أبو بكر يجهل تلك الهبة ، لأنها شأن خاص بآل البيت الكرام ، فظن أن فدكا من جملة الأموال التي تصدق بها رسول الله قبل وفاته ، وأن النبي فضّل التصدق بها بدل الإرث .
          وكان الخليفة قد سمع رسول الله يخبر أن أملاكه صدقة بعده ، ولم يستثن "فدكا" لظنه أن أحدا لن يكذّب بضعته الطاهرة إذا أخبرت أنه نحلها إياها .
          من هنا أصرّ الصديق على منع الطاهرة من تملّك أرض فدك ، عملا بفهمه وبناء على عدم علمه بأنها تملكتها بطريق الهبة .
          أما سيدنا العبّاس فجاء هو ومولانا علي يسألان الصديق الولاية على سهم ذوي القربى الخاصّ بآل البيت ، لأن الولاية في نظرهما حقهما الطبيعي ، فهما رأس العترة الشريفة .
          وكان الصديق يرى أن الولاية على الخمس سهم ذوي القربى مسئولية الدولة الممثلة في رئيسها ، وهو الخليفة .
          فامتنع من تسليمها لأحد من رؤوس آل البيت ، لكنه كان ينفق عليهم ويعولهم ، وما فضل جعله في المصالح العامة .

          ولم يكن الصديق رضي الله عنه ظالما ولا خائنا كما يفتري الغلاة ، بل كان مخطئا من وجهين :
          الأول : أنه لم يفهم قصد رسول الله ، فظن أنه لا يورث لأن النبوة أحد موانع التوارث ، فامتنع من تسليم فدك للطاهرة فاطمة ، ومن تولية العباس أو علي على الخمس المنصوص عليه قرآنا .
          قال تعالى في سورة "الأنفال" : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) .
          فخُمُس الغنائم يجب أن تقسم بنص هذه الآية خمسة أقسام :
          للَّهِ وَلِرَسُولِهِ سَهْمٌ، وَلِذِي الْقُرْبَى سَهْمٌ، وَلِلْيَتَامَى سَهْمٌ، وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ، وَلابْنِ السَّبِيلِ سَهْمٌ.
          وذو القربى هم آل البيت الأطهار .
          وهذا السهم لا يجوز أن ينسخه أي حديث مهما كانت صحته ، كيف وقد جعله الله تعالى علامة من علامات الإيمان به كما في الآية ؟
          والمنطق يقتضي أن يتولى واحد من آل بيت النبوة القيامة على سهم ذوي القربى بعد وفاة رسول الله ، لأنه سهمهم بنص القرآن ، وهم أدرى بأفراد الأسرة الشريفة .
          والثابت أن الصديق رضي الله عنه أسقط سهم ذوي القربى ، وجعل الولاية لنفسه باعتباره خليفة على كل ما تركه رسول الله دون تمييز بين صدقاته من سهمه ، وبين سهم ذوي القربى أو فدك الممنوحة للطاهرة .
          وتبعه في ذلك الفاروق رضي الله عنه خشية مخالفته ، ثم تنازل لمولانا علي عن الولاية على سهم ذوي القربى في رواية متفق عليها ستأتي، وفي أخرى أن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه هو الذي تنازل عن تلك الولاية في رواية خارج الصحيحين بإسناد صحيح .
          واستمرت الولاية على سهم ذوي القربى في ذرية مولانا علي إلى زمن الدولة العباسية ، فغلب عليها بنو العباس ثم أرجعها المأمون العباسي للعلويين ، ثم لا ندري ما حدث بعد ذلك .
          وسواء كان التنازل من الفاروق أو ذي النورين ، فالنتيجة أن فهم الصديق وتصرّفه لم يكن سليما ، أي أنه كان مجانبا للصواب ، وأن مطالبة علي والعباس عليهما السلام بالولاية على سهم ذوي القربى عين الصواب.
          إن النبي صلى الله عليه وسلم تصدق بسهمه فامتنع إرثه لأنه صدقة ، ووهب بنته أرض فدك ، وهي أهل لكل هبة .
          وأما سهم ذوي قرابته ، فلم يكن من حق رسول الله أن يتصدق به ، لأنه ليس له .
          وهو سهم لا يورث فيحتكره العباس وفاطمة فقط باعتبارهما الوريثين الوحيدين لرسول الله .
          بل هو سهم لذوي القربى صغارا وكبارا ، رجالا ونساء ، ورثة وغير ورثة ، فيدخل فيه بنو هاشم كلهم ، لكن مسئولية ولايته يجب أن تكون من نصيب أحد رجالات آل البيت ، وهو العباس أو علي بصفتهما شيوخ بني هاشم ، وهو ما آل إليه الأمر بعد الصديق رضي الله عنه .
          الثاني : الخطأ الثاني الذي وقع فيه الصديق هو أنه رفض تمكين مولاتنا الطاهرة من أرض فدك التي تملكتها بطريق الهبة كما سيأتي في روايات صريحة مهملة بفعل المذهبية المقيتة .
          ورفضُ الصديق راجع لعدم علمه بأن الرسول وهب فدكا للابنة الوحيدة الطاهرة فاطمة ، ولأنه ظن أن فدكا من جملة ما تصدق به رسول الله فامتنع تملكها بالإرث .

          لم يكن للطاهرة شهود على هبة فدك إلا زوجها علي في رواية ، والزوج مردود الشهادة إذا كانت لصالح الزوجة عند الجمهور .
          وشاهدها الثاني هو سيدتنا أم أيمن حاضنة رسول الله ، وشهادتها لوحدها غير كافية ، لأن الحقوق المالية تثبت بشهادة رجلين من غير الأقارب ، أو بشهادة رجل وامرأتين .
          والحق أن الصديق معذور بفهمه ، لكنه مخطئ في اجتهاده من ناحيتين :
          أما الناحية الأولى ، فهي أن التملك يقتضي شهيدين أو شهيدا وامرأتين في القرض أو البيع والشراء ونحوهما .
          أما إذا تعلق الأمر بالهبة ، فإنه من ادعى أن أباه وهبه شيئا ، وكان معروفا بالصدق والأمانة ، فالحكم للورثة وليس للقاضي أو رئيس الدولة .
          أي إذا صدّق الورثة دعوى الهبة ، أو لم يعترضوها ، فالمنطق يفرض إنفاذها لأنها شأن عائلي خاص بأفراد الأسرة .
          ومولاتنا فاطمة الطاهرة بنص القرآن والسنة المتواترة أبعد الناس عن الكذب ، ومولانا العباس لا ينكر هبتها ولا غيره من بني هاشم ، والمسألة عائلية لا تتطلب إشهارا وإذاعة من رسول الله، وشهادة مولانا علي أو أيمن كانت كافية لو تفطن الخليفة عليه الرضا والرحمة .
          لقد كانت الطاهرة عليها السلام على علم بأن النبي تصدق بسهمه من الخمس ، ولم تأت لطلب الميراث بل جاءت تخبر الصديق أن النبي وهبها أرض فدك .
          وذكر الميراث في الروايات المشهورة المتداولة تحريف متعمد لتبرئة الخليفة أبي بكر من الخطإ
          الذي استغله غلاة الشيعة فشتموه رضي الله عنه ، ونعتوه بالظلم .
          أو تخليط وخبط من الرواة لعدم تمييزهم بين سؤال بعض أمهات المؤمنين ميراثهن لعدم علمهن بتبرع زوجهن النبي بأملاكه، وبين مطالبة الطاهرة بهبتها الفدكية .
          هذه هي أسباب الخلاف بين آل البيت والخليفة الصديق ، وقد أحسوا بنوع من هضم حقوقهم فامتنعوا من بيعته .
          أما السيدة فاطمة فهي داخلة في المستحقين لسهم ذوي القربى من جهة ، فتستشعر معهم هضم حق قرآني لا محالة .
          ومن جهة ثانية، فتصرّف الخليفة معها ينتج تهمتها بالكذب في دعوى الهبة.
          من هنا كان موقفها من الخليفة أشد من بني هاشم جميعهم ، فهجرته حتى زارها مسترضيا في مرض موتها ، تعبيرا عن مرارة ما أحست به من إساءة لكرامتها ، لا أسفا على دنيا زائلة.

          ولا إثم في هجرانها كما يدعي الغافلون ، وذلك من وجهين :
          الأول : فاطمة عليها السلام امرأة أجنبية عن أبي بكر ، فلا يجب عليها أن تصله أو تغادر بيتها للقائه .
          الثاني : ما تعرضت له من جرح لكرامتها إذ كُذِّبت ضمنا ، وما رأته من "هضم" لحقها وحقوق قرابتها اجتهادا من الخليفة لا هوى أو تعصبا، مسوّغات كافية لتعتكف الطاهرة في بيتها ، وتتفرغ للقاء ربها سبحانه ، إذ أخبرها نبي الله أنها أول أهله لحوقا به ، فلم تعش بعده إلا ستة أشهر أو أقل .
          وقفة مع العاطفيين المستنكرين :
          هذا الذي قلناه هنا ، لن يستسيغه العاطفيون ، بل سيستنكرون نسبة الخطإ للصديق رضي الله عنه وكذا نعته بعدم علمه بهبة فدك .
          وربما اتهمنا بعضهم بسوء الأدب ، ولم لا سبّ الصحابة .
          فنقول :
          أولا : إذا كانت تخطئة الصديق ووصفه بجهل الهبة سوء أدب وسبا ، فإن تخطئة الطاهرة ومعها مولانا علي وسائر بني هاشم الذين أيدوها في هجران الصديق وعدم البيعة ، ووصفهم بجهالة امتناع ميراث أبيهم وابن أخيهم وابن عمهم رسول الله ليس سوء أدب وشتما فقط ، بل هو الجنون والنفاق ، فمقامهم أكرم من مقام الصديق رضي الله عنه قرآنا وسنة .
          ثانيا : تصديق رواية الزهري عن عروة كما وردت ، يستلزم أن هجران الطاهرة ومولانا علي للصديق حتى ماتت بنت رسول الله إثم وفجور ، ويقتضي أن بني هاشم مجانين ، إذ كيف ينحازون إليها بعدما أخبرهم الصديق بحديث تحريم ميراث النبي صلى الله عليه وسلم ؟
          وهذا والله لا انفكاك للعاطفيين منه ، وقد صرح بعض العلماء بمثل هذه المقتضيات الشنيعة ، كما فعل ابن تيمية غفر الله له في " منهاج السنة " .
          وهذا والله هو الضلال والعمى عن نصوص الوحي الواردة في الطاهرة وزوجها وسائر آل البيت الأطهار .
          وهو التعصب والعاطفة الباردة .
          ثالثا : نحن بين خيارين :
          إما القول بأن الطاهرة كانت تطالب بهبتها ، وأن الصديق لم يكن يعلم بتلك الهبة ، فأخطأ لما تشدّد واشترط عليها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين جريا على الصرامة القضائية ، ظنا منه أن العدل والنجاة في ذلك ، غير آبه بتطبيق قوانين القضاء على أطهر امرأة بعد أمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها .
          وفي هذا الخيار تأكيد لبشرية الصديق ، وانعدام إساءة للطاهرة وآل البيت ، وإحراج لغلاة الشيعة ، إذ لا يجدون حجة سنية للنيل من الصديق .
          وإما القول بأن الطاهرة وآل البيت كذّبوا حديثا رواه الصديق ، وهجروه بلا سبب مشروع إلا الحرص على الدنيا .
          وهذا الخيار يقتضي الشك في مصداقية الخليفة وسائر الصحابة ، إذ تكذيب العترة له تهمة لا يرفعها تأويل .
          كما أن هذا الخيار يؤدي إلى شعبة من النفاق ، لأنه يقتضي نسبة قلة الدين والعقل للعترة الشريفة الطاهرة المطهرة .
          فليختر كل امرئ ما شاء فإنا قد اخترنا .
          ولأن ننسب الخطأ للخليفة خير من نعت العترة بالعظائم الموبقات .
          ومن اختار تصويب الصديق ، وتخطئة الطاهرة ، فليتحمل مسئوليته أمام الله ، أما عبد ربه ، فليس مستعدا لذلك .
          وإذا كان الصديق غير معصوم جريا على أصولنا الاعتقادية ، فكيف يستعظم بعض العاطفيين نسبة الخطإ إليه ؟

          حقيقة خلاف مولانا علي مع سيدنا الصديق :
          صح عن مُحَمَّد بْنُ إِسْحَاقَ صاحب السيرة قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ: أَرَأَيْتَ حِينَ وَلِيَ الْعِرَاقَيْنِ وَمَا وَلِيَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ، كَيْفَ صَنَعَ فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى؟ قَالَ: سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قُلْتُ: وَكَيْفَ؟ وَلِمَ؟ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ؟ قَالَ: أَمَ وَاللَّهِ مَا كَانَ أَهْلُهُ يَصْدُرُونَ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ، قُلْتُ: فَمَا مَنَعَهُ؟ قَالَ: كَانَ وَاللَّهِ يَكْرَهُ أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ خِلَافُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " (تاريخ المدينة لابن شبة (1/217) ، وسنن البيهقي 6/557 ومعرفة السنن والآثار للبيهقي (9/270) .
          وفي رواية المعرفة من طريق الشافعي: " مَا صَنَعَ عَلِيٌّ فِي الْخُمُسِ؟ فَقَالَ: «سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَيْهِ خِلَافُهُمَا».
          قال الشافعي : وَكَانَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى رَأَيًا خِلَافَ رَأْيِهِمَا فَاتَّبَعَهُمَا .
          وقال الشافعي في كتاب الأم (4/155) : أُخْبِرْنَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ سَأَلُوا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ - نَصِيبَهُمْ مِنْ الْخُمُسِ فَقَالَ: هُوَ لَكُمْ حَقٌّ وَلَكِنِّي مُحَارَبٌ مُعَاوِيَةَ فَإِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ مِنْهُ.
          (قَالَ الشَّافِعِيُّ) فَأَخْبَرْت بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: صَدَقَ: هَكَذَا كَانَ جَعْفَرٌ يُحَدِّثُهُ ، أَفَمَا حَدَّثَكَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ؟ قُلْت: لَا . قَالَ مَا أَحْسَبُهُ إلَّا عَنْ جَدِّهِ هـ
          فتأكد أن مولانا عليا كان يرى سهم ذي القربى باقيا في العترة بعد رسول الله، خلافا للخلفاء قبله ، وهو مذهب الشافعي رحمه الله وآخرين .
          وظهر أن مولانا عليا وسّع دائرة صرف سهم ذي القربى على طريقة الخلفاء قبله ، ولكن برضا بني هاشم واستشارتهم خلافا لهما ، فجعل سهم ذي القربى في السلاح وتجهيز جيوش مقاتلة البغاة المتمردين المنقلبين للحاجة .
          وقول أبي جعفر عليه السلام في رواية ابن إسحاق: "وأنتم تقولون" يعني أن آل البيت كانوا يرون سهم ذي القربى حقا خالصا لهم دون سواهم ، إلا أن يشاؤوا التبرع به ، وأن الصديق والفاروق كانا مخطئين في اجتهادهما ، إذ أنهما أسقطا سهم ذي القربى وجعلاه في المنافع العامة للأمة .
          وحين تولاه مولانا علي في خلافة الفاروق أو عثمان ، تولاه بشرط صرفه في المنافع العامة رغم اعتقاده أنه حق خاص بالقرابة النبوية .
          وحين تولى الخلافة ، لم يخن الشرط ، ولم يغيّر زهدا منه عليه السلام ، وإكراما للعترة الشريفة ، ولكن بعد استشارتها ورضاها .

          الإمام ابن عبد البرّ الأندلسي يقارب الحقيقة :
          يعترف هذا الحافظ الفقيه الكبير بأن موالينا العباس وعلي لم يطلبا الميراث بل طلبا الولاية على سهم ذي القربى ، خلافا للشائع بين علمائنا المشدودين إلى روايات محرفة متناقضة منكرة لمجرد ورودها في الصحيحين .
          نعم ، في الصحيحين روايات صريحة في أن آل البيت كانوا يطالبون بالميراث ، وسندرسها رواية تلو أخرى .
          وابن عبد البر تحلى بقدر كبير من التمحيص والإنصاف ، فخرج بنتيجتين تشكلان صفعة وصدمة لذوي العواطف والمتعصبة من أهل طائفتنا .
          النتيجة الأولى : وهي إعراضه عن ظواهر تلك الروايات ، وصدعه بأن النزاع بين الصديق وآل البيت كان حول المستحق للولاية على سهم ذي القربى ، هل هو الخليفة ممثل الدولة ، أم الآل أنفسهم ؟
          قال رحمه الله في كتاب "التمهيد " (8/160) بعد كلام :
          أَمَّا تَشَاجُرُ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ وَإِقْبَالُهُمَا إِلَى عُمَرَ فَمَشْهُورٌ لَكِنَّهُمَا لَمْ يَسْأَلَا ذَلِكَ مِيرَاثًا وَإِنَّمَا سَأَلَا ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ ، لِيَكُونَ بِأَيْدِيهِمَا مِنْهُ مَا كَانَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ حَيَاتِهِ ، لِيَعْمَلَا فِي ذَلِكَ بِالَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ فِي حَيَاتِهِ . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ مِنْهُ قُوتَ عَامِهِ ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا فَضَلَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ . وَكَذَلِكَ صَنَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
          فَأَرَادَا عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يَسُوغُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ.
          وَأَمَّا الْمِيرَاثُ وَالتَّمْلِيكُ فَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ إِلَّا الرَّوَافِضُ .
          التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (8/ 161)
          ثم قال في (8/163) بعد نقاش : فَقَدْ بَانَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ أَنَّهَا وِلَايَةُ ذَلِكَ الْمَالِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، لَا مِيرَاثَ وَلَا مِلْكَ ، وَالْآثَارُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ . هـ
          ثم قال في (8/167) : قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ : الَّذِي تَنَازَعَا فِيهِ عِنْدَ عُمَرَ لَيْسَ هُوَ الْمِيرَاثُ ، لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُورَثُ ، وَإِنَّمَا تَنَازَعَا فِي وِلَايَةِ الصَّدَقَةِ وَتَصْرِيفِهَا ، لِأَنَّ الْمِيرَاثَ قَدْ كَانَ انْقَطَعَ الْعِلْمُ بِهِ فِي حَيَاةِ أَبِي بَكْرٍ . هـ
          وقال ابن عبد البر في الاستذكار (8/592) أيضا : لَمْ يَرَ أَبُو بَكْرٍ مِمَّا يَخْلُفُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ وَفَدَكَ وَسَهْمِهِ بِخَيْبَرَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَلِيَهُ بِمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَيُنْفِقَ مِنْهُ عَلَى عِيَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ لَهُمْ كُلَّ عَامٍ قُوتَ الْعَامِ ، وَيَجْعَلُ مَا فَضَلَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ .
          وَفِي هَذِهِ الْوِلَايَةِ تَخَاصَمَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ لِيَلِيَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلِيهَا بِهِ . هـ
          النتيجة الثانية : وهي إقراره رحمه الله بتناقض الروايات والأخبار الواردة في الخصومة بين الخلفاء وآل البيت ، فقال في المصدر السابق على سبيل الخلاصة : الْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِيمَا تَخَاصَمَ فِيهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ ، وَفِي ظواهرهما اخْتِلَافٌ وَتَدَافُعٌ هـ
          قلت بل فيها أكاذيب وتحريفات شتى ، وهي محل نقاشنا في الأجزاء القادمة بإذن الله ، ويكفينا إضرابك عن ظاهرها ، وإقرارك رحمك الله بتناقضها ، ليكون صنيعك مؤنسا لنا في طريق تحليلها وبيان عوارها .
          سعي الصديق للصلح يؤكد أن قراره اجتهاد يحتمل الخطأ :
          قال الإمام التابعي الكبير المحبّ لآل البيت عامر بن شراحيل الشَّعْبِيِّ : جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى فَاطِمَةَ حِينَ مَرِضَتْ فَاسْتَأْذَنَ فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْبَابِ فَإِنْ شِئْتِ أَنْ تَأْذَنِي لَهُ. قَالَتْ: وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَاعْتَذَرَ إِلَيْهَا وَكَلَّمَهَا فَرَضِيَتْ عَنْهُ.
          في رواية : لَمَّا مرِضَتْ فَاطِمَةُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأَذِنُ عَلَيْك، فَقَالَتْ: أَتُحِبُّ أَنْ آذَنَ لَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَأَذِنَتْ لَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَتَرَضَّاهَا . وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ الدَّارَ وَالْمَالَ وَالْأَهْلَ وَالْعشيرَةَ إِلَّا ابْتغَاءَ مرْضاةِ اللَّهِ وَمرضاةِ رَسُولِهِ وَمرضاتِكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ . ثُمَّ تَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيتْ . (الطبقات الكبرى ط العلمية (8/ 22) ، والسنن الكبرى للبيهقي (6/ 491) والاعتقاد للبيهقي (ص: 353) ودلائل النبوة له 7/281 )
          قال البيهقي : هَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
          وفي السيرة النبوية لابن كثير (4/575) : وَهَذَا إِسْنَاد جيد قوي، وَالظَّاهِر أَن عَامر الشَّعْبِيَّ سَمِعَهُ مِنْ عَلِيٍّ، أَوْ مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنْ عَلِيٍّ.
          قلت : عامر الشعبي أدرك مولانا عليا وغيره من كبار آل البيت وسمع منهم وكان يتشيّع لهم ، فلا شكّ أنه منهم أخذ الخبر .
          وهذا الذي يليق برجل عظيم مثل سيدنا أبي بكر الصديق ، فإنه من الذين يخطئون فيندمون ويصلحون .
          ومولاتنا فاطمة بمنزلة أمّه لشرفها ، فلا جرم يأتيها مسترضيا معتذرا على ما سبّب لها من جراح .
          ونحن هنا لا ندعي أنه تراجع عن منعها من فدك ، فهو مصرّ على قراره المبني على الاجتهاد ، لكنه أراد بيان أن قراره عري عن العداوة أو الظلم .
          أي أنه أكّد لها أن قراره مستند إلى وجهة نظر قضائية فقهية .
          وفاطمة عليها السلام من النوع الذي يعفو عن المخطئ إذا تأكد أنه مجتهد لا حاقد ، لذلك رضيت دون استغلال الفرصة لتجديد المطالبة بأرض فدك التي وضعها الخليفة في مصالح المسلمين لا في " جيبه " ، فكأنها حسبتها صدقة تقدمها بين يدي لقاء ربها في آخر أيامها .
          وهذه الزيارة من الصديق ، كانت عاملا حاسما في إسراع مولانا علي ومعه بنو هاشم لبيعة الصديق بعد وفاة الطاهرة مباشرة .
          ونزداد اطمئنانا بأن الصديق والطاهرة تصافيا كما يليق بهما ، حين نراها تصرّ على أن يغسّلها مولانا علي والسيدة أسماء بنت عُمَيس زوج الخليفة الصديق ، كما قدمنا في منشور مستقل .
          أما دفنها عليها السلام ليلا ، ودون إعلام الخليفة والناس ، وإخفاء مولانا علي قبرها عن غير آل بيته الكبار ، فكان كل ذلك مزيدا في تسترها رضي الله عنها ، إذ رأينا في مقال متقدم أنها كانت وراء اتخاذ النعش للنساء لأنه أستر لهن .
          هذا من جهة ، ومن ناحية فقد كان كل ذلك وصية من رسول الله حتى لا تعبد الطاهرة من قبل الغلاة ، ولا يتّخذ قبرها ذريعة للمجرمين فيسفكون الدماء بسببها .
          وها نحن نسمع أن دجاجلة الصفويين يعلّلون همجيتهم في العراق وسوريا بدعوى حماية المقدسات ، ونسمعهم يهددون بالسيطرة على مصر لوجود قبر السيدة سكينة فيها وكذا الرأس الشريف لمولانا حسين الشهيد .
          فكيف إذا عرفوا قبر السيدة فاطمة أو قبر مولانا علي بالتحديد ؟
          من هنا ندرك حكمة الله في خفاء مواضع دفن أصحاب الكساء : ( فاطمة وعلي وحسن والحسين عليهم السلام ) .
          فقد كانوا رحمة أحياء وأمواتا عليهم الصلاة والسلام .
          ولا مجال للاعتراض بعدم سعي الغلاة للاستيلاء على المدينة النبوية رغم وضوح القبر النبوي الذي هو أولى بالحرص من قبور ذريته .
          فالغلاة يصرحون بضرورة الاستيلاء على مكة والمدينة ، وتقديسهم لآل البيت عموما ، ولموالينا علي وفاطمة والحسين يفوق تعظيمهم لرسول الله بمراحل .
          وعن الغلاة الصفويين أتحدّث ، لا عن عموم الشيعة ، فإنهم مختطفون مستلبون مستضعفون من قبل الدجال الفارسي .
          موقف الآل من حكم الصديق :
          روى الإمام الثقة عمر بن شبة في تاريخ المدينة (1/201) عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّى الشيعي قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، أَرَأَيْتَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هَلْ ظَلَمَاكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا أَوْ ذَهَبَا بِهِ؟ قَالَ: لَا، وَالَّذِي أَنْزَلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ، مَا ظَلَمَانَا مِنْ حَقِّنَا مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَأَتَوَلَّهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيْحَكَ تَوَلَّهُمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَا أَصَابَكَ فَفِي عُنُقِي. ثُمَّ قَالَ: فَعَلَ اللَّهُ بِالْمُغِيرَةِ وَتِبْيَانٍ، فَإِنَّهُمَا كَذِبَا عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ "
          وهذا الخبر معتمد في "شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4 ص82.
          وفي تاريخ المدينة لابن شبة (1/199) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنِي النُّمَيْرِيُّ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: قُلْتُ لِزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُهَجِّنَ أَمْرَ أَبِي بَكْرٍ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَزَعَ مِنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَدَكَ. فَقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَجُلًا رَحِيمًا، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُغَيِّرَ شَيْئًا تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْهُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي فَدَكَ فَقَالَ لَهَا: هَلْ لَكِ عَلَى هَذَا بَيِّنَةٌ؟ فَجَاءَتْ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَشَهِدَ لَهَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِأُمِّ أَيْمَنَ فَقَالَتْ: أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنِّي مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ أَبُو أَحْمَدَ: يَعْنِي أَنَّهَا قَالَتْ ذَاكَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: فَأَشْهَدُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا فَدَكَ .
          فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَبِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَسْتَحِقِّينَهَا، أَوْ تَسْتَحِقِّينَ، بِهَا الْقَضِيَّةَ؟
          قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ رَجَعَ الْأَمْرُ إِلَيَّ لَقَضَيْتُ فِيهَا بِقَضَاءِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "
          وورد مختصرا :
          قال الإمام الشيعي الثقة فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ: قال زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ أَبى طَالب: أَمَّا أَنَا فَلَوْ كُنْتُ مَكَانَ أَبِي بَكْرٍ ، لحكمت بِمَا حكم بِهِ أَبُو بكر فِي فدك. ( تركة النبي لحماد البغدادي ص 86 ، والسنن الكبرى 6/493 والدلائل 7/281 والاعتقاد للبيهقي (ص: 354) ، وفضائل الصحابة للدارقطني ص 73 ، وتاريخ دمشق لابن عساكر (19/ 463) ، وبغية الطلب فى تاريخ حلب (9/ 4040)
          وهو في "شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4 ص82 .
          وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَنَا زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ مُخْتَفِيًا، فَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَجَاءَ بَعْضُ الِاعْتِرَاض، فَقَالَ زَيْدٌ: مَهْ يَا مُحَمَّدَ بْنَ سَالِمٍ ، لَوْ كُنْتَ حَاضِرًا مَا كُنْتَ تَصْنَعُ؟ قُلْتُ: كُنْتُ أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ: فَارْضَ بِمَا صَنَعَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ . ( فضائل الصحابة للدارقطني (ص: 73) وتاريخ دمشق لابن عساكر (19/ 463)
          والذي صنعه مولانا علي هو أنه تولى الخلفاء قبله ، وجاهد معهم ، وترضى عليهم ، وشهد لهم بالخير والاستقامة دون تأثر بشيء مما جرى بينه وبينهم .
          وأخباره في ذلك مبثوثة في مصادر الشيعة قبل السنة .
          وهكذا اتفقت العترة الشريفة بأصليها الكبيرين الزيدي والجعفري على تبرئة الخليفتين أبي بكر وعمر من ظلم أجدادهم ، وإن صرحوا بأن سهم ذي القربى حق خالص لهم بنص الكتاب والسيرة الثابتة .
          رضي الله عن المهاجرين والأنصار ، وصلى الله وسلم على آل البيت الأطهار .
          يتبع بإذن الله .

          تعليق


          • فدك بين الصديق والطاهرة
            الجزء الثالث
            محمد ابن الأزرق الأنجري

            "فدك" غصّة سلاطين بني أمية وبني العباس

            كان قرار الصدّيق رضي الله عنه بخصوص قضية فدك عاملا من عوامل تمزيق اللحمة بين الصحابة ثم الأمة من بعدهم .
            ليس لأن آل البيت كانوا متشوفين للدنيا ومتاعها ، بل لأنها – قضية فدك - كانت مظهرا من مظاهر (الإجحاف) في حق بني هاشم (والتضييق) عليهم اجتماعيا واقتصاديا.
            بدأ ذلك بإقصائهم من مشاورات اختيار الخليفة الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
            ففي الوقت الذي كان فيه آل البيت مشغولين بجنازة نبي الأمة ، كان الأنصار وبعض المهاجرين يختارون الخليفة دون اعتبار لباقي الصحابة ، وفي مقدمتهم عشيرة المصطفى .
            من هنا سمى سيدنا عمر ، أحد المشاركين في السقيفة ، طريقة اختيار سيدنا أبي بكر فلتنة وفتنة وقى الله شرها .
            وإنما وقانا الله شرها بصبر آل البيت وتحملهم .

            فقد كان بإمكانهم الطعن في خلافة الصديق ، وفي ذلك خطر وأي خطر ، لكنهم لم يفعلوا لأنهم لم يكونوا طلاب حكم ، ولا يحبون شق وحدة الأمة .
            كان مولانا الصديق حقيقا بالخلافة ، لكن المشكلة في طريقة اختياره وظروفها وسرعتها .
            كان من المفروض أن يتجه المهاجرون الذين حضروا السقيفة نحو تعطيل اختيار الخليفة الذي اجتمع لأجله الأنصار .
            أي كان من الواجب على سادتنا المهاجرين أن يقولوا للأنصار :
            إن اختيار الخليفة شأن عظيم ، يتطلب حضور سائر المهاجرين والأنصار ، ولا يجوز البت فيه قبل الفراغ من جنازة نبينا الكريم ، فليكن فلان رئيسا مؤقتا ريثما يُدفَن نبينا ، فيشهد اختيارَ الخليفة جمهورُ المهاجرين والأنصار ، وبنو هاشم خاصة ، احتراما لهم وتعظيما للنبي المختار .
            فلما تعجل أهل السقيفة اختيار الخليفة ، كان من المنتظر أن يستشعر بنو هاشم التهميش والإهمال .
            ثم جاءت المطالبة من قبل موالينا العباس وعلي بحق آل البيت في الإشراف على سهم ذي القربى المنصوص عليه قرآنا ، وسؤال مولاتنا فاطمة بأرضها الفدكية ، ليشكل ذلك كله النقطة التي أفاضت كأس بني هاشم ، فيرفضون البيعة للخليفة ، وتقرّر مولاتنا فاطمة مقاطعته اجتماعيا كشكل من أشكال الاحتجاج المدني .

            رضي الله عن سيدنا أبي بكر ، وصلى وسلم على الآل أجمعين .
            ( تلك أمة قد خلت )
            نتناول أخبارها للعبرة والبحث عن سُبُل إعادة لُحمة الأمة من جديد ، لا لنفجر النزاع ، أو نمنح الغلاة والحمقى فرصة الغمز واللمز .
            مصير " فدك " :
            كان الصديق والفاروق وذو النورين ، يعطون آل البيت قوت عامهم من سهم ذي القربى وفدك ، ويصرفون الباقي في المصالح العامة ، وهو ما فعله مولانا علي كذلك لأنه شهم لا يرضى الاستفادة مما حُرِمت منه زوجه الطاهرة .
            أما معاوية رحمه الله ، أول الملوك ، فإنه انتزع فدكا من الأمة ، وقدمها هدية مجانية لحليفه مروان بن الحكم خائن سيدنا عثمان .
            والحق أنها لم تكن مجانية ، لأن مروان هو الذي مهّد الطريق لمعاوية نحو السلطة، فأشعل الفتنة أيام عثمان بالرسائل الشيطانية التي كان ينسبها للخليفة ، وحرّض الناكثين على مولانا علي فكانت حرب الجمل ، وضمِن لحزب معاوية عشائرَ مكية كثيرة شاركت في الحرب على أمير المؤمنين أو مارست الخذلان عبر الحياد السلبي .
            وهكذا استحق الفتّان أرض فدك نكاية في آل بيت النبوة ، وإمعانا في إيذاء مشاعرهم .
            وقد شكّلت " فدك " غصّة ومشكلة سياسية لكل الملوك الذين فيهم شيء من الصلاح بعد معاوية .
            ونجتزئ هنا موقف خليفة أموي عادل ، وملك عباسي منصف ، هما : عمر بن عبد العزيز والمأمون العباسي .
            أولا : موقف عمر بن عبد العزيز من " فدك " :
            ورد من طرق كثيرة بعضها صحيح أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ جَمَعَ بَنِي أُمَيَّةَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَتْ لَهُ فَدَكُ، فَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا وَيَعُودُ مِنْهَا عَلَى صَغِيرِ بَنِي هَاشِمٍ، وَيُزَوِّجُ مِنْهَا أَيِّمَهُمْ، وَإِنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهَا فَأَبَى»، فَكَانَتْ كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، فَلَمَّا أَنْ وُلِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي حَيَاتِهِ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، فَلَمَّا أَنْ وُلِّيَ عُمَرُ عَمِلَ فِيهَا بِمِثْلِ مَا عَمِلَا حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، ثُمَّ أَقْطَعَهَا – يعني معاوية بن أبي سفيان - مَرْوَان، ثُمَّ صَارَتْ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ عُمَرُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَرَأَيْتُ أَمْرًا مَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام، لَيْسَ لِي بِحَقٍّ، وَأَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ رَدَدْتُهَا عَلَى مَا كَانَتْ يَعْنِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
            ( الطبقات الكبرى لابن سعد ط صادر (5/388) ، وسنن أبي داود ح 2972 ، وسنن البيهقي 6/491 ، والمعرفة والتاريخ (1/ 587) ، وفتوح البلدان للبلاذري (ص: 40 و 41) ، والأوائل للعسكري (ص: 258 و ص 259) وتاريخ دمشق 45/178 و179 )
            وفي رواية عند أبي بكر النصيبي ت 359 في الفوائد (ص: 222): لَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَدَّ فَدَكَ عَلَى وَلَدِ فَاطِمَةَ , وَكَتَبَ إِلَى وَالِيهِ بِالْمَدِينَةِ يَقْسِمُ غَلَّتَهَا عَلَى وَلَدِ فَاطِمَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ فَاطِمَةَ قَدْ وَلَدَتْ فِي آلِ عُثْمَانَ وَآلِ فُلانٍ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ , أَمَا إِنِّي لَوْ كَتَبْتُ إِلَيْكَ آمُرُكَ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ , كَتَبْتَ: مَا لَوْنُهَا؟ أَوْ كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِذَبْحِ شَاةٍ , لَقُلْتَ: جَمَّاءُ أَمْ قَرْنَاءُ؟ فَإِذَا أَوْرَدَ كِتَابِي هَذَا عَلَيْكَ , فَاقْسِمْهَا عَلَى وَلَدِ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ . فَنَقَمَتْ بَنُو أُمَيَّةَ ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , فَعَاتَبُوهُ فِيهِ , فَخَرَجَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنَ الْمُرْجِئَةِ يَنْقِمُونَ عَلَيْهِ فِعْلَهُ , فَسَاءَ ذَلِكَ بَنِي مَرْوَانَ , وَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ، فَمَكَثَ أَيَّامًا لا يَأْذَنُ لَهُمْ فَحَضَرَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ , فَقَالُوا: عِبْتَ مَا فَعَلَهُ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ وَهَجَّنْتَ فِعْلَهُمْ , فَقَالَ: إِنَّكُمْ جَهِلْتُمْ وَعَلِمْتُ , وَنَسِيتُمْ وَذَكَرْتُ , وَإِنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدٍ يَعْنِي عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ حَدَّثَنِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: « فَاطِمَةُ بضْعَةٌ مِنِّي , وَيُسْخِطُنِي مَا أَسْخَطَهَا , وَيُرْضِينِي مَا أَرْضَاهَا» .
            فَوَلُوهَا بَنُو أُمَيَّةَ، حَتَّى صَارَتْ لِمَرْوَانَ , فَوَهَبَهَا مَرْوَانُ لأَبِي عَبْدِ الْعَزِيزِ , فَوَرِثْتُهَا أَنَا وَإِخْوَتِي , فَسَأَلْتُهُمْ أَنْ يَهَبُوا لِي حِصَصَهُمْ , فَمِنْهُمْ مَنْ بَاعَنِي , وَمِنْهُمْ مَنْ وَهَبَ لِي حَتَّى اسْتَخْلَصْتُهَا , فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهَا عَلَى وَلَدِ فَاطِمَةَ , قَالُوا: فَإِنْ آلا هَذَا , فَامْسِكِ الأَصْلَ َوفَرِّقِ الْغَلَّةَ , فَفَعَلَ.
            قال الأنجري: فظهر أن عمر بن عبد العزيز ردّ فدك على ورثة فاطمة عليها السلام أول الأمر .
            فلما عارضه أمراء بني أمية ، وخاف الفتنة ، سلك بها سبيل الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فجعل الولاية عليها لغير آل البيت ، مع تفريق غلتها الفلاحية في المنافع العامة خلافا لمعاوية الذي "أهداها" على طريق القياصرة لحليفه الناصبي مروان بن الحكم قاتل سيدنا طلحة بن عبيد الله لما قرّر التوبة من التمرّد المسلّح على مولاه علي .
            ولنا أن نسأل هنا العاطفيين :
            إنكم ترون قرار مولانا أبي بكر صوابا ، فما قولكم في تصرّف معاوية حين حرَم الأمة من غلّة " فدك " وأهداها مِلكا لحليفه مروان بن الحكم يتوارثه أبناؤه إلى زمن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز ؟
            إن صوّبتم فعل معاوية ، خطّأتم سيدنا أبا بكر . كيف ؟
            إنكم ترون أن فدكا لا تورث ، لذلك رفض سيدنا أبو بكر منحها لمولاتنا فاطمة .
            وترون أن فدكا أرض أوقفها رسول الله ومن بعده الخلفاء الراشدون على المنافع العامة للأمة.
            وهذا معاوية يترك سنة رسول الله وخلفائه الراشدين ثم يفوّت أرضا مملوكة للأمة لواحد من النواصب الحاقدين .
            هل تقرّون أن تصرّفه جريمة مالية في حقّ الأمّة كما أقرّ الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله ؟
            وإن سوّغتم فعل معاوية غفر الله لنا وله، وزعمتم أن الحاكم من حقه أن يهب مِلكا عاما لواحد من أمته ، فإنكم تطعنون في اجتهاد سيدنا أبي بكر من حيث لا تشعرون .
            إن الصديق رفض بشدة أن يمنح الطاهرة فاطمة أرض فدك ، وغبار نعلها أشرف وأطهر من مروان الناصبي الخائن الفتان .
            فكيف استسهل معاوية - الذي تزعمون أنه كان على سيرة الشيخين – تمليك أرض عامة ومنفعتها لرجل من عشيرته ؟
            ألا يدلّ ذلك على أنه كان ملكا لا خليفة ؟
            وأنه كان يتعمّد استفزاز آل البيت الكرام ، إذ منح ما حُرِمت منه أمهم الطاهرة أحدَ أعدائهم النواصب في حياة مولانا الحسين ؟
            على كل حال ، فقد أقرّ الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز أن تصرّف أجداده غصب وتسلط على " مال الأمة "، تخلّص منه رحمه الله بردّه إلى ما كان عليه زمن الشيخين رضي الله عنهما .
            وبخصوص قول سيدنا عمر الأموي : « ... وَإِنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهَا فَأَبَى» ، فهو خبر مرسل
            ، إذ أن عمر تابعي ، لم يدرك زمن القصة ، وقد تفرّد بهذا الخبر الباطل ، الذي لا نشك أنه تلقاه من أجداده الأمويين النواصب كما ورث منهم أرض فدك قبل أن يعيدها للأمة .
            والدليل على بطلان ما أرسله رحمه الله ، هو الروايات الدالة على أنه وهبها فدك ، وستأتني .
            ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يمنع ابنته الطاهرة طلبها فإنه قال لها ، في بداية البعثة: « يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي ، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا » ( صحيح البخاري ح 4771 وصحيح مسلم 351 - (206) )
            أي اطلبي ما شئت من المال ، فإنني أملك ذلك ، أما الآخرة بيد الله ، إن آمنت لك الجنة وإن كفرت لك غير ذلك .
            فكيف يفتح الله عليه الدنيا قبل موته ، ثم يرفض منح جزء منها لأحب الخلق إليه ، فاطمة بنته ؟
            وكيف يرفض وهو القائل عليه السلام في صحيح البخاري ح 1295 وصحيح مسلم 5 - (1628) :
            ( إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ )
            وقد سبق الشيخ الألباني لاستنكار ما نسبه ابن عبد العزيز رحمه الله للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال في ضعيف أبي داود - الأم (2/ 420) : ( ... وفيه جملة استنكرتُها، وهي قوله: (إن فاطمة سألته أن يجعل أرض فدك لها؟ فأبى) ؛ ووجه الاستنكار مِن ناحيتين:
            الأولى: أنها لم ترد في شيء من طرق الحديث الصحيحة عن عمر وعائشة وغيرهما في "الصحيحين " و"السنن "
            وغيرهما، وحديثهما في الكتاب الآخر (2624- 2631) .
            والأخرى: أنني أستبعد جداً أن تكون السيدة فاطمة سألت أباها (فدكاً) فمنعها! إياها، ثم بعد وفاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تطالب بها أبا بكر، وتخاصمه في ذلك - كما هو معروف-؛ هذا شبه مستحيل. والله أعلم. هـ
            ثانيا : المأمون العباسي يتحرّى فيأمر بردّ فدك إلى ورثة مولاتنا فاطمة :

            قال العلامة الثقة الحافظ البلاذري في فتوح البلدان (ص: 41) : لما كانت سنة عشر ومائتين ، أمر أمير الْمُؤْمِنِين المأمون، عَبْد اللَّهِ بْن هارون الرشيد فدفعها إِلَى ولد فاطمة وكتب بذلك إِلَى قثم بْن جَعْفَر عامله عَلَى المدينة :
            أما بعد، فإن أمير الْمُؤْمِنِين بمكانه من دين اللَّه. وخلافة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرابة به أولى منَ استن سنته، ونفذ أمره وسلم لمن منحه منحة وتصدق عَلَيْهِ بصدقة منحتَه وصدقتَه، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته، وإليه في العمل بما يقربه إليه رغبته.
            وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فاطمة بنت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدك وتصدق بها عليها، وكان ذلك أمرا ظاهرا معروفا لا اختلاف فيه بَيْنَ آل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه، ولم تزل تدعي منه ما هُوَ أولى به من صدق عَلَيْهِ.
            فرأى أمير الْمُؤْمِنِين أن يردها إِلَى ورثتها ويسلمها إليهم تقربا إِلَى اللَّه تعالى بإقامة حقه وعدله وإلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتنفيذ أمره وصدقته، فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إِلَى عماله، فلأن كان ينادى في كل موسم بعد أن قبض اللَّه نبيه صلى اللَّه عَلَيْهِ أن يذكر كل من كانت له صدقة أو وهبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته، أن فاطمة رضي اللَّه عنها لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها.
            وقد كتب أمير الْمُؤْمِنِين إِلَى المبارك الطبري مولى أمير الْمُؤْمِنِين يأمره برد فدك عَلَى ورثة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها وما فيها من الرقيق والغلات وغير ذلك وتسليمها إِلَى مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن الْحُسَيْن بْن زيد بْن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وَمُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن على بن الحسين ابن علي بْن أَبِي طالب لتولية أمير الْمُؤْمِنِين إياهما القيام بها لأهلها فاعلم ذلك من رأي أمير الْمُؤْمِنِين وما ألهمه اللَّه من طاعته ووفقه له منَ التقرب إليه وإلى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعلمه من قبلك، وعامل محمد بن يحيى ومحمد ابن عَبْد اللَّهِ بما كنت تعامل به المبارك الطبري، وأعنهما عَلَى ما فيه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاتها إن شاء اللَّه والسلام» وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة عشر ومائتين، فلما استخلف المتوكل عَلَى اللَّه رحمه اللَّه أمر بردها إِلَى ما كانت عَلَيْهِ قبل المأمون رحمه اللَّه.

            قلت : أدرك العلامة البلاذري المأمون العباسي وله فيه مدائح ، وجالس المتوكل ، وكان كاتبا أديبا خبيرا برسائل الملوك ، عارفا بأخبارهم ، فالخبر ثابت صحيح .
            وفي كتاب الأوائل للعسكري (ص: 258 و ص 259) : من طريق محمد بن زكريا الغلابي عن عبيد الله بن محمد ابن عائشة : ثم قبضها يزيد بن عبد الملك، فلما ولي أبو العباس ردها إلى عبد الله بن الحسن، ثم قبضها أبو جعفر، ثم ردها المهدي على ولد فاطمة، ثم قبضها موسى وهارون، ثم ردها عليهم المأمون.
            ثم روى عن محمد بن زكريا عن مهدى بن سابق قال: جلس المأمون للمظالم، وأول رقعة وقعت فى يده نظر فيها وبكى، ثم قال: أين وكيل فاطمة بنت رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-؟ فقام شيخ وعليه دراعة وعمامة وخف ثغري، فتقدم فجعل يناظره فى فدك، والمأمون يحتج عليه وهو يحتج على المأمون، ثم أمر أن يسجل بها لهم فسجل وأمضاه المأمون، فأنشأ دعبل يقول:
            أصبح وجه الزّمان قد ضحكا ... بردّ مأمون هاشم فدكا
            فلم تزل فى أيديهم حتى كان أيام المتوكل، فأقطعها عبد الله بن عمر الباريار، وكان فيها إحدى عشرة نخلة مما غرسه رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- بيده، وكان آل أبى طالب يأخذون ذلك الثمر، فإذا قدم الحجاج أهدوا إليهم منه، فيصل إليهم به مال جليل، فبلغ المتوكل ذلك، فأمر عبد الله بن عمر بصرمه ويعصره، فوجه رجلا يقال له بشر بن أمية الثقفي، فصرمه وعصره، وذكروا أنه جعله نبيذا، فما وصل إلى البصرة حتى ملح، وقتل المتوكل.
            في إسناد هذه الأخبار محمد بن زكريا الغلابي العلامة الإخباري ، وهو مختلف فيه ، لكنه مقبول في التاريخ ، وطريق البلاذري شاهد لصدقه في قصة المأمون والمتوكل .

            وقال المؤرخ أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي الحموي (المتوفى: 732هـ) في كتاب "المختصر في أخبار البشر" (2/ 32) ومثله في تاريخ ابن الوردي (1/212) :
            كان المأمون شديد الميل إِلى العلويين، والإحسان إِليهم رحمه الله تعالى، ورد فدك على ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلمها إِلى محمد ابن يحيى بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ليفرقها على مستحقيها من ولد فاطمة، وكان المأمون فاضلاً مشاركاً في علوم كثيرة. هـ
            وبعد مقتل المتوكل الذي كان شديدا على آل البيت ، خلفه ابنه الملك العادل الصالح محمد المنتصر بالله ، وكرّر سنّة المأمون الحسنة بخصوص فدك
            :
            قال الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام (18/416) : كان أبوه المتوكًل قد أمر بهدْم القبر، وأن يعاقب مَن وُجد هناك. فلمّا ولي المنتصر أمر بالكفّ عن آل أبي طَالِب وردّ فَدَك على آل الْحُسَيْن.
            وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص: 260) : كان ... وافر العقل، راغبًا في الخير، قليل الظلم، محسنًا إلى العلويين، وصولًا لهم، أزال عن آل أبي طالب ما كانوا فيه من الخوف والمحنة بمنعهم من زيارة قبر الحسين، وردّ على آل الحسين فدَك، فقال يزيد المهلبي في ذلك:
            ولقد بررت الطالبية بعدما ... ذموا زمانًا بعدها وزمانًا
            ورددت ألفة هاشم فرأيتهم ... بعد العداوة بينهم إخوانًا
            قال ابن الأزرق :
            بحثَ المأمونٌ جذورَ قصة فدك ، وهو رجل علم من جهة ، وملك له مستشارون وعلماء وفقهاء ومؤرخون أصدر الأمر إليهم بالبحث الجاد والتمحيص العميق ، فانتهى إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وهب فدكا لبضعته الطاهرة فاطمة عليها السلام ، لذلك أمر بتمكين ذريتها المعاصرة له من حقهم .
            ولا يفهمّن أحد أن المأمون أفضل من الصديق ، فلا تلازم بين فعله وأفضليته إلا عند معطلي حاسة العقل والتدبر .
            يخطئ الفاضل ويصيب المفضول ، قاعدة مقرّرة عند كل العقلاء .

            الخلاصة :
            قصتا عمر بن عبد العزيز والمأمون مع فدك تؤكدان أن القضية لم تكن هينة كما هو شائع .
            وتعامل الأول شهادة من داخل البيت الأموي على انحراف نظام حكم أجداده وتسلّطهم على أموال الأمة وظلمهم آل البيت الأطهار .
            أما فعل المأمون ، فحدَث يعرّي الرواة الأوائل الذين تعمّدوا إخفاء الحقائق من جهة ، وتفننوا في تحريف القصة من ناحية .
            فآل البيت كانوا يطلبون حقهم في سهم ذي القربى ، ومولاتنا فاطمة طالبت بهبة النبي لها
            ، ولم يطلبوا عليهم السلام ميراثا كما أشاع المحرّفون .
            ولنا وقفات قادمة بإذن الله مع الروايات في الموضوع .
            حياكم الله ، وبارك أنفاسكم .

            تعليق



            • فدك بين الصديق والطاهرة - الجزء الرابع
              روايات تثبت هبة فدك للطاهرة فاطمة عليها السلام
              محمد ابن الأزرق الأنجري

              مدخل :
              يجب الاعتراف بأن جماهير علماء السنة يفضلون الخلفاء الثلاثة على موالينا فاطمة وعلي والحسن والحسين .
              ولأجل ذلك ، فإن الرواة الأوائل من أهل السنة ، كانوا يهتبلون بكل رواية لصالح الخلفاء ولو تضمنت الإساءة لآل الكساء الأطهار ، فينشرونها ولو اشتملت على الخرافات والأكاذيب كما سيظهر للمحايدين في قصة مولاتنا فاطمة مع سيدنا أبي بكر من روايتي مالك بن أوس وعروة بن الزبير المخرجتين في الصحيحين .
              في المقابل ، كان الرواة السنة يهملون الروايات الداعمة لموقف آل البيت أحيانا ، ولو كانت صحيحة .
              فهذا الإمام الزهري حافظ كبير وراوية شهير لا يدانيه أحد في عصره اطلاعا ومعرفة بالأخبار، بحيث يستحيل أن يجهل كل الروايات التي تتضمن مطالبة مولاتنا فاطمة على أساس الهبة لا الميراث .
              إنها روايات كثيرة ، لم نجد الزهري ضمن أسانيدها البتة ، لكننا وجدناه حاضرا في كل رواية تدعم خصوم مولاتنا فاطمة .
              والزهري لم يكن من الذين يروون الصحيح فقط حتى نجد له مسوّغا ومخرجا ، فقد حدّث بالموضوعات والمنكرات في العقيدة والأحكام وغيرهما ، حتى قرّر المحدثون أن مراسيل الزهري شبه الريح .
              فلماذا يا ترى لم يرو أيا من الأخبار عن "ادّعاء" مولاتنا فاطمة أن النبي وهبها أرض فدك ؟
              حتى ولو كانت موضوعة مكذوبة ، فالزهري يجب أن يسمعها ويرويها كما فعل في أخبار كثيرة .
              والزهري لم يكن ناصبيا ولا أمويا ، لكنه كان يمارس سذّ الذرائع ، فلعلّه خشي على مقام الصديق رضي الله عنه ، فتحاشى رواية ما يثبت أن مسألة فدك لا علاقة لها بالميراث .
              وتذكّر مقولة الحموي في معجم البلدان (4/239) : وفي فدك اختلاف كثير في أمره بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وآل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن رواة خبرها من رواه بحسب الأهواء وشدة المراء . هـ
              الرواية الأولى في هبة فدك : حديث أبي سعيد الخدري
              :
              ورد من طرق عدة عَنْ فُضَيْلٍ بن مرزوق، عَنْ عَطِيَّةَ بن سعيد العوفي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ وَأَعْطَاهَا فَدَكَ " ( مسند أبي يعلى الموصلي ح 1075 و ح1409 ، ومسند البزار- كشف الأستار ح2223 ، والكامل في ضعفاء الرجال (6/ 324)
              قلت : هذا أثر حسن :
              فضيل بن مرزوق صدوق ، وعطية العوفي تابعي جليل حسن الحديث ظلمه النقاد لتشيعه كما أثبت العلامة محمود سعيد ممدوح في " رفع المنارة " أو غيره .
              وقول الهيثمي في مجمع الزوائد (7/49) : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ. هـ
              كلام فارغ من التحقيق ، كيف ، وقد حسّن هو ذاته في الكتاب نفسه أحاديث تفرّد بها عطية رحمه الله ؟
              وفي علل الحديث لابن أبي حاتم (4/577) : سألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ عليُّ بْنُ عَابِسٍ ، عَنْ فُضَيل ، عَنْ عَطِيَّة ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ قَالَ : لمَّا نزلَتْ: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}.
              ورَوَاهُ أَبُو نُعَيْم ، عَنْ فُضَيل، عن عطيَّة، لا يقول: عن أبي سَعِيدٍ .
              أيُّهما أصحُّ؟ قَالَ: كَمَا قال أبو نُعَيْمٍ أصحُّ . هـ
              قلت : ابن أبي حاتم الرازي لم يدرك أبا نعيم الفضل بن دكين ، ولم يذكر لنا سنده إليه ، فلا ندري الواسطة بينهما ، فيبقى ترجيح أبي حاتم الرازي أن الخبر مرسل يرويه عطية العوفي عن النبي مباشرة محل توقف ونظر .
              وعلى فرض كونه مرسلا ، فهو مرسل حسن ، يعتبر به .
              وشتان بين قول أبي حاتم الرازي أو الحافظ الهيثمي وبين الطامة والداهية التي وقع فيها الألباني غفر الله لنا وله ، فإنه أبان عن شطط وغلوّ في المجازفة ، حيث أورد الحديث في سلسلته الضعيفة رقم 6570 ، وقال دون حياء ولا خوف من الله : موضوع.
              وحجته أن ( عطية - وهو: العوفي -، ضعيف مدلس تدليساً خبيثاً ... وأبو يحيى التيمي - اسمه: (إسماعيل بن إبراهيم الأحول) -: شيعي، قال الذهبي في "المغني": "مجمع على ضعفه" ) . هـ
              والشيخ يعلم أن وجود راويين ضعيفين في سند حديث ما يجعله ضعيفا فقط ، لا موضوعا ، إلا أن يكون متنه مناقضا للقرآن أو المتواتر أو الحس والعقل والعلم .
              ثم إن الألباني حسّن عشرات أحاديث عطية العوفي ، في الصحيحة والسنن وغير ذلك .
              ويعلم أن إسماعيل الأحول لم يتفرد بالرواية عن فضيل بن مرزوق ، فتابعه جماعة فيهم الثقة وغيره .
              والألباني لم يقف على طريق أبي حاتم ولا رآه ، وفيه الإمام الحجة الفضل بن دكين عن فضيل بن مرزوق .
              أما قول ابن كثير رحمه الله في تفسيره الآية : وَهَذَا الْحَدِيثُ مُشْكَلٌ لَوْ صَحَّ إِسْنَادُهُ؛ لَأَنَّ الآية مكية، وفدك إِنَّمَا فُتِحَتْ مَعَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَكَيْفَ يَلْتَئِمُ هَذَا مَعَ هَذَا؟!
              قلت : هناك خلاف بين العلماء في الآية هل هي مكية أم مدنية ، فلا حجة ولا إشكال .
              وكم زعمتم تعدّد نزول آيات محدّدة بناء على اختلاف روايات أسباب النزول فتجمعون بينها بالقول : هذا مما تعدد نزوله بمكة والمدينة .
              فكيف نسيتم هذه القاعدة هنا ؟
              ولماذا لم تفترضوا أن الآية نزلت في مكة ، وأن تطبيقها جاء بالمدينة لما فتحت خيبر ووجد الرسول ما يعطيه قرابته ، وفي مقدمتهم مولاتنا فاطمة ؟
              وسيأتي ما يشهد لذلك من غير طريق فضيل وعطية وأبي سعيد .
              وأتفه مما سبق ، قول الذهبي رحمه الله في ميزان الاعتدال (3/135) : هذا باطل، ولو كان وقع ذلك لما جاءت فاطمة رضي الله عنها تطلب شيئا هو في حوزها وملكها. وفيه غير علي من الضعفاء. وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه. هـ
              قلت : كان سيدنا أبو بكر يجهل الهبة ، فتصرف في فدك بحكم الإمامة ، فجاءت الطاهرة تخبره أنها هبة لها ، فكان ماذا ؟
              وما قولك في سهم ذي القربى الذي أمر به الله في القرآن ، وعطّله سيدنا الصديق اجتهادا وظنا منه أنه انقضى بموت رسول الله ، فجاءه موليانا العباس وعلي يطالبانه به ؟
              وأما علي بن عابس فلم يتفرد بالخبر عن فضيل ، وإن عنيت بغيره من الضعفاء عطية بن عوف ، فأنت من جملة الظالمين له على إمامتك واستقرائك رحمك الله .
              شواهد لم يقف عليها من تكلموا في حديث عطية :

              قال الحافظ السيوطي في الدر المنثور (5/274) : وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت {وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه} أقطع رَسُول الله فَاطِمَة فدكا . هـ
              وروى السُّديّ، عن أبي الديلم، قال: قال عليّ بن الحسين عليهما السلام لرجل من أهل الشام: أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أفما قرأت في بني إسرائيل (وآتِ ذَا القُرْبى حَقَّهُ) قال: وإنكم لَلْقرابة التي أمر الله جلّ ثناؤه أن يُؤتى حقه ؟ قال: نعم. ( تفسير الطبري ت شاكر (17/426)
              وفي تفسير ابن أبي حاتم : قال علي بن الحسين في قوله تعالى: «وآت ذا القربى حقه» : هم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، أمر صلى الله عليه وسلم بإعطائهم حقوقهم من بيت المال، أي: من سهم ذوي القربى من الغزو والغنيمة، ويكون خطابا للولاة أو من قام مقامهم.
              هذا ، وتمام الآية هكذا في سورة الإسراء : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ) .
              والقرآن يفسّر بعضه بعضا ، فبعد خيبر أنزل الله سبحانه في سورة الأنفال :

              ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .
              أي جاء التذكير بما أمرت به آية الإسراء لما جاءت الغنائم ، فأكّدت آية الأنفال على حقوق قرابة الرسول واليتامى والمساكين وابن السبيل المذكورين في الإسراء ، وأضافت سهم الله ورسوله .
              وهو ما فعله النبي عليه السلام ، ففرّق على بني هاشم وبني المطلب سهمهم من الخمس المفروض قرآنا ، فأعطى موالينا العباس وعليا وفاطمة وغيرهم كما جاء في روايات صحيحة ، نذكرها في المقال الخاصّ بسهم الخمس لذي القربى .
              وإنما كان أعطاهم غلّة أراضي خيبر ، وفدك منها ، حيث قضت الاتفاقية مع يهود خيبر وفدك أن يبقوا في بلادهم ، ويرسلوا نصف المنتوج الزراعي للمسلمين ، فتأخذ قرابة الرسول خمسها من تلك الغلة .
              أي أن النبي لم يفرّق على قرابته أراضي خيبر ، بل الغلة فقط .
              وخيبر منطقة بعيدة جدا عن المدينة ، بحيث لا يتصوّر عاقل أن فاطمة عليها السلام كانت تذهب بنفسها لحرث فدك وحصدها ، بل كانت تنتظر حتى يأتيها حقها .
              من هنا جهل سيدنا الصديق تملكها غلّة فدك ، فكان ما كان .
              فإذا وجدت ابن تيمية وتلميذه الذهبي رحمهما الله يحتجان بأن الهبة لا تثبت إلا بالتملّك والحيازة ، فاعلم أنهما لم يستحضرا ما قلناه ، أو أنهما يمارسان المغالطة والتمويه مستغلّين جهل القارئ أو الخصم بمثل هذه التفاصيل الدقيقة .
              ولله الحمد والمنة ، فما أدركناها إلا بعد استعمال منهج الشك المبدئي في (اجتهادات) السابقين أيا كانوا .
              ولكي لا تبقى متشككا فيما وعدتك به ، إليك هذا الحديث الصحيح المليح :
              قال الصحابي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَتَرَكَ بَنِي نَوْفَلٍ، وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ حَتَّى أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَؤُلَاءِ بَنُو هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَكَ اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ، فَمَا بَالُ إِخْوَانِنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَنَا وَقَرَابَتُنَا وَاحِدَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَا نَفْتَرِقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ، وَلَا إِسْلَامٍ، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
              قال : « وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْسِمُ الْخُمُسَ نَحْوَ قَسَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْطِي قُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهِمْ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُعْطِيهِمْ، وَعُثْمَانُ مِنْ بَعْدِهِ، مِنْهُ»

              (مسند الشافعي ح 1751 ، الأموال للقاسم بن سلام (ص: 415) ومصنف ابن أبي شيبة 6/516 و7/393 ، وتاريخ المدينة لابن شبة (2/ 644 و645) ، والأموال لابن زنجويه (2/726) ، وسنن أبي داود ح 2978 و 2979 و2980 ، وسنن النسائي ح 4136 وصحيح ابن حبان 8/91 )
              قلت : وصححه الألباني وغيره ، ثم يزعمون أن النبي لم يعط الطاهرة غلّة فدك ، وهي جزء من خيبر .
              والخبر صريح في أن الصديق لم يكن يعطي قرابة رسول الله سهمهم من الخمس ، لأنه كان يرى أنه سهم منقرض بوفاة رسول الله .
              أما الفاروق ، فقد أعطاه لهم بعدما جاءه العباس وعلي مطالبين بحقهم القرآني كما سيأتي ، فولّى عليه مولانا عليا ليصرفه على الآل واليتامى والمساكين وابن السبيل ، وما فضل منه يوجّه لبيت المال.
              أما فدك الخاصة غلتها بورثة أمنا فاطمة ، فقد تشبّث فيه الفاروق باجتهاد الصديق ، ولم يرض مولانا علي أن يكلّمه فيها ، لأنه لم يستسغ الاستفادة مما حرمت منه حبيبته بنت رسول الله ، وكذلك يفعل الأباة العظام .
              هذا ، وسنذكر لك أخبارا كثيرة تصرّح بأن النبي وهب الطاهرة فاطمة فدكا ، تأكيدا وتقوية لحديث أبي سعيد الخدري .
              ولو لم يكن إلا غضب الطاهرة على الصديق وهجرانها له حتى جاءها في مرض موتها مسترضيا معتذرا ، لكفى دليلا على أنها طالبته بحقها في فدك، وشاهدا على صحة خبر عطية العوفي .

              وعلى الرغم من ذلك ، فإننا عازمون على إيراد كل الروايات التي تعمّد الكبار تجاهلها إلا من هداه الله للتوفيق بين محبّة الصديق والطاهرة وتعظيمهما .
              فنرجو أن نكون منهم .
              صلى الله وسلم على الطاهرة ، ورضي عن الصديق .

              يتبع ............

              تعليق




              • فدك بين الصديق والطاهرة - الجزء الخامس
                محمد ابن الأزرق الأنجري

                روايات تثبت هبة فدك للطاهرة فاطمة

                أشير بداية إلى أنني بعد تأمل عميق، ودراسة متجددة للروايات في النزاع بين آل البيت عليهم السلام والخليفة الأول رضي الله عنه، عدّلت من طرحي نسبيا ، فقد كنت أنفي مطالبتهم له بالميراث ، ثم تبيّن لي أن مطالب الآل كانت ثلاثة ، وهي :

                أولا : المطالبة بميراث العباس وفاطمة عليهما السلام ، وهو ما روّجه علماؤنا السنة، وسنناقش ذلك في حينه.

                ثانيا : المطالبة بخُمُس الخُمُس الذي أعطاه لهم رسول الله عند فتح خيبر تنفيذا للأمر القرآني ، والروايات فيه كثيرة ، لكن المعتمدة عند علمائنا تخفيه .

                ثالثا : مطالبة الطاهرة فاطمة بفدك الموهوبة لها من قبل أبيها صلى الله عليه وسلم ، وهو ما أخفاه علماء السنة إلا القليل ، نظرا لحساسية الأمر وخطورة الاعتراف لها على مكانة الصديق في توهمهم .

                الرواية الأولى : حديث أبي سعيد الخدري :

                روى فُضَيْل بن مرزوق، عَنْ عَطِيَّةَ بن سعيد العوفي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ وَأَعْطَاهَا فَدَكَ " ( مسند أبي يعلى الموصلي ح 1075 و ح1409 ، ومسند البزار- كشف الأستار ح2223 ، والكامل في ضعفاء الرجال (6/ 324)

                تقدم في الجزء الرابع أنه حديث حسن على رأينا في رفض تضعيف بعض النقاد للتابعي الجليل الشهم عطية بن سعيد العوفي الذي تكلموا فيه من باب العدوان المذهبي .

                وعلى رأي من يراه ضعيفا مقبولا في المتابعات والشواهد ، فإن حديثه هذا حسن لغيره بما بعده .

                الرواية الثانية : حديث زيد بن أسلم :

                قال الإمام ابن سعد في الطبقات الكبرى ط دار صادر (2/ 315) : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ، يَقُولُ: " لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم بُويِعَ لِأَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَاءَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ مَعَهَا عَلِيٌّ فَقَالَتْ: مِيرَاثِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَبِي صلّى الله عليه وسلم . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِنَ الرِّثَّةِ أَوْ مِنَ الْعُقَدِ؟ قَالَتْ: فَدَكُ وَخَيْبَرُ وَصَدَقَاتُهُ بِالْمَدِينَةِ أَرِثُهَا كَمَا يَرِثُكَ بَنَاتُكَ إِذَا مِتَّ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَبُوكِ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنِّي، وَأَنْتِ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ بَنَاتِي ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَا نُورَثُ ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» ، يَعْنِي هَذِهِ الْأَمْوَالَ الْقَائِمَةَ، فَتَعْلَمِينَ أَنَّ أَبَاكِ أَعْطَاكِهَا ، فَوَ اللَّهِ لَئِنْ قُلْتِ : نَعَمْ ، لَأَقْبَلَنَّ قَوْلَكِ وَلَأُصَدِّقَنَّكِ . قَالَتْ: جَاءَتْنِي أُمُّ أَيْمَنَ فَأَخْبَرَتْنِي أَنَّهُ أَعْطَانِي فَدَكَ ، قَالَ: فَسَمِعْتِهِ يَقُولُ هِيَ لَكِ ؟ فَإِذَا قُلْتِ : قَدْ سَمِعْتُهُ فَهِيَ لَكِ، فَأَنَا أُصَدِّقُكِ، وَأَقْبَلُ قَوْلَكِ، قَالَتْ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ مَا عِنْدِي" .

                قلت : هذا الخبر حسن لغيره ، أي بالشواهد.

                ومحمد بن عمر الواقدي إمام ثقة ظلمه الحسّاد من العلماء لكثرة علمه ، فانطلت أكاذيبهم على النقاد ، فضعفه بعضهم بلا حجة ، ورفعه جماعة منهم إلى درجة أمير المؤمنين في الحديث .

                وقد تتبعت كلام النقاد في الرجل فوجدتهم بين ظالم ومقلّد للظالم .

                كما رأيت جمهرة معاصريه يذهبون لتوثيقه والثناء عليه ، خلافا لمن جاء بعدهم فإنهم وقعوا في الظلم والتقليد.

                وإذا وجدت حافظا كالذهبي يدعي الإجماع على ضعف سيده الواقدي ، فاعلم أنه كان عريّا عن إنصافه وتحقيقه المعهود فيه ، والذي يخونه أحيانا فلا يدري ما يخرج من رأسه .

                وممن سبقني لتوثيق الواقدي وطرح كلام مجرّحيه : الإمام السهيلي صاحب السيرة ، والعلامة المحدث عبد العزيز بن الصديق الغماري رحمهما الله .
                واشتملت هذه الرواية على خبرين :

                الأول : مطالبة الطاهرة بالميراث ، واحتج الصديق بحديث : " لا نورث " ، وهو حديث تفرّد به سيدنا أبو بكر ، وكل الذين رووه إنما سمعوه منه حين طالبه بنو هاشم بميراثهم والخمس وفدك ، ورواية اعتراف موالينا علي والعباس وبعض العشرة المبشرين بالحديث ، مفبركة كما سنثبت في حينها.

                الثاني : المطالبة بفدك على أساس الهبة لا ميراثا بناء على شهادة أم أيمن.

                وما ورد في هذه الرواية من اعتراف الطاهرة بعدم سماع الهبة من أبيها ، وقسم الخليفة على منحها إياها إن أقرت بالسماع ، وهم من أحد الرواة ، فإنه مخالف لردّة فعلها المتمثلة في هجران الخليفة وغضبها الدال على أنها سمعت وأن موقف الصديق مثّل تكذيبا لها وشكا في صدقها ، ومخالف أيضا للروايات الأخرى .

                والشاهد عندنا أن الطاهرة طالبت بهبتها فدك ، سواء سمعت أو أخبرتها أم أيمن .


                فالرواية لم تحك ما جرى كما جرى ، والوهم من هشام بن سعد أو زيد بن أسلم فإن النقاد تكلموا في حفظهما وضبطهما .


                الرواية الثالثة : حديث جعونة بن شعوب :

                قال العلامة البلاذري في فتوح البلدان (ص: 40) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ الْمُكْتِبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عَيَّاضٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ جَعْوَنَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
                قَالَتْ فَاطِمَةُ لأَبِي بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِي فَدَكَ فأعطني إياها ، وَشَهِدَ لَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَسَأَلَهَا شَاهِدًا آخَرَ فَشَهِدَتْ لَهَا أُمُّ أَيْمَنَ، فَقَالَ : قَدْ عَلِمْتِ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ لا تَجُوزُ إِلا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وامرأتين ، فانصرفت.

                قلت : عبد الله بن ميمون لم أجد له ترجمة ، وليس هو القداح الضعيف فإنه توفي قبل ولادة البلاذري.

                وفي هذه الطبقة : عبد الله بن ميمون أبو عبد الرحمن الرقي من شيوخ الإمام أحمد ، وهو مجهول الحال ، وأنا أميل إلى أنه شيخ البلاذري أيضا .
                والفضيل إمام عابد ثقة من أهل مكة.

                ومالك بن جعونة : تابعي مستور يروي عنه أَبُو قَيْلَةَ عياض بن عياض التِّنْعِيُّ والفضيل بن عياض ، فهو معروف العين .

                وقال عِيَاض بْنِ عِيَاضٍ أبو قَيْلَةَ التِّنْعِيِّ: فَأَتَيْتُ قَوْمَهُ فَسَأَلْتُهُمْ، فَقُلْتُ: أَتَعْرِفُونَ مَالِكَ بْنَ جَعْوَنَةَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ مَعْرُوفًا وَقَالُوا خَيْرًا . ( الكنى والأسماء للدولابي (3/931) )

                وهذا تعديل من جماعة معاصرين .

                ولم يرو منكرا ، فيكون مستورا حسن الحديث .

                وأبوه هو الصحابي جعونة بن شعوب الذي كان حليف حمزة بن عبد المطلب، وقيل: حليف العباس، وقيل: حليف بني هاشم ، وهو سيد نافع أحد القراء. ( الطبقات الكبرى ط العلمية (5/45) والمنمق في أخبار قريش (ص: 249) وتاريخ دمشق لابن عساكر (13/ 291) والإصابة في تمييز الصحابة (1/ 636)
                والخلاصة أن السند ضعيف لجهالة شيخ البلاذري ، منجبر بالشواهد .

                ونرى الطاهرة في هذا الخبر مصرّحة بأن النبي أعطاها فدكا ، وأنها أتت بشاهدين ، أولها زوجها مولانا علي ، وثانيهما أم أيمن ، وأن الخليفة امتنع بحجة أن الهبة لا تجيزها إِلا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وامرأتين.


                الرواية الرابعة : أثر جعفر الصادق عليه السلام :

                قال العلامة البلاذري في فتوح البلدان (ص: 40) : حدثني رَوْحٌ الْكَرَابِيسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ رَجُلٍ حَسِبَهُ رَوْحٌ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَعْطِنِي فَدَكَ فَقَدْ جَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِي . فَسَأَلَهَا الْبَيِّنَةَ ، فَجَاءَتْ بِأُمِّ أَيْمَنَ وَرَبَاحٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَهِدَا لَهَا بِذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا تَجُوزُ فِيهِ إِلا شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ.
                قلت : خالد بن طهمان صدوق اختلط في آخر حياته فكان يخطئ ، لكنه هنا ضابط ، فالقصة نفسها مروية بالسند المتقدم .

                وجعفر بن محمد عليهما السلام يروي عن أجداده الطاهرين.

                فالسند ضعيف والمتن حسن بما قبله وما بعده .


                الرواية الخامسة : أثر الإمام زيد بن علي زين العابدين عليهما السلام :

                جاء في تاريخ المدينة لابن شبة (1/ 199) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنِي النُّمَيْرِيُّ بْنُ حَيَّانَ ( وقع في بعض الكتب: البحتري بن حسان ) قَالَ: قُلْتُ لِزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُهَجِّنَ أَمْرَ أَبِي بَكْرٍ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَزَعَ مِنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَدَكَ. فَقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَجُلًا رَحِيمًا، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُغَيِّرَ شَيْئًا تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْهُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي فَدَكَ. فَقَالَ لَهَا: هَلْ لَكِ عَلَى هَذَا بَيِّنَةٌ ؟ فَجَاءَتْ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَشَهِدَ لَهَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِأُمِّ أَيْمَنَ فَقَالَتْ: أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنِّي مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ أَبُو أَحْمَدَ: يَعْنِي أَنَّهَا قَالَتْ ذَاكَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. قَالَتْ: فَأَشْهَدُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا فَدَكَ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَبِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَسْتَحِقِّينَهَا، أَوْ تَسْتَحِقِّينَ، بِهَا الْقَضِيَّةَ؟

                قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ رَجَعَ الْأَمْرُ إِلَيَّ لَقَضَيْتُ فِيهَا بِقَضَاءِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " .

                الراوي عن زين العابدين لم أعرفه ، وهو شيعي زيدي لا رافضي .

                ولو كان رافضيا أو غير مؤتمن لما روى هذا الأثر الشاهد على تعظيم الإمام زين العابدين وموالاته للشيخين رضي الله عنهما ، وعلى اعتذاره للصديق عن قراره بخصوص فدك.

                والشاهد عندنا هو إخبار زين العابدين بأن جدته الطاهرة طالبت بفدك على سبيل الهبة وليس الميراث .

                الرواية السادسة : مرسل موسى بن عقبة :

                قال الثقة البلاذري في أنساب الأشراف (10/79) : الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ مَوْلَى خُزَاعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ حِينَ بُويِعَ فَقَالَتْ: إن أم أيمن ورباح يَشْهَدَانِ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي فَدَكَ . فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا خَلَقَ اللَّهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَبِيكِ، لَوَدِدْتُ أن القيامة قامت يوم مات، ولأن تَفْتَقِرَ عَائِشَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَفْتَقِرِي، أَفَتَرَيْنِي أُعْطِي الأَسْوَدَ وَالأَحْمَرَ حُقُوقَهُمْ وَأَظْلِمُكِ وَأَنْتِ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ إِنَّ هَذَا الْمَالَ إِنَّمَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ فَحَملَ مِنْهُ أَبُوكِ الرَّاجِلَ وَيُنْفِقُهُ فِي السَّبِيلِ، فَأَنَا إِلَيْهِ بِمَا وَلِيَهُ أَبُوكِ، قَالَتْ: وَاللَّهِ لا أُكَلِّمُكَ . قَالَ: وَاللَّهِ لا أَهْجُرُكِ. قَالَتْ : وَاللَّهِ لأَدْعُوَنَّ اللَّهَ عَلَيْكَ، قَالَ: لأَدْعُوَنَّ اللَّهَ لَكِ.

                سند هذا الخبر ضعيف فقط ، بسبب ضعف سعيد الخزاعي ، وموسى بن عقبة صاحب المغازي تابعي ثقة لكنه لم يسند الخبر .

                لكنه سند صالح في الشواهد.

                وهذه الرواية صريحة في أدب الصديق مع الطاهرة وأنه كان مجتهدا لا حاقدا أو منتقما كما يفتري الغلاة .

                وقسم الطاهرة على هجرانه ثابت في رواية الزهري عن عروة المخرجة في الصحيحين وغيرهما .

                أما تهديدها بالدعاء فلم تذكره إلا هذه الرواية ، وليس مستبعدا ، فمن هجر وغضب لا يستحيل في حقه أن يدعو أو يهدد بالدعاء .

                خلاصات المقال :

                الخلاصة الأولى : نحن أمام ستّ روايات خالية كلها من الكذابين أو المتهمين أو المجمع على تركهم .

                وعلماؤنا يحسنون الأحاديث الواردة في العقائد أو الأحكام المصيرية إذا كانت مروية من طريقين ضعيفين ضعفا مشابها لضعف روايات قصة فدك ، ويسمونها أحاديث حسنة لغيرها .

                ومئات الأحكام الفقهية محتج لها بالحديث الحسن لغيره .

                فإن تعددت الطرق الضعيفة جعلوا الحديث صحيحا لغيره .

                فيلزمهم تصحيح خبر فدك غصبا عنهم ، لكنهم لم يفعلوا تعصبا للمذهب والطائفة ليس إلا ، ولهم من هذا اللون كثير كثير .

                بالمقابل نجدهم يحسّنون أحاديث في فضل بعض الطلقاء البغاة على مولانا علي ، وهي أحاديث مروية بأسانيد هالكة فيها متهمون أو مجمع على تركهم .

                ثم يأتي أحدنا منافحا عنهم مبرئا ساحتهم من الطائفية والتقليد .

                وهل كان الشيخ الألباني ، الذي أجرم في حق التابعي الجليل عطية بن سعد العوفي حيث حكم على روايته الأولى في فدك بالوضع ، يعرف أن تحسين المتن / المضمون المروي بسندين ضعيفين ضعفا خفيفا منهج سديد عند المحدثين ؟

                أقول : نعم ، ومعظم أحاديث سلسلته الصحيحة من هذا النوع ، ودعونا نستمع إليه في بيان هذا المنهج الذي حاد عنه حين وجد حديثا يثبت هبة فدك :

                قال في صحيحته عن الحديث رقم 343 : " إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة ".

                وهو حديث يتضمن حكما غيبيا خطرا ، قال : ( وجملة القول أن الحديث قد جاء من طرق عمن ذكرنا من الصحابة ، وهي وإن كانت مفرداتها، لا تخلو من ضعف، فإن بعضها ليس ضعفها شديدا، ولذلك فإني أرى أنه يرتقي بمجموعها إلى درجة الحسن على أقل الأحوال ).

                قلت : وفي بعض طرق هذا الحديث الخطر الذي حسّنه الألباني كذابون ومتهمون ومتروكون ، فافهم .

                وقال في سلسلة الأحاديث الصحيحة (م 4/ 6) : تقرر في علم المصطلح: أنه لا يلزم من ضعف السند ضعف المتن لاحتمال أن يكون لهذا الضعيف متابع يتقوى به، أو يكون للحديث شاهد يعتضد به كما أشرت إلى ذلك في تخريج الحديث الآتي برقم (1901) صفحة (525) ، وهذه حقيقة يعلمها كل من مارس هذا العلم وكان حافظاً واسع الاطلاع على المتون والأسانيد والشواهد، ذا معرفة بالرواة وأحوالهم، مع الدأب والصبر على البحث والنقد النزيه، وتجد هذه الحقيقة جليةً في كتبي كلها، وبخاصة هذه السلسلة، وبالأخص هذا المجلد منها، ويتجلى ذلك للقارئ بصورة سريعة جلية برجوعه إلى فهرس (أ- المواضيع والفوائد) .

                هذا ، وقد جرى الألباني في كتبه على تحسين أحاديث عطية بن سعد العوفي إذا وردت من طرق ضعيفة ضعفا غير شديد .

                فلماذا لم يحسّن حديثه في فدك رغم وجود الشواهد ؟ أم أنه لم يقف عليه ؟

                بل وجدناه يحكم بالصحة على بعض أحاديث عطية العوفي إذا عضدها شاهد أو متابع ، وهو على دراية بأن حديث الضعيف يرقى إلى الحسن بالشواهد والمتابعات وليس إلى مرتبة الصحة .

                والذي يتقوى حديثه الحسن إلى الصحة هو الصدوق ومن في مرتبته .

                فهل يمكن القول أن الألباني كان متشككا في ضعف عطية ؟

                وأكثر من ذلك أنه حسّن حديثا لعطية لم يرو إلا من طريقه ومن طريق آخر فيه راو شديد الضعف .

                فروى أبو داود والترمذي عن عطية بن سعد العوفي قال : قرأت على عبد الله بن عمر : (الله الذي خلقكم من ضَعف) فقال : (من ضُعف) قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأتها علي فأخذ علي كما أخذت عليك .

                فحسّنه الشيخ في "الروض النضير " كما أفادنا الأخ منير المرود بهذا الطريق الضعيف جدا :

                قال الطبراني في المعجم الصغير ح 1128 : حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى الْأَخْفَشُ الْمُقْرِئُ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ الْمَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} [الروم: 54] ، فَقَالَ: (مِنْ ضُعْفٍ) ، {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} [الروم: 54] فَقَالَ: (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضُعْفٍ قُوَّةً) " .

                قلت : سلام بن سليم مضعف جدا متهم بالكذب ، فلا يصلح طريقه لتقوية حديث عطية على منهج الألباني ، لكنه فعل .

                فلما تعلّق الأمر بحديث فدك ، تعنّت الشيخ وتشدّد ، أو ربما لم يكلّف نفسه عناء استقصاء الطرق والروايات الدالة على أن الطاهرة طالبت بفدك على سبيل الهبة .

                الخلاصة الثانية :

                أثبت تعدد الروايات الست المتقدمة أن رواة السنة الأوائل لم يكونوا منصفين حين تحاشوا رواية خبر مطالبة الطاهرة فاطمة بفدك ، ولا عذر لهم إلا الخشية من الطعن في الصديق رضي الله عنه .

                وأما علماؤنا المتأخرون عن عصر الرواية ، فلم يكونوا محققين في المسألة ، بدليل نفي بعض كبارهم كابن تيمية رحمه الله وجود روايات في دواوين السنة المشهورة تثبت هبة فدك .

                فاللهم ارحم واغفر للجميع .

                هذا ، وفي الصحيحين رواية من طريق الزهري عن عروة عن أم المؤمنين عائشة تعمّد الرواة التلاعب بها وتحريفها لأنها تكاد تصرّح أن النزاع بين العترة والصديق كان حول الميراث والخمس وهبة فدك .

                وستكون موضع الجزء السادس بإذن الله ، وهي رواية شاهدة للأخبار المتضمنة لمطالبة الطاهرة فاطمة بفدك على أساس الهبة .


                يتبع ..............

                تعليق



                • الجزء السادس من سلسلة فدك
                  محمد ابن الأزرق الأنجري

                  الروايات المعتمدة عند السنة
                  رأينا في الجزء الخامس روايات عدة تشترك في الدلالة على أن الطاهرة فاطمة كانت تطلب أرض فدك على أساس الهبة وليس الميراث .
                  وأن شهودها هم زوجها مولانا علي وأم أيمن حاضنة رسول الله ورباح مولاه .
                  وقد رفض سيدنا أبو بكر تمكين الطاهرة من " فدك " لعدم وجود شاهدين من الرجال غير مولانا علي ، أو شاهد من الرجال وشاهدتين من النساء .
                  وأوضحنا فيما سبق أن ثبوت الهبة يكفي فيه إخبار الوارث الصادق إذا لم يعترض باقي الورثة ، وأن الشاهدين أو الشاهد والشاهدتين إنما يشترطون في البيع والدين ونحوهما .
                  أما الهبة فقضية عائلية يغني سكوت الورثة فيها عن الشهود ، فكيف إذا كان أمثال مولانا علي وأم أيمن المبشرة بالجنة شاهدين مع عدم معارضة العباس رضي الله عنه الوارث الوحيد مع مولاتنا فاطمة ؟
                  وقد اصطدم علماؤنا بهذه النازلة الصعبة على النفوس، التي ترى سيدنا أبا بكر مقدما في الفضل والعلم والتقوى على مولاتنا فاطمة ، وترى أن التسليم بقضية الهبة يسيئ إلى الصديق رضي الله عنه ، نظرا لتنصيص النبي على أن إذاية ابنته إذاية له ، فأعرضوا عن كل رواية تثبت الهبة ، وعضوا بالنواجذ على كل رواية تتجاهلها .

                  فما هي أشهر الروايات المعتمدة عند علماء طائفتنا ؟ وهل ترفع الإشكال أم تؤكده ؟
                  الرواية الأولى : خبر عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
                  السياق الأول :
                  روى محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَفَدَكٍ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَالِ»، وَإِنِّي وَاللهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ، قَالَ: فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا عَلِيٌّ.
                  وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وِجْهَةٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الْأَشْهُرَ.
                  فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا مَعَكَ أَحَدٌ، كَرَاهِيَةَ مَحْضَرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
                  فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: وَاللهِ، لَا تَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ.
                  فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا عَسَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي؟ إِنِّي وَاللهِ لَآتِيَنَّهُمْ.

                  فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ، فَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ، وَمَا أَعْطَاكَ اللهُ، وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ، وَكُنَّا نَحْنُ نَرَى لَنَا حَقًّا لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ.
                  فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ، فَإِنِّي لَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الْحَقِّ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ.
                  فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّة لِلْبَيْعَةِ.
                  فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ صَلَاةَ الظُّهْرِ، رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ.
                  ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللهُ بِهِ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى لَنَا فِي الْأَمْرِ نَصِيبًا، فَاسْتُبِدَّ عَلَيْنَا بِهِ، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا.
                  فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: أَصَبْتَ.
                  فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ.
                  مصادر الرواية : مسند أحمد ح 25 و ح55 ، وصحيح البخاري ح 3092 و3711 و4240 ، وصحيح مسلم 52 - (1759) و 54 - (1759) ، وسنن أبي داود ح 2968 و2969 ، وسنن النسائي 4141 وصحيح ابن حبان 11/153 .
                  عند ابن حبان : وَكَرِهَ عَلِيٌّ أَنْ يَشْهَدَهُمَ عُمَرُ، لِمَا يَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ عُمَرَ عَلَيْهِمْ .
                  السياق الثاني :
                  روى الزُّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ، وَالْعَبَّاسَ، أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَهُ مِنْ فَدَكَ، وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرٍ - فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْمَالِ» وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ، إِلَّا صَنَعْتُهُ قَالَ: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ، فَدَفَنَهَا عَلِيٌّ لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ.
                  قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ حَيَاةَ فَاطِمَةَ حَظْوَةٌ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ انْصَرَفَتْ وُجُوهُ النَّاسِ عَنْهُ، فَمَكَثَتْ فَاطِمَةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ.
                  فَقَالَ رَجُلٌ لِلزُّهْرِيِّ: فَلَمْ يُبَايِعْهُ عَلِيٌّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: لَا، وَلَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ حَتَّى بَايَعَهُ عَلِيٌّ.
                  فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ انْصِرَافَ وُجُوهِ النَّاسِ عَنْهُ أَسْرَعَ إِلَى مُصَالَحَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ: أَنِ ائْتِنَا وَلَا تَأْتِنَا مَعَكَ بِأَحَدٍ - وَكَرِهَ أَنْ يَأْتِيَهُ عُمَرُ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ شِدَّتِهِ - فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَأْتِهِمْ وَحْدَكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُمْ وَحْدِي، وَمَا عَسَى أَنْ يَصْنَعُوا بِي؟
                  قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَقَدْ جَمَعَ بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَهُ، فَقَامَ عَلِيٌّ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنَا أَنْ نُبَايِعَكَ إِنْكَارٌ لِفَضِيلَتِكَ، وَلَا نَفَاسَةٌ عَلَيْكَ بِخَيْرٍ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فِيَ هَذَا الْأَمْرِ حَقًّا، فَاسْتَبْدَدْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا. قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ قَرَابَتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَقَّهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ يَذْكُرُ ذَلِكَ حَتَّى بَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا صَمَتَ عَلِيٌّ تَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَوَاللَّهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَى إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَاللَّهِ مَا أَلَوْتُ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ عَنِ الْخَيْرِ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، وَإِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَالِ» وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَذَكَرُ أَمْرًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، إِلَّا صَنَعْتُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّة لِلْبَيْعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ عَذَرَ عَلِيًّا بِبَعْضِ مَا اعْتَذَرَ بِهِ، ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ مِنْ حَقِّ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفَضِيلَتِهِ، وَسَابِقِيَّتِهِ، ثُمَّ مَضَى إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعَهُ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ. فَقَالَتْ: فَكَانُوا قَرِيبًا إِلَى عَلِيٍّ حِينَ قَارَبَ الْأَمْرَ وَالْمَعْرُوفَ " .
                  مصادر الرواية : مصنف عبد الرزاق 5/471 ، ومسند أحمد ح 9 و58 ، وصحيح البخاري ح 4035 ، وصحيح مسلم 53 - (1759) .
                  وهذه الرواية عليها هذه الملاحظات :
                  الملاحظة الأولى :
                  اختلف الرواة فخلطوا بين ما هو من كلام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وما هو كلام عروة بن الزبير ، وما هو قول للزهري ، بحيث أخرجته جلّ الروايات فقرة واحدة على أنه كله كلام أم المؤمنين .
                  وهذا الخلط يوجب الشك في الخبر.
                  الملاحظة الثانية :
                  من التحريفات الواردة في هذه القصة ، فقرة : ( فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ انْصِرَافَ وُجُوهِ النَّاسِ عَنْهُ ، أَسْرَعَ إِلَى مُصَالَحَةِ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ) .
                  فمولانا علي لم يسرع للبيعة لانصراف الناس عنه ، بل إن الخليفة الصديق أتاه طالبا الصلح لخوفه على نفسه من مثل حديث : " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " ، وحديث : " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " ...
                  وكيف يسرع مولانا علي للصلح لانصراف الناس عنه ، ثم يشترط على الخليفة أن يأتيه وحيدا ؟ فالذي يكون في موقف ضعف ، لا يشترط .
                  المنطق يفرض أن يذهب مولانا علي إلى الخليفة لا أن يأتيه .
                  إن مولانا عليا لم يكن يترك الصلاة في مسجد رسول الله خلف سيدنا أبي بكر تلك المدة .
                  لكنه كان يؤدي الفريضة ، ثم يتوجه إلى أشغاله ، فلا يكترث لشئون الحكم بعدما تم تهميشه عن غير قصد طبعا .
                  وكان فعله هذا ، مع تمسك بني هاشم والعترة بعدم البيعة للصديق رضي الله عنه ، يشكل موقفا سياسيا مؤثرا على نفسية الصديق الرقيقة الرحيمة ، لذلك سارع للصلح فجاء بني هاشم بنفسه وحيدا معتذرا ، لكن الرواة يتصرفون بالزيادة والنقصان وتحريف الكلام .
                  ثم كيف تكون لمولانا علي حظوة فقط حياة فاطمة عليها السلام ؟
                  هل كان الناس / الصحابة المهاجرون والأنصار يجهلون فضائل مولاهم علي ، فكانوا يواصلونه ويحترمونه حياء من زوجه الطاهرة ، فلما توفاها الله انقلبوا عليه ، فهجروه ونبذوه ؟
                  لو فعلوا ذلك لكانوا منافقين ، وحاشاهم ، بل هي زيادة مقحمة مكذوبة على أم المؤمنين التي عرفت وروت جانبا من فضائل مولاها علي ، وتابت من تمردها عليه ، فكانت تبكي ندما حتى يبتل خمارها من الدموع ، وتكثر من الصوم والقيام والصدقة ، وكذلك يكون الكبار أمثالها عليها الرضوان .
                  وكيف يهجرونه وهو أبو الحسنين ، ويعلمون أن إذايته إذاية لهما ، وإذايتهما إذاية لأمهما ولو ميتة ، وبالتالي إذاية للنبي صلى الله عليه وسلم ؟
                  إن هذه الفقرة المنكرة تحريف وإقحام من قبل أحد المتفردين بالخبر لا محالة ، حماية لجناب سيدنا أبي بكر ولو على حساب العترة الشريفة ، وهي برهان على تحريف حقيقة النزاع بين الخليفة والعترة.
                  الملاحظة الثالثة :
                  هذه القصة على خطورتها المقتضية للشهرة والانتشار، لم يروها عن أم المؤمنين عائشة إلا عروة بن الزبير.
                  وعروة إمام ثقة ، لكن أباه الزبير بن العوام رضي الله عنه قاتَل مولانا عليا في حرب الجمل حتى قُتل .
                  وأم عروة هي سيدتنا أسماء بنت الصديق ، أي أن مولانا أبا بكر جده لأمه .
                  ومهما كان عروة إماما ثقة ، فإن العاطفة تدفعه للتصرف عند رواية الأحداث المسيئة لقرابته .
                  ولأن ننسب إليه التخاريف الواردة في قصته ، خير من نسبتها لأم المؤمنين الصديقة على طريقة غلاة الشيعة فإنهم يحمّلونها ما جاء في هذا الخبر من معان منكرة .
                  باختصار : عروة يحكي قصة جرت بين جده أبي بكر الصديق ، وبين بني هاشم ، وعلى رأسهم مولانا علي الذي قاتله أبوه الزبير وأخوه عبد الله رضي الله عنهما وغفر ورحم .
                  ويظهر التحامل في هذه القصة على مولانا علي ظاهرا للعيان .
                  فشهادة عروة بن الزبير مردودة عند أي قاض عدل لأنها شهادة حفيد / عروة ابن أسماء بنت أبي بكر الصديق منحاز لجدّه .
                  وسيأتي أنهم رفضوا شهادة مولانا علي لمولاتنا فاطمة بتمليك النبي أرض فدك لها .
                  فإن عابوا علينا ردّ شهادة عروة بن الزبير ، ورفضوا شهادة مولانا علي ، فهم حمقى قولا واحدا .
                  ولا فرق في مثل هذه القضايا بين الرواية والشهادة ، فعروة يقدم شهادته على أحداث ما عاشها ولا أدركها .
                  الملاحظة الرابعة :
                  وتفرّد ابن شهاب الزهري بهذه الرواية عن عروة بن الزبير أيضا .
                  كما تفرّد عنه عن أم المؤمنين بحديث سؤال أزواج النبي ميراثهن .
                  ثم إنه تفرّد عن مالك بن أوس بن الحدثان بقصة مشابهة من بعض الوجوه .
                  فيكون احتمال تخليطه بين مطالب أزواج النبي ومطالب آل البيت قويا ، فمهما كان حفظه ، فإنه بشر ينسى فيخلط بفعل الزمن .
                  الملاحظة الخامسة :
                  اشتملت هذه القصة على أخبار ظاهرة النكارة للمؤمن العاقل ، كالزعم بأن آل البيت كانوا يجهلون امتناع إرث النبي عليه السلام ، فجاء مولانا العباس وسيدتنا فاطمة يطلبان ميراثهما ، وهما أعلم برسول الله من الصديق .
                  وما كان الخليفة رضي الله عنه متهما لديهم بالكذب على رسول الله حتى يهجروه ويمتنعوا عن بيعته .
                  ومن منكرات القصة حديثها عن سعي مولانا علي للصلح والبيعة لانصراف الناس عنه بموت زوجه مولانا الطاهرة .
                  فكأن مولانا عليا سياسي تهمه الكتلة الناخبة لضمان أصواتها .
                  إن مولانا عليا أقدس من أن يجري خلف رضا الناس ، وجمهرة المهاجرين والأنصار أتقى لله مما تنسب لهم هذه الرواية المقدسة كأنها قرآن كريم .
                  وبالتالي فالحذر من هذه الرواية واجب تقتضيه البداهة .
                  فالتحريف فيها والتغطية على حقيقة الخلاف بين الصديق والعترة أمران راجحان ظاهران .
                  تجاهل الإمام مالك لهذه الرواية :
                  إمامنا مالك بن أنس أجلّ تلامذة شيخه الزهري المتفرّد بالقصة عن عروة بن الزبير ، وقد قال في كتاب الكلام من " الموطأ " : ( بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
                  27 - حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَيَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَهُنَّ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ»
                  28 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دَنَانِيرَ، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي، وَمَئُونَةِ عَامِلِي، فَهُوَ صَدَقَةٌ» )
                  أي أنه لم يعتدّ بحديث شيخه الزهري المتضمن لقصة العباس وفاطمة عليهما السلام لأنها قصة مشكوك في بعض فقراتها المنكرة .
                  ومن زعم أن الإمام لم يكن يعرفها ، فهو مجنون ، فمالك أولى بمعرفة مرويات الزهري .
                  وإذا كان لا يعرفها ، فهي أدهى وأمرّ .
                  فحديث مدني خطير الشأن لا يعرفه إمام دار الهجرة ينبغي أن يعدّ في المكذوبات .
                  فلا تحتجوا علينا بالصحيحين لأن مالكا أعلم من البخاري ومسلم بحديث الزهري خاصة، وأقدم عهدا وأقرب إلى زمن الصحابة، وأحوط في دين الله منهما .
                  وبالجملة فاحتياطنا من خبر عروة أمر يوجبه النقل والعقل .
                  مضامين القصة المتصلة بموضوع النزاع :
                  جملة السياق الأول : ( أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَفَدَكٍ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ )
                  وجملة السياق الثاني : ( أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَهُ مِنْ فَدَكَ، وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرٍ )
                  تشتملان على حق وتحريف:
                  أما الحق فهو مطالبة العباس وعلي بالميراث ، وهما يقصدان ميراث الولاية على سهم رسول الله في خيبر الذي أوقفه رسول الله على الفقراء والمساكين ، ومعلوم أن الوقف يتولاه ورثة الواقف وليس الحاكم .
                  وهو ما فعله الفاروق كما في حديث مالك بن أوس ، فإنه ولّى مولانا عليا على وقف رسول الله ، اعترافا منه بأولوية الآل بتلك الولاية ، وهو ما لم يفعله الصديق الذي أصرّ على نزع تلك الولاية وتولّيها بنفسه .
                  وقد تقدّم إقرار الحافظ ابن عبد البر بأن جوهر النزاع بين الصديق والعترة كان حول الولاية على سهم رسول الله في خيبر .
                  فيكون احتجاج الصديق بحديث : " لا نورث، ما تركناه صدقة " في غير محلّه ، لأن الوقف يمنع إرثه على سبيل تملّك الأصل والمنفعة / الغلّة ، أي لا يجوز للورثة توزيع المال الموقوف فيما بينهم .
                  لكن إرث الولاية على الوقف حقّ الورثة دون الدولة ، إلا أن يتنازلوا لها عنه برضاهم .
                  وموالينا بنو هاشم كانوا يخشون تحريف وجهة وقف رسول الله فأصرّوا على حقّهم في الولاية عليه ، وهو ما حصل زمن معاوية الذي قدّم بعضه هدية لمروان بن الحكم .
                  أما الصديق ، فكان يرى أن النبي كان حاكما ، فتكون ولاية وقفه من حقّ الحاكم وحده .
                  وكان رضي الله عنه يرى إرث الولاية على الوقف معارضا لحديث : " لا نورث ... ".
                  وقد أخطأ رضي الله عنه وأصاب بنو هاشم ، وهو ما رجّحه جمهور الفقهاء بعد ذلك ، فنصّوا على أن الورثة أحق بالولاية على وقف مورّثهم ، دون أن يكون ذلك مناقضا لغرضه في عدم توزيع الوقف على الورثة .
                  كما أن ترجيح الصديق صفة الحاكم في رسول الله على صفات الأب وابن الأخ وابن العم خطأ أخر أوقعه في النزاع والشجار باعترافه مع قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
                  واستعظام التعبير بالخطإ في حق سيدنا أبي بكر ، يقابله استهجاننا قولكم بخطإ موقف العترة الشريفة ، وفيها موالينا العباس وعلي وفاطمة عليهم السلام ومن معهم كالزبير وطلحة رضي الله عنهما .
                  وأما التحريف فهو في موضعين:
                  الأول : إدخال " فدك " في جملة التركة التي تصدّق بها رسول الله، ومع ذلك تطالب الطاهرة بميراثها.
                  والحق أنها طالبت بها على سبيل الهبة بدليل روايات الجزء الخامس ، لكن أحد الرواة المتفرّدين بالسياقين ثقُل عليه ذلك فحرّف ، أو اختلط عليه الحال فجدّف ، أو جهل الروايات الدالة على الهبة فخرّف.
                  الثاني : صالح النبي يهود خيبر على تملك أراضيهم مقابل دفع نصف الغلة للمسلمين .
                  وكان نصف الغلّة المدفوع للمسلمين يقسّم خمسة أقسام بنصّ القرآن :
                  أربعة أقسام للمجاهدين الذين شاركوا في فتح خيبر .
                  وقسم منها يسمّى الخمس ، يوزع أيضا بنص القرآن على خمسة أسهم:
                  أحدها سهم الله ورسوله ، الذي كان نبي الله ينفق منه على أهله ، وهو الذي أوقفه على الفقراء والمساكين ، وتشاجر بنو هاشم مع الصديق في الولاية عليه .
                  وسهم لليتامى ، وسهم للفقراء والمساكين ، وسهم لابن السبيل .
                  وهذه الأسهم حافظ عليها سيدنا أبو بكر .
                  وسهم لكل البالغين من بني هاشم وعبد المطلب رجالا ونساء ، وقد أبطله الصديق بناء على حديث : " لا نورث " ، وهو مخطئ في ذلك من وجهين :
                  الأول : السهم الذي تصدق به رسول الله هو سهمه هو من الخمس فقط ، أما سهم ذوي قرابته ، فلم يكن ملكا له ، بل كان ملكا لقرابته ، فيتعذّر عليه أن يتصدّق به .
                  وإنما أعطاهم الله " الخمس " من " الخمس " ، لأنهم ممنوعون من الصدقة والزكاة ، فيكون خُمُس الخُمُس ضمان معاشهم ، وهو ما رجّحه الفقهاء بعد الصديق ، ولا يزال النظام المغربي يوزّع خمس الخمس على مواطنيه من العترة الشريفة ، لكنه مبلغ زهيد نظرا لكثرتهم ، كثّرهم الله .
                  الثاني : احتجاج الصديق بحديث : " لا نورث ، ما تركناه صدقة " ، في مقابلة قوله تعالى من سورة الأنفال : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .
                  احتجاج ضعيف جدّا ، فبنو هاشم يطلبون سهمهم من خمس خيبر وليس سهم رسول الله ليتقاسموه بينهم .
                  فهم يطلبون مِلكا لا ميراثا .
                  من هنا تعرف لماذا قاطع بنو هاشم بيعة الصديق وعدوه "ظالما" في رواية مالك بن أوس ، ولماذا غضبوا عليه كلهم جميعا ، ومولاتنا فاطمة خاصة ، حيث أقسمت أن لا تكلّمه حتى تموت ، بل وهدّدته بالدعاء عليه وشكايته لرسول الله في روايات أخرى .
                  ونحن موقنون أن الصديق كان مجتهدا مخطئا
                  لا ظالما أو حاقدا ، حاشاه ، لذلك فلا خوف عليه من غضب العترة وشكواها حتى ولو لم يتصالح معهم ، فكيف وقد ترضّى الطاهرة حتى رضيت وسامحت ، وترّضى بني هاشم بعدها حتى بايعوه طوعا لا كرها .
                  النتيجة :
                  رواية الزهري عن عروة عن الصديقة بنت الصديق ، تشهد من حيث لا يشعر محرّفها - عمدا أو سهوا - للروايات الدالة على مطالبة الطاهرة بفدك على أساس الهبة ، والأخبار المتضمنة لمطالبة بني هاشم بسهمهم في الخُمُس على أساس التملّك بنصّ القرآن، ومطالبتهم بالولاية على وقف رسول الله .
                  عِبَر القصة ودروسها الإضافية :
                  العبرة الأولى : قول الصديق رضي الله عنه: ( لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ، إِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ ).
                  يدل على أنه رفض تسليم فدك للطاهرة والخمسَ لقرابة رسول الله ظنا واجتهادا لا استنادا لنص من القرآن أو السنة الصحيحة ، بل لأنه كان يرى أن ( أَمْرهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ ) .
                  ثم إذا كان الصديق مستندا إلى النص لا الاجتهاد ، فلماذا تهجره الطاهرة وتغضب عليه ؟
                  ولماذا يمتنع آل البيت ومواليهم عن بيعته مدّة ؟
                  العبرة الثانية :
                  قول مولانا علي : ( قَدْ عَرَفْنَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ، وَمَا أَعْطَاكَ اللهُ، وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ، وَكُنَّا نَحْنُ نَرَى لَنَا حَقًّا لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
                  كلام سنّي صريح في أن آل البيت لم يستسيغوا الطريقة التي اختير بها الخليفة الأول ، فسمّوها استبدادا وهضما لحقهم في الترشّح للخلافة والاختيار .
                  وهذا يعني أن الإجماع على الصديق لم يتمّ لأول وهلة كما يشيع العاطفيون ، وأن مقولة إشارة الرسول إلى استخلاف الصدّيق بعده خرافة سمجة .
                  وفي خطبة البيعة ، أعاد مولانا علي في قوة وشجاعة بيان سبب التخلف والمعارضة ، وذلك قوله : ( وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى لَنَا فِي الْأَمْرِ نَصِيبًا، فَاسْتُبِدَّ عَلَيْنَا بِهِ، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا ) .
                  فلا مجال للمداهنة هنا ، بل لا بدّ من التذكير العلني بأن شأن الحكم لا يدار في الاجتماعات الضّيّقة .
                  وجملة : ( فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ ) كلام يختصر قوة حجج مولانا علي في التظلّم والتشكّي إلى حدّ استشعار الصدّيق مرارة تهميش العترة والتشديد عليها .
                  وبطبيعة الحال ، فالرواية تختصر الأحداث والحوار اختصارا ليخلص راويها إلى الجوهر بالنسبة إليه ، وهو استسلام مولانا علي للبيعة طوعا واختيارا .
                  ولدينا روايات ، غير هذه ، تشهد بندم الصديق وحسرته على بعض قراراته في حق آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
                  العبرة الثالثة :
                  قول الصديق رضي الله عنه : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ، فَإِنِّي لَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الْحَقِّ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ ) .
                  كلام صريح في أنه لم يكن يقصد الظلم ، وأن المسألة لم تكن اختلافا بسيطا بين الصديق وآل البيت ، بل كانت شجارا ونزاعا قويا .
                  فالآل كانوا مصرّين على أنهم مظلومون في حقوقهم المالية ، كما تصرّح رواية مالك بن أوس بن الحدثان التي سنخصّها بمقال مفرد .
                  والصدّيق مصرّ على صواب قراره في عدم تمكين الطاهرة من فدك ، وعدم تسليم الخُمُس لبني هاشم أو تمكينهم من الولاية عليه وعلى سهم رسول الله .
                  وقبول مولانا علي بالبيعة طوعا ، دليل على تأكده من صفاء نيّة الصديق وكونه مخطئا في اجتهاده .
                  العبرة الرابعة :
                  فقرة : ( فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا مَعَكَ أَحَدٌ، كَرَاهِيَةَ مَحْضَرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: وَاللهِ، لَا تَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ ).
                  وفي رواية صحيحة: وَكَرِهَ أَنْ يَأْتِيَهُ عُمَرُ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ شِدَّتِهِ .
                  وعند ابن حبان في الصحيح 11/153 : وَكَرِهَ عَلِيٌّ أَنْ يَشْهَدَهُمَ عُمَرُ، لِمَا يَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ عُمَرَ عَلَيْهِمْ . هـ
                  نفهم منها أن سيدنا الفاروق كان شديدا على آل البيت بسبب امتناعهم من بيعة الصديق .
                  وهذا خطأ منه سياسي كبير ، يدلّ على أن بعض الصحابة لم يكونوا ناضجين سياسيا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا لا يقبلون وجود معارضة سياسية سلمية ، ويؤذون المعارضين السلميين ماديا ومعنويا .
                  وسيدنا عمر بشر لا ملك، وشدّته إلى حدّ الاندفاع مشهورة منذ زمن النبوة، فلا مجال للإنكار والتأويل المتعسّف.
                  لقد كان له رضي الله عنه اليد الطولى في بيعة الصديق وتثبيت حكمه ، فلا جرم يشتدّ على أي معارضة ، لكن لم يكن مستساغا ولا مقبولا أن يفعل ذلك مع مثل مولانا علي وأصحابه .
                  ويكفينا أنه سمى طريقة اختيار الصديق في آخر حياته " فلتة " ، أي خطأ وتسرّعا محذّرا من الوقوع فيها مرة ثانية ، ومرشدا إلى قتل من يكرّر فعلته الفلتة ، وهو تعبير عن كونه أخطأ جدا حين سارع لبيعة الصديق قبل استشارة باقي المهاجرين والأنصار .
                  قال رضي الله عنه في خطة " حديث السقيفة " الشهير :
                  ( ... بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ، بَايَعْتُ فُلانًا، فَلا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَتْ فَلْتَةً، أَلا وَإِنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ، إلا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمُ الْيَوْمَ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، أَلَا وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا، تَخَلَّفُوا فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَخَلَّفَتْ عَنَّا الْأَنْصَارُ بِأَجْمَعِهَا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نَؤُمُّهُمْ حَتَّى لَقِيَنَا رَجُلانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا لَنَا الَّذِي صَنَعَ الْقَوْمُ، فَقَالا: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْتُ: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلاءِ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالا: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ، وَاقْضُوا أَمْرَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ.
                  فَانْطَلَقْنَا حَتَّى جِئْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ ...
                  قَالَ: وَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ، حَتَّى خَشِيتُ الِاخْتِلافَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَهُ الْأَنْصَارُ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدًا، فَقُلْتُ: قَتَلَ اللهُ سَعْدًا.
                  وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَمَا وَاللهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا أَمْرًا هُوَ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ، وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ، أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَنَا بَيْعَةً، فَإِمَّا أَنْ نُتَابِعَهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا أَنْ نُخَالِفَهُمْ فَيَكُونَ فِيهِ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ أَمِيرًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلا بَيْعَةَ لَهُ، وَلا بَيْعَةَ لِلَّذِي بَايَعَهُ، تَغِرَّةَ أَنْ يُقْتَلا ). ( مصنف ابن أبي شيبة 6/452 ، وسند أحمد ح 391 ، وصحيح البخاري ح 6830 )
                  ولكي لا تتكرّر " الفلتة " من جهة، وحتى لا يُهمّش آل البيت ثانية ، فإن الفاروق عيّن مجلس الشورى ، وجعل مولانا عليا عضوا مؤسّسا فيه .
                  وعلامة على توبته من شدته على آل البيت ، فإنه أعاد لمولانا علي القيامة على خمس خيبر .
                  فهذه الرواية روايتنا ، وهي صريحة في أن الفاروق استسهل قتل صحابي جليل من أصحاب العقبة: هو سعد بن عبادة ، وأنه كان شديدا على آل البيت لدوافع سياسية .
                  لكنه تاب من ذلك وأصلح ، فانتهت المشكلة .
                  ولا مجال لتسويغ تشدّده ولا لتأويله أو التستّر عليه .
                  وأرجو أن لا نضطر لذكر المرويات المصرحة بنوع الشدّة التي مارسها الفاروق تجاه موالينا بني هاشم ومعهم من العشرة : الزبير وطلحة رضي الله عنهما وعن الصديق والفاروق .
                  وقد كان ذلك منه اندفاعا وحمية لما يراه حقا ، لا حسدا وحقدا وبغضا ، وله مثلها مع رسول الله الكثير ، فاحتمل له ذلك نبي الرحمة ، وكذلك احتمله آل البيت ، فانتهى الكلام من غير تكلّف في التأويل ، ولا تستّر على الواقع .
                  ومن اتهمنا بسوء الأدب مع الفاروق لصراحتنا ، فإننا نتهمه بسوء الأدب مع العترة كلها ، وشتان بيننا حينئذ .
                  فيا سبحان الله ، يبكي الصديق ويندم ويتصالح مع الآل ويسترضيهم.
                  ويتوب الفاروق من شدته عليهم ، ويعترف بالفلتة الخطأ .
                  ثم يزعم العاطفيون أن قراراتهما كانت عين الصواب ، وأن الحق معهما في كل ما جرى ، ويولولون إذا قلنا بأن الصديق اجتهد وأخطأ ، ومعه الفاروق .
                  ولنا ضوء أخضر في هذا الحديث الواضح المليح الفصيح :
                  " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه "
                  وحديث : " من آذى عليا فقد آذاني ". ( صحيحة الألباني رقم 2295 ) .
                  فأينا أولى بالخطر والضرر ؟
                  نعم ، هناك أحاديث في التحذير من التعرّض لأصحابه السابقين من المهاجرين والأنصار .
                  وهي أحاديث تشمل مولانا عليا أيضا ، ثم يمتاز عن إخوانه بالأحاديث الخاصّة به أو بقرابة نبي الله ، فيبقى البون شاسعا .
                  ومن جهة ثانية ، فمعاذ الله أن نتعرّض للصدّيق أو الفاروق بأي إذاية حذّر منها رسول الله.
                  وليس من الإذاية في شيء قولنا إنهما اجتهدا فلم يصيبا الحق .
                  وإلا ، فمن صوّبهما ، خطّأ العترة كلها ، وفيها الطاهرة وزوجها وبنوهما والعباس ... وقد ورد فيهم أشدّ مما ورد في الشيخين رضي الله عنهما .
                  ويشهد الله أنني أحبّهما وأواليهما وأقرّ خلافتهما ، لكنني أقدّم مولانا عليا كما قدّمه الزبير وغيره
                  ، وأبرأ إلى الله من كل شخص تعرّض لهما بإذاية ، كأن يطعن إيمانهما ، أو يتهمهما بتعمّد ظلم وتهميش العترة النبوية .
                  وأرجو أن نجد الأمة يوما تجمع بين تقديم العترة الأطهار ، وتقدير السابقين من المهاجرين والأنصار .
                  والحمد لله ما توالى الليل والنهار

                  يتبع .............

                  تعليق


                  • فدك بين الطاهرة والصديق – الجزء السابع
                    محمد ابن الأزرق الأنجري

                    رواية مالك بن أوس ابن الحدثان في الميزان
                    نحن هنا بصدد نقد أخبار وحكايات ، لا أحاديث نبوية ، فلا يشفع لها وجودها في الصحيحين أو غيرهما ، ولا عبرة بجلالة رواتها ، فهم بشر يخضع للهوى والمذهبية كسائر بني آدم .
                    وكنا خصصنا الجزء السادس لرواية الزهري عن عروة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وأثبتنا أنها رواية محرّفة بفتح الراء وكسرها .
                    وهذا الجزء مخصّص لدراسة ونقد خبر معتمد مشهور عند علمائنا ، وهو :
                    الخبر الثاني : رواية مالك بن أوس :
                    قال مُحَمَّد بْن مُسْلِمٍ ابن شهاب الزهري : أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ، عِنْدَهُ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ، فَقَالَ لِعُمَرَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعْدٍ، وَالزُّبَيْرِ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، ائْذَنْ لَهُمْ، قَالَ: فَدَخَلُوا، فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا.
                    قَالَ: ثُمَّ لَبِثَ يَرْفَأُ قَلِيلًا، فَقَالَ لِعُمَرَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَلَمَّا دَخَلا عَلَيْهِ جَلَسَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ عَلِيٍّ، فَقَالَ الرَّهْطُ - عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ: اقْضِ بَيْنَهُمَا، وَأَرِحِ أحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ. فَقَالَ عُمَرُ: اتَّئِدُوا، فَأَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " ؟ - يُرِيدُ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ - قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ، هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَقَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَقَالَ اللهُ {وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ} الْآيَةَ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ خَاصَّةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ وَاللهِ مَا احْتَازَهَا، وَلا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَد أعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ، حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ مِنْهُ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ . فَعَمِلَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَاتَهُ. أَنْشُدُكُمُ اللهَ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: فَأَنْشُدُكُمَا بِاللهِ ، هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالا: نَعَمْ. قال : ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ ، وَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهَا كَذَا، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهَا لَصَادِقٌ، بَارٌّ، رَاشِدٌ، تَابِعٌ لِلحَقِّ . ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَكُنْتُ أَنَا وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي، أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ: إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ. ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي، وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ، وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ، جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ، تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا - يُرِيدُ عَلِيًّا - يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» . فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا، قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ: لَتَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا. فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ . ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ .
                    قَالَ: فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ ؟ فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، لاَ أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا .
                    ( مسند الشافعي ص 322 ، ومصنف عبد الرزاق ح9772 ، ومسند أحمد الأرقام 1781 و1782 ، وصحيح البخاري ح 3094 و4033 و5358 و6728 و7305 ، وصحيح مسلم 49 - (1757) ، وسنن أبي داود ح 2963 ، وسنن النسائي ح 4148 وسنن الترمذي ح 1610 )
                    قلت : مارس الرواة الإخفاء والتورية في جملة : ( تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهَا كَذَا ) .
                    وهذه رواية صحيحة إلى الزهري تصرّح بما هناك :
                    ( ... فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ»، فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ، فَرَأَيْتُمَانِي كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ .
                    (عند مسلم بالرقم المتقدم ، ومستخرج أبي عوانة ح7111 وسنن البيهقي 6/485 )
                    وفي ثالثة صحيحة إلى الزهري أيضا: ... وَأَنْتُمَا تَزْعُمَانِ أَنَّهُ فِيهَا ظَالِمٌ فَاجِرٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ وُلِّيتُهَا بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي، فَعَمِلَتُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَنْتُمَا تَزْعُمَانِ أَنِّي فِيهَا ظَالِمٌ فَاجِرٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ تَابَعٌ لِلْحَقِّ (...) قَالَ: فَغَلَبَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهَا، فَكَانَتْ بِيَدِ عَلِيٍّ، ثُمَّ بِيَدِ حَسَنٍ، ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنٍ، ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، ثُمَّ بِيَدِ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ قَالَ مَعْمَرٌ: ثُمَّ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، ثُمَّ أَخَذَهَا هَؤُلَاءِ - يَعْنِي بَنِي الْعَبَّاسِ .
                    ( مصنف عبد الرزاق الصنعاني (5/ 470) ، وتاريخ ابن شبة 1/202 ، ومستخرج أبي عوانة ح 7113 ، وصحيح ابن حبان 14/577 )
                    خياران لا ثالث لهما :
                    تشتمل هذه الرواية على التناقض الصريح والمعنى المنكر القبيح :
                    فتنسب للعباس وعلي علمهما بحديث : " لا نورث ... " ، ومع ذلك جاءا أبا بكر يطلبان ميراث رسول الله ، ثم جددا طلب الميراث من الفاروق بعد موت الصديق.
                    بل وقد كذّبوا الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر ، واتهموهما بالفجور والظلم والخيانة والغدر ، رغم احتجاجهما بحديث مشهور بينهم عن النبي صلى الله عليه وسلم .
                    ومن جهة ثانية ، فإنها تصور العباس وعليا – حاشاهما - مراهقين يتخاصمان ويستبّان على حطام الدنيا .
                    ومن ناحية ثالثة ، فسيدنا عمر – حسب هذه الرواية – جعل الولاية على تركة رسول الله للعباس وعلي رغم تصويبه قرار الصديق .
                    وهذا التناقض الصارخ ، ومعه الاستهانة المكشوفة بآل بيت النبوة ، يؤكد وجود التحريف عمدا أو سهوا في هذه الرواية مما يستوجب التشكيك والنقد .
                    فإما ذلك ، أو قبولها كما هي ، فنخرج منها بالمضامين المنكرة الآتية :
                    أولا : كان آل بيت النبي يعلمون أن النبي لا يورث ، وأنه تصدّق بأمواله كلها ، ثم طالبوا بميراثه بعد موته ، وخوّنوا الخليفتين وكذبوهما .
                    وهذا حمق وقلة دين وعدم مروءة يتنزّه عنها الفسقة فضلا عن المؤمنين بله آل البيت الأطهار .
                    ثانيا : يدرك الفاروق أن آل البيت معتدون في مطلبهم ، وأنهم على دراية بامتناع ميراث رسول الله ، وأنهم يرونه هو والصديق ظالمين خائنين فاجرين ، ثم يتخلّى لهم عن الولاية على الأموال التي هي سبب النزاع المستمر .
                    أي أن الفاروق كان أعقل وأشرف وأعلم من العباس وعلي ومن وراءهما من بني هاشم وحلفائهم .
                    هذا بعض ما أراده المتلاعب بالرواية ، وهيهات .
                    ثالثا : تصوّر لنا هذه الرواية القائمة على التحريف والتلاعب العباس وعليا عليهما السلام رجلين من عامة سفهاء الناس ، يتخاصمان على الدنيا ممثلة في تركة رسول الله ، ويتبادلان السباب والشتائم في طريقهما إلى مجلس الخليفة وأمامه وقدّام الحاضرين معه .
                    ونسي المتلاعب أن العباس عمّ علي ، فلا يليق بمثل مولانا علي الزاهد العابد المؤدب الطاهر قلبا وقالبا أن يتجرّأ على سبّ عمّه في الطريق إلى مجلس الفاروق وأمامه .
                    فبنو هاشم أعقل وأعلم وأشرف من ذلك .
                    هذه ثلاث نتائج منكرة لا مفرّ لكم منها إن قبلتم الرواية كما هي .
                    أما نحن ، فلا نقبلها كما جاءت ، ولا نرفع لها رأسا لمجرّد ورودها في الصحيحين أو توارد المحدّثين السنّة على تصحيحها .
                    ولنا كلمة أحبّ من أحبّ ، وكره من كره ، فرواتها المتفردون : ابن شهاب ومالك بن أوس ، بشر تجري فيه الأهواء والأوهام والنسيان والغفلة فطرة ، فلا نرفعهم لمقام الملائكة المطهّرين ، ولا نجعل أخبارهم معايير معتمدة في تحليل نفسيات قوم طهّرهم الله وتصطفاهم على الناس .
                    الواقعة كما نتصوّرها لا كما وردت :
                    طالب بنو هاشم آل بيت النبوة ممثلين في موالينا العباس وعلي وفاطمة بالولاية على أوقاف رسول الله ، وبسهمهم في الخمس ، وبفدك على أساس الهبة ، فرفض الصديق أبو بكر تلبية مطالبهم ظنا منه أن حديث : " لا نورث " يتعارض وولايتهم على الوقف ، وأن سهم ذوي القربى ينقرض بموت رسول الله ، وأن الهبة لا تثبت إلا بالشروط التي تنتقل به الملكية المالية عبر البيع والشراء .
                    وهذا الذي تصوّرناه ، مستند إلى روايات صحيحة صريحة في ذلك ، قدمنا بعضها في الأجزاء السابقة .
                    وبعد موت الصدّيق ، جاء موالينا العباس وعلي بالطلب ذاته إلى الخليفة الثاني عمر الفاروق .
                    وكان رضي الله عنه على رأي الصديق ، وربّما كان المشير به عليه كما تفيد بعض الأخبار ، فامتنع .
                    وفقرة : ( ... بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا، قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ: لَتَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا ).
                    لا أساس لها من الصحة ، فالفاروق لم يخرج عن سيرة الصديق ، وسيدنا عثمان بن عفان هو الذي جعل الولاية لمولانا علي على أموال رسول الله المتنازع عليها بين آل البيت والشيخين رضي الله عنهما ، كما سيأتي عن الحبر ابن عباس ، فإن شهادته أولى بالتصديق من تجديف مالك بن أوس .
                    أما الحديث عن ميراث التركة التي أوقفها رسول الله لتوزيعها ، فتحريف شنيع ، مقرون بالتستّر على حقيقة موضوع فدك .
                    رواية ابن عباس تنقض منكرات رواية مالك بن أوس :
                    قال سيدنا عبد الله بن عباس : لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ ، جَاءَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ إلَى أَبِي بَكْرٍ فِي أَشْيَاءَ تَرَكَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: شَيْءٌ تَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يُحَرِّكْهُ لَا أُحَرِّكُهُ . فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ اخْتَصَمَا إلَيْهِ ، فَقَالَ عُمَرُ: شَيْءٌ تَرَكَهُ أَبُو بَكْرٍ إنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أُحَرِّكَهُ. فَلَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ اخْتَصَمَا إلَيْهِ . قَالَ: فَسَكَتَ عُثْمَانُ وَنَكَّسَ رَأْسَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَضَرَبْتُ بِيَدِي عَلَى كَتِفَيِ الْعَبَّاسِ وَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمَا سَلَّمْتَهُ لِعَلِيٍّ . قَالَ: فَسَلَّمَهُ لِعَلِيٍّ "
                    ( مصادر الخبر: مسند أحمد ح 77 ، وتاريخ البخاري 5/274 ، وشرح مشكل الآثار للطحاوي (2/ 161) ، ومسند البزار = البحر الزخار (1/67) ، ومسند الصديق للمروزي ص 78 – 79 ، ومسند أبي يعلى الموصلي (1/ 34) ، والتمهيد لابن عبد البر 8/158 ، والأحاديث المختارة للضياء المقدسي (1/ 97)
                    قال الإمام البزار : وَهَذَا الْحَدِيثُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
                    وصحّحه الحافظ الضياء في المختارة، وأحمد شاكر في التعليق على المسند ، وحسين سليم أسد في التعليق على مسند أبي يعلى .
                    وهذه الرواية أهملها علماؤنا رحمهم الله لأنها لم تجد لها مكانا في الصحيحين .
                    وليس فيها أن العباس وعليا كانا يطلبان ميراث ما تصدّق به رسول الله من أموال .
                    بل فيها : ( أَشْيَاء تَرَكَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
                    أي أموال تركها رسول الله وقفا، فجاء العباس وعلي يطلبان إليه الولاية عليها .
                    ( فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: شَيْءٌ تَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يُحَرِّكْهُ لَا أُحَرِّكُهُ ).
                    ( فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ اخْتَصَمَا إلَيْهِ ، فَقَالَ عُمَرُ: شَيْءٌ تَرَكَهُ أَبُو بَكْرٍ إنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أُحَرِّكَهُ ) .
                    أي أن الشيخين كانا يجلان أن مولانا عليا هو الوصي الشرعي لرسول الله على أوقافه وصدقاته ، كما كانا يجهلان هبة فدك للطاهرة فاطمة ، ويجهلان استمرار خمس ذوي قرابة رسول الله .
                    ( فَلَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ اخْتَصَمَا إلَيْهِ ، قَالَ: فَسَكَتَ عُثْمَانُ وَنَكَّسَ رَأْسَهُ )
                    أي أنهما رضي الله عنهما أقنعاه بضرورة تنازله عن الولاية على تلك الأموال لأنهم أولى بها ، ففعل ، لكنهما اختلفا فيمن هو منهما الولي الشرعي ، فتدخل الحبر البحر العارف بالأولى منهما ، قال :
                    ( فَضَرَبْتُ بِيَدِي عَلَى كَتِفَيِ الْعَبَّاسِ وَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمَا سَلَّمْتَهُ لِعَلِيٍّ . قَالَ: فَسَلَّمَهُ لِعَلِيٍّ " ) .
                    وذلك لأن العباس كان شيخا كبيرا ، لا يقدر على أداء مهمة الولاية من جهة ، ولأن عبد الله الأعلم من أبيه ، كان يدرك أن مولانا عليا هو الوصي الشرعي لرسول الله على أمواله .
                    أحاديث في كون علي وصيّ رسول الله :
                    في حديث خمّ المتواتر :
                    فَأَخَذَ رسول الله بِيَدِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: «أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «فَهَذَا وَلِيُّ مَنْ أَنَا مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، اللَّهُمَّ عَادِ مَنْ عَادَاهُ» .
                    وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس وابن جنادة رضي الله عنهما: «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا عَلِيٌّ»
                    وفي لفظ : «لَا يَقْضِي دَيْنِي غَيْرِي أَوْ عَلِيٌّ»
                    ( مصنف ابن أبي شيبة 6/366 ، وفضائل أحمد 2/594 والمسند ح 17505 و17510 و17511 و17512، وكبرى النسائي ح 8091 و8405 ، وسنن الترمذي ح 3719 ، وسنن ابن ماجه ح 119 ، وسنة ابن أبي عاصم2/598 والآحاد له 3/183 ، ومعجم الطبراني الكبير ح 3512 و3513 و12127 ، والطبري في التفسير بتحقيق شاكر 14/107 وغيرهم من طرق )
                    قال الإمام الترمذي : حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.
                    وحسنه الألباني في الصحيحة 4/632 ، فأحسن وأصاب .
                    واستنكره بعض الشاميين لخطورته على معتقداتهم .
                    وعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ، جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَاجْتَمَعَ ثَلاثُونَ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا، قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ يَضْمَنُ عَنِّي دَيْنِي وَمَوَاعِيدِي، وَيَكُونُ مَعِي فِي الْجَنَّةِ، وَيَكُونُ خَلِيفَتِي فِي أَهْلِي؟» فَقَالَ رَجُلٌ - لَمْ يُسَمِّهِ شَرِيكٌ - يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْتَ كُنْتَ بَحْرًا، مَنْ يَقُومُ بِهَذَا؟ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: لِآَخَرٍ، قَالَ: فَعَرَضَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا . ( مسند أحمد ح883 ، ومختارة الضياء ح500 )
                    قال الهيثمى في مجمع الزوائد : 9/ 113 إسناده جيد .
                    وقال أحمد شاكر : إسناده حسن . هـ
                    قلت : للحديث شواهد كثيرة ، تقطع بصحة كون مولانا عليا خليفة رسول الله في أهله وماله، أسأل الله أن ييسّر جمعها وتخريجها .
                    وقد مال الألباني في ضعيفته 10/215 وما بعدها لتقويته ، ومما قاله :
                    ( فهذه الطرق يدل مجموعها على أن الخلافة المذكورة في هذا الحديث - وكذا في غيره مما لم نذكره هنا - إنما هي خلافة خاصة في أهله - صلى الله عليه وسلم – وعشيرته ).
                    قلت : هناك رواية حسنة يشير فيها رسول الله إلى أن عليا أولى بخلافته في أمته ، وأنه خشي العهد إليه فتعصيه أمته ، أي أصحابه ، فيعذبهم الله ، وذلك لما كان يعلم بخبرته أنهم لم يكونوا مستعدين لمبايعة علي ، والحكم أمر دنيوي يتحمل الناس مسئوليتهم فيه وليس النبي الذي أمر باستشارتهم في دنياهم ، وقد خالفوه في شأن غزوة أحد فكانت الخسائر كبيرة ، ولم يكونوا عصاة بل رفضوا قرارا دنيويا وتحملوا تكلفته .
                    وبالجملة ، فمولانا علي هو وصي رسول الله في أهله ، وسيدنا العباس يدرك ذلك ، فما كان منه إلا أن تنازل عن الولاية على صدقات رسول الله .
                    وسرعة تنازل العباس لمولانا علي ، تنبئك عن التحريف والكذب المبثوث في رواية مالك بن أوس ، فقد صورتهما سفيهين يتسابّان على المسئولية .
                    الخبر فرد يحتمل التخليط :
                    إن مدار الرواية المنكرة على ابن شهاب الزهري ، ثم على شيخه شيخه مالك بن أوس ابن الحدثان.
                    وابن الحدثان تابعي مخضرم مختلف في صحبته ، وقد تفرّد بهذا الخبر العظيم الذي تتوافر الدواعي على نقله ، فيجوز أن ينسى فيزيد وينقص .
                    وهو ما حصل ، فقد اضطرب وتناقض كثيرا .
                    فهل نرحمه فننعته بالتخليط والوهم ؟
                    أم نتهمه بتعمد التحريف ظنا منه أنه يتقرّب إلى الله بالدفاع عن الصديق ولو على حساب آل البيت الأطهار ؟
                    أم نقول : إنه سمع أخبارا منكرة في القضيةِ من الكذابين والوضاعين النواصب ، وسمع أخبارا مجملة عن الثقات ، ثم حدث له النسيان فنسب المناكير للمشاهير ؟
                    فنحن أمام خيارين :
                    إما تصديق رواية مالك بن أوس جملة وتفصيلا رغم تناقضها ونكارة بعض فقراتها .
                    أو طرحها جملة وتفصيلا .
                    أما الخيار الأول فيؤدي حتما إلى أن آل البيت كانوا على دراية بأن النبي لا يورث ، ومع ذلك جاؤوا خليفته الصديق بحثا عن ميراث ما لا يورث .
                    وأنهم عليهم السلام لم يرضوا حكم الصديق رغم احتجاجه بحديث يعرفونه ، فهجروه واتهموه بالموبقات على طريقة ضعاف الإيمان سفهاء الأحلام .
                    وهذا والله خيار موصل إلى شعبة من النفاق لا محالة .
                    وأما الخيار الثاني ، فينتهي بالتوقف في هذه الرواية والتشكيك في ضبط الزهري وحفظه لا غير .
                    ولن يجد الغلاة حجة للقدح في الصديق والفاروق ، ولا في نعت السنة بالتحامل على آل البيت الكرام ، إن رمينا هذه الرواية وسميناها خرافة .
                    ومن عجائبها أن الفاروق رضي الله عنه سلّم تركة النبيّ صلى الله عليه وسلم للعباس وعلي يتصرّفان فيها كما كان يتصرّف النبي عليه السلام ، وذلك بعدما جادلهما في امتناع إرثه .
                    إذن ، فالفاروق يناقض نفسه ، فيروي أن النبي لا يورث ، ويصوّب قرار الصديق بعدم تمكين العباس وعلي من تركة النبي عليه السلام ، ثم يفقأ عين كل ذلك ، ويبقر بطنه ، ويتمرّد على وصية رسول الله – المحرّفة طبعا – ويبطل قرار الخليفة الأول ، ويستسلم للعباس وعلي الذين اتهماه والصديق بالغدر والظلم والخيانة والفجور .
                    والنتيجة أن آل البيت ورثوا ولاية رسول الله على أملاكه التي زعم علماؤنا أنها لا تورث .
                    وأن الفاروق يقرّ ضمنيا بأن حجة الصديق لاغية .
                    احترموا عقولنا أيها الناس .
                    عيب عليكم أن تصدقوا أخبارا متناقضة منكرة مستهجنة مثل هذه لمجرّد ورودها في الصحيحين .
                    هل هما قرآن متواتر ؟
                    هل مالك بن أوس معصوم من الهوى أو الخطإ والنسيان ؟
                    إن لم تقبلوا صوت عبد جاهل مثلي ، فما قولكم في هذا ؟
                    قال الحافظ الفقيه المؤرّخ ابن عبد البرّ الأندلسي رحمه الله في كتاب الاستذكار (8/592) : الْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِيمَا تَخَاصَمَ فِيهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ ، وَفِي ظواهرهما اخْتِلَافٌ وَتَدَافُعٌ هـ
                    قلها صريحة أيها الإمام كما نقولها نحن الحقراء : إنها أحاديث متناقضة مضطربة ، دخلها التحريف والتجديف ، وألحقت بها الأكاذيب والتخاريف ، بفعل الهوى المذهبي ، والتعصّب الطائفي .
                    رحمك الله ، ويكفي قولك هذا ، فقد عشت في بيئة لم تسمح لك بالتصريح ، فاكتفيت بالتلميح .
                    تناقض مالك بن أوس يؤكد الاختلاط أو الافتعال :
                    تفرّد مالك بن أوس بالقصة كما تقدمت من طريق الزهري ، ووردت من غير طريقه عن مالك بصيغ مختلفة تدل على تلاعبه بأصل القصة وتحريفها ، عكس ما رواها سيدنا عبد الله بن عباس .
                    فتذكر رواية الزهري المعتمدة عند الشيخين وغيرهما ، وقارنها بهذه الدالة على أن مالكا كان يحدث كل راو بطريقة مختلفة لا تصدر من الثقات الضابطين :
                    رواية التابعي الثقة عكرمة بن خالد المخزومي :
                    عن عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: " جَاءَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَخْتَصِمَانِ . فَقَالَ الْعَبَّاسُ: اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، لِكَذَا وَكَذَا . فَقَالَ النَّاسُ: افْصِلْ بَيْنَهُمَا، افْصِلْ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: لَا أَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، قَدْ عَلِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» (مصادرها : مسند أحمد ح 349 ، وتاريخ المدينة لابن شبة (1/ 206) ، وسنن النسائي ح 4148 ، وشرح معاني الآثار للطحاوي (3/ 306)
                    قلت : إسنادها صحيح إلى مالك بن أوس ، ولا ذكر في هذه الرواية لشأن العباس وعلي مع الصديق ، ولا لتنازل الفاروق عن الولاية المالية لهما .
                    والاختصام في الميراث لا يكون قبل تملكه ، فكيف اختصموا ، وسيدنا الصديق منعهم منه ؟
                    تنبيه : قولنا بصحتها إلى مالك بن أوس لا يقتضي صحتها عن الصحابة المذكورين .
                    رواية التابعي الثقة ابن المنكدر :
                    عن مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، أَنَّهُ قَالَ: حَضَرَتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي مِيرَاثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّاسُ: اقْضِ بَيْنَهُمَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } فَقَرَأَ إِلَى قَوْلِهِ: { ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر: 7] ، ثُمَّ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُهَا فِي الْمَسَاكِينِ، وَالْيَتَامَى، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَفِي ضَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَوَارِسِهِ» حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ وُلِّيتُهَا أَنَا، فَوَضَعْتُهَا حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُهَا وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُوَلِّيَكَهَا يَا عَلِيُّ، فَضَعْهَا حَيْثُ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُهَا، وَحَيْثُ رَأَيْتَنِي أَضَعُهَا
                    . ( المعجم الأوسط للطبراني (5/8) وسنن البيهقي 6/483 ).
                    تذكر هذه الرواية كرواية الزهري أن الحاضرين من الصحابة أشاروا على الفاروق بالفصل بين العباس وعلي في ميراث رسول الله ، وهذا يقتضي أنهم لا يعلمون أن الصديق احتج بحديث : " لا نورث " ، أو أنهم لم يروه حديثا عزما ، أي ليس النهي فيه عن ميراثه حراما ، بل تركه أولى .
                    ثم إنها تضيف أشياء أخرى لم ترد في رواية الزهري كأوجه صرف رسول الله لسهمه .
                    وتزعم أن الفاروق ولّى مولانا عليا ولم يشرك معه العباس كما في رواية الزهري المشهورة .
                    فهذا خبط وخلط .

                    رواية التابعي الثقة أبي البختري سعيد بن فيروز الطائي :
                    روى الإمام شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ حَدِيثًا مِنْ رَجُلٍ فَأَعْجَبَنِي، فَقُلْتُ اكْتُبْهُ لِي ، فَأَتَى بِهِ مَكْتُوبًا مُزَبَّرًا : دَخَلَ الْعَبَّاسُ، وَعَلِيٌّ، عَلَى عُمَرَ، وَعِنْدَهُ طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَسَعْدٌ، وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ، فَقَالَ عُمَرُ لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعْدٍ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ مَالِ النَّبِيِّ صَدَقَةٌ، إِلَّا مَا أَطْعَمَهُ أَهْلَهُ، وَكَسَاهُمْ إِنَّا لَا نُورَثُ»؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ عَلَى أَهْلِهِ، وَيَتَصَدَّقُ بِفَضْلِهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ سَنَتَيْنِ، فَكَانَ يَصْنَعُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا من حديث مالك بن أوس. ( مسند الطيالسي ح 61 و ح223 ، وتاريخ ابن شبة 1/206 ، وسنن أبي داود ح 2975 ، وسنن البيهقي 6/489 )
                    إسناده صحيح على شرط البخاري إلى أبي البختري سعيد بن فيروز الطائي التابعي الثقة .
                    والرجل الذي حدثه هو مالك بن أوس كما تشير جملة : ( ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا من حديث مالك بن أوس ) ، فإنه أدركه .
                    وفي "التكميل في الجرح والتعديل" لابن كثير (4/199) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (12/ 392) : أبو البَخْتَري الطَّائيُّ : سمعت حديثاً من رجل فأعجبني ... الحديث. هو مشهور من رواية مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر. هـ
                    وهذه الرواية شبيهة برواية الزهري إلا أنها لا تذكر اختصام العباس وعلي لأبي بكر ، ولا ما فعله الفاروق في النهاية .
                    كما أنها لا تتضمن تسابّ العباس وعلي ، ولا تخوينهما الشيخين .
                    وهي أولى بالقبول من رواية الزهري ، لأن مالك بن أوس حدث أبا البختري من كتاب لا من الحفظ .
                    وأبو البختري أقدم من الزهري سماعا من مالك بن أوس ، الذي حدث الزهري في هرمه فزاد وأضاف التخريف من عنده .
                    نعم ، فمالك بن أوس مات بعد سنة تسعين هجرية ، وكان شابا في الجاهلية قبل الإسلام .
                    فالرجل جاوز مئة سنة حتى خرف ، فصار يحدث كل راو بطريقة مختلفة .
                    وبالجملة ، فمالك بن أوس المتفرد بهذا الخبر المنكر هو المسئول عن الاضطراب والتناقض ، وعن التخريف والتجديف الوارد في أعجوبته من طريق الزهري .
                    ومحال أن يحضر هؤلاء الجمع من الصحابة اختصام موالينا العباس وعلي إلى الفاروق ، ثم لا يحدثون بالقصة لا هم ولا تلامذتهم ، ويتفرّد مالك بن أوس دونهم بخبر جليل خطير .
                    مالك بن أوس لا شهرة له بين التابعين :
                    قال الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء ط الحديث (5/ 94) " :
                    مالك بن أوس ابن الحدثان بن الحارث بن عوف، الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو سَعْدٍ -وَيُقَالُ: أَبُو سَعِيْدٍ- النَّصْرِيُّ، الحِجَازِيُّ، المَدَنِيُّ، أَدْرَكَ حَيَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
                    وَحَدَّثَ عَنِ: عمر، وعلي، وعثمانن وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن ابن عَوْفٍ، وَالعَبَّاسِ، وَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَائِفَةٍ،
                    حَدَّثَ عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ, وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ, وَعِكْرِمَةُ بنُ خَالِدٍ, وَأَبُو الزُّبَيْرِ, وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ, وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ عَطَاءٍ, وَسَلَمَةُ بنُ وَرْدَانَ, وَآخَرُوْنَ.
                    وَشَهِدَ الجَابِيَةَ، وَفَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ.
                    قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بنُ أَوْسٍ: أَنَّ عُمَرَ دَعَاهُ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيْرٍ لَهُ, لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّمَالِ فِرَاشٌ, فَقَالَ: يَا مَالِكُ إِنَّهُ قَدْ قَدِمَ مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ حَضَرُوا المَدِيْنَةَ, وَقَدْ أَمَرْتُ لَهُم بِرَضْخٍ, فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُم. قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتَ بِذَلِكَ غَيْرِي قَالَ: اقْسِمْهُ أَيُّهَا المَرْءُ.
                    قَالَ البُخَارِيُّ: مَالِكُ بنُ أَوْسٍ، قَالَ بَعْضُهُم: لَهُ صُحْبَةٌ، وَلاَ يَصِحُّ قَالَ: وَقَدْ رَكِبَ الخَيْلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ قَالَهُ: الوَاقِدِيُّ.
                    وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسٍ، قَالَ: كُنْتُ عَرِيْفاً فِي زَمَنِ عُمَرَ.
                    وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ, وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ.
                    قُلْتُ: كَانَ مَذْكُوْراً بِالبَلاَغَةِ وَالفَصَاحَةِ، وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ.
                    قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ.
                    قُلْتُ: لَعَلَّهُ عَاشَ مائة سنة. ذكره أبو القاسم بن عساكر في "تاريخه".
                    انتهى هذا العجب العجاب ، والمبالغة من إمام عظيم كالذهبي رحمه الله ، فقد تفرّد بإطلاق تلك النعوت على مالك بن أوس ، وليس في أخباره ما يؤكد شيئا منها .
                    وقد تتبعت ترجمته وأخباره ، فخلصت إلى ما يلي :
                    أولا : مالك مختلف في صحبته ، وجمهرة النقاد ينفونها ، وكذا المؤلفون المتأخرون في الصحابة يوردونه في كتبهم ، كابن عبد البر وابن حجر ، ويقررون عدم صحة صحبته .
                    ثانيا : كل الفضائل المنسوبة إليه ، مأخوذة من شهادته هو على نفسه ، ولم أجد أحدا من معاصريه أثنى عليه أو وصفه بذرّة مما جاء به الذهبي من مبالغة .
                    فلن تجد معاصرا له يحكي عنه خبرا أو يشهد له بفضيلة أو يقول عنه كما هو شائع عن التابعين المعروفين : كان مالك كذا وكذا .
                    فمالك بن أوس هو الذي أخبر أنه كان عريف قومه زمن الفاروق ، ولم يشهد له بذلك أحد .
                    وهو الذي زعم أنه كان مقربا من الفاروق ، بحيث يدعوه لمجالسه ، ويحضر نقاشات كبار الصحابة ، كما في روايته المنكرة من طريق الزهري .
                    وقول أبي البختري : ( سَمِعْتُ حَدِيثًا مِنْ رَجُلٍ فَأَعْجَبَنِي ) ، رجل هكذا ، ينفي شهرة مالك بن أوس ، أما أبو البختري فنار على علم .
                    خبر في جهالة ابن الحدثان :
                    تبرّع علينا مالك بن أوس بخبر يشهد على جهالته ، فإنه قال من حيث لا يشعر :
                    جَاءَ أَبُو ذَرٍّ وَأَنَا جَالِسٌ مَعَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ؟ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ وَوَلَّى وَجْهَهُ، فَاسْتَفْتَحَ ( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ )، رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَرَجَّةً، أَوْ لَلَجَّةً - شَكَّ أَبُوعَاصِمٍ - قَالَ: فَانْتَهَتْ بِهِ الْقِرَاءَةُ إِلَى سَارِيَةٍ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فَجَوَّدَ فِيهِمَا، وَرَكِبَهُ النَّاسُ - وَأَنَا فِي النَّاسِ - فَقَالُوا: يَا أَبَا ذَرٍّ حَدِّثْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وَالْبَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَالْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبُرِّ صَدَقَتُهُ، وَمَنْ جَمَعَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ تِبْرَ ذَهَبٍ أَوْ تِبْرَ فِضَّةٍ لَا يُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَعُدُّهُ لِغَرِيمٍ فَهُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ اتَّقِ اللَّهَ وَانْظُرْ مَا تَقُولُ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ قَدْ كُنِزَتْ فِي النَّاسِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَنْ أَنْتَ؟ فَانْتَسَبْتُ لَهُ، فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ نَسَبَكَ الْأَكْبَرَ، يَا ابْنَ أَخِي، أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: " أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَافْقَهْ إِذَنْ يَا ابْنَ أَخِي " . ( مصنف ابن أبي شيبة 5/244 ، وتاريخ المدينة لابن شبة (3/1033) ، ومسند البزار = البحر الزخار (9/340) ، وسنن الدارقطني 2/488 ) .
                    قلت : سبحان الله ، عريف قومه زمن الفاروق عمر ، لا يعرفه مولانا أبو ذر الغفاري زمن عثمان بن عفان رضي الله عنهما .
                    وانظر كيف يزعم هنا أنه كان مقربا من سيدنا عثمان أيضا ، وأنه اعترض من دون الحاضرين على أبي ذر .
                    فإذا أضفته إلى ادعائه العرافة على قومه ، وقربه من الفاروق ، دون أن يشهد له بذلك أحد ، تدرك أنه كان صاحب دعاوى وأحلام .

                    يتبع ....
                    التعديل الأخير تم بواسطة وهج الإيمان; الساعة 08-05-2017, 04:37 AM.

                    تعليق


                    • وربما أخذ الذهبي من هذه القصة أنه كان فقيها ، وهي في جوهرها برهان على قلة فقهه وفهمه .
                      ثالثا : مرويات مالك بن أوس وأخباره لا تغطي أصابع اليدين ، ولا ذكر له بين الفقهاء والمفتين ، فمن أين جاء الذهبي بتلك الصفات الفخمة : (الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ) ؟
                      إنه التهويل والتضخيم ردّا على الحافظ ابن خراش كما سيأتي .
                      رابعا : لا ذكر لمالك في أي حدث تاريخي إلا من طريقه وحكايته .
                      ولو كان كما وصفوه جلالة وقدما وفقها ، لتعددت أخباره وطارت في العالمين .
                      خامسا : لم يثبت عن مالك بن أوس أنه روى عن الزبير وسعد وابن عوف وابن عباس شيئا ، وإنما ذكروه في شيوخه لأنه حكى وجودهم في مجلس الفاروق حين جاءه العباس وعلي ، حسب تخريفه طبعا .
                      فانظر كيف يمارَس التفخيم والتضخيم في غير محله .
                      مالك بن أوس صاحب دعاوى عريضة :
                      لا تخلو مرويات مالك من دعوى عريضة ، لا يشهد له بها أحد ، ولا تعرف إلا من طريقه ، ولكن بعدما انقرض المذكورون فيها من الصحابة ، ليسهل عليه تمريرها :
                      دعوى العرافة على قومه :
                      روى البغوي في معجم الصحابة (5/258) بإسناد حسنه ابن حجر في الإصابة(5/526) عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري قال : كنت عريفا في زمن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه.
                      وبناء على هذا المنصب الجليل من خليفة عظيم ، وجدنا ابن الحدثان يقول في بداية خرافته الطويلة التي هي محلّ هذا الجزء : بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ، إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ يَأْتِينِي، فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ: يَا مَالك، إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ، وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ، فَاقْبِضْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي، قَالَ: اقْبِضْهُ أَيُّهَا المَرْءُ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَا يَسِيرًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ؟ ... الخرافة .
                      ويشرح وفادة قومه وظروفها في أنساب طبقات ابن سعد ط دار صادر (3/ 317) وأنساب الأشراف للبلاذري (10/397) فيقول : لَمَّا كَانَ عَامُ الرَّمَادَةِ ، قَدِمَ عَلَيَّ مِنْ قَوْمِي مِائَةٌ أَهْلُ بَيْتٍ فَنَزَلُوا بِالْجَبَّانَةِ، وَكَانَ عُمَرُ يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنَ النَّاسِ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِالدَّقِيقِ وَالتَّمْرِ وَالأَدَمِ فِي مَنْزِلِهِ، فَكَانَ يُرْسِلُ إِلَى قَوْمِي مَا يَصِلُهُمْ شَهْرًا شَهْرًا، وَكَانَ يَتَعَهَّدُ مَرْضَاهُمْ وَيُقِيمُ أَكْفَانَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَوْتَ وَقَعَ فِيهِمْ حِينَ أَكَلُوا الثَّفِلَ، فَكَانَ عُمَرُ يَأْتِي بِنَفْسِهِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ صَلَّى عَلَى عَشْرَةٍ جَمِيعًا، فَلَمَّا أَحْيَوْا قَالَ: أَخْرِجُوا مِنَ الْقَرْيَةِ إِلَى مَا كُنْتُمُ اعْتَدْتُمْ مِنَ الْبَرِّيَّةِ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَحْمِلُ الضَّعِيفَ مِنْهُمْ حَتَّى لَحِقُوا بِبِلادِهِمْ.
                      قلت : من تكون حتى يجعلك الفاروق عريفا قومك ؟ ومن شهد لك من الناس المعاصرين بذلك ؟ ولماذا زعمت مرة أن قومك وفدوا على الفاروق حتى أخبرك ، ثم ادعيت قبل أو بعد ذلك أنهم وفدوا عليك ؟ أليس هذا خبطا آخر وقعت فيه ؟
                      وكيف يفد عام الرمادة قومك ، فتنفرد أنت بقصتهم دون الآخرين كما انفردت بخرافتك المهينة للصحب والآل العظام ؟
                      وإذا كنت عريفا على قومك كما تخبر ، فلم ترددت في مهمة قسمة المساعدات عليهم لما أمرك بذلك من جعلك عريفا عليهم ؟
                      هل توحي بأنك كنت أمينا ورعا ؟ من يشهد لك من قومك بكل ذلك غفر الله لي ولك ؟
                      دعوى جهل صحابي من العشرة بأحكام الربا :
                      قال مَالِك بْن أَوْسِ : أَقْبَلْتُ أَقُولُ : مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ - وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -: أَرِنَا ذَهَبَكَ، ثُمَّ ائْتِنَا، إِذَا جَاءَ خَادِمُنَا، نُعْطِكَ وَرِقَكَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَلَّا، وَاللهِ لَتُعْطِيَنَّهُ وَرِقَهُ، أَوْ لَتَرُدَّنَّ إِلَيْهِ ذَهَبَهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ» .
                      في رواية : فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: حَتَّى يَأْتِيَنِي خَازِنِي مِنَ الْغَابَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْمَعُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ» ( موطأ مالك ت عبد الباقي (2/636) ، ومسند أحمد ح 238 و314 ، وصحيح البخاري ح2134 وصحيح مسلم (3/ 1209)
                      يا سلام ، سيدنا طلحة بن عبيد الله لا يعرف أحكام الربا .
                      وقد حرّف مالك بن أوس متن الحديث ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل : " الذهب بالورق " ، بل قال : " الذهب بالذهب ، والورق بالورق " ، والورق هو الفضة .
                      عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» ( الموطأ (2/632) ، ومسند أحمد ح 11006 وصحيح البخاري ح2177 وصحيح مسلم 75 - (1584) )
                      أما النهي عن بيع الورق بالذهب فهو سيدنا عمر ، وقد وقع مالك بن أوس في الوهم فرفعه إلى رسول الله ، ودليل ذلك أن عبد الله بن عمر وقف المتن على أبيه ، وهو أعلم وأحفظ .
                      فروى عبد الله عن أبيه عُمَر بْن الْخَطَّابِ قال: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ. إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ. إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ، وَالْآخَرُ نَاجِزٌ، وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ، فَلَا تُنْظِرْهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ»، وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا . موطأ مالك ت عبد الباقي (2/ 634 و635 )
                      وفي مسند ابن الجعد (ص: 36) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى عُمَرُ عَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ، بِالذَّهَبِ نَسْئًا» .
                      أما بيع الذهب بالفضة ، فالأمر فيه واسع ولا حرج :
                      ففي صحيح البخاري ح2175 وصحيح مسلم 88 - (1590) من حديث أبي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالفِضَّةَ بِالفِضَّةِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالفِضَّةِ، وَالفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْتُمْ»
                      فمالك لم يضبط ، ولم يكن فقيها .
                      دعوى الاستدراك على مولانا علي :
                      قال مالك بن أوس : كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ لِي فَتُوفِّيتْ، فَوَجَدْتُ عَلَيْهَا، فَلَقِيتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: «مَا لَكَ؟»، فَقُلْتُ: تُوُفِّيَتِ الْمَرْأَةُ، فَقَالَ: «أَلَهَا ابْنَةٌ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «كَانَتْ فِي حِجْرِكَ؟»، قُلْتُ: لَا، هِيَ فِي الطَّائِفِ . قَالَ: «فَانْكِحْهَا» قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ قَوْلُهُ : {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23]؟ قَالَ: «إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِكَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ فِي حِجْرِكَ» ( مصنف عبد الرزاق الصنعاني (6/278) ، ومسائل أحمد بن حنبل 2/91 ، وتفسير ابن أبي حاتم 3/912 بإسناد صحيح إلى مالك)
                      وفي فتح الباري لابن حجر (9/158) : وَالْأَثَرُ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ .
                      وكذلك صححه السيوطي في الدر المنثور .
                      وفي إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (6/287) : صحيح عن علي .
                      قلت : هذه نقطة أفاضت الكأس :
                      مولانا علي لا يعرف أن الدخول بالأمهات يحرم البنات الربائب ، فيستدرك عليه مثل مالك بن أوس الذي لم يمدحه أحد بفقه ، إلا الذهبي الذي أخذ هذا الوصف من هذه الدعاوى العريضة ، كالاستدراك على موالينا علي وأبي ذر .
                      فالسند صحيح إلى مالك بن أوس فقط ، أما مولانا علي فبرأه الله من هذا الرأي الكاسد .
                      وفي تفسير ابن كثير ت سلامة (2/252) : هَذَا إِسْنَادٌ قَوِيٌّ ثَابِتٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيُّ وَأَصْحَابُهُ. وَحَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الرَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَحَكَى لِي شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ أَنَّهُ عَرَض هَذَا عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فَاسْتَشْكَلَهُ، وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
                      " صَدَق مالك " لا تنفع :
                      قال الزهري بعدما حكى خرافة مالك بن أوس ، كما عند البخاري وغيره :
                      فَحَدَّثْتُ هَذَا الحَدِيثَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: صَدَقَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: أَنَا سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَقُولُ: " أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، يَسْأَلْنَهُ ثُمُنَهُنَّ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنْتُ أَنَا أَرُدُّهُنَّ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: أَلاَ تَتَّقِينَ اللَّهَ، أَلَمْ تَعْلَمْنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ - يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ - إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا المَالِ» فَانْتَهَى أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَا أَخْبَرَتْهُنّ .
                      قلت : صدّق عروة بن الزبير على صحة رواية مالك بن أوس عن الفاروق عن الصديق عن رسول الله أنه قال : «لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا المَالِ» ، بدليل اقتصاره على تقويتها بما رواه هو وسمعه من أم المؤمنين .
                      فلا علاقة لهذه المصادقة بباقي خرافة مالك بن أوس .
                      وبالمناسبة ، فالزهري تفرد عن عروة بخبر مجيء العباس وفاطمة عليهما السلام إلى الصديق لطلب الميراث .
                      وهنا نرى عروة يحدثه ، بعدما روى له أسطورة مالك بن أوس ، عن مطالبة أزواج رسول الله بميراثهن ، وليس العباس وفاطمة .
                      فلماذا لا يكون الزهري اختلط عليه الخبران بعد ذلك ، فظنّ أن ما سمعه من مالك بن أوس مسموع أيضا من عروة بن الزبير ؟
                      ومن يكون الإمام الزهري بين البشر حتى لا ينسى ويختلط عليه خبر هذا بذاك ؟
                      فبعد هذا ، يكون خبر الزهري عن عروة عن أم المؤمنين في موالينا العباس وفاطمة وعلي مشكوكا في ثبوته عن الزهري .
                      وهذا أمر يساعدنا في تفسير سبب إضراب الإمام مالك عن ذلك الخبر بالمرة ، واقتصاره على ما يتعلق بأمهات المؤمنين .
                      فصدق مالك ليس تعديلا له ، بل شهادة من عروة بصحة متن الحديث المنسوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، دون باقي القصة .
                      وقول الزهري عند البخاري : ( فَحَدَّثْتُ هَذَا الحَدِيثَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ ) ، يكاد يكون صريحا في أنه سأله عن المتن المرفوع دون سائر التخريف .
                      ولماذا يذهب الزهري لسؤال عروة بن الزبير إن كان مالك بن أوس تابعيا جليلا فقيها إماما ، وعريفا للفاروق على قومه ؟
                      أليس في سؤاله إشعارا بتشككه فيما سمع منه ؟
                      لم يوثقه كبير أحد :
                      مالك بن أوس هذا الذي زعم الذهبي رحمه الله أنه إمام حجة ، وأدخله في " تذكرة الحفاظ " ، لم يوثقه أحد من النقاد المتقدمين توثيقا صريحا ، فسكت عنه البخاري في تاريخه ، وأبو حاتم في الجرح والتعديل نافيين صحبته ، وأورده ابن حبان في ثقاته من غير تنصيص على التوثيق ، وزعم ابن عساكر أن الحافظ ابن خراش وثقه ، واغتر به المزي في " تهذيب الكمال " ، والذهبي في " السير " ، وسيأتي ما يبطله .
                      نعم ، هو من رجال الموطأ والصحيحين ، وليس هذا من التوثيق الصريح في شيء .
                      وابن حبان من أهل القرن الرابع ، فلا كلام ، وإنما أورده في الثقات لأن المحدثين السابقين عليه تلقوا أخباره بالأحضان ، ربما لأنه أنقذهم بتلك الخرافة الممجوجة .
                      الإمام مالك يشطب على خرافة ابن الحدثان :
                      كان الإمام مالك يعرف خرافة شيخه الزهري عن مالك بن أوس ، وأدخلها في الموطأ قبل عملية التهذيب والتشطيب على ما لا يراه صحيحا أو صالحا ، لكنه طرحها لما أخرج النسخة النهائية المنقّحة .
                      ودليلنا هو عدم وجود هذه الخرافة في كتاب "الموطأ" ، رغم أنه سمعها من الزهري بنفسه ، وهو أجلّ شيوخه ، وأنه رحمه الله عقد في الموطإ بابا تحت عنوان : ( مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ) ، دون أن يذكر أسطورة ابن أوس .
                      والحجة على كونه أسقط تلك الخرافة من كتابه ، هي أنها مروية من طريق مالك بن أنس عن الزهري عن مالك بن أوس في صحيح البخاري ح 3094 وسنن أبي داود ح 2963 ، وسنن الترمذي ح 1610 وغيرهما من طرق متعددة صحيحة إلى الإمام مالك .
                      فلماذا أسقطها الأمام إن لم تكن متناقضة منكرة ؟
                      مالك بن أوس من رجاله في الموطأ ، وتناول تركة النبي عليه السلام باب منه ، فلم إذن ؟
                      الحافظ ابن خراش يتهم مالك بن أوس :
                      قال ابن عدي في ترجمة ابن خراش من " الكامل في ضعفاء الرجال " (5/519) : سَمِعْتُ عَبْدَانَ يَقُولُ : قُلْتُ لابْنِ خِرَاشٍ : حَدِيثُ : " لا نُورَثُ ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ " ؟ قال: باطل . قلت : من تتهم في هذا الإسناد ؟ رواه الزُّهْريّ، وأَبُو الزبير، وعكرمة بن خالد عن مالك بن أوس بن الحدثان ، أتتهم هؤلاء؟ قَال: لاَ ، إنما أتهم مالك بن أوس. هـ
                      قلت : صدق ابن خراش الحافظ الموسوعي
                      ، فقد ترجّح لدينا بناء على ما تقدّم أن الرجل شاخ وهرم فصار يخرّف ويهذي ويرسل الدعاوى العراض ، وربما كان يبحث عن موقع له بين أهل العلم ، فصار يختلق الروايات ويفتعل الأساطير ، ولا عبرة بعدم اتهامه من معاصريه ، لأنهم لم يكونوا على دراية بكل مروياته ، فكانوا يتعاملون معه بالظاهر .
                      فهو مخرّف بسبب الشيخوخة لتجاوزه المئة عام ، أو هو مختلق يتعمّد التحريف ، وفيما ذكرناه كفاية تنبئ عن حاله .
                      ولا نجد لتلقي أهل الحديث أخباره بالتصحيح إلا حاجتهم لحديثه الأسطوري المُدين لعلي والعباس عليهما السلام ، المحامي عن الشيخين رضي الله عنهما .
                      وعوض مناقشة ابن خراش في حججه الداعية لتكذيبه مالك بن أوس ، راح الحافظ الذهبي يتحامل على الرجل بصفته متشيعا .
                      فائدة جليلة :
                      مالك بن أوس الذي اتفقوا على أنه روى عنه غير واحد من جلّة التابعين كالزهري وأبي البختري ، وأدرك الجاهلية ، وشهد له التابعي سلمة بن وردان بالصحبة ، وحدث عن رسول الله بما يفيد أنه لقيه ، رفضوا أن يكون صحابيا ، وهو الحق .
                      لكنهم دافعوا عن صحبة سبرة بن معبد راوي تحريم المتعة عام الفتح ، رغم أنه لم يرو عنه إلا ابنه الربيع فبقي مجهول الحال ، ولم يشهد له أحد من التابعين بالصحبة ، ولم يثبت أنه أدرك زمن النبوة .
                      فما التفسير إذن ؟

                      تعليق


                      • من ضمن الشبهات الساخره التي تتكرر أن نبي الله زكريا عليه السلام كان نجارآ فقيرا فماذا يورث لإبنه حتى يدعو الله أن يرزقه إبنآ يرثه ويخاف من الموالي وكم مقدار ماتركه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حتى يورثه وهل سيكفي الورثه ومنهم من قال أنه كان فقيرا فكم مقدار ماله الذي سيتركه وهذا حاله
                        تأمل أخي القارئ ماقاله الشيخ عبد الرحيم الطحان في أن البركه تنزع من المال المعدود والشيئ المحصى فيفنى فتم النهي عنه فهذه الشبهه مردوده لوجود البركه في المال فيكفي من يحصل عليه إن لم يعده ، ومر عليك أن السيده عائشه هي من روت أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم يترك دينارا ولادرهما فهل قامت هي ووالدها بعد ماله ففني لأن هذا الفعل تكرر منها ونهاها عنه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عندما كالت الشعير الذي تركه بعد رحيله ففني أم أنها روت هذا وقصدها أنه لم يترك مالا للورثه لأنه سيقسم فتنتزع بركته بالعد !


                        قال الشيخ عبد الرحيم الطحان :
                        وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم وترك في بيت عائشة رضي الله عنها شيئاً قليلاً من الشعير، فظلت تأكل منه سنوات طويلة لبركته، فلما كالته فني سريعاً، وهذا يدل على أن العد والإحصاء ونحوه يذهب بركة المال. "
                        وقال أيضآ : ذكر ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم في بيته من شعير قليل بعد موته وبيان البركة التي كانت فيه
                        الأمر الثاني: معجزة جلية في تركة خير البرية عليه الصلاة والسلام: تقدم معنا أنه ما ترك شيئاً، لكن خلف في بيت أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها شيئاً من الطعام، لننظر لمعجزة نبينا عليه الصلاة والسلام في هذا الطعام بعد موته وانتقاله إلى جوار ربه، ثبت في المسند والصحيحين وسنن الترمذي وابن ماجه ، والحديث رواه البيهقي في دلائل النبوة عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وليس عندي شيء يأكله ذو كبد. ليس في البيت طعام على الإطلاق، إلا شيئاً واحداً فقط، قالت: إلا شطر شعير في رف لي. والشطر هو النصف، لكن هل هو نصف صاع أو نصف مد؟ العلم عند الله، ما ذكرت هذا الشطر من أي شيء، تقول: ما ترك في بيتي شيئاً يأكله ذو كبد إلا شطر شعير، كأنها تقول: إلا شيئاً قليلاً من شعير، لكن هل هو شطر الصاع أو شطر المد؟ العلم عند الله، إلا شطر شعير في رف لي، تقول: فأكلت منه حتى طال عليّ، فكلته ففني، جاءت وصبته بعد ذلك وأرادت أن تكيله كم سيخرج وزنه وتقديره، ففني بعد ذلك، وفي رواية الترمذي : قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: فأكلنا منه ما شاء الله، أي: من السنوات الطويلة الكثيرة، ثم قلت للجارية: كيليه، فلم نلبث أن فني، قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: فلو تركناه لأكلنا منه أكثر من ذلك. وأنا أقول: والله الذي لا إله إلا هو! لو لم تكله لأكلت منه حتى تلقى ربها، لكن منعت نفسها وحرمتها من هذا الخير عندما كالت هذا الطعام، مع أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان أوصاها مراراً أن لا تحصي، وأن لا تضبط الشيء، عداً ووزناً، وأن تطلب من الله البركة.
                        الأحاديث الواردة في النهي عن العد والإحصاء للمال وأن البركة تنزع بسبب ذلك
                        وهذا -إخوتي الكرام- مطلوب منا، فاسمعوا لبعض الآثار التي تدل على ذلك، الإنسان ينبغي أن يربط قلبه بربه جل وعلا، ولا يبالغ في الإحصاء والعد والضبط لما عنده، لا من فلوس ولا من طعام، الفلوس التي في جيبك ما تعدها صباحاً ومساء، وحقيقة إذا كنت ممن يعلقون قلوبهم بالله فلن تعلم كم في جيبك، وإذا أحصيت يحصى عليك، وإذا أوعيت يوعى عليك، وإذا أوكيت يوكى عليك، وإذا قلت: باسم الله، فحاشا لفضل الله أن تمد يدك وأن يخيبك، فنبينا عليه الصلاة والسلام كان يعرف هذا المعنى في نفس أمنا عائشة في حال حياتها، فلم تتذكر هذا قبل أن تكيل هذا الشطر من الشعير، وكان يغرس هذا المعنى في كثير من نفوس الصحابة، وفي ذلك تعليم لنا، فانتبهوا لهذه القضية إخوتي الكرام.
                        حديث عائشة رضي الله عنها: (أعطي ولا تحصي فيحصي الله عليك)

                        ثبت في المسند وسنن أبي داود والنسائي ، والحديث إسناده صحيح كالشمس، عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ذكرت أمام النبي صلى الله عليه وسلم عدة من مساكين أو صدقة، يعني عدداً من المساكين، أو ذكرت عدداً من الصدقات وأحصتها، تقول مثلاً: تصدقت على كذا مسكينة، أو تصدقت بكذا صدقة، تقول: ذكرت أمام النبي عليه الصلاة والسلام عدةً من مساكين أو صدقة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لأمنا عائشة: ( يا عائشة ! أعطي ولا تحصي فيحصي الله عليك )، كم مسكين أطعمتيه؟ وكم صدقة تصدقت بها؟ لا تضبطي هذا، ( أعطي ولا تحصي فيحصي الله عليك ). وفي رواية الإمام النسائي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه وأرضاه، قال: كنا يوماً في المسجد جلوس ونفر من المهاجرين والأنصار يجلسون معنا رضوان الله عليهم أجمعين، فأرسلنا واحداً منا إلى أمنا عائشة رضي الله عنها نستأذن في زيارتها. وقد كان الصحابة والتابعون يزورنها كما قال الإمام الذهبي ، وما رأى أحد صورتها، ثم قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: وقد تلقينا العلم عن نساء كثيرات، وما رأيت صورتهن قط. يعني ما يلزم من الزيارة أن تحصل المقابلة وجهاً لوجه، يبقى الستار مضروباً بينها وبينهم، ثم يسألونها ويستفتونها وتخبرهم بما كان عليه نبينا عليه الصلاة والسلام، فأرسلوا واحداً يستأذن في زيارتهم لأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فأذنت، يقول: فدخلنا على أمنا عائشة رضي الله عنها فقالت لنا: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عندي، فجاء سائل فأمرت له بشيء، يطلب صدقةً ومعونةً، ثم دعوت به -بهذا الشيء- فنظرت إليه. جاء سائل يسأل فأمرت خادمتها بريرة رضي الله عنها مثلاً أن تعطي هذا السائل شيئاً، ثم لما أخذت هذا الشيء لتعطيه طلبته أمنا عائشة لتنظر إليه لتتأمله، هل هو كثير وقليل يليق بهذا السائل أم لا؟ فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: ( يا عائشة ! أما تريدين أن لا يدخل بيتك شيء ولا يخرج إلا بعلمك؟ )، ثم قال لها النبي عليه الصلاة والسلام: ( مهلاً يا عائشة ! لا تحصي فيحصي الله عليك )، إذا أمرتِ بصدقة المسكين فلا داعي أن تعلمي كم أعطي، ولا كم دخل بيتك.
                        حديث أسماء رضي الله عنها: (.. تصدقي ولا توعي فيوعي الله عليك)
                        إخوتي الكرام! هذه المعاني التي كان نبينا عليه الصلاة والسلام يغرسها في أهل بيته الطيبين الطاهرين عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، كان ينبه عليها أيضاً الصحابة الكرام الطيبين رضوان الله عليهم أجمعين، ففي المسند، والحديث رواه أهل الكتب الستة إلا سنن ابن ماجه ، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ( يا رسول الله عليه الصلاة والسلام! ما لي إلا ما أدخل عليّ الزبير رضي الله عنهم أجمعين )، ليس عندها مال من سعيها وكدها وعملها إلا ما يقدم لها الزبير ، وهو زوجها رضي الله عنهم أجمعين، ( أفأتصدق منه؟ فقال عليه الصلاة والسلام لـأسماء : يا أسماء ! تصدقي ولا توعي فيوعي الله عليك )، أي: لا تدخري هذه الأشياء في وعاء ليبقى محفوظاً عندك. وفي بعض روايات الحديث: قالت أسماء رضي الله عنها وأرضاها: ( فهل عليّ جناح أن أرضخ مما يدخل عليّ؟ ) والرضخ هو العطية القليلة، تقول: أنا ليس لي مال، والزبير يقدم لي نفقة في هذا البيت، فهل عليّ جناح أن أعطي من هذه النفقة لسائل أو لمحتاج شيئاً قليلاً؟ فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: ( ارضخي ما استطعت، ولا توعي فيوعي الله عليك )، وفي رواية: ( ولا توكي )، والوكاء: هو الربط والشد على الشيء، من أجل حفظه.إخوتي الكرام! المرأة إذا تصدقت من مال زوجها فيما جرى به العرف، فهذا مأذون لها فيه، أو في نفقتها الخاصة التي قدمت لها ثم جادت بشيء منها، وأما ما عدا هذين الأمرين فينبغي أن تستأذن الزوج، فإن ما جرى به العرف النفوس تسمح به، وحقها الذي أعطي لها فلها أن تجود بشيء منه، لكن ما جرى به العرف إذا تصدقت به دون أن يأمرها زوجها بصدقة فله نصف الأجر، وإن أمرها فله الأجر تاماً كاملاً، وهذا ينبغي أن يعيه المسلمون، وأن يفوض الإنسان زوجته وأهله للصدقة من بيته حتى إذا تصدقت بشيء جرى به العرف يكتب له الأجر كاملاً، وإذا لم تأذن لها، لكن تصدقت بما جرى به العرف، فهذا مرخص به من حيث الشرع، أو تصدقت بشيء من نفقتها التي أعطيتها إياها فلك أجر، لكن بما أنك لم تأذن فلك نصف الأجر، وإذا أذنت فلك الأجر كاملاً. وقد ثبت ذلك في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فله نصف الأجر )، وهذا مقيد بما يجري به العرف، رغيف الخبز والتمرات وما شاكل هذا، أما أن تدفع من ماله شيئاً كثيراً فله الأجر كاملاً وعليها الوزر، فلابد من استئذانه. وفي بعض روايات الحديث: ( ما أنفقته المرأة من غير إذن الزوج فإنه يؤدى إليه شطره )، هذا من غير إذنه، وإذا أذن فله الأجر كاملاً، ولها كذلك الأجر.

                        حديث أبي هريرة في مزودة التمر التي أكل منها دهراً بعد دعاء النبي فيها بالبركة
                        إخوتي الكرام! مثل هذه الحوادث التي جرت لأمنا عائشة ولـأسماء رضي الله عنهم أجمعين: ( لا تحصي فيحصي الله عليك، لا توعي فيوعي الله عليك، لا توكي فيوكي الله عليك )، كان النبي عليه الصلاة والسلام يغرسها في نفوس الصحابة الكرام جميعاً رضوان الله عليهم أجمعين
                        ، ففي المسند وسنن الترمذي ، والحديث رواه البيهقي في دلائل النبوة، وقال الترمذي : إسناده حسن، وهو حديث حسن صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات )، وفي بعض الروايات: ( بتميرات ) للتقليل، يعني تمرات قليلة لعلها لا تصل إلى عدد أصابع اليدين يحملها في كفه، ( أتيت النبي عليه الصلاة والسلام بتمرات، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! ادع فيهن بالبركة، قال أبو هريرة رضي الله عنه: فضمهن النبي صلى الله عليه وسلم إليه ودعا فيهن بالبركة، ثم أعطاني هذه التمرات وقال لي: خذهن فاجعلهن في مزودك )، اجعلهن في هذا المزود، وهو وعاء يكون عند الإنسان من جلد أو من خرق، وعاء صغير يضع فيه متاعه، ثم أوصاه النبي عليه الصلاة والسلام بهذه الوصية فقال له: ( فكلما أردت أن تأخذ منه شيئاً أدخل يدك فيه فخذ ولا تنثره نثراً )، إياك أن تأخذ المزود وأن تفرغه على الأرض، قال أبو هريرة : ففعلت. حافظ على هذه الوصية، ولو بقي المزود عنده ولم يفقد منه لهذا الوقت لأكلنا منه، لكنه ضاع في فتنة وقعت كما سيأتينا، يقول: ففعلت، فلقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق، بإسكان السين، والوسق ستون صاعاً، والصاع عند الجمهور -كما تقدم معنا- ألف وسبعمائة وثمانية وعشرون جراماً، اضربها في ستين تصبح مائة وثلاثة كيلو وستمائة وثمانين جراماً، هذا الوسق الواحد، يقول: كذا وكذا من وسق، هذا ما حمل في سبيل الله تصدق به، عدا ما كان يأكله هو وأهله، والوسق عند الحنفية ستون صاعاً، لكن الصاع عندهم ثلاثة كيلو وستمائة وأربعون جراماً كما تقدم معنا في صدقة الفطر، وعليه فيصبح الوسق الواحد مائتان وثماني عشرة كيلو وأربعمائة جرام، فحمل كذا وكذا من وسق، يتصدق من تمر هذا المزود، ويحمل أوساقاً في سبيل الله جل وعلا، قال: وكنا نأكل منه ونطعم، نأكل ونطعم من نريد التمر، وكان لا يفارق حقوي، وهو مشد الإزار، ويطلق على الإزار أيضاً، أي: كان هذا المزود مربوط بإزاري أينما ذهبت، إذا رأيت مسكيناً تصدقت عليه من هذا التمر، لا يفارق حقوي، حتى كان يوم قتل عثمان فانقطع ذلك المزود وضاع -رضي الله عن عثمان وعن سائر الصحابة الكرام- فحزنت عليه حزناً شديداً. لكنه نفذ الوصية: اضمم يدك وخذ ولا تنثره نثراً.وهذا من ثقة القلب بالرب فينبغي أن نحافظ على ذلك، وكثرة العد نبتعد عنها، ما تدخله ببيتك إياك أن تعده، وإذا خرج فلا تجلس بعد ذلك تحاسب أين ذهب؟ فإن الله جل وعلا يرزقك من حيث لا تحتسب، وأما العد سواء لما في الجيب أو لما في البيت ليس من شيم الكرام، وليس من شيم من يثقون بذي الجلال والإكرام سبحانه وتعالى.
                        حديث جابر: (... لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم...)

                        ومثل هذا -إخوتي الكرام- كثير، ثبت في المسند وصحيح مسلم ، والحديث رواه البيهقي في دلائل النبوة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير )، يعني نصف وسق بمقدار خمسين كيلو، مثل كيس الدقيق الآن، قال: ( فما زال يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله ففني، فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وعرض عليه الأمر )، يقول: ما أعطيتني من الشعير شطر وسق أكلت منه أنا وامرأتي والضيوف الذين يأتون عندنا، ثم كلته ففني، فقال عليه الصلاة والسلام: ( لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم )، لو لم تكله لأكلتم منه ما دمتم أحياء، ولقام لكم، أي: سد حاجتكم وكفاكم، فلم كلت؟ ولم أحصيت؟ وعندما أحصيت أحصي عليك، وانتهى الشعير. ومثل هذا كان يتكرر بكثرة، ففي المسند أيضا وصحيح مسلم وكتاب دلائل النبوة للإمام البيهقي ، في الكتب المتقدمة الثلاثة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كانت امرأة تهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمناً، فكان يأتيها بنوها فيسألونها الأدم، والعكة معروفة وهي الوعاء من الجلد من جلد الضأن بعد أن يدبغ يصنع منه وعاء يوضع فيه السمن، فيأتي بنوها فيسألونها الأدم وليس عندهم شيء، فكانت تعمد إلى تلك العكة التي تهدي فيها السمن إلى النبي عليه الصلاة والسلام فتجد فيها سمناً، تصب فيخرج السمن بإذن الله جل وعلا، فما زالت تقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها، فانتهت، فبقي بعد ذلك إن صبت لا يخرج منها قطرة، فأتت النبي عليه الصلاة والسلام تشكو له الأمر، وأن أدم العكة انتهى، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: ( هل عصرتيها؟ قالت: نعم، قال: لو تركتيها ما زال قائماً )، والله عند ظن عبده به فليظن به ما شاء، فعود نفسك على هذا الخلق الكريم.وسيأتينا إخوتي الكرام ما يتعلق بهذه المعجزات وخوارق العادات عند الأمر الثاني الذي يعرف به صدق النبي على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، إنما هذا الأدب -كما قلت- ينبغي أن نعتني به، وهذه معجزة جلية في تركة خير البرية عليه الصلاة والسلام، ما ترك في بيته إلا شطر شعير، شطر شيء قليل، لعله شطر الصاع، فهو كيلو، أو شطر المد فهو ربع كيلو، ومع ذلك أكلت منه أمنا عائشة ما شاء الله، فلما كالته فني.والحمد لله رب العالمين. (1)
                        ــــــــــــــــــــــــــــ
                        (1) مباحث النبوة - ميراث الأنبياء - للشيخ : ( عبد الرحيم الطحان )
                        التعديل الأخير تم بواسطة وهج الإيمان; الساعة 11-05-2017, 01:55 AM.

                        تعليق


                        • أبوبكر يعطي لجابر من مال البحرين بدون شهود مجرد وعده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بذلك

                          لكن الزهراء عليها السلام مع أنه أنحلها فدك إستجابه لآية في كتاب الله لم يعطها إياها


                          جاء في صحيح البخاري :
                          حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان سمع ابن المنكدر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثا فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم على أبي بكر أمر مناديا فنادى من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتني قال جابر فجئت أبا بكر فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثا قال فأعطاني قال جابر فلقيت أبا بكر بعد ذلك فسألته فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني ثم أتيته الثالثة فلم يعطني فقلت له قد أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني فإما أن تعطيني وإما أن تبخل عني فقال أقلت تبخل عني وأي داء أدوأ من البخل قالها ثلاثا ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك وعن عمرو عن محمد بن علي سمعت جابر بن عبد الله يقول جئته فقال لي أبو بكر عدها فعددتها فوجدتها خمس مائة فقال خذ مثلها مرتين

                          تعليق



                          • بسم الله الرحمن الرحيم
                            اللهم صل على محمد وال محمد
                            مما قالته الزهراء عليها السلام في خطبتها الفدكية : يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا ارث أبي؟

                            قال الشيخ ابن تيميه في منهاج السنة النبوية ج4 :

                            قال الرافضي: ومنع أبو بكر فاطمة إرثها فقالت يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي.
                            قال ابن تيمية والجواب على ذلك من وجوه: أن ما ذكر من قول فاطمة رضي الله عنها: أترث أباك ولا ارث أبي؟ لا يعلم صحته عنها، وإن صح
                            فليس فيه حجة اهـ
                            قال الشيخ السني إيهاب عدلي في برنامج الشيخان على قناة الحق عن لفظ أترث أباك ولاأرث أبي الشيخ ابن تيميه لم يركن الى النفي المطلق قال : وإن صح ففيه أجوبه ، لسنا مع ابن تيميه في قوله عن لفظ أترث أباك ولاأرث أبي لم يعلم صحته صححه الالباني في وقتنا الحالي في صحيح مختصر الشمائل المحمدية رقم337 والحديث رواه الترمذي النص في ثناياه نوع من الرد وهو من رواية ابوهريره عن ابوبكر ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ، فقالت فمالي لاأرث أبي ممكن نفس اللفظ مش ثابت أترث اباك ولاأرث أبي لكن معناه ثابت معناه ثبت قالت :من يرثك قال أهلي وولدي قالت له رضي الله عنها مالي لاأرث أبي
                            https://www.youtube.com/watch?v=v4R7K1vxyD8
                            وهنا يقول الشيخ أنه أثبت عبارة ياابن أبي قحافه أترث أباك ولاأرث أبي في الحلقه السابقه وأنه مع الشيخ الالباني في التصحيح وليس مع الشيخ ابن تيميه في قوله لايعلم صحته عنها :
                            يا إبن أبى قحافه أترث أباك و لا أرث أبى | الشيخان (الحلقة الثانية عشر) | إيهاب عدلى #قناة_الحق
                            https://www.youtube.com/watch?v=jflXEWTZ4s4




                            دمتم برعاية الله
                            كتبته : وهج الإيمان
                            التعديل الأخير تم بواسطة وهج الإيمان; الساعة 21-05-2017, 03:08 AM.

                            تعليق


                            • جواب من مركز الأبحاث العقائديه أن القول : أيم الله لو رجع الأمر لي لقضيت فيه بقضاء أبي بكر في فدك لأبي زيد الراوي وليس لزيد بن علي بن الحسين السجاد (ع)
                              السؤال: هل قال زيد انه يقضي بها قضاء أبي بكر

                              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
                              الأخوة الأعزاء.. لقد نقل لي أحدهم من أهل السنة هذا الحديث, ولم أعلم هل صحَ المصدر أم لا؟ مع أنني رأيت بعض الأخوة يستدلون به على أن فدك نحلة ولا أعلم كيف ذلك؟
                              ( قول زيد بن علي بن الحسين أخو محمد الباقر الذي نص فيه بخصوص فدك فقال: (أيم الله لو رجع الأمر لي لقضيت فيه بقضاء أبي بكر). (ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 4/82
                              الجواب :
                              الأخ أبا فاطمة المحترم.
                              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
                              الذي يرجع إلى نص الرواية لا يجد أن قائل تلك العبارة هو زيد بل هو أبو زيد الراوي ففي شرح نهج البلاغة 16/220
                              * أخبرنا أبو زيد,
                              قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير, قال : حدثنا فضيل بن مرزوق, قال حدثنا البحتري بن حسان, قال : قلت لزيد بن علي (عليه السلام), وأنا أريد أن أهجن أمر أبي بكر : إن أبا بكر انتزع فدك من فاطمة (عليها السلام) فقال : إن أبا بكر كان رجلا رحيما, وكان يكره أن يغير شيئا فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله), فأتته فاطمة فقالت : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطاني فدكاً, فقال لها : هل لك على هذا بينة ؟ فجاءت بعلي (عليه السلام) فشهد لها, ثم جاءت أم أيمن فقالت : ألستما تشهدان أني من أهل الجنة, قالا : بلى : قال أبو زيد : يعني أنها قالت لأبي بكر, وعمر, قالت : فأنا أشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطاها فدكاً, فقال أبو بكر : فرجل آخر وامرأة أخرى لتستحقي بها القضية, ثم قال أبو زيد : وأيم الله لو رجع الأمر إلي لقضيت فيها بقضاء أبي بكر .

                              فالكلام الأخير واضح النسبة إلى أبي زيد حيث قال: ثم قال أبو زيد نعم في الصواعق المحرقة نسب الكلام لزيد, ولكن هذا تحريف منه, فالمعنى واضح النسبة إلى أبي زيد وليس زيد كما في السقيفة وشرح نهج البلاغة, فراجع.
                              وما ذكر في كتاب تاريخ المدينة لابن شبه المحقق من قبل فهيم محمد شلتوت لا يمكن الاعتماد عليه, فهو يقول في مقدمة الكتاب:
                              فخط الكتاب تتعذر قراءته, والخرم والسقط فيه كثير . . وهو من نسخة واحدة, ويعد أقدم المصادر في بابه, ويتعذر أن أجد مصدرا يسبقه قد يساعد على حل معضلاته, إلى جانب أن المجازفة في الاجتهاد محفوفة بمخاطر السقوط في الخطأ . ولعلي أكون معذورا إذا فاتني استدراك صواب, أو قصر باعي عن سد خرم, أو أخطأت في اجتهاد, ولا أستطيع أن أدعي لنفسي قدرة على حل المغاليق, ويكفي أنني لجأت إلى من لهم سبق في هذا المضمار طالبا العون فأعانوا بقدر ما أفاء الله عليهم من فضل وعذروني فيما توقفت فيه وتحيرت حياله, فالله يجزيهم عني وعن العلم خير الجزاء .
                              وقال في موضع آخر:
                              ومخطوطته في 404 من الصفحات ورقمها في مكتبة مظهر الفاروقي 157 تاريخ, ومتوسط سطور الصفحة 27 سطرا, ومتوسط كلمات السطر عشرون كلمة, وقد كتبت المخطوطة بخط دقيق غير منقوط إلا نادرا, ولا نستطيع أن نحكم عليه بأنه نسخي عادي, ولا أنه ينتسب للون بعينه من ألوان الخط العربي, فهو غير محرر الرسم للحروف والكلمات, ولا يستطيع قارئ مهما أوتي من الخبرة والدراية أن يقيم قراءة سطر من سطوره دفعة واحدة .
                              وليس في الكتاب ما يدل على أنه من خط عالم بعينه وإن جاء في هامش صفحة من صفحاته ما يشير إلى أنه بخط السخاوي, لكن هذا الخط يشبه إلى حد كبير خط الحافظ ابن حجر العسقلاني, بحيث لا يمكن التميز بينه وبين ما وجد بخطه من الكتب المحفوظة بدار الكتب المصرية .

                              ودمتم في رعاية الله اهـ

                              تعليق


                              • الدكتور محمود إبراهيم الديك في مقالته نساء خالدات فاطمة بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنقل منها موضع الشاهد :
                                ماذا حدث لفاطمة بعد وفاة رسول الله؟!
                                كانت عليها السلام أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله ، فكانت بليغة وشاعرة، صاحبة حجة، وكان رسول الله يحبها حباً شديداً، فإذا دخلت عليه قام اليها وقبلها وكانت تلصق به وتقبله، وقد قالت عائشة: ما رأيت قط أحداً أفضل من فاطمة غير أبيها، عندما ثقل المرض برسول الله وتغشاه الموت، أخذت تقول: أباه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم...وأسلم رسول الله الروح لربه، ولما دفن، أقبلت فاطمة تبكي بحرقة، وقالت لانس بن مالك: ياأنس كيف طابت أنفسكم تحثوا على رسول الله التراب؟..ثم اخذت قبضة من تراب القبر ووضعتها على عينيها باكية وتقول:
                                ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا
                                صبت علي مصائب لو أنها صبت على الايام صرن ليالياً
                                ومما ينسب إليها أنها قالت شعراً في موت رسول الله:
                                أغبر أفاق السماء وكورت شمس النهار وأظلم العصران
                                فالأرض من بعد النبي كئيبة أسفاً عليه كثيرة الرجفان
                                فليبكه شرق البلاد وغربها ولتبكه مفر وكل يمان
                                ياخاتم الرسل المبارك ضؤه صلى عليك ننزل القرآن

                                وتولى الخلافة أبو بكر الصديق رضى الله عنه، فجاءته فاطمة تطلب إرث أبيها ولكنه أخبرها أن رسول الله قال: نحن معاشر الانبياء لا نورث وما تركنا صدقة
                                : فردت عليه تقول إن الله يقول عن نبي من أنبيائه: يرثني ويرث من آل يعقوب، ويقول: وورث سليمان داود، فهذان نبيان ، وقد علمت أن النبوة لا تورث، وإنما يرث ما دونها، فمالي أمنع أرث أبي؟ أأنزل الله في الكتاب إلا فاطمة بنت محمد، هل هذا في القرآن؟ فاقتنع بما قالت.. ولكن نازع هذا الحق كذلك بنو أمية بعد موتها، وقد عارضت أبا بكر وعمر في أمر الخلافة، واسترضاها ابو بكر بعد أن توعدته بالدعاء عليه، وبقي يبكي ويقول، اقيلوني والله لا أرضى أن تغضب علي فاطمة ولا أحد من أهل بيت رسول الله اهـ
                                التعديل الأخير تم بواسطة وهج الإيمان; الساعة 25-06-2017, 06:44 AM.

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, يوم أمس, 06:44 PM
                                ردود 0
                                8 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة مروان1400, 26-03-2024, 06:41 AM
                                ردود 0
                                11 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة مروان1400
                                بواسطة مروان1400
                                 
                                يعمل...
                                X