بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
------------------------------
هل مازال اسم آل رشيد يُرعب آل سعود ويقض مضاجع البعض؟
زال الحكم وانتهت السلطة ونفيت الأسرة لكن الاسم الخالد مازال يُرعب ويُخيف الرخوم!
فهل دفع ويدفع آل رشيد فاتورة بيعتهم في السابق لدولة الخلافة الإسلامية في الإستانة؟
سيبقى ابن رشيد في ذاكرة كل حائلي شريف, وستبقى حائل الأسيرة بانتظار المخلص

صورة للأمير سعود بن عبد العزيز آل رشيد مع مبعوث الخلافة العثمانية لإمارة حائل.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
فخلال القرن المُنصرم لم يستطع أحد أن يُعيد قراءة أحداث تلك المرحلة التي أدت إلى ظهور دويلات ودكاكين وبقالات سايكس بيكو العربية, ولم يتجرأ أي كاتب أو باحث عربي مُحايد ليكشف لجمهور القراء مدى الكارثة التي أوقعنا فيها حثالة الإنجليز وعملائهم في المنطقة, من خلال تمزيق عالمنا الإسلامي الذي كان مرهوب الجانب مُمثلاً بهيبة وسلطان الخلافة الإسلامية في اسطنبول, ومن ثم تفتيت وطننا العربي المُترامي الأطراف حتى أصبح عبارة عن دويلات كارتونية ورقية هشة وفارغة مُتناحرة يتصارع وكلائها المحليين بضراوة على خدمة مشاريع وتوجهات السيد الغربي المُستعمر الذي غير جلده ليواكب المرحلة الجديدة, لكنهُ لم يُغير أفكاره أو طبائعه الاستبدادية التي جلبت لنا الكوارث والمحن, وزرعت في قلب أمتنا ذلك الكيان الصهيوني المسخ وجعلت وكلائه المحليين ككلاب حراسة لحماية ذلك الجسم السرطاني الغريب الطارئ.
خلال القرن الماضي المُنصرم كان الجميع يلعن ويشتم فترة الخلافة الإسلامية ويعتبرها أحلك فترات الأمة ظلاميةً, والجميع اتفقوا بالرؤية والهدف رغم خلافهم الأيدلوجي والعقائدي وعدائهم المرير لبعضهم البعض, إلا أنهم كانوا متفقين جميعاً على أن قسمة الخبيثين سايكس وبيكو كانت نعمة ربانية وهبة أنجلوسكسونية أو منحة لوثرية حصدوا من ورائها بضعة كراسي منخورة ودكاكين فارغة معزولة, شاءت الظروف أن يخرج في باطن بعضها بترولاً أسود وتُحرم منه بقية الدكاكين الأخرى, فكانت حصة الأسد فيها لعائلات طفيلية شرهة وجدت لتمتص دماء الناس وتقتات من تعب الشعوب.
الغريب أن كل أصحاب تلك البقالات العربية المحدودة أيدوا بحماس مشروع سايكس وبيكو, وجميعهم أشادوا وحيوا منجزات المندوب السامي البريطاني السير بيرسي كوكس ورحبوا بخطط ضابط الاستخبارات لورنس وتغنوا بسطوة وبطش كلوب أبو حنيك, وتمسحوا ببركات شيخ الإسلام ضابط الإرتباط البريطاني الحاج جون فليبي!!
جميع تلك الأنظمة اللقيطة والطارئة المُستحدثة كانت فرحة وسعيدة بتمزيق جسد دولة الخلافة, كانوا كالأبناء العاقين الذين يتحينون الفرصة لموت أبيهم, كي يُسارعوا بدفن رفاته ويتقاسموا بعض من تركته, وما همهم إن فقدوا وجودهم وضاع كل مُستقبلهم أو تلاشى كل شيء!!
لقد دمروا كيان خلافة إسلامية واسعة وشاسعة مترامية الأطراف, وحطموا كيان أمة مُترابطة من أجل أن يحصلوا على مصالحهم العائلية ويُرضوا رغباتهم الشخصية الخالصة!!
ولحد الآن عندما يأتي ذكر للخلافة الإسلامية, ترتعد فرائصهم ويُصابوا بهستيرية عارمة وتنتابهم موجة من الإسهال الشديد والرعب والقلق, ويبدأ الطعن والتشويه في تلك المرحلة الراحلة, ومن ثم يُسارعوا بكيل التهم والتبرير لخيانتهم العظمى.
ويبدو أن أسرة آل الرشيد الحكام الشرعيين لإمارة حائل ورغم مرور حوالي قرن من الزمان, مازالوا محسوبين على نظام دولة الخلافة الإسلامية, حتى وإن لم يشعروا هُم بذلك أو يقتنعوا؟
فكل لقطاء وأذيال سايكس بيكو ينظرون لهم كـ كابوس مُريع ويعتقدون في عقلهم الباطن أنهم ورثة شرعيين لدولة الخلافة الإسلامية في المنطقة, أما ابن سعود فيرى فيهم في قرارة نفسه أنهم الحكام الشرعيين لجزيرة العرب, ولذلك حاول ويُحاول طمس تاريخهم وتغييب دورهم سواء كأسرة أو كأشخاص.
ويُقال أن عبد الرحمن بن سعود الذي يُلقب بـ ( كويسه ), رأى يوماً أحد أهالي حائل مُقرب من ولده عبد العزيز, وهو في الأصل من أهل القصيم لكن أسرته قطنت حائل فعُد من حائل, وذلك بعد أن أعادهم الإنجليز من المنفى الكويتي للحكم في درعية الغدر والخيانة؟
فنصح عبد الرحمن بن سعود ولده عبد العزيز بالحذر منه ومن أهل حائل قاطبة قائلاً :
( يا ولدي يا عبد العزيز : انتبه ترى هذولا أهل حايل ينظرون لابن رشيد مثل ما ينظر الشيعة لآل البيت ).
وقد صدق كويسه وهو كذوب؟
ففي قرارة نفس كل حائلي شريف تبقى ذكرى آل رشيد وبكل تداعياتها وإشكالاتها ذكرى عطرة, أولاً كأبناء لهذه الأرض فلم يكونوا طارئين أو مستوردين كغيرهم, وثانياً كحكام شرعيين للبلد فأصبحوا تاريخ لصيق بالمنطقة وموروث ثابت وباق في ذاكرة الأجيال.
فتلك الأسرة العربية العريقة التي لم تساوم على دينها أو مبادئها أو حتى عروبتها وأرضها, ولم تتبع أو تبيع ولائها للكفار مُقابل بضعة جنيهات إسترلينية رخيصة, حتى وإن جاؤوا بثوب الفاتح المُحرر والمُنقذ المزعوم من الظلم التركي, كما جاء بيرسي كوكس أو شكسبير أو جون فيلبي, أو كما جاء أخيراً بول بريمر للعراق بثوب المُخلص وولي الأمر المًتغلب حسب فتوى وهابية ابن سعود.
ويعلم أهالي حائل جيداً أنهم ما زالوا يدفعون ضريبة الطرف المهزوم في الحرب العالمية الأولى التي شاءت الأقدار أن تكون الدولة العثمانية من ضمن الفريق الذي هُزم وتفككت أوصالها, وهم يُسددون ضريبة الطرف المتُكالب عليه من قبل عميل الإنجليز العتيد عبد العزيز بن سعود وأذنابه.
صورة العميل الصغير عبد العزيز بن سعود بجانب سيده السير بيرسي كوكس وهو يتوشح أنواط ونياشين الإنجليز.
ويا ليتهم هزموا أو خسروا أرضهم وديرتهم مع خصم شريف وحريص وبجهده الخاص والخالص, بل سقطت حائل لأنها كانت آخر قلاع دولة الخلافة العثمانية في قلب جزيرة العرب, فكان لزاماً على الإنجليز أن يُزيلوها ويطمسوها وإلى الأبد, وهذا ما حصل لحد الآن تقريباً.
لذا بقيت حائل في ضمير كل حائلي شريف وفي وجدان كل عربي أصيل ومُسلم نزيه, إنها قدس الأقداس بالنسبة لنا كورثة لقضية حائل العادلة, وإن خان من خان أو تخاذل من تخاذل, فستبقى حائل عصية على المُحتل السعودي حتى ولو زرع في كل شارع وفي كل حير جاسوس ودبوس.
فحتى الأجيال الجديدة ممن تسعودوا عنوةً والذين لم يلحقوا على حائل قبل السقوط, ولم يعوا فترة حكم آل رشيد, وقد ولدوا في هذه الدنيا فوجدوا المُحتل السعودي جاثم على الصدور وقابض بيد حديدية على جميع مفاصل الحياة في حائل, فتأقلم البعض منهم مع تلك الإشكالية والفصام في التركيبة النفسية للشخصية الحائلية.
لكن عقولهم كانت تعي وتفهم معنى الاحتلال الأجنبي وتُدرك أن بلدهم ووطنهم هو الآن مُستعمر بالوكالة, ويرزح تحت وصاية وحكم تابع وأجير للأجنبي وإن تلبس بالدين الإسلامي وتمحك بالشرع والعقيدة, حتى وإن لبس الشماغ والعقال!
إنها ولاشك الجينات الوراثية النقية لأولئك الرجال الأشداء الذين لم يُقاتلوا عبد العزيز بن سعود الذي غزاهم في ديرتهم حائل فحسب, بل هم في الحقيقة كانوا يُقاتلون الحلفاء على تخوم حائل, وقد أستشهد منهم الكثيرون في معركة النيصية.
إذن ففي الوجدان الداخلي لكل حائلي تكمن صورة الحاكم الشرعي والأصلي للبلد, حتى استباحت الأرض ونفوا أهلها, فسعودوا البلاد ومسخوا العقول, وربما أقرب مثال حي هو موقف الشاعر القطري خليل بن إبراهيم الشبرمي التميمي, ذلك الشاب الحائلي الذي وعى على الدنيا فوجد آل سعود يحكمون بلده ويسيطرون حتى على قريته النائية سميرا, وهو الذي سبق وأسرف في مدح آل سعود حاله كحال بقية الشعراء الذين يرجون المنح والعطايا, فقال في بيت من قصيدة له :
البطاقة سعـودي والقبيلة سنام *** ودار جدي سميرا ولتميم انتمي!
ثم ما أن ضاقت به الحال يوماً حتى كتب قصيدة يُجاري فيها قصيدة الأمير عبد الله بن رشيد رحمه الله وهو يتحسر ويتوجد فيها على أيام حكم ابن رشيد قائلاً :
ليت القبر ينباد وتشوف بالعين *** يا ابن رشيد الوقت زاد ميلانه
لا والله إلا ليتك تويق هالحين *** ما عـاد شي يا الأمير بمكانه
تغيرتكل القيـم والقوانيـن *** حتى الحصاني صار عنده حصانه
وأهل النقا والطيبصاروا قليلين *** كم واحدٍ مالله على الطيب أعانه
وإبليس مبرد والخلايقسكاكين *** غبث وغدر وارماح بوق وخيانه
ولا يستشك اليوم كود الفطينيين *** وألا ترى الخايب وسيعٍ(ن) بطانه.
إذن لم ينسى أهالي حائل الكرام ماضيهم ولا حاضرهم, ولن يتهاونوا مهما طال الزمان, وحتى أولئك الجيل الجديد الذين توهموا لبعض الوقت أنهم سعوديين, أو هكذا ظنوا سرعان ما يصطدمون بالواقع ويعدون للذاكرة الجمعية لأهل حائل.
والأمر هنا لا يتوقف عند شعور ومشاعر أهل القضية أو أصحاب الحق المُستلب وهم أهالي حائل بكافة فئاتهم, بل تنتقل عدو الشك والريبة والترقب للمجرم المُحتل وتطال حتى من شاركوه في نحر حائل وتشريد أهلها.
فابن سعود الحالي بكافة مراكزه وعناوينه لا يشعر بالثقة والأمان إزاء أهل حائل, فهو دائم الحذر والترقب والريبة منهم, ولم يؤمر عليهم منذ سقوط حائل ولحد الآن أي شخص حائلي من أهل البلد الأصليين, ما عدى صالح بن سبهان ولأيام معدودة فقط, وذلك بعد السقوط لغرض عدم استثارة الناس بعد السقوط, وربما قد ورث ابن سعود الحالي نصيحة جده "كويسه" لأبيه عبد العزيز, حينما حذره من ميلان ومحبة وربما تقديس أهل حائل لأسرة آل رشيد الكرام.
أما بقية دويلات كراتين الخليج فهم ينظرون لأسرة آل رشيد بمنظارين مُختلفين وكل دويلة لها ظروفها ولديها تفسيراتها الخاصة؟
فبعضهم يخشى من استفزاز آل سعود ولذلك فهو لا يسمح بإعطاء تلك الأسرة أي إمكانية لممارسة النشاط الإعلامي أو السياسي, أو حتى العيش مثلاً كضيف, ولذلك لم يطرق آل رشيد أبواب أي دولة خليجية عند سقوط حائل, بل توجه بعضهم لبلاد الرافدين طالبين العيش في العراق وقد استقبلهم العراق بحفاوة وتكريم.
وأما بعض دويلات سايكس بيكو في الخليج, فهي أصلاً مُشاركة في جريمة احتلال حائل وتشريد أهلها الشرفاء خدمةً للمشروع البريطاني آنذاك, وخوفاً ورعباً من سطوة ابن رشيد الذي كان يُهدد بعض كيانات دويلات الخليج الناشئة تحت حراب الإنجليز, وابن صباح كان أحد أبرز هؤلاء العملاء المحليين للإنجليز وتاريخه معروف ومشهود له بالخيانة والتآمر.
صورة عبد العزيز بن سعود وأفراد أسرته عندما كان لاجئاً عند قائم مقام الكويت مبارك بن صباح الذي يظهر في وسط الصورة.
لذا لا يتوهم أو يتوقع أحد من آل رشيد رجالاً ونساء أن يُرحب بهم بحفاوة في مضارب بني سكسون الجديدة, وإن كان لهم فيها أصدقاء ومُحبين ومؤيدين حتى؟
لأنهم يُثيرون حفيظة السادة ويرعبون عبيدهم في المنطقة, ولأنهم بكل بساطة يذكرونهم بإرث وكوابيس الخلافة الإسلامية السابقة, وذنبهم أنهم فقط محسوبون من بقايا ذلك الإرث العثماني المزعج للإنجلوسكسون, ولذلك فيشكلون خطراً داهماً على ممالك وإمارات بعض الكراتين في دويلات الخليج.
وسيبقى آل رشيد كاسم يقض مضاجع آل سعود ويثيرون حساسية بعض حكام دويلات الخليج, فهم باتوا كحكاية الراعي صاحب المزمار مع الأفعى التي بتر ذنبها, لكنها سلمت من الموت؟
وتلك حكاية أخرى يطول سردها.
فقطعاً لا آل سعود سيشعرون يوماً بالطمأنينة الكاملة بآل رشيد حتى وإن أصبح البعض منهم يعمل كـ - بودي غارد - أو حارس خاص بالملك السعودي.
لأن آل سعود يشعرون بالنقص أصلاً والتضاؤل أمام التاريخ المُشرف وعراقة تلك الأسرة, ولأنهم أيضاً وبكل بساطة يدركون جيداً أنهم قد سلبوهم ملكهم واستولوا على أملاكهم الخاصة في حائل, فصادروا البيوت وبساتين النخيل, وغمطوا حقوقهم ومارسوا عليهم شتى وسائل الإهانة والإذلال خلال فترة الأسر والنفي في الرياض.
ولا آل رشيد مهما فعلوا وأبدوا من حسن النية سيتمكنون من تخفيف تلك المخاوف لدى من تآمروا عليهم مع الإنجليز, كما وأن البعض من آل رشيد في المُقابل لن يستطيعوا أن ينسوا تاريخهم الحافل بالمجد والبطولات بتلك السهولة واليسر, حتى وإن تعالوا على الجراح وتناسوا الخيانات المرخانية.
والأيام أثبتت أن آل رشيد مهما تساموا وتنازلوا عن إرثهم, فهم سيبقون دائماً في موقع الشبهات حتى تثبت براءتهم, وحتى من حاول أن يَتأقلم وينسى ماضيه التليد, دفعه آل سعود دفعاً كي يقف بوجههم من جديد بعد توصل لحقيقة أن لا كرامة في العيش تحت حراب آل سعود.
إذن ارتبط اسم أسرة آل رشيد بحائل كونهم كانوا آخر الأمراء الشرعيين للإمارة قبل أن تسقط حائل, ولأنهم أيضاً من أبناء حائل النجباء.
ولكن تبقى القضية الأم هي حائل لأنها هي القضية المركزية, ويبقى آل رشيد مكملين لتلك القضية العادلة مادامهم باقون على العهد في مسألة تخليص أبناء حائل من نير الاحتلال والقمع السعودي.
وإن حمل الآن الأمير طلال بن محمد الطلال آل رشيد شرف راية التحرير المؤزر بإذن الله, فنحن معه وسنمضي خلفه مادام باقٍ على العهد والوعد.
صورة الأمير طلال بن محمد الطلال آل رشيد ابن آخر حكام حائل قبل سقوطها.
وحتماً سيأتي اليوم الذي ستعود فيه حائل المأسورة لأحضان أهلها الحقيقيين وأبنائها الغيارى, وتنفض عنها غبار الذل والهوان والتبعية, ويُغادر المُعتدون أرضها وسمائها وجبالها, وتخلع عن كاهلها جميع الخونة والمأجورين بعون الله تعالى, وإن شاء الله ذلك ليس ببعيد.
وما ضاع حق ورائه مُطالب.
مـلا حظـة :
جاءت تلك المقالة بعد أن منعت سلطات قائم مقام الكويت صباح الأحمد الصباح, الدكتورة مضاوي آل رشيد من دخول قضاء الكويت.
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
------------------------------
هل مازال اسم آل رشيد يُرعب آل سعود ويقض مضاجع البعض؟
زال الحكم وانتهت السلطة ونفيت الأسرة لكن الاسم الخالد مازال يُرعب ويُخيف الرخوم!
فهل دفع ويدفع آل رشيد فاتورة بيعتهم في السابق لدولة الخلافة الإسلامية في الإستانة؟
سيبقى ابن رشيد في ذاكرة كل حائلي شريف, وستبقى حائل الأسيرة بانتظار المخلص

صورة للأمير سعود بن عبد العزيز آل رشيد مع مبعوث الخلافة العثمانية لإمارة حائل.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
فخلال القرن المُنصرم لم يستطع أحد أن يُعيد قراءة أحداث تلك المرحلة التي أدت إلى ظهور دويلات ودكاكين وبقالات سايكس بيكو العربية, ولم يتجرأ أي كاتب أو باحث عربي مُحايد ليكشف لجمهور القراء مدى الكارثة التي أوقعنا فيها حثالة الإنجليز وعملائهم في المنطقة, من خلال تمزيق عالمنا الإسلامي الذي كان مرهوب الجانب مُمثلاً بهيبة وسلطان الخلافة الإسلامية في اسطنبول, ومن ثم تفتيت وطننا العربي المُترامي الأطراف حتى أصبح عبارة عن دويلات كارتونية ورقية هشة وفارغة مُتناحرة يتصارع وكلائها المحليين بضراوة على خدمة مشاريع وتوجهات السيد الغربي المُستعمر الذي غير جلده ليواكب المرحلة الجديدة, لكنهُ لم يُغير أفكاره أو طبائعه الاستبدادية التي جلبت لنا الكوارث والمحن, وزرعت في قلب أمتنا ذلك الكيان الصهيوني المسخ وجعلت وكلائه المحليين ككلاب حراسة لحماية ذلك الجسم السرطاني الغريب الطارئ.
خلال القرن الماضي المُنصرم كان الجميع يلعن ويشتم فترة الخلافة الإسلامية ويعتبرها أحلك فترات الأمة ظلاميةً, والجميع اتفقوا بالرؤية والهدف رغم خلافهم الأيدلوجي والعقائدي وعدائهم المرير لبعضهم البعض, إلا أنهم كانوا متفقين جميعاً على أن قسمة الخبيثين سايكس وبيكو كانت نعمة ربانية وهبة أنجلوسكسونية أو منحة لوثرية حصدوا من ورائها بضعة كراسي منخورة ودكاكين فارغة معزولة, شاءت الظروف أن يخرج في باطن بعضها بترولاً أسود وتُحرم منه بقية الدكاكين الأخرى, فكانت حصة الأسد فيها لعائلات طفيلية شرهة وجدت لتمتص دماء الناس وتقتات من تعب الشعوب.
الغريب أن كل أصحاب تلك البقالات العربية المحدودة أيدوا بحماس مشروع سايكس وبيكو, وجميعهم أشادوا وحيوا منجزات المندوب السامي البريطاني السير بيرسي كوكس ورحبوا بخطط ضابط الاستخبارات لورنس وتغنوا بسطوة وبطش كلوب أبو حنيك, وتمسحوا ببركات شيخ الإسلام ضابط الإرتباط البريطاني الحاج جون فليبي!!
جميع تلك الأنظمة اللقيطة والطارئة المُستحدثة كانت فرحة وسعيدة بتمزيق جسد دولة الخلافة, كانوا كالأبناء العاقين الذين يتحينون الفرصة لموت أبيهم, كي يُسارعوا بدفن رفاته ويتقاسموا بعض من تركته, وما همهم إن فقدوا وجودهم وضاع كل مُستقبلهم أو تلاشى كل شيء!!
لقد دمروا كيان خلافة إسلامية واسعة وشاسعة مترامية الأطراف, وحطموا كيان أمة مُترابطة من أجل أن يحصلوا على مصالحهم العائلية ويُرضوا رغباتهم الشخصية الخالصة!!
ولحد الآن عندما يأتي ذكر للخلافة الإسلامية, ترتعد فرائصهم ويُصابوا بهستيرية عارمة وتنتابهم موجة من الإسهال الشديد والرعب والقلق, ويبدأ الطعن والتشويه في تلك المرحلة الراحلة, ومن ثم يُسارعوا بكيل التهم والتبرير لخيانتهم العظمى.
ويبدو أن أسرة آل الرشيد الحكام الشرعيين لإمارة حائل ورغم مرور حوالي قرن من الزمان, مازالوا محسوبين على نظام دولة الخلافة الإسلامية, حتى وإن لم يشعروا هُم بذلك أو يقتنعوا؟
فكل لقطاء وأذيال سايكس بيكو ينظرون لهم كـ كابوس مُريع ويعتقدون في عقلهم الباطن أنهم ورثة شرعيين لدولة الخلافة الإسلامية في المنطقة, أما ابن سعود فيرى فيهم في قرارة نفسه أنهم الحكام الشرعيين لجزيرة العرب, ولذلك حاول ويُحاول طمس تاريخهم وتغييب دورهم سواء كأسرة أو كأشخاص.
ويُقال أن عبد الرحمن بن سعود الذي يُلقب بـ ( كويسه ), رأى يوماً أحد أهالي حائل مُقرب من ولده عبد العزيز, وهو في الأصل من أهل القصيم لكن أسرته قطنت حائل فعُد من حائل, وذلك بعد أن أعادهم الإنجليز من المنفى الكويتي للحكم في درعية الغدر والخيانة؟
فنصح عبد الرحمن بن سعود ولده عبد العزيز بالحذر منه ومن أهل حائل قاطبة قائلاً :
( يا ولدي يا عبد العزيز : انتبه ترى هذولا أهل حايل ينظرون لابن رشيد مثل ما ينظر الشيعة لآل البيت ).
وقد صدق كويسه وهو كذوب؟
ففي قرارة نفس كل حائلي شريف تبقى ذكرى آل رشيد وبكل تداعياتها وإشكالاتها ذكرى عطرة, أولاً كأبناء لهذه الأرض فلم يكونوا طارئين أو مستوردين كغيرهم, وثانياً كحكام شرعيين للبلد فأصبحوا تاريخ لصيق بالمنطقة وموروث ثابت وباق في ذاكرة الأجيال.
فتلك الأسرة العربية العريقة التي لم تساوم على دينها أو مبادئها أو حتى عروبتها وأرضها, ولم تتبع أو تبيع ولائها للكفار مُقابل بضعة جنيهات إسترلينية رخيصة, حتى وإن جاؤوا بثوب الفاتح المُحرر والمُنقذ المزعوم من الظلم التركي, كما جاء بيرسي كوكس أو شكسبير أو جون فيلبي, أو كما جاء أخيراً بول بريمر للعراق بثوب المُخلص وولي الأمر المًتغلب حسب فتوى وهابية ابن سعود.
ويعلم أهالي حائل جيداً أنهم ما زالوا يدفعون ضريبة الطرف المهزوم في الحرب العالمية الأولى التي شاءت الأقدار أن تكون الدولة العثمانية من ضمن الفريق الذي هُزم وتفككت أوصالها, وهم يُسددون ضريبة الطرف المتُكالب عليه من قبل عميل الإنجليز العتيد عبد العزيز بن سعود وأذنابه.
صورة العميل الصغير عبد العزيز بن سعود بجانب سيده السير بيرسي كوكس وهو يتوشح أنواط ونياشين الإنجليز.
ويا ليتهم هزموا أو خسروا أرضهم وديرتهم مع خصم شريف وحريص وبجهده الخاص والخالص, بل سقطت حائل لأنها كانت آخر قلاع دولة الخلافة العثمانية في قلب جزيرة العرب, فكان لزاماً على الإنجليز أن يُزيلوها ويطمسوها وإلى الأبد, وهذا ما حصل لحد الآن تقريباً.
لذا بقيت حائل في ضمير كل حائلي شريف وفي وجدان كل عربي أصيل ومُسلم نزيه, إنها قدس الأقداس بالنسبة لنا كورثة لقضية حائل العادلة, وإن خان من خان أو تخاذل من تخاذل, فستبقى حائل عصية على المُحتل السعودي حتى ولو زرع في كل شارع وفي كل حير جاسوس ودبوس.
فحتى الأجيال الجديدة ممن تسعودوا عنوةً والذين لم يلحقوا على حائل قبل السقوط, ولم يعوا فترة حكم آل رشيد, وقد ولدوا في هذه الدنيا فوجدوا المُحتل السعودي جاثم على الصدور وقابض بيد حديدية على جميع مفاصل الحياة في حائل, فتأقلم البعض منهم مع تلك الإشكالية والفصام في التركيبة النفسية للشخصية الحائلية.
لكن عقولهم كانت تعي وتفهم معنى الاحتلال الأجنبي وتُدرك أن بلدهم ووطنهم هو الآن مُستعمر بالوكالة, ويرزح تحت وصاية وحكم تابع وأجير للأجنبي وإن تلبس بالدين الإسلامي وتمحك بالشرع والعقيدة, حتى وإن لبس الشماغ والعقال!
إنها ولاشك الجينات الوراثية النقية لأولئك الرجال الأشداء الذين لم يُقاتلوا عبد العزيز بن سعود الذي غزاهم في ديرتهم حائل فحسب, بل هم في الحقيقة كانوا يُقاتلون الحلفاء على تخوم حائل, وقد أستشهد منهم الكثيرون في معركة النيصية.
إذن ففي الوجدان الداخلي لكل حائلي تكمن صورة الحاكم الشرعي والأصلي للبلد, حتى استباحت الأرض ونفوا أهلها, فسعودوا البلاد ومسخوا العقول, وربما أقرب مثال حي هو موقف الشاعر القطري خليل بن إبراهيم الشبرمي التميمي, ذلك الشاب الحائلي الذي وعى على الدنيا فوجد آل سعود يحكمون بلده ويسيطرون حتى على قريته النائية سميرا, وهو الذي سبق وأسرف في مدح آل سعود حاله كحال بقية الشعراء الذين يرجون المنح والعطايا, فقال في بيت من قصيدة له :
البطاقة سعـودي والقبيلة سنام *** ودار جدي سميرا ولتميم انتمي!
ثم ما أن ضاقت به الحال يوماً حتى كتب قصيدة يُجاري فيها قصيدة الأمير عبد الله بن رشيد رحمه الله وهو يتحسر ويتوجد فيها على أيام حكم ابن رشيد قائلاً :
ليت القبر ينباد وتشوف بالعين *** يا ابن رشيد الوقت زاد ميلانه
لا والله إلا ليتك تويق هالحين *** ما عـاد شي يا الأمير بمكانه
تغيرتكل القيـم والقوانيـن *** حتى الحصاني صار عنده حصانه
وأهل النقا والطيبصاروا قليلين *** كم واحدٍ مالله على الطيب أعانه
وإبليس مبرد والخلايقسكاكين *** غبث وغدر وارماح بوق وخيانه
ولا يستشك اليوم كود الفطينيين *** وألا ترى الخايب وسيعٍ(ن) بطانه.
إذن لم ينسى أهالي حائل الكرام ماضيهم ولا حاضرهم, ولن يتهاونوا مهما طال الزمان, وحتى أولئك الجيل الجديد الذين توهموا لبعض الوقت أنهم سعوديين, أو هكذا ظنوا سرعان ما يصطدمون بالواقع ويعدون للذاكرة الجمعية لأهل حائل.
والأمر هنا لا يتوقف عند شعور ومشاعر أهل القضية أو أصحاب الحق المُستلب وهم أهالي حائل بكافة فئاتهم, بل تنتقل عدو الشك والريبة والترقب للمجرم المُحتل وتطال حتى من شاركوه في نحر حائل وتشريد أهلها.
فابن سعود الحالي بكافة مراكزه وعناوينه لا يشعر بالثقة والأمان إزاء أهل حائل, فهو دائم الحذر والترقب والريبة منهم, ولم يؤمر عليهم منذ سقوط حائل ولحد الآن أي شخص حائلي من أهل البلد الأصليين, ما عدى صالح بن سبهان ولأيام معدودة فقط, وذلك بعد السقوط لغرض عدم استثارة الناس بعد السقوط, وربما قد ورث ابن سعود الحالي نصيحة جده "كويسه" لأبيه عبد العزيز, حينما حذره من ميلان ومحبة وربما تقديس أهل حائل لأسرة آل رشيد الكرام.
أما بقية دويلات كراتين الخليج فهم ينظرون لأسرة آل رشيد بمنظارين مُختلفين وكل دويلة لها ظروفها ولديها تفسيراتها الخاصة؟
فبعضهم يخشى من استفزاز آل سعود ولذلك فهو لا يسمح بإعطاء تلك الأسرة أي إمكانية لممارسة النشاط الإعلامي أو السياسي, أو حتى العيش مثلاً كضيف, ولذلك لم يطرق آل رشيد أبواب أي دولة خليجية عند سقوط حائل, بل توجه بعضهم لبلاد الرافدين طالبين العيش في العراق وقد استقبلهم العراق بحفاوة وتكريم.
وأما بعض دويلات سايكس بيكو في الخليج, فهي أصلاً مُشاركة في جريمة احتلال حائل وتشريد أهلها الشرفاء خدمةً للمشروع البريطاني آنذاك, وخوفاً ورعباً من سطوة ابن رشيد الذي كان يُهدد بعض كيانات دويلات الخليج الناشئة تحت حراب الإنجليز, وابن صباح كان أحد أبرز هؤلاء العملاء المحليين للإنجليز وتاريخه معروف ومشهود له بالخيانة والتآمر.
صورة عبد العزيز بن سعود وأفراد أسرته عندما كان لاجئاً عند قائم مقام الكويت مبارك بن صباح الذي يظهر في وسط الصورة.
لذا لا يتوهم أو يتوقع أحد من آل رشيد رجالاً ونساء أن يُرحب بهم بحفاوة في مضارب بني سكسون الجديدة, وإن كان لهم فيها أصدقاء ومُحبين ومؤيدين حتى؟
لأنهم يُثيرون حفيظة السادة ويرعبون عبيدهم في المنطقة, ولأنهم بكل بساطة يذكرونهم بإرث وكوابيس الخلافة الإسلامية السابقة, وذنبهم أنهم فقط محسوبون من بقايا ذلك الإرث العثماني المزعج للإنجلوسكسون, ولذلك فيشكلون خطراً داهماً على ممالك وإمارات بعض الكراتين في دويلات الخليج.
وسيبقى آل رشيد كاسم يقض مضاجع آل سعود ويثيرون حساسية بعض حكام دويلات الخليج, فهم باتوا كحكاية الراعي صاحب المزمار مع الأفعى التي بتر ذنبها, لكنها سلمت من الموت؟
وتلك حكاية أخرى يطول سردها.
فقطعاً لا آل سعود سيشعرون يوماً بالطمأنينة الكاملة بآل رشيد حتى وإن أصبح البعض منهم يعمل كـ - بودي غارد - أو حارس خاص بالملك السعودي.
لأن آل سعود يشعرون بالنقص أصلاً والتضاؤل أمام التاريخ المُشرف وعراقة تلك الأسرة, ولأنهم أيضاً وبكل بساطة يدركون جيداً أنهم قد سلبوهم ملكهم واستولوا على أملاكهم الخاصة في حائل, فصادروا البيوت وبساتين النخيل, وغمطوا حقوقهم ومارسوا عليهم شتى وسائل الإهانة والإذلال خلال فترة الأسر والنفي في الرياض.
ولا آل رشيد مهما فعلوا وأبدوا من حسن النية سيتمكنون من تخفيف تلك المخاوف لدى من تآمروا عليهم مع الإنجليز, كما وأن البعض من آل رشيد في المُقابل لن يستطيعوا أن ينسوا تاريخهم الحافل بالمجد والبطولات بتلك السهولة واليسر, حتى وإن تعالوا على الجراح وتناسوا الخيانات المرخانية.
والأيام أثبتت أن آل رشيد مهما تساموا وتنازلوا عن إرثهم, فهم سيبقون دائماً في موقع الشبهات حتى تثبت براءتهم, وحتى من حاول أن يَتأقلم وينسى ماضيه التليد, دفعه آل سعود دفعاً كي يقف بوجههم من جديد بعد توصل لحقيقة أن لا كرامة في العيش تحت حراب آل سعود.
إذن ارتبط اسم أسرة آل رشيد بحائل كونهم كانوا آخر الأمراء الشرعيين للإمارة قبل أن تسقط حائل, ولأنهم أيضاً من أبناء حائل النجباء.
ولكن تبقى القضية الأم هي حائل لأنها هي القضية المركزية, ويبقى آل رشيد مكملين لتلك القضية العادلة مادامهم باقون على العهد في مسألة تخليص أبناء حائل من نير الاحتلال والقمع السعودي.
وإن حمل الآن الأمير طلال بن محمد الطلال آل رشيد شرف راية التحرير المؤزر بإذن الله, فنحن معه وسنمضي خلفه مادام باقٍ على العهد والوعد.
صورة الأمير طلال بن محمد الطلال آل رشيد ابن آخر حكام حائل قبل سقوطها.
وحتماً سيأتي اليوم الذي ستعود فيه حائل المأسورة لأحضان أهلها الحقيقيين وأبنائها الغيارى, وتنفض عنها غبار الذل والهوان والتبعية, ويُغادر المُعتدون أرضها وسمائها وجبالها, وتخلع عن كاهلها جميع الخونة والمأجورين بعون الله تعالى, وإن شاء الله ذلك ليس ببعيد.
وما ضاع حق ورائه مُطالب.
مـلا حظـة :
جاءت تلك المقالة بعد أن منعت سلطات قائم مقام الكويت صباح الأحمد الصباح, الدكتورة مضاوي آل رشيد من دخول قضاء الكويت.