إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

دراسة حول رواية البعوضة في تفسير القمي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دراسة حول رواية البعوضة في تفسير القمي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين


    دراسة حول رواية البعوضة في تفسير القمي



    بقلم: صوت العدالة



    متن رواية القمي في تفسيره:

    حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله عليه السلام أن هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين عليه السلام، فالبعوضة: أمير المؤمنين عليه السلام، وما فوقها: رسول الله صلى الله عليه وآله. والدليل على ذلك قوله (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم) يعنى أمير المؤمنين كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله الميثاق عليهم له (واما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيراً) فرد الله عليهم فقال (وما يضل به الا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه - في علي - ويقطعون ما امر الله به ان يوصل) يعني من صلة أمير المؤمنين (ع) والأئمة عليهم السلام (ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) . انتهى

    استعمل خصوم شيعة أهل البيت - عليهم السلام - الرواية المذكورة للطعن في الشيعة، قائلين: إن الشيعة يصفون أمير المؤمنين بالبعوضة، وهو سب.

    والجواب:
    أولاً: لا يجتمع التشيع مع سب الإمام علي عليه السلام، كما أنَّ سبه عليه السلام كفرٌ عند الشيعة، فلا يسوغ بحال من الأحوال أن تُتخذ روايةٌ في كتاب شيعي لتوجيه هذه الفرية إليهم، خصوصاً أن الرواية أعم من الاعتقاد، أي أن وجود الرواية في كتاب، لا يعني التزام صاحب الكتاب فضلاً عمن ينتمون إلى مذهبه بمضمون تلك الرواية. بل اللازم دراسة الرواية بحيث يُفهم المقصود من معناها، وما إذا كان معناها المفهوم يمكن القبول به، فيُؤخذ بها، أو كان معناها المفهوم مشكلاً أو غير مفهوم، فيُتوقَّف فيها. وبناءً على ذلك: استغلال مجرد وجود رواية لتوجيه مثل هذه الفرية المستهجنة إلى مذهب من المذاهب، ولا سيما شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام، هو نوع من التلاعب بالمضامين، وسلوكٌ لا ينمّ عن ورع وأمانة في ميدان الدراسات العلمية.

    ثانياً: الباحث النزيه يجب أن يثبت - قبل كل شيء – أن معنى الرواية فيه نوع مقبولية؛ لأننا إذا افترضنا أن المعنى يتضمن إشكالية فإن منهج الشيعة هو التوقف في الرواية. ونحن حين نتأمل مضمون هذه الرواية المرتبطة بالآية القرآنية، أي قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) [البقرة: 26] - أقول: حين نتأمل ذلك – نجد عدة احتمالات يمكن تصورها لتفسير وصف الإمام علي عليه السلام بالبعوضة:

    الاحتمال الأول: أنَّ هذا الوصف مقصود منه الإساءة إلى الإمام علي عليه السلام.

    الاحتمال الثاني: أنَّ هذا الوصف هو ناتج من إرباك في فهم الرواة، في حين أن الصادر عن المعصوم مضمون آخر، وهو ما لم يستوعبه الرواة، فساقوا الرواية بالمعنى حسب فهمهم غير الصحيح.

    الاحتمال الثالث: أنَّ المراد من هذا الوصف بيان البُعد الآياتي والابتلائي في شخص أمير المؤمنين عليه السلام، بتقريب: أنَّ التعبير بالبعوضة يراد منه أمران:

    1 – التمثيل لعظمة أمير المؤمنين سلام الله عليه، بالتعبير عنه بالبعوضة؛ نظراً إلى أن البعوضة مخلوق من مخلوقات الله الدالة على عظمته، وهي آية من آيات الله تعالى. ولعلَّ السر في اختيار البعوضة يكمن في أن هذه المخلوق مهين بغير حق في أعين الناس، ولا يعرفون أبعاد عظمته في علم الله تعالى. هذا من جهة البعد الآياتي.

    2 – التمثيل لكون أمير المؤمنين معيار لامتحان الناس وتمحيصهم، فكما أن البعوضة فما فوقها وقعت علامة للكافرين؛ حيث رفضوا التمثيل، واستهانوا به، وضل بذلك الفاسقون. وكذلك بالنسبة إلى الإمام علي عليه السلام، فإنه يتم رفضه والاستهانة به، ويُعتذر بصغر سنه، فيضل بذلك الفاسقون، وتكون علامة للتمييز بين المؤمن والمنافق من هذه الأمة. وهذا هو البُعد الابتلائي.

    ولنناقش كل واحد من الاحتمالات الثلاثة، الواحد تلو الآخر:

    مناقشة الاحتمال الأول:
    وهو الوجه الذي رمى بعض خصوم الشيعة أن يطرحوه . إلا أن هذا الوجه واه للغاية ؛ وذلك لما بينَّا في جوابنا (أولاً) ، إضافة إلى أن السند ليس فيه ناصبي، ولا رجل منحط في ضعفه، ولو كانت الرواية – لا سمح الله – بصدد الإساءة إلى الإمام علي، لعُدَّ القاسم بن سليمان أو المعلى بن خنيس من النواصب، في حين أن الأمر ليس كذلك. أضف إلى ذلك كله أن هذا الاحتمال إنما يخطر ببال سيئ الظن، أو المعادي للشيعة، فهذا الاحتمال ناشئ من وُجهة نفسية خاصة، ولا دليل عليه من جهة علمية، خصوصاً أنَّ الوصف بالبعوضة يمكن أن يراد به وجوه أُخرى كما ذكرنا بعد هذا الاحتمال، فتعيين هذا الوجه دون غيره، لا دليل عليه، وإنما هو من التحامل على خلفية طائفية.

    فالخلاصة: أن هذا الاحتمال لا وجه له، وهو مجرد وهم لا يخطر إلا ببال خصوم الشيعة، وأما أهل الإنصاف فهم من ذلك برآء.


    تقييم الاحتمال الثاني:
    هذا الاحتمال يبدو وجيهاً من عدة جهات:

    الجهة الأولى: أن الآية ليست بصدد الكلام عن البعوضة، حتى يتصدَّى المعصوم إلى تبيين معنى البعوضة. وإنما المنساق إلى الذهن هو أن البعوضة هنا كوحدة قياس أريد منها بيان الحد الأدنى لشأنية المثل المضروب في عين العرف. وليست البعوضة ضمن الأمثال التي ضُربت في القرآن الكريم، إلا أن يكون المُراد من المثال المضروب ما يشمل حتى هذا النحو من التعبير، وهو ما يمكن أن يفهم من الرواية الآتية في الجهة الثانية.

    الجهة الثانية: أن العلامة المجلسي قال في البحار (9/64) :
    وفي قوله (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها) رُوي عن الصادق عليه السلام أنه قال: إنما ضرب الله المثل بالبعوضة لان البعوضة على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين ، فأراد الله سبحانه أن ينبه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعته.

    فهذه الرواية دالة على أن المراد من البعوضة هنا التمثيل بشيء عظيم في خلقته بالرغم من صغره. وهذا يعني أن الكلام عن البعوضة الطبيعية، وليس المراد شيء آخر وراء ذلك حسب ظاهر الآية.

    الجهة الثالثة: أن العلامة المجلسي (24/391 - 392) أورد عن تفسير الإمام العسكري عليه السلام، فيها:
    فقيل للباقر عليه السلام: فإن بعض من ينتحل موالاتكم يزعم أن البعوضة علي، وأن ما فوقها - وهو الذباب - محمد رسول الله صلى الله عليه وآله . فقال الباقر عليه السلام: سمع هؤلاء شيئا لم يضعوه على وجهه، إنما كان رسول الله صلى الله عليه وآله قاعدا ذات يوم وعلي، إذ سمع قائلاً يقول: ما شاء الله وشاء محمد، وسمع آخر يقول: ما شاء الله وشاء علي . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تقرنوا محمداً ولا علياً بالله عز وجل، ولكن قولوا: ما شاء الله [ثم ما شاء محمد ثم ما شاء علي] ثم ما شاء محمد ما شاء الله ثم ما شاء علي . إن مشية الله هي القاهرة التي لا تساوى ولا تكافأ ولا تدانى، وما محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، في دين الله وفي قدرته، إلا كذبابة تطير في هذه الممالك الواسعة، وما علي في دين الله وفي قدرته إلا كبعوضة في جملة هذه الممالك، مع أن فضل الله تعالى على محمد وعلي الفضل الذي لا يفي به فضله على جميع خلقه، من أول الدهر إلى آخره . هذا ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله في ذكر الذباب والبعوضة في هذا المكان فلا يدخل في قوله: (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة) . انتهى

    فهذه الرواية صريحة في تخطئة المعتقد بمضمون الرواية التي نحن بصددها.

    وقد بذل العلامة المجلسي المحاولة التالي في الجمع بين الروايتين، حيث قال في بحاره:

    يمكن الجمع بينهما بأنه عليه السلام إنما نفى كون هذا هو المراد من ظهر الآية ، لا بطنها ، ويكون في بطنها إشارة إلى ما ذكره عليه السلام من سبب هذا القول أو إلى ما مثل الله بهم عليهم السلام لذاته تعالى من قوله: (الله نور السماوات والأرض) وأمثاله ؛ لئلا يتوهم متوهم أن لهم عليهم السلام في جنب عظمته تعالى قدراً ، أولهم مشاركة له تعالى في كنه ذاته وصفاته ، أو الحلول أو الاتحاد ، تعالى الله عن جميع ذلك ، فنبه الله تعالى بذلك على أنهم وإن كانوا أعظم المخلوقات وأشرفها فهم في جنب عظمته تعالى كالبعوضة وأشباهها، والله تعالى يعلم حقائق كلامه وحججه عليه السلام . انتهى

    أقول: حمله ذلك على البطن، مع قوله أن علاقة البطن بهذا المعنى إشارية، ثم اختتامه بقوله: (والله تعالى يعلم حقائق كلامه وحججه عليه السلام) ، هذا مما يوحي أن العلامة المجلسي رحمه الله غير مطمئن لهذا الوجه حتى بطناً، وإنما يسوقه لتأمين وجه احتمالي لرواية القمي بحيث لا يلزم الرد على المعصوم عليه السلام.

    ونحن وإن كنا لا نملك الجزم ببطلان رواية القمي، إلا أننا نملك التوقف في أمرها، وإيكال معناها إليهم عليهم السلام، لا سيما مع هذه الوجوه المفيدة لخلاف المفهوم من الرواية.

    الجهة الرابعة: أن التعبير عن الإمام علي بالبعوضة، لا ينسجم مع المتبادر عرفاً من هذا الوصف؛ فإن المفهوم من مثل هذا الوصف هو الذم، ومن المستبعد جداً أن يكون المعصوم عليه السلام غير مراع للاستعمال العرفي بهذا النحو. ولا يُقاس هذا بالوصف بالدابة؛ فإن الدابة يمكن أن يُفهم منها معنى أعم من البهيمة بمساعدة الأصل اللغوي، وأما البعوضة فلا يفهم منها إلا الحشرة الخاصة، وفهم المعاني الأخرى يحتاج إلى عملية ذهنية خاصة لا يمكن التعويل عليها في التفاهم العرفي العام.

    الجهة الخامسة: أن معظم من فسر الآية الكريمة من علمائنا، فسروها بما لا ينسجم مع إرادة الإمام علي من البعوضة، بل بما يفيد أن البعوضة مجرد مقياس أريد منه بيان الحد الأدنى لشأنية المثل المضروب في عين العرف، أو أي وجه آخر مما يتنافى ورواية تفسير القمي. مع عدم ذكرهم لمعنى رواية القمي ولو على التفسير بالبطن.

    وقد تحققتُ من هذا عند كل من:

    1 – الشيخ الطوسي في التبيان 1 : 111 .
    2 – الشيخ الطبرسي في مجمع البيان 1 : 135 فما بعدها.
    3 – الفيض الكاشاني في الصافي 1 : 104 .
    4 – الميرزا محمد المشهدي في كنز الدقائق 1 : 194 فما بعدها. وقد ذهب إلى تفسير رواية القمي برواية تفسير الإمام العسكري.
    5 – السيد مصطفى الخميني في تفسيره 5 : 5 فما بعدها.
    6 – السيد عبد الله شبر في تفسيره.

    وفي ضوء ذلك يبدو أن هذا الاحتمال ذو رصيد من الوجاهة، أي أن الرواية تشتمل على خلل في استيعاب بعض الرواة لمضمون الخبر الذي صدر من المعصوم.

    ونتيجة ذلك التوقف في أمر هذه الرواية، أو تأويلها في ضوء رواية تفسير الإمام العسكري عليه السلام، أو بأي وجه صالح.


    مناقشة الاحتمال الثالث:
    يبدو هذا الاحتمال وجيهاً، ولكنه متفرعٌ عن القول بأن هناك تمثيلاً وقع بالبعوضة في القرآن الكريم، وهذا محل نظر؛ لأن الآية الكريمة ليست بصدد التمثيل بالبعوضة كما أسلفنا. وإنما ذُكرت كعنوان أريد به التعبير عن الحد الأدنى لشأنية المثل الذي يمكن أن يضرب، ولا تفيد أن الله ضرب المثل بالبعوضة فعلاً.

    اللهم إلا أن يُقال بأن هذه المناقشة مما يصلح للرد على التفسير الظاهري، وهاهنا التفسير بالبطن واردٌ كما أفاد العلامة المجلسي. فنقول: الحمل على البطن فيه:

    1 – الافتقار إلى معالجة إشكالية رواية الإمام الحسن العسكري المنافية.

    2 – ارتفاع الإشكال (إشكال خصوم الشيعة) من أساس؛ لأن الحمل على البطن فيه التزام بجهة غموض في الدلالة والاستعمال، فتنتفي دعوى وصف علي بالبعوضة؛ لأن هذا الوصف المدعى إنما هو فرع التسليم بالدلالة الظاهرية.





    خلاصة الدراسة:
    من المرفوض علمياً تفسير الوصف المذكور في الرواية على أنه يستهدف الطعن والإساءة إلى الإمام علي عليه السلام . وحمل الرواية على غير ذلك يستلزم أحد أمرين: إما الالتزام بوجود إبهام في وجه دلالة عنوان البعوضة على شخص الإمام عليه السلام، وهو ما ينفي الإشكالية المطروحة من أساس، وإما الالتزام بكون الرواية تشتمل على إشكالية مبهمة يمكن أن تكون ناتجة من خطأ بعض الرواة، وهو ما تدعمه بعض الوجوه، فيكون حاصل ذلك: التوقّفَ في مفاد الرواية، وردَّ علمها إلى أهلها عليهم السلام إن كانت صادرة عنهم بهذا النحو.
    والحمد لله أوّلاً وآخراً.

    التعديل الأخير تم بواسطة أدب الحوار; الساعة 02-11-2008, 08:55 PM.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 10-08-2015, 10:24 PM
ردود 24
3,135 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة وهج الإيمان
بواسطة وهج الإيمان
 
يعمل...
X