بسم الله الرحمن الرحيم
أولا : مــن هــو الصحابى الغامض أبــو هــريــرة ؟
أبو هريرة رجل مجهول غامض النسب . ظهر فجأة على مسرح الأحداث . فأختلف الناس فى أسمه و أسم أبيه .
1- يذكر يوسف بن عبد الله بن عبد البر ( المتوفى 463 هـ ) فى كتابه ( الأستيعاب فى معرفة الأصحاب 4 :1768 ) :
قال خلفية بن خياط أبو هريرة هو عمير بن عامر بن عبد ذي الشرى بن طريف
قال أبو عمر اختلفوا في اسم أبي هريرة و اسم أبيه اختلافا كثيرا لا يحاط به و لا يضبط في الجاهلية و الإسلام
و يقال اسم أبي هريرة عبد الله بن عامر . و يقال برير بن عشرقة . و يقال سكين بن دومة .
و قال احمد بن زهير سمعت أبي يقول اسم أبي هريرة عبد الله بن عبد شمس . و يقال عامر . و قال سمعت أحمد بن حنبل يقول اسم أبي هريرة عبد الله بن عبد شمس . و يقال عبد نهم بن عامر . و يقال عبد غنم . و يقال سكين .
وقال عباس سمعت يحيى بن معين يقول اسم أبي هريرة عبد شمس . و قال أبو نعيم اسم أبي هريرة عبد شمس . و روى سفيان بن حصين عن الزهري عن المحرر بن أبي هريرة قال اسم أبي هريرة عبد عمرو بن عبد غنم .
و قال أبو حفص الفلاس أصح شيء عندنا في اسم أبي هريرة عبد عمرو بن عبد غنم .
و قال ابن الجارود اسم أبي هريرة كردوس .
وروى الفضل بن موسى السيناني عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عبد شمس من الأزد من دوس .
وذكر أبو حاتم الرازي عن الأوسي عن ابن لهيعة قال اسم أبي هريرة كردوس بن عامر .
وذكر البخاري عن ابن أبي الأسود قال اسم أبي هريرة عبد شمس .و يقال عبد نهم أو عبد عمرو .
قال الهيثم بن عدي كان اسم أبي هريرة في الجاهلية عبد شمس وفي الإسلام عبد الله وهو من الأزد من دوس .
2- و يذكر أحمد بن علي بن حجر العسقلانى ( 773 – 852 هـ ) فى كتابه (الأصابة فى تميز الصحابة 7: 425 ) :
أبو هريرة بن عامر بن عبد ذي الشري بن طريف
وقال عباس الدوري عن أبي بكر بن أبي الأسود سكين بن جابر .
و أخرج أبو أحمد الحاكم بسند صحيح عن صالح بن كيسان قال اسمه عامر .
و مثله حكاه الهيثم بن عدي عن بن عباس و زاد انه بن عبد شمس بن عبد غنم بن عبد ذي الشري .
وقال أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز هو عامر بن عبد شمس .وقيل عبد غنم . و قيل سكين بن عامر .
و قال خليفة اختلف في اسمه فقيل عمير بن عامر . و قيل سكين بن دومة . و يقال عبد عمرو بن عبد غنم . و قيل عبد الله بن عامر . و قيل برير . أو يزيد بن عشرقة .
و قال الفلاس اختلفوا في اسمه والذي صح أنه عبد عمرو بن عبد غنم . و يقال سكين .
و قال البغوي حدثنا محمد بن حميد حدثنا أبو نميلة حدثنا محمد بن عبيد الله قال اسمه سعد بن الحارث .
قال البغوي و بلغني أن اسمه عبد ياليل .
و قال بن سعد عن الواقدي كان اسمه عبد شمس فسمى في الإسلام عبد الله .
ونقل عن الهيثم مثله و زاد البغوي عن الواقدي و يقال إنه عبد الله بن عائذ .
و قال بن البرقي اسمه عبد الرحمن . و يقال عبد شمس . و يقال عبد غنم . و يقال عبد الله . و يقال بل هو عبد نهم . و قيل عبد تيم .
وحكى أبو نعيم فيه عبد العزى وسكن بفتحتين .
3- و جاء فى كتابه ( رجال صحيح البخارى 2 : 492) لأبى نصر أحمد بن محمد بن حسين ( المتوفى 398 هـ) :
عن سفيان بن حسين عن الزهري عن المحرر بن أبى هريرة كان اسم أبي عبد عمرو بن عبد غنم .
و قال أيضا حدثني الحسن بن حماد قال سمعت أحمد ابن حنبل يقول اسم أبي هريرة عبد شمس . و يقال عبد فهم . و يقال عبد غنم . و يقال سكين بن عامر .
و قال أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي ( 209 – 279 هـ ) أبو هريرة اسمه عبدالله بن عمرو .
و قال الهيثم اسمه عامر بن عبد شمس و سمي عبد شمس في الإسلام عبدالله .
و قال أبو بكر بن ابن أبي شيبة ( 159-235 هـ ) اسمه عبد شمس . و يقال عبد فهم .و يقال سكين .و يقال عبدالرحمن بن صخر .
و قال أبو عبد الله محمد بن عمر الواقدى اسمه عبدالله بن عمرو . و يقال عبدالله بن عبدالعزى .
و قال عمرو بن علي الذي صح عبد عمرو بن عبد غنم
و ستظل حقيقة هذا الرجل غامضة …و يبدو أن مجرد أسم هذا الشخص سيظل لغزا من الألغاز
إن ما أستعرضناه عن الأقوال و الآراء المتضاربة المشوشة حول الأسم الحقيقى لأبى هريرة و أسم أبيه أمر جد خطير على غير ما يبدو للمتصفح العادى :
الثابت أن قبائل العرب قبل الإسلام حرصت على حفظ أنسابها و كان بين أفرادها من له الخبرة و المعرفة بالأنساب و هؤلاء الطائفة عرفوا بأسم ( النسابة ) و منهم الثلاثة الأشهر جبير بن مطعم و مخرمة بن نوفل و عقيل بن أبى طالب الذين كلفهم الخليفة عمر بن الخطاب بتحديد الأنساب عندما عزم على تشكيل ديوان العطايا . و لعل أشهر مراجع الأنساب ( جمهرة الأنساب ) لهشام بن محمد الكلبى .
و لنا أن نسأل :
كيف قذفت الأرض فجأة رجلا يقول أنه جاء ليعلن أسلامه و إذا بالعرب لا يعرفون له ماضيا و لا أسما له و لا لأبيه ؟ ...
بهذه البداية التى تضفى جوا من الغموض و الشك و الريبة حول أبى هريرة نبدأ رحلة البحث عن الحقيقة
أبـــو هـــريـــرة فــى عــهـــد رســول الله صلى الله عليه و آله و سلم :
ولد فى اليمن سنة 21 ق . هـ و نشأ حتى قارب الثلاثين عاما جاهلا يؤجر نفسه بطعام بطنه . و قدم على رسول الله آخر العام 7 هـ فصحبته له لا تتجاوز سنة واحدة و 4 شهور .و عندما قدم المدينة أسكنه رسول الله مع أهل الصفة بالمسجد.
و لم يكن أبو هريرة من الذين عرفوا بالجهاد و لا بالشجاعة ولا يعد من الدهاة أو الفقهاء و كان أميا جاهلا يعترض طريق الصحابة و يمثل دور المجنون طمعا فى أن يطعموه !! .
فيقول عن نفسه :
رأيتني لأخر فيما بين المنبر و حجرة عائشة مغشيا على فيجئ الجائى فيضع رجله على عنقى و يرى أنى مجنون و ما بى جنون الا الجوع
* صحيح البخاري - كتاب الأعتصام بالكتاب و السنة - حديث 7324
و كان لا يهتم بنظافته فكان كريه الهيئة فكان القمل يدب على رداءه !
* البداية و النهاية لأبن كثير 612:5
و أشتغل أبو هريرة خادما لعثمان بن عفان و غيره يخدمهم و يسوق بهائمهم فيقول عن نفسه :
كنت أجيرا لأبن عفان و أبنة غزوان بطعام بطنى. أسوق بهم اذا ركبوا و أخدمهم اذا نزلوا
* الطبقات الكبري لأبن سعد 3 :231
و لنترك القارئ يتخيل منظر أبو هريرة على عهد رسول الله كما وصفته مصادر أهل السنة و الجماعة :
رجل مجهول الأصل لا نعرف حتى ما أسمه . جاهلا أميا . يراه الناس مجنونا . يدب عليه القمل . متسولا . يخدم الأشراف و يسوق البهائم !!
و لا نجده من السابقين الأولين و لا من المهاجرين و لا من الأنصار و لا من المجاهدين بأموالهم و لا المجاهدون بأنفسهم و لا من الحنفاء فى الجاهلية و لا من أوائل المسلمين و لا من شعراء النبى و لا من القراء .
حتى أن العجيب أن البخارى قد خصص بابا فى صحيحه أسماه ( باب فضائل الصحابة ) أورد فيه مناقب و فضائل 24 صحابى و لا نجد أنه يذكر بابا لفضائل أبو هريرة !
لقد كان هذا الرجل المجهول شاذا عن المجتمع الأسلامى كما نرى :
ففي هذا المجتمع القبلى الذي تعرف فيه أنساب الرجال الى أربعين جد نجده مجهولا لا نعرف على وجه اليقين ما أسمه و لا أسم أبيه
و فى المجتمع الأسلامى الذي يتطهر الناس فيه خمس مرات يوميا نجد القمل يدب عليه
و فى المجتمع الأسلامى الذي يحث على العلم حتى ان رسول الله جعل فداء الأسير ان يعلم عشرة صبيان نجده جاهلا لا يقرأ و لا يكتب
و برغم كل ما سبق الا أن هذا الرجل المجهول الجاهل سيكون له شأن عظيم فى وجدان أهل السنة بعد ذلك و سيعتمدون عليه أعتمادا أساسيا لمعرفة السنة النبوية !
هل كان أبو هريرة ملازما لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :
لقد أخذ أبو هريرة يصور للعامة أنه ألصق الصحابة برسول الله و أكثرهم ملازمة له على الأطلاق فكان يروى :
قدمت سنة سبع و رسول الله بخيبر فأقمت معه حتى توفى .أدور معه في بيوت نساءه و أخدمه و أصلى خلفه و أحج و أغزو معه فكنت و الله أعلم الناس بحديثه .قدو الله سبقني قوم بصحبته و الهجرة اليه من قريش و الأنصار وكانوا يعرفون لزومى له فيسألوننى عن حديثه
* البداية و النهاية لأبن كثير 5 : 609
فهل كان أبو هريرة صادقا فى ذلك ؟
الأجابة ببساطة : بالقطع لا . فثابت اليقين أن أبو هريرة لم يكن ملازما لرسول الله و لا حاجة ! . و إليك الدليل :
أسلم أبو هريرة سنة 7 هـ و توفى رسول الله سنة 11 هـ . إلا أن هذا لا يعنى أن أبو هريرة صحب رسول الله حتى فى تلك الفترة .
سنة 7 هـ :
- غزوة خيبر ( من المحرم إلى صفر ) : لم يصحب أبو هريرة رسول الله تلك المدة . إذ لحق بالنبى بعدما فرغ من فتح خيبر
* سير أعلام النبلاء للذهبى 2 : 588
- عمرة القضاء ( ذو القعدة ) : لم يصحب أبو هريرة رسول الله تلك المدة . إذ لم يخرج مع رسول الله إلا فقط من صد عام الحديبية
* البداية و النهاية لأبن كثير 3 : 410
سنة 8 هـ :
- غزوة مؤتة ( جمادى الأولى ) : لم يصحب أبو هريرة رسول الله تلك المدة . إذ خرج مع الخارجين للغزوة
* البداية و النهاية لأبن كثير 3 : 429
و قبل أن يأتى رمضان سنة 8 هـ أنقطعت صلة أبو هريرة تماما برسول الله إلى الأبد !
إذ بعث رسول الله العلاء بن الحضرمى إلى المنذر بن ساوى أمير البحرين فخرج معه أبو هريرة فتوفى رسول الله فى ربيع الأول سنة 11 هـ و هو بالبحرين
فتكون صحبة أبو هريرة لرسول الله عدة شهور فقط مبعثرة بين سنتى 7 و 8 هـ !
أبــو هــريـــرة فــى عــهــد الـخلـيـفـة عـمـر بـن الـخـطـاب
ظل أبو هريرة خاملا طيلة خلافة أبو بكرالصديق لا نجد له ذكرا يذكر لا يستضئ بنور بصيرة و لا يقدح بزناد فهم ..
و ظل على هذا الحال ثمانى سنوات من خلافة عمر عندما أستعمله على البحرين سنة 21 هـ خلفا للعلاء بن الحضرمى بعد وفاته الا ان عمر ما لبث أن عزله بعد عامين فقط و ولاها عثمان بن العاص الثقفى بعد أتهمه بالسرقة فعزله و أغرمه
يذكر محمد بن سعد فى الطبقات الكبرى الواقعة كما رواها أبو هريرة نفسه :
كنت عاملا بالبحرين فقدمت على عمر بن الخطاب فقال : عدوا لله و للاسلام . أو قال عدوا لله و لكتابه سرقت مال الله .
قلت : لا ولكني عدو من عاداهما خيل لي تناتجت وسهام لي اجتمعت .
فأخذ مني اثني عشر ألفا . قال : ثم أرسل الى بعد أن ألا تعمل قلت :لا قال : لم أليس قد عمل يوسف .
قلت : يوسف نبي بن نبي فأخشى من عملكم ثلاثا أو اثنتين قال أفلا تقول خمسا قلت لا أخاف أن يشتموا عرضي ويأخذوا مالي ويضربوا ظهري وأخاف ان أقول بغير حلم وأقضي بغير علم .
و عن أبي هريرة قال قال لي عمر : يا عدو الله وعدو كتابه أسرقت مال الله .
قال فقلت : ما أنا بعدو الله ولا عدو كتابه ولكني عدو من عاداهما ولا سرقت مال الله .
قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف .
قال قلت: يا أمير المؤمنين خيلي تناسلت وسهامي تلاحقت وعطائي تلاحق . قال فأمر بها أمير المؤمنين فقبضت ....
و نرى فى الرواية أن الخليفة عمر بن الخطاب لم يصدق دفاع أبو هريرة عن نفسه فى أنها من مصدر حلال و صادر المال . و دعوى عرض الخليفة له ليعود واليا مردود عليها أبضا بأنه إن حقا قد ثبتت للخليفة براءته فلماذا لم يعد إليه ماله الذى فى هذه الحالة يعتبر مالا صودر منه ظلما ؟
و قد يدفع البعض عن أبى هريرة بقوله كيف يكون كما ذكرنا من الجهل و الأمية و خمول النسب بينما نجد الخليفة عمر بن الخطاب يختاره ليوليه واليا على البحرين ؟
و الرد على ذلك :
1- نحن نسأل بدورنا هؤلاء المدافعون : هل عمر بن الخطاب أرشد رأيا و أعصم من رسول الله ؟ …اللهم لا
و مع ذلك فقد ولى رسول الله رجلا أمرا و إذا بالقرآن يفضح فسقه . فقد بعث رسول الله الوليد بن عقبة بن أبى معيط الى بنى المصطلق و كلفه بدعوتهم للأسلام فاذا به نجده يخون الثقة و يخبر النبى كذبا بردتهم فأنزل الله فيه قرآن يفضحه بأنه أنما كان فاسقا ( يا أيها الذين آمنوا اذا جائكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )
2- فى عهد عمر بن الخطاب لم تكن روايات أبو هريرة قد ظهرت بشكل واضح وذلك نظرا لصرامة عمر بن الخطاب فلم يجرؤ أبو هريرة على الكذب على رسول الله على عهد عمر أنما أكثر من بعد وفاة عمر بن الخطاب
أبو هـريـرة فى عهد أمير المؤمنين عـلي بـن أبـى طـالب عليه السلام
- فى سنة 40 هـ بعث معاوية بن أبى سفيان جيشا بقيادة بسر بن أرطأة فأحتل الحجاز و اليمن و أعمل القتل و سفك الدماء و أرغم الناس على بيعة معاوية . فنال أبو هريرة الحظوة نتيجة أخلاصه لبنى أمية و أمتناعه عن بيعة أمير المؤمنين علي فولاه السفاح بسر بن أرطأة أمارة المدينة بأسم سيده معاوية بن أبى سفيان و هدد أهل المدينة : قد أستخلفت عليكم أبا هريرة فإياكم و خلافه
و بذلك أنضم أبو هريرة لحزب معاوية فتولى له إمارة المدينة المنورة . و بذلك أيضا عمل على منع أن تصل كلمة خليفة المسلمين الراشد الشرعي الإمام علي إلى المدينة .
- أرسل الإمام علي جيشا لأستعادة الحجاز و اليمن بقيادة جارية بن قدامة السعدي فلما أقترب من المدينة أسرع أبو هريرة بالفرار منها قبل أن يدخلها قائد جيش أمير المؤمنين جارية بن قدامة . فلما دخلها أخذ يبحث عن أبى هريرة ليقتله جزاء تحزبه لبنى أمية و الفئة الباغية و يقول : لو وجدت أبا سنور لقتلته
* الكامل فى التاريخ لأبن الأثير 3 : 384
أبـو هـريـرة فـى عـهـد أسـيـاده بـنـى أمــيـــة
- أستشهد أمير المؤمنين علي و تنازل الإمام الحسن بن علي لمعاوية فنال أبو هريرة الحظوة لدى بني أمية فعاد أميرا على المدينة فأعتلى منبرها مرة آخرى و أخذ يروي المزيد من أحاديث رسول الله ما سيرد لاحقا ..
كما تزوج من السيدة الشريفة التى كان خادما لها و هى السيدة بسرة بنت غزوان أخت الصحابى عتبة بن غزوان البدرى ذو الهجرتين فأخذ يذلها و ينفس عن كبته فيقول عن نفسه :
أكريت نفسي من بنت غزوان على طعام بطنى فكانت تكلفنى ان أركب قائما و أورد حافيا فلما كان بعد ذلك زوجنيها الله فكلفتها أن تركب قائمة و أن تورد حافية
* الطبقات الكبرى لأبن سعد 3 : 230
و هل من شيم الكرام أهانة زوجاتهم و تناول ذلك على الملأ ؟
- و أخذ أبو هريرة يغرف من متع الدنيا التى أغدقها عليه أسياده من بنى أمية فسكن قصرا بالعقيق . و خطب يوما على المنبر فقال :
الحمد لله الذى أطعمنى الخمير و ألبسنى الحرير و زوجنى بنت غزوان بعدما كنت أجيرا لها بطعام بطنى
* حلية الأولياء لأبى نعيم الأصبهانى 1 : 384
أما المثير فى تلك المقالة هى أنه يجاهر بمخالفته أمر رسول الله الذى حرم الحرير على الرجال من أمته !
- أصبح أبو هريرة غريب الأطوار و يأتى بتصرفات شاذة بعدما ولاه معاوية أمارة المدينة . يروي أبن كثير :
كان يركب الحمار و يلقى الرجل فيقول : الطريق قد جاء الأمير . و كان يمر على الصبيان و هم يلعبون و هو أمير المدينة فلا يشعرون الا و قد ألقى نفسه بينهم و يضرب برجليه كأنه مجنون يريد بذلك ان يضحكهم فيفزع منه الصبيان و يفرون
* البداية و النهاية لأبن كثير 5 : 615
- ولى معاوية بن أبى سفيان مروان بن الحكم ( أبن عم أبيه ) واليا على المدينة خلفا لأبى هريرة فلجأ الى حيلة يدعم بها مصداقية أبو هريرة حليف الأمويين المطيع اذ أن المهاجرون و الأنصار قد أخذوا بالطعن فيه و تكذيبه و يقولون : ما للمهاجرين و الأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه ؟
و كانت الحيلة أن أوعز مروان بن الحكم الى كاتبه و أسمه أبو الزعيزعة أن يروى للناس تلك الحكاية :
أن مروان دعا أبو هريرة و أقعده خلف السرير و جعل مروان يسأل و جعلت أكتب عنه حتى اذا كان عند رأس الحول ( أى بعد عام ) دعا به و أقعده من وراء الحجاب فجعل يسأله عن ذلك الكتاب فما زاد و لا نقص و لا قدم و لا أخر
* البداية و النهاية لأبن كثير 5 : 606
و طبعا تلك الرواية ليست دليل على صدق أبو هريرة فيما نسبه الى رسول الله و ان كانت حدثت فهى ليست الا دليل على قوة ذاكرته فحسب . فاذا قلت لك أن رسول الله قال أن النبى موسى ضرب الملاك عزرائيل على عينه ففقأها ثم جئت بعد عام كامل أو حتى عشرة أعوام و كررت لك تلك الرواية بحذافيرها و بنفس كلماتها ..فهل هذا دليل أن رسول الله فعلا قد قال تلك الرواية ؟!
وفـــــاة أبــــو هــــريــــرة :
توفى أبو هريرة سنة 59 هـ فى قصره بالعقيق فحمل للمدينة ليدفن فى البقيع و صلى عليه الوليد بن عتبة بن أبى سفيان و حمل نعشه أبناء عثمان بن عفان و كتب معاوية بن أبى سفيان لوالى المدينة :
أنظر ورثته فأحسن اليهم و أصرف لهم لهم عشرة آلاف درهم فأنه كان ممن نصر عثمان
* البداية و النهاية لأبن كثير 5 : 616
و يذكر محمد بن سعد فى ( الطبقات الكبرى ) ج 3: 240 عن وفاته :
بكى أبو هريرة فى مرضه فقيل له : ما يبكيك يا أبا هريرة ؟ .قال :
أما إنى لا أبكى على دنياكم و لكنى أبكى لبعد سفرى و قلة زادى أصبحت فى صعود مهبطة على جنة و نار فلا أدرى إلى أيهما يسلك بى
و لايزال التاريخ يعيد نفسه فكم من معدم جاهل تقرب للحكام و خدم حزبهم فأصبح سيدا مطاعا و نال شبعا بعد جوع.
ثانيا : أبو هريرة ..و دوره فى خدمة الفئة الباغية فى صراعها ضد الإمام علي :
بدء تحزب أبو هريرة لمعاوية بن أبى سفيان مبكرا . فبمجرد مبايعة المهاجرون و الأنصار الإمام علي بالخلافة أمتنع عن بيعته و لجأ الى معاوية بن أبى سفيان .
جند أبو هريرة نفسه لسيده معاوية فأرسله معاوية مع النعمان بن بشير الى أمير المؤمنين علي رسلا منه و ممثلين عنه ليطالبوا الإمام علي بثأر عثمان فقال أبو هريرة :
يا أبا الحسن إن الله قد جعل لك فى الإسلام فضلا و شرفا أنت أبن عم رسول الله و قد بعثنا إليك أبن عمك معاوية يسألك أمرا تسكن به هذه الحرب و يصلح الله ذات البين أن تدفع إليه قتلة عثمان أبن عمه فيقتلهم به و يجمع الله أمرك و أمره .
و تكلم النعمان بن بشير الأنصارى بمثله . فقال الإمام علي للنعمان متجاهلا أبو هريرة : حدثنى عنك يا نعمان . أنت أهدى قومك سبيلا ؟ . قال : لا . فقال الإمام علي : فكل قومك أتبعنى إلا شذاذا ثلاثة أو أربعة أفتكون من الشذاذ ؟
* نهج البلاغة - شرح أبن أبى الحديد المعتزلى 2: 301
و يروي الإمام سفيان الثوري ( 97 -161 هـ ) :
لما قدم أبو هريرة الكوفة مع معاوية كان يجلس بباب كندة و يجلس الناس اليه فجاءه شاب من الكوفة فجلس اليه فقال : يا أبا هريرة أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول لعلي بن أبى طالب اللهم وال من والاه و عاد من عاداه ؟
فقال أبو هريرة : اللهم نعم
فقال : فأشهد بالله لقد واليت عدوه و عاديت وليه ..ثم قام عنه و أنصرف
و يروي شيخ المعتزلة أبو جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب المعروف بالأسكافى ( المتوفى 240 هـ ) :
ان معاوية وضع قوما من الصحابة و التابعين على رواية أخبار قبيحة فى علي تقتضي الطعن فيه و جعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله فأختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و من التابعين عروة بن الزبير
و يروى أيضا :
لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء الى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من أستقبله من الناس جثا على ركبته ثم ضرب صلعته و قال :
يا أهل العراق أتزعمون أنى أكذب على الله و رسوله و أحرق نفسى بالنار ؟ و الله لقد سمعت رسول الله يقول ان المدينة حرمى فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله و الملائكة جميعا و أشهد بالله أن عليا أحدث فيها .
فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه و ولاه أمارة المدينة
* نهج البلاغة - شرح أبن أبى الحديد المعتزلى 4 : 63-68
و روى سليمان بن مهران الأعمش :
عن التابعى أبى صالح الخوزى و أبى رزين لقيط بن عامر عن أبى هريرة عن النبي قال : من أحدث حدثا أو آوى محدثا م ذكر الحديث و ذكر في آخره كلاما لأبى هريرة فى علي و كلاما لعلي فى أبى هريرة . فحدث الأعمش بهذا الحديث و عنده المغيرة بن سعيد فلما بلغ قول أبي هريرة في علي قال : كذب أبو هريرة . فلما بلغ قول علي فى أبى هريرة قال : صدق علي . فقال الأعمش : صدق علي و كذب أبو هريرة
* ضعفاء العقيلى 4 : 179 لأبى جعفر محمد بن عمر العقيلى ( المتوفى 322 هـ )
أما المثير هو ما يذكره سعيد بن المسيب ( 15-93 هـ ) زوج أبنة أبى هريرة :
كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكت و إذا أمسك عنه تكلّم .
* سير أعلام النبلاء للذهبى 2 : 615
و يبقى لنا أن نسأل :
ما هو ذلك الأمر الذى كان معاوية يبذل لأبى هريرة من أجله المال كى يكتمه ؟
و من الممكن مقارنة نموذج ( جوبلز ) وزير دعاية الرايخ الثالث عهد أدولف هتلر بنموذج ( أبو هريرة ) بوق دعاية الفئة الباغية فى عهد معاوية بن أبى سفيان . فقد أتقن أبو هريرة فن الدعاية للأمويين و خدمهم خدمات جليلة لتثبيت مملكتهم .
و لتسويق أسياده من الفئة الباغية التى صار أحد أعلامها بتوليه إمارة المدينة من قبل بسر بن أرطأة قائد معاوية بن أبى سفيان أخذ أبو هريرة يبث بين المسلمين ما يفشى فيهم الخمول و القبول بأئمة الجور و الظلم . و من ذلك المثال الآتى :
عن العلاء بن الحارث الدمشقى ( المتوفى 136 هـ )عن أبى عبد الله مكحول الشامى ( المتوفى 113 هـ ) عن أبى هريرة أن رسول الله قال :
الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا . و الصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برا كان أو فاجرا و إن عمل الكبائر . و الصلاة واجبة على كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر
* سنن أبى داود – كتاب الجهاد – باب فى الغزو مع أئمة الجور
* السنن الصغرى و السنن الكبرى للبيهقى و سنن الدارقطنى
و المعروف أن الجهاد ينطوى على التصرف في الاَنفس و الاَعراض . فكيف يجب مع أمير فاجر إذ ربما يدعو إلى الفساد و العصيان و قتل الاَبرياء و هتك الاَعراض وغصب الاَموال ؟
و الرواية واضحة جدا و أبو هريرة أنما رواها كأداة من أدوات السياسة التي تبغي من وراء ذلك إضفاء المشروعية على الجهاد تحت لواء أسياده من الطلقاء و أبناء البيت الاَموى
و أخذ أبو هريرة يدعو الناس للأستكانة و طاعة أسياده من بنى أمية رابطا بين طاعة الله و رسوله و بين طاعتهم قائلا أن النبي قال :
من أطاعنى فقد أطاع الله و من أطاع الأمير فقد أطاعني . و من يعصني فقد عصى الله و من يعص الأمير فقد عصانى
* مسند أحمد – باقى مسند المكثرين و صحيح مسلم – كتاب الإمارة
* صحيح البخاري - باب يقاتل من وراء الإمام ويتقي به
* صحيح مسلم - باب وجوب طاعة الأمراء معصية وتحريمها في المعصية
و ذهب أبو هريرة لشوط أبعد فكان يبث بين الناس مقالته أن يتمسكوا بحكم معاوية :
تمسكوا بصدغى معاوية
* البداية و النهاية لأبن كثير 4 : 638
* الأصابة فى تميز الصحابة 7 : 443
لقد أظهر أبو هريرة للمسلمين فى زمانه بأنه أكثر الرواة صلة برسول الله و أدى أسرافه فى الرواية عن رسول الله إلى تسرب الشك عند المسلمين فى صحة ما يرويه . و قد أسرف أبو هريرة فى الرواية عنه من الناحية الكمية و النوعية . و نلاحظ من الناحية النوعية أن رواياته تضمنت :
- مخاطبة الرعايا المسلمين دون حكامهم و حثهم على طاعة الحكام
- رواية أحاديث تتعلق بأمور ثانوية تافهة بعيدة عن جوهر الدين و ضعيفة الصلة بحياة المسلمين العامة و الخاصة
أولا : مــن هــو الصحابى الغامض أبــو هــريــرة ؟
أبو هريرة رجل مجهول غامض النسب . ظهر فجأة على مسرح الأحداث . فأختلف الناس فى أسمه و أسم أبيه .
1- يذكر يوسف بن عبد الله بن عبد البر ( المتوفى 463 هـ ) فى كتابه ( الأستيعاب فى معرفة الأصحاب 4 :1768 ) :
قال خلفية بن خياط أبو هريرة هو عمير بن عامر بن عبد ذي الشرى بن طريف
قال أبو عمر اختلفوا في اسم أبي هريرة و اسم أبيه اختلافا كثيرا لا يحاط به و لا يضبط في الجاهلية و الإسلام
و يقال اسم أبي هريرة عبد الله بن عامر . و يقال برير بن عشرقة . و يقال سكين بن دومة .
و قال احمد بن زهير سمعت أبي يقول اسم أبي هريرة عبد الله بن عبد شمس . و يقال عامر . و قال سمعت أحمد بن حنبل يقول اسم أبي هريرة عبد الله بن عبد شمس . و يقال عبد نهم بن عامر . و يقال عبد غنم . و يقال سكين .
وقال عباس سمعت يحيى بن معين يقول اسم أبي هريرة عبد شمس . و قال أبو نعيم اسم أبي هريرة عبد شمس . و روى سفيان بن حصين عن الزهري عن المحرر بن أبي هريرة قال اسم أبي هريرة عبد عمرو بن عبد غنم .
و قال أبو حفص الفلاس أصح شيء عندنا في اسم أبي هريرة عبد عمرو بن عبد غنم .
و قال ابن الجارود اسم أبي هريرة كردوس .
وروى الفضل بن موسى السيناني عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عبد شمس من الأزد من دوس .
وذكر أبو حاتم الرازي عن الأوسي عن ابن لهيعة قال اسم أبي هريرة كردوس بن عامر .
وذكر البخاري عن ابن أبي الأسود قال اسم أبي هريرة عبد شمس .و يقال عبد نهم أو عبد عمرو .
قال الهيثم بن عدي كان اسم أبي هريرة في الجاهلية عبد شمس وفي الإسلام عبد الله وهو من الأزد من دوس .
2- و يذكر أحمد بن علي بن حجر العسقلانى ( 773 – 852 هـ ) فى كتابه (الأصابة فى تميز الصحابة 7: 425 ) :
أبو هريرة بن عامر بن عبد ذي الشري بن طريف
وقال عباس الدوري عن أبي بكر بن أبي الأسود سكين بن جابر .
و أخرج أبو أحمد الحاكم بسند صحيح عن صالح بن كيسان قال اسمه عامر .
و مثله حكاه الهيثم بن عدي عن بن عباس و زاد انه بن عبد شمس بن عبد غنم بن عبد ذي الشري .
وقال أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز هو عامر بن عبد شمس .وقيل عبد غنم . و قيل سكين بن عامر .
و قال خليفة اختلف في اسمه فقيل عمير بن عامر . و قيل سكين بن دومة . و يقال عبد عمرو بن عبد غنم . و قيل عبد الله بن عامر . و قيل برير . أو يزيد بن عشرقة .
و قال الفلاس اختلفوا في اسمه والذي صح أنه عبد عمرو بن عبد غنم . و يقال سكين .
و قال البغوي حدثنا محمد بن حميد حدثنا أبو نميلة حدثنا محمد بن عبيد الله قال اسمه سعد بن الحارث .
قال البغوي و بلغني أن اسمه عبد ياليل .
و قال بن سعد عن الواقدي كان اسمه عبد شمس فسمى في الإسلام عبد الله .
ونقل عن الهيثم مثله و زاد البغوي عن الواقدي و يقال إنه عبد الله بن عائذ .
و قال بن البرقي اسمه عبد الرحمن . و يقال عبد شمس . و يقال عبد غنم . و يقال عبد الله . و يقال بل هو عبد نهم . و قيل عبد تيم .
وحكى أبو نعيم فيه عبد العزى وسكن بفتحتين .
3- و جاء فى كتابه ( رجال صحيح البخارى 2 : 492) لأبى نصر أحمد بن محمد بن حسين ( المتوفى 398 هـ) :
عن سفيان بن حسين عن الزهري عن المحرر بن أبى هريرة كان اسم أبي عبد عمرو بن عبد غنم .
و قال أيضا حدثني الحسن بن حماد قال سمعت أحمد ابن حنبل يقول اسم أبي هريرة عبد شمس . و يقال عبد فهم . و يقال عبد غنم . و يقال سكين بن عامر .
و قال أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي ( 209 – 279 هـ ) أبو هريرة اسمه عبدالله بن عمرو .
و قال الهيثم اسمه عامر بن عبد شمس و سمي عبد شمس في الإسلام عبدالله .
و قال أبو بكر بن ابن أبي شيبة ( 159-235 هـ ) اسمه عبد شمس . و يقال عبد فهم .و يقال سكين .و يقال عبدالرحمن بن صخر .
و قال أبو عبد الله محمد بن عمر الواقدى اسمه عبدالله بن عمرو . و يقال عبدالله بن عبدالعزى .
و قال عمرو بن علي الذي صح عبد عمرو بن عبد غنم
و ستظل حقيقة هذا الرجل غامضة …و يبدو أن مجرد أسم هذا الشخص سيظل لغزا من الألغاز
إن ما أستعرضناه عن الأقوال و الآراء المتضاربة المشوشة حول الأسم الحقيقى لأبى هريرة و أسم أبيه أمر جد خطير على غير ما يبدو للمتصفح العادى :
الثابت أن قبائل العرب قبل الإسلام حرصت على حفظ أنسابها و كان بين أفرادها من له الخبرة و المعرفة بالأنساب و هؤلاء الطائفة عرفوا بأسم ( النسابة ) و منهم الثلاثة الأشهر جبير بن مطعم و مخرمة بن نوفل و عقيل بن أبى طالب الذين كلفهم الخليفة عمر بن الخطاب بتحديد الأنساب عندما عزم على تشكيل ديوان العطايا . و لعل أشهر مراجع الأنساب ( جمهرة الأنساب ) لهشام بن محمد الكلبى .
و لنا أن نسأل :
كيف قذفت الأرض فجأة رجلا يقول أنه جاء ليعلن أسلامه و إذا بالعرب لا يعرفون له ماضيا و لا أسما له و لا لأبيه ؟ ...
بهذه البداية التى تضفى جوا من الغموض و الشك و الريبة حول أبى هريرة نبدأ رحلة البحث عن الحقيقة
أبـــو هـــريـــرة فــى عــهـــد رســول الله صلى الله عليه و آله و سلم :
ولد فى اليمن سنة 21 ق . هـ و نشأ حتى قارب الثلاثين عاما جاهلا يؤجر نفسه بطعام بطنه . و قدم على رسول الله آخر العام 7 هـ فصحبته له لا تتجاوز سنة واحدة و 4 شهور .و عندما قدم المدينة أسكنه رسول الله مع أهل الصفة بالمسجد.
و لم يكن أبو هريرة من الذين عرفوا بالجهاد و لا بالشجاعة ولا يعد من الدهاة أو الفقهاء و كان أميا جاهلا يعترض طريق الصحابة و يمثل دور المجنون طمعا فى أن يطعموه !! .
فيقول عن نفسه :
رأيتني لأخر فيما بين المنبر و حجرة عائشة مغشيا على فيجئ الجائى فيضع رجله على عنقى و يرى أنى مجنون و ما بى جنون الا الجوع
* صحيح البخاري - كتاب الأعتصام بالكتاب و السنة - حديث 7324
و كان لا يهتم بنظافته فكان كريه الهيئة فكان القمل يدب على رداءه !
* البداية و النهاية لأبن كثير 612:5
و أشتغل أبو هريرة خادما لعثمان بن عفان و غيره يخدمهم و يسوق بهائمهم فيقول عن نفسه :
كنت أجيرا لأبن عفان و أبنة غزوان بطعام بطنى. أسوق بهم اذا ركبوا و أخدمهم اذا نزلوا
* الطبقات الكبري لأبن سعد 3 :231
و لنترك القارئ يتخيل منظر أبو هريرة على عهد رسول الله كما وصفته مصادر أهل السنة و الجماعة :
رجل مجهول الأصل لا نعرف حتى ما أسمه . جاهلا أميا . يراه الناس مجنونا . يدب عليه القمل . متسولا . يخدم الأشراف و يسوق البهائم !!
و لا نجده من السابقين الأولين و لا من المهاجرين و لا من الأنصار و لا من المجاهدين بأموالهم و لا المجاهدون بأنفسهم و لا من الحنفاء فى الجاهلية و لا من أوائل المسلمين و لا من شعراء النبى و لا من القراء .
حتى أن العجيب أن البخارى قد خصص بابا فى صحيحه أسماه ( باب فضائل الصحابة ) أورد فيه مناقب و فضائل 24 صحابى و لا نجد أنه يذكر بابا لفضائل أبو هريرة !
لقد كان هذا الرجل المجهول شاذا عن المجتمع الأسلامى كما نرى :
ففي هذا المجتمع القبلى الذي تعرف فيه أنساب الرجال الى أربعين جد نجده مجهولا لا نعرف على وجه اليقين ما أسمه و لا أسم أبيه
و فى المجتمع الأسلامى الذي يتطهر الناس فيه خمس مرات يوميا نجد القمل يدب عليه
و فى المجتمع الأسلامى الذي يحث على العلم حتى ان رسول الله جعل فداء الأسير ان يعلم عشرة صبيان نجده جاهلا لا يقرأ و لا يكتب
و برغم كل ما سبق الا أن هذا الرجل المجهول الجاهل سيكون له شأن عظيم فى وجدان أهل السنة بعد ذلك و سيعتمدون عليه أعتمادا أساسيا لمعرفة السنة النبوية !
هل كان أبو هريرة ملازما لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :
لقد أخذ أبو هريرة يصور للعامة أنه ألصق الصحابة برسول الله و أكثرهم ملازمة له على الأطلاق فكان يروى :
قدمت سنة سبع و رسول الله بخيبر فأقمت معه حتى توفى .أدور معه في بيوت نساءه و أخدمه و أصلى خلفه و أحج و أغزو معه فكنت و الله أعلم الناس بحديثه .قدو الله سبقني قوم بصحبته و الهجرة اليه من قريش و الأنصار وكانوا يعرفون لزومى له فيسألوننى عن حديثه
* البداية و النهاية لأبن كثير 5 : 609
فهل كان أبو هريرة صادقا فى ذلك ؟
الأجابة ببساطة : بالقطع لا . فثابت اليقين أن أبو هريرة لم يكن ملازما لرسول الله و لا حاجة ! . و إليك الدليل :
أسلم أبو هريرة سنة 7 هـ و توفى رسول الله سنة 11 هـ . إلا أن هذا لا يعنى أن أبو هريرة صحب رسول الله حتى فى تلك الفترة .
سنة 7 هـ :
- غزوة خيبر ( من المحرم إلى صفر ) : لم يصحب أبو هريرة رسول الله تلك المدة . إذ لحق بالنبى بعدما فرغ من فتح خيبر
* سير أعلام النبلاء للذهبى 2 : 588
- عمرة القضاء ( ذو القعدة ) : لم يصحب أبو هريرة رسول الله تلك المدة . إذ لم يخرج مع رسول الله إلا فقط من صد عام الحديبية
* البداية و النهاية لأبن كثير 3 : 410
سنة 8 هـ :
- غزوة مؤتة ( جمادى الأولى ) : لم يصحب أبو هريرة رسول الله تلك المدة . إذ خرج مع الخارجين للغزوة
* البداية و النهاية لأبن كثير 3 : 429
و قبل أن يأتى رمضان سنة 8 هـ أنقطعت صلة أبو هريرة تماما برسول الله إلى الأبد !
إذ بعث رسول الله العلاء بن الحضرمى إلى المنذر بن ساوى أمير البحرين فخرج معه أبو هريرة فتوفى رسول الله فى ربيع الأول سنة 11 هـ و هو بالبحرين
فتكون صحبة أبو هريرة لرسول الله عدة شهور فقط مبعثرة بين سنتى 7 و 8 هـ !
أبــو هــريـــرة فــى عــهــد الـخلـيـفـة عـمـر بـن الـخـطـاب
ظل أبو هريرة خاملا طيلة خلافة أبو بكرالصديق لا نجد له ذكرا يذكر لا يستضئ بنور بصيرة و لا يقدح بزناد فهم ..
و ظل على هذا الحال ثمانى سنوات من خلافة عمر عندما أستعمله على البحرين سنة 21 هـ خلفا للعلاء بن الحضرمى بعد وفاته الا ان عمر ما لبث أن عزله بعد عامين فقط و ولاها عثمان بن العاص الثقفى بعد أتهمه بالسرقة فعزله و أغرمه
يذكر محمد بن سعد فى الطبقات الكبرى الواقعة كما رواها أبو هريرة نفسه :
كنت عاملا بالبحرين فقدمت على عمر بن الخطاب فقال : عدوا لله و للاسلام . أو قال عدوا لله و لكتابه سرقت مال الله .
قلت : لا ولكني عدو من عاداهما خيل لي تناتجت وسهام لي اجتمعت .
فأخذ مني اثني عشر ألفا . قال : ثم أرسل الى بعد أن ألا تعمل قلت :لا قال : لم أليس قد عمل يوسف .
قلت : يوسف نبي بن نبي فأخشى من عملكم ثلاثا أو اثنتين قال أفلا تقول خمسا قلت لا أخاف أن يشتموا عرضي ويأخذوا مالي ويضربوا ظهري وأخاف ان أقول بغير حلم وأقضي بغير علم .
و عن أبي هريرة قال قال لي عمر : يا عدو الله وعدو كتابه أسرقت مال الله .
قال فقلت : ما أنا بعدو الله ولا عدو كتابه ولكني عدو من عاداهما ولا سرقت مال الله .
قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف .
قال قلت: يا أمير المؤمنين خيلي تناسلت وسهامي تلاحقت وعطائي تلاحق . قال فأمر بها أمير المؤمنين فقبضت ....
و نرى فى الرواية أن الخليفة عمر بن الخطاب لم يصدق دفاع أبو هريرة عن نفسه فى أنها من مصدر حلال و صادر المال . و دعوى عرض الخليفة له ليعود واليا مردود عليها أبضا بأنه إن حقا قد ثبتت للخليفة براءته فلماذا لم يعد إليه ماله الذى فى هذه الحالة يعتبر مالا صودر منه ظلما ؟
و قد يدفع البعض عن أبى هريرة بقوله كيف يكون كما ذكرنا من الجهل و الأمية و خمول النسب بينما نجد الخليفة عمر بن الخطاب يختاره ليوليه واليا على البحرين ؟
و الرد على ذلك :
1- نحن نسأل بدورنا هؤلاء المدافعون : هل عمر بن الخطاب أرشد رأيا و أعصم من رسول الله ؟ …اللهم لا
و مع ذلك فقد ولى رسول الله رجلا أمرا و إذا بالقرآن يفضح فسقه . فقد بعث رسول الله الوليد بن عقبة بن أبى معيط الى بنى المصطلق و كلفه بدعوتهم للأسلام فاذا به نجده يخون الثقة و يخبر النبى كذبا بردتهم فأنزل الله فيه قرآن يفضحه بأنه أنما كان فاسقا ( يا أيها الذين آمنوا اذا جائكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )
2- فى عهد عمر بن الخطاب لم تكن روايات أبو هريرة قد ظهرت بشكل واضح وذلك نظرا لصرامة عمر بن الخطاب فلم يجرؤ أبو هريرة على الكذب على رسول الله على عهد عمر أنما أكثر من بعد وفاة عمر بن الخطاب
أبو هـريـرة فى عهد أمير المؤمنين عـلي بـن أبـى طـالب عليه السلام
- فى سنة 40 هـ بعث معاوية بن أبى سفيان جيشا بقيادة بسر بن أرطأة فأحتل الحجاز و اليمن و أعمل القتل و سفك الدماء و أرغم الناس على بيعة معاوية . فنال أبو هريرة الحظوة نتيجة أخلاصه لبنى أمية و أمتناعه عن بيعة أمير المؤمنين علي فولاه السفاح بسر بن أرطأة أمارة المدينة بأسم سيده معاوية بن أبى سفيان و هدد أهل المدينة : قد أستخلفت عليكم أبا هريرة فإياكم و خلافه
و بذلك أنضم أبو هريرة لحزب معاوية فتولى له إمارة المدينة المنورة . و بذلك أيضا عمل على منع أن تصل كلمة خليفة المسلمين الراشد الشرعي الإمام علي إلى المدينة .
- أرسل الإمام علي جيشا لأستعادة الحجاز و اليمن بقيادة جارية بن قدامة السعدي فلما أقترب من المدينة أسرع أبو هريرة بالفرار منها قبل أن يدخلها قائد جيش أمير المؤمنين جارية بن قدامة . فلما دخلها أخذ يبحث عن أبى هريرة ليقتله جزاء تحزبه لبنى أمية و الفئة الباغية و يقول : لو وجدت أبا سنور لقتلته
* الكامل فى التاريخ لأبن الأثير 3 : 384
أبـو هـريـرة فـى عـهـد أسـيـاده بـنـى أمــيـــة
- أستشهد أمير المؤمنين علي و تنازل الإمام الحسن بن علي لمعاوية فنال أبو هريرة الحظوة لدى بني أمية فعاد أميرا على المدينة فأعتلى منبرها مرة آخرى و أخذ يروي المزيد من أحاديث رسول الله ما سيرد لاحقا ..
كما تزوج من السيدة الشريفة التى كان خادما لها و هى السيدة بسرة بنت غزوان أخت الصحابى عتبة بن غزوان البدرى ذو الهجرتين فأخذ يذلها و ينفس عن كبته فيقول عن نفسه :
أكريت نفسي من بنت غزوان على طعام بطنى فكانت تكلفنى ان أركب قائما و أورد حافيا فلما كان بعد ذلك زوجنيها الله فكلفتها أن تركب قائمة و أن تورد حافية
* الطبقات الكبرى لأبن سعد 3 : 230
و هل من شيم الكرام أهانة زوجاتهم و تناول ذلك على الملأ ؟
- و أخذ أبو هريرة يغرف من متع الدنيا التى أغدقها عليه أسياده من بنى أمية فسكن قصرا بالعقيق . و خطب يوما على المنبر فقال :
الحمد لله الذى أطعمنى الخمير و ألبسنى الحرير و زوجنى بنت غزوان بعدما كنت أجيرا لها بطعام بطنى
* حلية الأولياء لأبى نعيم الأصبهانى 1 : 384
أما المثير فى تلك المقالة هى أنه يجاهر بمخالفته أمر رسول الله الذى حرم الحرير على الرجال من أمته !
- أصبح أبو هريرة غريب الأطوار و يأتى بتصرفات شاذة بعدما ولاه معاوية أمارة المدينة . يروي أبن كثير :
كان يركب الحمار و يلقى الرجل فيقول : الطريق قد جاء الأمير . و كان يمر على الصبيان و هم يلعبون و هو أمير المدينة فلا يشعرون الا و قد ألقى نفسه بينهم و يضرب برجليه كأنه مجنون يريد بذلك ان يضحكهم فيفزع منه الصبيان و يفرون
* البداية و النهاية لأبن كثير 5 : 615
- ولى معاوية بن أبى سفيان مروان بن الحكم ( أبن عم أبيه ) واليا على المدينة خلفا لأبى هريرة فلجأ الى حيلة يدعم بها مصداقية أبو هريرة حليف الأمويين المطيع اذ أن المهاجرون و الأنصار قد أخذوا بالطعن فيه و تكذيبه و يقولون : ما للمهاجرين و الأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه ؟
و كانت الحيلة أن أوعز مروان بن الحكم الى كاتبه و أسمه أبو الزعيزعة أن يروى للناس تلك الحكاية :
أن مروان دعا أبو هريرة و أقعده خلف السرير و جعل مروان يسأل و جعلت أكتب عنه حتى اذا كان عند رأس الحول ( أى بعد عام ) دعا به و أقعده من وراء الحجاب فجعل يسأله عن ذلك الكتاب فما زاد و لا نقص و لا قدم و لا أخر
* البداية و النهاية لأبن كثير 5 : 606
و طبعا تلك الرواية ليست دليل على صدق أبو هريرة فيما نسبه الى رسول الله و ان كانت حدثت فهى ليست الا دليل على قوة ذاكرته فحسب . فاذا قلت لك أن رسول الله قال أن النبى موسى ضرب الملاك عزرائيل على عينه ففقأها ثم جئت بعد عام كامل أو حتى عشرة أعوام و كررت لك تلك الرواية بحذافيرها و بنفس كلماتها ..فهل هذا دليل أن رسول الله فعلا قد قال تلك الرواية ؟!
وفـــــاة أبــــو هــــريــــرة :
توفى أبو هريرة سنة 59 هـ فى قصره بالعقيق فحمل للمدينة ليدفن فى البقيع و صلى عليه الوليد بن عتبة بن أبى سفيان و حمل نعشه أبناء عثمان بن عفان و كتب معاوية بن أبى سفيان لوالى المدينة :
أنظر ورثته فأحسن اليهم و أصرف لهم لهم عشرة آلاف درهم فأنه كان ممن نصر عثمان
* البداية و النهاية لأبن كثير 5 : 616
و يذكر محمد بن سعد فى ( الطبقات الكبرى ) ج 3: 240 عن وفاته :
بكى أبو هريرة فى مرضه فقيل له : ما يبكيك يا أبا هريرة ؟ .قال :
أما إنى لا أبكى على دنياكم و لكنى أبكى لبعد سفرى و قلة زادى أصبحت فى صعود مهبطة على جنة و نار فلا أدرى إلى أيهما يسلك بى
و لايزال التاريخ يعيد نفسه فكم من معدم جاهل تقرب للحكام و خدم حزبهم فأصبح سيدا مطاعا و نال شبعا بعد جوع.
ثانيا : أبو هريرة ..و دوره فى خدمة الفئة الباغية فى صراعها ضد الإمام علي :
بدء تحزب أبو هريرة لمعاوية بن أبى سفيان مبكرا . فبمجرد مبايعة المهاجرون و الأنصار الإمام علي بالخلافة أمتنع عن بيعته و لجأ الى معاوية بن أبى سفيان .
جند أبو هريرة نفسه لسيده معاوية فأرسله معاوية مع النعمان بن بشير الى أمير المؤمنين علي رسلا منه و ممثلين عنه ليطالبوا الإمام علي بثأر عثمان فقال أبو هريرة :
يا أبا الحسن إن الله قد جعل لك فى الإسلام فضلا و شرفا أنت أبن عم رسول الله و قد بعثنا إليك أبن عمك معاوية يسألك أمرا تسكن به هذه الحرب و يصلح الله ذات البين أن تدفع إليه قتلة عثمان أبن عمه فيقتلهم به و يجمع الله أمرك و أمره .
و تكلم النعمان بن بشير الأنصارى بمثله . فقال الإمام علي للنعمان متجاهلا أبو هريرة : حدثنى عنك يا نعمان . أنت أهدى قومك سبيلا ؟ . قال : لا . فقال الإمام علي : فكل قومك أتبعنى إلا شذاذا ثلاثة أو أربعة أفتكون من الشذاذ ؟
* نهج البلاغة - شرح أبن أبى الحديد المعتزلى 2: 301
و يروي الإمام سفيان الثوري ( 97 -161 هـ ) :
لما قدم أبو هريرة الكوفة مع معاوية كان يجلس بباب كندة و يجلس الناس اليه فجاءه شاب من الكوفة فجلس اليه فقال : يا أبا هريرة أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول لعلي بن أبى طالب اللهم وال من والاه و عاد من عاداه ؟
فقال أبو هريرة : اللهم نعم
فقال : فأشهد بالله لقد واليت عدوه و عاديت وليه ..ثم قام عنه و أنصرف
و يروي شيخ المعتزلة أبو جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب المعروف بالأسكافى ( المتوفى 240 هـ ) :
ان معاوية وضع قوما من الصحابة و التابعين على رواية أخبار قبيحة فى علي تقتضي الطعن فيه و جعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله فأختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و من التابعين عروة بن الزبير
و يروى أيضا :
لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء الى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من أستقبله من الناس جثا على ركبته ثم ضرب صلعته و قال :
يا أهل العراق أتزعمون أنى أكذب على الله و رسوله و أحرق نفسى بالنار ؟ و الله لقد سمعت رسول الله يقول ان المدينة حرمى فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله و الملائكة جميعا و أشهد بالله أن عليا أحدث فيها .
فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه و ولاه أمارة المدينة
* نهج البلاغة - شرح أبن أبى الحديد المعتزلى 4 : 63-68
و روى سليمان بن مهران الأعمش :
عن التابعى أبى صالح الخوزى و أبى رزين لقيط بن عامر عن أبى هريرة عن النبي قال : من أحدث حدثا أو آوى محدثا م ذكر الحديث و ذكر في آخره كلاما لأبى هريرة فى علي و كلاما لعلي فى أبى هريرة . فحدث الأعمش بهذا الحديث و عنده المغيرة بن سعيد فلما بلغ قول أبي هريرة في علي قال : كذب أبو هريرة . فلما بلغ قول علي فى أبى هريرة قال : صدق علي . فقال الأعمش : صدق علي و كذب أبو هريرة
* ضعفاء العقيلى 4 : 179 لأبى جعفر محمد بن عمر العقيلى ( المتوفى 322 هـ )
أما المثير هو ما يذكره سعيد بن المسيب ( 15-93 هـ ) زوج أبنة أبى هريرة :
كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكت و إذا أمسك عنه تكلّم .
* سير أعلام النبلاء للذهبى 2 : 615
و يبقى لنا أن نسأل :
ما هو ذلك الأمر الذى كان معاوية يبذل لأبى هريرة من أجله المال كى يكتمه ؟
و من الممكن مقارنة نموذج ( جوبلز ) وزير دعاية الرايخ الثالث عهد أدولف هتلر بنموذج ( أبو هريرة ) بوق دعاية الفئة الباغية فى عهد معاوية بن أبى سفيان . فقد أتقن أبو هريرة فن الدعاية للأمويين و خدمهم خدمات جليلة لتثبيت مملكتهم .
و لتسويق أسياده من الفئة الباغية التى صار أحد أعلامها بتوليه إمارة المدينة من قبل بسر بن أرطأة قائد معاوية بن أبى سفيان أخذ أبو هريرة يبث بين المسلمين ما يفشى فيهم الخمول و القبول بأئمة الجور و الظلم . و من ذلك المثال الآتى :
عن العلاء بن الحارث الدمشقى ( المتوفى 136 هـ )عن أبى عبد الله مكحول الشامى ( المتوفى 113 هـ ) عن أبى هريرة أن رسول الله قال :
الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا . و الصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برا كان أو فاجرا و إن عمل الكبائر . و الصلاة واجبة على كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر
* سنن أبى داود – كتاب الجهاد – باب فى الغزو مع أئمة الجور
* السنن الصغرى و السنن الكبرى للبيهقى و سنن الدارقطنى
و المعروف أن الجهاد ينطوى على التصرف في الاَنفس و الاَعراض . فكيف يجب مع أمير فاجر إذ ربما يدعو إلى الفساد و العصيان و قتل الاَبرياء و هتك الاَعراض وغصب الاَموال ؟
و الرواية واضحة جدا و أبو هريرة أنما رواها كأداة من أدوات السياسة التي تبغي من وراء ذلك إضفاء المشروعية على الجهاد تحت لواء أسياده من الطلقاء و أبناء البيت الاَموى
و أخذ أبو هريرة يدعو الناس للأستكانة و طاعة أسياده من بنى أمية رابطا بين طاعة الله و رسوله و بين طاعتهم قائلا أن النبي قال :
من أطاعنى فقد أطاع الله و من أطاع الأمير فقد أطاعني . و من يعصني فقد عصى الله و من يعص الأمير فقد عصانى
* مسند أحمد – باقى مسند المكثرين و صحيح مسلم – كتاب الإمارة
* صحيح البخاري - باب يقاتل من وراء الإمام ويتقي به
* صحيح مسلم - باب وجوب طاعة الأمراء معصية وتحريمها في المعصية
و ذهب أبو هريرة لشوط أبعد فكان يبث بين الناس مقالته أن يتمسكوا بحكم معاوية :
تمسكوا بصدغى معاوية
* البداية و النهاية لأبن كثير 4 : 638
* الأصابة فى تميز الصحابة 7 : 443
لقد أظهر أبو هريرة للمسلمين فى زمانه بأنه أكثر الرواة صلة برسول الله و أدى أسرافه فى الرواية عن رسول الله إلى تسرب الشك عند المسلمين فى صحة ما يرويه . و قد أسرف أبو هريرة فى الرواية عنه من الناحية الكمية و النوعية . و نلاحظ من الناحية النوعية أن رواياته تضمنت :
- مخاطبة الرعايا المسلمين دون حكامهم و حثهم على طاعة الحكام
- رواية أحاديث تتعلق بأمور ثانوية تافهة بعيدة عن جوهر الدين و ضعيفة الصلة بحياة المسلمين العامة و الخاصة
تعليق