إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

قرص مجموعة آثار ومؤلفات السيد كمال الحيدري

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قرص مجموعة آثار ومؤلفات السيد كمال الحيدري

    بسم اللّه الرحمن الرحيم

    قرص مجموعة آثار ومؤلفات السيد كمال الحيدري

    اضغط ( هنا )


    حول البرنامج‏
    لا يشك متابع بأن ما أنجزه آية الله المحقق السيد كمال الحيدري من آثار معرفية في عموم المنظومة الدينية ليس بالنزر اليسير، بل أسهمت جهوده (حفظه الله) في رفد وإثراء هذه المنظومة بعشرات من الكتب والإصدارات التي لم تقتصر على حقل معرفي محدد، بل امتدت لتشمل أغلب الحقول الدينية، من عقيدة وتفسير وأخلاق وفقه وأصول وفلسفة وعرفان...
    وقد حمل البرنامج - الذي بين يديك - جميع النتاجات المكتوبة والمقرّرة التي صدرت من يراع وفكر هذا المحقق لحد الآن. وتأمل مؤسسة الإمام الجواد (ع) للفكر والثقافة أن تكون قد ساهمت - بذلك - في إضاءة وإنارة الطريق أمام الباحثين المهتمين بالتراث الديني.
    لقد احتوى البرنامج أعلاه على نيف وأربعين مؤلفاً توزعت على عديد من الحقول المعرفية ووفقاً للفهرست التالي:
    1- اللباب في تفسير الكتاب/ آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    2- المنهج التفسيري عند العلامة الحيدري/ بقلم الدكتور طلال الحسن.
    3- أصول التفسير والتأويل/ آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    4- الإعجاز بين النظرية والتطبيق/ بقلم الشيخ محمود الجياشي من محاضرات آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    5- يوسف الصديق رؤية قرآنية/ بقلم الشيخ محمود الجياشي تقريراً لدروس آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    6- الراسخون في العلم/ بقلم الشيخ خليل رزق من محاضرات آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    7- علم الإمام/ بقلم الشيخ على حمود العبادي تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    8- فلسفة الدين/ بقلم الشيخ علي حمود العبادي من محضرات آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    9- التوحيد/ بقلم جواد على كسار تقريراً لدروس آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    10- العصمة/ بقلم السيد محمد القاضي من محضرات آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    11- بحث حول الإمامة/ بقلم جواد علي كسار حوار مع آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    12- عصمة الأنبياء في القرآن/ بقلم الشيخ محمود الجياشي من محاضرات آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    13- الولاية التكوينية/ بقلم الشيخ علي حمود العبادي تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    14- المعاد رؤية قرآينة/ بقلم الشيخ خليل رزق تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    15- الشفاعة/ آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    16- بحوث عقائدية 1- 6/ آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    17- في ضلال العقيدة والأخلاق/ آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    18- شرح نهاية الحكمة/ بقلم الشيخ علي حمود العبادي تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    19- فلسفة صدر المتألهين/ بقلم الشيخ خليل رزق من محاضرات آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    20- المثل الإلهية/ بقلم الشيخ عبد الله الأسعد تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    21- العقل والعاقل والمعقول/ بقلم الشيخ ميثاق طالب تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    22- دروس في الحكمة المتعالية/ آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    23- المذهب الذاتي/ آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    24- بحوث في علم النفس الفلسفي/ بقلم الشيخ عبد الله الأسعد تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    25- مدخل إلى مناهج المعرفة عند الإسلاميين/ آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    26- الفلسفة 1- 2، شرح كتاب الأسفار الأربعة/ بقلم الشيخ قيصر التميمي تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    27- شرح بداية الحكمة/ بقلم الشيخ خليل رزق تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    28- لا ضرر ولا ضرار/ آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    29- معالم التجديد الفقهي/ بقلم الشيخ خليل رزق تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    30- المنهج الفقهي عند العلامة الحيدري/ بقلم الدكتور طلال الحسن.
    31- الدروس/ بقلم علاء السالم تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    32- القطع/ بقلم الشيخ محمود الجياشي تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    33- الظن/ بقلم الشيخ محمود الجياشي تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    34- التربية الروحية/ آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    35- التقوى في القرآن/ آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    36- معرفة الله/ بقلم الشيخ طلال الحسن تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    37- من الخلق إلى الخلق/ بقلم الشيخ طلال الحسن تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    38- العرفان الشيعي/ بقلم الشيخ خليل رزق تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    39- التفقه في الدين/ بقلم الشيخ طلال الحسن حوار مع آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    40- الثابت والمتغير/ بقلم الشيخ علي العلي من محاضرات آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.
    41- كمال الحيدري قراءة في السيرة والمنهج/ الدكتور حميد مجيد هدو.
    42 - كتاب المعاد، شرح الأسفار الجزء التاسع، بقلم الشيخ عبد الله الأسعد، تقريراً لأبحاث آية الله المحقق السيد كمال الحيدري.



    نقلا من محتويات القرص!!
    الملفات المرفقة

  • #2
    المولد والأسرة الكريمة

    في مدينة أبي الشهداء الإمام الحسين بن عليّ بن أبي طالب (في كربلاء المقدّسة وفي أجوائها الروحيّة العبقة وبين أفياء نخيلها الباسق وُلد السيّد كمال الحيدري، وهو النجل الأصغر للمرحوم السيّد باقر السيّد حسن السيّد عبد الله، في عام 1376هـ، الموافق لعام 1956م.
    واللقب (الحيدري) مستمدّ من جدّهم السيّد حيدر الذي يرجع نسبه إلى الإمام السجّاد زين العابدين (وقد سكنت الأسرة كربلاء قبل 200 سنة نازحة من الحيرة. كان السيّد باقر (تاجراً مرموقاً من تجّار الأقمشة في مدينة الحسين (، ومحلّ عمله في السوق الرئيس في المدينة والمسمّى بسوق الحسين، يرتاده الناس من كلّ مكان وتتبضّع منه الأُسر الكربلائيّة ممّا تحتاجه من أنواع الأقمشة. أنجب السيّد باقر من الذكور ستّة، مات أكبرهم كاظم بمرض ألمَّ به، وبقي خمسة على قيد الحياة، رحل أربعة منهم إلى دار البقاء, ثلاثة عدّوا شهداء في سبيل الله والإسلام حيث أعدمهم النظام المباد وهم: السيّد صالح والسيّد محمّد والسيّد فاضل، وذلك في عام 1982م. أمّا الرابع من إخوته فهو المرحوم السيّد صاحب حيث توفّي بمرض عضال عام 1992م. وبقي من الذكور الولد الوحيد لأبيه هو السيّد كمال أطال الله بقاه. أمّا عقب السيّد باقر من الإناث فتسع بنات, صاهره فيهنّ نخبة من كرام الأُسر المعروفة كآل الكلكاوي والشوك والقزّاز والفائزي والصفّار والساعاتي والمسقطي وغيرهم.


    البداية في كربلاء وأجوائها الروحية والأدبية

    في ظلّ تلك الأُسرة الكبيرة وبرعاية والده وتشجيع الأهل والأقارب اندفع السيّد الحيدري في التحصيل الدراسي عن طريق المدارس الرسميّة. وكانت رغبة أبيه وأهله أن تثمر دراسته في النهاية ليكون طبيباً أو مهندساً، وراح يحثّ الخُطى هذا الفتى الطموح ليحقّق ما يصبو إليه الجميع من المقرّبين منه، وظلّ الجميع ينتظر الفرصة كي يكمل الولد متطلّبات الدراسة الابتدائيّة والثانويّة لينخرط في واحدة من الكليّات العلميّة التي كان كلّ ما يتمنّاه له الوالد والأُسرة، ولكن شاء الأمور أن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فهم يريدون شيئاً ويتمنّون له طريقاً علميّاً مخالفاً لما يدور في داخله ويتمنّاه كما يحدّثنا الحيدري نفسه فيقول: كانت رغبتي تسير باتّجاه آخر غير ما يريده الأهل وما يريد الوالد. إنّني لم أكن أرغب في كلّ ما كان يعتمل في صدور الأهل والأُسرة، كنت أرغب في أن أكون واحداً ممّن يخدم الدِّين ويحافظ على بيضة الإسلام؛ ويعود الفضل في خلق هذا التوجه لديَّ الجوّ الروحي الذي كان سائداً في كربلاء وحركة الحوزة العلميّة التي تسير بالاتّجاه الصحيح لخدمة أهداف الشريعة الغرّاء وإحياء تراث أهل البيت الأطهار. تأثّر السيّد الحيدري بذلك الجوّ الروحاني الهادف، وبحضوره مجالس الوعظ الديني والإرشاد التربوي، كما أنّه لطالما شدّته المجالس الحسينيّة وهو يستمع إلى أبرز خطباء كربلاء في تلك الحقبة كالمرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي، والشيخ هادي الخفاجي، والشيخ عبد الأمير المنصوري، إضافةً إلى ما كان يُعقد في بعض البيوتات الكربلائيّة من مجالس الوعظ يرتقي فيها أعواد تلك المنابر الشيخ أحمد الوائلي والشيخ محمّد علي اليعقوبي رحمهم الله. فتح الفتى عيونه في مثل تلك الأجواء الفكريّة والروحيّة والأدبيّة، ولمّا حان وقت دخوله المدرسة الابتدائيّة وانخراطه في صفوفها استطاع أن يجتازها بسهولة وبتفوّق على أقرانه، لينتقل بعدها إلى المرحلة التالية وهي المرحلة المتوسّطة التي أمدها ثلاث سنوات طواها بتفوّق على زملائه وأقرانه أيضاً ونال إعجاب أساتذته ومعلّميه؛ لما تمتّع به من نباهة وذكاء مفرطين.

    محافل القرآن الكريم

    في الأيّام الأخيرة من المرحلة المتوسّطة كانت تراود السيّد الحيدري فكرة الحضور إلى مجالس تحفيظ القرآن التي تألّفت في كربلاء في تلك الحقبة الزمنيّة وكان لها تأثير كبير في نفسه؛ حيث امتازت تلك الحقبة باجتذاب الشباب الواعي المسلم لحضور تلك الحلقات والمساهمة الفاعلة فيها، فكانت أداة من أدوات التوجيه الديني الصحيح والإرشاد الإسلامي الهادف. ومن الطبيعي أنّ من أوليّات الثقافة الإسلاميّة السليمة تعلّم القرآن الكريم والتبصّر في آياته واستيعاب مضامينه التي تخلق من الفرد إنساناً واعياً مستوعباً لأهداف عقيدته ومضامين شرعته التي أمره الله تعالى بها. ويمكن أن نطلق على تلك الحقبة بمرحلة «الصحوة الإسلاميّة القرآنيّة» وكان معظم المتردّدين على تلكم المجالس هم من الشباب دون العشرين من العمر، وكان السيّد الحيدري واحداً منهم.
    مجلس «الحاج حمّودي النجار» القرآني من تلك المجالس مجلس الحاج حمّودي (الحميري) النجّار الذي اتّخذ من إحدى غرف الصحن الحسيني الشريف مكاناً لتعليم تجويد القرآن، وكان عُمر السيّد كمال آنذاك يتراوح ما بين 14 - 15 عاماً، ويحدّثنا السيّد الحيدري بأنّ الحاج حمّودي اعتمد عليه في إدارة الجلسة عند غياب الأستاذ بسبب الإلمام الكامل الذي اتّصف به سماحته في فن التلاوة والتجويد، ولم يكن التفسير ضمن دروس الحلقة. وكانت الطريقة المتّبعة هي أن يتلو كلّ شخص من عشر آيات إلى أربع عشرة آية، والسيّد الحيدري، أو الأستاذ حمّودي - إذا كان حاضراً - يستمع إليه ويصحّح له ويرشده نحو الطريقة الصحيحة. ويواصل السيّد الحيدري حديثه بالقول: وبهذا يكون أستاذي الأوّل في التجويد وأصول التلاوة هو الحاج حمّودي النجّار ولم أكن أتجاوز ال- 15 سنة من العمر.
    ويتذكّر الحيدري أنّ كتاباً متواضعاً كان الأستاذ النجّار يدرّسه لطلبته وهو من تأليفه ولم يحتفظ الحيدري بنسخة من ذلك الكتاب.


    مجلس السيد سيف

    أمّا السيّد حسن سيف الدِّين فهو الآخر كان له مجلس في غرفة من غرف الصحن الحسيني الشريف إلى جوار باب الزينبيّة وثمّة غرفة صغيرة أُخرى مجاورة قبل دخولك الحسينيّة الحيدريّة (الطهرانيّة) والتي سمّيت اليوم بحسينيّة الإمام عليّ (مقابل باب النقيب للصحن الحسيني الشريف ومساحة هذه الحجرة لا تتعدّى عشرة أمتار.
    فللسيّد سيف ثلاثة مجالس: واحد للمبتدئين، وآخر للمتوسّطين، وثالث لأساتذة التجويد، وهذا الأخير كان يستمرّ حتّى منتصف الليل، وإذا حضر زائر جديد لم يُسمح له بالكلام أو بتلاوة القرآن، بل عليه الالتزام بشروط المجلس وضوابطه ويكتفي بالاستماع من دون مناقشة، ولم يجرؤ أحد على التحدّث في هذا المجلس والخروج على مراسمه لصرامة أُستاذه وحُسن إدارته. وعندما وجّهت سؤالاً للسيّد الحيدري عن أهمّ الكتب التي قرأها والتي تتناول القراءات القرآنيّة وأصول التلاوة أجاب بأنّه لم يطّلع على واحد منها مثل كتاب (التيسير في القراءات السبع) لأبي عمرو الداني، أو (النشر في القراءات العشر) لابن الجزري، أو ناظمة الزهر والشاطبيّة وغيرها، وإنّما كانت كلّ معلوماته تُستقى من محاضرات وتوجيهات أُستاذيه: النجّار والسيّد حسن سيف الدِّين وبعض الأحيان من لدن مؤذّن الحضرة الحسينيّة المرحوم الحاج جواد المؤذّن حيث كان يؤدّي المقامات أحسن أداء وبذلك يؤذّن على وفق واحد من تلك المقامات، وكنّا - والكلام للحيدري - نفيد منه بعض الفائدة وكان اجتماعنا عادةً ما يكون تحت المئذنة وكان المكان ضيّقاً وكرمنا منه قدح شاي مع قطعة من الجبن ثمّ يوجّهنا نحو أصول التلاوة حسبةً لله تعالى.

    تعليق


    • #3
      التوجه نحو دراسة تفسير القرآن الكريم

      في المرحلة التي تتلمذ السيد الحيدري فيها على يد كل من الحاج حمّودي النجار والسيد سيف والحاج جواد المؤذن اقتصرت الدروس التي تلقها سماحته على أحكام تجويد القرآن الكريم وأساليب تلاوته ولم يتسن له حتى ذلك الحين أن يحضر درساً في تفسير القرآن الكريم ومناهجه وعلومه؛ وذلك لعدة أسباب لعل أهمها قلة الحلقات الدرسية المتوفرة في مدينة كربلاء آنذاك مقارنة بمثيلاتها في مدن أخرى كالنجف الأشرف، ومستوى الأساتذة المشار إليهم سابقاً فالجميع يعلم أن قضايا علوم القرآن ومناهج المفسرين تتطلب دراية ومعرفة واسعتين لا يتوفر عليهما إلا ثلة قليلة من الباحثين. نعم، شهدت نهايات تلك المرحلة حضور السيد دروساً في تفسير القرآن الكريم تمحورت حول متن كتاب (مجمع البيان في تفسير القرآن) للمفسر الكبير أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي تلقاها عند الشيخ مهدي شريعة زادة في مدرسة البادكوبة العلميّة(1) وقد توقف هذه الدروس عند سورة (البينة) من التفسير المذكور.


      المطالعات الأُولى

      يتذكّر السيّد الحيدري بأنّ أوّل كتاب قرأه «من هنا وهناك» للشيخ محمّد جواد مغنية (وبعده كتابيه: «فقه الإمام جعفر الصادق (»، و «التفسير الكاشف» وكلاهما للعلامة الشيخ محمد جواد مغنية. ويتذكّر السيّد الحيدري أنّه اتّصل بالمفكّر الإسلامي الشيخ محمّد جواد مغنية في إحدى زياراته إلى كربلاء في شهر محرّم الحرام حين حضر الأخير أحد مجالس العزاء الحسينيّ المقامة في المدرسة الهنديّة، وهي من المدارس الدينيّة المهمّة في كربلاء، حينها قدَّم الحيدري نفسه له وهو لا يزال يومها طالباً في المرحلة الإعدادية فأخبرته بأنّه واحد من قرَّاء كتبه وأن لديه مجموعة من الأسئلة تمخضت لديه من خلال قراءته لمؤلفاته المنشورة آنذاك فما كان من الشيخ إلا أن أجاب عليها برحابة صدر أفاد منها السيد الحيدري بحسب تلك المرحلة من تكوينه الفكري.
      ومن بين الطرائف التي حملها ذلك اللقاء تنبيه السيد الحيدري للشيخ مغنية على وجود سقط في غاية الخطورة ورد في كتابه (فقه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) يتعلق بالأذان، حيث سقطت منه جملة الشهادة الأولى (أشهد أن لا إله إلاّ الله)، فتعجب الشيخ وقال باللهجة اللبنانيّة: «هذا مش معقول»، ولكنه تأكد من الموضوع لاحقاً حين أحضر له نسخة من تلك الطبعة فأعتذر عن ذلك الخطأ المطبعي بعد أن شكر السيد الحيدري على ملاحظته تلك واعداً باستدراك ذلك في الطبعات اللاحقة لكي لا يتخذها المتصيدون بالماء العكر ذريعةً لاستهداف مدرسة أهل البيت (عليهم السلام). ومن يومها توثّقت العلاقة الحميمة بين السيّد الحيدري والشيخ محمّد جواد مغنية، فكان يزور الشيخ كلّما حلَّ ضيفاً في كربلاء لينهل من منهله العذب كلّ نافع ومفيد، وكان عمر الحيدري آنذاك لمّا يتجاوز السابعة عشرة من العمر. المهم أن هذه المرحلة من تكون الحيدري الفكري، وهو لم يكمل دراسته الإعدادية بعد، شكلت فيها القراءة المركزة للتراث الإسلامي بمجالاته المتنوعة الغنية والمتابعة لنتاجات المفكرين المسلمين المعاصرين ولأهم ما يصدر من مجلات فكرية داخل العراق وخارجه، شكلت هذه الأمور مجتمعة نقطة في غاية الأهمية في بناء وعيه وفهمه لمجريات النقاش الفكري السائد آنذاك.

      الدراسة الأكاديمية وقرار الالتحاق بالحوزة

      بعد الانتهاء من المرحلة المتوسّطة في المدرسة الرسميّة وحصوله على الدرجات العليا ومزاوجته بين الدرس الرسمي والدرس القرآني خارج نطاق المدرسة، بدأ السيّد الحيدري مرحلة دراسيّة رسميّة جديدة هي المرحلة الإعدادية، وكعادته شمّر عن سواعد الجدّ في هذه المرحلة التي كانت الدراسة فيها على ثلاثة أصناف: علميّ، أدبيّ، تجاريّ، ومدّة الدراسة لهذه المرحلة سنتان.
      يتحدّث السيّد الحيدري عن هذه المرحلة بقوله: كانت الرغبة عند الوالد والأهل في أن أكون طبيباً أو مهندساً، فكان لابدّ لي من اختيار الفرع العلمي لأُحقّق رغباتهم، فبدأت السنة الدراسيّة وأنا في حيرة من أمري؛ هل أحقّق ما تصبو إليه نفسي وما أُريد لها، أم أحقّق رغبة العائلة؟ وبقيت فترة في حيرة من أمري إلاّ أنّني أخيراً قرّرت أن اختار لنفسي الطريق الذي اقتنعت به وهو النهج الحوزوي من دون أن أُشعر أحداً بذلك ومن دون أن أُخبر الوالد والأهل بما سأحقّقه وما أنجزه. هذا القرار الذي يتحدث عنه السيد الحيدري هنا سيلقي بظلاله على طبيعة تفاعله مع دروس هذه المرحلة وسيكون عاملاً مهِّماً في تحديد مستقبله الدراسي؛ إذ إن ما يبدو للأهل على أنه تراجع في المستوى الدراسي، وهو الانطباع الذي أراد الحيدري أن يتركه لديهم، وضياعاً لفرصة الالتحاق بكلية الطب أو الهندسة، سيعني للسيد الحيدري السبيل الوحيد الذي سيحقق من خلاله رغبته بمزاولة الدراسة الحوزوية، فطالما كان القبول في كلية الطب أو الهندسة يتطلب معدلاً عالياً يؤهل صاحبه لذلك فإن كل ما على الطامح للدراسة الدينية هو الهبوط بمعدَّله دون هذا المستوى .. وهذا ما فعله الحيدري تحديداً! وهو موقف يتسم صاحبه بالكثير من الجرأة والتصميم والتفاني في سبيل تحقيق خياراته الفكرية المبكرة. وفي هذه المرحلة بالذات تبدأ قصة علاقة السيد الحيدري بالعلوم السائدة في أروقة الحوزة العلمية من خلال اهتمامه الجدي بدراسة الفقه الإسلامي خارج المدرسة كم يحدثنا بذلك.


      بدايات الشروع في الدراسة الحوزوية

      من المعروف أن الدراسات الدينية في الحوزات العلمية تقسَّم إلى ثلاث مراحل، يتدرج فيها طالب العلوم والمعارف الإسلامية درسياً من الأسهل معرفياً إلى ما هو أعقد وأعمق وأكثر اتساعاً وشمولاً، كما أن لكل مرحلة محوراً يتم التركيز عليه واستيعابه بنحو أكبر حتى إذا أنتقل الطالب إلى المرحلة اللاحقة كرَّس جهوده لنوع آخر جديد من تلك العلوم والمعارف، حتى إذا انتهى من هذه المرحلة المتوسطة اتضح له خياره النهائي في صنف العلوم التي ينوي أن يتفرغ لها أكثر من غيرها ويتخصص بها، ولا تكون الفرصة للتخصص في أكثر من صنف من العلوم الدينية إلا للطالب اللألمعي الجاد في دراسته وتحصيله. أما بالنسبة إلى تلك المراحل الثلاث المشار إليها أعلاه، فهي عبارة عن:
      1 - مرحلة المقدمات: وتتركز الدراسة فيها على آداب اللغة العربية (صرفاً ونحواً وبلاغةً) وعلمي الكلام والمنطق وشي‏ء يسير من علمي الفقه وأصوله وغير ذلك من علوم.
      2 - مرحلة السطوح: حيث تكثف الدراسة في هذه المرحلة وتزداد عمقاً واتسعاً عن سابقتها في العلوم السابقة الذكر، مع تركيز أكبر على علمي الفقه وأصوله لدى الأعم الأغلب من الطلاب.
      3 - مرحلة البحث الخارج: وهي المرحلة الأكثر عمقاً واتساعاً والعتبة النهائية التي يجتازها الطالب. يحضر خلالها أعلى مستوى علمي تشهده أروقة الدراسات العليا للعلوم الإسلامية عند أكابر أساتذة الحوزة العلمية، حينها تتشكل الهوية العلمية الحقيقية للطالب وذلك تبعاً للمجال المعرفي الذي اختار أن يكرس له عمره أكثر من غيره من العلوم الإسلامية، وهكذا ترى من ينتهي به الأمر فقيه كبيراً أو مفسراً عميقاً أو فيلسوفاً عملاقاً ... .
      لقد عرفنا قبل قليل أن جلَّ ما تلقاه السيد الحيدري في بداياته الأولى على يد الأساتذة الذين تعرف عليهم آنذاك هو أحكام قراءة القرآن الكريم وترتيله وتلاوته مع استيعاب لأحد أهم متون التفسير الشيعي الإمامي، وهي لبنات مهما تمتعت به من أهمية في إعداده للدراسات الدينية إلا أنها لا تشكل إلا خطوته الأولى في طريقه الطويل لتحصيل المعرفة الدينية. فكيف يا ترى أنجز السيد الحيدري مرحلة المقدمات؟ يحدثنا السيد الحيدري بأنه كان في نفس الوقت الذي يزاول دراسته الأكاديمية الرسمية (المدرسة الإعدادية) كان يحضر عصراً دروسه عند معلمه وأستاذه الأول الشيخ حسين نجل العلامة الشيخ علي العيثان الأحسائي (رحمهما الله تعالى)؛ وذلك على دكّة من دكّات إوانات الصحن الحسيني الشريف على يمين الخارج من الصحن الشريف عند باب السلطانيّة. عند هذا الشيخ تحديداً (الشيخ حسين العيثان) كانت بداية تحصيل السيد الحيدري لمرحلة المقدمات في مدينة كربلاء المقدسة. يحدثنا الحيدري عن بعض ذكرياته في هذه المرحلة قائلاً: في هذه المرحلة لم أكن ألبس زيّ العلماء وطلبة الحوزة، بل كنت كأيّ شابّ طالب مدرسة رسميّة، مكشوف الرأس مرتدياً الدشداشة والجاكيت. استمرت تلمذته على يد الشيخ حسين حتى الاشتغال بكتاب (شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام) أشهر كتب الفقه الإمامي وأعظمها تأليف أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الشهير بالمحقق الحلي.
      بعد فراغه من كتاب (الشرائع) اقترح الشيخ حسين على السيد الحيدري؛ نظراً لما وجده في تلميذه من فطنة وذكاء، بالانتقال إلى دراسة كتاب (المكاسب) (تأليف الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفَّى عام 1281 ه-/ 1864م) عند والده الشيخ علي العيثان. وقد حدثنا السيد الحيدري عن بعض تفاصيل أسلوب تلك الدراسة حيث كان يطلب الشيخ العيثان من تلميذه قراءة العبارة ثم يقوم هو بشرحها وإيضاح المغلق من معانيها، كما زامل السيد في هذه المرحلة بالدراسة عند الشيخ العيثان كل من الشيخ مجيد الهر والسيد محمد علي الجلوخان، فقد كان يتفق أن يحضروا معاً حلقة درس واحدة وإن كان السيد الحيدري تلقى أغلب تلك الدروس في حلقة خاصة اقتصرت عليه فقط حيث كان يقيمها الأستاذ على أرضية الصحن الشريف فوق فراش صلاة الجماعة التي تعود للعلامة السيد محمد طاهر الموسوي البحراني فوق دكّة مقبرة الشيخ خلف الشيخ عسكر. أمّا في الشتاء البارد فيتم نقل مكان الدرس إلى أحد الإيوانات بين باب السدرة والباب السلطانيّة، وهكذا يستمر الدرس من العصر حتى أذان المغرب حيث ينهي الأستاذ درسه ليتفرّغ لصلاة المغرب والعشاء ثمّ ينصرف إلى داره الكائنة في محلّة باب الطاق مجاور حمّام كبيس وهو قريب من الصحن الحسيني الشريف.

      ------------
      (1) تعد هذه المدرسة واحدة من أهم المدارس الدينيّة المعروفة والقديمة في مدينة كربلاء، وهي مع ذلك معلم أثري عريق (شيِّدت في زقاق الداماد عام 1270ه- وهدمت في العقد الأخير من القرن العشرين إثر تنفيذ مشروع بناء شارع بين حرم الإمام الحسين (عليه السلام) وحرم أبي الفضل العباس (عليه السلام)) بُنيت على الطراز العباسي المكَّون من عدة إوانات وغرف من الجهات الأربع (عدد الغرف ثلاثون غرفة)، تتوسطها بركة ماء وحديقة صغيرة. كانت مدرساً لطلبة العلوم الدينية ومسكناً لهم، تخرج منها جمهرة من الفضلاء والعلماء. فيها مكتبة زاخرة بالمخطوطات القيّمة كان كاتب هذه السطور يتردد عليها (الكاتب).

      تعليق


      • #4
        مرحلة النجف وكلية الفقه وتفعيل الخيار الصعب

        عرفنا سابقا أن السيد الحيدري أخذ على عاتقه منذ وقت مبكر من عمره أن يختلف في طموحاته وقناعاته بشأن مستقبله الفكري مع رغبة الأسرة الكريمة التي كانت تتوسم في ابنها علامات النبوغ فكانت تطمح له بمستقبل أكثر نجاحا من الناحية المهنية، وهاهي سنة 1976م تحل لتكون سنة تحقيق الطموحات على مستوى شخصي وسنة مواجهة الواقع على مستوى عائلي. ولكن السيد الحيدري سيوجه مشكلة من نوع جديد تتمثل بكونه واحداً من خريجي الفرعي الإعدادي العلمي وبحسب القانون العراقي فإن الانتقال إلى قسم الدراسات الأدبية والإنسانية غير ممكن! يحدثنا السيد الحيدري عن تلك المشكلة ومساعيه في تذليلها بالقول:
        (بدأت أتحرّك على الدائرة المعنيّة بالقبول بتكثيف المراجعات اليوميّة على دائرة التسجيل وإرسال الوسطاء للضغط على المسجّل العامّ من أجل إصدار أمر إلى كلّية الفقه لقبول خرّيجي الفرع العلمي فيها، ونتيجة للوساطات المتكرّرة والضغوط الكثيرة وافقت دائرة المسجّل العامّ على السماح لخريجي الفرع العلمي بالقبول - حصراً - في الكلّية المذكورة، وهكذا أُعلمت بأن عليَّ أن أذهب في نفس ذلك اليوم أو في اليوم الثاني إلى النجف الأشرف لتقديم الأوراق والوثائق إلى كلّية الفقه لأنّ دائرة المسجل العام حدّدت فترة ثلاثة أيّام فقط يسمح فيها بقبول طلبات خريجي الفرع العلمي، ولم أتوانَ بل ذهبت إلى النجف في اليوم الثاني وقدّمت الأوراق وصدر أمر قبولي، ثمّ أُغلق باب القبول للفرع العلمي - في الكلّية - في اليوم الثالث، وكنت الوحيد ممّن قُبِل تلك السنة من الفرع العلمي، كان هذا عام 1974م).
        وإثر هذا الواقع الجديد فإن السيد الحيدري لم يتمكن من إكمال درسه في كتاب (المكاسب) مع أستاذه الشيخ علي العيثان، بل إن أستاذه نفسه نصحه بوجوب الانتقال للنجف الأشرف، المركز الأهم والأكبر للعلوم الإسلامية طبقاً لمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، باعتبارها المكان الحقيقي الذي بوسع السيد الحيدري تحقيق طموحاته الفكرية ورغباته العلمية فيه.

        تحقيق الطموحات في ظل أجواء القمع السياسي

        شهد عقد السبعينات وما تلاه من سنين ذروة القمع السياسي والحملة الشرسة على الأحزاب والتجمعات الدينية في العراق، وكرست السلطات جميع جهودها لمحاصرة وإبادة كل من له علاقة ولو بعيدة بموضوع بالفكر والمؤسسة الدينيتين، سواء أكانت تلك العلاقة سياسية أو فكرية أو حتى سلوكية بأن يكون الإنسان متديناً ملتزماً بتعاليم الشريعة الإسلامية.
        في ظل هذه الظروف الخانقة انخرط السيد الحيدري في كلّية الفقه عام 1974م، فكانت الظروف السياسية الساخنة للبلد تتصاعد، وأزمة علماء الدِّين بدأت تتطوّر والملاحقات الظالمة لطلبة الحوزة قائمة على قدم وساق ... ليستقر به المقام في إحدى غرف المدرسة اللبنانيّة الكائنة خلف علوة المخضرات في محلّة الجديدة خلف كلّية الفقه، وكانت مدرسة كبيرة أُعدّت للطلبة اللبنانيّين، إلاّ أنّه بسبب ظروف البلد وسياسة الاضطهاد والملاحقة لم يبقَ في المدرسة سوى عدد قليل لم يتجاوزوا أصابع اليد، مع أنّها كانت تستوعب أضعاف هذا العدد، فكانت تحتوي على عشرات الغرف.
        كانت عيون الرُّقباء ورجال السلطة تراقب من يسكن المدرسة ومَن يدخل إليها ومَن يخرج منها، ويوماً بعد يوم تشتدّ الرقابة الأمنيّة وينتشر الجواسيس أمام وحول المدرسة، وبعد أن تمَّ إعدام عدد من العلماء والشباب المتديّن أمثال: المرحوم الشيخ عارف البصري ونوري الجلوخان وإخوانهما من الشهداء أصبح من الصعوبة بمكان العيش والسكن في هذه المدرسة التي شدّدت السلطة مراقبتها ومحاسبة من يسكن فيها أو يتردّد على ساكنيها.
        كانت المدارس الدينيّة العلميّة داخل مدينة النجف وبخاصّة قسمها القديم، أكثرها مغلقاً وبعضها شبه مغلق أو لم تستغلّ غرفها من قِبل الطلبة، وأكثرهم كان يتجنّب المبيت فيها تخوّفاً من أنظار الرقباء. من تلك المدارس على سبيل المثال: مدرسة الآخوند(2) والبروجردي(3) والصدر(4) والخليلي(5) وكاشف الغطاء(6) والجواهري(7) وكاظم اليزدي(8) وغيرها الكثير.
        لا زالت تحتفظ ذاكرة السيّد الحيدري بأسماء عديد ليس باليسير ممن زامله في تلك المدرسة، سواء من الطلاب اللبنانيين أو العراقيين، وقد كان من ضمنهم من سيصبح لاحقاً ذا حضور واسع في المجال السياسي والنضالي في العراق ولبنان.

        الدراسة في كلية الفقه

        في هذه المرحلة، وبالرغم من الظروف العصيبة، توسّعت دراسات السيّد الحيدري الفقهيّة والأصوليّة وتوزّعت بين كلّية الفقه والحوزة العلميّة. إنّ ما تلقاه السيّد الحيدري من دروس في كربلاء قبيل رحيله إلى النجف كان يعدّه بمثابة المقدّمات والتمهيد للدراسات الأوسع التي سيزاولها في مدينة النجف الأشرف، سواء أكانت تلك الدراسات في الحرم الجامعي لكلية الفقه أم في الحلقات الحرة (وفق ما هو شائع ومتداول حتى يومنا هذا) في الحوزات العلمية.
        بالنسبة لكلية الفقه(9)، الصرح العلمي الكبير في العراق الذي خرَّج نخبة رفيعة المستوى من المفكرين الإسلاميين في العراق والعالم الإسلامي، فقد عرف بهيئته التدريسية المشكَّلة حينها من خيرة الأساتذة العراقيين، القادمين من جامعة بغداد أو الموجودين في مدينة النجف الأشرف، من هؤلاء الأساتذة: الدكتور عبد الرزّاق محيي الدِّين رئيس المجمع العلمي العراقي، والدكتور صالح الشماع أُستاذ الفلسفة الإسلاميّة في كليّة الآداب بجامعة بغداد، والدكتور أحمد حسن الرحيم أُستاذ مادّتي التربية وعلم النفس في كلّية التربية، والدكتور عناد غزوان الأستاذ في كليّة الآداب بجامعة بغداد، والدكتور عبد المجيد الحكيم أُستاذ مادّة الالتزام في القانون بكلّية الحقوق، والدكتور حسن الحكيم .. وغيرهم، ناهيك عن الأساتذة الأجلاّء ممّن هم على الملاك الدائم للهيئة العلميّة والتدريسيّة في كلّية الفقه أمثال: الشيخ عبد المهدي مطر، والسيّد محمّد تقي الحكيم، والسيّد هادي الفيّاض، والدكتور محمود البستاني، والدكتور محمّد حسين الصغير، والشيخ محمّد تقي الإيرواني، والشيخ أحمد البهادلي، وغيرهم.
        أما الحديث عن مناهج التدريس والمواد العلمية التي تدرَّس في الكلية، فقد كانت الأشد صرامة وثراء وتنوعاً وقد توزَّعت تلك المواد على الكثير من حقول المعرفة البشرية، نظير: اللغة العربيّة وآدابها، وأصول النقد الأدبي وتاريخ اللغة وفقهها، والحديث والفقه وأصوله، والمنطق وأصول البحث، والفلسفة الإسلامية والحديثة، والتفسير وعلوم القرآن والتاريخ الإسلامي، وعلوم النفس والاجتماع والتربية واللغة الانجليزيّة .. وغير ذلك.
        وقد حدثنا السيد الحيدري عن أجواء الدراسة آنذاك وأشار إلى أن الكلية كانت تضع في كل مرحلة دراسية «22» مادّة علمية تدريسية يتلقاها الطالب بنحو دقيق ومكثف.

        الدراسة في حوزة النجف الأشرف

        كان ما أشرنا إليه في الفقرة السابقة هو القسم الأول من دراسة السيد الحيدري في مدينة النجف الأشرف وقد تمثلت بانتمائه لكلية الفقه وحضوره دروسها، أما في هذه الفقرة فنشير إلى القسم الثاني من تلك الدراسة، وهو عبارة عن الحضور في الحلقات الحرة للدرس كما هو معتاد وشائع وموروث تاريخياً في أسلوب الدراسة في الحضارة الإسلامية، أي أن يختار مجموعة من الطلاب الالتزام بدرس أستاذ ما في أحد الكتب المشهورة في حقل معرفي ما، ثم يتولى هذا الأستاذ شرح ذلك الكتاب وإلقاء محاضراته في تلك المادة العلمية على ضوء التقسيم الذي يعتمده صاحب الكتاب.
        في المرحلة الثانية من انتسابه لكلية الفقه واصل السيد حضور دروس السطح العالي فقه وأصولاً بدراسة كل من:
        1 - كتاب (المكاسب) للشيخ مرتضى الأنصاري (قُدِّس سِرُّه) (ت 1281 ه-) عند الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، والتي كان يلقيها الشهيد في المسجد الهندي وكانت حلقة درسه - كما ينقل لنا السيد الحيدري - من أكبر الحلقات التي يحضرها عددٌ غفير من طلاّب الحوزة العلميّة.
        2 - كتاب (الرسائل) للشيخ مرتضى الأنصاري أيضاً وكتاب (كفاية الأصول) للشيخ محمد كاظم الخراساني (قُدِّس سِرُّه) (ت 1329 ه-) عند الشيخ بشير النجفي.
        وإثر دراسة السيد الحيدري في كلية الفقه توطدت علاقته بأستاذه العلامة السيد محمد تقي الحكيم (رضوان الله عليه) الذي كان له الفضل الكبير في أكشاف مواهب تلميذه ودعمه ومساندته(10). وحيث إن للسيد الحكيم درساً خاصاً في خارج أصول الفقه كان يلقيه عام 1976 فقد باشر السيد الحيدري في هذا الوقت بالذات الحضور داخل حقات هذا الدرس ضمن ثلة من الطلاب لا يتجاوز عددهم العشرة أشخاص وكان مكان الدرس هو غرفة ضيقة في مقبرة الإمام السيد محسن الحكيم تقع في الجهة الشمالية المقابلة لباحة المسجد الهندي.
        ومن القصص التي يتذكرها باعتزاز السيد الحيدري في هذا الشأن ما حصل معه عام 1976م حين تم تشكيل (لجنة الاتحاد الوطني لطلبة العراق) داخل الكلية؛ ويعود سبب تأخير تشكيل هذه اللجنة حتى ذلك الوقت في هذه الكلية إلى طبيعة الكلية ذاتها وتوجهها الفكري الديني الذي يتحفظ على مثل تلك النشاطات الحزبية، بل ويعدها في بعض الأحيان منافية للأهداف والمبادئ التي شيدت على ضوئها الكلية؛ من هنا نعرف السبب الذي حمل الطلاب على التردد والتباطؤ في الانخراط في هذا التنظيم.
        يحدثنا السيد الحيدري عن ممانعته مع عدد من الطلاب عن الانخراط في هذا التنظيم الطلابي وما عاناه جراء ذلك من ملاحقة ومضايقات من القائمين على هذا التنظيم، كان آخرها أن شكوه إلى السيد عميد الكلية السيد هادي الفياض وسكرتيرها السيد محمد تقي الحكيم فما كان من عمادة الكلية إلا أن استدعت كلاً من السيد الحيدري وشخص رئيس اللجنة الاتحادية للنظر في هذه المشكلة، ولما دخل الرجلان معاً (السيد الحيدري ورئيس اللجنة) أجلس العميد السيد الحيدري وترك رئيس اللجنة واقفاً، عندها خاطب العلامة السيد الحكيم رئيس اللجنة الاتحادية قائلاً: «إذا كنت تتصور أن هذا (مشيراً بذلك للسيد الحيدري) مجرد طالب مثلك في الكلية فأنت على خطأ، فهذا لا نعدّه طالباً بل هو واحد من علماء الحوزة العلميّة ... » وهذه شهادة كبيرة من قبل شخص بحجم العلامة السيد الحكيم (رضوان الله عليه) في حق طالب في الصف الثاني من الكلية لم يتجاوز عمره حينها العشرين عاماً.

        ---------
        (2)مدرسة الآخوند: تُطلق على ثلاث مدارس دينيّة أسّسها جميعاً العلاّمة المجدّد الملاّ كاظم الآخوند الخراساني، وهي:
        أ- مدرسة الآخوند الكبرى: أُنشئت عام 1321ه- (1902م) وقد بذل نفقات بنائها «جان ميرزا» من أهل بخارى وكان وزيراً للسلطان عبد الواحد البخاري.
        ب - مدرسة الآخوند الوسطى: أُنشئت عام 1326 ه- (1908م) بتمويل من «استان قلي بك» وزير السلطان المذكور. استغرق بناؤها ثلاث سنوات. وتقع في محلّة البراق.
        ج- - مدرسة الآخوند الصغرى: أُسّست عام 1328 ه- (1910م) بتمويل من الحاج‏
        فيض الله البخاري، خازن دار الوزير «جان ميرزا» وتقع في محلّة «البراق» أيضاً.
        (3) مدرسة البروجردي: أنشأها السيّد آغا حسن البروجردي، وقد تمَّ بناؤها عام 1373ه- (1953م) وتقع مقابل باب الصحن الحيدري المقابلة للسوق الكبير وكانت قبالتها يقع منتدى النشر وكلّية الفقه في أوّل تأسيسها.
        (4)مدرسة الصدر: أشادها الحاج محمّد حسين خان الأصفهاني (مشيّد سور النجف) المتوفّى عام 1239 ه- (1823م) والذي كان يشغل منصب «الصدر الأعظم» للسلطان فتح علي شاه القاجاري، وتقع هذه المدرسة في مدخل السوق الكبير الذي يوصل «الميدان القديم» بالصحن الشريف.
        (5)مدرسة الخليلي: وهما اثنتان:
        أ- مدرسة الخليلي الكبيرة: وتسمّى «مدرسة القطب» أُنشئت بنفقة معتمد السلطنة الحاج محمد حسين خان أمير «بنج» على يد الحاج ميرزا حسن الخليلي عام 1316ه- (1898م) وقد أصبحت اليوم أثراً بعد عين.
        ب - مدرسة الخليلي الصغيرة: أُنشئت بنفقة «الميرزا محمد علي خان الكركاني» على يد الميرزا حسين الخليلي آنف الذِّكر. وتقع كلتا المدرستين في محلّة العمارة في النجف وقد أصبحت أثراً بعد عين نتيجة أعمال الهدم لقسم كبير من تلك المحلّة.
        (6)مدرسة كاشف الغطاء: أُنشئت عام 1284 ه- (1867م) وتقع في محلّة المشراق في النجف، سمّيت باسم بانيها الشيخ مهدي بن الشيخ علي آل كاشف الغطاء.
        (7)أُسّست في عصر الشيخ صاحب الجواهر عام 1264ه- (1845م) وتقع في محلّة العمارة ولا زالت قائمة.
        (8)مؤسّسها السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي عام 1327 ه- (1908م) بتمويل من الوزير البخاري (استان قلي بك) الذي عمّر مدرسة الآخوند الوسطى، وتقع في محلّة الحويش ولا تزال شاخصة إلى اليوم.
        (9)أسسها أحد أكبر رواد النهضة الإصلاحية في النجف الأشرف والعالم الإسلامي المجتهد المجدد العلامة الفيلسوف الشيخ محمد رضا المظفر (قدَّس الله روحه الطاهرة) عام 1957م، واعترفت بها وزارة المعارف العراقية عام 1958م، ثم ألحقت عام 1974 بجامعة بغداد مباشرة، وفي سنة 1400 - 1979 ألحقت الكلية بالجامعة المستنصرية ومن ثم ألحقت بجامعة الكوفة التي أنشئت سنة 1408 - 1987. وأخيراً ألغيت في 1411 - 1991 وألحق طلابها وبعض أساتذتها بكلية الحقوق في بغداد.
        (10) لا يفتأ السيد الحيدري ينوه بعمق علاقته الروحية بأستاذه العلامة السيد محمد تقي الحكيم (رضوان الله عليه) واعتزازه بها وبدورها الكبير في ترشيده علمياً وفكريا لا سيَّما في المجال الفقهي والأصولي حيث كان السيد الحكيم لا يبخل على تلميذه بإسداء النصح والتوجيه في اختيار الكتب المهمة في هذا الصدد، تلك التوجيهات التي يصفها الحيدري نفسه بأنها (فتحت له آفاق المستقبل).

        تعليق


        • #5
          حضور دروس السيد الشهيد الصدر (رضوان الله عليه)

          لقد كان من مظاهر دعم العلامة محمد تقي الحكيم (رضوان الله عليه) ورعايته للسيد الحيدري بعد أن أكتشف فيه سمات الذكاء والفطنة المعزَّزة بالجد والمثابرة في تحصيل العلم أن سمح له بالتحرُّر نسبياً من الحضور في صفوف الكلية، وهذا بدوره منح السيد الحيدري فرصة أكبر في مباشرة دروس الحوزة العلمية تمثلت بحضوره عام 1976 وهو في الصف الثاني من الكلية دروس الشهيد السيد محمد باقر الصدر في الفقه والأصول في جامع الطوسي. وقد استمر هذا الحضور حتى بعد تخرُّجه من الكلية عام 1978 وقد زامله في هذه الفترة جملة من الأعلام الحوزة العلمية اليوم وفضلائها نظير السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر والسيد محمود الهاشمي والسيد محمد علي الحائري والشيخ حسن طراد والشيخ محمد يزبك والشيخ يوسف الفقيه والشيخ محمد رضا النعماني وغيرهم.

          حضور دروس السيد الخوئي وغيره من أعلام النجف

          لم يقتصر حضور السيد الحيدري على درسي السيد الشهيد الصدر ودرس السيد محمد تقي الحكيم فقط، فبعد الانتهاء صباحاً من درس السيد الصدر كان ينتقل إلى مسجد الخضراء لحضور درس السيد الخوئي (رضوان الله عليه) واستمر ذلك لمدة عامين متتاليتين. هذا مع الحضور أيضاً درس البحث الخارج للشيخ ميرزا علي الغروي النجفي الذي كان في مبحث المكاسب. أما ضحىً فقد كان يحضر بعض دروس السيد نصر الله المستنبط وإن كانت هذه الدروس ليست من الدروس الأصليّة الحوزة العلمية في النجف الأشرف.

          علاقة السيد الحيدري بالدكتور محمود البستاني ومنهجه الفقهي

          لم تكن أروقة كلية الفقه مجرد قاعة للدرس وتلقي المحاضرات فحسب، إنما كانت تنطوي على حركة حيوية فاعلة بين الأساتذة من جهة وبين أولئك الطلاب الطموحين من جهة أخرى، وقد عرفنا في الصفحات السابقة بعض ما أفرز ذلك التواصل من علاقات علمية خصبة بين السيد الحيدري والعلامة السيد محمد تقي الحكيم.
          في الواقع لم تكن هذه العلاقة هي الوحيدة للسيد الحيدري بأساتذته بل تجاوزتها إلى علاقات علمية أخرى بأساتذة آخرين لا زال يثمنها ويثني عليها ويعتز بها كجزء من عرفانه بالجميل لمعلميه وتوجيهاتهم ونقاشاتهم التي مارست دوراً مهماً في فتح أفاق البحث لديه. من تلك العلاقات العلمية التي كونها الحيدري في سنوات دراسته في الكلية والتي استفاد منها كثيراً ما حضي به - وأنا هنا أنقل عن السيد الحيدري نفسه - من عناية واهتمام من قبل الدكتور محمود البستاني الذي كان هو الآخر يتوسم في تلميذه مستقبلاً علمياً مشرقاً فكان يصغي بجد لمداخلات الحيدري وآرائه وملاحظاته.
          في الفترة ما بين عامي (1976 - 1978) كان د. البستاني قد شرع بإلقاء محاضراته حول المنهج في دراسة الفقه على طلاب الكلية، وبالرغم من أن اختصاص البستاني هو النقد الأدبي إلا أنه كان داعية لتغيير المناهج التقليدية المتبعة في الحوزة العلمية في المجال الفقهي بوصفها مناهج قديمة لم يعد بوسعها أن تخلق فقيهاً محققاً مجدِّداً متنوراً، ذاهباً إلى ضرورة تدشين منهج جديد في هذا الشأن أخذ هو على عاتقه تشييده وتدريسه لطلابه. أراد البستاني لمنهجه الجديد أن يخرج الدراسات الفقهيّة من الطور الكلاسيكي النمطي القديم إلى عالم رحب متطور منهجي يتماشى وتطور المناهج في الفكر الحديث.
          يقول السيد الحيدري إن أبرز ما دعا إليه البستاني وقتها هو الاهتمام بقراءة الأحاديث والروايات وضرورة ذلك في استيعاب الحكم الشرعي قبل الشروع في دراسة مباحث الاستدلال الفقهي، كان يقول: إن على الطالب إذا ما أراد أن يستوعب منهجه أن يطالع دورة «وسائل الشيعة» كاملة وذلك ليفهم حديث أهل البيت (عليهم السلام) قبل أن يأتي إلى مباحث الفقه.
          هذه النقطة بالذات قد تبدو بسيطة عند البعض ولكن السيد الحيدري أخذها على محمل الجد كاملة فحملته وقتها على قراءة كتابين مهمين في هذا المجال في فترة وجيزة جداً، هما: كتاب «وسائل إلى تحصيل مسائل الشريعة» (الدورة الحديثية التي تقع في عشرين مجلداً) تأليف الفقيه المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (قُدِّس سِرُّه) (ت 1104 ه-)، وكتاب «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» تأليف الفقيه المحدِّث الشيخ يوسف البحراني (قُدِّس سِرُّه) (ت 1186 ه-)، تلتها مرحلة إنكباب كبير على قراءة ومطالعة عشرات آلاف الصفحات من كتب الفقه كان له أبلغ الأثر في تكوين السيد الحيدري الحديثي والفقهي.

          تخرُّجه من كلية الفقه وعدم حضور حفل التخرج

          على مدار أربع سنوات من الدراسة في كلية الفقه كان سماحته من الطلاب الأوائل على صفوفها وقد تخرج عام 1978 بمعدل عال بلغ 5 .97%. وقد كانت العادة المتّبعة أنّ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي توزّع جوائز تقديريّة على الخرّيجين الأوائل في جميع جامعات العراق، وكانت بعض الجوائز يشارك في منحها عدد من مسؤولي الدولة من وزراء ومدراء جامعات ومؤسسات أخرى؛ وحيث إن السلطات قد مارست وقتها جمع صنوف التنكيل والقمع لطلاب الحوزة العلمية والمنتسبين لها وللحركات الإسلامية فقد عزم السيد الحيدري حينها على مقاطعة حفل التخرج وعدم تسلم جائزته كأحد الطلاب المتفوقين، علماً أن الجائزة الأولى كانت مقدمة من قبل رئيس الجمهوريّة ثم تليه جائزة نائبه وهكذا بقية المسؤولين الكبار في القيادة والحزب والدولة والمحافظة.
          يقول السيد الحيدري إنه تم استدعاه حينها من قبل عميد الكلية السيد عدنان البكّاء وأخبره بوصول الجوائز وموعد الاحتفال التكريمي لتقديمها إلى الطلبة الأوائل المتخرّجين في الكلّية، إلا أن جوابه كان عدم رغبته بحضور الحفل، فامتعض العميد وقال له: إنّك ستخلق لنا ولك مشكلة إذا لم تحضر وتتسلّم الجوائز بيدك. ولكن ذلك لم يغير موقفه وبقي مصرّاً على عدم الحضور، قائلاً للسيد البكاء: جد لي طريقاً آخر تتدارك فيه القضّة. فما كان من السيد العميد إلا أن اعتذر للجنة الاحتفال بالقول: إن السيد كمال وبعض رفاقه مرضى ولم يكن بإمكانهم الحضور لتسلّم جوائزهم ونحن نتسلّم جوائزهم نيابةً عنهم، وفعلاً كان ذلك. ولكن السلطة الحاكمة لم ينطلِ عليها مثل هذا الأمر فعرفوا كذب الادّعاء فسجّلت هذه الحادثة لتُثار ضدّهم قضيّة فيما بعد ينقمون بها منهم.

          قصة البعثة إلى فرنسا

          لمّا كان السيد الحيدري من ذوي المعدّلات العالية ومن المتميّزين من خرّيجي الكلّية لتلك السنة الدراسيّة أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بعثاتها إلى خارج العراق لنيل درجة الماجستير والدكتوراه في شتّى الاختصاصات ومنها القانون المقارن، فقد رشّحت الوزارة السيّد الحيدري لواحدة من تلك البعثات إلى فرنسا لدراسة القانون المقارن في إحدى الجامعات الفرنسيّة لنيل درجة الدكتوراه يشاركه في ذلك أربعة طلاّب آخرون من الأوائل في كلّيات إنسانيّة أخرى من الجامعات العراقيّة، ومدّة الدراسة خمس سنوات على نفقة الحكومة العراقية، وأرسلت الوزارة الاستمارات الخاصة بطلاب البعثة وفيها تعهُّد خطي يملؤه ويوقِّعه طالب البعثة إلا أن أهم ما تضمنته تلك الاستمارة هو وجود مادة تنص على ضرورة تعهد الطالب بالانتماء إلى حزب السلطة.
          وحيث إن هذه النقطة إشكالية ومحرجة للسيد الحيدري فقد اقترح عليه أحد المدراء العامين في إحدى مؤسسات وزارة الصناعة، وهو عضو بارز في حزب السلطة يومذاك كان قد تعرَّف على السيد الحيدري نتيجة كونه هو الآخر من أهالي مدينة كربلاء، أن يمنحه استمارة تؤكد انتسابه للحزب على أن يخفيها هذا العضو الحزبي عن مسؤولي الحزب ولا يطلع عليها أحداً إلاّ عند عودة السيد الحيدري من فرنسا، فإذا ما طُولب بالانتماء فسيكون بوسعه إظهار هذه الاستمارة للمسؤولين. وقد قابل السيد الحيدري هذا الاقتراح برفض شديد دفعه للتخلي عن البعثة الحكومية.
          يضيف السيد الحيدري هنا أنه ذهب حينها إلى الشهيد السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد تقي الحكيم لاستشارتهما في الأمر ولكي يستفسر منهما في موضوع إكمال دراسته في فرنسا ولكن على نفقته الخاصة هذه المرة، فما كان من السيد الشهيد الصدر أن أجابه بالقول: (إن عليك أن تبقى هنا في النجف الأشرف ثم ترسل طلبتك لنيل الدكتوراه)، أما السيد الحكيم فلم يحسم الأمر للسيد الحيدري وترك الخيار له، فالقرار في النهاية هو قرار الحيدري نفسه، ولكنه لم يخفيه مخاوفه بشأن استمرار هذه السياسة إذا مَ استمرت لخمس وعشرين سنة قادمة وما تخلِّفه من فراغ علمي هائل في حوزات النجف الأشرف بعد رحيل خيرة أبنائها من الطلاب الجادين المحصلين أمثال السيد الحيدري، وحينها سيسلم مصير الدراسات الحوزوية، كما يخشى السيد الحكيم، إلى المجهول.
          لقد تحقق فعلاً ما كان يتوقعه هذان العلمان بشأن هذه القضية، فها هو السيد الحيدري يشرف على رسائل الدكتوراه ويُمنح طلبته درجاتها، كما تحقق فعلاً جراء سياسة النظام تلك وما تلاها من قمع وقتل ونفي لطلاب الحوزات العلمية أن عانت من فراغ علمي كبير في العقدين الأخيرين الذين تليا هذه الحادثة.
          المهم أن السيد الحيدري صرف نظره حينها عن أمر البعثة إلى الخارج، سواء بنفقة الحكومة أو بنفقته الشخصية، وقرَّر البقاء ضمن أساتذة الحوزة النجفيّة منشغلاً بالبحث عند السيد الشهيد محمد باقر الصدر للحقبة من 1978 - 1980م.

          وكيل السيد الشهيد الصدر في كربلاء

          عن هذا الأمر يقول سماحته: كنّا نحضر في تلك الحقبة في مجلس السيّد الصدر، ومن ذلك الحين أعطاني وكالة في كربلاء لم يعلنها للجميع خوفاً من بطش السلطات الحاكمة آنذاك، ولكي لا أكون تحت دائرة الضوء، ولكنّه كان يهمس في آذان المخلصين له وحافظي سرّه قدّس الله سرّه بأنّ وكيلي في كربلاء هو السيّد كمال الحيدري، فلطالما أمر أصحاب الحقوق الشرعيّة القادمين من كربلاء وضواحيها بتصفية الحقوق الشرعيّة معي بصفتي وكيله الشرعي. والوكالة مدوّنة ولكنّها فُقِدت مع ما فُقد من أوراق ووثائق وكتب ومنشورات؛ فقسمٌ منها صادرته الجهات الأمنيّة والآخر بني في جدران بيت والدي في كربلاء ثمّ تهدّم ونهبت فيما بعد.

          إمامته لجامع العطارين في كربلاء وقصة اعتقاله

          بعد إكماله الدراسة الأكاديمية في كلية الفقه، وحضوره البحث الخارج عند أعلام النجف وقتئذٍ، وحصوله على وكالة السيد الصدر (رضوان الله عليه)، عاد سماحته بعد ذلك إلى مدينته كربلاء المقدسة ليتسلم جامع العطّارين - وهو مسجد أثري كبير يقع في منطقة الأسواق التجاريّة وكان حتى ذلك الحين يخلو من إمام جماعة - ليؤم فيه جموع الشباب الذين يرتادون هذا المسجد، ولم يستمر هذا الوضع أكثر من يومين لتقدم السلطات على اعتقاله بعد أداه الصلاة في اليوم الثالث بأمرٍ من مدير أمن كربلاء المدعوّ «هارون»، وهو أحد زبانية السلطة المعروفين بالوحشية.
          اقتيد السيد الحيدري إلى مديرية أمن كربلاء عام 1979 وكان الأمور حينها في ذروة التأزم والتوتر والسلطات في أشد حملاتها وأكثفها اعتقالاً وقمعاً، في دائرة الأمن بكربلاء استدعي سماحته من قبل مدير الأمن المدعو (هارون)، الذي كان ساعتها في حالة سُكر شديدة، عارضاً عليه خيار التعاون مع السلطة وحضور مناسباتها واحتفالاتها وترك إمامة الجماعة في المسجد بل وكتابة بعض التقارير عن الأشخاص الذين يشك في أنهم يعارضون النظام في السر، مهدداً إياه في حالة عدم استجابته لتلك المطالب بشتى أنواع التعذيب والقتل. فما كان من السيد الحيدري إلا أن أجابه بالقول: هذه ليست المرة الأولى التي تحصل فيها أمثال هذه الأمور، ولا أنا آخر واحد تفعلون معه ذلك، لنا أُسوة بالإمام الحسين وبأجدادنا العظام حيث ذاقوا ما ذاقوا من بني أُمية ومن بني العباس وغيرهم من السلاطين العُتاة الظلمة.
          وهكذا كلما ازدادت محاولاتهم في إقناعه بالتعاون وتحقيق رغباتهم كلما ازدد إصراراً في موقفه الرافض لأي أشكال التواصل مع السلطة، وكان للأمور أن تتعقد لولا تدخل بعض الأطراف ونجاح مساعيها في الإفراج عن السيد الحيدري. وفعلاً أفرج عنه دون أن يؤخذ منه تعهُّد خطي أو كفالة من أحد فكان يواصل نشاطه في النجف الأشرف طيلة أيام الأسبوع (مقيماً في مدرسة الأزري العلمية) باستثناء اليومين الأخيرين منه يقضيهما في كربلاء تحت عيون الرقباء والجلاوزة التي كانت تحرمه من أن يظهر أمام الناس أو يزاول أي نشاط ديني.

          قصة لبسه للعمامة وذكرياته عن اعتقال السيد الشهيد الصدر


          موضوع ارتداء الزي الديني المتعارف عليه في الحوزات العلمية يمثل أحد الطقوس الجميلة التي يحتفل بها الطلاب الحوزات العلمية، للسيد الحيدري في هذا الشأن قصة يستحسن أن ننقلها على لسانه، وهي بنحو التالي:
          حين كنت أدرس «الأصول» في مقبرة المجدّد «السيّد محمّد حسن الشيرازي الكبير» في غرفة صغيرة وهي المقبرة على يمين الخارج من باب الطوسي إحدى أبواب الصحن الحيدري وأصبحت الآن أثراً بعد عين، كنّا ندرس الأصول على يد الشهيد الصدر، ولمّا ضاق بنا المكان في تلك المقبرة الضيّقة وكنت بالعمّة الخضراء (وهي زيّ خدّام الروضة من العلويّين وهي عبارة عن طربوش حوله قطعة قماش خضراء يرتديه السادة العلويّون إضافةً لخدم الروضات المقدّسة في العراق من السادة)، انتقلنا مع أستاذنا إلى جامع الطوسي. في هذه الحقبة وبعد مرور سنة تقريباً أرسل إليَّ أستاذي الشهيد وقال لي: يجب أن تتزيّى بزيّ علماء الدِّين وترتدي العمّة السوداء، وذلك لأنّ لباسك ليس زيّاً لأهل العلم. ورجعت إلى كربلاء كعادتي واستعنت بالشيخ قاسم الأسدي (وتوّج رأسي بالعمامة السوداء من دون أن يقام حفل خاصّ كما هو معهود في مثل هذه المناسبة في الوسط الحوزوي وذلك بسبب الظروف العصيبة التي كانت تسود الساحة السياسيّة في العراق. أوّل خطوة خطوتها بعد لبس العمامة، قيامي بإمامة المصلّين في مسجد العطّارين، والتي لم تستمرّ سوى 48 ساعة فقط.
          ومن الذكريات التي تختزنها ذاكرة السيّد الحيدري عن أستاذه الشهيد الصدر أنّه عندما كان محتجزاً (في بيته بالنجف كانت قوّات الأمن السرّي وعناصر المخابرات تضرب طوقاً أمنيّاً حول بيته وتراقب كلّ تحرّك في الزقاق وترصد كلّ المارّة في هذا الطريق الضيّق الذي يقع فيه دار الشهيد، ناهيك عن الأجهزة الإلكترونية المنصوبة على هاتفه الخاصّ وحتّى الدور المجاورة، فكان الرقباء يرصدون الداخل والخارج منها لتحديد حركة الشهيد وخنق أنفاسه.
          ويتحدّى الحيدري كلّ تلك الإجراءات الأمنيّة القاسية، فيتّصل بأستاذه بصورة غير مباشرة عن طريق وسيط امتنع الحيدري عن ذكر اسمه، ولعلّ الوسيط لم يرغب بكشف ذلك السرّ.
          كان طلاّب الشهيد ومنهم السيّد الحيدري يلحّون على الشهيد في تحريك الشارع وإثارة النجفيّين على الأقلّ؟ وكان الشهيد (يرى في توزيع المنشورات التي تشير إلى قضيّة الإقامة الجبريّة هي الطريق الأفضل لأنّها خير وسيلة لتهييج الرأي العامّ وخير أداة للضغط على الحكومة المستبدّة علّها ترضخ وترفع الحجر الإجباري؛ لأنّ معظم الناس لا علم لهم بما يحصل للسيّد الشهيد، هذا هو كلّ ما كان يطلبه الشهيد من طلاّبه. فبدأ طلاّبه النجباء ومنهم السيّد الحيدري بتنفيذ أمره.
          يقول سماحته: نفذّنا أمر أستاذنا فحرّرنا المنشورات وكنّا نوزّعها على نطاق واسع ونسعى حثيثاً على إيصالها إلى بيوت العلماء والشخصيّات والوجوه الاجتماعيّة والثقافيّة، ونلصق الكثير منها على الجدران حينما تغمض أعين الرقباء، وبهذه الطريقة استطعنا إثارة الرأي العامّ وتحريك الناس وخلق حالة استنكار واستهجان من لدن العناصر المتديّنة في النجف وخارجها.
          واستمرّت علاقة السيّد الحيدري بأستاذه الشهيد حتّى يوم استشهاده في 9/ 4 / 1980.

          تعليق


          • #6
            الدرس الفلسفي في النجف

            من ضمن الدراسات في حوزة النجف الأشرف انشغل الحيدري بدراسة الفلسفة ولم يتذكّر بالتحديد كيف انجرّ لدراستها ولا العوامل التي دفعته بهذا الاتجاه، يقول: لم يعلق بذهني كيف حضرت درس منظومة السبزواري أو أسفار الملاّ صدرا الشيرازي، ولماذا حضرت؟ ولكن الذي أعلمه أنّ الدرس الفلسفي كان يدرّسه الشيخ عبّاس القوچاني تلميذ الميرزا علي القاضي الكبير أستاذ العلاّمة السيّد محمد حسين الطباطبائي ... هذا الرجل كان يدرّس «الأسفار» قبل صلاة المغرب والعشاء في مقبرة المجدّد الشيرازي الملاصقة لباب الطوسي، وهو المكان نفسه الذي كان الحيدري يدرس فيه قبل أن ينتقل إلى جامع الطوسي.
            أمّا الأستاذ الثاني للسيّد الحيدري الذي درس عليه دروساً في الفلسفة فهو المرحوم السيّد مسلم الحلّي الحسيني، حيث كان الحيدري يحضر عنده منظومة السبزواري، وكان هذا الأستاذ (الحلّي) مصاباً بضيق في التنفّس فكان يلاقي صعوبة في التحدّث والشرح، فعندما يلقي عبارة أو مقطعاً من عدد من الكلمات كان يعاني من تعب ونصب ويكاد يلفظ أنفاسه، فكان السيّد كثيراً ما يساعده في الدرس بقراءة النصوص بسبب ضيق نفسه.
            ويحدّد السيّد الحيدري مقدار الدرس الفلسفي الذي أخذه بأنّه لا يتجاوز الشي‏ء القليل من منظومة السبزواري(11) وشيئاً من الأسفار الأربعة وبعض المسائل في أصول الفلسفة. أمّا اعتناؤه بكتب السيّد محمد حسين الطباطبائي فقد بدأت مذ كان في النجف حيث اقتنى «الميزان» وهو طالب في كلّية الفقه، حيث يقول: وكنت أقرأ فيه كثيراً وأبذل جهوداً متواصلة في استيعاب وفهم مضامينه وتصوّراته وطريقة تناوله للمسائل التي يناقشها.
            وكان الشهيد الصدر يكثر الاستشهاد بآراء السيّد الطباطبائي ويهتمّ بطروحاته ويعتني بها عناية خاصّة بالتفسير حتّى إنه قال: (لو كان السيّد الطباطبائي في النجف لتتلمذت عليه ... ). وكان الشهيد الصدر يؤكّد في دروسه الأصوليّة عندما يشير إلى آراء المفسّرين عنايته بالطباطبائي وتفسيره بالرغم من أنّ التفسير لم يكن كاملاً بعد في تلك المدّة.
            يواصل السيّد الحيدري حديثه بهذا الصدد ويضيف سبباً آخر في توجّهاته الفلسفيّة هو عبارة عن دراسته في كلّية الفقه التي كانت النافذة التي أطلَّ منها على البحوث الفلسفيّة وغرست في نفسه حبّ الحكمة. كما أنّ العقليّة الجدليّة والانفتاح الفكري الذي تمتّع به السيّد الحيدري وما غرسه في نفسه أستاذه الشهيد الصدر هو أحد العوامل الأساسيّة التي جرّت السيّد الحيدري إلى الاهتمام بالدرس الفلسفي.

            مرحلة الكويت ودمشق

            ولمّا تأزّمت الأمور في العراق في نيسان عام 1980 واشتدّ بطش السلطات الحاكمة بالعلماء وطلبة الحوزات الدينيّة والشباب المتديّن بعد عمليّة المستنصريّة، بعدها مباشرةً بدأت الحملة الشرسة ضدّ العناصر المذكورة بتهمة أنّها هي التي قامت بعمليّة الجامعة المستنصريّة والتي جُرح فيها المدعوّ طارق عزيز، بدأت السلطة بالاعتقالات العشوائيّة الواسعة ثمّ تهجير كثير من المواطنين العراقيّين بحجّة أصولهم غير العراقيّة وتبعيّتهم لإيران ثمّ تبعها إعدام الشهيد السيّد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه فكان لابدّ من الحذر وأخذ الحيطة تجنّباً من الوقوع في قبضة السلطات الأمنيّة.
            يقول السيّد الحيدري: في مساء أحد تلك الأيّام تداولت في أمر الرحيل مع أخي المرحوم السيّد صاحب الحيدري وفكّرت كيف يمكنني الخروج من العراق واسمي ضمن قائمة الممنوعين ومؤشّر في كلّ السجّلات الخاصّة بالمنع، ولكن أخي السيّد صاحب بذل المستحيل من أجل استصدار جواز سفر لي وبذل مالاً وفيراً ووساطات عديدة، وفعلاً تمَّ ذلك وبالسرعة الفائقة واصطحبني معه بسيّارته الخاصّة إلى البصرة ثمّ إلى الحدود الكويتيّة - العراقيّة عن طريق مركز سفوان الحدودي، وبمساعدة أحد موظّفي الجمارك استطاع أن يختم الجواز بختم الخروج من دون أن يرجع إلى أيّ سجّل من سجلات المنع.
            وخرجت من العراق واستقرّ بيَ المقام في الكويت خاصّةً وأنّني كنت قد حصلت سابقاً على الإقامة في ذلك البلد الذي لم أمكث فيه سوى 45 يوماً، فقرّرت السفر إلى دمشق حيث مكثت فيها قرابة أربعة أشهر، ثمّ غادرتها إلى إيران عبر الأراضي التركيّة برّاً لأنّ الحرب العراقيّة - الإيرانيّة كانت قد بدأت والطائرات لم تكن متوفّرة حينها والمطارات الإيرانيّة كان أغلبها غير صالح لاستقبال الطائرات بسبب القصف العراقي لها.

            مرحلة قم المقدسة


            منذ الأيام الأولى من نزوله في مدينة قم المقدسة والسيد الحيدري لم يتوقف عن البحث والدرس وتحصيل العلم ونشره، وهو يقسِّم هذه المرحلة إلى قسمين:
            الأوّل: يتعلّق بالبحوث الفقهيّة والأصوليّة.
            والثاني: يتعلّق بالفلسفة والكلام والتفسير والعرفان.

            دراساته الفقهية والأصولية

            في المجال الأول (الفقه والأصول) حضر السيد الحيدري بحث الشيخ الوحيد الخراساني (فقاً وأصولاً) لمدة ست سنوات متتالية (أصولاً من مباحث الأصول العملية حتى آخر مباحث علم الأصول، وفقهاً جميع مباحث كتاب الصلاة)، وهو لا يزال يحتفظ بجميع تلك الدروس البالغ عددها (1400 درساً) على الأشرطة الصوتية، هذا مضافاً إلى أنّه قرّر من دروس الشيخ الخرساني الأصوليّة ما يعادل النصف أو الثلثين على شكل تقريرات موجودة لديه لم تطبع بعد.
            كذلك حضر السيد الحيدري عند الميرزا جواد التبريزي لما يقرب من ثلاث سنوات أكمل فيها بحث (المكاسب) وجزءاً من كتاب القضاء.

            دراساته الفلسفية والعرفانية والتفسيرية

            يورد السيد الحيدري هذه الحادثة التي أدّت به للاهتمام بمثل تلك الدراسات والتخصّص فيها فيقول:
            في زيارتي الأُولى لمشهد الإمام عليّ بن موسى الرضا دخلت الحرم المطهّر فوجدت الخدم يتهيَّئون لغسل الحرم الشريف، فأخرجوا الزائرين ليبدءوا عملهم. وفي هذه الأثناء ساورتني فكرة المشاركة مع هؤلاء الخدم في عملهم هذا، فطلبت من المسؤول أن أبقى معهم أعمل وقلت لهم إنّني أزور الإمام الثامن أوّل مرّة وقد جئت من كربلاء المشرّفة، فقبل المسؤول ذلك منّي وطلب أن لا أُظهر نفسي من بين الخدم، وأن أبدو وكأنّي واحدٌ منهم لكي لا يخرجوني ويُبعدوني عنهم.
            خرج الزوّار وأُفرغ الحرم إلاّ من الخدم الموكل إليهم أعمال التنظيف وأُتيحت لي فرصة مشاركتهم، وبعد الانتهاء من العمل كانت العادة أن يدعى جميع الذين اشتركوا في الغسل والتنظيف والتنظيم من الفرّاشين والخدم ليؤدّوا ركعتي صلاة في حضرة الإمام؛ لأنّه ليس بالمتيسّر أن يصلّي إنسان قرب الضريح لشدّة الزحام. والحمد لله استطعت في ظلّ ذلك الظرف وحالفني التوفيق لأداء ركعتي الصلاة قرب الضريح الشريف. فتوسّلت بالإمام بأن يرشدني إلى نوع الدراسة التي أدرسها في حوزة قم .. وخاطبته قائلاً: إنّني متحيّر ما الذي أفعله في هذا الصدد؟ وقد أحسست منذ تلك اللحظة وفي نفس ذلك المكان المقدّس أن دعائي قد استُجيبت ببركة الإمام عليّ بن موسى الرضا. فعدتُ إلى قم وأنا معتقدٌ كلّ الاعتقاد بأنّ الأمور ستسير لصالحي، ووجدت في نفسي ميلاً ورغبةً تشدّني إلى هذه المعارف (الفلسفة والعرفان والتفسير) حيث بدأت أواصل البحث والقراءة ومتابعة هذه الأفكار في مظانها ومصادرها في التراث الإسلامي دون كلل أو ملل منذ طلوع الفجر حتى آخر جزء من الليل ولم أحظ من النوم في الليل سوى ساعات قليلة. كنت أصغي للمحاضرات وأكتب التعليقات عليها، وكلّما مرّ زمن ازددتُ شوقاً واستلهاماً لهذه العلوم المعرفيّة.
            لقد أشرنا سابقا إلى أن السيد الحيدري درس في النجف بعض مباحث الفلسفة من كتابي (المنظومة) للسبزواري و (الأسفار الأربعة) لملا صدرا الشيرازي، وقد مثَّلت تلك الدروس بدايته الحقيقية في تعاطي الفلسفة، وعندما جاء إلى مدينة قم جعل تلك الدروس بمثابة الأرضيّة التي انطلق منها من جديد لدراسات أعمق وأوسع في هذا الجانب المعرفي. وكان لهذه الانطلاقة الجديدة أسلوبان: الأسلوب الأول هو الحضور المباشر في حلقات درس كبار أساتذة هذه العلوم في قم لمن شرع في إعطاء مثل تلك الدروس من أؤلئك الأساتذة. والأسلوب الثاني هو الاستماع إلى الدروس المسجَّلة على الأشرطة الصوتية، سواء لأساتذة انتقلوا إلى رحمة الله نظير الشيخ مرتضى مطهري والشيخ أنصاري شيرازي أو لأساتذة لا زالوا على قيد الحياة ممن يحضر الحيدري دروسهم بنحو مباشر وفي الفرض الأخير يكون بوسع السيد الحيدري التواصل مع أساتذته بعد سماعه لمحاضراتهم المسجَّلة.
            تجدر الإشارة إلى أن السيد الحيدري حين قدم إلى مدينة قم لم يكن يعرف اللغة الفارسية، ولكنه استطاع أن يتعلمها في فترة وجيزة وأعانه في ذلك نفس حضوره حلقات الدرس التي تعتمد لغة فارسية سيودها الكثير من الألفاظ العربية بل تكاد تكون لغة خليطة من اللغتين العربية والفارسية؛ ويعود سبب خلق هذه الظاهرة إلى تكوين الأساتذة أنفسهم الذين درسوا وقراءوا باللغة العربية مضافاً إلى كون متون تلك الدروس قد دوِّنت باللغة العربية مما جعل مهمة الاستماع إلى تلك الدروس أكثر سهولة ويسراً وفرصة لتعلم اللغة الفارسية.

            دراسة الفلسفة


            بدأ السيد الحيدري مشواره في الحقل الفلسفي بحضوره دروس شرح كتاب (الأسفار الأربعة) للملا صدرا الشيرازي عند الشيخ عبد الله جوادي آملي فقرأ عنده سبعة أجزاء كاملة (أصل الكتاب في النسخة المطبوعة تسعة أجزاء) شكَّلت تلك الدروس لب هذا الكتاب وجوهره وأصول أفكاره التي تتأسس عليها جميع مباحث الكتاب. ولقد عرفنا من السيد الحيدري أنه قد تنقل في أثناء تلك الدروس بين تسعة أساتذة لم يقتنع بجدوى حضور دروسهم.
            نعم، قرأ سماحته أيضاً الجزء الأول من (الأسفار الأربعة) (وهو الجزء الذي يحمل أهم الأسس الفلسفية لمدرسة الحكمة المتعالية) عند الشيخ حسن حسن زاه آملي الذي يعد من أهم أساتذة الدرس الفلسفي في قم والذي سيتابع السيد الحيدري حضور أبحاثه والاستماع إلى محاضراته كما سنشير بعد قليل.
            أما في مجال الاستماع إلى المحاضرات المسجَّلة، فقد أستمع السيد الحيدري إلى (544) شريط صوتي مسجَّل (كاسيت) للأستاذ أنصاري شيرازي (أحد أهم تلامذة العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي) في شرح المنظومة للسبزواري، وتعد هذه المحاضرات في العرف الحوزوي من أفضل شروح المنظومة وأوضحها.
            كما استمع سماحته إلى محاضرات الشيخ مرتضى مطهري في شرح الجزء الثالث من كتاب (الأسفار الأربعة) وعددها (111) شريطاً صوتياً.
            كما استمع سماحته إلى محاضرات الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي في شرح كتاب البرهان من كتاب (الإشارات والتنبيهات) (وعددها (100) شريط صوتي) للفيلسوف الإسلامي الكبير الشيخ الرئيس أبي علي ابن سينا (ت 427 ه-) بشرح الخواجه نصير الدين الطوسي (ت 672 ه-).
            هذا مضافاً إلى استماعه إلى (3500 شريط صوتي) شكَّلت دائرة معارف كبرى في المعرفة الفلسفية توزعت بين محاضرات عامة في معالجة بعض الإشكاليات والمواضيع الفلسفية وبين شروح لأهم المتون الفلسفية (ككتاب "الإشارات والتنبيهات" وكتاب "الأسفار الأربعة" وأمثالهما) لأساتذته الذين حضر حلقات درسهم بنحو مباشر كالشيخ عبد الله جوادي آملي والشيخ حسن حسن زاه آملي، مما خلق فرصة كبيرة وفريدة من نوعها للمقارنة والموازنة بين دروس هؤلاء الأساتذة السابقة ودروسهم الفعلية التي يحضرها السيد الحيدري والتي يستطيع من خلالها طرح أسئلته واستفسارته ومناقشاته بشأن تلك الدروس المسجَّلة.
            هذا ولا يفوتنا أن نذكر أن السيد الحيدري باشر أيضاً حضور دروس الشيخ حسن زادة آملي في شرح الجزء الثاني من كتاب (شرح الإشارات والتنبيهات) المتعلق بالطبيعيات، إلا أنه انقطع عن الحضور بعد ذلك لاعتقاده بعدم جدوى هذا الدرس طالما بقي أسيراً في جُلِّ معالجته لأبحاث هذا الموضوع العميق للمنهج القديم الذي تم تجاوزه في الأبحاث العلمية المعاصرة في الكثير من فقراته.

            دراسة العرفان النظري

            في حقل دراسات التصوف، والتي يصطلح عليها في أوساط الحوزات العلمية ب- (العرفان) توجد عدة كتب تمثِّل أهم المتون الدراسية الأساسية لتعلُّم الطلاب وتعرُّفهم على هذا الحقل الثري والخلَّاق في تراثنا الإسلامي، من أبرز تلك الكتبِ المتونُ التالية:
            - كتاب (الإشارات والتنبيهات) (تحديداً النمط الثامن والتاسع والعاشر) للشيخ الرئيس إبي علي ابن سينا (ت 427 ه-) بشرح الخواجه نصير الدين الطوسي (ت 672 ه-).
            - كتاب (التمهيد في شرح قواعد التوحيد) لصائن الدين علي بن محمد بن محمد ابن تركة الأصفهاني.
            - كتاب (مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم) لشرف الدين داود بن محمود بن محمد القيصري (ت 751 ه-) المشهور باسم (شرح فصوص الحكم).
            - كتاب (مصباح الأنس بين المعقول والمشهود في شرح مفتاح غيب الجمع والوجود) المعروف اختصاراً ب- (مصباح الأُنس) لشمس الدين محمد بن حمزة الفناري (ت 834 ه-).
            بالنسبة إلى الكتاب الأول فقد درسه السيد الحيدري عند الشيخ حسن حسن زاه آملي، وأما الكتب البقية فقد تلقها السيد الحيدري بالاستماع لدروس أساتذته المار ذكرهم كالشيخ جوادي آملي والشيخ حسن زاده آملي الذين وفر حضوره المباشر في درسهم الفلسفي فرصة لمتابعة استفساراته وتساؤلاته بشأن دروسهم المسجَّلة في شرح هذه الكتب.
            وقد توزعت تلك الأشرطة المسجلة بالنحو التالي:
            - الكتاب الثاني: (136 درساً) لأستاذه الشيخ جوادي آملي.
            - الكتاب الثالث: استمع في دراسته لدورتين كاملتين: دورة لأستاذه الشيخ جوادي آملي في (518) شريطاً صوتيّاً، ودورة لأستاذه الشيخ حسن زادة آملي في (475 (شريطاً صوتيّاً.
            - الكتاب الرابع: (186 درساً) لأستاذه الشيخ حسن زادة آملي، وهي سلسلة دروس لم تستوعب جميع مباحث الكتاب، بل لا يُعلم حتى الآن من درَّس هذا الكتاب كاملاً.

            دراسة تفسير القرآن الكريم:

            أمّا في حقل تفسير القرآن الكريم فقد تفرغ سماحته طيلة السنوات التي حضرها عند أستاذه الشيخ جوادي آملي إلى سماع ما يربو على (1200) درساً تفسيرياً كان لتواصله اليومي مع أستاذه الآملي دوراً مهماً في استيعاب مضامينها والكشف عن أسرارها وخفاياها.

            بدايات التدريس في الحوزة العلمية في قم وريادة الحقل الفلسفي

            لقد كان ولابد لحصاد تلك السنين المديدة من القراءة والدرس والبحث أن يُأتي أكله يوماً ما بأن يوضع بين يد طلاب وفضلاء الحوزة العلمية ليستفيدوا منه .. وهذا ما حصل فعلاً منذ مطلع عام 1411 ه- حيث بدأ السيد الحيدري بإلقاء دروسه في مواد الفقه والأصول والمنطق والفلسفة في مدرسة السيد الگلپايگاني.
            لقد حدثنا السيد الحيدري في أحد المرات عن أستاذه السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) أنه كان يقول: (إنني أحسّ الآن أنّني ممتلئ علمياً وأُريد أن أفيض)! لعل هذه الكلمة التي قالها الأستاذ تكاد تنطبق بنحو حرفي على تلميذه الحيدري في هذه المرحلة من حياته العلمية، وهذا أمر لا يحتاج إلى مزيد تعليل فطبيعة دورة الحياة تسير بهذا الاتجاه .. اتجاه توقف التلقي العلمي المباشر من خلال الحضور اليومي لحلقات الدرس لصالح حالة جديدة يمثلها النظر والنقد والحوار البنَّاء والموازنة العلمية الصارمة بين الأفكار مع إلقاء المحاضرات والدروس ومباشر تعليم الأجيال الصاعدة.
            قلنا إن الحيدري بدأ درسه في عام (1411 ه-) في مدرسة السيد الگلپايگاني ولكن علينا الآن أن نستدرك لنضيف أن هذا الدرس سرعان ما تم إيقافه بنحو فجائي والحيدري ما يزال في منتصف درسه (الذي كان موضوعه فلسفياً وقتها)!! لتبلغه إدارة المدرسة أن الواقف لا يسمح بتدريس الفلسفة في مكانه هذا! وكان الأمر يحمل من الصرامة حداً أن جعل إدارة المدرسة ترفض طلبه بإعطائه مهلة أسبوع واحد يجد فيه وتلامذته مكانا آخر للتدريس. لم يعلل هذا الموقف يومها ولم تقدم أية إيضاحاتٍ أخرى بشأنه .. فالمسألة بالنسبة للطرف الآخر كانت بهذه البساطة: لا تعط درساً للفلسفة في مكان تابع لنا! ولكن وكما قيل قديماً: (رُبَّ ضارةٍ نافعة)! فما هي إلا أيام و «مكتب الإعلام الإسلامي» (أكبر مركز في قم على الإطلاق في تسجيل وتوزيع ونشر الأشرطة الصوتية في جميع أنحاء العالم) يتصل بالسيد السيد الحيدري - بعد أن سمع الخبر - بأنهم قد هيَّئوا مكاناً له يمكنه أن يدرِّس طلابه فيه. وها هو الحيدري الذي بات يبحث عن مكان يلقي فيه دروسه أصبح اليوم يتولى أكبر مراكز قم ليس فقط تمكينه من قاعة ليدرِّس فيها تلامذته ومحبيِّ أفكاره بل وتسجيل تلك الدروس والمحاضرات وتوزيعها ونشرها في أوسع نطاق ممكن داخل أوساط الحوزات العلمية في الحواضر الشيعية وخارجها، لتشكل تلك التسجيلات الصوتية عالماً جديداً ينفتح عليه السيد الحيدري بكلمته وأفكاره ومناقشاته يُولِد أجيالاً من طلاب الحوزات العلمية والجامعات الأكاديمية ومحبي العلم والمعرفة من الباحثين في كل مكان. إنها سابقة يعترف بها الجميع للسيد الحيدري يوم لم يكن من درس يُقدَّم في قم باللغة العربية سوى محاضراته ودروسه التي يتلقفها الباحثون عن دروس العربية، سواء من قبل طلاب الحوزة العرب أو غير العرب من يعشق اللغة العربية ويختارها لغة له في تحصيل العلم والمعرفة.
            ناهيك عن أن دروسه في تدريس تفسير القرآن الكريم ومباحث الفلسفة والعرفان تعد باكورة هذه الحقول المعرفية في اللغة العربية في الحوزة العلمية فلا غرو إذا ما قلنا إن الحيدري يعد بحق رائد الدرس الفلسفي باللغة العربية في حوزة قم المقدسة وباني صرحه الكبير، وهذا إنجازٌ لم يتوفر عليه الكثيرون ممن جايل السيد الحيدري أو سبقه في حوزتها. وهذه المهمة التربوية التي أخذها على عاتقه الحيدري في إنشاء جيل يهتم بتكوينه الفلسفي والعقلي الجاد هي التي حملته على رفض الكثير الدعوات التي تقدمت بها الكثير من الجامعات العربية والأجنبية ليدرس في أقسامها في حقول الفلسفة وعلم الكلام والتصوف وقد يكون في النابهين من طلابه من يقوم اليوم بهذه المهمة نيابة عنه.

            -------
            (11) هو الملاّ هادي بن مهدي السبزواري المتوفّى 1289ه-، له أرجوزة أو منظومة في الفلسفة «غرر الفوائد» وله شرح يُعرف بين طلاّب الحوزة بشرح المنظومة، وهذا أشهر من «غرر الفوائد»، لخّص في منظومته آراء بعض الفلاسفة.
            انتهى نقلا من القرص

            تعليق


            • #7
              جزاكم الله الف خير

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة السيد الكربلائي
                جزاكم الله الف خير
                حياكم الله سيدنا شرفتمونا

                مضافا الى ما تقدم ننقل لكم نص كتاب
                قراءة في السيرة والمنهج‏ (موجود في القرص)
                المؤلف:الدكتور حميد مجيد هدو
                الناشر:مؤسسة الهدى‏
                مكان الطبع:قم‏
                تاريخ الطبع:1431 هـ
                الطبعة:الأولى‏

                وهو كتاب خاص بالحياة العلمية للسيد الحيدري

                تجدونه في المرفقات
                الملفات المرفقة

                تعليق


                • #9
                  نسأل الله أن يجعل ثواب هذا العمل في ميزان حسناتكم

                  تعليق


                  • #10
                    جزاكم الله الف حير في موازين اعمالكم

                    تعليق


                    • #11
                      [QUOTE=alyatem][SIZE=20px] الدرس الفلسفي في النجف
                      نشكركم اخي العزيز على هذا الموضوع الشيق والسيرة العطرة لرمز من رموز الحوزة العلمية جزاك الله حيرا .

                      تعليق


                      • #12

                        تعليق


                        • #13
                          جزاكم لله كل خير ،،،

                          تعليق

                          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                          حفظ-تلقائي
                          x

                          رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                          صورة التسجيل تحديث الصورة

                          اقرأ في منتديات يا حسين

                          تقليص

                          لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                          يعمل...
                          X