بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين
كنت قد كتبت بحثا حول العصمة في هذا المنتدى وقد نال على رضى واستحسان بعض الاخوة جزاهم الله خيرا ولكن البحث كان على شكل حلقات متفرقة متشتتة فارتأيت ان اجمعها تحت عنوان واحد تسهيلا للقارئ الكريم.
بحث العصمة -الحلقة الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالين والصلاة والسلام على اشرف الخلق اجمعين ابي القاسم محمد وال بيتهالطيبين الطاهرين
بحثنا في العصمة وذنا البحث من اهم المباحث الكلامية والتفسيرية والحديثية ولهذا نجد اهتمام العلماء به قديمولانه صار محلا للكثير من الشبهه حاولنا بيا ن هذه العقيدة بشئ من التفصيل وعلى شكل حلقات
الحاقة الاولى :تعريف العصمة لغة واصطلاحا:
فهي لغة بمعنى المنع والامساك قال ابن فارس :عصم له اصل واحد يدل على امساك ومنع من ذلك ان يعصم اللهتعالى عبده من سوء يقع فيه وبهذا المعنى ورد في لسان العرب لابن منظور ج12 ص403 وتاج العروس ج8 ص398 والصحاح ج5 ص1986 مادة عصم ز وقد استعملتى في القران الكريم على لسان ابن نوح[قاللا ساوي الى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من امر الله]وايضا في قوله تعالى [ واعتصموا بحبل الله جميعا ]
فان قيل بحسب ما سبق وهو ان العصمه هي بمعنى المساك والمنع فاذا ليس لها معنى واحد؟
اجبناه:بان التمسك اخص من المنع وهذا ما اشار اليه الراغب في مفرداته ص569 والامر بينهما دقيق تلاحظون لو ان احدا اراد ان يقع من مكان عال ومنعه شخص فيقال منعهلاكن ان مد يده وامسكه كان هذا المنع اخص من ذلك المنع الذي ليس فيه مسك.
واما العصمة في الاصطلاح:
فقدة عرفها الشيخ المفيد رحمه الله في النكت الاعتقادية ص37 ضمن مصنفات الشيخ المفيد
ج10[العصمة لطف يفعله الله بالمكلف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليهما .]
وعرفها العلامةالحلي رحمه الله في الباب الحادي عشر ص37 [العصمة لطف بالمكلف بحيث لا يكون له داع الى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك .]
وكذا عرفها د.عبد الرحمن عميرة في تعليقته على شرح المقاصد ج5 ص50 قال :[العصمة ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها.]
وبالامعان في التعاريف المذكورة يتضح دفع شبهة ان العصمة تسلب الاختيار عن صاحبها فلا يقدر معها على ارتكاب المعصية ومعه لا تصبح فضيلة ومكرمة ؟
والجواب: ان العصمة لا تسلب الاختيار عن الاانسان باي معنى فسرت وعلى كل تقدير فالانسان المعصوم مختار في فعله فادر على الفعل والترك وتوضيح ذلك بالمثال :ان الانسان العاقل الواقف على وجود الطاقة الكهربائية في الاسلاك المنزوعة من سلكها لا يمسها كما ان الطبيب لا ياكل م سؤر المجذومين لعلمهما بعواقب فعلهما وفي الوقت نفسه يرى كل منهما نفسه قادرا على ذلك الفعل بحيث لو اغمض عينه عن حياته وهيئ نفسه للمخاطرة لفعل م يتجنبهلا كنهما لا يقومان به لحبهما لحياتهما .
فالمعصوم لا يعصي لا لعدم قدرته على ارتكاب المعصية بل لعلمه بعاقبة الامور كالوالد العطوف لا يقدم على قتله ولده مع قدرته على ذلك.
العصمة الحلقة الثانية
قال تعالى واصفا الملائكة [عليها ملائكة غلاض. شداد لايعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يامرون]
وقال عز من قائل واصفا القران الكريم[لاياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد]
تاريخ ظهور الفكره عند المسلمين
ان الامعان في الايات السابقة يدلنا بوضوح ان فكرة العصمة بمفهومها البسيط قد طرحها القران الكريم والفت نظر المسلمين اليها من دون حاجة الى اخذ هذه الفكرة من الاحبار والرهبان وبذلك يظهر ان مبدا ظهور فكرة العصمة في الامة الاسلامية هو القران الكريم لا غير نعم ان الموصوف بها في هذه الايات هو الملائكة والقران الكريم والمطروح عند علماء الكلام هو عصمة الانبياء والائمة لاكن الاختلاف في الموصوف لا يضر بكون القران هو مبدا هذه الفكرة لان المطلوب هو الوقوف على منشا تكون هذه الفكرة ثم تطورها عند المتكلمين على ان القران طرح فكره عصمة النبي في غير واحدة من اياتهكما سيوافيك ويكفيك في المقام قوله تعالى [ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ]فترى ان الايتين تشيران بوضوح الى ان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن ميول نفسانية وان ما نطق به وحي القي في روعه ومن لا يتكلم عن الميول النفسانية ويعتمد في منطقه على الوحي يكون مصونا من الزلل في المرحلتين مرحلة الاخذ والتبليغ وقد نرى جذور عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في كلام الامام علي عليه السلام حيث يصف النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبه القاصعة بقوله[ولقد قرن الله به من لدن ان كان فطيما اعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن اخلاق العالم ليله ونهاره]
فما ذهب اليه المستشرق رونالدسن من نسبة فكرة العصمة الى تطور علم الكلام عند الشيعة في القرن الرابع الهجري ليس بسديد.
ومما يدل عليه بوضوح ورود فكره العصمة بمعناها المصطلح عند المتكلمين في روايات شيعية من القرن الاول والثاني الهجري كالرواية عن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام كما في رواية الفضل بن شاذان الطويلة [وكان الصانع متعاليا عن ان يرى وكان ضعفهم وعجزهم عن ادراكه ضاهرا لم يكن بد من رسول بينه وبينهم معصوم يودي اليهم امره ونهيه ]البحار ج11 ص40
2-وكذلك رواية عمارة عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السلام قال:[ان ايوب ابتلي سبع سنين من غير ذنب وان الانبياء لا يذنبون لانهم معصومون مطهرون لا يذنبون ولا يزنون ولا يرتكبون ذ نبا صغيرا ولا كبيرا ]البحار ج12 ص348
العصمة الحلقة الثالثة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق اجمعين ابي القاسم محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين
مازال الكلام في بحث العصمة ووصل بنا الكلام الى بيان وتحرير محل النزاع بين المذاهب الاسلامية فنقول وعلى الله التكلان:
للعصمة حدود ومراتب يمكن اجمالها بالتالي:
1-العصمة في الاعتقاد الديني
2-العصمة في اخذ الشريعة وتبليغها الى الناس
3-العصمة في العمل بالاحكام الالهية من الاتيان بالواجبات وترك المحرمات
4-العصمة عن الخطا في موضوعات الاحكام الشرعية وتحديد المصالح والمفاسد ويلحق بها العصمة عن الخطا والنسيان
ولناتي الى كل واحدة من هذه المراتب لنعرف ونحدد محل النزاع:
العصمة في الاعتقاد الديني :
لا خلاف في عصمة الانبياء عليهم السلام في الاعتقاد الديني فهم كانوا معصومين من الشرك والكفر بعد النبوة وقبلها لم يخالف فيه احد الا الازارقة فانهم يجيزون صدور المعصية عن النبي قبل البعثة وعندهم كل معصية كفر فيجوز ان يكون كافرا وك>لك ابن تيمية يجوز ان يكون النبي كافرا قبل البعثة كما ذكر ذلك في مجموع الفتاوي ج15 ص29 [قوله سبحانه {قال الملا الذين استكبروا من قومه لنخرجنك ياشعيب والذين امنوا معك من قريتنا او لتعودن في ملتنا قال اولوا كنا كارهين قد افترينا على الله كذبا }ضاهره دليل على ان شعيبا والذين امنوا معه كانوا على ملة قومهم لقولهم اولتعودن في ملتنا ولقول شعيب انعود فيها ولو كنا كارهين ولقوله قد افتريتل على الله كذبا ان عدنا في ملتكم فدل على انه كان فيهاولقوله بعد اذ نجانا الله منها فدل على ان الله اندجاهم منها بعد التلوث بها]
2- العصمة في اخذ الشريعة وتبليغها الى الناس :
لا خلاف ايضا في عصمة الانبياء في تلقي الوحي وابلاغه الى الناس فالنبي لا يخطا في تلقيه فيما يتلقاه من الاحكام والمعارف الالهيه ولا يكذب عمدا او سهوا في ابلاغ ذلك ولا يعرضه سهو ولا نسيان في ذلك وانما نسب الى الباقلاني تجويز الخطا في تبليغ الشريعة سهوا زعما منه ان المعجزة تدل على صدقه فيما قصد تبليغه لا مطلقا وقال بعضهم : ان الباقلاني لا ينكر العصمة في التبليغ ولاكنه يقول ان دليلهم لا يثبت العصمه في التبليغ مطلقا بل ان الدليل هو الاجماع والنصوص لا المعجزة.
ولاكنا نجد ان من المتاخرين من جوز الخطا والسهو على النبي في تلقي الوحي وتبليغه واجازوا تدخل الشيطان في الوحي منهم ابن باز فيذكر في موقعه الاليكتروني في قسم الفتاوي العقائدية قال:[القاء الشيطان في قرائته صلى الله عليه وسلم في ايلت النجم وهي قوله افرايت اللات والعزى شئ ثابت بنص الاية في سورة الحج وهي قوله سبحانه {وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم اياته والله عليم حكيم }فقوله سبحانه {الا اذا تمنى }ا يتلى وقوله {القى الشيطان في امنيته} اي في تلاوته.
فان قيل ان كثير من علماءهم قد انكر الحديث ؟فلنا الحديث صحيح عندهم بشهادة كبار علمائهم مثل:
ويقول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج8 ص561 حققه الشيخ ابن باز فيقول بعد كلام طويل يحمل به على ابي بكر ابن الوبي والقاضي عياض بسبب تضعيفهم الحديث [وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا، وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض، وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله: "ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه صلى الله عليه وسلم أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس منه، وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته - وقد سلك العلماء في ذلك مسالك.
ثم يذكر وجوها لتوجيه الحديث.
2-سليمان بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الوهاب –وهو حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب –في شرح كتاب جده التوحيد بقوله بشان حديث الغرانيق في كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ص219:[وهي قصة مشهورة صحيحة رويت عن ابن عباس بطرق بعضها صحيح ورويت عن جماعة من التابعين باسانيد صحيحة منهم عروة وسعيد ابن جبير وابو العالية وابو بكر بن عبد الرحمن وعكرمة والضحاك وقتادة ومحمد بن كعب القرضي ومحمد بن قيس والسدي وغيرهم]
وليس ابن باز الوحيد القائل بهذا القول الخطير بل هناك العديد من علمائهم منهم :
ورد في تفسير الطبري ج17 ص186{في تفسير وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا انا تمنى فالقى الشيطان في امنيته }قال :[قيل ان السبب الذي من اجله نزلت هذه الاية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الشيطان كان قد القى لسانه في بعض مما يتلوه مما انزل الله عليه من القران ما لم ينزل ه الله عليه فاشتد ذلك على رسول الله واغتم فسلاه الله مما به من ذلك بهذه الايات
ويقول السيوطي عن كلام ابن جرير الطبري :[واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم وابن مردويه بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة والنجم فلما بلغ هذا الموضع افرايتم اللات والعزى ومنة الثالثة الاخرى القى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى
ويقول الالوسي في تفسير روح المعاني ج10 ص264 دار الفكر بيروت:[وذهب الى صحة القصة ايضا خاتمة المتاخرين الشيخ ابراهيم الكوراني ثم المدني وذكر بعد كلام طويل انه تحصل مكن ذلك ان الحديث اخرجه غير واحد من اهل الصحة وانه رواه بسند سليم متصل عن ابن عباس وبثلاث اسانيد صحيحة عن ثلاثة من التابعين من ائمة الاخذين عن الصحابة وهم سعيد بن جبير وابو بكر بن عبد الرحمن وابو العالية
وغيرهم كثير ولولا خوف الاطالة لذكرت اخرين.
اذا هناك العديد من علماء اهل الاسنة والجماعة ينفون عصمة النبي في التبليغ.
العصمة الحلقة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق اجمعين ابي القاسم محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين
مازال الكلام اخوتي في بحث العصمة وقد تبين مما سبق ان الانبياء معصومون في عقائدهم قبل البعثة وفي التبليغ لم يخالف احد في ذلك الا القليل القليل امثال الازارقة وابن تيمية في الاول وابن باز وامثاله في الثاني فاذن المرتبيان الاوليتان للعصمة ليستا هما محل النزاع وانما هو المرتبتان التاليتان كما سيتضح:
3-العصمة في العمل بالاحكام الالهية من الاتيان بالواجبات وترك المحرمات:
الاقوال:
1-جمهور المسلمين على العصمة عن الكبائر مطلقا والصغائر عمدا لا سهوا قال التفتزاني في شرح المقاصد ج5 ص50 {والمذهب عندنا منع الكبائر بعد البعثة مطلقا والصغائر عمدا لا سهوا}
وقال القوشجي في شرح التجريد ص359{والمذهب عند محققي الاشاعرة منع الكبائر وزالصغائر الخسيسة عمدا لا سهوا .وذهب امام الحرمين من الاشاعرة وابو هاشم من المعتزلة الى تجويز الصغائر عمدا}
2-العصمة من الكبائر والصغائر مطلقا وهذا مختار الامامية والمحققين من المعتزله والاشاعرة وان كان جمهورهم على القول الاول ونحن سوف لا نستشهد بكلام علماء الامامية لان امرهم اعزهم الله ظاهر بل نكتفي بذكر اقوال بعض علماء السنة الذين وافقوا الشيعة في امر العصمة فيذكر صاحب النبراس ص 452 راي جمهرهم ويناقشه بقوله:[هذا مذهب اكثر الاشاعرة واكثر المعتزلة وبعض المشايخ على المنع فدعوى الاتفاق محل نظر وقال القاضي عياض ذهب طائفة من محققي الفقهاء والمتكلمين الى العصمة من الصغائر كالعصمة من الكبائر للاختلاف في الصغائر واشكال تمايزها عن الكبائر ولان المعلوم من السلف الاقتداء بكل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم والاحتجاج به]
قال الزرقاني المالكي في شرح المواهب اللدنيه عن النبي صلى الله عليه واله وسلم :انه معصوم من الذنوب بعد النبوة وقبلها كبيرها وصغيرها وعمدها وسهوها على الاصح في ظاهره وباطنه سره وجهره جده ومزحه رضاه وغضبه كيف وقد اجمع الصحب على اتباعه والتاسي به بكل ما يفعله وكذلك الانبياء وقال السبكي[ اجمعت الامة على عصمة الانبياء فيما يتعلق بالتبليغ وغيره من الكبائر والصغائر الخسة والخسيسة والمداومة على الصغائر وفي صغائر لا تحط من رتبتهم خلاف ذهب المعتزله وكثير من غيرهم الى جوازها والمختار المنع لانا امرنا بالاقتداء بهم فيما يصدر عنهم فكيف يقع منهم ما لا ينبغي ومن جوزه لم يجوز بنص ولا دليل .]شرح المواهب اللدنية فبالمنح المحمدية ج5 ص314
اذان محل الخلاف بين الجمهور وبين الشيعة ومن تابعهم من اهل السنة هو وقوع الصغائر غير الخسيسة والتي لا تحط من رتبتهم .
وقال علي القاري في شرح الفقه الاكبر ص48-49 في ذيل كلام ابي حنيفة :[والانبياء عليهم السلام كلهم منزهون عن الصغائر والكبائر هذة العصمة ثابتة للانبياء قبل النبوة وبعدها على الاصح.]
كذلك قال صاحب النبراس ص454:[المذكور من كلام الشارح ٍ{التفتزانيِ} هو مذهب عامة المتكلمين وخالفهم جمهور جم من العلماء فذهبوا الى العصمة عن الصغائر والكبائر قبل الوحي وبعده وهو مختار ابي المنتهى وشارح الفقه الاكبر والشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي وقال بعض المشايخ :زلات الانبيلء بسبب زيادة قربهم مالى الله سبحانه وفي تفسير النسفي ا نائمة سمر قند لا يطلقون اسم الزلة على افعال الانبياء لانها نوع ذنب ويقولون فعل الفاضل وترك الافضل فعوتبوا عليه لان ترك الافضل منهم كترك الواجب من الغير فان قيل هذه العصمة مذهب الشيعة قلت اولا لا باس بالاتفاق الاتفاقي اذ مقصود المشايخ اتباع الحق لا وفاق الشيعة .وثانيا ان بين الفريقين بعد المشرقين لان الشيعة على تجويز الكفر تقية -[ملاحظة هنا المصنف خرج عن جادة الحياد واظهر مكنونات نفسه على الشيعة او تكون صادرة من جهل بعقائد الشيعة وهذه عقائد وكتب الشيعة دونك فهل يدلنا احد اين جوز الشيعة اظهار الكفر من الانبياء والاوصياء عليهم السلام وقد يكون منشا هذا اللبس هو تجويز اضهار الكفر تقية من غير الانبياء والائمة لاكن هذا عليه عموم المسلمين ودونك قصة عمار بن ياسر]-.
ويستمر صاحب النبراس قائلا:ان قلت ذكر بعض الفقهاء ان من ذهب الى عصمة الانبياء عن المعاصي فهو كافر لانه رد النصوص كقوله تعالى {وعصى ادم ربه فغوى }واستدل بعضهم على كفر الشيعة بها اجيب بان الحق سبحانه وتعالى سمى ترك الافضل منهم معصية لعلو شانهم وعظم رتبتهم ولا تجوز هذه التسمية من غيره لان الملك اذا عاتب وزيره بخطاب خشن لم يجز للسوقي لنم يخاطبه بذلك الاسم .]
ومن المتاخرين .قال الشيخ احمد بن محمد الخليلي –وهو المفتي العام لسلطنة عمان -:ذهب اصحابنا الى انهم معصومون من الكبائر والصغائر حال النبوة وقبلها وهو يتفق مع ما نسي الى اكثر المعتزلة من ان عصمتهم من وقت البلوغ ونسب الفخر الى الرافضة:{انهم معصومون من الميلاد} وهذا هو اللائق بمقام المختصين بالاصطفاءالالهي ]
ومما تقدم اتضح بصورة تامة لا شك فيها ان جمهور المسلمين على عصمة الانبياء عن الكبائر سهوا وعمدا وعن الصغائر الخسيسة كذلك وعن تعمد البقاء على الصغائر فمحل الخلاف هو خصوص صدور الصغيرة التي لاتضر بمقام النبوة واما ما يسوق له هذه الايام الوهابيون من ا ناهل السنه لايقولون الا بالعصمة في التبليغ فقد اتضح كذبه وهذه نصوص القوم دونك بل ان ما يدعونه من عدم عصمتهم عليهم السلام هو في الحقيقة قول سلفهم من الحشوية المجسمة يقول التفتزاني شارح المقاصدج5 ص50{والجمهور على وجوب عصمتهم عما ينافي مقتضى المعجزة وقد جوزه القاضي سهوا زعما انه لايدخل في التصديق المقصود بالمعجزة وعن الكفر وجوزه الازارقة وكذا عن تعمد الكبائر بعد البعثة وجوزه الحشوية اما لعدم دليل الامتناع واما لما سيجئ من شبه الوقوع وكذا عن الصغائر المنفرة لاخلالها بالدعوة الى الاتباع.]
اذن ما يسوق له الوهابيون اليوم هو امتداد لما ذكره اسلافهم.
العصمة الحلقة الخامسة
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق اجمعي نابي القاسم محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين
لقد ذكر العلماء الكثير من ادلة العصمة سونرد بعضها وسنبدا بالادلة العقلية:
الادله العقلية على العصمة:
الدليل الاول :ما دل من الكتاب والسنة على وجوب الانقياد والطاعة للنبي صلى الله عليه واله وسلم طاعة مطلقة غير مقيدة كقوله تعالى [ومن يطع الله ورسوله فاولائك مع الذين انعم الله عليهم من الصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولائك رفيقا]وقوله تعالى [قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل اطيعوا الله والرسول فان تولوا فان الله لا يحب الكافرين]وقوله تعالى [ من يطع الرسول فقد اطاع الله ] وقال[من يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فاولائك هم الفائزون ]
فاذن اوامر صريحة بوجوب طاعة النبي صلى الله عليه واله وسلم طاعة مطلقة لا مقيدة كما لو قلت لاحدهم عليك باطاعة زيد في الفعل الكذائي او في الوقت الكذ ائي كاطاعة الوالدين فانها مقيدة بما اذا امروك بالكفر والعصيان لله تعالى .
ومن وجبت طاعته طاعة مطلقة بلا قيد ولا شرط وجب ان يكون معصوما من العصيان ومصونا من الخطا والزلل وعبارة اوضح:ان دعوة النبي تتحقق بامرين 1- القول 2-العمل وعند ذلك فلو كان كل ما يدعو اليه النبي صلى الله عليه واله وسلمبقوله وعمله صادقا ومطابقا للواقع غير مخالف قيد شعرة لصح الامر بالاقتداء به وان طاعته هي طاعة الله سبحانه كما قال [من اطاع الرسول فقد اطاع الله ]واما لو كان بعض ما يدعو به باللفظ او بالعمل على خلاف الواقع وعلى خلاف ما يرضى به سبحانه فيجب حينئذ تقييد الدعوة الى طاعته بقيد يخرج هذة الصورة فالحكم بوجوب طاعته على الاطلاق بكشف عن ان اوامره وافعاله مطابقة للواقع. فان النبي حجة الله سبحانه وتعالى على خلقه والخلق ايضا ان انقادوا لهذا الامام وامتثلوا اوامره وطبقوا احكامه واخذوا بهديه وسيرته سوف يحتجون على الله سبحانه وتعالى بهذا النبي صلى الله عليه واله وسلم اذن النبي حجة الله سبحانه على خلقه وحجة للخلائق اذا كانوا مطيعين له ولهذا صار قول النبي وفعله وتقريره حجة والا ماهو سبب حجية السنة؟
فجميع افعال النبي صلى الله عليه واله وسلم وحركاته وحالاته يجب ان تكون بحيث لو ان احدا اقتدى به في تلك الحالات او الاقوال يمكنه ان يحتج عند الله تعالى عندما يسال لماذا فعلت هذا؟
وهذا الدليل استدل به العديد من علماء السنه القائلين بالعصمة المطلقة كما مر قول الزرقاني المالكي في المواهب اللدنيه ومما يؤيد هذا ما ورد من قصة شهادة خزيمة وهي :ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اشترى منة اعرابي فرسا ثم ان الاعرابي انكر البيع وليس هناك من شاهد فاقبل خزيمة بن ثابت ففرج الناس بيده حتى انتهى للنبي صلى الله عليه واله وسلم فقال:اشهد يارسول الله لقد اشتريته فقال الاعرابي اتشهد ولم تحضرنا؟-سؤال وجيه لان الشهادة يجب ان تكون عن علم وقال النبي صلى الله عليه واله وسلم اشهدتنا؟قال لا يارسول الله افنصدق بما جئت به من عند الله ولا اصدقك على هذا الاعرابي الخبيث؟قال فعجب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقال ياخزيمة شهادتك شهادة رجلين .
فمن هذه القضية نفهم ان الصحابة عرفوا رسول الله صلى الله عليه واله بانه لا يكذب ولا يدعي مال الغير بلا دليل وكذلك تدل عذه الرواية على ان النبي صلى الله عليه واله وسلم لا يسهو ولا ينسى والا اما كان خزيمو يحتمل ان النبي صلى الله عليه واله وسلم مشتبه او انه قد سهى او نسى فهو رضي الله عنه لم يحتمل ذلك ولو احتمالا بسيطا .
وايضا مما يؤيد ذلك ا ناهل السنه انفسهم يدعون ويروون عن ابي هريره انه قال لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم اني سمعت منك حديثا كثيرا فانسه فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ابسط ردائك فبسطته فغرف بيديه فيه ثم قال اضممه فضممته فما نسيت حديثا بعده [يرويه ابن سعد في الطبقات ج2ص362 والذهبي في سير اعلام النبلاء ج2ص595 والحافظ ابن حجر في فتح الباري ج1ص174 فهل من عاقل مسلم يشك في ثبوت ذلك لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
الدليل الثاني :ان الله سبحانه وتعالى قد اثبت العصمة للملائكة فقال [عليها ملائكة شداد غلاظ لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون ]والانبياء خير من الملائكة باتفاق اهل الملة فيجب ان يكونوا معصومين.
الدليل الثالث:وهو ما يعرف بدليل التضاد:
لا شك ان المكلفين يجب عليهم اتباع النبي وهذا ما يدل عليه العقل الصريح ويرشد اليه الوحي هذا من جانب ومن جانب اخر ان العقل والشرع متفقان على حرمة اطاعة احد في معصية الله تعالى فاذا امر النبي صلى الله عليه واله وسلم بفعل او نهى عنه ولم يكن معصوما من المعصية فيحتمل انه امر بما هو محرم واقعا وعلى هذا يلزم التكليف بالمتقابلين والجمع بينهما في امر واحد مستحيل .
وبعبارة اوضح :ان النبي لو لم يكن معصوما لجاز ان يعصي وهنا لو فعل فعلا مخالفا للواقع ونحن لا نعلم انه مخالف فحينئذ سوف يجب علينا اتباعه لاننا مامورون باتباعه ويحرم علينا اتباعه لانه محرم فيلزم التكليف بالمتقابلين وهما الوجوب والحرمة وهذا محال لانه تكليف بما لا يطاق.
بحث العصمة الحلقة السادسة
ما زال الكلام اخوتي في بحث العصمة وبعد ان تم بيان ماهية العصمة وادلتها ناتي لذكر مفارقة عجيبة وغريبة عند اخوتنا اهل السنة والجماعة فهم في الوقت الذي يثبتون العصمة لغير النبي صلى الله عليه واله وسلم من خلفاء وسلاطين وان بعض الخلفاء كان مسدد لدرجة ان ملكا كان ينطق على لسانه ينفونها عن النبي صلى الله عليه واله وسلم ويجيزون عليه الاجتهاد والخطا فلنقرا بعض نصوصهم في هذا المجال]:
1-يقول الذهبي في سير اعلام النبلاء ص90[ومن تتبع رخص المذاهب وزلات المجتهدين فقد رق دينه كما قال الاوزاعي وغيره :من اخذ بقول المكيين في المتعة والكوفيين في النبيذ والمدنيين في الغناء والشاميين ف عصمة الخلفاء فقد جمع الشر]انتهى.
اقول:انظر سلمك الله ان الشاميين يقولون بعصمة الخلفاء مطلقا ولا استبعد ان منشا هذه العقيدة هم بنو امية.
2-الصحابي طارق بن شهاب كان يتحدث ان الخليفة الثاني كان ينطق على لسانه ملك ومن المعلوم والمتفق عليه عصمة الملائكة فيكون الخليفة معصوم طبعافقدذكر ذلك الامام ابي عبد الله احمد بن حمبل -حققه واخرج احاديثه وصي الله بن محمد عباس -ج1ص323 رقم الحديث 341 يقول:[حدثنا عبد الله قال حدثني ابي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة بن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال كنا نتحدث ان عمر بن الخطاب ينطق على لسانه ملك]
يقول المحقق:[اسناده صحيح واخرجه الفسوي في تاريخه ج1ص456 والطبري في الكبير ج8 ص384 من طريق شعبه مثله وذكره ابن الجوزي في تاريخ عمر ص286 وابن كثير في البداية والنهاية ج6 ص201و طارق بن شهاب من الصحابه فقد اثبت ابو داوود وبن حجر والذهبي وغيرهم رؤيته للنبي دون السماع وقد تحقق بسند صحيح رواه احمدفي المسند ج31 ص125 تحقيق الارنؤط.
3- السنه لابي بكر احمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال -المجلد يشتمل على ثلاثة اجزاء-دراسة وتحقيق الدكتور عطية بن عتيق الزهراني -ص307 قال:[اخبرني محمد بن عمر بن مكرم قال حدثنا ابراهيم بن هانئ قال سمعت بشر بن الحارث يقول:رفع الخطا عن ابي بكر وعمر ]
وقال المحقق اسناده صحيح.
وقائل هذا القول هو بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء المروزي الامام العالم الزاهد الرباني القدوة شيخ الاسلام ابو نصر المروزي ثم البغدادي المشهور بالحافي ابن عم المحدث علي بن خشرم ولد سنه اثنين وخمسين ومائة كما ذكر ذلك في السير للذهبي ج10 ص469.
4-اعتقاد بن ابي جمرة ان اهل بدر عصمهم الله فلا يقع منهم ذنب كما ورد في كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ج10ص96 [وفيه تقوية لاحد الاحتمالين في قوله صلى الله عليه واله وسلم عن اهل بدر ان الله قال لهم اعملوا ما شاتم فقد غفرت لكم وان الراجح ان المراد بذلك ان الذنوب تقع منهم لاكنها مقرونه بالمغفرة تفضيلا لهم عن غيرهم بسبب ذلك المشهد العظيم ومرجوحية القول الاخر ان المراد ان الله تعالى عصمهم فلا يقع منهم ذنب نبه على ذلك الشيخ ابو محمد بن ابي جمرة نفع الله به
وترجمة محمد ابن ابي جمرة واسمه عبد الله بن ابي جمرة الامام القدوة له شرح مختصر للبخاري كما في شذرات الذهب ج6ص23. وقال الذهبي في تاريخ الاسلام ج2 ص258[ابو محمد بن ابي جمرة المغربي المالكي الزاهد شيخ فاضل صالح قوال بالحق مشهور بالقاهرة توفي في ذي القعدة وصلي عليه بدمشق صلاة الغائب.
5-يقول الذهبي في كتابه في مصطلح الحديث تعليق عبد الفتاح ابو غدة ص84بعد ان قسم طبقاتن الائمة في الجرح والتعديل الى حاد ومعتدل ومتساهل قال ما نصه:[والعصمة للانبياء عليهم السلام والصديقين وحكام القسط]فلاحظ انه لم يكتف ببعصمة الشيخين ابي بكر وعمر حتى قال بعصمة السلاطين ايظا فسبحان الله ولاحول ولا قوة الا بالله.
6- ونختم هذه النصوص بقول احد مشايخهم المعاصرين وهو الشيخ صالح الفوزان عضو اللجنة الدائمة للافتاء - في كتاب اغاثة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ص294:[قال الشيخ يعني محمد بن عبد الوهاب {فان الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا }لانهم معصومون عن ذلك رضي الله عنهم ولايمكن ذلك ابدا في حقهم بل لم تبن المساجد في القرون الاربعة كلها.]
وبعد هذة النصوص الواضحة في اثبات العصمة لغير الانبياء كالصحابة مطلقا بحسب الفوزان واهل بدر بحسب ابن حجر والشيخين والسلاطين بحسب الذهبي هل من منصف يعترض على قول الشيعة بعصمة اهل البيت عليهم السلام . المهم اننا نجدهم في الوقت الذي يقولون به بعصمة هؤلاء فانهم لا يقولون بعصمة النبي-كما سيوافيك ذلك في الحلقة القادمة- الا بالتبليغ وحتى هذه اعترض عليها ابن باز كما تقدم . والحمد لله رب العالمين.
يتبع في الردود
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين
كنت قد كتبت بحثا حول العصمة في هذا المنتدى وقد نال على رضى واستحسان بعض الاخوة جزاهم الله خيرا ولكن البحث كان على شكل حلقات متفرقة متشتتة فارتأيت ان اجمعها تحت عنوان واحد تسهيلا للقارئ الكريم.
بحث العصمة -الحلقة الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالين والصلاة والسلام على اشرف الخلق اجمعين ابي القاسم محمد وال بيتهالطيبين الطاهرين
بحثنا في العصمة وذنا البحث من اهم المباحث الكلامية والتفسيرية والحديثية ولهذا نجد اهتمام العلماء به قديمولانه صار محلا للكثير من الشبهه حاولنا بيا ن هذه العقيدة بشئ من التفصيل وعلى شكل حلقات
الحاقة الاولى :تعريف العصمة لغة واصطلاحا:
فهي لغة بمعنى المنع والامساك قال ابن فارس :عصم له اصل واحد يدل على امساك ومنع من ذلك ان يعصم اللهتعالى عبده من سوء يقع فيه وبهذا المعنى ورد في لسان العرب لابن منظور ج12 ص403 وتاج العروس ج8 ص398 والصحاح ج5 ص1986 مادة عصم ز وقد استعملتى في القران الكريم على لسان ابن نوح[قاللا ساوي الى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من امر الله]وايضا في قوله تعالى [ واعتصموا بحبل الله جميعا ]
فان قيل بحسب ما سبق وهو ان العصمه هي بمعنى المساك والمنع فاذا ليس لها معنى واحد؟
اجبناه:بان التمسك اخص من المنع وهذا ما اشار اليه الراغب في مفرداته ص569 والامر بينهما دقيق تلاحظون لو ان احدا اراد ان يقع من مكان عال ومنعه شخص فيقال منعهلاكن ان مد يده وامسكه كان هذا المنع اخص من ذلك المنع الذي ليس فيه مسك.
واما العصمة في الاصطلاح:
فقدة عرفها الشيخ المفيد رحمه الله في النكت الاعتقادية ص37 ضمن مصنفات الشيخ المفيد
ج10[العصمة لطف يفعله الله بالمكلف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليهما .]
وعرفها العلامةالحلي رحمه الله في الباب الحادي عشر ص37 [العصمة لطف بالمكلف بحيث لا يكون له داع الى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك .]
وكذا عرفها د.عبد الرحمن عميرة في تعليقته على شرح المقاصد ج5 ص50 قال :[العصمة ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها.]
وبالامعان في التعاريف المذكورة يتضح دفع شبهة ان العصمة تسلب الاختيار عن صاحبها فلا يقدر معها على ارتكاب المعصية ومعه لا تصبح فضيلة ومكرمة ؟
والجواب: ان العصمة لا تسلب الاختيار عن الاانسان باي معنى فسرت وعلى كل تقدير فالانسان المعصوم مختار في فعله فادر على الفعل والترك وتوضيح ذلك بالمثال :ان الانسان العاقل الواقف على وجود الطاقة الكهربائية في الاسلاك المنزوعة من سلكها لا يمسها كما ان الطبيب لا ياكل م سؤر المجذومين لعلمهما بعواقب فعلهما وفي الوقت نفسه يرى كل منهما نفسه قادرا على ذلك الفعل بحيث لو اغمض عينه عن حياته وهيئ نفسه للمخاطرة لفعل م يتجنبهلا كنهما لا يقومان به لحبهما لحياتهما .
فالمعصوم لا يعصي لا لعدم قدرته على ارتكاب المعصية بل لعلمه بعاقبة الامور كالوالد العطوف لا يقدم على قتله ولده مع قدرته على ذلك.
العصمة الحلقة الثانية
قال تعالى واصفا الملائكة [عليها ملائكة غلاض. شداد لايعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يامرون]
وقال عز من قائل واصفا القران الكريم[لاياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد]
تاريخ ظهور الفكره عند المسلمين
ان الامعان في الايات السابقة يدلنا بوضوح ان فكرة العصمة بمفهومها البسيط قد طرحها القران الكريم والفت نظر المسلمين اليها من دون حاجة الى اخذ هذه الفكرة من الاحبار والرهبان وبذلك يظهر ان مبدا ظهور فكرة العصمة في الامة الاسلامية هو القران الكريم لا غير نعم ان الموصوف بها في هذه الايات هو الملائكة والقران الكريم والمطروح عند علماء الكلام هو عصمة الانبياء والائمة لاكن الاختلاف في الموصوف لا يضر بكون القران هو مبدا هذه الفكرة لان المطلوب هو الوقوف على منشا تكون هذه الفكرة ثم تطورها عند المتكلمين على ان القران طرح فكره عصمة النبي في غير واحدة من اياتهكما سيوافيك ويكفيك في المقام قوله تعالى [ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ]فترى ان الايتين تشيران بوضوح الى ان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن ميول نفسانية وان ما نطق به وحي القي في روعه ومن لا يتكلم عن الميول النفسانية ويعتمد في منطقه على الوحي يكون مصونا من الزلل في المرحلتين مرحلة الاخذ والتبليغ وقد نرى جذور عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في كلام الامام علي عليه السلام حيث يصف النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبه القاصعة بقوله[ولقد قرن الله به من لدن ان كان فطيما اعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن اخلاق العالم ليله ونهاره]
فما ذهب اليه المستشرق رونالدسن من نسبة فكرة العصمة الى تطور علم الكلام عند الشيعة في القرن الرابع الهجري ليس بسديد.
ومما يدل عليه بوضوح ورود فكره العصمة بمعناها المصطلح عند المتكلمين في روايات شيعية من القرن الاول والثاني الهجري كالرواية عن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام كما في رواية الفضل بن شاذان الطويلة [وكان الصانع متعاليا عن ان يرى وكان ضعفهم وعجزهم عن ادراكه ضاهرا لم يكن بد من رسول بينه وبينهم معصوم يودي اليهم امره ونهيه ]البحار ج11 ص40
2-وكذلك رواية عمارة عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السلام قال:[ان ايوب ابتلي سبع سنين من غير ذنب وان الانبياء لا يذنبون لانهم معصومون مطهرون لا يذنبون ولا يزنون ولا يرتكبون ذ نبا صغيرا ولا كبيرا ]البحار ج12 ص348
العصمة الحلقة الثالثة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق اجمعين ابي القاسم محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين
مازال الكلام في بحث العصمة ووصل بنا الكلام الى بيان وتحرير محل النزاع بين المذاهب الاسلامية فنقول وعلى الله التكلان:
للعصمة حدود ومراتب يمكن اجمالها بالتالي:
1-العصمة في الاعتقاد الديني
2-العصمة في اخذ الشريعة وتبليغها الى الناس
3-العصمة في العمل بالاحكام الالهية من الاتيان بالواجبات وترك المحرمات
4-العصمة عن الخطا في موضوعات الاحكام الشرعية وتحديد المصالح والمفاسد ويلحق بها العصمة عن الخطا والنسيان
ولناتي الى كل واحدة من هذه المراتب لنعرف ونحدد محل النزاع:
العصمة في الاعتقاد الديني :
لا خلاف في عصمة الانبياء عليهم السلام في الاعتقاد الديني فهم كانوا معصومين من الشرك والكفر بعد النبوة وقبلها لم يخالف فيه احد الا الازارقة فانهم يجيزون صدور المعصية عن النبي قبل البعثة وعندهم كل معصية كفر فيجوز ان يكون كافرا وك>لك ابن تيمية يجوز ان يكون النبي كافرا قبل البعثة كما ذكر ذلك في مجموع الفتاوي ج15 ص29 [قوله سبحانه {قال الملا الذين استكبروا من قومه لنخرجنك ياشعيب والذين امنوا معك من قريتنا او لتعودن في ملتنا قال اولوا كنا كارهين قد افترينا على الله كذبا }ضاهره دليل على ان شعيبا والذين امنوا معه كانوا على ملة قومهم لقولهم اولتعودن في ملتنا ولقول شعيب انعود فيها ولو كنا كارهين ولقوله قد افتريتل على الله كذبا ان عدنا في ملتكم فدل على انه كان فيهاولقوله بعد اذ نجانا الله منها فدل على ان الله اندجاهم منها بعد التلوث بها]
2- العصمة في اخذ الشريعة وتبليغها الى الناس :
لا خلاف ايضا في عصمة الانبياء في تلقي الوحي وابلاغه الى الناس فالنبي لا يخطا في تلقيه فيما يتلقاه من الاحكام والمعارف الالهيه ولا يكذب عمدا او سهوا في ابلاغ ذلك ولا يعرضه سهو ولا نسيان في ذلك وانما نسب الى الباقلاني تجويز الخطا في تبليغ الشريعة سهوا زعما منه ان المعجزة تدل على صدقه فيما قصد تبليغه لا مطلقا وقال بعضهم : ان الباقلاني لا ينكر العصمة في التبليغ ولاكنه يقول ان دليلهم لا يثبت العصمه في التبليغ مطلقا بل ان الدليل هو الاجماع والنصوص لا المعجزة.
ولاكنا نجد ان من المتاخرين من جوز الخطا والسهو على النبي في تلقي الوحي وتبليغه واجازوا تدخل الشيطان في الوحي منهم ابن باز فيذكر في موقعه الاليكتروني في قسم الفتاوي العقائدية قال:[القاء الشيطان في قرائته صلى الله عليه وسلم في ايلت النجم وهي قوله افرايت اللات والعزى شئ ثابت بنص الاية في سورة الحج وهي قوله سبحانه {وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم اياته والله عليم حكيم }فقوله سبحانه {الا اذا تمنى }ا يتلى وقوله {القى الشيطان في امنيته} اي في تلاوته.
فان قيل ان كثير من علماءهم قد انكر الحديث ؟فلنا الحديث صحيح عندهم بشهادة كبار علمائهم مثل:
ويقول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج8 ص561 حققه الشيخ ابن باز فيقول بعد كلام طويل يحمل به على ابي بكر ابن الوبي والقاضي عياض بسبب تضعيفهم الحديث [وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا، وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض، وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله: "ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه صلى الله عليه وسلم أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس منه، وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته - وقد سلك العلماء في ذلك مسالك.
ثم يذكر وجوها لتوجيه الحديث.
2-سليمان بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الوهاب –وهو حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب –في شرح كتاب جده التوحيد بقوله بشان حديث الغرانيق في كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ص219:[وهي قصة مشهورة صحيحة رويت عن ابن عباس بطرق بعضها صحيح ورويت عن جماعة من التابعين باسانيد صحيحة منهم عروة وسعيد ابن جبير وابو العالية وابو بكر بن عبد الرحمن وعكرمة والضحاك وقتادة ومحمد بن كعب القرضي ومحمد بن قيس والسدي وغيرهم]
وليس ابن باز الوحيد القائل بهذا القول الخطير بل هناك العديد من علمائهم منهم :
ورد في تفسير الطبري ج17 ص186{في تفسير وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا انا تمنى فالقى الشيطان في امنيته }قال :[قيل ان السبب الذي من اجله نزلت هذه الاية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الشيطان كان قد القى لسانه في بعض مما يتلوه مما انزل الله عليه من القران ما لم ينزل ه الله عليه فاشتد ذلك على رسول الله واغتم فسلاه الله مما به من ذلك بهذه الايات
ويقول السيوطي عن كلام ابن جرير الطبري :[واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم وابن مردويه بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة والنجم فلما بلغ هذا الموضع افرايتم اللات والعزى ومنة الثالثة الاخرى القى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى
ويقول الالوسي في تفسير روح المعاني ج10 ص264 دار الفكر بيروت:[وذهب الى صحة القصة ايضا خاتمة المتاخرين الشيخ ابراهيم الكوراني ثم المدني وذكر بعد كلام طويل انه تحصل مكن ذلك ان الحديث اخرجه غير واحد من اهل الصحة وانه رواه بسند سليم متصل عن ابن عباس وبثلاث اسانيد صحيحة عن ثلاثة من التابعين من ائمة الاخذين عن الصحابة وهم سعيد بن جبير وابو بكر بن عبد الرحمن وابو العالية
وغيرهم كثير ولولا خوف الاطالة لذكرت اخرين.
اذا هناك العديد من علماء اهل الاسنة والجماعة ينفون عصمة النبي في التبليغ.
العصمة الحلقة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق اجمعين ابي القاسم محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين
مازال الكلام اخوتي في بحث العصمة وقد تبين مما سبق ان الانبياء معصومون في عقائدهم قبل البعثة وفي التبليغ لم يخالف احد في ذلك الا القليل القليل امثال الازارقة وابن تيمية في الاول وابن باز وامثاله في الثاني فاذن المرتبيان الاوليتان للعصمة ليستا هما محل النزاع وانما هو المرتبتان التاليتان كما سيتضح:
3-العصمة في العمل بالاحكام الالهية من الاتيان بالواجبات وترك المحرمات:
الاقوال:
1-جمهور المسلمين على العصمة عن الكبائر مطلقا والصغائر عمدا لا سهوا قال التفتزاني في شرح المقاصد ج5 ص50 {والمذهب عندنا منع الكبائر بعد البعثة مطلقا والصغائر عمدا لا سهوا}
وقال القوشجي في شرح التجريد ص359{والمذهب عند محققي الاشاعرة منع الكبائر وزالصغائر الخسيسة عمدا لا سهوا .وذهب امام الحرمين من الاشاعرة وابو هاشم من المعتزلة الى تجويز الصغائر عمدا}
2-العصمة من الكبائر والصغائر مطلقا وهذا مختار الامامية والمحققين من المعتزله والاشاعرة وان كان جمهورهم على القول الاول ونحن سوف لا نستشهد بكلام علماء الامامية لان امرهم اعزهم الله ظاهر بل نكتفي بذكر اقوال بعض علماء السنة الذين وافقوا الشيعة في امر العصمة فيذكر صاحب النبراس ص 452 راي جمهرهم ويناقشه بقوله:[هذا مذهب اكثر الاشاعرة واكثر المعتزلة وبعض المشايخ على المنع فدعوى الاتفاق محل نظر وقال القاضي عياض ذهب طائفة من محققي الفقهاء والمتكلمين الى العصمة من الصغائر كالعصمة من الكبائر للاختلاف في الصغائر واشكال تمايزها عن الكبائر ولان المعلوم من السلف الاقتداء بكل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم والاحتجاج به]
قال الزرقاني المالكي في شرح المواهب اللدنيه عن النبي صلى الله عليه واله وسلم :انه معصوم من الذنوب بعد النبوة وقبلها كبيرها وصغيرها وعمدها وسهوها على الاصح في ظاهره وباطنه سره وجهره جده ومزحه رضاه وغضبه كيف وقد اجمع الصحب على اتباعه والتاسي به بكل ما يفعله وكذلك الانبياء وقال السبكي[ اجمعت الامة على عصمة الانبياء فيما يتعلق بالتبليغ وغيره من الكبائر والصغائر الخسة والخسيسة والمداومة على الصغائر وفي صغائر لا تحط من رتبتهم خلاف ذهب المعتزله وكثير من غيرهم الى جوازها والمختار المنع لانا امرنا بالاقتداء بهم فيما يصدر عنهم فكيف يقع منهم ما لا ينبغي ومن جوزه لم يجوز بنص ولا دليل .]شرح المواهب اللدنية فبالمنح المحمدية ج5 ص314
اذان محل الخلاف بين الجمهور وبين الشيعة ومن تابعهم من اهل السنة هو وقوع الصغائر غير الخسيسة والتي لا تحط من رتبتهم .
وقال علي القاري في شرح الفقه الاكبر ص48-49 في ذيل كلام ابي حنيفة :[والانبياء عليهم السلام كلهم منزهون عن الصغائر والكبائر هذة العصمة ثابتة للانبياء قبل النبوة وبعدها على الاصح.]
كذلك قال صاحب النبراس ص454:[المذكور من كلام الشارح ٍ{التفتزانيِ} هو مذهب عامة المتكلمين وخالفهم جمهور جم من العلماء فذهبوا الى العصمة عن الصغائر والكبائر قبل الوحي وبعده وهو مختار ابي المنتهى وشارح الفقه الاكبر والشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي وقال بعض المشايخ :زلات الانبيلء بسبب زيادة قربهم مالى الله سبحانه وفي تفسير النسفي ا نائمة سمر قند لا يطلقون اسم الزلة على افعال الانبياء لانها نوع ذنب ويقولون فعل الفاضل وترك الافضل فعوتبوا عليه لان ترك الافضل منهم كترك الواجب من الغير فان قيل هذه العصمة مذهب الشيعة قلت اولا لا باس بالاتفاق الاتفاقي اذ مقصود المشايخ اتباع الحق لا وفاق الشيعة .وثانيا ان بين الفريقين بعد المشرقين لان الشيعة على تجويز الكفر تقية -[ملاحظة هنا المصنف خرج عن جادة الحياد واظهر مكنونات نفسه على الشيعة او تكون صادرة من جهل بعقائد الشيعة وهذه عقائد وكتب الشيعة دونك فهل يدلنا احد اين جوز الشيعة اظهار الكفر من الانبياء والاوصياء عليهم السلام وقد يكون منشا هذا اللبس هو تجويز اضهار الكفر تقية من غير الانبياء والائمة لاكن هذا عليه عموم المسلمين ودونك قصة عمار بن ياسر]-.
ويستمر صاحب النبراس قائلا:ان قلت ذكر بعض الفقهاء ان من ذهب الى عصمة الانبياء عن المعاصي فهو كافر لانه رد النصوص كقوله تعالى {وعصى ادم ربه فغوى }واستدل بعضهم على كفر الشيعة بها اجيب بان الحق سبحانه وتعالى سمى ترك الافضل منهم معصية لعلو شانهم وعظم رتبتهم ولا تجوز هذه التسمية من غيره لان الملك اذا عاتب وزيره بخطاب خشن لم يجز للسوقي لنم يخاطبه بذلك الاسم .]
ومن المتاخرين .قال الشيخ احمد بن محمد الخليلي –وهو المفتي العام لسلطنة عمان -:ذهب اصحابنا الى انهم معصومون من الكبائر والصغائر حال النبوة وقبلها وهو يتفق مع ما نسي الى اكثر المعتزلة من ان عصمتهم من وقت البلوغ ونسب الفخر الى الرافضة:{انهم معصومون من الميلاد} وهذا هو اللائق بمقام المختصين بالاصطفاءالالهي ]
ومما تقدم اتضح بصورة تامة لا شك فيها ان جمهور المسلمين على عصمة الانبياء عن الكبائر سهوا وعمدا وعن الصغائر الخسيسة كذلك وعن تعمد البقاء على الصغائر فمحل الخلاف هو خصوص صدور الصغيرة التي لاتضر بمقام النبوة واما ما يسوق له هذه الايام الوهابيون من ا ناهل السنه لايقولون الا بالعصمة في التبليغ فقد اتضح كذبه وهذه نصوص القوم دونك بل ان ما يدعونه من عدم عصمتهم عليهم السلام هو في الحقيقة قول سلفهم من الحشوية المجسمة يقول التفتزاني شارح المقاصدج5 ص50{والجمهور على وجوب عصمتهم عما ينافي مقتضى المعجزة وقد جوزه القاضي سهوا زعما انه لايدخل في التصديق المقصود بالمعجزة وعن الكفر وجوزه الازارقة وكذا عن تعمد الكبائر بعد البعثة وجوزه الحشوية اما لعدم دليل الامتناع واما لما سيجئ من شبه الوقوع وكذا عن الصغائر المنفرة لاخلالها بالدعوة الى الاتباع.]
اذن ما يسوق له الوهابيون اليوم هو امتداد لما ذكره اسلافهم.
العصمة الحلقة الخامسة
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق اجمعي نابي القاسم محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين
لقد ذكر العلماء الكثير من ادلة العصمة سونرد بعضها وسنبدا بالادلة العقلية:
الادله العقلية على العصمة:
الدليل الاول :ما دل من الكتاب والسنة على وجوب الانقياد والطاعة للنبي صلى الله عليه واله وسلم طاعة مطلقة غير مقيدة كقوله تعالى [ومن يطع الله ورسوله فاولائك مع الذين انعم الله عليهم من الصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولائك رفيقا]وقوله تعالى [قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل اطيعوا الله والرسول فان تولوا فان الله لا يحب الكافرين]وقوله تعالى [ من يطع الرسول فقد اطاع الله ] وقال[من يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فاولائك هم الفائزون ]
فاذن اوامر صريحة بوجوب طاعة النبي صلى الله عليه واله وسلم طاعة مطلقة لا مقيدة كما لو قلت لاحدهم عليك باطاعة زيد في الفعل الكذائي او في الوقت الكذ ائي كاطاعة الوالدين فانها مقيدة بما اذا امروك بالكفر والعصيان لله تعالى .
ومن وجبت طاعته طاعة مطلقة بلا قيد ولا شرط وجب ان يكون معصوما من العصيان ومصونا من الخطا والزلل وعبارة اوضح:ان دعوة النبي تتحقق بامرين 1- القول 2-العمل وعند ذلك فلو كان كل ما يدعو اليه النبي صلى الله عليه واله وسلمبقوله وعمله صادقا ومطابقا للواقع غير مخالف قيد شعرة لصح الامر بالاقتداء به وان طاعته هي طاعة الله سبحانه كما قال [من اطاع الرسول فقد اطاع الله ]واما لو كان بعض ما يدعو به باللفظ او بالعمل على خلاف الواقع وعلى خلاف ما يرضى به سبحانه فيجب حينئذ تقييد الدعوة الى طاعته بقيد يخرج هذة الصورة فالحكم بوجوب طاعته على الاطلاق بكشف عن ان اوامره وافعاله مطابقة للواقع. فان النبي حجة الله سبحانه وتعالى على خلقه والخلق ايضا ان انقادوا لهذا الامام وامتثلوا اوامره وطبقوا احكامه واخذوا بهديه وسيرته سوف يحتجون على الله سبحانه وتعالى بهذا النبي صلى الله عليه واله وسلم اذن النبي حجة الله سبحانه على خلقه وحجة للخلائق اذا كانوا مطيعين له ولهذا صار قول النبي وفعله وتقريره حجة والا ماهو سبب حجية السنة؟
فجميع افعال النبي صلى الله عليه واله وسلم وحركاته وحالاته يجب ان تكون بحيث لو ان احدا اقتدى به في تلك الحالات او الاقوال يمكنه ان يحتج عند الله تعالى عندما يسال لماذا فعلت هذا؟
وهذا الدليل استدل به العديد من علماء السنه القائلين بالعصمة المطلقة كما مر قول الزرقاني المالكي في المواهب اللدنيه ومما يؤيد هذا ما ورد من قصة شهادة خزيمة وهي :ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اشترى منة اعرابي فرسا ثم ان الاعرابي انكر البيع وليس هناك من شاهد فاقبل خزيمة بن ثابت ففرج الناس بيده حتى انتهى للنبي صلى الله عليه واله وسلم فقال:اشهد يارسول الله لقد اشتريته فقال الاعرابي اتشهد ولم تحضرنا؟-سؤال وجيه لان الشهادة يجب ان تكون عن علم وقال النبي صلى الله عليه واله وسلم اشهدتنا؟قال لا يارسول الله افنصدق بما جئت به من عند الله ولا اصدقك على هذا الاعرابي الخبيث؟قال فعجب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقال ياخزيمة شهادتك شهادة رجلين .
فمن هذه القضية نفهم ان الصحابة عرفوا رسول الله صلى الله عليه واله بانه لا يكذب ولا يدعي مال الغير بلا دليل وكذلك تدل عذه الرواية على ان النبي صلى الله عليه واله وسلم لا يسهو ولا ينسى والا اما كان خزيمو يحتمل ان النبي صلى الله عليه واله وسلم مشتبه او انه قد سهى او نسى فهو رضي الله عنه لم يحتمل ذلك ولو احتمالا بسيطا .
وايضا مما يؤيد ذلك ا ناهل السنه انفسهم يدعون ويروون عن ابي هريره انه قال لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم اني سمعت منك حديثا كثيرا فانسه فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ابسط ردائك فبسطته فغرف بيديه فيه ثم قال اضممه فضممته فما نسيت حديثا بعده [يرويه ابن سعد في الطبقات ج2ص362 والذهبي في سير اعلام النبلاء ج2ص595 والحافظ ابن حجر في فتح الباري ج1ص174 فهل من عاقل مسلم يشك في ثبوت ذلك لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
الدليل الثاني :ان الله سبحانه وتعالى قد اثبت العصمة للملائكة فقال [عليها ملائكة شداد غلاظ لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون ]والانبياء خير من الملائكة باتفاق اهل الملة فيجب ان يكونوا معصومين.
الدليل الثالث:وهو ما يعرف بدليل التضاد:
لا شك ان المكلفين يجب عليهم اتباع النبي وهذا ما يدل عليه العقل الصريح ويرشد اليه الوحي هذا من جانب ومن جانب اخر ان العقل والشرع متفقان على حرمة اطاعة احد في معصية الله تعالى فاذا امر النبي صلى الله عليه واله وسلم بفعل او نهى عنه ولم يكن معصوما من المعصية فيحتمل انه امر بما هو محرم واقعا وعلى هذا يلزم التكليف بالمتقابلين والجمع بينهما في امر واحد مستحيل .
وبعبارة اوضح :ان النبي لو لم يكن معصوما لجاز ان يعصي وهنا لو فعل فعلا مخالفا للواقع ونحن لا نعلم انه مخالف فحينئذ سوف يجب علينا اتباعه لاننا مامورون باتباعه ويحرم علينا اتباعه لانه محرم فيلزم التكليف بالمتقابلين وهما الوجوب والحرمة وهذا محال لانه تكليف بما لا يطاق.
بحث العصمة الحلقة السادسة
ما زال الكلام اخوتي في بحث العصمة وبعد ان تم بيان ماهية العصمة وادلتها ناتي لذكر مفارقة عجيبة وغريبة عند اخوتنا اهل السنة والجماعة فهم في الوقت الذي يثبتون العصمة لغير النبي صلى الله عليه واله وسلم من خلفاء وسلاطين وان بعض الخلفاء كان مسدد لدرجة ان ملكا كان ينطق على لسانه ينفونها عن النبي صلى الله عليه واله وسلم ويجيزون عليه الاجتهاد والخطا فلنقرا بعض نصوصهم في هذا المجال]:
1-يقول الذهبي في سير اعلام النبلاء ص90[ومن تتبع رخص المذاهب وزلات المجتهدين فقد رق دينه كما قال الاوزاعي وغيره :من اخذ بقول المكيين في المتعة والكوفيين في النبيذ والمدنيين في الغناء والشاميين ف عصمة الخلفاء فقد جمع الشر]انتهى.
اقول:انظر سلمك الله ان الشاميين يقولون بعصمة الخلفاء مطلقا ولا استبعد ان منشا هذه العقيدة هم بنو امية.
2-الصحابي طارق بن شهاب كان يتحدث ان الخليفة الثاني كان ينطق على لسانه ملك ومن المعلوم والمتفق عليه عصمة الملائكة فيكون الخليفة معصوم طبعافقدذكر ذلك الامام ابي عبد الله احمد بن حمبل -حققه واخرج احاديثه وصي الله بن محمد عباس -ج1ص323 رقم الحديث 341 يقول:[حدثنا عبد الله قال حدثني ابي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة بن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال كنا نتحدث ان عمر بن الخطاب ينطق على لسانه ملك]
يقول المحقق:[اسناده صحيح واخرجه الفسوي في تاريخه ج1ص456 والطبري في الكبير ج8 ص384 من طريق شعبه مثله وذكره ابن الجوزي في تاريخ عمر ص286 وابن كثير في البداية والنهاية ج6 ص201و طارق بن شهاب من الصحابه فقد اثبت ابو داوود وبن حجر والذهبي وغيرهم رؤيته للنبي دون السماع وقد تحقق بسند صحيح رواه احمدفي المسند ج31 ص125 تحقيق الارنؤط.
3- السنه لابي بكر احمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال -المجلد يشتمل على ثلاثة اجزاء-دراسة وتحقيق الدكتور عطية بن عتيق الزهراني -ص307 قال:[اخبرني محمد بن عمر بن مكرم قال حدثنا ابراهيم بن هانئ قال سمعت بشر بن الحارث يقول:رفع الخطا عن ابي بكر وعمر ]
وقال المحقق اسناده صحيح.
وقائل هذا القول هو بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء المروزي الامام العالم الزاهد الرباني القدوة شيخ الاسلام ابو نصر المروزي ثم البغدادي المشهور بالحافي ابن عم المحدث علي بن خشرم ولد سنه اثنين وخمسين ومائة كما ذكر ذلك في السير للذهبي ج10 ص469.
4-اعتقاد بن ابي جمرة ان اهل بدر عصمهم الله فلا يقع منهم ذنب كما ورد في كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ج10ص96 [وفيه تقوية لاحد الاحتمالين في قوله صلى الله عليه واله وسلم عن اهل بدر ان الله قال لهم اعملوا ما شاتم فقد غفرت لكم وان الراجح ان المراد بذلك ان الذنوب تقع منهم لاكنها مقرونه بالمغفرة تفضيلا لهم عن غيرهم بسبب ذلك المشهد العظيم ومرجوحية القول الاخر ان المراد ان الله تعالى عصمهم فلا يقع منهم ذنب نبه على ذلك الشيخ ابو محمد بن ابي جمرة نفع الله به
وترجمة محمد ابن ابي جمرة واسمه عبد الله بن ابي جمرة الامام القدوة له شرح مختصر للبخاري كما في شذرات الذهب ج6ص23. وقال الذهبي في تاريخ الاسلام ج2 ص258[ابو محمد بن ابي جمرة المغربي المالكي الزاهد شيخ فاضل صالح قوال بالحق مشهور بالقاهرة توفي في ذي القعدة وصلي عليه بدمشق صلاة الغائب.
5-يقول الذهبي في كتابه في مصطلح الحديث تعليق عبد الفتاح ابو غدة ص84بعد ان قسم طبقاتن الائمة في الجرح والتعديل الى حاد ومعتدل ومتساهل قال ما نصه:[والعصمة للانبياء عليهم السلام والصديقين وحكام القسط]فلاحظ انه لم يكتف ببعصمة الشيخين ابي بكر وعمر حتى قال بعصمة السلاطين ايظا فسبحان الله ولاحول ولا قوة الا بالله.
6- ونختم هذه النصوص بقول احد مشايخهم المعاصرين وهو الشيخ صالح الفوزان عضو اللجنة الدائمة للافتاء - في كتاب اغاثة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ص294:[قال الشيخ يعني محمد بن عبد الوهاب {فان الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا }لانهم معصومون عن ذلك رضي الله عنهم ولايمكن ذلك ابدا في حقهم بل لم تبن المساجد في القرون الاربعة كلها.]
وبعد هذة النصوص الواضحة في اثبات العصمة لغير الانبياء كالصحابة مطلقا بحسب الفوزان واهل بدر بحسب ابن حجر والشيخين والسلاطين بحسب الذهبي هل من منصف يعترض على قول الشيعة بعصمة اهل البيت عليهم السلام . المهم اننا نجدهم في الوقت الذي يقولون به بعصمة هؤلاء فانهم لا يقولون بعصمة النبي-كما سيوافيك ذلك في الحلقة القادمة- الا بالتبليغ وحتى هذه اعترض عليها ابن باز كما تقدم . والحمد لله رب العالمين.
يتبع في الردود
تعليق