إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

تقريرات الجلسات العلمية الرمضانية لسماحة السيد صادق الشيرازي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تقريرات الجلسات العلمية الرمضانية لسماحة السيد صادق الشيرازي

    الليلة الأولى ـ شهر رمضان المبارك1436للهجرة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
    نية يوم الشك
    بحث الفقهاء ومنهم صاحب العروة (رحمه الله) فيما يرتبط بيوم الشك وصور نية الصوم فيه، أنه هل يجوز أن ينوي ما في الذمة، وأنه إن كان رمضاناً فرمضان وإن كان شعباناً فشعبان؟

    لا يخفى أن النصوص دلت على المنع من صومه بنية شهر رمضان( 1)، وأفتى بذلك الفقهاء وحكموا ببطلان صومه وإن تبين أنه رمضان.

    لكن هل يصح أن ينوي المكلف الصوم بما في ذمته قربةً إلى الله تعالى، فيصومه على أنه إن كان شعباناً فهو ندب أو قضاء مثلاً، وإن كان رمضاناً فهو واجب، فصومه مأمور به وقد تعلق به الأمر إما على نحو الإلزام والاقتضاء، أو على نحو اللا إلزام واللا اقتضاء.

    يقول صاحب العروة (رحمه الله): الأقوى بطلانه( 2)، وتبعه جماعة.

    وفي المقابل تأمل جماعة في البطلان، بل أفتى بعضهم بالصحة حيث قال: الأقوى الصحة، أو لا تبعد الصحة(3).

    نعم أجاز صاحب العروة صورة أخرى ذكرها بعدها هي خارجة عن بحثنا( 4).

    (الرأي المختار)
    والذي يبدو لنا تبعاً لجمع من الفقهاء: صحة صوم يوم الشك بمثل هذه النية أي ما في الذمة، وجوباً إن كان الشهر وندباً إن لم يكن، فهو من الشك في (المنوي) والترديد فيه وليس شكاً في (أصل النية).

    فالنية حينئذ تتأتى من المكلف منجزاً بلا تعليق ولا تردد فيها، وإن تردد فيما نواه.

    والعمدة في ذلك ما يستظهر من النصوص الدالة على عدم صوم يوم الشك بينة رمضان، وأنه إذا صامه كذلك بطل صومه وإن صادف الواقع.

    فهل يستظهر منها خصوص نية الشهر على نحو التعيين، أم يشمل نية الشهر على نحو الترديد في المنوي أيضاً؟

    يبدو أن الرواية منصرفة عن الترديد في المنوي، فلا بأس بصومه كذلك.

    ولا أقل من الشك في الظهور، والأصل عدم الظهور عند الشك في أصله على ما بين في الأصول.

    بعبارة أخرى: إذا قلنا بانصراف المنع في الرواية عن نية الشهر المردد في متعلقها فالصوم صحيح، إذ لم ينو الشهر بخصوصه، وإن لم نقل بالانصراف فلا أقل من الشك في إطلاق الرواية لتشمل ما نحن فيه، وهذا شك في أصل الإطلاق وانعقاده، لا في شموله وعدم تقييده، فإذا شك في مقدمات الحكمة فالأصل عدم تماميتها فلا دلالة فيها على الإطلاق كما هو واضح.

    والحاصل: إذا شككنا في أصل الظهور فالأصل عدمه، نعم إذا كان الشك في المراد بعد إحراز الظهور فالأصل الظهور، لأنه الحجة والمنجز والمعذر بعد تمامية موضوعه.

    من هنا قال جمع من الفقهاء بصحة الصوم في يوم الشك بنية ما في الذمة بمعنى إن كان رمضاناً فرمضان وإن كان غيره فندب أو ما أشبه كالقضاء والاستيجار، ويبدو أن كلامهم أقرب إلى الصحة.

    يقول آغا ضياء العراقي (رحمه الله) في حاشيته: (في البطلان نظر للشك في اندراجه في دليل بطلان الصوم بقصد الرمضانية في يوم الشك) (5 ).

    (إشكال الاستصحاب)
    ثم أشكل أحد الفضلاء من الحاضرين بأن الاستصحاب لا يدع مجالاً للشك، فلابد أن ينوي يوم الشك آخر شعبان لا غير، لحجية الاستصحاب فيه، فكيف ينوي ما في الذمة وإن كان التردد في منويه مع حكم الشارع بلزوم الأخذ بالاستصحاب.

    فأجاب سماحته (دام ظله) بجوابين:

    نقضاً: بالخطأ في التطبيق، حيث زعم المكلف أنه من الشهر فنوى رمضاناً أو زعم أنه شعبان فنواه، ثم تبين الخطأ وأنه رمضان أو شعبان على نحو اللف والنشر غير المرتب، فكيف لا يضر ذلك بصومه مع أنه لم ينوه، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد، مع ذلك أفتى الفقهاء بصحة صومه مع قيام الحجة عليه. ولكن ما نحن فيه ينوي الشهر وإن كان على نحو التردد في النية، فتأمل.

    هذا من جانب، ومن جانب آخر يمكن النقض بما لو نوى الظهرين بما في ذمته فصلاهما كذلك، فهل يقول أحد ببطلانهما من هذا الحيث. نعم قد يشترط البعض نية الوجه وما أشبه وإن لم نشترطه ولكنه خارج عن البحث.

    وحلاً: بأن الاستصحاب في بعض موارده ليس عزيمة بل هو رخصة، من هنا يمكنه نية ما في الذمة وإن كان الاستصحاب يقول بأنه آخر شعبان.

    والسر فيه أن الاستصحاب ليس علماً بل هو علمي، فلا يلغي احتمال الخلاف واقعاً، بل تعبداً، وحينئذ لا يضره الترديد في المنوي.

    ومثاله إذا أراد الاحتياط في مورد الاستصحاب فهو جائز في الجملة، وربما قال بعض الفقهاء بأنه حسن أو أحسن، فإذا استصحب وضوءه بعد أن شك في الحدث، فهل يقول أحد ببطلان وضوئه المجدد احتياطاً.

    وإذا استصحب ملكية الشيء لنفسه دون صاحبه، فهل يقول أحد بعدم جواز أن يعطيه الشيء احتياطاً؟

    إذن الترديد في المنوي لا يضر، ومن هنا نرى الصحة في المسألة التي ذكرها صاحب العروة (رضوان الله عليه) حيث قال بالبطلان في صوم يوم الشك بنية ما في الذمة، إن رمضاناً فرمضان، وإن شعباناً فشعبان.

    ويراد بما في الذمة ـ على ما سبق ـ ما ثبت فيها بالمعنى الأعم دون خصوص الوجوب أو الندب كما هو واضح.

    وكأن السيد (رحمه الله) رأى إطلاق الدليل المانع من الصوم يوم الشك بنية رمضان، بما يشمل النية المعينة والنية المرددة في منويها.

    والله العالم.

    إذا أفتى الفقيه بثبوت الهلال
    ومن الفروع التي ينبغي البحث فيها: ما يرتبط بثبوت الهلال، وأنه خاضع للتقليد أم لا في بعض صوره، فهل يختلف الأمر فيمن يحصل له الاطيمنان من ثبوته عند الفقيه، كعموم المقلدين عادة، ومن لا يحصل له، كبعض الأفاضل من الطلبة إذا شك وإن ثبت عند الفقيه.

    نقول: إذا أفتى الفقيه بثبوت هلال شهر رمضان عنده، فإن اطمأن الشخص بذلك فلا بحث، كما هو كذلك عادة عند عموم المكلفين من الناس اعتماداً على مرجع تقليدهم حيث يحصل لهم الاطمينان بقوله.

    لكن الكلام بالنسبة إلى الطلبة الفضلاء إذا أفتى الفقيه بالثبوت ولم يحصل لهم الاطمينان بكلامه، فهل يمكنه أن يصوم بنية شهر رمضان، أم يكون يوم شك بالنسبة إليه؟

    ولا يخفى أن صورة المسألة فيما أخبر الفقيه بثبوت الهلال، أو أفتى به إن صح التعبير( 6)، وليس ما إذا حكم الفقيه بالهلال بناءً على أن حكمه نافذ في مثله.

    أو فيما حكم ولكن قلنا بعدم نفوذ حكمه على غيره أو غير مقلديه في مثل الهلال الذي هو من الموضوعات.

    فإن البعض يرى أن الفقيه إذا حكم بالهلال فلابد من اتباعه، ولكن المسألة فيها خلاف، يقول البعض ليس للفقيه أن يحكم في مثل الهلال حتى على غير مقلديه، أو أنه ليس بحجة عليهم، فإن الحكم النافذ خاص بباب القضاء وفصل الخصومات وما أشبه، أي حكم القاضي بما هو قاض نافذ حتى على غير مقلده ممن راجعه، وليس حكم الفقيه بما هو فقيه على غير من يقلده.

    من هنا يرى بعض الفقهاء بأن حكم الفقيه في مثل الهلال غير ملزم لعموم الناس.

    هذا في حكم الحكم وأنه يجب اتباعه أم لا بعد تمامية موضوعه فرضاً.

    أما موضوع الحكم، فمتى يكون الفقيه قد حكم، وكيف يتحقق موضوع حكم الفقيه، قال بعض الفقهاء: إنه إذا أفتى فقد حكم، وهكذا في مثل موضوع الهلال إذا قال ثبت عندي فهو حكم، ولا يشترط في الحكم أن يصرح بأنه قد حكم، وكان المرحوم الأخ (أعلى الله درجاته) يرى ذلك، أما المرحوم السيد الوالد (قدس سره الشريف) فلم يكن يراه.

    على أي، نأتي إلى صورة المسألة التي نحن فيها ونقول:

    بناءً على أن (ثبت عندي) ليس بمعنى (حكمت)، أو أن حكم الحاكم في مثل هذه الموضوعات لا حجية فيه على الآخرين، فإذا لم يطمئن الطالب الفاضل من كلام المرجع بثبوت الهلال فما حكمه، هل يجوز له أن يصوم اليوم بنية شهر رمضان؟

    الظاهر أنه في حقه يكون يوم الشك ولا يجوز له ذلك.

    (فرع):
    ومن المسائل المتفرعة على هذا الأصل، ما ذكره الفقهاء من الاطمينان الحاصل بكلام الطبيب وعدمه.

    فإذا كان الشخص مريضاً ولكن شك في أن مرضه هل موجب للإفطار على نحو الإلزام أو الرخصة، أو لم يوجبه فلا يجوز الإفطار، بأن لم يكن مرضه ضرراً عليه أو لم يخف الضرر.

    فإذا راجع طبيباً ثقة، وقلنا (ثقة) لاشتراط الأمرين: الخبروية والوثاقة فيه، فقال: الصوم يضرك ضرراً بالغاً، ولكن المكلف لم يطمئن بكلامه ولم يحصل له الخوف من ذلك، فما حكمه، أيصوم أم لا؟

    وكذا العكس، فإذا قال الطبيب: لا يضرك الصوم، ولكن الشخص حصل له الخوف واحتمل الضرر الكثير، لاحتماله خطأ الطيبب في تشخيص المرض.

    صاحب العروة يقول: الملاك المكلف نفسه في تشخيص الموضوع.

    وهذه المسألة شبيهة بما ذكرناه من عدم حجية ثبوت الهلال عند الفقيه، على من لم يطمئن بذلك من قوله أو حكمه.

    (صم للرؤية)
    هنا أشكل أحد الفضلاء وقال: الرؤية في الرواية (صم للرؤية) على قسمين، الرؤية الوجدانية والرؤية الحكمية، وحكم الحاكم رؤية حكمية أي تعبدية، فلابد من الصوم بنية رمضان، ولا يكون له يوم الشك حينئذ.

    فأجاب سماحته: صم للرؤية بمعنى الرؤية الحسية، أما حكم الحاكم فلا يحقق موضوع الرؤية، نعم في مثل (البيّنة) جعلها الشارع بدليل خارجي بمنزلة العلم الوجداني، فإذا كانت هناك بينة على الهلال بشروطها كفى، فمفاد البينة أن الرؤية الوجدانية حينئذ ليست بشرط، لا أن البينة تجعل ما لم يره رؤيةً كما هو واضح.

    فمجرد ثبوت الهلال عند الفقيه إذا لم يوجب الاطمينان للشخص، لا تكون رؤية في حقه، ولا يكون ملزماً بما ثبت عند الفقيه، فيبقى اليوم يوم الشك مع شكه، فإنه موضوع لا تقليد فيه، لأن التقليد في الأحكام أو الموضوعات المستنبطة في الجملة، وثبوت الهلال ليس أحدهما.

    (هل الاستصحاب يُلزم نية شعبان)
    ثم رجع أحد الفضلاء على إشكال الاستصحاب قائلاً: إنه يلزم على المكلف إن أراد صوم يوم الشك نية شعبان دون رمضان، ولا يجوز له الترديد حتى في المنوي.

    فأجاب سماحته أن العمل بالاستصحاب رخصة في موارد إمكان الاحتياط كما أشرنا، وليس عزيمة.

    فالشيخ الأنصاري (رحمه الله) يقول في باب الاحتياط: الاحتياط مورده محفوظ حتى مع وجود الأمارة المعتبرة، نعم لا مورد له مع العلم الوجداني بخلافه.

    وكلامه تام.

    لأن مرتبة الاحتياط محفوظة حتى مع الأمارات الأقوى من الاستصحاب، فكيف بالاستصحاب وهي بناءً على كونها أمارة أضعفها.

    فالشيخ يرى أفضلية الاحتياط أو حسنه حتى مع وجود الأمارات المعتبرة ما لم تصل إلى حد العلم.

    (الوسوسة واحتمالها)
    وهنا أشار سماحته (دام ظله) إلى فذلكة دقيقة قال:

    وقد بينا في مبحث الاحتياط أنه ينبغي تقييد كلام الشيخ الأعظم (قدس سره) بما لا يسمى وسوسة أو لا يسببها، لما ورد من النهي عنها بل عن احتمالها.

    يقول صاحب الجواهر (رحمه الله): احتمال الوسوسة أيضاً لا يجوز، وذلك لأن الشارع نهى وردع عنها، ولأهمية تركها.

    وفي الروايات: (أي عقل له وهو يطيع الشيطان), (7)

    فالنهي ورد عن مطلق الوسوسة حتى إذا كان فيه درك الواقع، من هنا قيدنا حسن الاحتياط الذي ذكره الشيخ الأعظم (رحمه الله) بما ذكر.

    هنا أشكل بعض الفضلاء وقال: كيف تحكمون بطلان التكرار الوسوسي، مع أن الوسواسي لورعه يكرر العمل أو القراءة أو ما أشبه، وقوله عليه السلام: (أي عقل له) لا يدل على البطلان.

    فأجاب سماحته، لم نستدل بـ (أي عقل له)، بل بقوله (عليه السلام): (وهو يطيع الشيطان)، فإن إطاعة الشيطان منهي عنها فإذا كانت في العبادة فالنهي فيها يوجب الفساد.

    نعم نرى أن الوسوسة توجب بطلان ما وسوس فيها وليس بطلان أصل الصلاة، فإذا وسوس في تكرار كلمة فهذه الكلمة باطلة لا كل الصلاة.

    ثم ذكر سماحته (دام ظله) نماذج من الوسوسة وقال:
    كان أحدهم مبتلى بالوسوسة في أداء الخمس، فكان بعد الحساب والأداء يشك في بعض ما خمّسه فيأتي ليخمس ثانياً وثالثاً وهكذا، وكنت أشك في جواز أخذ المبلغ منه.

    ورأيت شخصاً مبتلى بالوسوسة في وضوئه فكان يغمس يده في الماء أكثر من سبعين مرة، وبمختلف الأشكال الهندسية.

    وكان يقول المرحوم الوالد (رضوان الله عليه): إنه رآى وسواسياً في نية الصوم كان يدخل غرفته قبل الفجر بنصف ساعة ويقفل الباب على نفسه لينوي الصوم.

    نعم بما أن النية خارجة عن الصوم فلا يفسد بالوسوسة فيها، وكلامنا في الوسوسة بما هو داخل في العبادة حيث يشمله قاعدة النهي في العبادة.

    وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) انظر وسائل الشيعة: ج10 ص25 ب6 باب عدم جواز صوم يوم الشك بنية الفرض، فإن فعل وبان من شهر رمضان وجب قضاؤه.
    (2) العروة ج2 ص174 المسألة 17، قال في صور صوم يوم الشك: (الثالث: أن يصومه على أنه إن كان من شعبان كان ندباً أو قضاءً مثلا وإن كان من رمضان كان واجباً، والأقوى بطلانه أيضاً).
    (3) قال الأصفهاني والخونساري والحكيم (قدس سرهم) هنا تعليقاً: (فيه تأمل)، وقال العراقي: (في البطلان نظر) راجع العروة الوثقى (المحشى): ج3 ص536 ـ 537. ط جامعة المدرسين عام 1419هـ.
    (4) العروة الوثقى: ج2 ص174 المسألة 17: (الرابع: أن يصومه بنية القربة المطلقة بقصد ما في الذمة وكان في ذهنه أنه إما من رمضان أو غيره بأن يكون الترديد في المنوي لا في نيته فالأقوى صحته وإن كان الأحوط خلافه).
    (5) العروة الوثقى (المحشى): ج3 ص536 ـ 537. ط جامعة المدرسين عام 1419 هـ.
    (6) وجه التعبير بالفتوى باعتبار ما يلزم ثبوت الهلال من وجوب الصوم وحرمة الإفطار وما أشبه.
    (7) الكافي: ج1 ص12 ح10.

  • #2
    الليلة الثانية ـ شهر رمضان المبارك 1436 للهجرة
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
    نية البسملة في الصلاة
    سأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) عن البسملة في الصلاة إذا بدأ بها بنيّة سورة معيّنة فأتمّ البسملة وقبل أن يقرأ ما يليها نوى غيرها ، فهل تجزيه أم لابدّ من إعادة البسملة؟

    فأجاب سماحته: لا حاجة إلى تكرار البسملة حينئذ، للصدق العرفي بأنه قرأ سورة كاملة ببسملتها، هذا مع أننا نرى أن البسملة في كل سورة آية بل من أعظم آياتها كما في الرواية الشريفة، ومجرّد كون النيّة فيها لسورة معيّنة من دون قراءة ما بعدها لا يجعلها مختصة بتلك السورة فهي من الآيات المشتركة، فإذا قرأ بعدها آية من سورة أخرى وأكملها صدق عرفاً أنه قرأ سورة كاملة.

    واستشهد سماحته بقول علم الهدى السيد المرتضى (رحمه الله) حيث يرى الكفاية بلا إعادة.

    ومثّلوا لذلك بهذا المصرع: (قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل)

    فقد اشترك فيه أكثر من شاعر، منهم امرؤ القيس، وكل قال في المصرع الثاني بقوله الخاص.

    فإذا بدأ بالمصرع الأول بنيّة شاعر معيّن، لكن غيّر المصرع الثاني على ما أنشأه شاعر آخر، فعرفاً يقال إنه قرأ شعر الشاعر الثاني كما هو واضح.

    وهذا المثال الذي ذكروه مثال عرفي للتقريب.

    ((من مسائل التسليم في الصلاة))
    ثم قال سماحته: سألني أحد المؤمنين أنه كان يكتفي بالتسليم الأخير في صلاته اختصاراً، وهو (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، ولكنه فكّر يوماً مع نفسه أنه قد أحرم شخصه من بركات السلام على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الدنيوية والأخروية، فعزم على الالتزام بالسلامات كلّها، يقول: وبما أنني تعوّدت على السلام الأخير فقط، فكنت أقول (السلام عليـ) بنيّة السلام الأخير وإذا بي أتذكّر فأعدّل بنيّتي وأقول (ـك) بدل (ـكم) من دون إعادة لفظ (السلام) والجار، فكان (السلام عليك) جزء منه بنيّة الأخير وجزء منه بنيّة الأول، فهل يكفي ذلك؟

    فأجبته نعم يكفي، وذلك للصدق العرفي بأنه سلّم على ما أشرنا إليه، فهو جزء مشترك لا يضرّه العدول في النيّة مع إمكانية اللفظ للموردين.

    علماً بأن بعض الفقهاء كان يفتي ببطلان الصلاة بتكرار السلام عمداً، كالسيد الوالد والحاج آغا حسين القمي والميرزا محمد تقي الشيرازي (رضوان الله عليهم).

    فليس التكرار دائماً مطابقاً للاحتياط.

    (دليل من قال بتكرار البسملة)
    وعلى خلاف ما قلناه من الاكتفاء بالبسملة بعد عدول نيّته، قال بعض الفقهاء بعد الكفاية، لأن البسملة جزء لكل سورة مستقلاً، فإذا قرأها بنيّة سورة لا يمكنه إذا العدول إلى سورة أخرى إلاّ بتكرارها، لأنه لم ينوها لهذه السورة، والأعمال بالنيّات. فإن لم يكرّرها كانت السورة بلا بسملة وهذا لا يجوز.

    (فرع آخر)
    وهنا فرع آخر يفهم مما سبق:

    إذا جاء المصلّي بعد الحمد بالبسملة بنيّة مطلق القرآن من دون تخصيصه بسورة معيّنة فقال سأختار سورة بعدها، فقرأ بعد ذلك سورة بأكملها، فالظاهر الصحة، والبعض لا يرى الكفاية لما ذكرناه وذكر.

    والكفاية على ما نراه قد أفتى به جمع من الفقهاء، ربما كان أولهم السيد المرتضى (رحمه الله)، ونقل عنه صاحب الجواهر والحدائق وآغا رضا الهمداني وغيرهم (قدس الله أسرارهم).

    (البسملة آية في كل سورة)
    وهذا لا ينافي قولنا بأن البسملة جزء من كل سورة بلا شك، بل هي أهم آية فيها، كما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ عَمَدُوا إِلَى أَعْظَمِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَزَعَمُوا أَنَّهَا بِدْعَةٌ إِذَا أَظْهَرُوهَا وَهِيَ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم) (1).

    وهذا مما اتّفق عليه الإمامية.

    ولكن ترى المصاحف المطبوعة لم تجعل رقماً للبسملة إلاّ في فاتحة الكتاب، والقاعدة تقتضي ترقيم البسملات أيضاً، ولم أر من رقّمها إلاّ المرحوم الأخ (اعلى الله درجاته) حيث رقّمها في تفسيره (تقريب القرآن إلى الأذهان).

    فإن الترقيم المتداول لا دليل شرعي عليه.

    ويؤيّده أو يدلّ عليه(2 ) أن في العروة أفتى السيد وجمع من الفقهاء بإمكان قراءة سورة الإخلاص في صلاة الآيات إذا أراد تقسيمها على خمس آيات، لأن البسملة بوحدها آية كاملة.

    نعم البعض أشكل في كفاية البسملة بوحدها لكن يبدو أنه في غير محلّه.

    (المراد بحجيّة الشهرة)
    ثم قال أحد الفضلاء من الحضور: كيف تفتون بكفاية البسملة بلا إعادتها في مفروض البحث، مع أن المشهور قالوا بلزوم الإعادة وأنتم ترون حجيّة الشهرة.

    فأجاب سماحته (دام ظله) بجوابين صغرى وكبرى:

    أما الصغرى: فلم تكن الشهرة في هذه المسألة محرزة، نعم من بعد العروة قاله أكثر المحشّين، وهذا لا يسمى شهرة.

    وكبرى: إننا عند ما نقول بحجيّة الشهرة فهي بما هي هي وفي الجملة، بمعنى كونها منجّزة ومعذّرة من ضمن سائر الحجج مع رعاية المراتب فيها، فإذا أصبح المجتهد مردّداً لا دليل له يمكنه الاعتماد على الشهرة، لا أن الشهرة هي الكل في الكل ولا تدع مجالاً لغيره من الأدلة، فإن الشهرة ليست أقوى من الرواية صحيحة السند المعمول بها حيث نأخذ بعمومها أو إطلاقها.

    إذن نحن نقول بحجية الشهرة في قبال السلب الكلي الذي قاله البعض فيها، ورأى أنها كالحجر في جنب الإنسان.

    فإن بناء العقلاء على الاعتماد على الشهرة والأخذ بالمشهور من أهل الخبرة إذا لم يطمئن الخبير بدليل فحينئذ يمكنه الأخذ بقولهم، لا أن الشهرة بمعنى لزوم تقليد المشهور في كل ما قالوه.

    (البسملة والعناوين القصدية)
    قال أحد الفضلاء: أليست البسملة من العناوين القصدية التي لا تنقلب بلا نيّة؟

    فأجاب سماحته (دام ظله) هي من العناوين القصدية المشتركة، فإذا عدل كفت عرفاً وصدق الامتثال، ولابد من النية القرآنية فيها وأصل هذه النية لم يتبدّل، ولكن بما أن جميع السور بغير البراءة مشتملة عليها فهي جزء مشترك، فإذا قرأها ثم عدل إلى سورة أخرى صدق عرفاً أنه قرأ سورة كاملة مع البسملة، وإن علم العرف بأنه نوى في البسملة سورة أخرى ثم عدل.

    وفي مقام الطاعة والمعصية يكفي الصدق العرفي في الامتثال والمخالفة سلباً وإيجاباً على نحو اللف والنشر غير المرتب.

    وإذا فرضنا أنه لم يقتنع أحد بالصدق العرفي وشكّ في ذلك، فدليل الرفع وغيره من أدلة البراءة تنفي اشتراط عدم العدول في نية البسملة.

    وكذلك إذا قال الحمد لله حيث وردت هذه الآية في بداية سورة الحمد وسورة الأنعام( 3)، نعم إذا قال: (الحمد لله) لا بنيّة القرآن بل تذكّر نعمة فحمد ربّه، فهذا لا يكفي عن آية الحمد في سورة الفاتحة ولا الأنعام.

    قال تعالى: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن) (4)، فكلمة (من القرآن) تدل على لزوم قصد القرآنية.

    إذن المأمور به سورة كاملة مع البسملة، أما أن ينوي في بسملتها نفس السورة فلا دليل عليه.

    نعم لابد أن تكون البسملة أو أية آية أخرى كالحمد لله، قد قرأها بنيّة القرآن في صلاته، وكما يشترط أيضاً إمكانية كونها مصداقاً للسورتين، فحينئذ يمكنه العدول بعد البسملة بلا تكرارها وهكذا في غيرها من الآيات.

    * هنا أشكل أحد الفضلاء قائلاً:

    إذا سلّم شخص فقال أحدهم متوجّهاً لشخص آخر: وعليكم السلام، ولم يقصد المسلّم فهل يكفي؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): هذا يختلف عما نحن فيه، وربما يكون المثال المطابق أو القريب لما نحن فيه: إذا قال المجيب جزءاً من الجواب (وعليكم) من دون نية المسلّم ثم توجّه إلى المسلّم في تتمة الجواب بقوله (السلام) فالظاهر الكفاية.

    وسأل أحد الفضلاء: ماذا تقولون في سورة الإخلاص والجحد حيث لا يمكنه العدول حتى بعد البسملة.

    فأجاب سماحته (دام ظله): هذا لدليل خاص، إن سلّمنا شموله حتى للبسملة، وإذا شكّ في الإطلاق ففي سورة الإخلاص والجحد أيضاً نقول بإمكان العدول بعد البسملة.

    وقال أحد الفضلاء: العبادات توقيفية فكيف تجيزون العدول في البسملة من دون وجود دليل يجيزه؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): هذا لا ينافي ما ذكرناه، فالتوقيفية شيء والعدول في إطار الامتثال العرفي الذي هو الملاك شيء آخر.

    ثم ذكر سماحته وبالمناسبة ما أفتى به صاحب العروة، فيما لو استأجره شخص لختم القرآن مثلاً، حيث قال بعدم اشتراط الترتيب في قراءتها فيمكنه تقديم السور بعضها على بعض، بل حتى الآيات بعضها على بعض، فإن المطلوب قراءة جميع هذه الآيات والسور.

    ولكن قال سماحته: يبدو أنه خلاف منصرف الإجارة.

    ((نيّة الإنشاء أم القراءة))
    من هنا قال بعض الفقهاء بأن مثل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين) (5)، لابد أن يقرأها بقصد القرآن لا الإنشاء، وكذلك اهدنا الصراط المستقيم) (6) لابد من قصد القرآنية فيها لا قصد إنشاء الدعاء.

    قالوا: لأن قصد الإنشاء ينافي قصد القراءة، وهما من الضدّين فلا يجتمعان، فالقراءة حكاية والإنشاء إيجاد.

    وعليه صاحب الكفاية، والمرحوم السيد الوالد.

    وكان المرحوم الوالد (قدّس سرّه) يذكر مثالاً عرفياً لذلك: إذا أمر السيد بقراءة كتابه على جمع، فقرأ العبد رسالة سيده فعليه بقراءتها حكاية ولا يحق له الإنشاء بمضامينها، فإذا كان من المكتوب دعوة فلان للضيافة، فالعبد يحكي ذلك ويقرؤها لا أنه ينشؤها، فإنّه لا يملك حق الضيافة حتى ينشأ الدعوة.

    ولكننا نرى أن ما قاله صاحب العروة أقرب، حيث أجاز (الإنشاء بقراءة القرآن).

    وذلك للصدق العرفي، فإنه إذا قصد القراءة أو الإنشاء بهذه الآية فقد امتثل.

    ويمكن للتقريب أن نمثل بقول أحدهم إذا أنشأ بقول السعدي:

    (زكَهواره تا كَور دانش بجوي).

    أي (اطلب العلم من المهد إلى اللحد) وهذا حديث منسوب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)( 7).

    فإذ قاله الأستاذ مرغّباً طلبته على التعلّم فهذا إنشاء بشعر السعدي، وكذا لو قرأ الرواية الشريفة مشجّعاً لهم فهو إنشاء بالحديث النبوي (صلى الله عليه وآله).

    وهناك قول ثالث لم أره إلاّ لأحد العلماء جاء من مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) لزيارة كربلاء المقدّسة وطرح على المرحوم السيد الوالد (رضوان الله عليه) أنه لابدّ من قصد الإنشاء في مثل اهدنا الصراط المستقيم) (8) ولا يكفي قصد القراءة فقط،

    وربما لأن الباري أراد من العبد الإنشاء فلا بد من امتثاله.

    وهذا القول بعيد، فلابد إما من قصد القراءة أو الإنشاء بالقراءة، أما إذا قصد الإنشاء فقط فلا يكفي، نعم يمكن القول بأنه لا يعيد لصلاته لأنه مشمول لأدلة (لا تعاد الصلاة).

    (الجهر في ظهر الجمعة)
    ثم سأل أحدهم عن حكم الجهر في قراءة ظهر الجمعة؟

    فأجاب سماحته (دام ظله): إن صلى الجمعة فلا بد من الإجهار فيها، ولكن في ظهر الجمعة ثلاثة أقوال:

    1: استحباب الجهر في قراءة ظهر الجمعة.

    2: وجوب الجهر فيها.

    3: لزوم الإخفات فيها.

    وكان يرى السيد البروجردي (قدّس سرّه) لزوم الاخفات،

    من هنا كان المرحوم الوالد (رحمه الله) مع أنه يفتي باستحباب الجهر كالسيد صاحب العروة وجمع من الفقهاء، كان عندما يصلّي جماعة يوم الجمعة يخفت في القراءة ويقول: إن بعض المصلّين هم ممن يقلّد السيد البروجردي فرعاية لهم أُخفت، وإن لم يكن إشكال في الجهر لأن الإمام يعمل بتكليفه لا بتكليف المأموم كما ذكره الفقهاء.

    (نيّة القراءة ونيّة الإفهام)
    ومن المسائل المرتبطة بما ذكرنا من النيّة في البسملة، ما إذا قال في صلاته: يايحيى خذ الكتاب بقوّة) (9)، أو قال: أدخلوها بسلام آمنين) (10).

    فإن أراد القراءة والتفهيم معاً صحّ لصدق الامتثال، وإن قصد مجرّد الإفهام مع غفلته عن القراءة أو بنيّة عدمها ففيه إشكال، وتفصيل البحث في محله. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
    الليلة الأولى
    ــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) مستدرك الوسائل: ج4 ص166 ب8 ح4391.
    (2) على أن البسملة آية كاملة.
    (3) سورة الفاتحة: Pالحمد لله رب العالمينO وفي سورة الأنعام: Pالحمد لله الذي خلق السماوات والأرضO الآية.
    (4) سورة المزمل: 20.
    (5) سورة الفاتحة: 5.
    (6) سورة الفاتحة: 6.
    (7) انظر فقه المرور: ص172. للإمام الشيرازي الراحل (قدس سره).
    (8) سورة الفاتحة: 6.
    (9) سورة مريم: 12.
    (10) سورة الحجر: 46.




    ملحوظة : هذه التقريرات مأخوذة كلها من الموقع الرسمي لسماحة السيد صادق الشيراوي و منفذ التقرير الشيخ علي الفدائي .

    تعليق


    • #3
      الليلة الثالثة ـ شهر رمضان المبارك1436للهجرة



      بسم الله الرحمن الرحيم

      الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
      الرياء في الصوم
      بدأ المجلس العلمي بسؤال أحد الفضلاء عن الرياء في الصوم، وقال: هل هو مبطل حتى إذا كان للحظات قليلة؟

      فأجاب سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): نعم صومه باطل، لأن الصوم يتشكّل من الآنات، فهذه اللحظة لم يكن متقرّباً فيها إلى الله فلا صوم له، لأن الصوم من التكليف الارتباطي الذي يضرّه ذلك.

      فالإمساك في الصوم من الفجر إلى المغرب أمر واحد مستمر فالخلل في جزء منه خلل في أصل الصوم( 1).

      أما في الصلاة يختلف الأمر، فإذا قرأ شيئاً بنيّة الرياء، قال بعض الفقهاء: هذه القراءة باطلة دون الصلاة، لأن آنات الصلاة ليست صلاةً دائماً، فإذا تدارك وأعاد ما قرأه رياءً صحّت صلاته، هكذا يرى البعض، وإن خالفه آخرون وحكموا ببطلان الصلاة(2 ).

      فمثلاً إذا قرأ ولا الضالين رياءً، فهذه الكلمة باطلة ويكون حمده بلا (ولا الضالين)، لكن إذا ندم وأعادها في محلّها صلاته صحيحة.

      بخلاف الصوم فهو عمل واحد، أما الصلاة ليست عملاً واحداً.

      (وهنا فرع):
      إذا كان في السفر ولم يأت بمفطر ولكنه جاء بالرياء ووصل قبل الزوال إلى وطنه، فهل يكفيه هذا الصوم الذي في نهاره الرياء؟

      احتمالان، من إطلاق النص في المسافر الذي لم يفطر قبل الزوال، ومن أن الرياء أسوأ من المفطرات، والعبادة مشروطة بنية القربة، فإذا كان شيئاً منها لغير الله، فكلها لغير الله، وفي الحديث قال تعالى: أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلا ما كان خالصا لي) (3). وقال عز ّوجلّ في حديث آخر: انا خير شريك من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل له دوني) (4).

      وفي الإطلاق نظر، أي في انعقاده للشك في مقدمات الحكمة.

      فالصوم من الفجر إلى الليل عمل واحد ولا يكفي حسب القاعدة الا الصوم في جميع آناتها، نعم استثنى الشارع ما إذا كان مسافراً فوصل إلى وطنه قبل الزوال ولم يكن أتى بمفطر، فصحة صومه بالدليل الخاص، ولذا لا يحكم في الموارد الأخرى كمن كان مريضاً فطاب قبل الزوال، ومن بلغ قبل الزوال أو أفاق من جنونه وهكذا، فالدليل لا يشمله،

      نعم إذا قال أحد بالمناط مع إحرازه فيمكنه الشمول، ولكن الأصل عدم المناط

      وهذا مثل من أكل ناسياً، فحسب القاعدة لا يكون صوماً لكن الدليل حكم بصومه.

      إذن القدر المتيقن من الدليل فيما خالف الأصل هو الحكم بصوم من وصل إلى وطنه وما في حكم الوطن لمن لم يأت بمفطر ولم يكن نوى الرياء قبله.

      أما المسافر الذي لم يفطر ولكنه جاء بالرياء، مثلاً قال رياءً إني ممسك الآن عن المفطرات على صعوبتها لأني أريد الصوم عند وصولي قبل الزوال.

      فهل إطلاق أدلة الصوم لمن وصل قبل الزوال ولم يأت بمفطر يشمل هذا المرائي؟

      ليس من المعلوم شمول الإطلاق له، لشكنا في أصل الإطلاق وانعقاده، فلم تتم مقدمات الحكمة.

      وحينئذ يؤخذ بالقدر المتيقن مما خالف الأصل وهو ما لم يراء قبل الزوال.

      قال أحدهم هل الرياء من المفطرات؟

      فأجاب سماحته: الرياء ليس بمفطر، ولكن مع الرياء لا صوم له، لأن الصوم مع الرياء ليست عبادة، الأدلة تقول الرياء يجعل العمل كلا عمل.

      نعم الرياء قبل العمل وبعده لا يبطل العمل إجماعاً ( 5). وإن كان ربما يحبط ثوابه ويجعله غير مقبول، والفرق بين الصحة والقبول واضح.

      أما هنا الرياء قبل الزوال، والصوم من الفجر إلى المغرب، ولكن استثنى الشارع المسافر إذا وصل قبل الزوال، فجعل اللاصوم بحكم الصوم.

      لأن قبل الزوال لم يكن صائماً قطعاً لكن الشارع جعل ذلك بحكم الصوم، وإلا فليس لنا صوم في نصف النهار فقط.

      من هنا أفتى صاحب العروة وجمع ببطلان صومه إذا قال أحدهم لا أصوم اليوم عصياناً، أو نوى القطع أو القاطع حتى إذا ندم قبل الزوال ولم يكن يأت بأحد المفطرات، وصحته في المسافر إذا قدم لدليل خاص.

      الصوم في البلدان غير المتعارفة
      ثم سأل أحد الفضلاء عن فتوى سماحته بالنسبة إلى الصوم في البلاد غير المتعارفة في ليلها ونهارها؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): إن هذه المسألة لم تكن مطروحة سابقاً لعدم الابتلاء بها، ولكن مبانيها مذكورة في مختلف الأبواب الفقهية، ولبيان ذلك نشير إلى أمرين:

      الأول: ما يفيد لدفع الاستبعاد.

      والثاني: ما يرتبط بأصل الحكم ومبانيه العلمية.

      (إذا كان النهار أو الليل عدة أشهر)
      أما الأول، فإن بيان فتاوى سائر الفقهاء على شدة ورعهم وعلمهم ودقتهم في الأشباه والنظائر الفقهية ربما يدفع الاستبعاد.

      المرحوم صاحب العروة (رضوان الله عليه) يقول، وغالب العلماء لم يعلقوا على ذلك، أي قبلوا بها، وعندي ربما أكثر من أربعين تعليقة على العروة راجعتها، فغالبهم لم يستشكلوا ولم يعلقوا، بالنسبة إلى من كان في يقطن في المناطق التي يطول نهارها عدة أشهر وكذلك ليلها، كالقطب فما حكمه؟

      قال في العروة: (مسألة إذا فرض كون المكلف في المكان الذي نهاره ستة أشهر وليلة ستة أشهر‌، أو نهاره ثلاثة وليلة ستة أو نحو ذلك فلا يبعد كون المدار في صومه وصلاته على البلدان المتعارفة المتوسطة، مخيراً بين أفراد المتوسط، وأما احتمال سقوط تكليفهما عنه فبعيد كاحتمال سقوط الصوم وكون‌ الواجب صلاة يوم واحد وليلة واحدة، ويحتمل كون المدار بلده الذي كان متوطنا فيه سابقا إن كان له بلد سابق‌) (6 ).

      فإذا كان ليلهم عدة أشهر وصار شهر رمضان فيها، فهل يمكن القول بعدم تكليفه بالصوم، لأن الصوم في النهار ولا نهار فلا موضوع للصوم كما قال أحد المعلقين.

      مع أن الآية المباركة تقول: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْل‌( 7). ومن في القكب لا يتبين له الخيط الأبيض من الأسود، ولا يمكنه أن يتم صومه إلى الليل.

      مع ذلك صاحب العروة ومعظم الفقهاء قالوا: عليه أن يصوم، وقالوا يصوم على البلدان المتعارفة.

      إذن هناك موارد في باب الصوم، أفتى الفقهاء بالصوم حسب المتعارف من البلاد، وإن لم يطابق الفجر والليل عندهم.

      هذا لنفي الاستبعاد.

      ((إذا كان النهار أو الليل طويلاً بما لم يتعارف))
      أما بالنسبة إلى أصل المسألة وهي البلدان التي نهارها أو ليلها أكثر من المتعارف، فما هو الحكم في صومها.

      هناك كبرى كلية صرح بها الشيخ وصاحب الجواهر وأكثر العلماء ممن له تصنيف في الفقه، وفي مختلف الأبواب الفقهية، وقد استدلوا بها في الصغريات، وهي الحمل على المتعارف دون غير المتعارف.

      فإذا كانت الموضوعات في النصوص الشرعية ذات مصاديق مختلفة، متعارفة وغير متعارفة، فلابد من الحمل على المتعارف لانصراف الأدلة عن غيرها.

      قالوا لا إطلاق للفظ في غير المتعارف،

      ويمكن مراجعة مختلف الأبواب الفقهية من الطهارة والصلاة والصوم والحج والوصية والوكالة والبيع والحدود وغيرها، لمعرفة ما ذكرناه.

      من أمثلة ذلك على نحو الاختصار:
      1: الكر وتحديده الشرعي بالأشبار، حيث ورد 27 شبراً، أو 36 شبراً، أو 43 شبراً إلاّ ثُمن الشبر.

      قالوا إن الأشبار مختلفة، فيها المتعارف وفيها غير المتعارف، لكنها منصرفة إلى المتعارف منها، فمن كان شبره صغيراً جداً يأخذ بالمتعارف حتى في كر نفسه، وكذلك من كان شبره طويلاً جداً، فعليه بالأخذ بالشبر المتعارف.

      ففي الرواية: قُلْتُ: وَمَا الْكُرُّ، قَالَ (عليه السلام): ثَلاثَةُ أَشْبَارٍ فِي ثَلاثَةِ أَشْبَارٍ) (8).

      وفي رواية: قال الراوي: قُلْتُ: وَكَمِ الْكُرُّ، قَالَ: ثَلاثَةُ أَشْبَارٍ وَنِصْفٌ عُمْقُهَا، فِي ثَلاثَةِ أَشْبَارٍ وَنِصْفٍ عَرْضِهَا )(9).

      فالشارع حدّد الكرّ بالأشبار، لكن لا يؤخذ بإطلاق كلامه في غير المتعارف، بل الإطلاق منصرف إلى المتعارف من المصاديق.

      2: حدّ الترخص، حيث ورد إنه بخفاء الجدران وصوت الأذان.

      عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لأبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): الرَّجُلُ يُرِيدُ السَّفَرَ مَتَى يُقَصِّرُ، قَالَ: إِذَا تَوَارَى مِنَ الْبُيُوت) (10) الحديث.

      وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ التَّقْصِيرِ، قَالَ: إِذَا كُنْتَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَسْمَعُ فِيهِ الأذَانَ فَأَتِمَّ، وَإِذَا كُنْتَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لا تَسْمَعُ فِيهِ الأذَانَ فَقَصِّرْ، وَإِذَا قَدِمْتَ مِنْ سَفَرِكَ فَمِثْلُ ذَلِك) (11).

      فالنص تواري البيوت وعدم سماع الأذان على نحو الإطلاق بما يشمل لفظا حتى غير المتعارف، لكن الفقهاء قالوا: تحمل على أربعة أشياء متعارفة: الجدران المتعارفة لا البنايات ذات الطوابق العالية، والبصر المتعارف، والسمع المتعارف، والأذان المتعارف.

      كان السيد حسن الجهرمي (رحمه الله) يؤذّن في مأذنة الإمام الحسين (عليه السلام) في الصحن الشريف، وكان يصل أحياناً صوته في إذان الفجر مع صفاء الجو إلى مقام الحرّ (رضوان الله عليه) الذي يبعد عن الحرم الشريف فرسخاً.

      وهناك أمثلة أخرى كثيرة وفي مختلف الأبواب الفقهية، حيث حمل الفقهاء الألفاظ على المصاديق المتعارفة وقالوا بأنها منصرفة عن غير المتعارف.

      وما نحن فيه كذلك، مصداق لهذه القاعدة، وصغرى لتلك الكبرى، فإن الشارع أمر بالصوم في النهار إلى الليل.

      ولكن ما المقصود بالنهار والليل، أجميع مصاديقها وإن كانت غير متعارفة، أم تحمل على المتعارف.

      حسب القاعدة والكبرى التي بيّنها لابد من أن تحمل على المتعارف، ومن هنا قال الفقهاء في المناطق التي يطول نهارها أو ليلها عدّة أشهر بأنه يصوم حسب البلدان المتعارفة.

      وكذلك أيضاً ما نحن فيه حيث من غير المتعارف النهار بعشرين ساعة،

      قال أحد المتتبعين: إن مثل هذه الأيام هناك منطقة في العالم ذكر اسمها، يكون ليلها أقل من ساعة، ونهارها أكثر من 23 ساعة، فهذا مصداق غير متعارف، كيف يصوم المكلّف هناك؟

      القاعدة تقول بالرجوع إلى المتعارف.

      نعم إذا كان المتعارف متفاوتاً فما هو الحكم، هذا بحث ذكره الفقهاء في محلّه.

      وفي مسألة الصوم بما أن المعصومين (عليهم السلام) قرّروا الصوم في بلادنا مضافاً إلى صومهم (عليهم السلام)، وتقرير المعصوم حجّة، والصوم في بلادنا يصل أحياناً إلى 17 ساعة تقريباً، فاللازم أن يصوم بالمقدار المتعارف لا أقل المتعارف.

      مثلا في هذه الأيام ونحن في الصيف، يكون النهار في بلادنا المتعارفة الذي كان يعيش فيها المعصوم عليه السلام 16 ساعة تقريبا، فيصوم المكلف الآن في البلاد غير المتعارفة بهذا المقدار.

      وهكذا في الشتاء يصوم بفجره ويفطر بعد مضي مقدار نهار البلاد المتعارفة.

      وإلاّ لقلنا بكفاية حتى 12 ساعة لأنه متعارف أيضاً، فإن الشيخ الأعظم (رحمه الله) يرى في موارد أخر أن أقل المتعارف يكفي.

      إذن عموم الفقهاء في عشرات الموارد حملوا المطلقات على المتعارف من المصاديق، بل قالوا بلزوم الحمل في الإلزاميات، كما في الكر وغيره فلا يمكنه أن يحدد الكر بشبره الصغير جدّاً.

      ومن أمثلة ذلك:
      3: تحديد الوجه بما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضاً، فأي أبهام وأي وسطى، قالوا المتعارف منهما.

      (من أين الحمل على المتعارف)
      إن قلت: كلمة (المتعارف) والحمل عليه لم يرد في النص، فلماذا حمل الفقهاء المطلقات عليها.

      قلنا: الفقهاء قالوا: لا ظهور للفظ في أكثر من المتعارف، ومع عد الظهور لا دليل إذ الظهور هو الحجة، بل الظهور العقلائي في المصاديق المتعارفة ومنصرفة عن غيرها، فهي حجّة دون غيرها.

      فالقاعدة الكلية هي رجوع غير المتعارف إلى المتعارف في كل شيء إلاّ ما خرج بالدليل.

      نعم إذا كان هناك إشكال بالأخذ بالمتعارف، أو دل الدليل على لزوم الأخذ بغيره فلا بحث، وإنما الكلام في ما لم يخرج بالدليل، فالقاعدة: الحكم فيها بحسب المتعارف كما في سائر الموارد الفقهية.

      فكما قالوا في الأيام الطويلة لعدة أشهر، والليالي التي هي كذلك، بالرجوع الى المتعارف مع عدم وجود نص هناك، كذلك نقول في الأيام التي هي عشرون ساعة مثلاً أو أكثر، فما الفارق بين الأمرين، كلاهما من واد واحد، ولا بد من الحمل على المتعارف.

      (لا دليل على لزوم السفر)
      قال أحد الفضلاء: لماذا لا تقولون بأن يسافر إلى البلاد المتعارفة؟

      فأجاب سماحته (دام ظله): ما الدليل على وجوب السفر؟ والأصل عدمه، بل يرجع إلى المتعارف لا أنه يسافر إلى المتعارف.

      وهل يمكن أن يقال لأهل بلدة سافروا بأجمعكم؟

      (قبل أدلة العسر والحرج)
      قال أحد الفضلاء: هل الفتوى بالاكتفاء بالصوم المتعارف من باب العسر والحرج؟

      فقال سماحته (دام ظله): ما ذكرناه من الانصراف إلى المتعارف هو قبل الحرج، فالنص لا يشمله، لا أنه الدليل الثانوي أخرجه.

      وكذلك نقول في عكس المسألة إذا طال الليل وقصر النهار جداً فكان النهار ساعة واحدة فقط، فهل يفتى بأن واجبه هو صوم ساعة فقط، وهل هذا صوم يوم؟

      وهل يشمله قوله (عليه السلام) في بيان حكمة الصيام: عِلَّةُ الصَّوْمِ لِعِرْفَانِ مَسِّ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، لِيَكُونَ ذَلِيلاً مُسْتَكِيناً مَأْجُوراً مُحْتَسِباً صَابِراً، وَيَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلاً لَهُ عَلَى شَدَائِدِ الآخِرَةِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الانْكِسَارِ لَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَاعِظاً لَهُ فِي الْعَاجِلِ، دَلِيلاً عَلَى الآجِلِ، لِيَعْلَمَ شِدَّةَ مَبْلَغِ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة) (12).

      وفي رواية: سَأَلَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ عِلَّةِ الصِّيَامِ، فَقَالَ: إِنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصِّيَامَ لِيَسْتَوِيَ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَنِيَّ لَمْ يَكُنْ لِيَجِدَ مَسَّ الْجُوعِ فَيَرْحَمَ الْفَقِيرَ لأنَّ الْغَنِيَّ كُلَّمَا أَرَادَ شَيْئاً قَدَرَ عَلَيْهِ فَأَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ خَلْقِهِ وَأَنْ يُذِيقَ الْغَنِيَّ مَسَّ الْجُوعِ وَالألَمِ لِيَرِقَّ عَلَى الضَّعِيفِ فَيَرْحَمَ الْجَائِعَ) (13).

      فهل في صوم ساعة تحصل هذه الأمور؟

      نعم ما في الرواية حكمة لا علّة يدور مدارها الحكم كما لا يخفى، ولكن ذكرناه للتقريب.

      قبل سنوات طرحت هذه المسألة على أحد المراجع (رحمه الله) فقال: إطلاق (إلى الليل)، فقلت له: لماذا لم تعملوا بالاطلاق في سائر الموارد الفقهية بل تحملون المطلقات على المتعارف دون غيره، وقلت له إذا كان النهار ساعة واحدة فهل هذا صوم برأيكم؟

      إذن النص في باب الصوم يقول: اتموا الصيام إلى الليل، ولا دليل لهم غير الإطلاق، ولكن ذكرنا أن القاعدة المتسالم عليها تقتضي حمل الإطلاقات على المتعارف.

      فلماذا تؤخذ بهذا القاعدة في الموارد العديدة ولم تؤخذ بها في هذا المورد، إذا كان هناك دليل على خروج هذا المورد من القاعدة فلا بأس، أما مع عدمه فالقاعدة تشمله، ويكون الحكم هو الصوم بحسب المتعارف على ما بيناه.

      علما بأن هذه المسألة لم تكن مطروحة من قبل لعدم الابتلاء بها، وربما تطرح في زماننا وفي المستقبل فتتضح أكثر.

      النتيجة، من يسكن في البلاد التي نهارها غير متعارف وكذلك ليلها، عليه أن يصوم بفجره ويفطر بعد مضي مقدار نهار البلاد المتعارفة مثلاً بعد مضي 16 ساعة أو ما أشبه من نهار مثل كربلاء المقدّسة، ومكّة المكرّمة، وقم المشرّفة وهكذا.

      (لماذا البدء من الفجر)
      سأل أحد الفضلاء: إذا كان الواجب الصوم بالمقدار المتعارف فلماذا يبدأ من الفجر، بل يمكنه أن يصوم بعد مضي ساعات من الفجر ويفطر عند المغرب؟

      وأجاب سماحته (دام ظله): العديد من الفقهاء قالوا إذا دار الأمر بين مصداقين مصداق قبل ومصداق بعد، لابد من الأخذ بالمصداق المقدم، وبعبارة أخرى من ملاكات الترجيح في باب التزاحم المقدّم زماناً، مثلاً إذا قال له الطبيب: صم يوماً وأفطر يوماً، فهل يفطر أول يوم ثم يصوم الثاني، أم يصوم الأول ويفطر الثاني، قالوا المتقدّم زماناً يؤخذ به.

      وإن كان لنا بحث في ذلك، لكن هكذا قال الفقهاء.

      ففي ما نحن فيه وبناءً على ما ذكره الفقهاء هناك، لابد أن يصوم من الفجر، ويفطر بعد مضي المقدار النهار المتعارف.

      وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
      الليلة الثانية
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
      (1) نعم قال بعض بصحة صومه إذا كان الرياء في ترك المفطرات وليس في حقيقة الصوم وعنوانه الذي هو عنوان بسيط قائم بترك المفطرات، انظر مهذب الأحكام للسبزواري: ج10 ص35.
      (2) العروة الوثقى المحشى: ج2 ص441 المسألة 8.
      (3) الكافي: ج2 ص295.
      (4) مستدرك الوسائل: ج1 ص110 ب12 ح118.
      (5) انظر العروة الوثقى: ج2 ص445 وفيه: (مسألة 9): الرياء المتأخّر لا يوجب البطلان، بأن كان حين العمل قاصداً للخلوص، ثمّ بعد تمامه بدا له في ذكره، أو عمل عملًا يدلّ على أنّه فعل كذا.
      (6) العروة الوثقى: ج2 ص634.
      (7) سورة البقرة: 187.
      (8) الكافي: ج3 ص3 باب الماء الذي لا ينجسه شيء ح7.
      (9) الكافي: ج3 ص2 باب الماء الذي لا ينجسه شيء ح4.
      (10) الفقيه: ج1 ص435.
      (11) وسائل الشيعة: ج8 ص472 ب6 باب اشتراط وجوب القصر بخفاء الجدران ح11196.
      (12) الفقيه: ج2 ص73 باب علة فرض الصيام ح1767.
      (13) الفقيه: ج2 ص73 باب علة فرض الصيام ح1766.

      تعليق


      • #4
        الليلة الرابعة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة



        بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

        تتمة لما ذكرناه ليلة أمس نقول:
        هناك ثلاثة أشياء لا بد من البحث عنها فإنّ عليها بناء الفقه( 1)،

        أولاً: الأحكام، وهي من الله عزّ وجلّ، قال تعالى: إن الحكم إلا لله) (2)، فهو عزّ وجلّ له حقّ التشريع دون غيره إلاّ من فوّض إليهم ذلك من المعصومين (عليهم السلام) فـ هم بأمره يعملون) (3).

        ثانياً: موضوعات الأحكام، فهي على قسمين: إما أن يعيّنها الشارع، أو لا، ويكون أمرها في الثاني إلى العرف.

        وفي الأول: إذا حدّدها الشارع وكان للتحديد مصاديق متعارفة وغير متعارفة، فلابد من الحمل على المتعارف دون غيره.

        فالوجه مثلاً في الوضوء حيث قال تعالى: فاغسلوا وجوهكم) (4)، وسمّي الوجه وجهاً لأنه يواجه به الإنسان، وحسب المصطلح هو حيث تعليلي وليس حيثاً تقييدياً.

        الوجه موضوع حدّده الشارع وقال: ما دارت عليه الإبهام والوسطى.

        ودارت بمعنى أي أحاطت واشتملت، ولا يراد به الدوران، كالطواف حيث يراد به الأعم من الدوران حول الشيء، كما ورد في باب السعي وليس فيه دوران قوله تعالى: (فلا جناح أن يطوّف بهما) (5).

        قال الفقهاء: هذا التحديد من الشارع منصرف إلى المتعارف، فما دارت عليه الإبهام والوسطى إذا كان فيه مصاديق غير متعارفة فهي غير مشمولة، بل لابد من الأخذ بالمتعارف من الإبهام والوسطى وما بينهما.

        هذا موضوع شرعي تعلّق به وجوب الغَسل، وهو منصرف إلى المتعارف.

        وبشكل عام إلاّ ما خرج بالدليل، الألفاظ التي تشير إلى الموضوعات في النصوص الشرعية من الكتاب والسنّة، لا ظهور فيها بالنسبة إلى الفرد غير المتعارف، وإذا لم يكن ظهور فلا حجية فيها عليه، لأن الظهور هو الحجّة وهو المنجّز والمعذّر دون غيره، ويمكن للمتتبع أن يبحث في مختلف كتب الفقهاء من العلاّمة والشيخ والجواهر وغيرهم ليجد بنفسه عشرات الموارد مما حملها الفقهاء على المتعارف وقالوا لم يقصد من المطلقات غير المتعارف، أو أن المطلقات لا ظهور فيها في جميع المصاديق بل تخص ما تعارف منها، أو يحمل المطلق على المتعارف، أو ما أشبه مما اتّحد في المعنى وإن اختلف التعبير.

        فالألفاظ وإن كانت مطلقة ولكن بما أنها ألقيت على العرف، لا يفهم العرف منها أكثر من الفرد المتعارف، وهذا من مصاديق الظهور في ما ينصرف إليه كما هو واضح.

        وقد أضفت على ذلك، ولا أقول إنه منّي، فربما رأيته في كلمات الفقهاء وأخذته منهم: وهو أنه لو شككنا في شمول الإطلاق لغير المتعارف، وأنه هل يشمل اللفظ بإطلاقه مختلف المصاديق حتى ما لم يتعارف، عندئذ بما أن الشكّ راجع إلى الشكّ في مقدّمات الحكمة وعدم تماميتها فلا إطلاق، ولابد حينئذ من الأخذ بالقدر المتيقّن، إذ لا إطلاق ليشمل.

        وبعبارة أخرى: اللفظ يشمل المتعارف قطعاً، أما غير المتعارف إذا شكّ في شموله له فالأصل عدم الشمول، لأن الشكّ في الظهور مجرى أصالة عدم الظهور، بخلاف الشكّ في المراد فإنه مجرى أصالة الظهور، كما فصّل في محلّه.

        والفرق بين الظهور في المتعارف، أو الشكّ وعدم تمامية الإطلاق، هو أن الأول يكون أمارة ومثبتاتها حجّة بلا إشكال، بخلاف الثاني فإنه أصل عملي ولا تكون مثبّتاته حجّة.

        نعم إذا تتبع الإنسان لا يرى فقيها واحداً ألّف في الفقه ولم يقل بهذه القاعدة أو لم يفت بحسبها، بل صرّح الفقهاء بالانصراف إلى المتعارف كراراً وتكراراً وفي أكثر من مورد.

        هنا سأل أحد الحضور من الطلبة الأفاضل وقال: فلماذا قالوا بوجوب الزيادة على هذا التحديد، كما في الوجه حيث قالوا بوجوب الزيادة على ما دارت عليه الإبهام والوسطى.

        فأجاب سماحته (دام ظله): هذا من باب المقدمة العلمية، ولا ربط له بما نحن فيه.

        ((مثال الدلو))
        ثم رجع سماحته إلى أمثلة بحثه وقال:

        ومن أمثلة ذلك الدلو، حيث ورد النزع بالدلاء، إما وجوباً أو استحباباً على ما رآه المتأخّرون في الثاني والمتقدّمون في الأول، فما هو الدلو، هذا مما لم يحدّده الشارع، ولكن قال الفقهاء يحمل على الدلو المتعارف.

        نعم قال بعضهم المراد دلو نفس البئر، ولكن أشكل عليه معظم الفقهاء، فقالوا المعيار المتعارف من الدلاء لا الدلو الخارجي على هذه البئر.

        ((اختلاف التحديد لاختلاف المراتب))
        قال أحد الفضلاء من الحضور: ربما يكون اختلاف التحديد من باب اختلاف المراتب والحكم واحد؟

        فأجاب سماحته (دام ظله): ليس هذا من المراتب بل مرتبة واحدة فقط، وإن احتملها البعض كبحث علمي لكنهم لم يلتزموا بها في الفقه.

        فالفقهاء الذين رأوا روايات الأشبار المختلفة لم يحملوها على المراتب.

        فالكر إذا كان 27 شبراً فهو عاصم ومعتصم، وحينئذ لا معنى للمراتب، لأنه يستلزم أن يكون في بعض المراتب نفسها عاصماً وغير عاصم، ومعتصماً وغير متعصم في وقت واحد، وهذا لا يكون لأنه من الجمع بين الضدين بل النقيضين.

        فلم أجد من أفتى بالمراتب.

        ((قصد القرآن أو الإنشاء))
        ثم أشار سماحته إلى بحث سبق قبل ليلتين وقال:

        انظروا إلى هذا الكتاب، وسأقرأ لكم منه مسألة واحدة، وهي مرتبطة بما ذكرناه من أنه هل يلزم قصد القراءة في مثل (إيّاك نعبد)، و(اهدنا الصراط)، أو يمكن قصد الإنشاء فيه، أو كما قال صاحب العروة يمكنه قصد الإنشاء بالقراءة على ما سبق.

        الكتاب اسمه (مجمع الرسائل) وهي رسالة عملية باللغة الفارسية للشيخ صاحب الجواهر، وعليها تعليق عدد من أعاظم الفقهاء وهم: الشيخ الأعظم الأنصاري، والميرزا الكبير المجدّد الشيرازي، والمحقّق الخراساني، والسيد اليزدي صاحب العروة، والشيخ محمد تقي الشيرازي، والميرزا النائيني، والشيخ الحائري المؤسس، والآقا ضياء العراقي.

        يقول في الصفحة 263 المسألة 825 ما ترجمته:

        (إذا قرأ المصلّي (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين) به نيّة الخطاب من نفسه، فصلاته باطلة، وإن قرأها بنيّة القرآنية وتصوّر معناها في نفسه فلا إشكال)

        ولم يعلق على المسألة إلاّ صاحب العروة حيث قال ما ترجمته:

        (إذا قصد الخطاب بالقرآن فلا إشكال في صلاته) وهذا ما ذكرناه من الإنشاء بالقرآن.

        أقول: (بطلان صلاته) ربما يكون بالعنوان الأولي إي قبل ملاحظة أدلة لا تعاد، وإلاّ فإن قلنا بأن (لا تعاد) تشمل الجاهل بالجهل البسيط أو المركب فلا إعادة.

        وإن قلنا بمقالة النائيني وإنها تخصّ الناسي فالصلاة باطلة في الجاهل.

        ثم إن هذه المسألة بعينها مذكورة في العروة وقد أجاز السيد ذلك، على خلاف صاحب الجواهر في رسالته هذه، والغريب أن هناك بعض المعلّقين بأنفسهم سكتوا في الكتابين على الرأيين المختلفين.

        ((الصلاة معراج هل رواية))
        قال أحد الحاضرين: رواية (الصلاة معراج المؤمن) ربما تدلّ على ...

        فقال سماحته (دام ظله): قال البعض هذه ليست رواية، ولم نجدها في المصادر، نعم هي مشهورة على الألسن.

        ((الميرزا القمّي ومسألة اجتماع الأمر والنهي))
        وسأل أحد الفضلاء وقال: هذا لا يكون أسوأ من مسألة اجتماع الأمر والنهي حيث أجاز الميرزا القمي (رحمه الله) اجتماعهما ولم يفت ببطلان الصلاة في الغصب.

        فقال سماحته (دام ظله): عدم البطلان إذا كان في مثل النظر الحرام في الصلاة فهو ليس من مصاديق اجتماع الأمر والنهي لأن النظر شيء والصلاة شيء آخر، وليس النظر من أفعال الصلاة وأقوالها أو حركاتها وسكناتها فلا يتعلّق الأمر بنفس ما ورد فيه النهي.

        أما أذا أوجب الشارع التكفير تقيّة مثلاً فلم يكفّر، فهنا اجتمع الأمر والنهي، فالبطلان لأجل أن هذه الصلاة بهذه الهيئة لا أمر فيها، والعبادة بلا أمر باطلة، كما أن العبادة المنهي عنها باطلة.

        نعم إذا تمكنّا من تصوّر الأمر العبادي في هذه الصلاة التي لم يراع فيها التقية مع الأمر الإلزامي بها فلا بأس.

        الميراز القمّي (رحمه الله) يقول في هذا الباب: إن المأمور به عنوان، والمنهي عنه عنوان آخر، ومجرد اجتماعهما في مصداق لا يبطل الصلاة. فهو يثاب بصلاته ويعاقب لغصبه مثلاً.

        وأشكلوا عليه بأن وحدة المعنون وإن تعدّد فيه العنوان لا يمكن فرض اجتماع الأمر والنهي فيه، فلا بد من الأخذ بأحد الجانبين إما جانب الأمر أو جانب النهي.

        قال أحد الفضلاء: إذا لم يؤدّ الدين الواجب أداؤه وصلّى قالوا بصحّة صلاته مع النهي عن تأخير أداء الدين؟

        فأجاب سماحته (دام ظله): مقتضى القاعدة صحّة الصلاة لأنها بهذه الحركات والسكنات تعلّق بها الأمر ولم يتعلّق بها النهي لتأخير الدين.

        أما مسألة الغصب والصلاة، فإذا كان الشارع يقول: لا تصل في الغصب كانت الصلاة فيه باطلة، كما أفتوا ببطلان صلاة الرجل في الذهب والحرير، وبطلان صلاتهما في غير المأكول، وذلك لأن الشارع قال: لا تصلّ في الذهب والحرير وغير المأكول،

        ولكن في الغصب قال: لا تغصب، وفي الصلاة قال: صلّ، فإذا جمع المكلّف بينهما بسوء اختياره، فما هو الحكم.

        الميرزا القمّي (رحمه الله) قال بصحّة صلاته، فهو يستحقّ العقوبة لغصبه ويثاب لصلاته، لكن المشهور قالوا ببطلان صلاته، لأن المعنون الواحد هو مصداق للغصب والصلاة معاً، فهذه الحركة هي مأمور بها وهي نفسها منهي عنها فلا يجتمعان.

        نعم اذا أمكن تصوّر أن الغصب والصلاة شيئان، لا يُبطل الغصب الصلاة، كما لو كان هناك من يصلّي وهو قائم في القراءة فجعلوا على منكبه عباءة مغصوبة ولم يتحرّك الشخص بل استمر في قراءته إلى ما قبل الركوع فلم يتصرّف فيها بحركته، وقبل الركوع أزاحوا عنه العباءة، قالوا بعدم بطلان الصلاة حينئذ لعدم تصرّفه في الغصب.

        نعم إذا ركع فقد تصرّف فيها، وكذا إذا حرّك نفسه، أو أرادوا نزعه فمنعهم، أو كان مبرداً فتدفأ به لما جعلت على عاتقه، وبشكل عام إذا سمّي عرفاً أنه تصرّف فيها فحينئذ يجتمع الأمر والنهي معاً، وهو موجب للبطلان، هكذا قال المشهور.

        هنا قال أحد الفضلاء: ألا يمكن تصحيح الصلاة بعنوان الترتب؟

        فقال سماحته (دام ظله): الترتب فيما كان هناك أمر وأمر، يترتب أحدهما على الآخر، كما لو كان هناك أمر بالضد المهم معلّقاً على عصيان الأمر بالأهم ونحوه، وربما يكون منه ما لو آجر نفسه للحجّ النيابي عن الشخص الأول، ثم آجرها لغيره في نفس السنة فحجّ للثاني.

        ولكن هنا ليس لنا أمر وأمر.

        ثم قال سماحته (دام ظله): الميرزا القمّي (قدّس سرّه) له عدّة كتب فقهية قيّمة جدّاً، له كتاب الغنائم، وفيها مسائل مهمة لم يذكرها حتى صاحب الجواهر.

        علماً بأن صاحب الجواهر والميرزا القمّي كانا معاصرين، وهما من تلامذة الوحيد البهبهاني (رحمهم الله) جميعاً.

        ومن مؤلّفات الميزرا القمّي الفقهية كتاب (مناهج الأحكام) و(جامع الشتات).

        واللطيف أن الميرزا القمّي الذي قال بصحة اجتماع الأمر والنهي في الأصول لم يلتزم به في الفقه، فلم يجز ذلك في موارد عديدة من الفروع الفقهية يمكن معرفتها بمراجعة كتبه المذكورة.

        وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
        الليلة الثالثة
        ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
        (1) ذكر سماحته أمرين منها، وانتقل البحث إلى جوانب أخرى فلم يذكر الثالث.
        (2) سورة الأنعام: 57، سورة يوسف: 40 و76.
        (3) سورة الأنبياء: 27.
        (4) سورة المائدة: 6.
        (5) سورة البقرة: 158.

        تعليق


        • #5
          الليلة الخامسة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة



          بسم الله الرحمن الرحيم

          الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.


          ((العملية الجراحية التجميلية))
          سأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

          هل يجوز اختياراً أن يقوم الشخص بالعملية الجراجية التجميلية، علماً بأنه ولفترة لا يمكنه الوضوء والغسل إلاّ جبيرة أو تيمّماً.

          فأجاب سماحته (دام ظله): أصل هذه العملية الجراحية بما هي هي لا إشكال فيها، أي إذا لم يستلزم محرّماً كالنظر إلى الأجنبية واللمس وما أشبه.

          لكن إن كان يسبب ذلك فوت الوضوء والغسل الواجبين الاختياريين إلى البدل منهما وهو التيمم، فالبحث في أمرين، الحكم التكليفي والحكم الوضعي.

          أما بالنسبة إلى الحكم الوضعي فلا إشكال، لأن إيجاد المانع عن وصول الماء إلى البشرة لا يبطل التيمّم والصلاة به, فإنه مادام أصبحت الطهارة المائية ضرّراً ولو بسببه، كانت الطهارة الترابية مجزية في الصلاة وما يشترط فيها الطهارة كالطواف الواجب.

          أما حكمه التكليفي ففيه خلاف بين الفقهاء، والظاهر أنه ليس بحرام، وخاصة إذا كان قبل دخول الوقت، حيث لا أمر بالغسل أو الوضوء.

          ((نظائر المسألة))
          وفي نظائره قال الفقهاء: من كان له الماء ولا يضرّه استعماله، لكنه أخّر الوضوء أو الغسل عمداً حتى ضاق الوقت فالحكم الوضعي صحّة تيمّمه وصلاته، نعم قالوا: هذا التأخير هنا حرام لأنه قد تعلّق به الأمر فلم يمتثل.

          والحكم بالصحّة في آخر الوقت بالترابية، لأن شرط الوقت أهم من شرط المائية، إذ لها بدل دون الوقت. والقضاء لايكون بدلاً في الوقت، فيصدق التفويت.

          فالتيمّم مأمور به والصلاة مأمور بها فكلاهما صحيحان.

          لكن البحث في الحكم التكليفي، فإن كان قبل الوقت فلا إشكال في ذلك، لأن لا أمر حينئذ.

          لا يقال: هذا تفويت للملاك.

          لأنه يقال: لا نسلم ذلك صغرى فمن أين نعلم بالملاك الشرعي، وإن كانت الكبرى تامة أي لا يجوز تفويت الملاك.

          فليس لنا إلاّ ظواهر الأوامر والنواهي الشرعية، وهي لا تدلّ على الملاك أو على تمامه، نعم إذا علمنا به من دليل آخر فلا يجوز تفويته.

          الملاكات الشرعية مختلفة، وربما تكون مركّبة من عدّة أشياء، فبعض الملاك ما يرتبط بالدنيا وبعضه بالآخرة، وبعضه بالامتحان وهكذا.

          أما إذا كان بعد الوقت، فهل يجوز القيام بالعملية التجميلية مما تفوت الطهارة المائية؟

          لتوضيح ذلك لا بأس بيان بعض النظائر والأشباه، فإن مورد السؤال لا خصوصية له بل هو مشمول للقاعدة العامة في أمثاله.

          قال الفقهاء في مثل هذه المسألة بالنسبة إلى الصلاة والصوم، إذا صار الزوال ودخل وقت الظهرين فهل يجوز له أن يجنب نفسه بحيث وهو يعلم بأنه لا يتمكّن من الطهارة المائية الغسل، لضرر الماء أو لفقده أو ما أشبه.

          قال في العروة نعم يجوز، ووافقه غالب المحشّين من الفقهاء.

          ((إجناب النفس قبل الفجر))
          أما في الصوم فقد اختلفوا، فهل يجوز إجناب نفسه قبل الفجر في وقت لا يمكنه الغسل لضيق الوقت أو لضرر الماء أو لفقده؟ قال بعض الفقهاء لا يجوز، وفي المقابل أجاز البعض من الفقهاء ذلك وقالوا: الحرام هو الإصباح جنباً، أما المتيمّم فقد تطهّر ولا يصدق عليه الإصباح جنباً.

          مثلاً إذا كان الحمام بعيداً وهو يتكاسل عن الذهاب إليه فيؤخّر ما يوجب الغسل حتى لم يبق الوقت إلاّ للتيمم، فالظاهر جواز ذلك مضافاً إلى صحّته وصحّة صومه.

          الشارع قال: )فإن لم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيداً طيباً) (1)، فالتيمّم حكم من لم يجد الماء أو ما في حكم عدم الوجدان، ولم يقل لا يجوز أن تجعل نفسك في ظرف عدم الوجدان.

          فالتراب أحد الطهورين كما ورد، ولا دليل على أن من لا ماء له لا يجوز أن يجنب نفسه، فمع عدم الدليل الخاص لمنعه يجوز، ولا فرق بين الصلاة والصوم في ذلك وإن أشكل البعض في الصوم ولم يستشكل في الصلاة.

          هنا سأل أحد الفضلاء من الحضور: هذا من الواجب المعلّق فأصل الحكم بالوضوء والغسل حتى قبل دخول الوقت موجود وحينئذ لا يجوز تفويت الواجب؟

          فأجاب سماحته (دام ظله): الظاهر عدم وجود الحكم المنجّز فلا يشمله التفويت لا موضوعاً ولا حكماً. فإن الموجود على فرض التسلم هو الوجوب وليس الواجب، فتأمّل.

          نعم إذا أحرز وجود الحكم فيكون مثل ما دخل الوقت وقد قلنا بجوازه أيضاً.

          ((المعيار التفويت وعدمه))
          والعمدة في الدليل صدق التفويت وعدمه عرفاً، والظاهر العرفي عدم تسمية من جعل نفسه في ظرف التيمّم بأنه فوت الأمر، لأن الأمر بالطهارة على قسمين مائية وترابية، ولا دليل على أنه لا يجوز جعل نفسه مورداً للتكليف بالترابية.

          قال أحد الفضلاء: فما تقولون في المقدّمات المفوتة؟

          فقال سماحته (دام ظله): هذا يختلف عن المقدّمات المفوتة، فمثالها من يجعل نفسه فاقد الطهورين فهو حرام للتفويت، أما إفقاد الماء مع التمكّن من التراب فليس بتفويت.

          وقال أحد الفضلاء: هل يجوز للإنسان أن يجعل نفسه في الحالة الاضطرارية، كشرب الخمر والخنزير لمن خرج إلى الصحراء بلا زاد.

          فقال سماحته (دام ظله): لا يجوز ذلك، لقوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) (2)، ولكن فيما نحن فيه ليس من الاضطرار، بل هما موضوعان موضوع للطهارة المائية وموضوع للترابية.

          والانتقال من موضوع إلى موضوع جائز، كالحضر والسفر.

          هذا كلّه فيما لو سبّبت الجراحة التجميلية الانتقال من المائية إلى الترابية،

          أما إذا سبّبت الجبيرة، ففي الجبيرة بحث مفصل.

          وعلى القاعدة جواز ذلك وإن سبّب العمل الجراحي الجبيرة، ولست الآن في مقام الفتوى بذلك، فإني أرجعت هذه المسألة إلى غيري ممن هو جامع للشرائط ولم أتحمّل الحكم فيها.

          الجبيرة والجبائر التي وردت في النصوص، يراد بها مثل ما لو انكسر العظم، فيجعل عليه خشبة، أو في زماننا هذا ما يسمى بالجص، ويشدّ بقوة، وحينئذ يمسح في الطهارة عليه مائية أو ترابية. وفي الدعاء: يا جابر العظم الكسير) (3).

          ((فروع في الجبيرة))
          وفي مسألة الجبيرة فرعان، وهما محلاّ الابتلاء، ولكن أحدهما مع كثرة الابتلاء به لم تذكر في كلمات الفقهاء.

          الفرع الأول: العملية التجميلة، لا إشكال فيها وإن كان خروجاً عن موضوع المائية إلى الموضوع الترابية، أو من موضوع الغسل المباشر على البشرة إلى موضوع الجبيرة على ما بينّاه وقد أشرنا إلى التردّد فيها في الجملة.

          علماً بأن الفقهاء عمّموا الجبيرة إلى مثل أثر الصبّاغ حيث تلصق على بشرة مواضع الوضوء الأجزاء الصغيرة اللونية المانعة من وصول الماء للبشرة، مع أنه ليس جبيرة بالمعنى اللغوي، إذ لا كسر ولا جرح، كأنما استفادوا أن الجرح والكسر موردان للحكم وليسا موضوعين له.

          ((غسل الأموات جبيرة))
          الفرع الثاني: غسل الأموات والجبيرة فيه، فإذا مات شخص بالحادث لا سمح الله، وكانت على جسده جروحات يخرج منها الدم، فهل تجري الجبيرة عليه، بأن يشدّ الجرح بقطعة قماش مثلاً ثم يمسح عليها.

          الإشكال الفقهي على ذلك أن الجبيرة خاص بالحي، لاستلزام عدمها الضرر على المكلّف، أما الميت فلا ضرر عليه كما هو واضح، ومن جانب آخر أدلّة الجبيرة وردت في الحي فلماذا تعميمه على الميت.

          نعم هناك سيرة الغسّالين وغالباً ليسوا من الفقهاء بل من العوام، على الجبيرة إذا كان جرح على جسد الميت يخرج منه الدم فيشدّون ذلك ويغسلونه جبيرة.

          فهل يكفي ذلك، أم لابدّ من التيمّم أيضاً؟

          احتاط بعض بلزوم الاثنين غسلاً وتيمّماً.

          والاختلاف فيه مبني على أن الحي أهو مورد للجبيرة أم هو موضوع له، فإذا كان مورداً فلا يخصّص الوارد، أما إذا كان موضوعاً أو محتمل الموضوعية فبدونه لا يترتب الحكم.

          والاحتياط لأنه شكّ في المكلّف به، المائية جبيرة والترابية.

          وإذا فرض أنه يمكن غسله بالماء حتى مع خروج الدم بتسليط بالماء الكثير أو القوي عليه بحيث في لحظة واحدة يطهر الموضع فهل يتعيّن حتى مثل الغسلين الأولين.

          هذا وقد أفتى أحد الفقهاء على ما ببالي بأنه لا فرق في الجبيرة بين الحي والميت.

          ((الجبيرة للعملية الجراحية))
          من هنا أشكل البعض في مثل العملية التجميلة مع عدم الاضطرار، ولو الاضطرار العرفي كما لو لم تقم بالعملية التجيملية طلّقها زوجها، وهذا المقدار اضطرار عرفي ويكفي ذلك في ترتب الحكم الاضطراري في أمثال الجبيرة.

          قال أحد الفضلاء: ربما هناك ارتكاز بعدم جواز إيقاع النفس في الطهارة الجبيرية.

          فأجاب سماحته (دام ظله): الارتكاز لابد أن يكون كاشفاً عن الحكم الشرعي بحيث يفهمه كل متديّن ويكون ذلك في مرتكزه، فقيهاً أو غير فقيه، فيستهجن خلافه، وما نحن فيه غير محرز فيه ذلك.

          والخلاصة: الطهارة الجبيرية أهي من تبدّل الموضوع أو من الاضطرار، فإن كانت من تبدّل الموضوع كالحضر والسفر فلا بأس بها، وإذا كانت من الاضطرار فلا يجوز على تأمّل.

          ومن هنا يكون للتردّد في مقام الفتوى مجال، فأرجعت إلى غيري في المسألة، ولم أتجرّأ للإفتاء فيها، فكم للإنسان من العلم حتى يفتي في كل شيء.

          ((الصوم المندوب سفراً))
          سأل أحد الفضلاء عن الصوم المندوب في السفر؟

          فقال سماحته: المسألة موجودة في العروة، ويمكنه الصوم بالنذر، وإن كان إنشاء نذره في السفر، فلا يشترط أن يكون الإنشاء حضراً والمتعلّق سفراً، فإذا نذر المسافر قبل الفجر بصوم يومه صحّ في المندوب.

          وسأل أحدهم: إذا كان السفر معصية فلابد أن يتم ويصوم، فإذا سافر قبل شهر رمضان اختياراً وكان عليه القضاء من الرمضان الماضي، فهل هذا سفر معصية ولابد له من الصوم فيه قضاءً لما فاته؟

          فأجاب سماحته: حرمة تأخير القضاء عن نفس السنة فيها خلاف، ثم هل الصوم الواجب في سفر المعصية خاصّ بشهر رمضان أم حتى القضاء والاستيجار؟ بحاجة إلى تأمّل.

          ينقل عن المرحوم الحاج الأغا حسين القمّي أنه كان أحياناً يقول: صبراً حتى أفكر أعندي علم إجمالي أم لا؟

          ((الزواج من أهل الكتاب))
          سأل أحد الفضلاء عن رأي سماحته في عن الزواج من أهل الكتاب؟

          فقال (دام ظله): فيه خلاف، نعم بالنسبة إلى غير أهل الكتاب لا يجوز النكاح منهنّ لا دائماً ولا متعةً، أما أهل الكتاب فالأقوال فيها: الجواز مطلقاً، وعدمه مطلقاً، وجواز المتعة بهنّ دون الدوام. والأدلّة فيها متضاربة، والذي يقتضيه الجمع بين الأدلة القول بالجواز مطلقاً متعة ودواماً، ولكن في الفتوى ربما يحتاط الإنسان.

          (كيف تقرأ المرأة أدعية الحور العين)
          سأل أحد الفضلاء، هناك أدعية ورد فيها طلب الحور العين من الله عزّ وجلّ، فكيف تقرأ المراة هذه الأدعية وكيف تطلب من الله الحور العين؟

          فأجاب سماحته: يرى البعض أن الحور العين يشمل الذكر والأنثى، على خلاف من قال بأن الحور جمع الحوراء، والعين جمع العيناء، فإنه قال الحور أعم من جمع الحوراء والأحور، والعين من العيناء والأعين، فإذا قلنا بالأعمّ فالمسألة واضحة فهي تطلب الزواج من الأحور الأعين في الجنّة.

          قالوا: ألا تكون المؤمنة زوجة لزوجها المؤمن في الدنيا؟

          قال سماحته: الأمر بيدها، إذا كانا من أهل الجنّة وفي مرتبة واحدة، كما كان الأمر بيدها في الدنيا حيث يشترط رضاها في العقد.

          ثم إننا أُمرنا بقراءة الأدعية هكذا، سواء الرجل أو المرأة من دون تفريق بينهما، فإنّ الأدعية وردت من المعصومين (عليهم السلام) هكذا وأمروا بقراءتها ولم يستثنوا النساء.

          كان شخص في كربلاء المقدّسة يزور الإمام الحسين (عليه السلام) ربما يومياً، ولكن لم يكن يقرأ هذه الفقرة من الزيارة (التارك للخلاف عليكم) ( 4)، فإن كان يقول: كيف أكذب، وقد صدرت منّي المعاصي فلم أترك الخلاف عليهم.

          فقال له بعض العلماء: اقرأها حتى توفّق لذلك أي لترك الخلاف عليهم. وهذا هو الصحيح حيث ورد الأمر بقراءة الزيارة هكذا بلا استثناء من كان عاصياً أو غير عاص.

          هذا وربما يراد بترك الخلاف، عدم مخالفتهم في أمر الولاية. وهناك وجوه أخر محتملة.

          وكذلك كان يقول البعض: بأن المصلّي العاصي يكذب عندما يقول (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين) والجواب على ذلك أنه ورد الأمر بقراءته في الصلاة.

          ((صور التحاق المأموم من بعد))
          سأل أحد الفضلاء، بأنه يجوز للمأموم أن يلتحق بالإمام من بُعد ويمشي إلى يصل إلى صف الجماعة، فهل يشمل ما إذا كان المأموم متقدّماً مكاناً، مثلاً كان باب المسجد نحو القبلة، فدخل والإمام والصفوف أمامه، فهل يكبّر ويمشي القهقرى؟

          فأجاب سماحته (دام ظله): المنصرف من الحديث هو غير هذه الصورة، والاطلاق من هذا الحيث غير محرز، فليس من المعلوم شموله لمن يلتحق القهقهرى.

          لأن القاعدة في الجماعة عدم الفصل بين المأموم والإمام، أو بين المأموم والمأموم، إلاّ بالمقدار القليل المذكور في العروة، والرواية أجازت على خلاف القاعدة الفصل في الالتحاق ليمشي إلى الصفوف، فيقتصر فيها على القدر المتيقّن وهي لا تشمل إذا كان متقدّماً على الإمام مكاناً، بحيث يرجع القهقهرى.

          وهكذا إذا كان متقدّماً على صفوف المأمومين وليس متقدّماً على الإمام.

          وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
          الليلة الرابعة
          ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
          (1) سورة النساء: 43. وسورة المائدة: 6.
          (2) سورة البقرة: 173، سورة الأنعام: 145، سورة النحل: 115.
          (3) الإقبال: ص551، البلد الأمين: ص60 و338 و409.
          (4) بحار الأنوار: ج98 ص199 و262.

          تعليق


          • #6
            الليلة السادسة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة



            بسم الله الرحمن الرحيم

            الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

            (الالتحاق بالجماعة يميناً أو شمالاً)
            كان البحث في الإشكال على التحاق المأموم بالإمام من الأمام، وكذلك التحاقه يميناً أو يساراً به أو بسائر المأمومين، في مسألة من خاف فوت الركوع حيث يكبّر ويركع ثم يمشي إليه أو إليهم.

            نعم المسلّم هو جواز التحاقه بعد تكبيره وركوعه بأن يمشي نحو القبلة إليهم، فإنها تكون جماعة، وإن كان فيه الفصل بينه وبينهم ابتداءً، وهذا يتصور فيما إذا كان باب المسجد خلف القبلة.

            أما هل يشمل إطلاق الرواية بل الروايات، ما إذا أراد الالتحاق وهو أمام الإمام أو أمام صفوف المأمومين، بأن كان باب المسجد جهة القبلة فيكبر ويرجع القهقرى رعاية للقبلة؟

            لا يعلم بوجود إطلاق في النصوص من هذا الحيث ليشمله، فالأصل الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقن، فإن الفصل خلاف الأصل، والمتيقن منه صورة غير الالتحاق الأمامي بل وحتى اليميني واليساري منه.

            من هنا قلنا يشكل أيضاً في الالتحاق يميناً ويساراً، بأن كان باب المسجد على يمين الإمام أو سائر المصلين أو يسارهما، فيكبر ويمشي على جنب حتى يتم الالتحاق بأحدهما، فتأمل.

            القاعدة الفقيهة تقول: الفصل بين الإمام والمأمومين, وكذا بين بعضهم مع بعض، مبطل للجماعة عند الإمامية، وهذا ما عبر عنه صاحب العروة بـ (الخطوة التي تملأ الفرج) (1). والمخالف لهذا الأصل المتيقن منه صورة واحدة من تلك الصور الأربع.

            روى صاحب الوسائل في بَاب أَنَّ مَنْ خَافَ أَنْ يَرْفَعَ الإمَامُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصُّفُوفِ جَازَ أَنْ يَرْكَعَ مَكَانَهُ وَيَمْشِيَ رَاكِعاً أَوْ بَعْدَ السُّجُودِ وَأَنَّهُ يُجْزِيهِ تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ لِلافْتِتَاحِ وَالرُّكُوعِ:

            عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليهما السلام) أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَخَافُ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ، فَقَالَ: يَرْكَعُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْقَوْمَ وَيَمْشِي وَهُوَ رَاكِعٌ حَتَّى يَبْلُغَهُمْ (2).

            وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَوْماً وَقَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِصَلاةِ الْعَصْرِ فَلَمَّا كَانَ دُونَ الصُّفُوفِ رَكَعُوا فَرَكَعَ وَحْدَهُ ثُمَّ سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَمَضَى حَتَّى لَحِقَ الصُّفُوفَ (3).

            وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ وَالإمَامُ رَاكِعٌ فَظَنَنْتَ أَنَّكَ إِنْ مَشَيْتَ إِلَيْهِ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ تُدْرِكَهُ فَكَبِّرْ وَ ارْكَعْ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ فَاسْجُدْ مَكَانَكَ فَإِذَا قَامَ فَالْحَقْ بِالصَّفِّ فَإِذَا جَلَسَ فَاجْلِسْ مَكَانَكَ فَإِذَا قَامَ فَالْحَقْ بِالصَّفِّ (4).

            نعم هناك رواية ربما يستفاد منها الإشكال في المأموم الماشي متأخراً نحو الصفوف (القهقرى) بل لابد من مشيه متقدماً:

            فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قُلْتُ لَهُ الرَّجُلُ يَتَأَخَّرُ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ، قَالَ: لا، قُلْتُ فَيَتَقَدَّمُ قَالَ نَعَمْ مَاشِياً إِلَى الْقِبْلَةِ (5).

            - (الصلاة معراج المؤمن)
            قال أحد الفضلاء تتميماً لما طُرح ليلة أمس: إنه يظهر من بعض علمائنا أن (الصلاة معراج المؤمن) رواية. حيث عبروا عنه بلفظ (ورد)، أو عنه (عليه السلام) أو (عنه صلى الله عليه وآله) أو ما أشبه (6).

            نعم نقله عدد من الفقهاء في كتبهم الفقهية وغيرها من دون بيان كونها رواية، بل ربما يظهر من بعضهم أنها ليست برواية حيث جعلوها كقسيم للروايات (7).

            فقال سماحته (دام ظله): في ليلة أمس ذكرنا أن البعض قال إنها ليست برواية، ولكن لم ننف ذلك ولم نثبته، فإذا نقلها بعض علمائنا بعنوان الرواية فلا بأس وتكون مرسلة، والأمر في مثلها سهل.

            - (الهلال وكلام الفلكيين)
            قال بعض الفضلاء من الحاضرين: لماذا لا يعتمد على قول الفلكيين بالنسبة إلى الهلال، وخاصة مع التقدم العلمي الحديث، مع أن ثبوت الهلال بالرؤية طريقي؟

            فقال سماحته (دام ظله): هناك قاعدة كلية نعتقد بها، مع قطع النظر عن مسألة الهلال أو ما يخص هلال رمضان وشوال، وهي:

            (بناء العقلاء على حجية كلام أهل الخبرة الثقاة) إلا ما خرج بالدليل، فمع الشرطين الخبروية والوثاقة يعتمد العقلاء عليهم بلا ردع من الشارع، وهذا يكفي حجة.

            ومن مصاديق ذلك ما يقوله الفلكيون في أمر الهلال ثبوتاً ونفياً، وتعيين أول الشهر وآخره وما أشبه، فالقاعدة بما هي هي مع قطع النظر عن النصوص تفيد الحجية.

            لكن في خصوص شهر رمضان وشوال وردت النصوص الكثيرة بأنه (صم للرؤية وأفطر للرؤية) (8) ، بحيث يفهم منها أن الملاك الرؤية، ولا يكتفى بقول أهل الخبرة من الفلكيين ومن أشبه من دون وجود للرؤية.

            من هنا لم يعتمد الفقهاء على كلام الفلكيين، وقالوا بأن للرؤية شبه الموضوعية، مع أنهم لم يقولوا بذلك في قوله تعالى: حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ (9). وربما لأن هذه المسألة هي إلزام لعموم المكلفين، فينبغي أن تكون في مقام إثباتها كذلك، كما في مقام ثبوتها.

            حيث قال عليه السلام: (صُمْ لِلرُّؤْيَةِ وَأَفْطِرْ لِلرُّؤْيَةِ، وَلَيْسَ رُؤْيَةُ الْهِلالِ أَنْ يَجِي‌ءَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ فَيَقُولانِ رَأَيْنَا، إِنَّمَا الرُّؤْيَةُ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ رَأَيْتُ فَيَقُولَ الْقَوْمُ صَدَقْت) (10).

            وهذا خاص بهلال شهر رمضان وشوال.

            أما في سائر الأهلة لسائر الأشهر، فإننا نرى كفاية الأخذ بقول الفلكيين، وهو حجة من باب قول أهل الخبرة الثقاة، وحينئذ يترتب على قولهم الأحكام الشرعية، والموضوعات المرتبطة، كتحديد يوم عرفة وليلة العيد ويومه وأيام التشريق وما أشبه.

            فإذا نذر أن يصوم أول يوم من رجب أو شعبان، أو نذر أن يذبح شاة ويطعمها في الليلة الأولى من شعبان، أو يزور الإمام الحسين (عليه السلام) في ليلة النصف منهما، جاز له أن يعتمد على قول الفلكيين، لأنهم أهل خبرة وثقاة، وعلى الرجوع إليهم سيرة العقلاء من غير ردع شرعي.

            نعم اذا اختلف أهل الخبرة فبالتعارض يكون التساقط أو غيره، مما ذكر في محله.

            ((العلم المتطور وتشخيص الهلال))
            سأل أحد الفضلاء وقال: سابقاً لم تكن هناك خبرة في علم الفلك ولم تكن هذه الآلات الحديثة، فربما الفقهاء أفتوا بلزوم الرؤية لذلك، ولكن بما أنها طريقية فالأمر يختلف في زماننا هذا؟

            فأجاب سماحته: الخبرة الفلكية كانت سابقاً، فهذا العلامة نصير الدين الطوسي (رحمه الله) هو المؤسس للمرصد في مراغة، وما أكثر العلماء السابقين الخبراء في الفلك، وكانت لهم أدوات مهمة، مع ذلك أفتى الفقهاء بأن المعيار الرؤية المجردة.

            وربما التأكيد على الرؤية وأنها هي المعتبرة دون غيرها، كان منعاً من التساهل والتلاعب الذي اتخذته العامة بالنسبة إلى هلال رمضان وشوال، حيث كان بعضهم يحكم بثبوته عند ما يشتهيه حكام الجور أو ما أشبه، وإلى الآن يعتمدون على الموازين غير الشرعية التي لا تكون حجة، كشهادة الفاسق وما أشبه، ولذلك تراهم يصومون ويفطرون عادة قبل رمضان وشوال، وكثيراً ما ثبت حتى عندهم خطأ ما قالوه بالبراهين، فلم يوفقوا لصوم ولا لفطر ولا أضحى كما في الروايات:

            روي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام، قَالَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا تَقُولُ فِي الْعَامَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ لا يُوَفَّقُونَ لِصَوْمٍ، فَقَالَ لِي أَمَا إِنَّهُمْ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَةُ الْمَلَكِ فِيهِمْ، قَالَ قُلْتُ: وَ كَيْفَ ذَلِكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمَّا قَتَلُوا الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السلام) أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَلَكاً يُنَادِي أَيَّتُهَا الأمَّةُ الظَّالِمَةُ الْقَاتِلَةُ عِتْرَةَ نَبِيِّهَا لا وَفَّقَكُمُ اللَّهُ لِصَوْمٍ وَلا فِطْرٍ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ لِفِطْرٍ وَلا أَضْحًى) (11).

            وفي الكافي الشريف:

            قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): لَمَّا ضُرِبَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) بِالسَّيْفِ فَسَقَطَ رَأْسُهُ ثُمَّ ابْتُدِرَ لِيُقْطَعَ رَأْسُهُ نَادَى مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ: أَلا أَيَّتُهَا الأمَّةُ الْمُتَحَيِّرَةُ الضَّالَّةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا، لا وَفَّقَكُمُ اللَّهُ لأضْحًى وَلا لِفِطْرٍ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): فَلا جَرَمَ وَاللَّهِ مَا وُفِّقُوا وَلا يُوَفَّقُونَ حَتَّى يَثْأَرَ ثَائِرُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) (12). نعم الفقه عندنا فقه تلقيناه من المعصوم (عليه السلام)، فلما أمروا بالرؤية لابد من الأخذ بها.

            وإلا فمجرد ولادة الهلال أو مضي بعض الساعات على ولادته لا يكفي، فإن مع هذه الأجهزة الحديثة المتطورة ربما يمكن رؤية الهلال نهاراً، أو في بدو ولادته، وحتى في فرض استحالة رؤيته بالعين المجردة لعموم الناس، فهل يكفي ذلك والنصوص تقول بالرؤية.

            ينقل المرحوم الوالد أنه لما نزل المجهر، سأل البعض الميرزا محمد تقي الشيرازي (رضوان الله عليهما وعلى جميع العلماء الماضين) عن حكم رؤية الهلال به، فتأمل الشيخ شيئاً ثم قال: فلينظروا بالمجهر ويشخصوا مكان الهلال فإذا رأوه بالعين العادية غير المسلحة يحكم بثبوته وإلا فلا.

            ثم أضاف سماحة السيد المرجع (دام ظله): بأنه لو جعلنا الرؤية طريقية محضة وقلنا بالأخذ برؤية الآلات الحديثة حتى مع عدم إمكانها بالعين المجردة، فهل تقولون في الفجر كذلك؟

            فإن الفجر الصادق هو البياض المعترض في أفق السماء وهو الخيط الأبيض، ولا عبرة بالكاذب الذي يكون كذنب السرحان الخارج مستدقاً مستطيلاً ويسمى الخيط الأسود، فالملاك فيه التبين والرؤية العرفية، أما إذا أردنا الرؤية عبر الآلات المتطورة الحديثة، فربما قبل نصف ساعة من الرؤية العادية يمكن رؤيته، فهل تقولون بحلول الفجر حينئذاك؟ فيصلي الفجر قبل التوقيت الفعلي بنصف ساعة مثلاً.

            إذن الملاك في الفجر الصادق وتبينه ما كان كالقبطية البيضاء (13) وكنهر سورى (14) على ما ذكره الفقهاء (15).

            من هنا نقول المعيار هو ما يُرى عادة سواء في الهلال أو الفجر أو ما أشبه، ولا يعتبر برؤية الشواف (16) الذي يرى دائماً وفي كل الشهور ما لا يرى غيره من عموم الناس.

            نعم في زماننا هذا يمكن تعيين مكان الهلال بالآلات الحديثة ثم الرؤية بالعين المجردة كما قاله الميرزا محمد تقي الشيرازي (رحمه الله).

            وهذه المسألة أيضاً تكون من مصاديق تلك الكبرى الكلية التي أشرنا إليها في هذه الليالي:

            (المطلقات لا ظهور لها في المصاديق غير المتعارفة)، انظر مادة (التعارف) و(المتعارف) وما أشبه في كتب الفقهاء.

            ومع الشك يؤخذ بالقدر المتيقن، لأن الشك حينئذ شك في سعة وضيق الظهور.

            فهناك (أصالة الإطلاق) وهناك (أصالة عدم الإطلاق)، أحياناً نعلم بالظهور ونشك في المراد فأصالة الإطلاق، أما إذا شككنا في أصل الإطلاق فالأصل عدم الإطلاق على ما هو مذكور في الأصول.

            وقد أشرنا إلى ذلك في مثل حد الترخص والأمور الأربعة فيه، وفي الأشبار والدلاء وما أشبه.

            ((موارد الخروج عن القاعدة))
            نعم إذا كان هناك ارتكاز محرز أو إجماع أو دليل من نص وما أشبه، على شمول المطلق أو العام حتى للفرد غير المتعارف فهو.

            كما في باب الوضوء والغسل، بناءً على المشهور وربما يكون اتفاقياً، حيث دل الدليل على لزوم الدقة في إيصال الماء إلى تمام البشرة مستوعباً، فإذا لم يغسل بقدر رأس إبرة قالوا ببطلان طهارته وضوءاً أو غسلاً، كما قال صاحب العروة: (آماقه).

            ففي العروة: (مسألة إذا بقي مما في الحد ما لم يغسل‌ ولو مقدار رأس إبرة لا يصح الوضوء فيجب أن يلاحظ آماقه وأطراف عينه لا يكون عليها شي‌ء من القيح أو الكحل المانع وكذا يلاحظ حاجبه لا يكون عليه شي‌ء من الوسخ وأن لا يكون على حاجب المرأة وسمة أو خطاط له جرم مانع) (17).

            من هنا نقول بلزوم الغَسل الدقي، وعدم الاكتفاء بالغَسل العرفي، مع أن مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن النص الصحة وإن بقي شيء دقة، لأن الفرد المتعارف من الغَسل يشمل مثل ما لم يستوعب بقدر رأس الإبرة.

            فالملاك العام في كل شيء ما يفهمه العرف من الفرد المتعارف، لأن الخطاب ألقي إليهم، إلا ما خرج بالدليل.

            لا يقال: الصدق العرفي قد يكون من التسامحات العرفية ولا اعتبار بها.

            لأنه يقال: هناك فرق بين التسامحات العرفية وبين ما يراه العرف حقيقة، وإن كان تسامحاً بالدقة العقلية، فالتسامحات العرفية كالمجازات ليست بحجة، أما المعاني الحقيقية بحسب العرف فلا إشكال فيها بل هي دون غيرها االمراد.

            كان المرحوم العلامة الشيخ عبد الرحيم القمي (رضوان الله عليه) من أساتذتنا في كربلاء المقدسة، ومن علمائها الصالحين الأخيار، وكان أحياناً في درسه لبيان عدم وجود الإشكال، يقول بالفارسية: (كِل قرمزش كجاست)، ويقصد ما هو الإشكال في ذلك؟.

            ((ملاك الربا في البيع عقدا أو تسليماً))
            سأل أحد الفضلاء إذا كان الشيء عند عقد البيع من المعدود فباعه بزيادة، ولكن عند التسليم أصبح من المكيل أو الموزون، وكذلك العكس فما حكمه؟

            فقال سماحته (دام ظله) المعيار وقت عقد البيع، لأن البيع حينئذ تام بشرائطه وأجزائه، وبه يحصل التمليك، أما التسليم فهو وفاء بالعقد وليس العقد بنفسه.

            ((الوضوء على الجنابة))
            سأل أحد الفضلاء عن الوضوء على غسل الجنابة والجمع بينه وما دل على استحباب الوضوء على الوضوء؟

            فقال سماحته: بما أن النص والإجماع دلا على حرمة الوضوء قبل غسل الجنابة وبعده وأنه بدعة فلا يجوز، وهذا تخصيص أو تخصص بالاعتبارين لأدلة الوضوء على الوضوء.

            قال الصّادق (عليه السلام): (في كلّ غسل وضوء الّا غسل الجنابة) (18).

            وفي رواية: (الْوُضُوءَ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ بِدْعَةٌ) (19) والمراد به غسل الجنابة.

            وعَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) وَذَكَرَ كَيْفِيَّةَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ: (لَيْسَ قَبْلَهُ وَ لا بَعْدَهُ وُضُوءٌ) (20).

            وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قُلْتُ لأبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): (إِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ يَرْوُونَ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، قَالَ: كَذَبُوا عَلَى عَلِيٍّ (عليه السلام) مَا وَجَدُوا ذَلِكَ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (عليه السلام) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (21).

            وكان أحد المؤمنين يقوم لصلاة الليل فيتوضأ ويصليها ثم يجدد وضوءه ويصلي به الفجر.

            وأحياناً يغتسل الجنابة فيصلي به نافلة الليل، ثم للفجر يتوضأ، وهذا لا يجوز.

            (فرع آخر):
            لو أخذه النعاس بعد غسله للجنابة، فهل يمكنه الوضوء احتياطاً للصلاة التي بعده، الجواب: بما أن الاستصحاب حجة، فبحسبه هو متوضئ فلا يجوز له التوضي.

            من هنا لا يكون الفرض مشمولاً لمثل الحديث الشريف: (الوضوء على الوضوء نور على نور، من جدد وضوءه من غير حدث جدد الله توبته من غير استغفار) (22).

            والتوبة هي الرجوع فإن نسبت إلى العبد فرجوع إلى ربّه، وإن نسبت إلى الله فهي رجوع منه تعالى إلى عبده برحمته عليه.

            وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
            الليلة الخامسة
            ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ

            (1) العروة الوثقى: ج1 ص782 المسألة 17: (إذا كان أهل الصفوف اللاحقة غير الصف الأول متفرقين‌، بأن كان بين بعضهم مع البعض فصل أزيد من الخطوة التي تملأ الفرج فإن لم يكن قدامهم من ليس بينهم وبينه البعد المانع ولم يكن إلى جانبهم أيضا متصلا بهم من ليس بينه وبين من تقدمه البعد المانع لم يصح اقتداؤهم وإلا صح، وأما الصف الأول فلا بد فيه من عدم الفصل بين أهله فمعه لا يصح اقتداء من بعد عن الإمام أو عن المأموم من طرف الإمام بالبعد المانع‌).
            (2) وسائل الشيعة: ج8 ص384 ب46 ح10968.
            (3) وسائل الشيعة: ج8 ص384 ـ 385 ب46 ح10969.
            (4) وسائل الشيعة: ج8 ص385 ب46 ح10968.
            (5) وسائل الشيعة: ج8 ص386 ب46 ح10972.
            (6) انظر (تحف الأبرار) ج1 ص216 بالفارسية، للسيد محمد باقر الشفتي ت1260هـ، وأيضا ج1 ص222 حيث نسبها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله).
            وانظر أيضا: (شرح نبراس الهدى ـ ارجوزة في الفقه) للسبزواري ت 1289: ص138 و167. عبر عنه بـ (ورد).
            وانظر أيضا (الغاية القصوى في ترجمة العروة الوثقى) ج1 ص324 حيث عبر المحدث الشيخ عباس القمي بكونها رواية، وإن لم يصرح بذلك السيد في العروة، بل ذكرها بلا نسبة.
            (7) انظر العلامة المجلسي في بحار الأنوار: ج79 ص248 و303 وج81 ص255 ط بيروت، ومرآة العقول: ج12 ص331 وج15 ص477.
            نعم قال بعض المحققين كما ورد في الهوامش التحقيقية على كتاب (شرح فروع الكافي) للمازندراني: ج2 ص347 تعليقاً على (الصلاة معراج المؤمن): هذه العبارة مع كثرة تداولها على الألسن لم ترد في المصادر الروائيّة، وأقدم مصدر وردت فيه هذه العبارة ونسب إلى النبي (صلى الله عليه و آله) تفسير الرازي: ج1 ص266، ولم أجده في مصادر الإماميّة، والظاهر أنّها من عبارات علمائنا المتأخّرين.
            (8) تهذيب الأحكام: ج4 ص159.
            (9) سورة البقرة: 187.
            (10) تهذيب الأحكام: ج4 ص159 و164.
            (11) علل الشرائع: ج2 ص389 ب125 ح1.
            (12) الكافي: ج4 ص 170 ح3.
            (13) ثياب بيض رقاق تتخذ في مصر. انظر صحاح اللغة: ج3 ص1151.
            (14) يراد به الفرات. انظر مجمع البحرين: ج3 ص339.
            (15) انظر جواهر الكلام: ج7 ص96. والعروة الوثقى: ج1 ص519.
            (16) الشواف كلمة باللغة العراقية يراد به كثير الرؤية الخارج عن الحد المتعارف.
            (17) العروة الوثقى: ج1 ص204.
            (18) وسائل الشيعة: ج2 ص249 ب35 ح2073.
            (19) وسائل الشيعة: ج2 ص248 ب34 ح2071.
            (20) وسائل الشيعة: ج2 ص246 ب34 ح2066.
            (21) وسائل الشيعة: ج2 ص247 ب34 ح2069. والآية في سورة المائدة: 6.
            (22) الفقيه: ج1 ص41 ح82.

            تعليق


            • #7
              الليلة السابعة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة


              بسم الله الرحمن الرحيم

              الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
              ((استحباب الوضوء التجديدي))
              بدأ أحد الفضلاء بقراءة رواية ترتبط بنهاية البحث في الليلة السابقة:

              عن أبي عبد الله (عليه السلام): (ما كان وضوء علي (عليه السلام) إلا مرة مرة) (1) ، وأراد أن يقول هذه الرواية وما أشبه تنفي تجديد الوضوء.

              فأجاب سماحته (دام ظله): هذه الرواية في تعداد الغَسل والمسح، لا نفي الوضوء على الوضوء، كما يستفاد من قوله (مرة مرة)، والقرينة عليه ما ورد في سائر الروايات من قوله (عليه السلام): (من زاد لم يؤجر).

              فعَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: (الْوُضُوءُ مَثْنَى مَثْنَى، مَنْ زَادَ لَمْ يُؤْجَرْ عَلَيْهِ، وَحَكَى لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَغَسَلَ وَجْهَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَذِرَاعَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِفَضْلِ وَضُوئِهِ وَرِجْلَيْهِ) (2).

              فأصل استحباب تجديد الوضوء وأنه نور على نور مسلّم، نعم هناك فروع عديدة ذكرها الفقهاء في كتبهم المفصلة كالجواهر وما أشبه.

              ((الحمل على المتعارف))
              ذكرنا سابقاً أن الشيخ الأعظم (رحمه الله) وغيره كصاحب الجواهر (قدس سره) حملوا المطلقات الواردة في النصوص على المتعارف من أفرادها، وقالوا: هي منصرفة إليها، وبالتتبع يظهر أن المسألة متسالم عليها بين الفقهاء.

              ولا بأس هنا بالإشارة إلى موضع واحد من عشرات المواضع التي ذكرها صاحب الجواهر في كتابه بعد قول المحقق في الشرائع:

              قال المحقق: (لا يجوز للمسافر التقصير حتى يتوارى جدران البلد الذي يخرج منه أو يخفى عليه الأذان).

              والدليل على ذلك روايات صحيحة، والتي منها:

              صحيح ابن مسلم: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل يريد السفر فيخرج متى يقصر، قال: إذا توارى من البيوت‌ (3).

              والفقهاء استفادوا منه تواري الجدران، للتلازم بينه وبين تواري المكلف عنها.

              وصحيح ابن سنان، سأله عن التقصير، فقال: إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع الأذان فقصر، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك) (4).

              قال صاحب الجواهر في ج14 ص 285 إلى 298:

              (وعلى كل حال فالمدار في السماع والرؤية على المعتادين دون الخارقين، وفاقدهما أو أحدهما يقدرهما، كما أنه يقدر عدم الحائل لو كان بستاناً أو غيرها، ولو كانت خطة البلاد خاصة في شاهق أو واد منخفض قدرها في المستوي، تنزيلاً للإطلاق على الغالب).

              والشاهد في قوله (تنزيلاً للإطلاق على الغالب) فهو الكبرى، والسبب في التنزيل الظهور فيه.

              وهذا نموذج واحد من عشرات الموارد التي صرح الفقهاء بحمل المطلق على المتعارف من أفراده.

              ولا يخفى أن اختلاف المصاديق في السمع والبصر، والبلاد المنخفضة والشاهقة، لم يكن شيئاً جديداً، بل كان منذ زمن المعصومين عليهم السلام بل وقبلهم، وفي مختلف الأعصار والأمصار، مع ذلك حمل الفقهاء تلك الإطلاقات على المتعارف منها.

              يقول الجواهر أيضاً: (ولو كانت بيوت البلد على خلاف الغالب من العلو أو الانخفاض ردت إليه، مع ملاحظة صنف تلك البلدة أو القرية، كما أنه لو كان صوت المؤذن خارق المعتاد علواً أو انخفاضاً رد إليه أيضا) (5).

              ((إشكالات وأجوبة))
              هنا أشكل أحد الفضلاء قائلاً:

              غير المتعارف والنادر على قسمين، أحياناً هناك انصراف عنه، وأخرى لا انصراف عنه، فمثلاً إذا قال (أكرم الإنسان) فهو يشمل حتى الفرد غير المتعارف منه كالأقزام مثلاً.

              وما ذكرتم من الأمثلة كخفاء الجدران والأذان، باعتبار ان الشارع أراد مسافة معينة لحد الترخص وجعل لها علامات، فهي طريقية، وحينئذ حمل المطلقات على ما ذكر في بابههما، ليس من باب إخراج غير المتعارف مطلقاً ومن كل مطلق، بل لوجود القرائن هنا في الإخراج.

              - فأجاب سماحته (دام ظله): أحياناً الانصراف لكثرة الوجود فليس بمعتبر لأنه لا يرتبط باللفظ بل بالمصاديق، أما إذا كان الانصراف من حاق اللفظ إن صح التعبير فيؤخذ به.

              والفقهاء قالوا بالانصراف إلى المتعارف، لا من باب كثرة الوجود حتى لا يكون حجة.

              فالنتيجة أن شمول المطلقات لغير المتعارف بحاجة إلى دليل، دون العكس.

              وما ذكرتم من الأمثلة كما في إكرام الإنسان ففيه الدليل.

              - قال المستشكل: مثال آخر، هناك إطلاق في غسل الوجه واليدين للوضوء، ومع ذلك لم يحمله الفقهاء على الفرد المتعارف حصراً، بل قالوا: بشموله للفرد غير المتعارف كمن له إصبع زائد. أو من كانت يده طويلة جداً، حيث لابد من غسل تمام ما بين المرفق إلى الأصابع وإن كان أزيد من المتعارف.

              - فأجاب سماحته (دام ظله): ما قلناه من الحمل للانصراف وغيره مع عدم الدليل على الخلاف، وفي هذه الأمثلة كلها نعلم بالقطع وغيره بأن الفرد غير المتعارف مما مثلتم به مشمول أيضاً، ولا بحث في ذلك.

              وإنما الكلام في غير المورد المقطوع بخروجه أو دخوله، فإذا شككنا في شمول الاطلاقات لغير المتعارف فالقاعدة الكلية التي تمسك بها الفقهاء في عشرات الموارد هي الحمل على المتعارف دون غيرها. وذلك لأن الإطلاقات أمارة وهي في فرض عدم وجود العلم.

              فالحمل على الغالب وهو المتعارف لا يحتاج إلى القرينة، بل شموله لغير المتعارف بحاجة إلى قرينة ودليل.

              - ثم قال المستشكل: يقول العملاء في الأصول بحجية الإطلاق والعموم، وهذا ينافي عدم الشمول؟

              - فأجاب سماحته (دام ظله): الاطلاق والعموم لا ينافي ما ذكرناه على ما بيناه، وإلا ففي كل منصرف يأتي نفس الإشكال، مضافا إلى ما سبق من عدم الظهور في الإطلاق والعموم من حيث الشمول للفرد غير المتعارف.

              هذا ونحن لا ننظر إلى كلام الفقهاء في الأصول فحسب، بل لابد من النظر إلى فقههم أيضاً لنرى مدى تطبيق تلك القاعدة الأصولية على الفقه، وكم من مبنى التزموا به في الأصول وخالفوه في الفقه.

              الشيخ الأعظم (رحمه الله) في الرسائل يصرح بأن خبر الواحد حجة إذا كان يفيد الاطمينان الشخصي، ولكنه في الفقه لا يلتزم بذلك.

              وهو (قدس سره) يقول في الأصول بعدم لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية، ولكنه في الفقه يفتي بلزوم الفحص إلا ما خرج.

              ثم قال سماحته (دام ظله): ليس الكلام في مورد خرج بالدليل للارتكاز والاطمينان والإجماع والقطع وما أشبه، فالقاعدة العامة هي حمل المطلقات على الفرد الغالب أي المتعارف، وغيره بحاجة إلى قرينة، لا أن الجانبين من الحمل على المتعارف والحمل على الأعم منه ومن المتعارف بحاجة إلى قرينة، لم يقل بهذا أحد.

              فإن كان الانصراف لكثرة الوجود لا اعتبار به، وإن كان الانصراف من اللفظ نفسه أي من حاقه فهو حجة. وما نحن فيه من قبيل الحجة.

              - قال المستشكل: الانصراف هنا ليس من اللفظ بل من عدم تمامية مقدمات الحكمة.

              فقال سماحته (دام ظله): عدم تمامية المقدمات سبب للانصراف، وإلا فالانصراف من اللفظ.

              إذن الروايات والآيات وهي مليئة بالعمومات والإطلاقات، فإذا كان هناك مصاديق متعارفة وغير متعارفة فالقاعدة الحمل على المتعارف منها إلا ما خرج بالدليل.

              نعم ربما يكون الدليل المخرِج، الشهرة إذا قال أحد بحجيتها، أو الاجماع المنقول إذا قال أحد بحجيته كالشيخ الأعظم (رحمه الله)، وبعض الأمثلة التي تفضلتم بها خارج بالدليل، أما القانون العام فهو ما ذكرناه.

              ((بين الغالب والمتعارف))
              قال أحد الفضلاء: لماذا قال صاحب الجواهر (تنزيلاً على الغالب)، مع أن الغلبة وكثرة الوجود لا اعتبار بها في الانصراف.

              فأجاب سماحته المراد بـ (على الغالب) الفرد المتعارف وليس مجرد الغلبة في الوجود.

              هذا هو الظهور المستفاد عرفا، وإن شك شخص فمقتضى الأصل العملي أيضاً ذلك أي الحمل على المتعارف كما هو واضح.

              ((بين العموم والإطلاق))
              قال أحد الفضلاء: هناك فرق بين العموم والإطلاق، وما تفضلتم به من الحمل على المتعارف هل يكون في العمومات أيضاً؟

              قال سماحته (دام ظله): لا فرق في الدلالة والظهور بين العموم والإطلاق، وكلاهما يحملان على المتعارف منهما.

              قال: الفرق هو أن دلالة العام بالوضع ودلالة المطلق بمقدمات الحكمة؟

              فقال سماحته (دام ظله): هذا ليس بفارق فيما نحن فيه، فلا فرق في الشمول بينهما، بل الفرق في السبب فقط.

              وإلا فإن لم نحمل العمومات والمطلقات على المتعارف منهما، لوقعنا في إشكالات عديدة بمختلف الأبواب الفقهية.

              - قال المستشكل: لابد من إحراز كون المتكلم في مقام البيان حتى نقول بالإطلاق، وليس ذلك شرطاً في العموم؟

              فأجاب سماحته (دام ظله): هذا الإحراز موجود بالأصل العقلائي في جميع الموارد إلا ما خرج، لأنه مقتضى حكمة الحكيم في بيانه، فالإحراز عرفي وليس بشخصي.

              من هنا نرى صاحب الجواهر وغيره يحمل على المتعارف في المطلقات والعمومات بلا فرق بينهما.

              إن قلتم: بأن المطلقات أضعف من العمومات.

              فنقول: هي الأضعف دليلاً، وليست الأضعف ظهوراً.

              من هنا قال بعض العلماء: لا فرق في الإطلاق والعموم في دلالتهما وجحيتهما، نعم هناك فرق في سبب الدلالة وبعض لوازمها.

              - قال المستشكل: عند التعارض بين العام والمطلق يقدم العام لوضعه للعموم، فلا يبقي مجالاً للإطلاق المبني على مقدمات الحكمة.

              فقال سماحته (دام ظله): الموارد تختلف، فهناك من لم يقبل بهذه الكلية، بل الأمر تابع للأظهر منهما، فإن كان الأظهر الإطلاق قدم على العموم، وهكذا في العكس.

              قال أحد الفضلاء: ربما يقال بأن الانصراف للفرد المتعارف فقط انصراف بدوي، وليس لظهور اللفظ في المتعارف على ما تذكرون، والغلبة سبب لهذا الانصراف، كما قالوا في الأصول بأنه لو أمر المولى بالماء وكان بجنبه الفرات فاللفظ منصرف إلى ماء الفرات، ولا حجية في ذلك؟

              فقال سماحته (دام ظله): نعم الغلبة بوحدها لا تكون دليلاً، فكثرة الوجود لا توجب الانصراف، وإن كان فهو بدوي، وإنما نقول بالحمل على المتعارف للفهم العرفي ذلك من الإطلاق، فالإنصراف هنا ليس بدوياً.

              وأشكل أحد الفضلاء: الانصراف هنا لعدم تمامية مقدمات الحكمة؟

              فأجاب سماحته (دام ظله): ربما يقال بأن البحث فيما نحن فيه هو بعد تمامية مقدمات الحكمة حيث الانصراف بعدئذ إلى المتعارف، وليس البحث قبل تمامية مقدماتها، وإلا فمن الواضح أن قبل تماميتها لا دلالة.

              ((عكس القاعدة))
              قال أحد الفضلاء: إذا عكسنا القاعدة وقلنا: المطلقات تحمل على جميع أفرادها ولا يخرج شيء منها حتى غير المتعارف إلا ما خرج بالدليل، فخروج غير المتعارف بحاجة إلى الدليل وليس شمولها له، ومثال حد الترخص وما فيه من حمل الأمور الأربعة (أذانا وجدراناً وسمعاً ورؤيةً) على المتعارف لأنه خارج بالدليل.

              فأجاب سماحته (دام ظله): المستفاد من كلام العديد من الفقهاء في كثير من الفروع وفي مختلف الأبواب الفقهية أنه يحمل المطلقات على المتعارف، فالقاعدة هذه وخلافها بحاجة إلى الدليل دون العكس.

              نعم قد يخرج بعض المصاديق تخصيصاً، وبعضها تخصصاً للدليل، وهذا لا ينافي ما ذكرناه.

              - قال أحد الفضلاء: بناءً على كلامكم سيكون استعمال المطلقات في الفرد غير المتعارف مجازاً، فهل استعمال المطلق في المقيد مجاز؟

              فأجاب سماحته: لا نقول بكونه مجازاً بحسب اللغة، فإن اللفظ بمعناه اللغوي شامل حتى لغير المتعارف، ولكن ما المانع من القول بمجازيته حسب المصطلح في الفقه، فإذا كان الإبصار شرعاً يراد به المتعارف، فالفرد غير المتعارف إذا سمي به كان مجازاً شرعياً، كما قالوا في زرقاء اليمامة وأنها كانت تبصر من مسافات بعيدة جداً، فإن رؤيتها رؤية لغة وليست رؤية شرعاً بما يوجب القصر والتمام في حد الترخص ذهاباً وإياباً.

              - قال أحد الحضور: إذا أراد الشارع المتعارف فقط، فلماذا لم يحدده من الأول؟

              - فأجاب سماحته (دام ظله):

              أولاً: حكمته عزوجل اقتضت أن يبين هكذا.

              ثانياً: التحديد موجود، لفهم العرف ذلك من الإطلاق، وهذا يكفي.

              ((إذا اختلف المتعارف))
              ثم أشار سماحته (دام ظله) إلى مسألة اختلاف المتعارف بعد إرجاع المطلقات إليه، وقال: فيه ثلاثة أقوال، الأخذ بأوسطه، والاعتبار بأكثره، وكفاية أقله، على تفصيل مذكور في محله.

              ((مسألة في العدة))
              وفي ختام البحث سأل أحد الفضلاء: ما ذا تقولون في امراة طُلقت فأخذت العدة وبعد العدة تزوجت من شخص آخر، ثم علمت بأن الزوج الأول كان قد مات قبل انتهائها من عدة الطلاق، فما حكمها؟

              من جانب كان عليها الاعتداد لموت زوجها، فتزويجها الثاني وقع في مفروض العدة، ومن جانب عدة الوفاة لا تكون إلا بالموت وبلوغ الخبر, وبما أنه لا بلوغ للخبر فلم تكن في العدة.

              قال سماحة السيد (دام ظله): هذه المسألة فيها خلاف، فيما إذا كانت مطلقة رجعية وهي بحاجة إلى التأمل فيها، أما البائنة فالحكم فيها واضح.

              ولكن ربما يقال في الرجعية بأنها إما في حكم المتزوجة أو في حكم من كانت في العدة، فالعقد الثاني باطل والأولاد شبهة، نعم ربما يقال بعدم ترتب الحرمة الأبدية عليها، فتأمل فالمسألة بحاجة إلى مراجعة علمية.

              وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
              الليلة السادسة
              ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
              (1) الكافي: ج3 ص27 باب صفة الوضوء ح9.
              (2) وسائل الشيعة: ج1 ص436 ب31 ح1145.
              (3) تهذيب الأحكام: ج2 ص12.
              (4) وسائل الشيعة: ج8 ص472 ب6 ح11196.
              (5) جواهر الكلام: ج14 ص296.

              تعليق


              • #8
                الليلة الثامنة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة


                بسم الله الرحمن الرحيم

                الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

                ((تغيير الجنس قبل تقسيم الإرث))
                بدأ البحث العلمي في هذه الليلة بسؤال أحد الفضلاء: إذا مات شخص وقبل تقسيم الإرث قام أحد الورثة بتغيير جنسه من ذكر إلى أنثى أو بالعكس، فهل يرث حصة الذكر أم الأنثى؟

                فأجاب سماحة السيد المرجع (دام ظله):

                يقال إن ما يوجد اليوم من تغيير الجنس هو تبديل بعض الأعضاء وربما يترتب عليه بعض الآثار ولكن ليس تغييراً حقيقياً في جنس الذكر والأنثى، بناءً على ذلك يبقى الشخص على ما كان.

                ولكن إذا فرضنا التغيير الحقيقي، وتبدل الموضوع، فبشكل عام في كل مورد تبدل الموضوع عرفاً فالحكم تابع له، إلا ما خرج بالدليل.

                فإذا كان تغيير الجنس قبل موت مورثه فيرث حصة المتغير لا المتغير منه، أما إذا كان التغيير بعد موته فلا، لأن بالموت تنتقل التركة إلى الورثة وإن لم يقسم بينهم بعدُ، فالتقسيم ليس ملاكاً في الحصص بل هو تنفيذ للحصص، والملاك في الانتقال الموت، وهذا ظاهر النصوص من الآيات والروايات، قال تعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين)(1)، يعني حين الموت، فالمال يتعلق بالورثة حينه لا حين التقسيم، والتقسيم تنفيذ لما تعلق وليس إنشاءً للتعلق.

                فالمالك يرث حصته بموت مورثه، نعم هو ملك مشاع إلى أن يقسم ويفرز، ومن هنا إذا مات أحد الورثة قبل التقسيم، يرث ورثته حصته، وإن كان لم يقسم بعد، فإذا مات أحد الأولاد بعد موت أبيه ورث ورثة الولد كأولاده إرثه.

                قال أحد الفضلاء: الإرث معلق وليس بمنجز حتى يقسم؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): من أين ذلك، إذا مات الرجل تملك زوجته حصتها وإن لم تقسم التركة بعد، فإذا جعلت نفسها بعملية جراحية رجلاً حقيقياً مثلاً لا يتغير حصتها.

                ((موارد النقض))
                هنا دار الحوار العلمي بين أحد الفضلاء وبين سماحته، وقد ذكرناه بهيئة السؤال والجواب:

                □ س: إذا لم يكن الملاك قبل التقسيم، فلماذا يرث الكافر إذا أسلم بعد الموت وقبل التقسيم؟

                ج: هذا بالدليل الخاص، ولولا الدليل لما قلنا به هناك أيضا.

                □ س: في العبد أيضاً فإنه إذا تحرر قبل التقسيم؟

                ج: هذا أيضاً بالدليل الخاص.

                □ س: ألا تشكل هذه الأمثلة ما يفيد الملاك ويدل على أنه قبل التقسيم؟

                ج: الجزئي لا يكون كاسباً ولا مكتسباً، إلا مع كشف الكبرى، ولا يكون الكشف إلا بالظهور المفقود في المقام.

                □ س: هل يمكن القول بالتفصيل بين وجود الوصية والدين وعدمهما، قال تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين)(2)، فإن كانت هناك وصية أو دين فلا تنتقل التركة إلا بعد تنفيذ الوصية وأداء الدين، وإن لم يكن أحدهما فتنتقل؟

                ج: لا دليل عليه ومجرد الاحتمال لا يبنى عليه، بل بالموت تنتقل جميع تركته باستثناء الوصية والدين إلى الورثة على نحو المشاع، لا أنه ينتظر تنفيذ الوصية أو الدين أولاً ثم يحصل الانتقال، هذا لم يقل به أحد من العلماء. فإذا كان يملك الفاً وكانت وصاياه وديونه مائتين، فالثمانمائة تنتقل إلى ورثته بعد موته فوراً.

                نعم التأكيد في الآيتين(3) على الوصية والدين حتى لا يقسم التركة وبعد ذلك يصعب تنفيذهما.

                □ س: إذا غير الجنس قبل موت المورث فما حكمه؟

                ج: مع تحقق الموضوع والتبدل الحقيقي فحسب الموضوع الجديد، وإن كان هناك بحث في الصغرى وأنه هل يتغير الشخص حقيقة أم مجرد تغيير بعض الأعضاء وحصول بعض الآثار.

                ((إذا ارتد الوارث بعد الموت))
                □ س: إذا مات الشخص وبعد موته ارتد أحد الورثة ولكن قبل تقسيم التركة؟

                ج: إذا كان حين الموت مسلماً فيرثه وإن ارتد بعد ذلك، لما ذكرناه من الملاك.

                □ س: إذا ارتد الرجل وكان حده القتل، كلنه قبل إجراء الحد غير جنسه فأصبح امراة، فهل يدرأ عنه الحد، لأن المرأة تستتاب.

                ج: ربما يقال بدرء الحدود للشبهة، فإنها تدرأ بها، فيكون دليل الدرء حاكماً على الملاك الذي ذكرناه.

                □ س: إذا ارتكب جناية كما لو قتل رجلاً، فجعل نفسه امراة، أو بالعكس؟

                ج: لابد من ملاحظة وقت تعلق القصاص فهو الملاك، دون وقت تنفيذ القصاص، فبما أن القصاص يتعلق بالجناية، لا اعتبار بما بعده من هذا الحيث.

                ((قاعدة الميت لا يملك))
                هناك قاعدة فقهية أخرى، قالوا (الميت لا يملك)، وهي تفيد نقل تركته بموته فوراً، فلا يؤثر تغيير الجنس بعد الموت، وإن ناقشنا القاعدة في بعض المصاديق الأخرى مما هو خارج عن محل البحث.

                □ س: لا قصاص إلا بمطالبة الولي، فكيف تقولون بأنه يتعلق بمجرد الجناية؟

                ج: شرط إجراء القصاص مطالبة الولي، وليس هو شرطاً في تعلق حكم القصاص.

                ((وقف المال والمالية))
                من المسائل التي كثر السؤال عنها، وقف المال أو المالية، فما حكمه؟

                هناك ثلاث مسائل:

                1: أحياناً يوقف العين، فهو (حبس الأصل وتسبيل المنفعة) ولا إشكال في ذلك.

                2: وربما أوقف مالية العين، كمالية البستان لا نفسه، فالوقف لم يتعلق بعين البستان بل بقيمته، فيجوز للمتولي إذا رآى المصلحة أن يبدل البستان إلى فندق أو محلات تجارية أو معمل أو مصنع أو ما أشبه، وإن لم يصبح البستان مسلوب المنفعة.

                3: وربما يوقف الشخص الأموال، فهذا المليون وقف وذاك المليار وقف وهكذا، ليصرف ربحه في عزاء الإمام السحين (عليه السلام) مثلاً.

                العمومات تشمل كل هذه الصور، قال (عليه السلام): (الوقوف على حسب ما يقفها أهلها)(4).

                □ س: حقيقة الوقف على ما بينه الفقهاء هو (حبس العين وتسبيل المنفعة)، فالصورة الثانية والثالثة (وقف المالية والمال) خارج عن هذه الحقيقة.

                ج: هذا التعبير(5) ليس نصاً، لا آية ولا رواية.

                □ س: هو مصطاد من النصوص؟

                ج: إذا كان مصطاداً فلا حجية فيه، بل نتعبد بما اصطيد منه من النصوص الموجودة.

                ((إشكالان على وقف غير العين))
                لكن هناك إشكالين علميين، على احتمال صحة مثل هذه الوقوف التي ليست بعين، بل وقف المال أو المالية، حتى مع القول بشمول عموم النص (الوقوف...) لهما.

                ((الإعراض عن العموم))
                الاشكال الأول: قال بعض بإعراض الفقهاء عن عموم (ما يقفها أهلها)، فالفقهاء لم يفهموا إلاّ خصوص وقف العين، فالنص وإن كان عاما (ما يقفها) وهو يشمل المال والمالية، لكن الفقهاء اعرضوا عن هذا العموم وقالوا بعدم شمول النص إلا ما كان حبساً للعين.

                قال أحد الفضلاء: لا عرفية في وقف المال والمالية، فكيف يقال بصحتهما؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): العرفية موجودة بلا شك، إذ الكثير من عقلاء العالم في يومنا هكذا يوقفون المال أو المالية، وقد سئلت اليوم عن نفس المسألة، وكثيرا ما يسألون عنها، وهذا دليل على عرفيته.

                وقال أحد الفضلاء: بما أن الوقف الشرعي هو حبس العين، فهذا ليس بوقف إذ لا حبس فيه للعين، نعم يمكن أن يكون معاملة جديدة، وبما أن المعاملات إمضائيات فلا اشكال فيها. كما أجاز العلامة المساقاة من هذا الباب.

                فقال سماحته (دام ظله): مع عدم وجود دليل ربما يقال بصحة ما ذكر، ولكن نحن لا نحتاج إلى إمضائيات العقود، بل نقول بشمول العموم له، نعم إذا ثبت الإعراض فلا يمكن التمسك بالعموم.

                قال أحد الفضلاء: هذا ليس بإعراض، لأن المسألة لم تكن مطروحة من قبل، فلم يكن آنذاك وقف روح المال، وعدم التعرض لا يعني الإعراض، كما أن تعريفهم للوقف كان ناظراً للأفراد والمصاديق الموجودة ولا يراد به نفي ما يتجدد من المصاديق.

                ((الإجماع المدعى على البطلان))
                الإشكال الثاني: الإجماع الذي ادعاه صاحب العروة في التكملة(6)، على بطلان وقف غير العين.

                وهذا الإجماع غير مسلّم أنه ناظر لنفي ما نحن فيه من وقف المال والمالية، حيث المسألة لم تكن مطروحة من قبل حتى يقال بالمحصل من الإجماع، أما المنقول منه لم يقبل به الكثير.

                ومع عدم القبول بالإجماع ولا الإعراض، فمقتضى القاعدة هو جواز مثل هذه الوقوف مالاً أو ماليةً، نعم في مقام الفتوى ينبغي الاحتياط والتأمل الأكثر.

                ((المعاملة الجديدة المستقلة))
                قال أحد الفضلاء: إن كان هناك إعراض عن عموم الدليل، فيمكن القول بأن وقف المال والمالية هو كالمعاملة المستقلة الجديدة.

                فأجاب سماحته (دم ظله): هذا النوع من الوقف يسمى عرفاً وقفاً، ولا يرى العرف أنه معاملة جديدة.

                فقال الفاضل: هذا يشبه الضمان العرفي، فإنه يختلف عن الضمان الشرعي ولا يشمله دليله وإن رآه العرف ضماناً، ففي الضمان الشرعي يتحول الدين إلى الضامن، وفي العرفي يطالب من المديون فإن لم يدفع، طولب الضامن. حيث قال الفقهاء الضمان العرفي معاملة جديدة وإن سماه العرف ضماناً، هكذا نقول في وقف المال والمالية، وإن سمي بالوقف عرفاً، لكنها معاملة جديدة.

                الجواب: في الضمان هناك دليل يحدد المعنى الشرعي، ولكن التحديد الشرعي في (الوقف) عام، فما بقوله عليه السلام: (ما وقفها) يشمل مثل وقف المال والمالية، فلا داعي للقول بأنه معاملة جديدة، كما قيل في عقد التأمين بأنه معاملة جديدة.

                وكان المرحوم الوالد (رحمه الله) يستشكل في المعاملات الجديدة، ويسعى لإدخالها في عموم أحد المعاملات السابقة، فمثلا في التأمين على الحياة كان يقول لابد من أن يقوم الطرف بعمل شيء في المقابل حتى لا يكون أكلاً للمال بالباطل، ولو أن يأتيه كل شهر مرة ليفحص ضغطه.

                □ سأل أحد الفضلاء وقال: بناءً على مبناكم المذكور في هذه الليالي بأن الألفاظ تحمل على المصاديق المتعارفة، نقول عمومات الوقف أيضاً لابد أن تحمل على وقف العين، فهو المصداق المتعارف دون وقف المالية والمال.

                فأجاب سماحته (دام ظله): ليس وقف المال والمالية من غير المتعارف، بل العرف الآن يوقفون هكذا، وهو متعارف عند كثير من العقلاء، ولولا ما ذكرنا من الاشكالين الإعراض والإجماع لقلنا بصحتهما لشمول العموم لهما. فعدم وجود مصداق سابقاً لا يعني أنه غير متعارف كما هو واضح، ولا انصراف محرز في المقام، نعم كان الوقف سابقاً وقف العين بحسب مقتضى ذلك الزمان.

                □ قال أحد الفضلاء: ربما يمكن تصحيح وقف المال والمالية حتى من دون التمسك بعموم أدلة الوقف، لأن الوقف من المعاملات وهي إمضائيات؟

                فقال سماحته (دام ظله): نعم هذا الكلام صحيح في الجملة، ولكنا نقول بشمول العموم لولا الإشكالين، وهذا أقوى دلالةً كما لا يخفى.

                وربما يقال: إن الشارع أمضى ما أجراه العرف، ولابد من إحراز أن ما أمضاه مطلق، والتعبير بالإمضائيات في قبال المخترعات الشرعية كالصلاة وما أشبه.

                □ قال أحد الفضلاء: الموضوع يؤخذ في مفهومه من العرف وليس من العقلاء، فالعرف لا حجية له في المصاديق بل في المفاهيم، والمصاديق تؤخذ من العقلاء.

                فقال سماحته (دام ظله): هذا الكلام بحاجة إلى تأمل، ولكن العموم موجود في ما نحن فيه، ولا حاجة إلى علاج المسألة بخصوص الإمضائيات.

                □ سأل فاضل آخر من الحضور: على رأيكم هل يجوز بيع البستان الذي أوقف ماليته حتى وإن لم يكن هناك ضرورة في بيعه؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): بناءً على صحة وقف المالية نعم يجوز، ولكن لسنا الآن في مقام الفتوى، بل مجرد البحث العلمي وطرح المحتملات الفقهية.

                □ وقال أحد الفضلاء: هل كلامكم هذا هو نفس كلام المحقق الأردبيلي الذي يقول بأن الأحكام تختلف بحسب الزمان والمكان والموضوع؟

                فقال سماحته (دام ظله): ليس في بالي الآن كلام الأردبيلي (قدس سره)، ولكن تبدل الحكم لا يكون إلا بتبدل الموضوع، ويمكن تصوره بكون الزمان والمكان وما أشبه جزءاً من الموضوع وإلا فالأحكام باقية لا تتغير.

                □ فقال الفاضل: مراده ربما مثل بيع الدم حيث كان يفتي الفقهاء سابقاً بحرمته، والان أفتى البعض بالجواز، والا فالدم نفس الدم، فهل تبدل الحكم هنا أم الموضوع؟

                فأجاب سماحته (دام ظله): هذا ليس من تبدل الحكم من دون تبدل الموضوع، لم يكن للدم سابقاً منفعة عقلائية محللة فكان بيعها أكلاً للمال بالباطل، واليوم فيه منفعة عقلائية محللة لإنقاذ المصابين ومن يحتاج إلى الدم مثلاً.

                فمن أجاز البيع أشكل في عموم ما دل على حرمة بيع الدم، وقال المراد به الدم الذي لا منفعة محللة فيه، فهذا من تبدل الموضوع، وبعبارة أخرى لم يكن سابقاً بيعاً عقلائياً، والآن هو بيع عقلائي، فتأمل.

                □ فقال الفاضل: وكذلك الوقف، فسابقاً لم يكن وقف المال والمالية والآن موجود، أو نقول بأن (أوفوا بالعقود)(7) يراد به العقود الخارجية التي بأيدكم، فإن كان سابقاً الوقف في الأعيان فهو مصداق الآية، واليوم وقف المال والمالية مصداق الآية فيجب الوفاء به

                فقال سماحته (دام ظله): ظاهر القضايا أنها حقيقية لا أنها خارجية، إلا إذا ثبت بالدليل، فكلما كان بيعاً أو عقداً كان حلالاً ويلزم الوفاء به، لا أنها المصاديق الخارجية.

                وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
                الليلة السابعة
                ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                (1) سورة النساء: 11.
                (2) سورة النساء: 11.
                (3) سورة النساء: 11 و12، وفي الأولى (يوصي) وفي الثانية (يوصى).
                (4) الكافي: ج7 ص37 باب ما يجوز من الوقف.. ح34.
                (5) أكثر ما ورد في تعريف الوقف هو (حبس الأصل) والأصل ربما يشمل وقف أصل المال أي الصورة الثالثة، وإن لم يشمل وقف المالية، فتأمل.
                (6) تكملة العروة الوثقى: ج1 ص205، وفيه: (الفصل الثاني في شرائط الموقوف وهي أمور، ‌أحدها: أن يكون عينا‌، فلا يصح وقف المنافع، مثلا إذا استأجر دارا مدة عشرين سنة وأراد أن يجعل منفعتها وهي السكنى فيها وقفا مع بقاء العين على ملك مالكها طلقا لم يصح، لأنّ الانتفاع بها انّما هو بإتلافها فلا يتصور فيها تحبيس الأصل، إذ الأصل حينئذ هي المنفعة، وكذا لا يصح وقف الدين كما إذا كان له على الغير عشر شياة مثلا لا يصح أن يجعلها وقفا قبل قبضها من ذلك الغير، وكذا لا يصح أن يكون كلّيا في ذمّة الواقف كان يوقف عشر شياة في ذمته، وذلك للإجماع على الظاهر وانصراف الأدلة وعدم معهوديته والعمدة الإجماع إن تم).
                (7) سورة المائدة: 1.

                تعليق


                • #9
                  الليلة التاسعة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة




                  بسم الله الرحمن الرحيم

                  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

                  ((الصوم آنات))

                  سأل أحد الفضلاء: إذا نوى الصوم في آخر شهر رمضان، ثم تبين أنه عيد فنوى الإفطار ولم يفطر، ثم ظهر خطأ ذلك وأنه آخر رمضان، فعدل إلى صومه، فما هو حكمه؟

                  فأجاب سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): بناءً على أن الصوم واجب بسيط متشكل من آناءات متصلة، وأن قصد الإفطار أو المفطر مفطر على ما هو المشهور، أو قصد عدم الصوم وإن لم يقصد الإفطار أو المفطر، فصومه في مفروض السؤال باطل.

                  نعم يستثنى منه ما نص على صحة الصوم وإن حصل خلل في الآنات، كما لو لم ينو الصوم أول الشهر ثم تبين أنه رمضان ولم يأت بمفطر فإنه يصحه صومه قبل الزوال، وكذا المسافر القادم إلى وطنه أو ما بحكمه قبل الزوال ولم يأت بمفطر.

                  فهذا خارج بالدليل مع منافاته للآنات، ولكن فيما نحن فيه لا دليل على الخروج، فالقاعدة العامة التي تقول ببطلان الصوم لو نوى العدم أو لم ينو الصوم ولو في بعض آناته محكمة.

                  أما تلك الجزئيات المستنثاة بالنص فلم يفهم منها المناط القطعي حتى يتعدى إلى غيرها، فالجزئي لا يكون كاسباً ولا مكتسباً.

                  قال أحد الفضلاء: هذا الحكم مبنائي، ولا نص على أن الصوم آنات، والأدلة تقول بالمفطرات وليس منها قصد الإفطار أو المفطر، وربما يستفاد من بعض الموارد المستثناة والتي قد تصل إلى العشرة أن الصوم لا يضره مثل هذا القصد بالإفطار أو المفطر ما لم يأت به.

                  ومن تلك الموارد أيضاً: صوم المستحب حيث يمكنه النية قبل الغروب ما لم يأت بمفطر، وصوم من يقطع بأنه سيسافر قبل الزوال، فعليه أن يصوم مع أن نيته لا تشمل جميع اليوم، فلا آنات.

                  فقال سماحته (دام ظله): نعم هو مبنائي، فإن البعض لا يرى أن قصد المبطل مبطل، وما ذكرناه من البطلان فهو على مبنى المشهور، بل ادعى البعض الإجماع عليه.

                  ثم إن تلك الصغريات التي استثنيت بالنص، هل توجب العلم بالكبرى الكلية؟ المشهور قالوا: لا. أما مع القبول بالكبرى فلا بحث.

                  ((قوام الصوم النية))
                  قال أحد الفضلاء: بما أن قوام الصوم هو النية، فالمسألة واضحة، فقصد المفطر أو الإفطار مبطل بلا شك؟

                  فقال سماحته (دام ظله): نعم، لكن البعض يرى أن قصد عدم المفطرات ليس ركناً في الصوم، والركن هو ترك المفطرات وإن كان مشروطاً بالقصد ونية القربة.

                  قال أحد الفضلاء: حتى بناءً على أن قصد الإفطار والمفطر مبطل، يمكن أن يقال بأن في مفروض المسألة (1) حصل خطأ في التطبيق، وذلك لا يضر فيصح صومه؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): الخطأ في التطبيق لا يضر بصحة العمل فيما إذا لم يضر بالنية كما قالوا في الصلاة، وهنا حيث انقطعت الآنات فلا اتصال في الصوم فلا صوم، حيث إنه واحد بسيط ينقطع بانقطاع بعضه.

                  والمستفاد من النصوص أنه يلزم أن ينوي ترك المفطرات من الفجر إلى المغرب الشرعي مستمراً ولو على نحو الاستدامة الحكمية.

                  قال أحد الفضلاء: بأن المرحوم السبزواري في كتابه (المهذب) يقول: الصوم واجب بسيط والآنات مقدمات وجودية له، فيلزمه الاجتناب من المفطرات بنية الصوم، وهو يتصور على وجهين ولا يضره نية القطع أو القاطع في بعض الآنات على بعض الوجوه (2).

                  فقال سماحته (دام ظله): هذ الكلام بحاجة إلى إثبات.

                  فالمستفاد من الأدلة من الشيخ (رحمه الله) وإلى يومنا هذا، حيث قال الفقهاء بأن الصوم آنات تضرها نية القطع أو القاطع، فلا بد من الاستمرار بالنية في جميعها ولو على نحو الارتكاز.

                  ((أسئلة وأجوبة))
                  ثم دار الحوار بين الفضلاء وبين سماحته (دامت بركاته) على نحو الأسئلة والأجوبة التالية:

                  س: ماذا تقولون في النوم، فهو مخل بالآنات؟

                  ج: السيرة القطعية على أن النوم لا يضر بنية الصوم، مضافا إلى ما يستفاد من النصوص وأنه غير مخل شرعاً بنية الآنات،

                  ثم إن الاستدامة الحكمية تكفي، وهي لا تنافي النوم، أما إذا نوى الإفطار أو المفطر ولو في لحظة واحدة فهذا يضر.

                  س: يختلف عدم النية مع نية العدم، فربما يقال ببطلان الصوم مع نية الإفطار أو المفطر، ولكن مجرد عدم النية فلماذا؟

                  ج: قال الفقهاء عدم النية أيضاً مضر، للإخلال بالآنات التي تشكل الصوم الواحد.

                  س: إذا نوى الإفطار أو المفطر، أو حصل عدم النية، فنشك في صحة صومه فنستصحب الصحة؟

                  ج: لا مجال للاستصحاب مع وجود الدليل على أنه يضر عدم نية بالآنات ويقطعها.

                  فليست المسألة من مورد الشك حتى يؤخذ بالاستصحاب لإبقاء اليقين السابق، بل المسألة من الأمارات ودلالة الأدلة الاجتهادية على لزوم استمرار قصد الصوم وفعلية النية ولو بالارتكاز، أو الاستدامة الحكمية، فمع عدمها ولو لحظة، فالأمارة تقول بعدم الصوم ولا مجال حينئذ للاستصحاب.

                  س: يظهر من بحث الفقهاء في الآنات وأن الصوم بسيط أو مركب، أنهم شكوا في ذلك، فالاستصحاب يجري؟

                  ج: الفقهاء لم يشكوا في ذلك بل شككوا فيه، والفرق بينهما واضح، فالتشكيك بحث علمي وليس بفتوى، فإنهم قالوا بلزوم استمرارية النية ولو حكماً أو بعنوان الداعي، وأفتوا بأن الترديد هنا مبطل، نعم إذا كان الترديد في المنوي لا يضر، ولكن ما نحن فيه من الترديد في أصل النية.

                  ((الجهر في الصلاة))
                  ثم قال أحد الفضلاء ممن كان يحضر درس سماحته (دام ظله) في الفقه:

                  ذكرتم في الدرس: أنه في الصلاة الجهرية إذا أخفت في آخر حرف من الكلمة، لا يضر ذلك بصدق الجهر عرفاً، لأنه يقال جهر في صلاته، وأفتيتم بصحة صلاته، وهكذا نقول فيما نحن فيه، فإنه إذا نوى الصوم في كل الآنات ولكن في نادر منها نوى العدم أو عدم النية فهو لا يضر عرفاً بصومه؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): نعم قال صاحب العروة في مسألة الجهر بأن صلاته صحيحة، لكن غالب المحشين أشكلوا في ذلك، إلا المرحوم الآقا ضياء (رحمه الله) وبعض آخر، حيث قالوا إن دليل الجهر لا ظهور له في أكثر من ذلك، فإذا لم يجهر بحرف واحد فقط لا يضره، ولكنهم بأنفسهم قالوا في الصوم بأنه آنات إذا أخل بلحظة منها انتقض بكله.

                  وقال المرحوم السيد الأخ (أعلى الله درجاته) في مسألة الجهر وما ذكره السيد (رحمه الله) إنه لا خصوصية في الكلمة الأخيرة أو الحرف الأخير، بل ربما يكون ذلك في أول الكلمة أو وسطها.

                  ففي دليل الجهر قصور عن شمول جميع الحروف بكاملها، ولكن دليل الصوم يعني كل الآنات.

                  ((مما يؤيد عدم كون الآنات بكاملها ملاكا))
                  قال أحد الفضلاء: من تلك الفروع التي ربما يستفاد منها عدم كون الآنات بكاملها ملاكاً، ما لو قصد الأكل بل ورفع اللقمة إلى فمه بل أدخلها في فمه وإذا به يسمع أذان الفجر، حيث قال الفقهاء بأنه يجب إخراج اللقمة وعدم أكلها وصومه صحيح، مع أن الآنات لم تحصل هنا بالكامل، ففي تلك الآنات قصد الإفطار والمفطر.

                  وكذلك في المغرب إذا زعم أنه صار الليل فنوى الإفطار أو أخذ اللقمة وجعلها في فمه، ثم علم فأخرجها فوراً، قالوا بصحة صومه مع فقد بعض الآنات لنية الصوم.

                  فأجاب سماحته (دام ظله): نعم هذه ايضا من المستثنيات عن لزوم الآنات بكاملها، ولكن لابد من إحراز المناط منها والأصل عدمه، فيمكن المناقشة فيها على مبنى المشهور.

                  ((الولد الأكبر والقضاء الاحتياطي))
                  سأل أحد الفضلاء: إذا فات الصوم من الأب وجب قضاؤه على الولد الأكبر بعد موت أبيه، ولكن إذا كان فوت الصوم بناءً على الاحتياط الوجوبي وليست فتوى، فهل يجب على ولده الأكبر أن يقضيه؟ كما في الغبار الغليط والارتماس وما أشبه مما كان مفطراً على الأحوط وجوباً؟

                  ثم أضاف، في مثل هذه الموارد ألا يمكن القول بأن الولد الأكبر لا يعلم بأن ذمة الوالد مشغولة بالصوم حتماً حتى يقضيه، والأصل عدمه فلا يجب عليه القضاء.

                  وبعبارة أخرى ما يجب على الولد الأكبر هو قضاء الفائت ، وهذا لا يعلم بفوته.

                  ومثال آخر، كما لو صلى إلى ثلاث جهات إذا اشتبه في القبلة، وبقي عليه جهة واحدة لم يصل إليها، ثم مات وكان يمكنه القضاء فلم يقضها، فهل يلزم على وليه قضاء صلاته تلك.

                  فأجاب سماحته (دام ظله): المستفاد من الأدلة وجوب قضاء ما فات سواء فات على نحو الفتوى أو فات على نحو الاحتياط الوجوبي، إلا إذا كان الوارث يقلد من لا يوجب عليه ذلك أو كان هو مجتهدا لا يرى ذلك ـ إلا إذا اوصى الميت فيجب العمل بوصيته ـ على ما فصله السيد صاحب العروة في باب الاجتهاد والتقليد.

                  إذن بما أن الولد الأكبر يعلم بأن على والده القضاء على الأحوط وجوباً، فلابد له من القضاء على الأحوط وجوباً.

                  وبعبارة أخرى إذا قلنا بأن (ما فات) يعني ما فات فتوىً فقط فلا يشمله، ولكنه لا قيد فيشمل ما فات على الأحوط، ومقتضاه أن على ولده الأكبر القضاء على الأحوط.

                  ((حوارات فقهية))
                  ثم دار الحوار بين الفضلاء وسماحته (دام ظله) على النحو التالي:

                  س: أليس هذا من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، حيث لا يعلم بالفوت؟

                  ج: ليس من ذلك، لأنه يعلم بالفوت الاحتياطي، فيجب عليه القضاء الاحتياطي. وهذا من التمسك بالعام في مصاديقه لا في الشبهة المصداقية.

                  فإنه إذا كان الارتماس مفطراً بالاحتياط الوجوبي فارتمس المورث، كان عليه القضاء بالاحتياط الوجوبي، ونفس هذا القضاء الاحتياطي ينتقل الى ولده الأكبر، فالفوت احتياطاً يوجب القضا كذلك، ومعنى (على الأحوط) أن الفقيه لا يتحمل مسؤولية ذلك إذا لم يمتثله، فلا منجزية ولا معذرية للمكلف إن خالف.

                  س: هناك حكم وهناك موضوع في هذه القضية: ما فات عن أبيك وجب قضاؤه، (ما فات) موضوع، والوجوب حكم، وهنا يشك في الموضوع فلا حكم، أي يشك في (ما فات عن أبيك).

                  ج: لا شك في ذلك، لأنه يعلم بتحقق الموضوع، حيث فاته على الأحوط وجوباً، نعم الموضوع أعم من الفوت فتوى والفوت احتياطاً

                  س: ما ذا تقولون في الصلاة إلى الجهات الأربع لو لم يصل المشتبه في القبلة إلى الجهة الرابعه، ولم يقضها حتى مات.

                  ج: نعم يجب علي وليه على الأحوط وجوباً القضاء، كما كان على مورثه.

                  س: دليل القضاء لا يشمل الابن لانه لا يعلم بالفوت؟

                  ج: بل يعلم بالفوت الاحتياطي.

                  فمفاد الدليل أن ما فات عن أبيه وثبت في ذمته فعلى الولد قضلؤه, وما نحن فيه فائت وثابت ولو على الأحوط وجوباً، إذ الفارق بين ما ثبت فتوى وما ثبت احتياطاً.

                  وفي العمومات: (إن كان على ابيك دين)، وهذا دين على أبيه ولو احتياطا.

                  س: قالوا في العلم الاجمالي كل يعمل بتكليفه كواجدي المني؟

                  ج: لا ربط لما ذكر بما نحن فيه، فهناك ليس لكل منهما علم أجمالي، وما نحن فيه ثبت الصلاة إلى الجهة الرابعة بالعلم الإجمالي ففاته وثبت في ذمته فينتقل إلى وليه الأكبر، اللهم إلا أن بقال بعدم تنجز العلم الإجمالي كما يراه الميرزا القمي (رحمه الله).

                  فما ثبت في عهدة المورث ولو بالعلم الإجمالي، يثبت على ولده الأكبر.

                  وبعبارة أخرى: إنه منجز على الأب ظاهراً لا واقعاً أي في مورد العلم الإجمالي، وكذلك منجز على الولد ظاهراً لا واقعاً، وفوت المنجز يوجب تنجز القضاء.

                  ((مهر المثل أم المسمى))
                  سأل أحد الفضلاء من الحضور: تعارف في بعض المجتمعات أنه إذا أراد الشباب والشابة أن يتزوجا بالعقد الدائم، لكي يتعرف بعضهما على بعض، يتزوجا قبله بالعقد الموقت ويشترط لفطا أو ارتكازاً بعدم الدخول، ومن هنا يجعل المهر شيئاً بسيطاً يتناسب مع هذا العقد المنقطع بلا حق الدخول.

                  والسؤال إذا حصل الدخول بلا إذن من الزوجة، فقد قال الفقهاء بأنه ليس بزنا، لأنها زوجة وإن اشترطت عدم الدخول، ولكن هل يكتفى بمهر المسمى وهو مهر قليل في مفروض السؤال، أم لا بد أن يدفع الزوج مهر المثل حيث حصل الدخول؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): مقتضى القاعدة أن عليه مهر المثل، ومثله ما لو دخل بشبهة حيث فيه مهر المثل.

                  فقال الفاضل السائل: في الوطي شبهة يدفع الواطي مهر المثل لأنه ليس بزوج، والروايات تقول بأن عليه مهر المثل، أما في مسألتنا الذي دخل هو الزوج؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): لا فارق بينهما، فإنه الزوج هنا لا يحق له الدخول بالشرط، نعم إذا كانت الرواية قد جعلت الزوج موضوعاً للحكم فالكلام صحيح، أما لا يعلم بذلك وربما كان الزوج مورداً للحكم، والمورد لا يخصص الوارد.

                  فسأل الفاضل: ماذا تقولون في الزواج الدائم إذا شرطت عدم الدخول ليلة الأربعاء مثلاً، لأنها تريد زيارة السهلة، فدخل بها من غير رضاها، فهل عليه مهر المثل زيادة على مهرها المسمى؟

                  وبما أنه لا مهر زائد على ما عين، فما نحن فيه أيضاً كذلك؟

                  فأجاب سماحته (دام ظله): بالفرق بين المثالين، فالمسألة الأولى لا يحق له الدخول مطلقاً،

                  والمثال الثاني ليس مطلقا، بل في الوقت المعين أو المكان المعين أو ما أشبه. فإذا لم يكن يحق للزوج الوطي مطلقا فدخل من غير رضاها كان عليه مهر مثلها، و لا يكفي أن يدفع المسمى الذي هو أقل بكثير لاشتراط عدم الدخول.

                  أما إذا كان يجوز له الدخول في كل وقت إلا وقتاً خاصا أو ما أشبه فلا مهر إلا المسمى، كما لو دخل به حراما في الحيض

                  وليس لنا عموم يقول بأن كل زوج لا يجوز له الدخول لا مهر بدخوله، بل يمكن استفادة مهر المثل من العمومات الدالة على أن الدخول ولو خطأ فيه مهر المثل.

                  قال أحد الفضلاء: يمكن تقريب الفتوى بمثال البيع الغرري، حيث يتبدل الثمن إلى ثمن المثل.

                  ((تبديل المتعة إلى الدوام))
                  ثم قال سماحته (دام ظله): وهناك فرع آخر ذكره الفقهاء في باب الزواج المنقطع:

                  إذا تزوج متعة ثم رأى أن يتزوجها دواماً فلم يهبها بقية المدة وعقد عليها بالدوام فما الحكم؟

                  قال البعض ببطلان العقد الثاني، لأنها مزوجة منه فكيف يتزوجها مرة ثانية.

                  ولكن ربما يقال بصحة ذلك بالنسبة إلى نفس الزوج دون غيره، وللتقريب نمثل بما لو استأجر داراً ثم اشتراه قبل تمام الإجارة.

                  قال أحد الفضلاء: هناك فرق بين الإجارة والنكاح، فإن في الإجارة عين ومنفعة، والعين باقية على ملك المالك فيمكنه بيعها سواء لنفس المستأجر أو لغيره، ولكن في النكاح لا عين ولا منفعة.

                  فأجاب سماحته (دام ظله): قد يقال بأن هذا الفرق ليس بفارق، مضافاً إلى أن الآية تقول: (فآتوهن أجورهن) (3) وفي الروايات: (فإنهن مستأحرات) (4).

                  سأل أحد الفضلاء: ربما إذا عقد عليها كان العقد هبة للمدة، فالهبة قد تكون لفظا وقد تكون عملاً، فالعقد الدائم يكون هبة عملية للمدة أو إعراض من الزوج عن باقي المدة؟

                  فقال سماحته (دام ظله): ليس العقد هبة كما هو واضح، بل هو غافل عنها، والهبة بحاجة إلى القصد والإنشاء وما أشبه، نعم الانشاء خفيف المؤنة ولكنه بحاجة إلى الالتفات ولم يكن.

                  فقال أحد الفضلاء: هناك فرق بين البيع والإجارة، ففيهما الملك، وليس في النكاح ملك؟ فلا يقاس أحدهما بالآخر.

                  ج: ليس الكلام في القياس، بل بيان الأشباه والنظائر، مضافاً إلى أنه لا يدور الحكم مدار عنوان الملك، وإن ورد التعبير عن النكاح الدائم في بعض الروايات بـ (ملكها) و(يشتريها) (5) وهو مجاز كما لا يخفى.

                  فمجرد الفرق لا يكفي فارقاً، وإلا فجميع الأشياء فيما بينها فرق، لكن اللازم إحراز الفارق.

                  وقال أحد الفضلاء: الزوجية في النكاح الدائم والموقت شيء واحد، والفرق في المصاديق، وهنا انتقال من مصداق إلى مصداق.

                  فقال سماحته (دام ظله): بل الفرق في النفقة والإرث والقسم وغيرها.

                  وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
                  الليلة الثامنة
                  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
                  (1) وهي مسألة ما لو نوى الصوم في نهاية رمضان، ثم تبين أنه عيد فنوى الإفطار ولم يفطر ثم تبين الخطأ وأنه رمضان فرجع إلى نية الصوم. (2) مهذب الأحكام: ج10 ص48 المسألة22: (على فرض البساطة يكون جميع الآنات من المقدّمات الوجودية لتحقيق ذلك الأمر البسيط، فلا بد فيها من عدم قصد الخلاف. والاستمرار على النية يتصوّر على قسمين: الأول: أن يكون في كل آن ناويا و بانيا على الصوم إلى الغروب: بأن ينوي إتمام الصوم إلى المغرب في كل آن.
                  الثاني: أن ينوي في كل آن صوم ذلك الآن و لم يقصد خلافه و هكذا في تمام الآنات. و مقتضى الأصل هو الأخير، و ظاهر الكلمات، و مقضي المرتكزات، و أنّ الكل عمل واحد له وحدة اعتبارية يتعلق بها القصد و الإرادة هو الأول، و عليه يكون قصد القطع أو القاطع فيما يأتي منافيا للاستمرار بخلاف الثاني. و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات، فمن قال: بأنّ نية القطع أو القاطع فيما يأتي تفسد الصوم أراد المعنى الأول. و من قال: بعدم الإفساد أراد الثاني، و يمكن تأييده بأنّ الوحدة الاعتبارية لا تنافي انحلال النية لنسبة إلى الآنات، مع أنّه أسهل و الشريعة مبنية عليه).
                  (3) سورة النساء: 24.
                  (4) الكافي: ج5 ص452. والتهذيب: ج7 ص258.
                  (5) انظر علل الشرائع: ج2 ص500 ب260 ح1 وفيه: (عن يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يريد أن يتزوج المرأة يجوز أن ينظر إليها؟ قال: نعم، وترقق له الثياب لأنه يريد أن يشتريها بأغلى ثمن).

                  تعليق


                  • #10
                    الليلة العاشرة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة



                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.


                    ((القرض الربوي وبيع الدار))
                    بدأ البحث العلمي بسؤال أحد الفضلاء:
                    إذا استقرض شخص من البنوك الربوية واشترى داراً به، ثم باع الدار لشخص آخر وكان جزءاً من الثمن تسديد تلك المبالغ إلى المصرف، فما حكمه؟
                    فأجاب سماحته (دام ظله): المعاملة الربوية باطلة، ومقدار الربا حرام أخذاً وعطاءً، من هنا إذا شرط عليه في البيع تسديد الربا، فهذا شرط (أحلّ حراماً أو حرم حلالاً) (1) فلا يجوز، كما لا يجوز تسديد الربا في الفرض المذكور، نعم تسديد أصل الدين جائز، لأن أصل الدين في ذمة المديون وإن كان القرض باطلاً لوجود الربا.
                    ○ سأل أحد الفضلاء: إذا كان مجتهد المشتري لا يرى أن المبلغ الذي استلمه من المصرف ربا، وذلك لإجراء معاملة صورية مثلاً؟
                    فقال سماحته (دام ظله): في هذا الفرض يجوز للمشتري تسديد المبلغ، لأنه الجواز يسري أحياناً ما دام يعتمد الطرف على حجة شرعية.
                    فإذا كان هناك مقلدان أحدهما يجوز عنده دون الآخر ـ وصاحب العروة أشار إلى هذه المسألة في باب التقليد وغيره في غيره وغيرها أيضاً ـ فقالوا بالجواز في الفرض المذكور لمن يجوز عنده، وربما تعدى آثار الجواز للطرف الآخر، إن لم يكن يعلم بحرمته إلا عن طريق التقليد.
                    والمسألة محل خلاف، ولها فروع عديدة في مختلف الأبواب الفقهية.
                    ((إذا قلع شجرته فنبتت من جديد))
                    سأل أحد الفضلاء: إذا كانت هناك شجرة لشخص في ملك مشاع، فباع مالكها الشجرة لشخص آخر، وقام المشتري بقلعها، ثم بعد فترة نبتت من جديد من بقايا الجذور، فلمن هذه الشجرة الجديدة؟
                    فقال سماحته (دام ظله): إذا كان البيع للشجرة نفسها دون الجذور، فالجذور للمالك الأول، والنبت الجديد له أيضاً، وعليه أن يدفع ما يقابل تصرفه في الملك المشاع إلى أصحابه، هذا إذا قلنا الزرع للزارع، أما إذا قلنا الزرع لكل من كان له دخل فيه بالنسبة، فلابد من ملاحظة حصة مالكي الأرض بالمشاع أيضاً.
                    أما إذا كان البيع مع الجذور، فالجذور للمشتري والنبت له، أو له ولغيره على المبنيين، وفي الصورتين صاحب الجذور يضمن أجرتها لأصحاب الأرض.
                    إن العقود تابعة للقصود، من هنا لابد من ملاحظة قصد المتبايعين في شموله للجذور وعدمه.
                    وإن لم يقصدا شيئاً في البيع، فإن كان هناك ارتكاز ولو ارتكازاً عرفياً فبحسبه، وإن لم يكن فالاصل العدم.
                    ((إذا اقترض الكافر ربوياً فضمنه مسلم))
                    قال أحد الفضلاء: إذا كان هناك كافر قد اقترض قرضاً ربوياً من كافر آخر، فضمنه مسلم بالضمان الشرعي حيث الانتقال إليه، فلابد أن يدفع الزيادة، وهذا جائز، وفي مفروض مسألة حيث القرض الربوي وشراء الدار كذلك أيضاً، لأنه ينتقل إلى ذمة شخص جديد ولا يكون بعنوان الربا بل بعنوان تسديد ثمن الدار المتفق عليه؟
                    فأجاب سماحته (دام ظله): بالنسبة إلى الكافر وصحة ضمان المسلم لقرضه، فهو ضمان للربا الجائز، كالربا بين الولد ووالده، فلا يقاس ما نحن فيه عليه، أما إذا لم يكن جائزا فلا يجوز الضمان كما هو واضح.
                    وفي ما نحن فيه ليس الربا جائزاً حتى يجوز لغيره ولو بالانتقال وتعنونه بالثمن.
                    نعم إذا كان للمشتري جائزا لاختلاف اجتهاده او تقليده فلا بأس، إلا إذا علم بالبطلان من جهة أخرى
                    فالكشمش الذي يقع في القدر ويغلي: على رأي الميرزا القمي (رحمه الله) حرام ونجس، وعلى رأي صاحب الرياض وهو معاصره وزميله، لا حرمة ولا نجاسة.
                    فهل يجوز لمن يحرم ذلك أن يرتب أثر الحلية لتصرف من يرى الحلية، قال جمع نعم إلا إذا علم بالواقع، أما مجرد أن رأيه بحسب المستفاد من ظاهر الأدلة، فهذا لا يُلزم عليه أن يحكم ببطلان وحرمة ما قام به الآخر لاختلاف في رأيه، بل يجوز ترتيب آثار الحجية على الرأي الآخر الحجة عند قائله.
                    ((اعتماد المجتهد على مجتهد آخر))
                    قال بعض الفقهاء: يجوز للمجتهد أن يعتمد على مجتهد آخر في تشخيصه واستنباطه ما لم يعلم ببطلانه واقعاً، فالحجة كما هي عنده كذلك عند طرفه.
                    فمثلاً إذا كان الإمام يرى القبلة من جهة، والمأموم من جهة أخرى، فالإمام يقف مستقيماً والمأموم منحرفاً إلى جانب، قال بعض العلماء بصحة هذه الجماعة مع صدقها عرفاً، بخلاف ما لو كان يرى الإمام القبلة أماماً والمأموم خلفاً حيث لا يصدق الجماعة إذا صليا متعاكسين أو وقف الإمام مقابل وجه المأموم.
                    والخلاصة: إذا لم يكن بطلان الرأي الآخر محرزاً بالعلم، فمجرد قيام الحجة في الطرفين يجوّز حتى للمجتهد أن يعتمد على مجتهد آخر فيما يراه الثاني.
                    يقال إن العلامة السيد محمد المجاهد (رحمه الله) في كتاب أصوله: (مفاتيح الأصول) نقل عن البعض جواز ذلك في الأحكام الظاهرية.
                    وإن أشكل البعض في أصل ثبوت الأحكام الظاهرية، وتفصيل البحث في مظانه.
                    فأصل المسألة جواز اعتماد المجتهد على مجتهد آخر وإن اختلفا في الرأي.
                    (إذا سبب قلع الشجرة ضرراً)
                    ثم سأل أحد الفضلاء عن الشجرة التي بيعت وكانت في أرض مشاعة، فقال: لو قلعها المشتري من جذورها فأضر ذلك بالأرض حيث الحفر وما أشبه، فعلى من ضمان ذلك؟
                    فأجاب سماحته (دام ظله): يتحملها القالع فهو المباشر، إلا إذا كان السبب وهو البائع مثلاً أقوى، فمع احراز ذلك استقر الضمان عليه.
                    ثم إن الارتكاز في المعاملات نوع قصد، ويكفي في كثير من الموارد.
                    ○ وقال أحد الفضلاء: إذا كان الزرع للزارع، فالجذور بعد تركها تكون في حكم المباحات، ويملكها من حازها وسقاها ورعاها حتى نبتت من جديد.
                    فأجاب سماحته (دام ظله): الجذور إذا كانت لصاحب الشجرة فكيف أصبحت من المباحات؟ بل تبقى في ملكه ما لم تخرج بسبب شرعي.
                    ((الإعراض وصوره))
                    سأل أحد الفضلاء: السبب الشرعي للخروج عن الملك هو الإعراض، فالمشتري الذي قطع الشجرة التي اشتراها من وجه الأرض ولم يقلع جذورها، إعرض عن الجذور، فمن حازها فهي له.
                    فأجاب سماحته (دام ظله): إذا ثبت الإعراض فلا بأس، لكن إذا شككنا في ذلك فما ذا تقولون.
                    وهناك نظر في بعض المصاديق أنها إعراض أم لا، مثلاً إذا ألقى شيئاً خارج الدار معرضاً عنه، فجاء شخص وأخذه، فلحقه المالك الأول فوراً وقال: هذا لي وأريده فأرجعنيه، فهل يحق له الإرجاع، بحاجة إلى تأمل.
                    ثم أضاف سماحته (دام ظله): الملك شيء عرفي، والشارع جعل حكمه، فموضوعه عرفي وحكمه شرعي، نعم للشارع حق التصرف في الموضوع، فإذا كان هناك شيء لا يراه العرف ملكاً، ولكن الشارع قال هو ملك فهو، لأنه (إن الحكم إلا لله) (2) ، وكذا العكس بأن كان يراه العرف ملكاً والشارع لم يره، فحكم الشارع مقدم.
                    أما في غيرهما، فما قاله العرف إنه ملك فهو ملك، وما قاله بأنه ليس بملك فليس بملك.
                    وهذا في البحث في الملك وحدود الملك، وكذلك في الحق وما أشبه.
                    ○ سأل أحد الفضلاء: هل العرف مشرع؟
                    فأجاب سماحته (دام ظله): ليس العرف مشرعاً ولكن تحديد الموضوع إليه، كما لو كان له دار، وأراد شخص أن يحفر شيئاً تحت ملكه بخمسين متراً، فهل يجوز أم لا، هذا تابع للعرف، فإن سمى هذا تصرفاً في ملكه فلا يجوز، وإن لم يسم بذلك فيجوز، وكذا إذا أراد أن يطير بفاصل كبير من على سطح داره.
                    نعم إذا حفر المالك سراديب تحت ملكه فكلما حفر وما قرب من حفره فهو ملكه أو حريمه، وكذلك إذا بنى طوابق كثيرة على ملكه فكلها ملكه، وهذا ما يفهمه العرف ويشخصه، والشارع يحكم عليه، نعم للشارع التصرف فيما يراه العرف ملكاً أو لا يراه، كما في المعاملات المحرمة.
                    ○ قال أحد الفضلاء: ما بيد العرف هو المفهوم وليس المصداق، وإلا أصبح العرف مشرعاً؟
                    فأجاب سماحته (دام ظله): ما الدليل على ذلك، فما رآه العرف ملكاً في مفهومه أو مصداقه ولم يتصرف فيه الشارع، كان كلام العرف حجة ويترتب على الموضوع حكمه الشرعي لا أنه هو المشرع.
                    فإذا قال العرف: هذا ملك أو ليس بملك، لا يسمى تشريعاً، بل هو تشخيص للموضوع وبيانه.
                    ○ قال أحد الفضلاء: مثال فضاء الملك الذي تفضلتم به ليس من باب الملك بل من باب الحريم؟
                    فقال سماحته (دام ظله): لو سلمنا ذلك فهو لا يغير ما بيناه، من أن العرف له تشخيص المصداق أيضاً وليس بيان المفهوم فحسب، فالحريم والملك موضوعان يعينهما العرف، مفهوماً ومصداقاً.
                    فإذا بنى الطبقات فهي ملكه، وإن لم يبن فلا ملك ولا مانع من التصرف في الفضاء البعيد، نعم في الفضاء القريب قد يكون حقه وإن لم يكن ملكه.
                    فإذا اشترى بيتاً وكان تحته بعشرة كيلومترات بئر نفط، فهل يراه العرف تابعاً للدار؟ الظاهر لا.
                    إذ العرف يحدد الموضوع ويبين المصداق وهذا لا يسمى تشريعاً كما هو واضح.
                    ○ قال بعض الفضلاء: ليس الإعراض مما يسلب الملك، فالملك أسبابه الشرعية معروفة ثبوتاً وسلباً ليس الإعراض منها؟
                    فقال سماحته (دام ظله): أليس الإعراض ضمن (تسلط الناس على أموالهم وأنفسهم)، والتسلط يقتضي أن يكون له الإعراض، فقانون السلطنة يفيد صحة الإعراض لسلب الملك.
                    ○ قال أحد الفضلاء تصحيحاً للإعراض وسلب الملك بسببه: المعاملات بالمعنى الأعم من الإمضائيات وعدم الردع الشرعي كاف، والإعراض من هذا القبيل، فلا حاجة لدليل خاص يدل على صحته.
                    وقال: ما ذكرتم من ترك بعض ما كان يملكه خارج البيت مثلاً، من الإباحة وليس من الإعراض؟
                    فقال سماحته (دام ظله): إذا كان العرف يرى الإعراض وأنه يسلب الملكية، فلا بأس، وبالنسبة إلى الإباحة فإن علمنا بأنها إباحة من دون تسقيط الملك فيها، فلا إشكال، أما اذا صرح المالك بأنه إعراض وليس بإباحة فما ذا تقولون؟
                    مثلاً ألقى فرشه وقال: لا أريده وأعرضت عنه، فأخذه شخص وباعه، فهل يحق لمالكه الأول أن يأتي ويطالب بالثمن استصحاباً لملكه، الظاهر أنه لا يحق له.
                    نعم إذا شككنا في الإباحة أو الإعراض، فأخذ شخص الفرش الذي ألقاه فناداه المالك الأول فوراً وقال: أريد فرشي، فهنا يمكن التمسك بالاستصحاب إن لم يكن معارضاً باستصحاب آخر أو دليل أقوى، أو لم نعلم بتبدل الموضوع.
                    ○ قال أحد الفضلاء: الإباحة مثل نثر الأعراس، لا تفيد الملك.
                    فقال سماحته (دام ظله): ربما تختلف المصاديق والمرتكزات، وللنثر أحكامها الخاصة المذكورة في محلها،
                    وأتذكر أنه عند ما كان ينثر في الروضات المقدسة كان تمليكاً لمن أخذه، فمن لم يحصل علي شيء منه ربما كان يشتريه ممن حصل عليها للتبرك.
                    والنتيجة: إن الإباحة شيء والإعراض شيء آخر، فإذا كان الطعام في السفرة فهذه إباحة لا يجوز أن يأخذها بل يأكلها، إلا إذا أجاز المالك بحملها، أما إذا كان الطعام يوزع فأعطاه وقبضها بيده فهذا تمليك وليس إباحة.
                    ((الولد المتبنى))
                    سأل أحد الحضور: إذا تبنى الزوجان ولداً وكبر الولد فكيف يصبح محرماً على الزوجة؟
                    فأجاب سماحته (دام ظله): الولد المتبنى أجنبي عمن تبناه أو تبنته، إلا مع وجود سبب شرعي للمحرمية، وقد ذكر الفقهاء بعض الوجوه، منها أن يتزوج بعد ما كبر أم الزوجة إذا كانت خلية ويدخل بها.
                    ((حدود المسجدية))
                    سأل أحد الفضلاء: بالنسبة إلى حدود المسجد وأحكامه هل يكون من تخوم الأرض إلى عنان السماء؟
                    فأجاب سماحته (دام ظله): ما ورد من تخوم الأرض إلى عنان السماء فهو بالنسبة إلى الكعبة وكونها قبلة، أما سائر المساجد فلم يرد فيها ذلك، بل هي تابعة للصدق العرفي.
                    فإذا حفروا تحت المسجد نفقاً بعيداً فيجوز مكث الجنب فيه، لأنه لا يسمى عرفاً مسجد، أما إذا حفروا سرداباً للمسجد فهو مسجد بلا شك، ولا يجوز للجنب اللبث فيه.
                    وكذا بالنسبة إلى فضائه العالي.
                    ((الشأنية في الخمس))
                    سأل أحد الفضلاء: إذا كان في بيته أربع غرف، وهو يحتاج إلى ثلاثة منها، فهل يتعلق الخمس بالغرفة الرابعة؟
                    فأجاب سماحته: الحاجة إلى الغرفة وما أشبه مما يسمى عرفاً بالمؤونة ليس بالاحتياج الفعلي بل هو أعم من الفعلي والشأني، قال الشارع: (الخمس بعد المؤنة) (3)، فإذا كان من شأنه أن يستقبل ضيوفاً وكان بحاجة إلى غرفة لهم فهي من المؤنة العرفية وإن كانت مغلقة طول السنة أي لم يأته ضيف اتفاقاً.
                    سألني أحد المؤمنين وقال: زوجتي خياطة وتأخذ الأجور وتشتري بها ذهباً وتلبسه، هل عليها أن تبيع الذهب وتذهب للحج؟
                    فقلت: إذا كان زائداً عن شأنها فتبيع الزائد للحج.
                    فقال: كيف نعرف الزيادة.
                    قلت: إذا قال الناس عنها: ما بها، لماذا قد لبست هذه الكثرة من الذهب.
                    والمثال الآخر للشأن، العباءة لأهل العلم فالعباءات مختلفة في الأسعار، قد يكون هناك خطيب يخطب في مجالس مهمة ويحضره من يقتضي أن يلبس عنده عباءة فاخرة فهو، ولكن ما يناسبني العباءة العادية غير الثمينة وهكذا.
                    وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
                    الليلة التاسعة
                    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
                    (1) إشارة إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام: (فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطاً حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً).
                    (2) سورة الأنعام: 57. وسورة يوسف: 40 و67.
                    (3) الكافي: ج1 ص547 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس ... ح24.

                    تعليق


                    • #11
                      الليلة الحادية عشرة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة


                      بسم الله الرحمن الرحيم

                      الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

                      ((قول آمين بعد الحمد))
                      بدأ أحد الفضلاء بالسؤال التالي:

                      ما حكم قول (آمين) بعد الحمد في الصلاة لا بعنوان الجزئية، بل بعنوان مطلق الدعاء، أي لا كما تقوله العامة؟

                      فقال سماحة السيد (دام ظله):

                      قال بعض الفقهاء وهو المختار: إنه لا يجوز مطلقاً، لوجود النهي المطلق وهو مبطل للصلاة، وقال بعض: المراد بالإطلاق ما إذا كان كقول العامة، فإذا قصد مطلق الدعاء لا يضر، وإذا شك في الإطلاق أي في ظهوره، كان الشك في السعة والضيق، والقدر المتيقن منه ما كان بعنوان الصلاة.

                      ولكن الإنصاف أنه خلاف الاحتياط، من هنا تكون الفتوى بعدم جوازه مطلقاً.

                      في الحديث عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: (إِذَا كُنْتَ خَلْفَ إِمَامٍ فَقَرَأَ الْحَمْدَ وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهَا فَقُلْ أَنْتَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلا تَقُلْ آمِينَ) (1).

                      وعَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام)، أَقُولُ إِذَا فَرَغْتُ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ آمِينَ، قَالَ: لا (2).

                      (آمين) اسم فعل است بمعنى اللهم استجب، وفيه إشكالان:

                      1: الإشكال الأول: إنه ليس بدعاء كما قاله بعض الفقهاء بل هو اسم للدعاء، فقوله يضر بالصلاة، وكان المرحوم السيد الوالد (قدس سره) يرى ذلك ويقول: الدليل سوغ الدعاء في الصلاة وليس آمين دعاءً.

                      2: الإشكال الثاني: عمومات النصوص الناهية عنه، سواء قاله بعنوان الصلاة أو بعنوان الدعاء.

                      والذي يبدو في النظر أن آمين دعاء عرفاً، والعرف لا يفرق بين الفعل وبين اسم الفعل في ذلك.

                      ولا يضره أن اللغة لا تسميه دعاءً دقياً، بل اسم دعاء.

                      من هنا نرى الناس يؤمّنون في نهاية المجالس على دعاء الخطيب، فهو دعاء لكي يستجيب الله ما سأله الخطيب من الله عزوجل.

                      قال عليه السلام: (وَلا تَقُلْ آمِينَ)، والنهي مطلق وله ظهور في الإطلاق، وهو موجب للفساد.

                      وإذا قال البعض إن النهي هنا نهي عما يقوله الناس أي العامة، فيقال: إنه هو حيث تعليلي لا تقييدي ولا يضر بشمول النهي.

                      ○ قال أحد الفضلاء: (آمين) دعاء حتى في اللغة أيضاً، فإن الدعاء لغةً على قسمين فعل واسم فعل.

                      فقال سماحته (دام ظله): إن ثبت ذلك فالبطلان يكون من الإشكال الثاني، أما إذا قيل هو اسم للدعاء فالإشكال من جهتين كما سبق إلا على ما بيناه.

                      ومن هنا قال العبض بجواز قول آمين في القنوت، وفي أي مكان آخر بعد الدعاء غير نهاية الفاتحة، لعدم وجود نهي عنه إلا بعد الفاتحة، ولكونه دعاءً عرفاً فيشمله عموم الأدعية وإطلاقاتها.

                      فالعمدة في البطلان نهي المعصوم (عليه السلام) عنه بعدها، حيث قال (ولا تقل آمين)، فهل هناك ظهور في الإطلاق، أم يراد به ما كان على نحو ما يقولونه من الجزئية ولو ندباً عندهم، فالحيث تقييدي أو تعليلي.

                      كما يأتي نفس البحث في التكفير، وأنه تقييدي أو تعليلي، والمسألة مذكورة في محلها مفصلا.

                      ○ قال أحد الفضلاء: هذا نهي عما هو خارج عن الصلاة، وينبغي أن لا يوجب البطلان.

                      فأجاب سماحته (دام ظله): الصلاة مركب ارتباطي وهذا جزؤها، فالنهي عنه مبطل لها، لأنه ظاهر في المانعية.

                      ○ وسأل أحد الفضلاء: يقول البعض لا يمكن تصور الجزء المستحب، بل هو جزء وظرفه الصلاة.

                      فأجاب سماحته (دام ظله): لم يثبت هذا القول، فهو من النهي عن العبادات الموجب للفساد.

                      ((المسجدية وحدودها))
                      ثم ذكر سماحته (دام ظله) توضيحاً وتتميماً لما تطرق إليه ليلة أمس، حول حدود المسجد فقال:

                      المسجد موضوع عرفي في الجملة وحكمه من الشارع، كعدم جواز تنجيسه ولا هتكه ولا لبث الجنب فيه.

                      من هنا لا يجوز إنشاء المرافق الصحية في السرداب من المسجد، أو في الطابق الثاني منه، لأنه عند بناء السرداب أو الطابق العلوي يكون ملحقاً بالمسجد عرفاً ويسمى مسجداً.

                      أما المكث في طائرة سمتية فوق فضاء المسجد فهذا لا يسمى بالوقوف في المسجد، فإذا كان هناك جنب في الطائرة لا يصدق اللبث عليه وليس بحرام.

                      وكذا في النفق المحفور في أعماق الأرض وإن كان تحت المسجد، فهو لا يسمى مسجداً ولا ملحقاً به.

                      من هنا إذا أردوا أن يجعلوا المجاري تحت المسجد بفاصل بحيث لا يسمى مسجداً، فإن كان فيه هتك فلا يجوز من باب الهتك، أما مع عدم صدق المسجدية وعدم الهتك فالأصل جوازه كما لو كان في الأعماق البعيدة.

                      ○ قال أحد الفضلاء: هذا مما يرتبط بنية الواقف، فالمسجدية وحدودها حسب نيته لا حسب العرف؟

                      فأجاب سماحته (دام ظله): الواقف لا يمكنه أن يوقف أكثر مما يحق له، أي أكثر مما يملكه، فإذا قال هذا وقف من تخوم الأرض إلى عنان السماء كان لغواً، لأنه لم يملك ذلك فلا يمكنه وقفه، وقد قالوا: (لا وقف إلا في ملك) (3)، وربما تكون رواية.

                      فمن بنى ملكه مائة طابق فهو ملكه، ولكن إن لم يبن إلا طابقاً واحداً فالتصرف في علو المائة لا يسمى تصرفاً في ملكه.

                      المرحوم كاشف الغطاء (قدس سره) يقول في حج كشف الغطاء: الميقات من تخوم الأرض إلى عنان السماء (4)، وهذا لا دليل عليه، نعم مع بناء الطوابق السفلية والعلوية يمكن ذلك فيها.

                      فإن ما ذكر من تخوم الأرض إلى عنان السماء من خصائص القبلة، وقال البعض ولا تشمل الكعبة فكيف بغيرها، حتى قال بعض العلماء ممن قبل بها في القبلة، إنه لا يكفي الطواف في السرداب أو في العلو الذي هو أعلى من جدران الكعبة.

                      وإن كان يبدو لنا جواز ذلك كله لوجود التلازم بين القبلة والطواف، فكما تجوز الصلاة نحو الكعبة من تخوم الأرض إلى عنان السماء، كذلك يجوز الطواف.

                      إذن المسجد عنوان عرفي في فضائه وأعماقه، وكذلك الهتك، من هنا قال الفقهاء: إذا حملوا نجاسة على دابة فمرت في المسجد بحيث لا تنجيس، مع ذلك لا يجوز لأنه هتك.

                      ○ سأل أحد الفضلاء: فهل يجوز اصطحاب الأطفال الرضع إلى المسجد، والطفل يشد بالحفاظة وهي عادة تحمل النجاسة؟

                      فأجاب سماحته (دام ظله): مع عدم تسريب النجاسة، فالظاهر جواز ذلك، لأنه ليس بتنجيس ولا هتك.

                      وكذا بالنسبة إلى من به سلس أو بطن ويريد الطواف فلبس الحفاظة، فهذا لا يكون هتكاً عرفاً، وبما أنه لا يوجب التنجيس فلا بأس به.

                      ((بين الملك والحق))
                      قال بعض الفقهاء: لا يملك الإنسان فضاء ملكه ولا أعماقه، ولكنه حق له، فالطابق المائة إذا جاء على فضاء ملك الجار بفاصل كبير جداً، فهل يعد تصرفاً في ملك الجار، قال بعض: ليس تصرفاً في ملكه بل تصرف في حقه، وهو حق الاختصاص.

                      فإذا كانت هناك بناية عالية على اليمين، وبناية عالية على الشمال، وفي الوسط ملك شخص آخر، فهل يجوز ربط البنايتين في الطوابق العالية جداً بجسر بينهما، مما يكون في الفضاء العالي من ملك الشخص الثالث؟

                      الظاهر أن الفضاء بهذا العلو ليس ملكاً له، ولا حقاً له.

                      فالحق مرتبة نازلة من الملك، والملك مرتبة رفيعة من الحق، حسب تعبير الفقهاء (5).

                      وكله يكون بتشخيص العرف، ملكاً وحقاً.

                      ((شبهة سقوط الصوم في البلاد غير المتعارفة))
                      سأل أحد الفضلاء عن الصوم في البلاد غير المتعارفة مما فيها النهار والليل ستة أشهر؟

                      فقال سماحته (دام ظله): لقد تطرقنا إلى هذه المسألة قبل عدة ليال بشيء من التفصيل، وقلنا إن موضوعات الأحكام الشرعية عرفية، إلا ما وسع الشارع فيها أو ضيق، أو كان هناك دليل آخر كالإجماع والارتكاز وما يفيد العلم على خلافه.

                      ○ فقال السائل: إذا كان موضوع الصوم النهار، ولا نهار هناك، فلابد من القول بسقوط الصوم؟

                      فأجاب سماحته (دام ظله): المشهور لم يقولوا بسقوط الصوم، فإن الصوم من دعائم الإسلام وأركانه ولا يسقط إلا فيما أسقطه الشارع، مضافاً إلى أن الموضوع في الصوم هو النهار العرفي وما يلحق به، وفي مثل تلك البلاد ألحقوا نهارها بالنهار المتعارف حسب التفصيل الذي بينه الفقهاء.

                      ○ قال السائل: ألا تحتملون حرمة البقاء في مثل تلك البلاد، لأنه غير قادر على أداء واجباته الشرعية؟

                      فقال سماحته (دام ظله): لا دليل على الحرمة، فإذا كان من أهل المنطقة وكانت الهجرة حرجاً عليه كيف يؤمر بترك وطنه، بل يبقى في بلده ويصوم كالمتعارف.

                      ((المريض وإفطار الصوم))
                      سأل أحد الفضلاء: إذا كان يتضرر بالمرض قليلاً فهل يفطر؟

                      قال سماحته (دام ظله): ورد تفصيل ذلك وصور المسألة في الروايات وفتاوى العلماء:

                      عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ قُلْتُ لأبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): مَا حَدُّ الْمَرِيضِ إِذَا نَقَهَ فِي الصِّيَامِ، قَالَ ذَلِكَ إِلَيْهِ هُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ إِذَا قَوِيَ فَلْيَصُمْ (6).

                      وقَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَسْأَلُهُ مَا حَدُّ الْمَرَضِ الَّذِي يُفْطِرُ فِيهِ صَاحِبُهُ وَالْمَرَضِ الَّذِي يَدَعُ صَاحِبُهُ الصَّلاةَ قَائِماً، قَالَ: بَلِ الإنْسانُ عَلى‌ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَقَالَ: ذَاكَ إِلَيْهِ هُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ (7).

                      وعَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ مَا حَدُّ الْمَرَضِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ فِيهِ الإفْطَارُ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ مَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ، قَالَ: هُوَ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِ فَإِنْ وَجَدَ ضَعْفاً فَلْيُفْطِرْ وَإِنْ وَجَدَ قُوَّةً فَلْيَصُمْهُ كَانَ الْمَرَضُ مَا كَانَ (8).

                      وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي الرَّجُلِ يَجِدُ فِي رَأْسِهِ وَجَعاً مِنْ صُدَاعٍ شَدِيدٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الإفْطَارُ، قَالَ: إِذَا صُدِّعَ صُدَاعاً شَدِيداً وَإِذَا حُمَّ حُمَّى شَدِيدَةً وَإِذَا رَمِدَتْ عَيْنَاهُ رَمَداً شَدِيداً فَقَدْ حَلَّ لَهُ الإفْطَارُ (9).

                      والخلاصة: إن الضرر الفعلي أو المستقبلي الذي يعده العرف ضرراً بالغاً لا يجوز الصوم معه ويجب عليه الإفطار.

                      وإن كان الضرر بسيطاً جداً، كوجع قليل في رأسه يرتفع بعد صومه، وجب عليه الصوم.

                      وإن كان ضرراً متوسطاً يمكن تحمله، فبعض الفقهاء قالوا بالرخصة، ونحن نرى ذلك أيضاً.

                      كان أحد المراجع السابقين في العراق يقول: قرب المغرب بساعتين كان الضعف يستولي عليّ بحيث أصبح عاطلاً عن جميع أعمالي، ولا أتمكن حتى من قراءة بعض الكتب أو مراجعة الفتاوى، فكان يقول أنا مردد في وجوب الصوم علي، ومع ذلك أصوم.

                      والضرر المستقبلي الكبير أيضاً يجب رعايته ويلزم الإفطار إذا كان الصوم يوجبه أو يخاف أن يوجبه.

                      كان شخص حذره الطبيب من الصوم وقال سيؤثر على بصرك، فقال: أجرب نفسي، فقال له الطبيب: لا يتبين أثره عندك الآن وإنما في المستقبل، لكنه صام وصام حتى انقضى الشهر، وبعده أصيب بضعف شديد في بصره إلى أن فقد بصره بالكامل.

                      إذن المرض على ثلاثة أقسام:

                      1: مرض يجب معه الصوم.

                      2: مرض يحرم معه الصوم.

                      3: مرض يجوز معه الصوم فهو رخصة.

                      ومن الضرر البالغ تعريض النفس للتلف فهو لا يجوز بالنص، وكذلك تعريض الأعضاء للتلف فلا يجوز بالإجماع.

                      وهل الملاك نفس المكلف أو ما يقوله الطبيب؟

                      إذا حصل له اطيمنان بكلام الطبيب فلا بأس، وكذلك إذا حصل له الخوف من قوله.

                      وإلا قال بعض الفقهاء بأن تشخيص المكلف هو الملاك، وإن كان لا يبعد جواز الاعتماد على الطبيب فإنه من صغريات حجية قول أهل الخبرة الثقات.

                      ((الخمس والرشوة))
                      سأل أحد الفضلاء: إذا كان هناك موظف في الدولة وهو فقير ممن يستحق الخمس أو الزكاة، وكان تمشية الأمر بحاجة إلى الرشوة، فهل يجوز للمواطن أن يدفع له المبلغ وينويه الخمس أو الزكاة، فيتلقاه الطرف بعنوان الرشوة لتمشية أمره، وهل هو من اجتماع الأمر والنهي؟

                      فأجاب سماحته (دام ظله): إن الرشوة المحرمة هي في باب القضاء كما ذكره الفقهاء، وإن كان البعض منهم يرى أنها أعم، وأما ما يكون في الدوائر وما أشبه ففيه تفصيل مذكور في محله.

                      وهنا مسألتان:

                      1: هل دفع ذلك حرام، وبحثه في مظانه.

                      2: وهل يكفي عن الخمس، وإن أعطاه بعنوان الرشوة.

                      الجواب: لا يسقط الخمس عن ذمته بالإعطاء المذكور، لأن الخمس بحاجة إلى نية، نعم إذا كان من الداعي على الداعي فلا بأس إذ لا منافاة بينهما.

                      ((إنقاذ الخمس))
                      س: هل يجوز أخذ المبلغ بعنوان إنقاذ الخمس؟

                      ج: يجوز للفقيه بشروط معينة ولمن أجازه الفقيه كذلك، وليس مطلقاً ولا لكل شخص.

                      ((النية في الماليات العبادية))
                      وهناك مسألة أخرى لا بأس بالإشارة إليها:

                      هل يجوز في الماليات مطلقاً، أن يدفعها شخص عن شخص، وهل ذلك مسقط عن ذمة المدفوع عنه ولو لم يعلم به، كما لو دفع زكاة فطرته أو خمسه أو ما أشبه.

                      قال البعض: لا يجوز، وقال البعض: لا بد من إجازته وأن يكون بعلمه.

                      لكن الذي يبدو في النظر هو الجواز مطلقا تكليفاً، وموجب لبراءة الذمة وضعاً.

                      فإذا أراد الولد أن يبرئ ذمة والده الحي الذي لا يخمس، يخمس عن والده ويزكي عنه، وحينئذ تبرأ ذمة والده مطلقاً، وإن كان عاصياً بعدم دفعه الخمس، وكذلك في سائر الحقوق الشرعية.

                      كان أحد الكسبة في كربلاء المقدسة لا يبالي بالحج مع استطاعته, وكان ولده مؤمناً ملتزماً ـ وكلاهما توفيا (رحمهما الله) ـ فسجل الولد اسم والده في حملات الحج، ودفع عنه جميع المصاريف وأخذ الجواز والتذكره وجاء بهما إلى والده وقال: تفضل غداً موعد الذهاب مثلاً، فاضطر والده للذهاب للحج حيث رأى إن لم يذهب ذهب المال هباءً، وهكذا تمكن الولد من إرسال والده، طبعا هذه القصة تختلف عن مسألتنا كما هو واضح.

                      إذن يبدو أن العبادات المالية يكفي فيها ذلك.

                      ○ سأل أحد الفضلاء: أليس هذا من التصرف في ذمة الغير بلا إذن منه، وكيف يقصد القربة؟

                      فأجاب سماحته (دام ظله): التصرف في الغير عرفي ولا يصدق هنا، أما قصد القربة في الماليات فنرى أنه حكم تكليفي وليس حكماً وضعياً، يعني يجب أن ينوي القربة لا أنه إن لم ينو بطل العمل، فلو خمس رياءً ارتكب الحرام لكنه يسقط تكليفه، والله العالم.

                      وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

                      الليلة العاشرة
                      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
                      (1) الكافي: ج3 ص313 باب قراءة القرآن ح 5.
                      (2) تهذيب الأحكام: ج2 ص74.
                      (3) كشف الغطاء: ج4 ص232 ط الحديثة.
                      (4) كشف الغطاء: ج4 ص549 وفيه: (الأوّل: في أنّ المواقيت بأسرها عبارة عمّا يساوي الأسماء من تخوم الأرض إلى عنان السماء، فلو أحرم من بئر أو سطح فيها، راكباً أو ماشياً أو مضطجعاً وفي جميع الأحوال فلا بأس).
                      (5) انظر المكاسب المحشى للشيخ الأعظم: ج8 ص352.
                      (6) الكافي: ج4 ص119.
                      (7) وسائل الشيعة: ج5 ص494 ب6 ح7151.
                      (8) تهذيب الأحكام: ج4 ص256 ب62 ح2.
                      (9) وسائل الشيعة: ج10 ص220 ب20 ح13266.

                      تعليق


                      • #12
                        الليلة الثانية عشرة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة



                        بسم الله الرحمن الرحيم

                        الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
                        ((من موارد قاعدة الفراغ))
                        بدأ سماحة السيد المرجع (دام ظله) البحث العلمي قائلاً:

                        اليوم سألني أحد المؤمنين: إنه كان على عضو من أعضائه دم، وقد غفل عنه حين الغُسل، وبعد الغسل رآى الدم على نفس الموضع، ولكنه يحتمل أن يكون دماً جديداً، أي حين الغسل تطهر الموضع من الدم السابق ثم جاء دم مستأنف بعده، ويحتمل أن يكون نفس الدم السابق، فما حكم غسله؟

                        فهل هذا المورد تشمله قاعدة الفراغ؟

                        ○ قال أحد الفضلاء: بما أنه كان غافلاً حين الغسل لا تجري قاعدة الفراغ، فإن في الرواية الأذكرية:

                        (قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ، قال (عليه السلام): هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك‌) (1).

                        فقال سماحة السيد (دام ظله): الظاهر شمول قاعدة الفراغ لمفروض المسألة لما سيأتي.

                        ثم إن (أذكَر) في الرواية علة أم حكمة، فإن كان علة فلا يشمل المقام، وإن كان حكمة فيشمله.

                        مضافاً إلى أن هناك نصوص أخرى مطلقة ليس فيها الأذكرية وهي تشمل مفروض المسألة، مثل ما عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: (كُلُّ مَا شَكَكْتَ فِيهِ مِمَّا قَدْ مَضَى فَامْضِهِ كَمَا هُوَ) (2).

                        وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ: كُلُّ مَا مَضَى مِنْ صَلاتِكَ وَطَهُورِكَ فَذَكَرْتَهُ تَذَكُّراً فَأَمْضِهِ وَلا إِعَادَةَ عَلَيْكَ فِيهِ) (3).

                        وفي رواية أخرى:

                        (فَإِذَا قُمْتَ عَنِ الْوُضُوءِ وَفَرَغْتَ مِنْهُ وَقَدْ صِرْتَ فِي حَالٍ أُخْرَى فِي الصَّلاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا فَشَكَكْتَ فِي بَعْضِ مَا قَدْ سَمَّى اللَّهُ مِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْكَ فِيهِ وُضُوءَهُ لا شَيْ‌ءَ عَلَيْكَ فِيه‌) (4).‌

                        وما نحن فيه مورد عرفي لهذه الروايات المطلقة غير المقيدة بالأذكرية.

                        وهذه المسائل وأمثالها ذكرها السيد (رحمه الله) في العروة، وغيره في غيرها، وهل أنها من مصاديق الفراغ أم لا.

                        يقول صاحب العروة:

                        (مسألة: إذا كان محل وضوئه من بدنه نجساً فتوضأ وشك بعده‌ في أنه طهره ثمَّ توضأ أم لا، بنى على بقاء النجاسة فيجب غسله لما يأتي من الأعمال، وأما وضوؤه فمحكوم بالصحة عملاً بقاعدة الفراغ، إلا مع علمه بعدم التفاته حين الوضوء إلى الطهارة والنجاسة، وكذا لو كان عالماً بنجاسة الماء الذي توضأ منه سابقاً على الوضوء ويشك في أنه طهره بالاتصال بالكر أو بالمطر أم لا، فإن وضوءه محكوم بالصحة والماء محكوم بالنجاسة ويجب عليه غسل كل ما لاقاه، وكذا في الفرض الأول يجب غسل جميع ما وصل إليه الماء حين التوضؤ أو لاقى محل الوضوء مع الرطوبة‌) (5).

                        والمسألة الأخرى: إذا كان في يده خاتم ضيق، وغفل عن دورانه حين الوضوء أو الغسل، ولكن بعدهما احتمل وصول الماء تحته، فما حكم وضوئه أو غسله؟

                        قال بعض الفقهاء ببطلان الوضوء والغسل، وقال بعضهم بصحتهما، لأنه بعد الغُسل والوضوء لا يعلم ببطلانهما، فتشمله روايات الفراغ.

                        ((الاستصحاب وقاعدة الفراغ))
                        ربما يقال: إن هذه المسألة مورد للاستصحاب فلا تجري فيه قاعدة الفراغ؟

                        لكنه يقال: استصحاب عدم وصول الماء مثبت، فلا حجية فيه، فإن لازمه العقلي عدم غسل البشرة وهو لا يثبت بالاستصحاب.

                        وإن قلت: هذا لازمه الشرعي ولا إشكال في إثباته بالاستصحاب، فاستصحاب عدم وصول الماء لازمه أو حكمه بطلان الغسل.

                        قلنا: البطلان متوقف على عدم غسل البشرة بنية الطهارة لا على عدم وصول الماء، فتأمل، مضافاً إلى كون أدلة الفراغ حاكمة على الاستصحاب، وإلا لم يبق مورد لقاعدة الفراغ.

                        ○ قال أحد الفضلاء: ربما يمكن القول بالتفصيل، ففي بعض الموارد هناك استصحاب محكوم بقاعدة الفراغ، وفي بعضها استصحاب حاكم عليها، لأنه من السببي والمسببي مثلاً.

                        فأجاب سماحته (دام ظله): لا فرق بينهما، وقاعدة الفارغ حاكمة على موارد الاستصحاب كلها إلا ما خرج بالدليل.

                        ○ قال أحد الفضلاء: إذا شك في أثناء الغسل ولم يعتن، فإنه لا يمكن له إجراء قاعدة الفراغ هنا.

                        فقال سماحته (دام ظله): هذا مع الفارق، حيث للاستصحاب الفعلية وقد جرى أو لابد من إجرائه، أما ما نحن فيه فلم يكن ملتفتاً فلا استصحاب في وقته، ولا استصحاب بعد العمل لحكومة قاعدة الفراغ، فإن الالتفات للعلم السابق والشك اللاحق شرط في جريان الاستصحاب.

                        ○ قال أحد الفضلاء: الظاهر عدم جريان قاعدة الفراغ مع الإحراز التعبدي لوجود المانع، والاستصحاب إحراز تعبدي؟

                        فقال سماحته (دام ظله): هذا الاستصحاب لا يجري، لأنه في وقته لم يكن ملتفتاً، أما الآن فمورد الفراغ لا الاستصحاب.

                        ○ قال أحد الفضلاء: هل تفرقون في الاستصحاب بين الشك في الموضوع والحكم؟

                        فقال سماحته (دام ظله): لا نفرق بينهما وكلاهما حجة، ولكن ما نحن فيه ليس مورداً للاستصحاب لعدم الالتفات.

                        ○ قال أحد الفضلاء: يقول الفقهاء إذا احتمل وجود المانع لابد له من الفحص، فإذا تفحص ولم يجد شيئاً ثم بعد الوضوء أو الغسل رأى مانعاً احتمل أنه جديد أو سابق، قالوا بجريان قاعدة الفراغ، أما إذا لم يتفحص قالوا بالبطلان، ومنه يستفاد أن قاعدة الفراغ ليس له إطلاق، فلا يشمل ما لو احتمل التكليف قبل العمل مع الالتفات؟

                        فقال سماحته (دام ظله): إطلاقات القاعدة تشمل الاثنين، قال (عليه السلام): (كُلُّ مَا شَكَكْتَ فِيهِ مِمَّا قَدْ مَضَى فَامْضِهِ كَمَا هُوَ) (6).

                        يقول صاحب العروة في مسألة المانع والذي يعبر عنه بالحاجب:

                        (إذا شك في وجود الحاجب وعدمه قبل الوضوء أو في الأثناء، وجب الفحص حتى يحصل اليقين أو الظن بعدمه إن لم يكن مسبوقاً بالوجود، وإلا وجب تحصيل اليقين ولا يكفي الظن.

                        وإن شك بعد الفراغ في أنه كان موجوداً أم لا بنى على عدمه ويصح وضوؤه، وكذا إذا تيقن أنه كان موجوداً و شك في أنه أزاله أو أوصل الماء تحته أم لا، نعم في الحاجب الذي قد يصل الماء تحته وقد لا يصل إذا علم أنه لم يكن ملتفتاً إليه حين الغسل ولكن شك في‌ أنه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا يشكل جريان قاعدة الفراغ فيه فلا يترك الاحتياط بالإعادة، وكذا إذا علم بوجود الحاجب المعلوم أو المشكوك حجبه وشك في كونه موجوداً حال الوضوء أو طرأ بعده فإنه يبني على الصحة إلا إذا علم أنه في حال الوضوء لم يكن ملتفتاً إليه فإن الأحوط الإعادة حينئذ‌) (7).

                        وقال في مسألة أخرى: (إذا علم بوجود مانع وعلم زمان حدوثه‌ وشك في أن الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده يبني على الصحة لقاعدة الفراغ إلا إذا علم عدم الالتفات إليه حين الوضوء فالأحوط الإعادة حينئذ‌) (8).

                        ((عموم وإطلاق قاعدة الفراغ))
                        لكن يبدو أن عموم النص يشمل جميع هذه الموارد، فنقول بالفراغ وإن علم بعدم الالتفات، أما الاستصحاب فلا يجري في مورد الفراغ لعدم تمامية أركانه، فهو غير متلفت حينه إلى اليقين السابق والشك اللاحق وهما من أركانه.

                        والخلاصة لما كان هناك عموم : (كُلُّ مَا شَكَكْتَ فِيهِ مِمَّا قَدْ مَضَى فَامْضِهِ كَمَا هُوَ).

                        و(الأذكرية) في بعض الروايات حكمة وليست بعلة، حيث لا ظهور لها في العلية، وحينئذ يمكن القول بصحة الوضوء والغسل وما أشبه لقاعدة الفراغ.

                        ○ قال أحد الفضلاء من الحضور: هذا من الاستصحاب التعليقي، وحينئذ لابد من جريانه وإن لم يكن ملتفتاً في حينه.

                        فأجاب سماحته (دام ظله): الاستصحاب التعليقي على قسمين: ما يرجع إلى التنجيزي، وما لم يرجع، وقال البعض إن الأول حجة دون الثاني (9).

                        مضافاً إلى أن الاستصحاب مثبت هنا، فإن لازمه أن البشرة لم تغسل بقصد التطهر أو حين كونها طاهرة، فالدم كان نجساً وحاجباً عن وصول الماء، فاستصحابه لإثبات عدم غسل البشرة بقصد التطهر أو حين كونها طاهرة مثبت.

                        ○ هنا أشكل بعض الفضلاء قائلاً: لا نريد استصحاب المانعية حتى يكون مثبتاً، ويكفينا استصحاب عدم وصول الماء، وهو دليل البطلان.

                        فقال سماحته (دام ظله): ماذا تقولون فيما مثله الفقهاء من أنه إذا كانت الأرض متنجسة، وكان الثوب رطباً على الحبل، فوقع الثوب على الأرض، فما حكم الثوب طهارةً ونجاسةً؟ إذا استصحبنا الرطوبة كان من الأصل المثبت، فلا يجري الاستصحاب ولا يمكن القول بنجاسة الثوب.

                        ○ فقال أحد الفضلاء: نعم استصحاب الرطوبة أصل مثبت لأن النجاسة أمر حادث، وما نحن فيه ليس كذلك، فنحن لا نريد استصحاب المانعية، بل نستصحب عدم وصول الماء.

                        ((الشك في الطهارة بعد الصلاة))
                        ثم قال سماحته (دام ظله): المثال الآخر ما لو صلى الظهر وشك بعده هل كان قد توضأ أم لا؟

                        قال الفقهاء: صلاته صحيحة لقاعدة الفراغ، ولا يجري هنا استصحاب عدم الوضوء، لأن شرط الاستصحاب الالتفات حينه، وكان غافلاً عنه.

                        نعم بالنسبة إلى صلاة العصر، لابد أن يتوضأ، فيجري الاستصحاب في العصر لتمامية أركانه وشروطه دون الظهر.

                        ○ قال أحد الفضلاء: يشترط في جريان قاعدة الفراغ أن يكون الحكم مسبوقاً بالأمر، وفي صورة الغفلة لا أمر؟

                        فأجاب سماحته (دام ظله): لا فرق في شمول الأدلة بين هذه المصاديق عرفاً.

                        ○ وسأل أحدهم: في الفرض المذكور، وهو الشك بعد صلاة الظهر، إن كان العلم بالحدث هو المتيقن السابق، كيف قالوا بصحة ظهره، مثلاً قام من نومه وهو يعلم بحدثه، وأراد أن يتوضأ فيصلي، لكنه غفل وصلى وشك هل أنه توضأ قبل الصلاة أم لا، فالاستصحاب يقول إنه محدث فتبطل صلاته.

                        فأجاب سماحته (دام ظله): لا يجري الاستصحاب لأنه كان غافلاً عنه حين الصلاة، وبعد الصلاة يحتمل صحة صلاته فقاعدة الفراغ جارية.

                        إذن قاعدة الفراغ تكون أخص مطلقاً من الاستصحاب فتقدم عليه، وإلا ففي كل موارد الفراغ هناك استصحاب ولكنهم لم يعملوا به.

                        أما بالنسبة الى صلاة العصر فلابد أن يجدد الوضوء لاستصحاب عدمه، فالاستصحاب لا يجري بالنسبة إلى ما مضى، بل يجري بالنسبة إلى ما سيأتي، فلا يجعل ظهره باطلاً لعدم الالتفات حينه إلى ما يوجب الاستصحاب من اليقين والشك، نعم يحكم عليه بلزوم أن يتوضأ للعصر، إذ لا مانع حينئذ من جريان استصحاب الحدث للعصر، ولا مجال هنا لقاعدة الفراغ لعدم موضوعه.

                        ثم أضاف سماحته (دام ظله): هذا رأي مشهور الفقهاء، لكن رأيت فقهين من كبار فقهائنا قالوا في هذه المسألة بأنه لا حاجة للوضوء لصلاة العصر، فيصلي بناءً على قاعدة الفراغ التي أجراها في الظهر.

                        وهما الشيخ جعفر كاشف الغطاء (رحمه الله) وهو من أساطين الفقه، في كتابه (كشف الغطاء)، ومن بعده ولده الشيخ حسن كاشف الغطاء (رحمه الله) في كتابه (أنوار الفقاهة) وهو كتاب قيم جداً وعندي بعض مجلداته من الطبعة القديمة، قالوا: لأن قاعدة الفراغ أمارة لا أصل، فإذا كانت أمارة فمثبتاتها حجة.

                        ○ قال أحد الفضلاء: نريد منكم مثالاً قاله الفقهاء وحكموا بجريان قاعدة الفراغ فيه مع الغفلة، مثل ما إذا قام المكلف من نومه وكان في يده مانع، وغفل عنه وتوضأ وصلى، ثم رأى المانع موجوداً ويحتمل أنه جديد، هل يقول الفقهاء بصحة صلاته لقاعدة الفراغ، أم قالوا ببطلانها؟

                        فقال سماحته (دام ظله): نسأل جنابكم أليس عموم (كُلُّ مَا شَكَكْتَ فِيهِ مِمَّا قَدْ مَضَى فَامْضِهِ كَمَا هُوَ) يشمل هذا المورد أيضا؟

                        ((الغسلة المزيلة))
                        ○ قال أحد الفضلاء من الحضور: ربما يمكن القول بتفصيل آخر لجريان قاعدة الفراغ وعدمه، وهو ما لو احتمل أن يكون قد غسل المانع قبل الوضوء فتجري قاعدة الفراغ، ولكنه إن احتمل أن الغسلة الواحدة كان غسلة مزيلة وهي نفسها غسلة وضوئية، لا تجري القاعدة.

                        فقال سماحته (دام ظله): مسألة الغسلة المزيلة ذكرها صاحب العروة في عدة موارد وكذلك وغيره مفصلاً (10).

                        فإذا كانت أعضاء وضوئه أو غُسله متنجسة، فهل يجوز للغسلة الواحدة أن تكون مزيلة للخبث ومزيلة للحدث معاً،

                        قال: جماعة يكفي ذلك، فإن طهارة الموضع شرط مطلق ولو كانت الطهارة بنفس الغسلة، قال به المرحوم الميرزا عبد الهادي (قدس سره).

                        ○ قال أحد الفضلاء: لابد من تقدم المقدمة على ذي المقدمة، والغسل من الخبث مقدمة للغسل من الحدث، ومع عدم التقدم ولو بالأصل فالوضوء باطل.

                        فقال سماحته (دام ظله): هذا التقدم رتبي وليس زمانياً، فلا إشكال في جريان قاعدة الفراغ.

                        ○ سأل أحدهم: ربما تكون الغسالة نجسة فكيف تكون نفس الغسلة مزيلة ومطهرة؟

                        فقال سماحته (دام ظله): نفرض المسألة في ما لم يقل أحد بنجاسة غسالته، كما إذا غسل ذلك بالماء الجاري وما أشبه حيث كانت الغسالة طاهرة.

                        إذن النتيجة : إن البعض يرى لزوم طهارة الأعضاء ولو حين الوضوء بنفس الغسلة. ويقول البعض: لابد من قبلية الغسلة المزيلة ولو آناما.

                        وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
                        الليلة الحادية عشرة
                        ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ

                        (1) وسائل الشيعة: ج1 ص471 ب42 ح1249.
                        (2) تهذيب الأحكام: ج2 ص344 ب16 ح14.
                        (3) وسائل الشيعة: ج1 ص471 ب42 ح1248.
                        (4) تهذيب الأحكام: ج1 ص100 ب4 ح110.
                        (5) العروة الوثقى: ج1 ص254 المسألة: 52.
                        (6) وسائل الشيعة: ج8 ص237 ب23 ح10526.
                        (7) العروة الوثقى: ج1 ص253 ـ 254، المسألة 50.
                        (8) العروة الوثقى: ج1 ص 254، المسألة 51.
                        (9) قال السيد اليزدي في كتاب (رسالة في منجزات المريض) ص17: (الثّاني: الاستصحاب التعليقي‌، بأن يقال كان بحيث لو تصرّف كان نافذا من أصل ماله فالأصل بقاؤه، ويرجع إلى استصحاب الملازمة بين التصرّفات والنفوذ،، ولا بأس به لكن لا بدّ من إثبات كون هذه الملازمة من الأحكام الشّرعيّة المجعولة لا من الأمور الانتزاعيّة العقلية، ويمكن منع ذلك، بيان ذلك أن الاستصحاب فرع الثبوت في السّابق ومن المعلوم أنه لم يقع تصرّف في السّابق حتى يحكم بنفوذه فلا بدّ من استصحاب الملازمة بين وقوعه وبين النفوذ، وكذا في سائر أفراد الاستصحاب التعليقي وهذه الملازمة قد يكون من المجعولات الشرعيّة بحيث يصدق على الموضوع أنه ذا حكم شرعي، كما إذا قال ماء العنب ينجس إذا غلى بحيث يكون غرضه جعل هذا الحكم الثاني لماء العنب، وقد يكون من الأمور الانتزاعيّة كما إذا قال ماء العنب الغالي نجس فقبل الغليان لا حكم لماء العنب لكن يصحّ عقلا أن يقال هذا لماء بحيث لو غلى يصير نجسا فهذه الملازمة ليست مجعولة شرعا، و كذا إذا قال المستطيع يحج فقبل الاستطاعة لا حكم للمكلف، وكذا إذا قال يجب على البالغ كذا، إذ قبل البلوغ لا حكم له لا أصلا، وهكذا مع أن لا للعقل أن ينتزع الملازمة المذكورة فإن كانت الملازم مجعوله شرعاً جاز استصحابها وإلا فلا).
                        (10) العروة الوثقى: ج1 ص 120، المسألة 29، وفيه: (مسألة: الغسلة المزيلة للعين بحيث لا يبقى بعدها شي‌ء منها تعد من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدد فتحسب مرة، بخلاف ما إذا بقي بعدها شي‌ء من أجزاء العين فإنها لا تحسب، وعلى هذا فإن أزال العين بالماء المطلق فيما يجب فيه مرتان كفى غسله مرة أخرى وإن أزالها بماء مضاف يجب بعده مرتان أخريان).

                        تعليق


                        • #13
                          الليلة الثالثة عشرة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة


                          بسم الله الرحمن الرحيم

                          الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
                          ((النهي عن المنكر وضمان المتلف))
                          سأل أحد الفضلاء: إذا توقف النهي عن المنكر على إتلاف مال، كما إذا أراد إتلاف الخمر فتوقف على إتلاف الآنية أو الكوز، فهل ضمان للظرف؟

                          فأجاب سماحته (دام ظله): إذا كان النهي عن المنكر يستلزم عرفاً إتلاف ذلك المال، أي كان لازمه العرفي، ولم يثبت أن حفظه أهم من النهي عن المنكر في باب التزاحم، فلعدم الضمان وجه.

                          فإن ما نحن فيه من صغريات التزاحم، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، وإتلاف مال الغير بلا رضاه حرام، وكل واحد منهما فيه الملاك، فمع إحراز الأهمية في جانب فهو، وإلا يكون مثل سائر موارد التزاحم.

                          ومثّل الفقهاء لذلك بإنقاذ الغريق والتصرف في حبل الغير، فالأول أهم شرعاً من الثاني وإن استلزم إتلافه، فهل يضمن ذلك؟

                          قال بعض: نعم.

                          وقال بعض: الضمان على بيت المال، لأنه معد لمصالح المسلمين.

                          وقال بعض: ومنهم المرحوم الميرزا عبد الهادي الشيرازي (رضوان الله عليه)، أنقل عنه شفهاً، قال: بالمقدار الذي هو لازم عرفي لذلك لا يضمن، لأهمية أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث ورد أن بهما تُقام الفرائض، وما أشبه.

                          قال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث: (كَمَا رَفَضُوا أَسْمَى الْفَرَائِضِ وَأَشْرَفَهَا إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِض) (1).

                          فيرجح ملاك وجوب الأمر والنهي على ملاك حرمة الغصب.

                          فإذا قال المولى: يجب عليك إتلاف الحرام، وكان لازمه العرفي إتلاف آنيته، فهو إذن بإتلاف الآنية بلا ضمان، لظهور الأمر والنهي في مقدار اللوازم العرفية، فلا يقال بأن الضمان وضعي ولا ينافي التكليفي.

                          ويبدو أن هذا الكلام جيد.

                          ((أقوائية أدلة الضمان))
                          قال أحد الفضلاء من الحضور: ربما يقال إن أدلة الضمان أقوى من أدلة الأمر والنهي.

                          فأجاب سماحته (دام ظله): لا يعلم ذلك، بل لابد من الظهور العرفي.

                          ○ وسأل أحد الفضلاء: بناءً على ما ذكرتم من عدم الضمان في اللوازم العرفية، فلماذا أفتى الفقهاء بضمان الطبيب؟

                          فأجاب سماحته (دام ظله): للدليل الخاص في الطبيب.

                          فإن الطبيب أو الختان وإن كان حاذقاً فهو ضامن، لما ذكر، إلا أذا أخذ البراءة قبل ذلك، علماً بأن التبري أيضاً خلاف أصل الضمان في مورده، لكنه خرج بالدليل الخاص.

                          ○ سأل أحد الفضلاء: الفقهاء أفتوا بالضمان في من ألقى مال غيره في البحر إذا توقف إنقاذ السفينة من الغرق عليه، فهناك أمر وضمان؟

                          فأجاب سماحته (دام ظله): المسألة فيها خلاف.

                          وبشكل عام أدلة الضمان فيها عموم وإطلاق، وهناك عمومات في أدلة الأمر والنهي، فمع إحراز الأهمية في أحدهما فهو المقدم، وإلا كان ضامناً لعدم المنافاة بين الحكمين الوضعي والتكليفي.

                          لكن الفقهاء قالوا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للتأكيد الكبير عليهما أهم من أدلة الضمان فتخصص بها (2).

                          ○ سأل أحد الفضلاء: عند مراجعة أدلة الضمان يمكن استفادة أقوائيتها، لقوة إطلاقها وعمومها، ودلالتها بالمطابقة على الضمان، وفي المقابل دلالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على عدم الضمان ليس بالمدلول المطابقي أو التضمني، بل لازمه ذلك، فحسب القاعدة لابد من تقديم أدلة الضمان فإنها بالمطابقة.

                          فأجاب سماحته (دام ظله): العرف يرى التلازم بين الأمر والنهي وعدم الضمان، مع إحراز أهمية الأمر والنهي، وحينئذ لا يفرق بين المدلول المطابقي والالتزامي.

                          وبالنتيجة بين الدليلين عموم من وجه، فيتعارضان في مورد الاجتماع، فمع أهمية أحدهما هو المقدم.

                          ((أكل المخمصة))
                          قال أحد الفضلاء من الحضور: بناءً على عدم الضمان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلماذا تقولون بالضمان في أكل المخمصة؟

                          فأجاب سماحته (دام ظله): ربما يقال حتى في أكل المخمصة بعدمه فتأمل، علماً بأننا الآن في مقام البحث العلمي، أما الفتوى فهي بحاجة إلى مراجعة وتدقيق أكثر.

                          ○ سأل أحد الفضلاء: الغصب هو الاستيلاء على مال الغير عدواناً وهو يوجب الضمان، فإذا كان التصرف بأمر الشارع فلا عدوان ولا ضمان؟

                          فأجاب سماحته (دام ظله): ما المقصود بالعدوان، إن كان يراد به ما هو خلاف رضا صاحبه فهو كذلك، وإن قلتم بأن المالك الحقيقي وهو الله عزوجل أجاز له ذلك، ودليله حاكم على دليل المالك العرفي فلا عدوان، ولكن تشمله أدلة الضمان الأخرى، منها (على اليد) حيث إطلاقه، وعدم تقييده بالعدوان.

                          وهذه مسألة فيها خلاف من زمن الشيخ (رحمه الله) إلى يومنا هذا، حيث الأمر والنهي من جانب، وأدلة الضمان من جانب آخر.

                          فالأصل الضمان، وهو حكم وضعي لا يتنافى مع الحكم التكليفي، إلا إذا رأى العرف بالملازمة عدم الضمان مع الأمر والنهي.

                          ((القول بالتفصيل))
                          قال أحد الفضلاء من الحضور: ربما يمكن القول بالتفصيل بين ما هو مثل أكل المخمصة حيث فيه الانتفاع للمتصرف، وبين غيره كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما لا يعود بالنفع إلى المتصرف، ففي الأول الضمان دون الثاني.

                          فأجاب سماحته (دام ظله): لا دليل على هذا التفصيل،

                          ثم إنه ينتقض ذلك بضمان الطبيب، حيث لا ترجع إليه الفائدة وأفتى الفقهاء بضمانه.

                          ○ فقيل: انتفاع الطبيب هو أخذه الأجرة.

                          فقال سماحته (دام ظله): ما ذا لو كان يعمل مجاناً، وكم رأيت من الأطباء في الزمن السابق يعمل بلا عوض، قربة إلى الله تعالى، من دون أخذ أو تعيين أجرة، نعم كان الناس يعطونه ما شاؤوا بعنوان الهدية.

                          ○ قال أحد الفضلاء: ربما يفصل بين مثل الصناعات التوصلية حيث يتوقف على أخذ الأجرة، وبين الواجبات التعبدية حيث لا أجرة فيها، فنقول فيما نحن فيه بالتفصيل، فأكل المخمصة بمثابة التوصليات ففيها الضمان، والأمر بالمعروف من التعبديات فلا ضمان فيما يتلف بسببه.

                          فأجاب سماحته (دام ظله): هذه استحسانات لا دليل عليها، فضمان آكل المخمصة والطبيب على حسب القاعدة، فإن (من أتلف مال الغير فهو له ضامن)، وإن كان هذا الحديث بخصوصه في سنده بحث، لكن هناك أحاديث أخر تدل على الضمان.

                          والنتيجة أن الحكم بالضمان مسلّم، إلا ما خرج، فالقاعدة الأولية في الضمان تشمل حتى مورد الأمر والنهي، لكن قد يقال بخروج موردهما لأجل أهميتهما، ولما ذكرناه من الظهور العرفي في عدم الشمول لما هو لازم الأمر والنهي عرفاً.

                          وكان المرحوم الوالد (قدس سره) يفتي بالضمان حتى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يرى هذا التلازم المدعى.

                          ((تأديب الطفل وضمانه))
                          سأل أحد الفضلاء عن تأديب الطفل وحكم ضمانه؟

                          فقال سماحته (دام ظله): التأديب وضمانه أيضاً من صغريات تلك الكبرى، ومع عدم إحراز الخروج يقال بالضمان.

                          فعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): (رُبَّمَا ضَرَبْتُ الْغُلامَ فِي بَعْضِ مَا يَحْرُمُ، فَقَالَ: وَكَمْ تَضْرِبُهُ، فَقُلْتُ: رُبَّمَا ضَرَبْتُهُ مِائَةً، فَقَالَ: مِائَةً مِائَةً!! فَأَعَادَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: حَدَّ الزِّنَى! اتَّقِ اللَّهَ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَكَمْ يَنْبَغِي لِي أَنْ أَضْرِبَهُ، فَقَالَ: وَاحِداً، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَوْ عَلِمَ أَنِّي لا أَضْرِبُهُ إِلاّ وَاحِداً مَا تَرَكَ لِي شَيْئاً إِلاّ أَفْسَدَهُ، فَقَالَ: فَاثْنَتَيْنِ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا هُوَ هَلاكِي إِذاً، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُمَاكِسُهُ حَتَّى بَلَغَ خَمْسَةً، ثُمَّ غَضِبَ فَقَالَ: يَا إِسْحَاقُ إِنْ كُنْتَ تَدْرِي حَدَّ مَا أَجْرَمَ فَأَقِمِ الْحَدَّ فِيهِ وَلا تَعَدَّ حُدُودَ اللَّه) (3).

                          ومن هنا قال بعض الفقهاء بالتحديد في التأديب، وعدم حقه في التأديب أكثر من المحدد حتى وإن اقتضى التأديبُ الأكثر، وكان التأديب لا يتحقق بالتحديد المذكور.

                          إذن لابد من التمسك بظواهر الأدلة.

                          ((غلو ومبالغات في بعض الروايات))
                          سأل أحد الفضلاء من الحضور: ورد في بعض الروايات ما ظاهره الغلو أو المبالغة، مثل من عمل كذا فله الآلاف من الحور وما أشبه؟

                          فأجاب سماحته (دام ظله): الملاكات في عالم الآخرة تختلف عما نحن فيه في الدنيا، فلا يمكن رد الشيء بمجرد استغرابه، ولأنه لا يتناسب مع الإنسان في عيشه في هذه الدنيا، فإن الآخرة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما في الروايات(4).

                          ومن جانب آخر فهذه الروايات على أقسام من حيث الاعتبار والسند وما أشبه، فما كان قد ورد عن المعصوم (عليه السلام) حتماً فلا شك في صحته، وما كان بالدليل المعتبر لزم التسليم به، نعم قد لا نفهم المراد منه فلا بد من رد علمه إلى أهله (عليهم السلام).

                          أما ما لم يكن معتبراً فالأمر فيه سهل.

                          مثلاً في بعض الروايات المرسلة: من صلى كذا فله أجر جميع الأنبياء والمرسلين، فعلى فرض صحتها يكون المراد بها شيئاً آخر، كالمعنى الكنائي وما أشبه، وإذا لم نفهم المعنى فيرد علمها إلى أهلها (صلوات الله عليهم).

                          والمثال العرفي للتقريب ما إذا قال الطيبب الحاذق الثقة بوصفة علاج، فإذا لم يفهم المريض الوصفة لا يحق له تخطئة الطبيب أو حمله على ما لا يريده الطبيب.

                          ○ قال أحد الفضلاء: مثل هذه المثوبات الكثيرة متواترة معنىً، وإن لم تكن متواتره في مصاديقها؟

                          فقال سماحته (دام ظله): نعم إذا ثبت ذلك ولم نفهم معناها، فعلمها إلى أهلها يرد.

                          ومثل ذلك، ما ورد من الصلوات المستحبة التي لا يسع الوقت لأدائها، فإن كان السند معتبراً ولم نفهم الرواية، يرد علمها الى أهلها (عليهم السلام).

                          عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: (مَنْ بَاتَ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِأَرْضِ كَرْبَلاءَ فَقَرَأَ أَلْفَ مَرَّةٍ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَيَسْتَغْفِرُ أَلْفَ مَرَّةٍ وَيَحْمَدُ اللَّهَ أَلْفَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَلْفَ مَرَّةٍ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكَيْنِ يَحْفَظَانِهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَسُلْطَانٍ وَ يَكْتُبَانِ لَهُ حَسَنَاتِهِ وَلَا تُكْتَبُ لَهُ سَيِّئَةٌ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ مَا دَامَ مَعَهُ) (5).

                          فقراءة ألف آية الكرسي في كل ركعة تستوعب جميع الليل وتزيد عليه.

                          ((الأنبياء والاستغفار))
                          سأل أحد الفضلاء: ما ذا تقولون في مثل قوله تعالى: )استغفر لذنبك وللمؤمنين) (6).

                          وقوله تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخّر) (7).

                          وقوله سبحانه: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) (8).

                          وكيف يجتمع ذلك مع عصمة الأنبياء (عليهم السلام).

                          فأجاب سماحته (دام ظله):

                          في الرواية إنما نزل القرآن على (إياك أعني فاسمعي يا جارة)، أي ليس المقصود المعنى الحقيقي، بل الكنائي.

                          كما في قوله تعالى مخاطباً لنبيه (صلى الله عليه وآله) والمعنى للخلق: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (9).

                          وكما قال عزوجل: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) (10).

                          روى العلامة المجلسي (رحمه الله) في باب عصمة الأنبياء (عليهم السلام) في حديث:

                          (فَقَالَ الْمَأْمُونُ: لِلَّهِ دَرُّكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)، قَالَ الرِّضَا (عليه السلام): هَذَا مِمَّا نَزَلَ بِإِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةِ خَاطَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ نَبِيَّهُ (صلى الله عليه وآله) وَأَرَادَ بِهِ أُمَّتَهُ) (11).

                          حيث كانوا يأتون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويستأذنونه في ترك الجهاد، وكان (صلى الله عليه وآله) يأذن لهم، ومن الواضح أنه إذا عمت هذه الحالة تعطل الجهاد، فنزلت الآية لبيان أهمية الجهاد وعدم جواز التواني فيها.

                          إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان لمقامه وقيادته ومكانته لا يريد أن يرد شخصاً ويقول له لا.

                          فالإنسان المحترم ذو المكانة العالية ليس من شأنه أن يقول لا.

                          يقول الفرزدق في قصيدته الشهيرة في فضل الإمام السجاد (عليه السلام):

                          ما قال لا قط إلا في تشهده \\ لولا التشهد كانت لاؤه نعم

                          إذن (لم أذنت) للإشفاق وليس للنهي، ولا عتاباً لشخصه الكريم، بل هو نهي وعتاب لمن كان يستأذنه عن الحرب.

                          وهذه طريقة عقلائية بلاغية، أحياناً يخاطب الإنسان ولده ليتعلم غيره.

                          ○ قال أحد الفضلاء: في الرواية إنه سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كيف يمجد القرآن الكريم الأنبياء (عليهم السلام) من جهة وربما عاتبهم من جهة أخرى، فقال (عليه السلام) ما مضمونه: )حتى لا يقول الناس بألوهيتهم).

                          ((الموت السريري))
                          سأل أحد الفضلاء عما يسمى بالموت السريري، قال هناك بعض من يرقد في المستشفيات مات قلبه وبقي مخه أو بالعكس، فهو يتنفس عبر الأجهزة الطبية، فإذا فصلت عنه مات بالكامل، علماً بأن تكاليف إبقائه كبيرة جداً، والمشفى لا يتحمل النفقة، فهل يجوز قطع تلك الأجهزة؟

                          فأجاب سماحته (دام ظله): يمكن الرجوع إلى غيري في هذه المسألة ممن هو جامع للشرائط، فإني لا أتحمل الفتوى بذلك، ويكفينا ما تحملناه في سائر الأحكام، فكم يمكن للإنسان أن يتحمل الفتاوى.

                          ((التضخم والتنزل))
                          سأل أحد الفضلاء: إذا ارتفع السعر في التضخم فهل فيه الخمس؟

                          فأجاب سماحته (دام ظله): هذه المسألة سارية في العديد من الأبواب الفقهية، كالبيع والمهر والقرض والوقف والخمس وغيرها.

                          وبشكل عام لابد من ملاحظة مسألة التضخم والتنزل ثم التصالح في ذلك بين الطرفين، فمن كان مهرها قبل سبعين سنة عشرين ديناراً عراقياً مثلاً، فهل يعقل أن نقول بأن العشرين هو مهرها الآن، والعشرون في يومنا لا يعطى به حتى نصف قرص الخبز!.

                          الظاهر أن العشرين تقييدي وليس تعليلياً، فالعشرون بما كان يُشترى به مثلاً كذا من الثياب والشياه والأثاث جعل مهراً، أي بهذا القيد.

                          فعشرون ديناراً بقيد القيمة السوقية لها هو المهر، ومن هنا جعلوا العشرين لا أقل ولا أكثر منه.

                          نعم هناك مقدار متعارف من التضخم والتنزل في جميع الأعصار والأمصار عادة فهو عادي، كما ورد في رواية الحج بعشرين ديناراً، حيث سأل الراوي أنه لا يكفي ذلك للحج فلم يغير الإمام المبلغ بل أمر بجعل عدة حجج حجة أو حجتين وهكذا.

                          قَالَ: وَكَتَبْتُ إِلَيْهِ (عليه السلام): إِنَّ مَوْلاكَ عَلِيَّ بْنَ مَهْزِيَارَ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ ضَيْعَةٍ صَيَّرَ رُبُعَهَا لَكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ حَجَّةً إِلَى عِشْرِينَ دِينَاراً، وَإِنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ طَرِيقُ الْبَصْرَةِ فَتَضَاعَفَ الْمُؤَنُ عَلَى النَّاسِ فَلَيْسَ يَكْتَفُونَ بِعِشْرِينَ دِينَاراً، وَكَذَلِكَ أَوْصَى عِدَّةٌ مِنْ مَوَالِيكَ فِي حِجَجِهِمْ، فَكَتَبَ (عليه السلام) يُجْعَلُ ثَلاثُ حِجَجٍ حَجَّتَيْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (12).

                          وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُصَيْنِيُّ أَنَّ ابْنَ عَمِّي أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَاراً فِي كُلِّ سَنَةٍ وَلَيْسَ يَكْفِي، مَا تَأْمُرُ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبَ (عليه السلام): يَجْعَلُ حَجَّتَيْنِ فِي حَجَّةٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِذَلِكَ (13).

                          فهذا المقدار الطبيعي لا يغير شيئاً، ومقتضى تقرير المعصوم (عليه السلام) أن الملاك في مثله ما عينه في المهر وغيره كالوصية وما أشبه.

                          أما مع التغيير الفاحش، فما هو الحكم؟

                          قبل عدة سنوات جاؤوا إليّ بوصية قديمة من مدينة مشهد، كانت مكتوبة على قماش، وفيها: إنه يوصي كل سنة أن يصرف من حاصل بستانه 11 توماناً يفطر به جمع من المؤمنين في كل ليلة من شهر رمضان، وكذلك لسحورهم، وما زاد من المبلغ يصرف في وجوه البر، يعني ستون مائدة رمضانية لجمع من الصائمين إفطاراً وسحراً.

                          ومن الواضح أن 11 توماناً كان على نحو القيد التقييدي أي المبلغ بقيد أنه يمكن الإطعام به حسب ما وصى.

                          ولكن في باب الخمس لا يلاحظ ذلك، لصدق الفائدة عرفاً.

                          بخلاف العقود، فإنها تابعة للقصود، والتنزل والتضخم خلاف القصد.

                          قال تعالى: (فأن لله خمسه) (14) ، وفي العرف يقال إن البضاعة غلت ولا يقال إن العملة نزلت، وهكذا يعبر بالغلاء حتى الخبراء، فهي زيادة وفائدة عرفاً.

                          فمن كان الصافي له أربعين مليوناً، والآن زادت القيمة فصارت خمسيناً، وإن كان الواقع نزول العملة، ولكن بما أن العرف يراها زيادة ففيها الخمس.

                          ((بين القيد والداعي))
                          قال أحد الفضلاء: ما تفضلتم به في المهر إنما يكون إذا أحرزنا القيد التقييدي، وقد يكون ذلك من الداعي، وبما أن الأغراض مختلفة عند المتعاملين فهي تعد من الداعي.

                          فأجاب سماحته (دام ظله): إذا أحرزنا أنه داع أو أنه قيد فلا بحث، أما إذا شككنا فما هو الحكم؟

                          من جانب آخر ما الفرق بين الداعي (الحيث التعليلي) والشرط الضمني (الحيث التقييدي) إن صح التعبير.

                          ○ قال أحد الفضلاء: مما يؤيد أن المبلغ يبقى نفسه في المهر، أنهم عندما علموا بأن العملة في نزول، جعلوا المهر من الذهب.

                          فأجاب سماحته (دام ظله): ليس الكل يجعل المهر ذهباً، وربما يكون جعل الذهب لمنع المشاكل المحتملة في تعيين المهر فيما بعد، فلا دليل على ما ذكرتم.

                          كنت قبل عدة سنوات في زيارة لأحد المراجع الكبار (رضوان الله عليه) في بيته، فطرحت هذا البحث، وكان رأيه الأولي دفع نفس المهر حتى بعد مرور عشرات السنين من دون ملاحظة التضخم والتنزل، فباحثته في المسألة، فقال لي بعد أيام: منعتني عن الفتوى بذلك.

                          وكان يرى أن من يتزوج في مثل هذا الزمان في ارتكازه أن تقوم الزوجة بالطبخ والكنس والغسل وما هو متعارف من الأعمال البيتية، فهي شروط ضمنية.

                          فقلت لسماحته: ربما تكون هذه الأمور من الداعي وليست من الشروط الضمنية، فكيف تفرقون بينهما؟

                          فالشرط الضمني مثل شرط الصحة في البيع، فإذا ظهر البيض فاسداً كان له الفسخ.

                          والداعي مثل ما إذا اشترى طعاماً باعتبار ضيوفه، ولكن الضيوف لم يأتوا، أو خرجوا ولم يأكلوا، فلا يمكنه إرجاع الطعام.

                          مثال آخر هو من الداعي، ما إذا تزوج امرأة بمهر كبير وكان في نيته أن يعيش معها عشرات السنين، فماتت المرأة بعد يوم من الزواج، فتستحق المهر بكامله، ولا يقول أحد بأن هناك شرط ضمني بالتعايش معها لعشرات السنين فلا تستحق المهر الكامل.

                          فإرادته هنا من الداعي وليس من الشرط الضمني، ولكن إذا اشترى البيض وكان فاسداً، قالوا هذا من الشرط الضمني.

                          فما هو الفارق بينهما؟

                          ○ قال أحد الفضلاء: ربما يقال بأن الشرط الضمني بحاجة إلى التصريح أو التباني، وما ذكرتم من مثال الزوجة وموتها، فالموت خارج عن اختياره؟

                          ثم قال: وكيف تميزون أنتم بينهما؟

                          فأجاب سماحته (دام ظله): الاختيار وعدمه ليس فارقاً، وإلا فالبيض الفاسد أيضاً خارج عن إرادته وليس من الداعي بل من الشرط الضمني.

                          نعم الظهور العرفي العقلائي هو المايز بين الداعي والشرط الضمني، وربما يشك الإنسان فيهما لشكه في الظهور، فإن أوضح المفاهيم كالماء قد يشك الإنسان في بعض مصاديقه، كالمياه الزاجية والكبريتية.

                          وإذا كان الشك بين الداعي والضمني في الأموال في مثل المهر وما أشبه، فقد لا يمكن إجراء الأصول العملية كأصل البراءة، بل قال البعض بجريان القرعة، وقال البعض كالمرحوم السيد الأخ (أعلى الله درجاته) بجريان قاعدة العدل والإنصاف.

                          وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
                          الليلة الثانية عشرة
                          ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
                          (1) الكافي: ج5 ص55 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ح1.
                          (2) فإن مفاد أدلة الأمر والنهي عدم الضمان بالفهم العرفي، ومفاد أدلة (على اليد) وما أشبه الضمان، فيكون التزاحم ويقدم الأهم منهما.
                          (3) وسائل الشيعة: ج28 ص51 ب30 ح34190.
                          (4) الفقيه: ج1 ص295. التهذيب: ج6 ص22.
                          (5) وسائل الشيعة: ج14 ص471 ب52 ح19627.
                          (6) سورة محمد: 19.
                          (7) سورة الفتح: 2.
                          (8) سورة التوبة: 43.
                          (9) سورة الزمر: 65.
                          (10) سورة الطلاق: 1.
                          (11) بحار الأنوار: ج11 ص83.
                          (12) وسائل الشيعة: ج11 ص170 ب3 ح14548.
                          (13) الكافي: ج4 ص311.
                          (14) سورة الأنفال: 41.

                          تعليق


                          • #14
                            اللية الرابعة عشرة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة

                            بسم الله الرحمن الرحيم

                            الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
                            ((الشك في الكرية))
                            سأل أحد الفضلاء: إذا شك في الكرية مع عدم العلم بالحالة السابقة فما هو الحكم، وهل يؤخذ بقول ذي اليد إن كان؟

                            فأجاب سماحته (دام ظله): قال الفقهاء ـ والمسألة مذكورة في العروة (1) ـ: الكرية بحاجة إلى إحراز وجداني أو تعبدي بأصل تنزيلي وهو الاستصحاب، فمع الشك لا يكون كراً، فالعاصمية والمعتصمية أمران وجوديان الأصل عدمهما.

                            وهناك خلاف في قول ذي اليد بالنسبة إلى الكرية فهل حجة، قال البعض: لا، لأن اليد حجة فيما هي عليه وهو الماء وليست الكرية.

                            ○ قال أحد الفضلاء: الماء القليل والماء الكر كلاهما أمران وجوديان، وكل منهما بحاجة إلى إحراز، ولا يمكن إثبات أحدهما إلا بالدليل لا بنفي الآخر.

                            فأجاب سماحته (دام ظله): نعم ومن هنا قال بعض الفقهاء: إنه لا يترتب حينئذ الآثار الخاصة بكل منهما، لا آثار الكرية ولا آثار القلية ـ إن صح التعبير ـ (2).

                            هكذا قالوا في الأصل الحكمي، فإذا ألقينا ثوباً نجساً في ماء مشكوك الكرية، فالماء يبقى طاهراً والثوب نجساً، لجريان الاستصحابين فيهما، استصحاب طهارة الماء واستصحاب نجاسة الثوب.

                            أما من حيث الموضوع فهو بحاجة إلى إحراز.

                            ○ قال أحد الفضلاء: القلة لا تحتاج إلى إثبات، ويكفي إجراء أصالة عدم الكرية فيه؟

                            فأجاب سماحته (دام ظله): هناك قولان، ومقتضى الجمع بين أدلة الانفعال وعدمه أن الماء على قسمين، قليل فينفعل، وكر فلا ينفعل.

                            ○ قال أحد الفضلاء: ورد الحكم في جملة شرطية لها مفهوم: (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ إِذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ كُرٍّ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْ‌ءٌ) (3) ومفهومه إن لم يكن كراً ينفعل.

                            فأجاب سماحته (دام ظله): هناك أدلة أخرى تقول إن كان قليلاً فينفعل.

                            عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الدَّجَاجَةِ وَالْحَمَامَةِ وَأَشْبَاهِهِمَا تَطَأُ الْعَذِرَةَ ثُمَّ تَدْخُلُ فِي الْمَاءِ يُتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ، قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَثِيراً قَدْرَ كُرٍّ مِنْ مَاءٍ) (4).

                            وقَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ وَهِيَ قَذِرَةٌ، قَالَ: (يُكْفِئُ الْإِنَاءَ)(5).

                            من هنا ربما يكون المشهور أن الآثار الخاصة للكرية وللقلية لا تترتب.

                            فكلاهما عنوانان وجوديان بحاجة إلى الإثبات.

                            كما قالوا فيمن توضأ بأحد الإنائين في أطراف العلم الإجمالي حيث لا يحصل له الوضوء، ولا يتنجس به.

                            لأن إجراء الأصلين في مقام الظاهر والوظيفة لا تضارب بينهما، فالأصول هي لبيان الوظيفة لا الواقع، والتضاد في الواقع لا يتنافى مع عدمه في الظاهر.

                            وهذا البحث تسالمنا عليه وإن كان في النفس منه شيء، فهو بحاجة إلى تأمل أكثر، فالتناقض والتضاد وإن كانا في مقام الواقع، وكانت الأصول بالنسبة إلى الوظيفة العملية عند الجهل بالواقع، ولكن هل هناك إطلاق في أدلة الأصول ليشمل ما لو حصل هذا التضاد الواقعي؟ بحاجة إلى تأمل.

                            ○ سأل أحد الفضلاء: قلتم بأن دليل الفراغ على رأي البعض أمارة (6)، فهل هناك قاعدة عامة بأن مثبتات الأمارات حجة وفي كل مكان، أم لابد من ملاحظة لسان الأدلة؟

                            فأجاب سماحته (دام ظله): قد يقال بلزوم لحاظ لسان الأدلة وسائر ما يرتبط بها فيها، لكن ما كان أمارة فظاهره التنزيل وترتيب الآثار، فالشارع قال إنها الواقع أي تنزيلاً، ولم يقله بعنوان الوظيفة بل بعنوان الأمارية، فلوازمها تترتب.

                            ○ قال أحد الفضلاء: الاستصحاب أيضاً نزّل منزلة الواقع؟

                            فأجاب سماحته (دام ظله): الاستصحاب لم ينزل بما هو هو بل بما هو وظيفة الشاك، ولكن الأمارات جعلت بما هي هي منزلة الواقع، فلو قال صدّق العادل، كانت لوازمه حجة.

                            ○ سأل أحد الفضلاء: في قاعدة اليد قالوا بحجية لوازمها، ولكن في قاعدة الفراغ بناءً على كونها أمارة، ليس من المعلوم حجة لوازمها، وهذا نقد على كاشف الغطاء (رحمه الله).

                            فأجاب سماحته (دام ظله): الغالب من الفقهاء لم يقولوا بأماريتها، لكن من قال بها في قاعدة الفراغ، فهو تنزيل له منزلة الواقع، فلما قال عليه السلام (قد ركع) يعني هذا راكع تعبداً فلوازمه حجة،

                            عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): رَجُلٌ أَهْوَى إِلَى السُّجُودِ فَلَمْ يَدْرِ أَ رَكَعَ أَمْ لَمْ يَرْكَعْ، قَالَ (قَدْ رَكَع) (7).

                            من هنا ربما لا يستبعد الإنسان كلام كاشف الغطاء وولده الشيخ حسن (رحمهما الله) بأن يكتفي بذلك في صلاة العصر أيضاً بلا حاجة إلى إعادة الوضوء فيها (8).

                            كاشف الغطاء له رسالة مختصرة في الأصول وشرحها ولده الشيخ حسن.

                            ((الصوم النذري في السفر))
                            ○ سأل أحد الفضلاء: لا يجوز الصوم في السفر، لكن مع النذر يجوز بل يجب، مع أنه يشترط في النذر أن يكون المنذور راجحاً قبل تعلق النذر به، فكيف تصحح هذه المسألة، فلولا النذر لم يكن الصوم في السفر راجحاً، فكيف ينعقد النذر؟

                            فأجاب سماحته (دام ظله): هذا من الأخص المطلق، وتخصيصه بالدليل الخاص، وهناك بعض الموارد الأخرى أيضاً خرج بالدليل عن العام المذكور (9).

                            ○ قال أحد الفضلاء: ظاهر الشرائع أن الصوم جائز في السفر مطلقاً إلا في شهر رمضان، فالرجحان موجود قبل النذر.

                            فقال سماحته (دام ظله): نعم إذا قلنا بما قاله الشرائع فلا إشكال, وفيه روايات مطلقة وبعضها معتبرة سنداً، لكن المشهور لم يقبلوا به وأعرضوا عن تلك الروايات.

                            ○ قال أحد الفضلاء: دليل المشهور ما أخذوه من بطلان صوم رمضان في السفر، وهذا لا دلالة فيه.

                            فأجاب سماحته (دام ظله): نعم، هناك قولان في صوم غير رمضان سفراً.

                            ○ سأل أحد الفضلاء: إذا قلنا بلزوم الرجحان قبل النذر، أي لولاه لكان راجحاً، ومن جانب آخر لا يخلق النذر رجحاناً، فنستكشف من أدلة انعقاد نذر الصوم في السفر أن الرجحان كان موجوداً من قبل في صوم السفر مطلقاً.

                            فأجاب سماحته (دام ظله): هذا الكلام بحاجة إلى دليل، ومجرد الاحتمال لا يكفي، وقد يقال إنه الأخص مطلقاً كما بيناه، وكما قال البعض بالنسبة إلى نذر الإحرام قبل الميقات، فالرجحان لولا النذر شرط إلا في صوم السفر وما أشبه.

                            ○ سأل أحد الفضلاء: هل يمكن القول بأن الصوم في نفسه راجح حتى في السفر، ولكن في السفر ابتلي بالمانع، والنذر يرفع المانع؟

                            فأجاب سماحته (دام ظله): لا دليل عليه.

                            ○ قال أحد الفضلاء: ربما يكون ذلك مثل الشرط المتأخر، فبالنذر المتأخر يكون راجحاً.

                            فأجاب سماحته (دام ظله): هذا على فرض صحته هو التخصيص الذي ذكرناه.

                            ((فرع آخر))
                            وهنا فرع آخر لم أر من تعرض له:

                            هل يجوز أن يصوم قضاء رمضان في السفر بالنذر، أم يختص الجواز بالنذر بصوم المستحب، فما ورد في الأدلة من صوم المستحب هل هو موضوع فلا يشمل غيره، أم مورد في قبال صوم شهر رمضان فيشمل غيره كالقضاء وما أشبه.

                            بحاجة إلى تأمل.

                            ((سفر من ضاق وقته لقضاء رمضان))
                            ○ سأل أحد الفضلاء: إذا ضاق الوقت لقضاء ما فاته من شهر رمضان، قالوا بأنه يجب عليه أن يصوم ولا يسافر.

                            فإن قلنا بأن السفر حينئذ حرام عليه، فيكون سفره سفر المعصية، وفي سفر المعصية يتم ويصوم، فإذا وجب عليه الصوم حينئذ انتفى المانع وهو عدم تمكنه من الصوم، فارتفعت حرمة سفره، وهذا ما يستلزم من وجوده عدمه، وهو محال، فلا يمكن القول بحرمة السفر لمن عليه قضاء الفائت.

                            فأجاب سماحته (دام ظله): إطلاق أدلة (لا صوم في السفر) ينفي ذلك (10).

                            نعم إذا قلنا بأن ما ورد في الصوم المستحب وأنه يجوز بالنذر سفراً، لا يراد به حسب قرينة المقابلة مع حرمة صوم رمضان في السفر، خصوص المستحب بل يشمل غير رمضان من مطلق الصوم الراجح كالقضاء وما أشبه، ولا يستبعد ذلك فيجوز القضاء في السفر بالنذر، والمسألة بحاجة إلى مراجعة أكثر.

                            ○ سأل أحد الفضلاء: هل سفر المعصية ما كان بنفسه معصية أو ما يوجب ارتكاب المعصية فيه؟

                            فأجاب سماحته (دام ظله): قسمان، ما كان بنفسه معصية كما لو نهاه والده وكان موجبا لأذيته، أو سفر الزوجة بلا إذن زوجها، وما كان الغرض منه المعصية مما تقع فيه، كما لو سفر بقصد الحرام من شرب الخمر وما أشبه، فأصل السفر بنفسه جائز ولكن لقصده فعل الحرام فيه أصبح حراماً، والظاهر أن إطلاق الأدلة يشمل الاثنين.

                            ((صلاة الجماعة الدائرية حول الكعبة))
                            ○ سأل أحد الفضلاء: هل يجوز التقدم على الإمام في الصلاة حول الكعبة المشرفة في قسم الدائري منه؟

                            فأجاب سماحته (دام ظله): التقدم على الإمام لا يجوز، فيراعى الفاصل بين الإمام والكعبة المشرفة، فلابد أن يكون المأموم متأخراً حتى في سائر الجهات.

                            نعم الجماعة الدائرية مع حفظ سائر الشرائط تجوز حول الكعبة للصدق العرفي، وإن قال بعض بأن هذا خلاف المعهود في صلاة الجماعة، ولكنه مقتضى الجمع العرفي بين أن يكون المأموم خلف المقام، وبين ما دل على جواز الصلاة حول الكعبة بما يشمل الجماعة أيضاً.

                            ○ قال أحد الفضلاء: لم يكن الصلاة دائرياً سابقاً حول الكعبة؟

                            فأجاب سماحته (دام ظله): الفقهاء على اختلاف مشاربهم لم يمنعوا ذلك.

                            فأحياناً الشيء يكون خلاف المرتكز، وأحيانا خلاف المأنوس، وما نحن فيه ليس خلاف المرتكز.

                            ○ سأل أحد الفضلاء: كيف يصلى جماعة في داخل الكعبة، هل يجوز أن يقف كل من الإمام والمأموم في جهتين، أحدهما نحو الأمام والآخر نحو الخلف؟

                            فأجاب سماحته (دام ظله): هذا خلاف المعهود من الجماعة، فاللازم الاقتداء بالنحو المتعارف.

                            ((بين الداعي والشرط الضمني))
                            ○ قال أحد الفضلاء: بالنسبة إلى المسألة المطروحة ليلة أمس، حول الداعي والشرط الضمني والفرق بينهما، يمكن أن يقال: الشرط الضمني يكون بين طرفين، والداعي من طرف واحد، فمن يشتري طعاماً لضيوفه ربما لا يعلم به البائع فهذا هو الداعي.

                            فقال سماحته (دام ظله): ربما يخبر الإنسان بداعيه البائع فيكون بين طرفين وإن لم يكن شرطاً، فما ذكر ليس فارقاً، نعم قد يكون في بعض المصاديق ولكنه ليس معياراً للفرق بينهما.

                            ○ فقال أحد الفضلاء: ليس الكلام في العلم والجهل، بل الكلام في بناء العقد عليه.

                            فأجاب سماحته (دام ظله): ما ذا تقولون في عقد النكاح إذا بنيا على العيشة عدة سنوات ثم جعلا المهر، ولكن ماتت الزوجة بعد يوم من العقد، فهل يمكن القول بأنه ليس لها حق المهر أو كامل المهر لأنه خلاف ما بنيا عليه، أم يقول الفقهاء إنه من الداعي.

                            ○ قال أحد الفضلاء: في مثال النكاح ليس بشرط، لأنه لا يمكن أن يشترط عدم موتها، فإنه شرط غير اختياري.

                            فأجاب سماحته (دام ظله): لم يشترطا ذلك ـ وإن كان يمكن اشتراط أنه لو ماتت لأرجع قسماً من المهر ـ لكنهما بنيا على العيش لعشرات السنوات، فما الفارق بين الداعي والشرط الضمني.

                            وبشكل عام: الداعي والشرط الضمني من الأمور الاعتبارية، وأحياناً نعلم بأن هذا المصداق من أيهما فبها، وإلا فكيف يميز بينهما؟

                            ○ سأل أحد الفضلاء: كيف تعرّفون أنتم الداعي والشرط الضمني بحيث يحصل الفرق بينهما؟

                            فأجاب سماحته (دام ظله): لسنا الآن في صدد التعريف، فإن التعبير بما يكون جامعاً ومانعاً ولو في الجملة بحاجة إلى تأمل أكثر.

                            ولكن بدواً ربما يقال: ما كان سبباً بالمعنى الأعم لإقدام الطرف فهو الداعي، وما كان أكثر من السبب فالشرط الضمني، فتأمل.

                            ○ سأل أحد الفضلاء: إذا لم يعمل أحد الطرفين بالشرط فما حكم العقد؟

                            فأجاب سماحته (دام ظله): تختلف الموارد، فربما يكون مفسداً وربما لا يكون، وهناك فرق بين الشرط والقيد، إلى غيرها من المباحث المذكورة في محلها.

                            وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
                            الليلة الثالثة عشرة
                            ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
                            (1) العروة الوثقى: ج1 ص36 المسألة 7، وفيه: (الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل على الأحوط‌) المسألة.
                            (2) انظر العروة الوثقى: ج1 ص36 ـ 37 المسألة 7، وفيه: (الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل على الأحوط‌ وإن كان الأقوى عدم تنجسه بالملاقاة، نعم لا يجري عليه حكم الكر فلا يطهر ما يحتاج تطهيره إلى إلقاء الكر عليه و لا يحكم‌ بطهارة متنجس غسل فيه و إن علم حالته السابقة يجري عليه حكم تلك الحالة).
                            (3) تهذيب الأحكام: ج1 ص40 ب3 ح47.
                            (4) الاستبصار: ج1 ص21 ب10 ح4.
                            (5) وسائل الشيعة: ج1 ص153 ب8 ح381.
                            (6) على رأي كاشف الغطاء وولده الشيخ حسن (رحمهما الله) .
                            (7) تهذيب الأحكام: ج2 ص151 ب9 ح54.
                            (8) في مسألة ما لو صلى الظهر وبعد الصلاة شك في أنه هل توضأ أم لا، حيث قال الفقهاء بجريان قاعدة الفراغ وصحة صلاة الظهر، ولكن لابد أن يتوضأ لصلاة العصر، وفي المقابل يقول الشيخ كاشف الغطاء وولده: بعدم الحاجة إلى الوضوء لصلاة العصر، لأن قاعدة الفراغ أمارة ومثبتاتها حجة.
                            (9) مثل النذر للإحرام قبل الميقات.
                            (10) وربما يقال: حرمة سفره باعتبار ترك صومه الواجب في الحضر، ورفع الحرمة باعتبار آخر، فبالاعتبارين لا استحالة، فتأمل.

                            تعليق


                            • #15
                              الليلة الخامسة عشرة ـ شهر رمضان العظيم1436للهجرة

                              بسم الله الرحمن الرحيم

                              الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

                              ((ارتفاع القيمة في باب الخمس))
                              بدأ سماحته (دام ظله) البحث العلمي بالإجابة على سؤال أحد الفضلاء:

                              إذا كان الشخص يملك أرضاً قد خمسها أو ورثها حيث لا خمس فيها، ثم ارتفعت قيمة الأرض فهل في الارتفاع الخمس؟

                              فقال سماحته (دام ظله): المرحوم صاحب الجواهر في رسالته العملية المسماة بـ (مجمع الرسائل) وعليها تعاليق كبار علمائنا كالشيخ الأعظم والميرزا الشيرازي والميرزا محمد تقي والنائيني والآخوند الخراساني واليزدي والحائري (رحمهم الله جميعا) قالوا: بلزوم تخميس ارتفاع القيمة السوقية في الجملة.

                              قال تعالى: (إنّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ) (1).

                              وفي الروايات:

                              قال عليه السلام: (فَالْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَهِيَ الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا) (2).

                              وقال عليه السلام: (هِيَ وَاللَّهِ الإِفَادَةُ يَوْماً بِيَوْمٍ) (3).

                              وعَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) عَنِ الْخُمُسِ، فَقَالَ: (فِي كُلِّ مَا أَفَادَ النَّاسُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ) (4).

                              إذن موضوع الخمس: الفائدة، قليلاً أو كثيراً، ولا يشترط في الفائدة أن يتبدل إلى النقد، فالارتفاع فائدة عرفية وفيه الخمس.

                              فإذا كان لشخصين أرضان في مكانين، اشترياهما بنفس السعر، لكن ارتفع سعر أحدهما إلى الضعف دون الآخر، يقول صاحب المرتفعة: الحمد لله لقد ربحت، ويقول الآخر: ولكني لم اربح.

                              ○ قال أحد الفضلاء: الربح متوقف على البيع، وقبله لا يسمى قد ربح وإن كان ارتفاع في القيمة.

                              فأجاب سماحته (دام ظله): الصدق العرفي للربح ليس متوقفاً على البيع.

                              ○ قال أحد الفضلاء: ربما يوسع العرف في صدق الربح والضرر، ويتسامح في إطلاقهما، فمثلاً لو اشترى أرضاً ولم يربح قال تضررت، مع أنه ليس بضرر لغة.

                              هذا من جانب، ومن جانب آخر الربح والضرر يصدقان في التجارات، فالفائدة في ما اتخذها للتجارة، أما إذا اشترى أرضاً ليبنيها مسكناً له، أو اشترى داراً وسكنها فارتفعت القيمة لا يقال إنه ربح.

                              فأجاب سماحته (دام ظله): بالمقارنة يعرف الصدق العرفي للفائدة، فإذا اشترى في مكان وصاحبه في مكان آخر فارتفع سعر إحداهما صدق الربح في المرتفعة دون غيرها.

                              ○ قال أحد الفضلاء: الربح فيما نحن فيه امر اعتباري وليس واقعياً، فلا خمس فيه.

                              ج: العرف جعل هذا الاعتبار معياراً في صدق الفائدة، من هنا يصبح واجب الحج ويجب أداء ديونه إن كان مديوناً وهكذا.

                              ○ سأل أحد الفضلاء: المخمس لا يخمس، فإذا كانت الأرض مخمسة فلا خمس فيها وإن ارتفع سعرها.

                              فأجاب سماحته (دام ظله): الأصل خمّسه، ولكن الارتفاع لم يخمسه.

                              وهناك شبه اتفاق بين الفقهاء بوجوب الخمس فيما إذا اشترى أرضاً للتجارة فارتفع سعرها.

                              بل ضمن صاحب العروة من لم يخمس الارتفاع خمس ما نزل سعره.

                              قال في العروة:

                              (مسألة، إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس ‌أو تعلق بها لكنه أداه فنمت وزادت زيادة متصلة أو منفصلة وجب الخمس في ذلك النماء، وأما لو ارتفعت قيمتها السوقية من غير زيادة عينية لم يجب خمس تلك الزيادة لعدم صدق التكسب ولا صدق حصول الفائدة، نعم لو باعها لم يبعد وجوب خمس تلك الزيادة من الثمن، هذا إذا لم تكن تلك العين من مال التجارة ورأس مالها، كما إذا كان المقصود من شرائها أو إبقائها في ملكه الانتفاع بنمائها أو نتاجها أو أجرتها أو نحو ذلك من منافعها، وأما إذا كان المقصود الاتجار بها فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إذا أمكن بيعها وأخذ قيمتها‌) (5).

                              ثم قال: (مسألة إذا اشترى عيناً للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية‌ ولم يبعها غفلة أو طلبا للزيادة ثمَّ رجعت قيمتها إلى رأس مالها أو أقل قبل تمام السنة لم يضمن خمس تلك الزيادة، لعدم تحققها في الخارج، نعم ‌لو لم يبعها عمداً بعد تمام السنة واستقرار وجوب الخمس ضمنه‌) (6).

                              ○ قال أحد الفضلاء: إذا اشترى أرضاً لا بقصد التجارة ولا البيع، بل ليبني لنفسه مسكناً فارتفع سعرها، فلا خمس فيها.

                              فأجاب سماحته (دام ظله): المسألة فيها خلاف.

                              وبالنسبة إلى أصل ارتفاع القيمة في الأرض، ونفرض تلك التي يريد أن يتجر بها، فالعرف يسمي ارتفاع السعر فائدة حتى قبل بيعها.

                              ○ فأشكل بعض الحضور وقال: لا يسمى ذلك فائدة عرفاً.

                              فقال سماحته (دام ظله): العرف ببابك.

                              ○ وسأل بعض الفضلاء: لا تتعلق الزكاة ما لم يصل المال بيده، فكيف تقولون بتعلق الخمس بالربح وليس في يده.

                              فأجاب سماحته (دام ظله): الزكاة تختلف عن الخمس، فالزكاة لا تتعلق إلا بشروط منها مضي الحول، ولكن الخمس يتعلق في نفس اليوم، كما قال عليه السلام: (هِيَ وَاللَّهِ الْإِفَادَةُ يَوْماً بِيَوْمٍ) (7).

                              مضافا إلى صدق كون الربح في اليد عند ما كان يملك الأصل والزيادة، وليس معنى كونه في يده أن يتبدل نقداً بالضرورة.

                              ○ سأل أحد الفضلاء: إذا كان يملك أرضاً لو باعها وجب عليه الحج فهو إنما يكون مستطيعاً إذا اشتراها أحد، وإلا فلم يكن مستطيعاً، ومثله نقول في الخمس، فقبل بيع الأرض لا خمس فيه؟

                              فأجاب سماحته (دام ظله): في مثال ارض الاستطاعة نقول: إذا قبل الحملدار مثلا بأخذ الأرض عوضاً عن تكاليف الحج، فما ذا تقولون، نعم إنه يكون مستطيعاً.

                              وهنا يقبل أرباب الخمس بالأخذ من نفس الأرض فلم التقييد بالبيع؟

                              هذا مضافا إلى الفرق بين الخمس حيث تعلق بالعين، وبين الحج وموضوع الاستطاعة على ما هو مذكور في محله (8).

                              من هنا نرى أن كبار الفقهاء قالوا بأن ارتفاع القيمة السوقية فيه الخمس، فجعلوا هذا الارتفاع مصداقاً للفائدة.

                              وإن لم يقبل في بعض مصاديقه صاحب العروة (9).

                              كما أشرنا إليه في مسألة ما لو اشترى أرضاً لا للتجارة بل لسكنه فارتفع سعره حيث قال البعض بعدم تخميسه لأنه من المؤنة، وقال البعض بلزوم تخميسه لأنه فائدة وليس من مؤنة تلك السنة، وإن كان يصبح في المستقبل مؤنة.

                              ومن الفروع المترتبة على هذه المسألة: إذا ورث أرضاً فإنه لا خمس في أصلها، أما إذا ارتفع سعره ففي الارتفاع الخمس.

                              ((هل أبيح الخمس للشيعة))
                              سأل أحد الفضلاء: هناك بعض الروايات تقول بإباحة الخمس للشيعة، فما يراد بها؟

                              فأجاب سماحته (دام ظله): هذا بحث مفصل تطرقنا إليه الفقهاء في كتبهم، كما تطرقينا إليه في بحث الخمس وكتابه.

                              وبشكل موجز:

                              هناك قرائن متعددة وأدلة معتبرة على أن الإباحة كانت مخصوصة ببعض الأشياء على ما سيأتي، وكان هناك إباحة لسنة واحدة فقط دون قبلها وبعدها، من هنا كان يطالب الأئمة المعصومون (عليهم السلام) الخمس ويحذرون من تركه.

                              ففي صحيحة علي بن مهزيار (رضوان الله عليه) عن الإمام الجواد (عليه السلام) أباح الخمس في سنة واحدة لعلة لم يذكرها خوفاً على شيعته، وكانت نفس السنة التي استشهد فيها الإمام (عليه السلام)، سنة مائتين وعشرين من الهجرة (10).

                              نعم كانت الشيعة آنذاك في أشد الضيق والحرج من قبل المعتصم العباسي، وقد قتل كثيراً منهم، فالرواية صحيحة سنداً ودلالتها تامة، أنه عليه السلام أباح لهم في تلك السنة فقط.

                              وهناك رواية أخرى: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (النَّاسُ كُلُّهُمْ يَعِيشُونَ فِي فَضْلِ مَظْلِمَتِنَا إِلاّ أَنَّا أَحْلَلْنَا شِيعَتَنَا مِنْ ذَلِكَ) (11).

                              ويراد بها بعض الأشياء الخاصة على ما سيأتي.

                              وإلا فإن كانت الإباحة من الإمام الصادق (عليه السلام) يشمل الجميع وكل الأشياء، فلماذا كان الأئمة (عليهم السلام) من بعده، من الإمام موسى بن جعفر والإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري والإمام المهدي (صلوات الله عليهم أجمعين) يأخذون الخمس ويطالبون به، وفي بعض الروايات إشارة إلى العقاب لمن لم يؤدها.

                              فالإباحة ليست مطلقة بل خاصة بثلاثة أشياء، كما فهمه الفقهاء من الشيخ الطوسي (رحمه الله) إلى زماننا هذا، حيث استثني في الروايات المناكح والمتاجر والمساكن.

                              ويراد بها ما كان يأخذه بنو العباس من الإماء والأموال والأراضي، في الحروب التي لم تكن بإذن الأئمة (عليهم السلام، ومع عدم إذنهم فالغنائم كلها للإمام (عليه السلام)، وكان الشيعة قد ابتلوا في معاملاتهم بهذه الإماء والأموال والأراضي، وكان بعضها مما يقطعه الحكام، فأباحوا تلك الأشياء لشيعتهم، وليس المراد أن الشيعة إذا اكتسبوا وحصلوا على فائدة في كسبهم وتجارتهم لا خمس عليهم.

                              وفي بعض روايات الإباحة ورد التعليل بقوله عليه السلام: (لتطيب ولادتهم) أو: (لتزكو ولادتهم) (12).

                              فإن تلك الإماء إذا لم تكن مباحة كان شراؤها ووطيها حراماً، والولد يكون ابن حرام، فأجيزت لهم ذلك.

                              وإلا فقد ورد التأكيد على لزوم دفع الخمس من سائر الأئمة (عليهم السلام):

                              قَالَ قَدِمَ قَوْمٌ مِنْ خُرَاسَانَ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ فِي حِلٍّ مِنَ الْخُمُسِ، فَقَالَ: (مَا أَمْحَلَ هَذَا، تَمْحَضُونَّا الْمَوَدَّةَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَزْوُونَ عَنَّا حَقّاً جَعَلَهُ اللَّهُ لَنَا وَجَعَلَنَا لَهُ وَ هُوَ الْخُمُسُ لا نَجْعَلُ أَحَداً مِنْكُمْ فِي حِلٍّ) (13).

                              وفي رواية الكافي والوسائل: (لا نَجْعَلُ لا نَجْعَلُ لا نَجْعَلُ لأَحَدٍ مِنْكُمْ فِي حِل‌) (14).

                              وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَهْلِ بْنِ هَاشِمٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ وَكَانَ يَتَوَلَّى لَهُ الْوَقْفَ بِقُمَّ، فَقَالَ: يَا سَيِّدِي اجْعَلْنِي مِنْ عَشَرَةِ آلافِ دِرْهَمٍ فِي حِلٍّ فَإِنِّي أَنْفَقْتُهَا، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ، فَلَمَّا خَرَجَ صَالِحٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): أَحَدُهُمْ يَثِبُ عَلَى أَمْوَالِ آلِ مُحَمَّدٍ وَأَيْتَامِهِمْ وَمَسَاكِينِهِمْ وَفُقَرَائِهِمْ وَأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ فَيَأْخُذُهَا ثُمَّ يَجِي‌ءُ فَيَقُولُ اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ، أَتَرَاهُ ظَنَّ أَنِّي أَقُولُ لا أَفْعَلُ، وَاللَّهِ لَيَسْأَلَنَّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ ذَلِكَ سُؤَالاً حَثِيثاً) (15).

                              وفي الرواية: كَتَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ تُجَّارِ فَارِسَ مِنْ بَعْضِ مَوَالِي أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) يَسْأَلُهُ الإِذْنَ فِي الْخُمُسِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ ضَمِنَ عَلَى الْعَمَلِ الثَّوَابَ وَعَلَى الْخِلافِ الْعِقَابَ، لَمْ يَحِلَّ مَالٌ إِلاّ مِنْ وَجْهٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ، إِنَّ الْخُمُسَ عَوْنُنَا عَلَى دِينِنَا وَ عَلَى عِيَالاتِنَا وَعَلَى مَوَالِينَا وَمَا نَفُكُّ وَنَشْتَرِي مِنْ أَعْرَاضِنَا مِمَّنْ نَخَافُ سَطْوَتَهُ فَلا تَزْوُوهُ عَنَّا وَلا تُحَرِّمُوا أَنْفُسَكُمْ دُعَاءَنَا مَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ، فَإِنَّ إِخْرَاجَهُ مِفْتَاحُ رِزْقِكُمْ وَتَمْحِيصُ ذُنُوبِكُمْ وَمَا تَمْهَدُونَ لأَنْفُسِكُمْ لِيَوْمِ فَاقَتِكُمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ يَفِي لِلَّهِ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْمُسْلِمُ مَنْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ وَخَالَفَ بِالْقَلْبِ، وَالسَّلامُ) (16).‌

                              وفي رواية: قَالَ: (إِنَّ أَشَدَّ مَا فِيهِ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَقُومَ صَاحِبُ الْخُمُسِ فَيَقُولَ يَارَبِّ خُمُسِي) (17).‌

                              قال الشيخ (رحمه الله):

                              فَالْوَجْهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَا كَانَ يَذْهَبُ إِلَيْهِ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ وَ هُوَ أَنَّهُ مَا وَرَدَ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي تَنَاوُلِ الْخُمُسِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْمَنَاكِحِ خَاصَّةً لِلْعِلَّةِ الَّتِي سَلَفَ ذِكْرُهَا فِي الآثَارِ عَنِ الأَئِمَّةِ (عليهم السلام) لِتَطِيبَ وِلادَةُ شِيعَتِهِمْ وَلَمْ يَرِدْ فِي الأَمْوَالِ، وَمَا وَرَدَ مِنَ التَّشَدُّدِ فِي الْخُمُسِ وَالاسْتِبْدَادِ بِهِ فَهُوَ يَخْتَصُّ بِالأَمْوَالِ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ما رواه... ثم ذكر صحيحة علي بن مهزيار المتقدّمة (18).‌

                              ○ قال أحد الفضلاء: قال بعض الفقهاء في معنى الرواية:

                              إن المراد بالمتاجر: ما يشتريه الإنسان من الكفار، فإن الكفار مكلفون بالفروع وعليهم الخمس، ولكن اذا اشترى المسلم منهم شيئاً لا يخمس ذلك وإن تعلق الخمس بعينه، وهذه هي الإباحة لشيعتهم.

                              والمراد بالمناكح: إن بعض الشيعة كانوا يشترون الإماء التي أخذت في الحروب بغير إذن الإمام (عليه السلام)، وكانوا يرزقون منهم الأولاد، فأباح الإمام (عليهم السلام) تلك الإماء لهم، لتطيب أولادهم ولا يكونوا ابن حرام.

                              والمراد بالمساكن: ما يرتبط بالخراج أي الأراضي التي يجب فيها الخراج.

                              فقال سماحته (دام ظله): نعم قال بعض بذلك.

                              ○ وقال أحد الفضلاء: يقول بعض الفقهاء: لو اشترى الإنسان شيئاً ممن لا يخمس وإن كان مسلماً عاصياً، فلا شيء على المشتري وإن كان الخمس يتعلق بعين المال، وربما يكون المراد بالإباحة ذلك.

                              فأجاب سماحته (دام ظله): هذا القول نادر، قال به الآقا ضياء العراقي (رحمه الله) وله بعض الفتاوى النادرة.

                              نعم في أموال المخالفين والكافر وإن كان الخمس قد تعلق بعينها، إذا اشتراها المؤمن أو انتقلت إليه بصلح أو هبة أو ما أشبه لا خمس فيها، وهذه أيضاً أبيحت للشيعة.

                              ((الأرض التي هي في طور البناء))
                              سأل أحد الفضلاء: إذا كان يبني أرضاً ويصرف عليها، ولكن لم يكتمل البناء في رأس سنته، فما حكم خمسه؟

                              فأجاب سماحته (دام ظله): فيه خلاف، والمسألة مبتنية على أنه هل يعتبر ذلك من مؤنة نفس السنة أم لا.

                              ○ قال أحد الفضلاء: إذا كان عنده مال وصرفه بمقدار شأنه لا خمس فيه، وهكذا نقول في الدار التي يبنيها شيئا فشيئاً فإنه قام بصرف أمواله ولكنه لم يكمل البناء بعد، فيصدق عليه أنه صرف المال في البناء وكان الصرف بقدر شأنه وليس أزيد، فلماذا تقولون بأنه يخمسها؟

                              فأجاب سماحته (دام ظله): حسب ما يستفاد من الروايات أن الخمس يتعلق بجميع الأموال التي يحصل عليها، ويستثنى منها المؤنة بشروط هي:

                              أن تكون حلالاً، وأن تصرف لا التقتير، وأن تكون بقدر شأنه لا أكثر.

                              وفيما نحن فيه ليس مؤونة عرفية لنفس السنة، فإذا اشترى داراً كاملة ولكنها لا يريد أن يسكنها الان بل بعد خمس سنوات مثلاً، فهل تقولون بأن هذه الدار من مؤنة نفس السنة التي اشتراها ولا يخمسها؟

                              ○ سأل أحد الفضلاء: إذا سافر شخص لسنة كاملة وترك بيته ولم يسكنها، فهل تقولون بأن على بيته الخمس؟

                              فأجاب سماحته (دام ظله): لا خمس على ذلك، لأنه من المؤنة العرفية، وإذا شككنا فنستصحب المؤنية.

                              فالعرف هو الملاك في المؤنة وعدمها، مثلاً تهيئة ما يسمى بجهاز البنت في بعض البلاد ولو لعدة سنوات لا خمس فيه، ولكن لم يقل أحد بعدم الخمس إذا كان الولد يجمع الجهاز لنفسه.

                              وكذلك إذا كان يجمع المال ليشتري به بعد سنوات الجهاز لبنته ففيه الخمس.

                              فالمؤونة يعني ما صرفه بقدر شأنه في غير الحرام.

                              ○ سأل أحد الفضلاء: ماذا تقولون في المرأة التي لا تلبس الحلي لسنة كاملة حداداً على أبيها مثلا، هل تخمس الحلي؟

                              فأجاب سماحته (دام ظله): لا تخمس ذلك، لأنه من المؤنة عرفاً، أما إذا كبرت وتركت لبس الذهب لخروجه عن شأنها ففيه الخمس.

                              ○ سأل أحد الفضلاء: ما ذا تقولون في التقتير مع أنه كان من شأنه صرفه؟

                              فأجاب سماحته (دام ظله): فيه الخمس، لأن المؤنة بمعنى ما يصرف، بالقيود التي ذكرناها من حليتها وكونها بقدر شأنه وأن تكون لنفس السنة، وهذا لم يصرف.

                              يقول صاحب العروة: (مسألة، المناط في المونة ما يصرف فعلاً لا مقدارها، ‌فلو قتر على نفسه لم يحسب له، كما أنه لو تبرع بها متبرع لا يستثنى له مقدارها على الأحوط بل لا يخلو عن قوة‌) (19).

                              ((إذن الولي في نكاح البنت))
                              سأل أحد الفضلاء: ماذا تقولون في نكاح البكر إذا كانت رشيدة، ولا يمكن الوصول إلى أبيها كما لو كان مسجوناً مثلا؟

                              فأجاب سماحته (دام ظله): أصل إذن الأب في نكاح البكر الرشيدة، والمقصودة بالرشيدة ما كانت رشيدة في سنها، لا أن تكون رشيدة بمقدار رشد امرأة لها خمسون سنة مثلاً. فقال بعض الفقهاء: أصل الإذن ليس بشرط بل هو تأدبي مستحب، كالمرحوم السيد عبد الهادي الشيرازي (رضوان الله عليه)، ولكننا نرى الاحتياط الوجوبي في إذن الولي.

                              نعم إذا لم يمكن إذن الولي، كما لو كان في الإغماء، أو كان كافراً أو مخالفاً لا يشترط عندهم، أو كان الزوج كفواً ولم يقبل الأب بذلك، هنا يسقط اشتراط إذنه.

                              والمسألة خلافية كل يرجع إلى مقلَّده.

                              وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
                              الليلة الرابعة عشرة
                              ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
                              (1) سورة الأنفال: 41.
                              (2) وسائل الشيعة: ج9 ص501 ب8 ح12583.
                              (3) الكافي: ج1 ص544 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس... ح10.
                              (4) وسائل الشيعة: ج9 ص503 ب8 ح12584.
                              (5) العروة الوثقى: ج2 ص391 كتاب الخمس المسألة 53.
                              (6) العروة الوثقى: ج2 ص391 ـ 392 كتاب الخمس المسألة 54.
                              (7) الكافي: ج1 ص544 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس... ح10.
                              (8) انظر العروة الوثقى: ج2 ص396 المسألة70: (مسألة، مصارف الحج من مئونة عام الاستطاعة‌، فإذا استطاع في أثناء حول حصول الربح وتمكن من المسير بأن صادف سير الرفقة في ذلك العام، احتسب مخارجه من ربحه، وأما إذا لم يتمكن حتى انقضى العام وجب عليه خمس ذلك الربح، فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة الآتية وجب و إلا فلا، ولو تمكن وعصى حتى انقضى الحول فكذلك على الأحوط، ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعددة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة، وأما المقدار المتمم لها في تلك السنة فلا يجب خمسه إذا تمكن من المسير و إذا لم يتمكن فكما سبق يجب إخراج خمسه‌).
                              (9) انظر العروة الوثقى: ج2 ص391 المسألة 53.
                              (10) تهذيب الأحكام: ج4 ص141 ب39 ح 2:
                              وفيه: عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) وَقَرَأْتُ أَنَا كِتَابَهُ إِلَيْهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، قَالَ: الَّذِي أَوْجَبْتُ فِي سَنَتِي هَذِهِ وَهَذِهِ سَنَةُ عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ فَقَطْ، لِمَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي أَكْرَهُ تَفْسِيرَ الْمَعْنَى كُلِّهِ خَوْفاً مِنَ الانْتِشَارِ، وَسَأُفَسِّرُ لَكَ بَعْضَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إِنَّ مَوَالِيَّ أَسْأَلُ اللَّهَ صَلاحَهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ قَصَّرُوا فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَعَلِمْتُ ذَلِكَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُطَهِّرَهُمْ وَأُزَكِّيَهُمْ بِمَا فَعَلْتُ فِي عَامِي هَذَا مِنْ أَمْرِ الْخُمُسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى‌ عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، وَلَمْ أُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ وَلا أُوجِبُ عَلَيْهِمْ إِلا الزَّكَاةَ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا أَوْجَبْتُ عَلَيْهِمُ الْخُمُسَ فِي سَنَتِي هَذِهِ فِي الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ الَّتِي قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَلَمْ أُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي مَتَاعٍ وَلا آنِيَةٍ وَلا دَوَابَّ وَلا خَدَمٍ وَلا رِبْحٍ رَبِحَهُ فِي تِجَارَةٍ وَلا ضَيْعَةٍ إِلا ضَيْعَةً سَأُفَسِّرُ لَكَ أَمْرَهَا تَخْفِيفاً مِنِّي عَنْ مَوَالِيَّ وَمَنّاً مِنِّي عَلَيْهِمْ لِمَا يَغْتَالُ السُّلْطَانُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلِمَا يَنُوبُهُمْ فِي ذَاتِهِمْ، فَأَمَّا الْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى‌ وَالْيَتامى‌ وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى‌ عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ) وَالْغَنَائِمُ وَ الْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَهِيَ الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا وَالْجَائِزَةُ مِنَ الإِنْسَانِ لِلإِنْسَانِ الَّتِي لَهَا خَطَرٌ عَظِيمٌ وَالْمِيرَاثُ الَّذِي لا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلا ابْنٍ، وَمِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مَالُهُ وَمِثْلُ مَالٍ يُؤْخَذُ لا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبُهُ وَمِنْ ضَرْبِ مَا صَارَ إِلَى قَوْمٍ مِنْ مَوَالِيَّ مِنْ أَمْوَالِ الْخُرَّمِيَّةِ الْفَسَقَةِ فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَمْوَالاً عِظَاماً صَارَتْ إِلَى قَوْمٍ مِنْ مَوَالِيَّ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْ‌ءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُوصِلْ إِلَى وَكِيلِي وَمَنْ كَانَ نَائِياً بَعِيدَ الشُّقَّةِ فَلْيَتَعَمَّدْ لإِيصَالِهِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ فَإِنَّ نِيَّةَ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ، فَأَمَّا الَّذِي أُوجِبُ مِنَ الْغَلاّتِ وَالضِّيَاعِ فِي كُلِّ عَامٍ فَهُوَ نِصْفُ السُّدُسِ مِمَّنْ كَانَتْ ضَيْعَتُهُ تَقُومُ بِمَئُونَتِهِ وَمَنْ كَانَتْ ضَيْعَتُهُ لا تَقُومُ بِمَئُونَتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ نِصْفُ سُدُسٍ وَلا غَيْرُ ذَلِك‌).
                              (11) وسائل الشيعة: ج9 ص539 ب3 ح12668.
                              (12) الفقيه: ج2 ص43 باب الخمس ح1654.
                              (13) تهذيب الأحكام: ج4 ص140 ب39 ح18.
                              (14) الكافي: ج1 ص548 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس... ح26. ووسائل الشيعة: ج9 ص539 ب3 ح12666.
                              (15) الكافي: ج1 ص548 ح27.
                              (16) الكافي: ج1 ص547 ح25.
                              (17) الاستبصار: ج2 ص57 ب32 ح1.
                              (18) راجع الاسبتصار: ج2 ص60 ب32 ذيل ح11.
                              (19) العروة الوثقى: ج2 ص395 المسألة 65.

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X