إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

زيارة امير البحرين للنجف الاشرف ولقائه بالامام الحكيم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • زيارة امير البحرين للنجف الاشرف ولقائه بالامام الحكيم

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد

    نعيد هذا الموضوع انعاشا لذاكرة خائن البحرين ودكتاتورها




    الوجيه صادق البحارنة يفتح لـ «الوسط» نوافذ من ذاكرة الوطن (5 - 5)



    زيارة سمو الأمير الراحل للنجف الأشرف تاريخية بكل المعاني

    المنامة - حيدر محمد


    الحديث مع رجالات البحرين الأوائل يكتسب أهمية استثنائية، كونه يلامس حقباً مهمة من ذاكرة الوطن ومخاضات الحراك السياسي والاجتماعي طوال قرن من الزمان.


    ثمّة ملامح كثيرة يمكن استثارتها من ذاكرة ثرية لها مخزونها التاريخي الذي تتكئ عليه، لتروي صورة البحرين على مدار القرن العشرين في أبعادها المختلفة وزواياها المتعددة.


    هكذا هو الحديث مع شخصية مثل الوجيه صادق الحاج محمد البحارنة الذي عايش بواكير البحرين المعاصرة والتأسيس الإداري لنواة الدولة، مروراً بحقبة الاستقلال وما بعدها من أحداث وصولاً إلى مشارف الألفية الجديدة.


    في هذه الحلقات يتحدث صادق البحارنة عن ذكريات محفورة في القلب والوجدان، إنها خلاصة حقب متراكمة. ويتشعّب الحديث من المنامة المدينة في سكونها ووداعتها، إلى تجارب المسئولية في العمل الرسمي والأهلي والخاص على حدٍّ سواء.


    وثمة أهمية بالغة لرواية تجربة كانت لحقب ممتدة لصيقة بدوائر صناعة القرار، وكذلك ذات احتكاك مع البيئة الاجتماعية عبر منابر ومواقع عديدة في خطوط التماس مع أهل هذا الوطن من مختلف فئاتهم وانتماءاتهم الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية.


    كثيرة هي الأحداث، وكثيرة هي الذكريات... إنها نوافذ مفتوحة من ماضي هذا الوطن أثرت حتماً في رسم ملامح الحاضر واستشرافات المستقبل... هنا التذكر له رمزيته ودلالاته الاستثنائية على أكثر من صعيد.


    في هذه الحلقة يتحدث صادق البحارنة عن تفاصيل الزيارة التاريخية التي قام بها سمو الأمير الراحل المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة للعراق في العام 1968م...


    وهنا نص الحوار:


    لقد كانت زيارة سمو الأمير الراحل للعراق زيارة تاريخية من حيث الشخوص والتوقيت والدلالات... ما الذي تذكره اليوم من تلك الزيارة؟


    - في الواقع كنت محظوظاً للغاية بالمشاركة في الزيارة التاريخية التي قام بها سمو الأمير الراحل المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة للعراق في العام 1968، وقوبل سمو الأمير الراحل بترحاب كبير في العراق من جميع الجهات سواءً من قبل الدولة العراقية أو المراجع الدينية، وكذلك على المستوى الشعبي.


    وكنت ضمن الوفد الرسمي الذي ضم رئيس الوزراء سمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة وسمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة وأحمد العمران ومحمود العلوي وأنا وبعض الصحافيين مثل إبراهيم قرنل. ونزلنا في القصر الأبيض لعبدالإله في بغداد.


    وفي المساء (قُبيل العشاء) أرسل عليَّ سمو الأمير الشيخ عيسى في القصر في بغداد، وأخبرني عن رغبته الملحة في زيارة الإمام السيدمحسن الحكيم، وقال لي
    : «إنني سألت رئيس الوزراء العراقي أن أطلب مقابلة مع السيدمحسن الحكيم. وجاء الرد بأن ترتيب هذا اللقاء سيستغرق مدة لا تقل عن ثلاثة أيام (وهو ما يتجاوز موعد الزيارة للعراق)».


    وقلت: «أنا سأرتب الموضوع (الزيارة)، خصوصاً أن لديكم زيارة الأئمة الأطهار غداً صباحاً». ولا أخفيك أنه في بادئ الأمر شكك الأمير في سرعة ترتيب الزيارة ولكنني أقنعته أن الزيارة ستتم وفق ما يتمنى.


    وبالفعل خرجت من القصر حاملاً بشتي دون مرافق وأخذت سيارة (تاكسي) وطلبت منه أن يوصلني إلى الكوفة، وينتظرني ومن ثم يرجعني إلى بغداد وطلب مني 25 ديناراً ولكنني دفعت له 50 ديناراً من أجل أن أضمن تحقيق المهمة التي خرجت من أجلها، وكانت المسافة ما بين بغداد والكوفة ساعتين ونصف الساعة.


    وبالفعل قد وصلت إلى بيت الإمام السيدمحسن الحكيم في الكوفة مقابل شط الفرات، وكان في مجلس المنزل السيدمحمد باقر الصدر، والسيدمحمد باقر الحكيم، وآخرون، وبعد أن رحّبوا بي، سألتهم عن السيد الحكيم فقالوا لي
    : «نأسف بأن سماحة السيد ذهب للنوم»، ولكنني طلبت منهم أن يخبروه بوجودي وخصوصاً أني قطعت مسافة طويلة من أجل مقابلة سماحته، ومن حسن الحظ لما علم السيدمحسن الحكيم بوجودي خرج ورحّب بي. وسألني عن الوالد الذي كانت تربطه به علاقة تاريخية وثيقة. وقد كنت مع الوالد أثناء زيارته للعراق وأتذكر أنه حينما زار النجف أسكنه السيدمحسن الحكيم في بيت ابنه السيدمحمد باقر في النجف.


    وبعد أن ضيّفني السيدمحسن الحكيم. قلت له: «يا سماحة الإمام، هل سمعتم عن زيارة سمو أمير البحرين للعراق؟» فقال: «نعم، سمعنا عنها»، فقلت له إن سمو الأمير يرغب في زيارتكم غداً. فوافق الإمام الحكيم على الزيارة ولكن طلب أن تكون الزيارة قبل الساعة الحادية عشرة صباحاً؛ لأنه سيذهب إلى النجف لصلاة الجماعة.


    رجعت إلى بغداد وكان الوقت متأخراً، فانتظرت لليوم التالي، وفي الصباح الباكر (تحديداً في الساعة السادسة صباحاً) ذهبت لسمو الأمير الشيخ عيسى بن سلمان، وقلت: يا طويل العمر لقد رتبت الموعد مع السيدمحسن الحكيم، والبيت سهل وهو في آخر الكوفة مقابل الفرات، في الجسر المؤدي إلى طريق النجف، وعندما يلف السائق على اليمين سيكون هناك شخص من قبل مكتب السيد الحكيم ينتظر عند الشط.


    وبصراحة لم يكن الشيخ عيسى واثقاً أن اللقاء الذي قال عنه رئيس الوزراء العراقي إنه يحتاج إلى ثلاثة أيام من أجل ترتيبه، يستطيع صادق البحارنة ترتيبه خلال عدة ساعات فقط!


    وما سبب الزيارة أساساً؟


    - بصراحة لم أكن أعلم في بداية الأمر ما كان في ضمير الأمير، ولكنه كان مصرّاً بشدة على الزيارة. ولكنني حملت رسالة من الوالد للسيدمحسن الحكيم كان هذا فحواها: «يا سماحة الإمام قد يطلب منكم سمو الأمير الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة المساعدة بشأن تثبيت عروبة البحرين فأرجو من سماحتكم ألا تقصّروا». وقد أوصلت الرسالة، وكانت نتائج الزيارة أكثر مما توقع وفد البحرين، لأن الإمام الحكيم وقف وقفة تاريخية من أجل أن تصبح البحرين دولة عربية مستقلة.


    وكيف كان برنامج الزيارة؟


    - في الصباح الباكر قام الوفد برئاسة الأمير بزيارة الإمام الكاظم (ع) في منطقة الكاظمية في الثامنة صباحاً. وبعد ختام الزيارة سأل الأمير: «كم أهديتم للعاملين في الحضرة الكاظمية؟»، فقال السيدمحمود العلوي: ثلاثة آلاف دينار. فقال سموه: «أعطوهم سبعة آلاف ليصبح المجموع 10 آلاف دينار». وذهبنا إلى مرقد الإمام أبي حنيفة ولاحقاً ذهبنا إلى مرقد عبدالقادر الكيلاني ومنحهم الأمير عطايا مشابهة.


    وصلنا الكوفة ودخل سموه بيت السيدمحسن الحكيم، وجلس الأمير ورئيس الوزراء وبقية أعضاء الوفد على الأرض في بيت السيد الحكيم. فلما دخل السيد قمنا جميعاً وسلمنا عليه، وقمت بتعريفه على سمو الأمير وبقية أعضاء الوفد. وتبادل السيد الأحاديث، وقدم الحكيم سيجارة ملفوفة إلى الشيخ عيسى.


    وقال السيد الحكيم لسمو الأمير:

    «سمعت من أهل البحرين أنكم ترعون مساجدهم وحسينياتهم وتساعدونهم في حياتهم وتهتمون بحقوقهم وشئونهم كافة، فجزاك الله خيراً»،
    فرد عليه سمو الأمير:

    «نحن كحكام واجبنا أن نرعى رعايانا، وأنا لا أفرق بين شيعي وسنّي، وأعطي الجميع».


    في ختام اللقاء، قدّم الأمير إلى الحكيم هدية وهي عبارة عن عشرين ألف دينار، إلا أن الحكيم لم يتسلمها، وطلب أن تصرف في عمل خير في البحرين. وعندما تحدثت مع سمو الأمير الشيخ عيسى أبلغته برغبة الحكيم. وأثناء الحديث اقترحت أن تصرف الأموال في إعادة بناء جامع رأس رمان، واستحسن الأمير الفكرة، واعتبرها ذكرى للزيارة.


    بعد رجوعنا للبحرين ذهبت لمجلس سمو الأمير الراحل وقلت له إن جناب السيد (الحكيم) قبل إعمار الجامع في المنامة كذكرى للزيارة، ووافق على اختيار جامع رأس رمان الذي كان متهالكاً آنذاك، بعد ذلك، أعلنّا عن المشروع وبعد إنجاز الخرائط تبيّن لنا أن كلفة البناء ستصل إلى 54 ألف دينار.


    كانت لدينا 20 ألفاً وذهبت إلى الأمير لأخبره بأن ما لدينا لا يكفي... فوجّه الحكومة بدفع 10 آلاف دينار، وتبرع الأمير بـ 10 آلاف دينار أخرى، وساهمت الأوقاف بالبقية، وبُني الجامع الذي استمر بناؤه لسنوات طويلة.


    وبالعودة إلى الزيارة ذهبنا لجامع الكوفة. وبعد وصولنا النجف زرنا الحضرة الحيدرية، مرقد الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وفي كل هذه الزيارات قدم الأمير هدايا لتلك الحضرات.


    وعند وصولنا لمدينة كربلاء نزلنا في فندق، وألقى السيدمحمد حسن الشخص قصيدة ترحيبية، بالإضافة إلى شخص بدوي عراقي آخر ألقى قصيدة نبطية في فندق كربلاء وكان فندقاً جديداً ولكنه بعيد عن الحرم... تغذينا وذهبنا إلى الإمام الحسين وزرنا الحضرة، وآخر زيارة للوفد كانت لحرم أبي الفضل العباس... ومن الطرائف أن الشيخ عيسى كان لابساً خنجراً، ومعه سيف فيه كراكي، فقلت له مازحاً: «طال عمرك أنت داخل على العباس هذا راسه حار يعلّق في السقف، وما يصير ندخل عليه بخنجر»، فابتسم سمو الأمير بينما كان ينزع الخنجر ويسلم الأغراض لخادمه فرحان.


    وأذكر أن السيدمهدي والسيدمحمدباقر والسيدهادي الحكيم ردّوا الزيارة لسمو الأمير بزيارته في القصر الأبيض.


    ولاحقاً زارنا السيدمهدي الحكيم بالبحرين في العام 1970 تقريباً، وأخبرني أنه مطارد (من قبل النظام العراقي الذي استلم حكمه حزب البعث)، وكان مطلوباً. وعندما عرف سمو الأمير بالموضوع أمر للسيدمهدي بجواز بحريني، معتبراً أن ذلك جزءٌ من ردّ الجميل لعائلة الحكيم. بعد ذلك ذهب السيدمهدي الحكيم إلى دبي وعيّنوه رئيساً للأوقاف، ومن ثم ترك دبي وذهب إلى باكستان والهند، وبعد ذلك انتقل إلى لندن في ثمانينات القرن الماضي، وعندما قام بزيارة للسودان كانت السلطات العراقية مازالت تلاحقه واغتالته هناك في 1988.


    وهل التقى سمو الأمير مع طلبة العلوم الدينية في النجف الأشرف؟


    - نعم، التقى الأمير الشيخ عيسى بن سلمان مع مجموعة من طلبة العلوم الدينية البحرينيين في النجف الأشرف، وأذكر أن من بين من حضر هذا اللقاء الشيخ محمد سعيد المبارك الذي عُيّن قاضياً في المحكمة والسيدعلوي الغريفي والسيدجواد الوداعي والشيخ أحمد العصفور وعدداً آخر من طلبة العلوم الدينية.


    وهل التقى الأمير مع السيدعلي كمال الدين حيث كان منفيّاً إثر مشاركته في هيئة الاتحاد الوطني؟


    - لقد أرسلنا الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة إلى النجف الأشرف أنا والسيدمحمود العلوي وقال: «جيبوا معكم السيدعلي كمال الدين». وبعد زيارة سمو الأمير عاد السيدعلي كمال الدين إلى البحرين وسافر للنجف مرة أخرى، وقدّره سمو الأمير كثيراً، فالحقّ يُقال.


    وبالمناسبة أن والدي قد توفي في العام 1968، أي السنة نفسها التي حدثت فيها الزيارة التاريخية للأمير. وجئت المحل وفتحت وصيّته، وكانت الوصيّة أن يُنقل إلى العراق ويُدفَن في إحدى حجرات النجف مع بذل المال ما أمكن.


    كانت الوصيّة صعبة، وعلى الفور أرسلت العبارة بالبرقية إلى السيدمحسن الحكيم الذي أجابني ببرقية أيضاً مفادها أن الحجرة مهيّأة فانقلوا الجنازة إلى النجف. وأخذت تابوتاً من عند «كري ماكنزي» وفيها أربع مقابض ذهبية اللون، وفي 12 رمضان (في اليوم التالي للوفاة) وصلنا إلى النجف، وحصل الوالد على توفيق، توفي في العاشرة مساءً وغسلناه في البيت وطلبت من قارئ للقرآن أن يتلو عليه القرآن إلى الفجر، وبالصدفة في ذلك اليوم كانت هناك طائرة إلى النجف تابعة للخطوط العراقية. ودفن كما أراد في وصيته.


    وبعد الانتهاء من مراسم الدفن أصرّ علي أخوالي إقامة مجلس العزاء في النجف الأشرف. وبالفعل قام المشرف على جامع الطوسي بتحضير مستلزمات الفاتحة (مجلس العزاء) وكانوا يجمعون السجائر على هيئة جبل لتوزيعه على القادمين لتأدية مراسم العزاء. وهي عادة مشهورة لدى العراقيين.
    اه



    صورة تاريخية تجمع بين أمير البحرين الشيخ عيسى
    بن سلمان آل خليفة مع الإمام السيد محسن الحكيم في
    منزله بالكوفة في العام 1968م


    الملفات المرفقة

  • #2
    هذه حقيقة شيعة البحرين (البحارنة) عرب وطنيون
    وماذا كان جزائهم يا حمد؟!!!!


    ************


    «الأوقاف» نقلت 1500 شخصية من القرى بالباصات ليُصوِّتوا على عروبة البحرين

    المنامة - حيدر محمد
    ....
    في هذه الحلقة يتحدث صادق البحارنة عن محطات من ذكرياته وخصوصاً خلال فترة «الاستفتاء الأممي» على عروبة البحرين واستقلالها... وهنا نص الحوار:

    لقد عاصرتم فترة الاستفتاء على عروبة البحرين في 1970 من قبل اللجنة الأممية التي عينتها الأمم المتحدة، ماذا كان دوركم في تلك الفترة؟

    - في الحقيقة إن الاستفتاء على عروبة البحرين في مارس/ آذار 1970 كان فصلاً مهمّاً من تاريخ البحرين، ومثلاً، أنا أشرفت شخصياً على رحلات نظمتها الأوقاف الجعفرية لنقل أهل القرى بالباصات، وكانت لدينا ما بين 50 و60 باصاً وكنا نوصلهم لـ «فندق الخليج» لمقابلة أعضاء اللجنة التي عينتها الأمم المتحدة لتقرير مصير شعب البحرين، هذا إضافة إلى الشخصيات التي قدمت من المناطق الأخرى. وكنت واقفاً كلما يمتلئ الباص لينقل الأهالي، وكان مجموع من نقلتهم الأوقاف - ليقولوا للبعثة الأممية إنهم يريدون البحرين عربية حرّة مستقلة تحت حكم أسرة آل خليفة الكريمة - يصل إلى أكثر من 1500 شخص ممثلين لقرى البحرين.

    وحتى هذه اللحظة أتذكر هذه القصة التي لا تزال راسخة في ذهني وذاكرتي، وهي مؤثرة للغاية. فقد جاء حجي كبير من سترة وقال للجنة بسجيته ولهجته العامية البسيطة: «ويش تبون منا انتون، قوموا شيلوا أوراقكم، ما نبي إيران ولا الشاه ولا نبي أحد، أحنا ما نبّي إلا آل خليفة حكاماً علينا».

    وأذكر أن سمو رئيس الوزراء استشهد بهذه الحادثة في مطلع التسعينات من القرن الماضي عندما دعا علماء ووجهاء وأعيان الشيعة بحضور سمو الأمير الراحل، فأراد أن يستشهد بهذه القضية. وقال الشيخ خليفة لسمو الأمير: «يا طويل العمر، في أيام الاستفتاء جاء شخص من سترة وقالها بكل جرأة وإخلاص وبلهجته العامية لأعضاء اللجنة التي عينتها الأمم المتحدة إننا لا نريد إلا آل خليفة حكاماً علينا».

    وكان معنا في تلك الجلسة شخص آخر يدعى سليمان (سليمان آل مبارك) وكان عضواً في الأوقاف، وهذا الشخص كان كفيفاً، ويتصور الكفيف أن كلامه لا يسمع بسهولة. وقال لرئيس الوزراء بلغة شعبية دارجة: «أبناء الحجي اللي من سترة اللي وقف في الاستفتاء محبوسين في القلعة، وان شاء الله تفرجون عنهم». فأراد سمو رئيس الوزراء أن يلطف الجو في الوداع، وأعلمه بأنه سمع تعليقه.

    ومن دون شك، كانت الزيارة التاريخية التي قام بها سمو الأمير الراحل إلى الإمام محسن الحكيم في 1968 مهمة جداً، وسآتي على ذكرها لاحقاً، لأنني كنت في تلك الرحلة.

    وكيف كانت العلاقة مع المغفور له سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة؟

    - كما ذكرت سابقاً، كان الحاكم سمو الشيخ سلمان بن حمد (توفي في 1961) حريصاً على التواصل المباشر مع المجتمع إذ كان يجلس في قصر الرفاع، بينما قصر القضيبية كان مخصصاً لكبار الضيوف وللاستقبالات في المناسبات العامة. وكان الشيخ سلمان يجلس ثلاث مرات يومياً، الجلسة الأولى في الصباح لعموم الناس، والجلسة الأخرى في العصر لجماعة آخرين، والجلسة الثالثة في المساء لأفراد الأسرة الحاكمة. وكان الشيخ سلمان يخصص الجلسة يوم الجمعة للبحارنة فقط، ويحضرها الشيعة من العلماء والوجهاء والأعيان ومختلف الفئات. وكان يجلس في يوم عيد الشيعة، فأحياناً يصل الفرق إلى ثلاثة أيام، ولكنه يصر على استقبال الشيعة في يوم عيدهم. وأتذكر أن في إحدى المرات ذهبت في سيارتي بصحبة منصور العريّض وحسن مديفع لزيارة سموه في العيد، ودخلنا في المختصر فقال لنا الشيخ سلمان مازحاً: «شذيه مطاوعتكم ثلاثة أيام فرق»، فابتسم منصور العريض ورد مازحاً: «طويل العمر مطاوعتكم أخس».

    أتذكر أنه حتى افتتاح المآتم الجديدة كان بحضور الشيخ سلمان، فبعدما انتهينا من مأتم مدن (البناء الثاني) ذهبت لأدعو الشيخ سلمان لافتتاح المأتم، فقال لي: «يا ولدي، سأرسل الابن (عيسى) نيابة عني للحضور»، وبالفعل جاء سمو الأمير الشيخ عيسى بن سلمان في حفل افتتاح المأتم، وألقيت قصيدة وألقى جاسم المحل كلمة، ودعينا كبار تجار السنة والشيعة. الأجواء كانت أنموذجية تلك الأيام.

    وهل تذكر شيئاً قبل حكم الشيخ سلمان؟

    - قبل ذلك كان حكم الشيخ حمد بن عيسى (استمر حكمه حتى وفاته في 1942)، وتلك كانت أيام والدي، وكانت علاقة الوالد قوية مع الأسرة الحاكمة، وكان الشيخ حمد يدعوه للعشاء مع شخصيات البلاد الأخرى، ولهذا العشاء قصة مثيرة؛ فكان يبدأ رحلته من المنامة إلى الصخير قبل الظهر ويطلب من الوالدة تحضير الطعام ليأخذه معه على حمارته، ويذهب أولاً الى عين «أبو زيدان» في الخميس (البلاد القديم) للسباحة وينشر وزاره، ومن ثم يذهب إلى الهورة (مدينة عيسى حالياً) ليستريح عند الأشجار، ويطعم حمارته، ويصل الصخير قبيل أذان المغرب للعشاء مع الشيخ حمد بن عيسى. ويقضي النهار كله من أجل هذا العشاء، ويبيت هناك، ومن ثم يبدأ العودة في اليوم التالي.

    الوالد - الله يرحمه - مرة استغرب أنني ذهبت لبيروت الصباح، ووصلت الثامنة والنصف صباحاً إلى مطار بيروت، واجتمعت هناك، وبعد الانتهاء من الاجتماع في الساعة الحادية عشرة تغذيت وأخذت تذكرة عبر رحلة الساعة الثالثة والنصف عصراً، ووصلت إلى البحرين. وكانت عادتي أن أتناول الغذاء مع الوالد، وبعد رجوعي ذهبت للوالد وقال لي: «ليش ما تغذيت وياي اليوم يا ولدي»، فقلت له إنني تغذيت في بيروت تغذيت ورجعت، فلم يصدّق، وأعاد على ذكري أنه كان يتطلب منه يومين من الترحال ذهاباً وإياباً إلى الصخير لزيارة الشيخ حمد، بينما تطور الزمن بحيث انني استطيع الذهاب إلى بيروت والإياب في خلال اليوم ذاته.

    وما الذي ميّز علاقة الحكام مع مختلف مكونات المجتمع؟

    - لقد كان حكام البحرين على الدوام ينظرون نظرة احترام وتقدير إلى مختلف مكونات الشعب ولاسيما البحارنة، فكانت الدولة تقدرهم، وتتواصل مع كبارهم، فمثلاً حاكم البحرين المغفور له الشيخ سلمان بن حمد زار سلمان بن رجب وحسن مديفع، وأذكر حينما جاء الملك سعود لزيارة البحرين في العام 1945، طلب مني حسن مديفع أن ألقي كلمة ترحيبية، فجئت ووقفت أمام الشيخ سلمان والملك سعود، وكانا يتحدثان عن «جسر» يربط بين البلدين منذ ذلك الوقت.

    وكيف كانت علاقتكم مع الأمير الراحل المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان بعد تسلمه الحكم؟

    - في الحقيقة إن سمو الأمير الرحل الشيخ عيسى بن سلمان كانت رعايته كثيرة جداً للبحارنة، وأمر بالحفاظ على أراض كثيرة للأوقاف عندما كانت تصله قضايا، وإذا ذهب لسموه شخص من البحارنة يطلب المعونة يرسل لي خطاباً، مكتوب فيه: «يرسل إلى صادق البحارنة»، ولا أزال احتفظ بهذه المراسلات.

    وماذا عن غرفة التجارة؟ هل شاركتم في أنشطتها؟

    - كانت غرفة التجارة عند التأسيس الأولي (سنة 1939)، اسمها جمعية التجار العموميين، وأسسها يوسف علي أكبر وأشرف وجاشنمال، هؤلاء هم المؤسسون الأصليون ولاحقاً صرت عضواً في أحد مجالس الإدارة، وكانت الهيئة الإدارية في البداية تأتي عن طريق التعيين وتطورت لاحقاً إلى الانتخابات. والتعيين كان من قبل عبدالعزيز البسام وأشرف (هندي مسلم) وجانشمال (هندي بوذي). ويوسف أكبر علي رضا. وبالمناسبة فإن أشرف كان له دور كبير في البحرين وكانت بيته في تقاطع المنامة والسلمانية (عند حوطة أبل). وتغير اسمها الى غرفة تجارة البحرين في 1945... وأيضاً فإن شارع المتنبي كان أغلبه من التجار اليهود. وكانت العلاقة على ما يرام، ولم تحدث أية مشاكل إلا بعد فترات طويلة جداً، وخصوصاً بعد الهجوم على فلسطين. وكنا نجمع التبرعات للشعب الفلسطيني برئاسة سمو الشيخ خليفة.

    وما اللجان الحكومية التي شاركتم فيها؟

    - شاركت في جميع المجالس والهيئات واللجان الحكومية منذ أيام المغفور له سمو الشيخ سلمان بن حمد والمستشار بلغريف وكذلك في أيام سمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان، ومنها مجلسا الصحة والتعليم (1956)، ومجلس التجارة والغوص وبلدية المنامة والهيئة البلدية المركزية ومجلس الأوقاف الجعفرية، ولجان التثمين العامة ولجان تثمين أراضي وممتلكات بعض العوائل الكبيرة التي حدث فيها خلاف بين الورثة، يكتب الأمير لي كتاباً بالقضية ويُذيّله بهذه العبارة: «يرسل إلى صادق الحاج محمد البحارنة للإفادة برأيه في ذلك».

    وأصبحت عضواً في بلدية المنامة لفترات طويلة جداً منذ عهد الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة إلى عهد الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، وكانت لدى البلدية صلاحيات كثيرة، وتم تعييني أيضاً في لجنة تسمية الشوارع في البحرين، وهذا خطاب من رئيس الوزراء الشيخ خليفة «الحكومة اختارتكم تود استملاك جميع الأراضي الواقعة بالمرتفعات الشرقية وساحل سترة، وعيّنتكم عضواً في لجنة تثمين كل تلك المواقع».

    وما أبرز الشركات الوطنية التي ساهمتم فيها؟

    - في الحقيقة كنت عضواً مؤسساً في كثير من مجالس الإدارات في الهيئات العامة والشركات التجارية التي أسست، بدءاً من فندق الخليج وطيران الخليج وشركات المطاحن والدقيق، كنا عشرة أشخاص نقوم بأعمال التأسيس، من بينهم أحمد كانو وجماعته، وأنا وجماعتي، يوسف المؤيد وأبنائه. والمساهمون الكبار كنا عشرة. أنا وعلي الوزان وراشد الزياني ساهمنا في كتابة وثيقة بنك البحرين الوطني ولكن لاحقاً لم ندخل إلى البنك، ولكن كنت مؤسساً وعضواً في مجالس الإدارات للعديد من البنوك الأخرى منها بنك البحرين والكويت والبنك البحريني السعودي وغيرهما.

    وكان البنك الأساسي «تشارترد بنك» ومقره في مكان مطبعة الزيرة (المطبعة الشرقية) حالياً. وكان الوالد أول من فتح الحساب مع البنك في العام 1936؛ لأن التجار كانوا يخافون من البنوك سابقاً ولكن الوالد لم يكن يخاف من البنوك. ولم تكن هناك شيكات، وإنما دفتر تُقيَّد فيه الإيداعات والسحوبات، ولديّ نسخة من الدفتر حتى الآن. وكانت للوالد نظرة تجارية رغم انه لم يكن دارساً.

    وماذا عن مشروع مدينة عيسى التي كنتم تشرفون على منازلها؟

    - نعم، كنت عضواً في اللجنة التي ترأسها سمو رئيس الوزراء المعنية بالإشراف على مشروع بناء مدينة عيسى، فعدما أمر سمو الأمير الراحل الشيخ عيسى ببناء هذه المدينة، عيّن مجموعة أعضاء رئيسهم سمو الشيخ خليفة وأعضاؤها: أنا وعبدالله أمين يبيع دراجات (سياكل) في السوق.

    وكل أسبوع يأتون بمجموعة مفاتيح، وكان مقر اللجنة والمفاتيح عندنا في الدكان أنا وبقية أعضاء اللجنة، وكنا ننصح الأهالي في أخذ البيت لأنه كان بتسهيلات كبيرة ومبالغ رمزية. ولكن من رفض جاء يتأسف ويأتينا يترجى على حصول البيت. وفي إحدى المناسبات أمر الشيخ عيسى بإسقاط المبالغ ودفع 20 ألفاً زيادة لكل بيت، والذين لم يأخذ عضواً على أناملهم!

    هل من ذكريات تخص فترة ما بعد الاستقلال والمطالبة بالبرلمان؟

    - بعد الاستقلال، كانت الحكومة تريد أن يكون المجلس الوطني نصفه معين والنصف الآخر منتخب، فقالوا نرسل لهم صادق البحارنة ليقنع علماء الدين الشيعة لعرض الفكرة، وأقمت وليمة ذبحت غوزي، وشارك في اللقاء عدد من كبار العلماء آنذاك منهم ممن مازال حياً السيد جواد الوداعي والشيخ أحمد العصفور والشيخ عيسى أحمد قاسم، ولما فاتحتهم بأن هناك موضوعاً للنقاش... قالوا: نتعشى أولاً (وكانوا ربما قد علموا سبب الدعوة على ما يبدو). وبعد العشاء قالوا عندنا جماعة بجونا، وخرجوا من دون مناقشة الموضوع. وعندما أخبرت الشيخ خليفة ضحك كثيراً، وقال: «يا صادق أكلوا الغوزي وقصّوا عليك»


    تعليق


    • #3
      «الأوقاف الجعفرية» من أوائل المؤسسات في نواة الدولة المعاصرة



      في هذه الحلقة يتحدث صادق البحارنة عن دائرة الأوقاف الجعفرية الذي اقترن اسمه بها، وكان رئيساً لها طوال 40 عاماً... وهنا نص الحوار:


      هل لك أن تحدثنا عن ذاكرتك الطويلة مع الأوقاف الجعفرية؟


      - في العام 1955 دخلت الأوقاف الجعفرية، والقصة أنني عندما ذهبت للمستشار تشارلز بلغريف، وكانت لي به معرفة عن طريق والدي، فقدرني كثيراً، فقلت له أريد أن أعمل، وبالفعل تسلمت الوظيفة بأمر من المستشار في اليوم نفسه، وكان مدير الأوقاف آنذاك جعفر الناصر وراتبه 200 روبية، وسيدشرف سيدجعفر الخرداوي (كاتب) وأنا الثالث ومعاشي 50 روبية.


      ومن المعروف أنه قد تعاقب على الأوقاف عدة رؤساء، أولهم مؤسس الأوقاف السيدعدنان الموسوي الذي توفي في 1928 بعد فترة وجيزة من الرئاسة، التي أصبحت عند السيدأحمد العلوي (والد السيد محمود العلوي أول وزير مالية بعد الاستقلال)، ومن ثم آلت لمحسن التاجر. وكانت رواتبهم 250 روبية.


      عندما أصبحت رئيساً خصص لي معاش قدره 500 روبية شهرياً. وأتذكر أن هناك محاسباً لحكومة البحرين يدعى سيدإحسان وهو باكستاني وأخبرني أن مجموع مستحقاتي المتراكمة بلغت 60 ألف روبية ننقلها من سنة لسنة. فقلت له أنا أعمل حراً ورئيساً شرفياً، ولا أريد مبلغاً مقابل الرئاسة، وأرجعوا المبلغ المتراكم على الحكومة. ولحين خروجي لم آخذ ديناراً واحداً كراتب من الأوقاف.


      ومن المهم الإشارة إلى أن حاكم البحرين آنذاك المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة والمستشار بلغريف منحا عناية كبيرة للأوقاف، فمثلاً الشيخ سلمان أوقف أوقافاً كثيرة للأوقاف، ومنها على سبيل المثال لا الحصر بناية الأوقاف الجعفرية الضخمة الحالية المقابلة للكنيسة في وسط المنامة ومساحتها (120 في 60) النصف الشرقي أوقفها الشيخ سلمان على مصروفات مقبرة الحورة، والنصف الغربي على فقراء الشيعة. وأوراق الطابو موجودة في الأوقاف حتى يومنا هذا.


      وكم كانت موازنة الأوقاف الجعفرية في تلك الفترة؟


      - أتذكر أن أول موازنة استخرجناها للأوقاف الجعفرية كانت 36 ألف روبية ونشرناها في الجريدة الرسمية، وكانت لدى الأوقاف ممتلكات غير عامرة. وكان المستشار بلغريف يحضر جميع جلسات الأوقاف ولدي جميع المستندات. وقام بتعيين أعضاء جدد وأقوياء منهم منصور العريض، حسن مديفع، الحاج إبراهيم الحواج، صالح الصالح، ياسين رمضان وأنا من جملة الأعضاء.


      وكم كانت عدد الاجتماعات التي تعقدها الأوقاف سنوياً؟


      - كان مجلس الأوقاف يعقد اجتماعات أسبوعية، والمستشار يحرص على حضور الجلسات، وإذا صادف موعد الاجتماع إجازة المستشار كان يرسل مكتوباً يعتذر فيها عن الحضور وأرجو ألا تبحثوا المواضيع التالية. ويطلب عدم مناقشة الموضوعات الحساسة إلا بحضوره.


      وما هي تلك الموضوعات الحساسة؟


      - كانت هناك أوقاف متنازع عليها، مثل وقف الإمام (متنازع عليه)، ووقف الخطيب (متنازع عليه)، ووقف الفقيه (مجتهد / محدث) الذي له تأليف. وهناك أوقاف كثيرة من هذا النوع وهي أوقاف ثمينة وليست قليلة.


      أود الإشارة إلى أنني استفتيت الإمام السيدمحسن الحكيم (قدس سره) عن قبول المنصب فكتب لي: «لقد أذنت لكم في التصرف في الأوقاف بحسب ما تقتضيه المصلحة بحسب نظركم، وفي أخذ العشر (كانت دائرة الأوقاف تأخذ العشر والعشر الآخر يذهب للتصليحات) وصرفه في الجهات حسب المصلحة العامة التي ترونها أو غيرها والله ولي السداد، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وإذا اقتضى نظركم صرف العشر لبعض الجهات فلا بأس به».


      وهذه الإجازة جددتها بعد وفاة السيدمحسن الحكيم عند السيد أبوالقاسم الخوئي وعدد من المراجع الدينية الأخرى.


      بالعودة إلى عهد سمو الشيخ سلمان، طلب منكم في العام 1955 رئاسة الأوقاف الجعفرية، وأيضاً ماذا عن أراضي الأوقاف التي وثقها سجل السيدعدنان، لماذا لم يتم تسجيلها رسمياً؟


      - بالنسبة لعدم تسجيل الأراضي، فإن السبب الرئيسي كان أن السيدعدنان ثبتها وكثيراً منها تطلب حضور المتبرع، وكان بعضهم متوفياً والآخر يحتاج إلى جلب وتثبيت أمام المحاكم وتوفي السيدعدنان بسرعة، وفي الحقيقة كان هناك تقاعس من الذين أتوا بعد السيدعدنان، وأعتقد لو أننا دخلنا الشيخ سلمان في تلك الفترة لسجلها، لأن علاقته بالشيعة كانت حميمية ومميزة، ومع الأسف أن الوقت مضى كما نرى حالياً.


      لقد تسلمتم رئاسة الأوقاف في وضع سياسي مضطرب، (فترة الخلاف بين الحكومة وهيئة الاتحاد الوطني) فكيف أثر ذلك على العمل في الإدارة؟


      - في الحقيقة أن مجالس الأوقاف في عهدي كانت 3-4 مجالس، وكانت أولويتي الرئيسية هي التركيز على شئون الأوقاف وتطويرها ورفع الإيرادات، وأنا فكرت في بناء جميع الأراضي والمحلات التجارية، وابتعدت عن النشاطات السياسية.


      هل كان سمو الشيخ سلمان يهتم بالمساجد والحسينيات ويتبرع لهم، وهل الدولة لمست الأوقاف بصورة سلبية آنذاك؟


      - في عهد الشيخ سلمان والمستشار الأمور كانت حسنة، والمستشار كان له دور في الأوقاف، وقال لي المستشار: هذه دائرتي وأعتز بها. هذا كلام بلغريف، وعندي مراسلات بلغريف وكان يحضر الجلسات ويراعي الأوقاف إلى آخر حد.


      وأتذكر عندما دعاه الحاج إبراهيم من قرية كرزكان، وطلب أرض إلى مأتم، قام المستشار بالتحدث مع الشيخ سلمان وأمر الحاكم بأرض 1200 بعمق 700 على البحر، وهي أرض كبيرة.


      الشيخ سلمان كان يرسل عليّ، ويقول لي «أريد أن تبني مآتم وتعطي أهل القرى ماجلة (مواد تموينية)، وتعطيهم أغناماً وكل ما يريدون، والقراء (الخطباء الحسينيين) أنا سأنزلهم شهرين محرم وصفر، اذهب ليوسف ارحمه (رئيس الديوان)، وخذ منه شيك 50 ألف روبية (كان ذلك نحو 1956). عندما ذهبت إلى الديوان وجدت أن الشيك كتب باسمي، ورجعت للشيخ سلمان، وقلت له إن الشيك باسمي وليس باسم الأوقاف، فقال الشيخ سلمان: «نحن نثق فيك، وزعها على مآتم القرى»، وكانت لديه نظرة خاصة، ونزولاً عند طلب الشيخ سلمان أخذت الشيك، وأدخلته حساب «تشارترد بنك» التابع للأوقاف الجعفرية، وقطعت رصيداً وبنفسي أوصلته لرئيس الديوان. ونفذت ما طلبه مني الشيخ سلمان، إذ صرفت الأوقاف المال لإعمار المساجد والمآتم ومصاريف الخطباء الحسينيين.


      هل لك أن تحدثنا عن قصة مدرسة النعيم للبنات؟


      - أراد المستشار أن يبني مدرسة للبنات في منطقة النعيم، ولكن وجهاء وأهالي المنطقة لم يوافقوا على هذا الطلب، ولكي يوقفوا المشروع وقالوا إن الأرض التي ستقام عليها المدرسة هي مسجد ولا يجوز البناء على أرض المسجد، فقام المستشار بأخذ جميع المراسلات الواردة من الجهة الرافضة، فأرسلها إلى رئيس المحكمة الجعفرية الشيخ عبدالحسين الحلي فسأل عن الأرض، فقيل له إن الأرض هي مصلى للعيدين فقط، وليست مسجداً. فكتب الشيخ عبدالحسين الحلي للمستشار بلغريف كتاباً هذا نصه: «أكتب لك هذا الكتاب وأنا واقفٌ على الموقع بصحبة السيدعلوي السيدإبراهيم والشيخ عبدالله الشيخ محمد صالح (آل طعان)، ولم يثبت لنا مسجديته (الموقع)، وإنما هو مصلى تُصلّى فيه صلاتي العيدين».


      وقبل المستشار هذا الحكم، ولكنني وعلى سبيل الاحتياط، ولم أحب الخوض في مواجهة مع أهالي النعيم، أخذت الكتاب وسافرت إلى السيدمحسن الحكيم في النجف بنفسي، وأخبرته عن القصة وقلت له هذا كتاب الشيخ عبدالحسين الحلي، ولم تثبت له مسجدية الأرض، فكتب السيدمحسن الحكيم هذا الكتاب: «أجزتك أن تبني على ثلثي الأرض مسجداً، والثلث المطل على الشارع محلات تجارية وسكناً، وما زاد على الدخل يصرف على المساجد المحتاجة في المنطقة». وأود أن أشير إلى نقطة مهمة هنا، وهي مرونة الفتوى التي أباحت صرف ما زاد عن الدخل للأوقاف المحتاجة الأخرى وهي مرونة أراها مهمة لسد احتياجات الكثير من الأوقاف. وبالفعل بنيت المشروع وفق الفتوى، فاعترضوا فأخبرتهم أنني بنيت وفقاً لفتوى السيدمحسن الحكيم.



      ******

      لمحات من تاريخ إدارة الأوقاف الجعفرية في البحرين

      تأسست إدارة الأوقاف الجعفرية في عهد المرحوم الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة العام 1347 هـ الموافق للعام 1928م برئاسة العالم الجليل السيدعدنان السيدمحمدصالح، وكانت في إحدى حُجَر المدرسة الجعفرية بالمنامة، وقد قام رحمه الله بتسجيل جميع الأوقاف في المنامة والقُرى في خمس سجلات تُعرف بسجلات السيدعدنان، وهي تحتوي على كل تفاصيل الأوقاف والواقفين والجهات الموقوف إليها والحدود من الجهات الأربع، وقد توفي رحِمه الله بعد فترة من تولّيه رئاسة الأوقاف وخلفهُ المرحوم السيدأحمد السيدعلوي، وهو من كبار العائلات في البحرين وهو من تجّار اللؤلؤ.


      وكانت أعمال الدائرة تسير حسب النُظم آنذاك إذ كان مستشار حكومة البحرين ( شارلزبلغريف) يولي الإدارة عناية خاصة، وكان يتابع أعمالها أولاً بأول، فكان يحضر جلساتها ويُبدي آراءه وإذا كان هناك موضوع يستحق الدراسة يقوم هو بإبداء ملاحظاته، وبعد وفاة المرحوم السيدأحمد العلوي، عيّن المرحوم محسن بن أحمد التاجر وهو أيضاً من الشخصيات البارزة في البحرين وأحد تجارها المرموقين، وأخذت الإدارة في عهده تتحسن وتنتظم بعدد موظفيها ونشاطها، حيث يتولّى شئون الإدارة بالإضافة إلى موظفيها مجلس مكوّن من ثمانية أعضاء إلى 12 عضواً وتكون عضويتهم آنذاك بالانتخاب، فمثلاً ينتخب أعضاء المنامة من المنامة وأعضاء من القرى بموجب إعلان صادر من مستشار حكومة البحرين، أما تشكيل المجلس فهو بالتعيين ويُراعى في ذلك محققين عن المنامة والقرى، ويضم أعضاءً إيرانيين وإحسائيين.


      في العام 1955م استقال المرحوم محسن بن أحمد التاجر، فتم اختياري لرئاسة الإدارة بقرار حكومي بموجب كتاب من المستشار في عهد المرحوم الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة، وقد قبلت هذا التكليف من الحكومة الموقرة.


      وأول عمل قمت به اختيار ثماني شخصيات من البحرين يمثلون المنامة والقرى ليكونوا أعضاء مجلس الإدارة، فصدر أمر الحكومة بهذا التعيين وعقدت أول جلسة لمجلس الأوقاف في العام نفسه 1955م، وقام بتشكيل لجان من أعضاء المجلس لمساعدته وهذه اللجان هي:


      اللجنة المالية: واختصاصها المحاسبة وإعداد الموازنة وغيرها من الأمور المحاسبية.


      لجنة الكشف: واختصاصها الكشف على الأوقاف من عقار وأراضٍ ونخيل وترتيب تأجيرها أو تضمينها عن طريق المزايدة.


      أما بالنسبة للإدارة الداخلية فقد قُسّمت إلى الإدارات التالية:


      - قسم الحسابات، قسم الإيجارات، قسم الإنشاءات والصيانة، وكلها توضع في المناقصات السريّة ما عدا الإصلاحات البسيطة والمستعملة.


      لقد قامت الإدارة خلال فترة 35 عاماً بتطوير جميع الأوقاف التي تمثل: أوقاف المساجد، أوقاف المآتم، أوقاف المقابر، أوقاف العبادة، أوقاف أولياء الله الصالحين.


      بالنسبة للمآتم وأوقافها فقد قامت الإدارة في تلك الفترة ببناء مجمعات عديدة وبيوت تُعرف بالفلل، وجُدّد في هذه الفترة مأتم محمد العريّض، ومأتم مدن، ومأتم القصّاب، وغيرها من المآتم، وكذلك المقابر فقد بُنِي مسجد بمقبرة الحورة بالمنامة، وتسوير المقبرة، وبناء مغتسلات حديثة للرجال والنساء، وكذلك قاعة كبيرة للمشيّعين.


      لقد بلغ دخل هذه الأوقاف خلال الفترة من مليون وسبعمائة ألف دينار سنوياً مقابل دخل الأوقاف في العام 1956م حيث أعدّت الإدارة أول موازنة لها بلغ الإيراد ستة وثلاثين ألف روبية، أي ثلاثة آلاف وستمئة دينار.


      وأخيراً فإن حكومة البحرين في الثمانينات والتسعينات تساعد الإدارة بمبلغ أربعمئة ألف دينار سنوياً لنفقات الإدارة من موظفين وغيرها، كما أن الشئون الإسلامية بوزارة العدل تقوم بتخصيص رواتب لأئمة المساجد وخطباء الجمعة، والمؤذنين وملاحظي المساجد بمبالغ لا بأس بها، فالخطيب والإمام يتقاضى 200 إلى 250 ديناراً شهرياً، والمؤذن 100 إلى 120 ديناراً شهرياً.


      لقد قامت الإدارة في تلك الفترة بإرسال عدد لا بأس به للدّراسة في النجف الأشرف الذي تخرج منهم الكثير وتجري للطلبة رواتب شهرية تعينهم على مصاريفهم المعيشية آنذاك.


      صادق البحارنة



      الملفات المرفقة

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 10-08-2015, 10:24 PM
      ردود 24
      3,135 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      يعمل...
      X