بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وبعد
رغم أني كنت قد تجاهلت عامداً مسألة جانبية طرحها الأخ (شيعي اخباري) محاولاً من خلالها إسقاط المنهج العلمي الذي سار عليه علماؤنا منذ أيام الأئمة وإلى يومنا هذا، وهي ما أسماه (تفخيذ الرضيعة)، إلا أن إصراره على محاولته هذه والترويج لها بطريقة غير لائقة يدعونا للرد عليها بعد أن ذكرت في هذا الموضوع:
http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=185201
فنقول:
أولاً: إن هذه المسألة من المسائل الخلافية كالكثير من المسائل الفرعية التي تختلف فيها الأدلة ويرجح كل عالم ما يراه الأقرب فيها من حيث الأدلة، ولا يمكن إسقاط منهج الفقهاء بمسألة وقع الكلام والاختلاف فيها كهذه المسألة.
ثانياً: أثار الطرف الآخر المسألة مبتورة كما فعل العامة (وعندهم من الشناعات ما يكفيهم مما لسنا بوارد الدخول فيه) بحيث أخرجها عن سياقها الذي يتضح معه وجه الدليل فيها، والبحث في المسألة يقع عند البحث في تزويج الصغير والصغير من قبل أوليائهم، مما لا كلام في ثبوته في الشريعة.
وبعد أن دلّت الأدلة الشريعة على صحة تزويج الصغيرة منعت من الدخول عليها ومقاربتها ما لم تبلغ تسع سنين، ولم تمنع عن غير ذلك من الاستمتاعات.
ففي الخبر الصحيح عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ وَ هِيَ صَغِيرَةٌ فَلَا يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى يَأْتِيَ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ. (الكافي ج5 ص398)
وعليه لا يحتاج من أفتى بالجواز لرواية خاصة تسوّغ ذلك، لانطباق عمومات أدلة النكاح عليها، وقد خرجت المقاربة فقط بدليل خاص فيبقى الباقي مندرجاً تحت العموم، وثابتاً بالأصل.
ثالثاً: بما ذكرنا يتّضح أن لمن التزم من الفقهاء بجواز الاستمتاع بالصبية التي لم تبلغ وجه يركن إليه، سواء كان ذلك تاماً في نظرنا أم لا، فلا يصح التشنيع عليهم بمثل هذه الشبهات التي يظهر بطلانها.
على أن هناك عدداً كبيراً من الفقهاء لم يقبل ذلك لعدم تمامية هذا الوجه من الاستدلال عنده، وفيما يلي سرد لأقوالهم التي يعد بعضها (نصّاً) في المنع، والآخر (ظاهراً) في ذلك.
1. الشيخ الطوسي، حيث التزم بأنه لا قسم للزوجة الصغيرة التي لم تبلغ حدّ الاستمتاع فقال:
والمرأة الكبيرة الناشزة لا قسم لها، و كذلك الصغيرة التي لم تبلغ حد الاستمتاع لا قسم لها.. (المبسوط في فقه الإمامية، ج4، ص: 327)
وقال: إذا مرضت زوجته لم تسقط نفقتها بمرضها، لأنها من أهل الاستمتاع، و لأنها قد يألفها و يسكن إليها و تفارق الصغيرة بهذين المعنيين..(الجزء 6 ص13)
ففرّق بين الزوجة المريضة التي يمكن الاستمتاع بها والسكن إليها وبين الصغيرة التي لا يمكن ذلك فيها..
بل صرّح في مورد ثالث بأن الصغيرة قد لا تكون صالحة للرجال فقال:
و إن كانت لا تصلح للرجال بأن يكون لها الست و السبع، على حسب حالها... فإذا كانت لا تصلح لم يجب على أهلها تسليمها إليه، و إن ذكر أنه يحضنها و يربيها، و أن له من يقوم بخدمتها و جميع أمورها لأنه لم يملك رقبتها، و إنما ملك الاستمتاع بها و هذه فما خلق فيها الاستمتاع و لأنه لا يؤمن أن تشره نفسه إلى مواقعتها فربما جنى عليها فقتلها، فكان لهم منعها.(المبسوط ج4 ص315)
فمنع من تسليمها لزوجها حيث لم تخلق مثل هذه للاستمتاع، ولا يؤمن عليها منه.
2. فخر المحققين الحلي، حيث منع من وجوب تسليم الصبية غير البالغة للزوج لأن إمساكه إنما يكون للاستمتاع التام وهي ليست مؤهلة لذلك، قال:
أقول: لا يجب تسليم الصبية غير البالغة إلى الزوج لأن إمساك الصغيرة حضانة و إمساك الزوج للاستمتاع التام لا للحضانة و ليست أهلاً له (إيضاح الفوائد في شرح مشكلات القواعد، ج3، ص: 197)
وشرط في مورد آخر تمكين المرأة بأن لا تكون صغيرة حتى لو أمكن الاستمتاع منها بغير الوطأ، قال:
و من فروع التمكين أن لا تكون صغيرة يحرم وطء مثلها سواء كان زوجها كبيرا أو صغيرا، و لو أمكن الاستمتاع منها بما دون الوطء لأنه استمتاع نادر لا يرغب إليه في الغالب.(شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، ج2، ص: 292)
3. العلامة الحلي، حيث قسّم الاستمتاع بالصغيرة بغير الوطأ إلى قسمين: أحدهما غير ممكن رأساً، والآخر الممكن جعله مما لا يعتدّ به لأنه نادر لا يرغب فيه غالباً، قال:
لو كان الزّوج كبيرا و هي صغيرة لا يجامع مثلها لم يجب لها نفقة قاله الشيخ و قال ابن إدريس تجب عليه النفقة مع أنّه شرط في وجوب النفقة التمكين و لو أمكن الاستمتاع منها بما دون الوطي لم يعتدّ به لأنّه استمتاع نادر لا يرغب فيه غالبا (تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية ، ج4، ص: 23)
ومثله قوله ايضا: وكذلك كل امرأة لا تلزمه نفقتها، كغير المدخول بها إذا لم تسلم إليه، و الصغيرة التي لا تمكن الاستمتاع بها، فإنه لا تلزمه نفقتها و لا فطرتها.(نهاية الإحكام في معرفة الأحكام، ج2، ص: 436)
4. الفاضل الهندي في كشف اللثام، قال:
و لا قسمة للصغيرة.... و لعلّ السرّ في انتفاء القسم لها أنّ الحكمة فيه الانس و زوال الحياء و الاستيحاش ليكمل الاستمتاع بها، و الصغيرة لا تقبل الاستمتاع..(ج7 ص510)
فهو صريح في منع الاستمتاع بالصغيرة مطلقاً.
5. الشهيد الثاني، حيث منع من تسليمها إن لم تصلح للاستمتاع مطلقاً، أما إن صلحت للاستمتاع دون الوطأ، فقد ذكر أدلة القولين ثم قوّى ما قواه الشيخ الطوسي من أنها ليست صالحة للاستمتاع فلا يجب تسليمها له، قال:
و محلّ الإشكال ما لو لم تصلح للاستمتاع مطلقا. أما لو صلحت لغير الوطء فطلبها الزوج لذلك، ففي وجوب إجابته وجهان:
من تحقّق الزوجيّة المقتضية لجواز الاستمتاع، فلا يسقط بعضه بتعذّر بعض، فيجب التسليم للممكن.
و من أن القصد الذاتي من الاستمتاع الوطء و الباقي تابع، فإذا تعذّر المتبوع انتفى التابع. و إمساكها لغير ذلك حضانة، و الزوج ليس أهلا لها، و إنما هي حقّ للأقارب.و لأنه لا يؤمن إذا خلا بها أن يأتيها فتتضرّر.
و على هذا فلو بذلت له لم يجب عليه القبول، لأن حقّه الاستمتاع و لم يخلق فيها. و لو وجب للزمه نفقة الحضانة و التربية، و هو منتف. و هذا أقوى، و هو خيرة المبسوط.(مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، ج8، ص: 196)
6. المحقق الكركي، فإنه بعد أن ذكر الوجهين في جواز تسليم الصغيرة أو عدمه رجّح وجوب تسليم المهر وإن لم يجب تسليم الصغيرة لأنها غير صالحة للاستمتاع، قال:
قوله: (و لو كانت صبية فالأقرب وجوب التسليم مع طلب الولي). هذا في حكم الاستثناء من إطلاق ما قبله، فإن الصغيرة و هي من لم تستكمل تسع سنين غير مهيأة للاستمتاع، فإنه لا يجوز له الدخول بها قطعا، و مع ذلك فالأقرب عند المصنف وجوب تسليم مهرها إذا طلبه الولي، و لو طلب الزوج تسليمها اليه لما عدا الوطء من الاستمتاعات ففي الوجوب وجهان:
أحدهما: يجب، لأن الممنوع الوطء دون غيره، و باقي الاستمتاعات حق له فيجب التسليم بها.
و الثاني: لا، لأن الصغيرة ليست محل الاستمتاع و إمساكها شرعا حضانة، و الزوج ليس أهلا لها، و إنما هي حق للأقارب. و أيضا فإن الزوج إذا خلا بها لم يؤمن أن يأتيها فتتضرر، و ربما أدى ذلك إلى إفضائها و هلاكها، و على هذا لو بذلت له على هذا الوجه لم يجب القبول.
إذا تقرر ذلك فوجه قرب وجوب التسليم أنه حق ثابت حال طلبه من له حق الطلب، فوجب دفعه كغيره من الحقوق الثابتة.
لا يقال: النكاح معاوضة و حكم المعاوضات عدم وجوب تسليم أحد العوضين إلّا مع تسليم الآخر، و صغر الزوجة مانع من وجوب تسليمها فلا يجب تسليم الصداق.
لأنا نقول: إن الزوج لما عقد على الصغيرة بمهر حال أوجب على نفسه العوض في الحال، و رضي بتأخير قبض العوض الى زمان البلوغ، بناء على القول بعدم وجوب تسليمها الى الزوج، فلم يكن له منع التسليم الى زمان التسليم.(جامع المقاصد في شرح القواعد، ج13، ص: 356-357)
7. صاحب الجواهر، حيث فصل في الصغيرة بين من تقبل الاستمتاع وتلتذ به (دون المقاربة) فلها القسمة كسائر الزوجات، وبين الصغيرة التي ليس لها قابلية الاستمتاع ولا تلتذ به، قال:
المسألة الرابعة لا قسمة للصغيرة.... و أما الصغيرة القابلة للاستمتاع الملتذة به فلا دليل عليه، لاندراجها في اسم الزوجة التي قد سمعت ما يدل على استحقاقها الليلة من الأربع(جواهر الكلام ج31 ص190)
وذكر في الصفحة 45 الوجهن الذين ذكرهما الشهيد الثاني، وعدّ وجوب تسليم الصغيرة التي يمكن الاستمتاع بها احتمالاً لا أكثر.
8. السيد أبو الحسن الأصفهاني، حيث أسقط النفقة عن الزوجة الصغيرة التي لا تقبل الاستمتاع، فهو يلتزم بأن الصغر مانع من الاستمتاع، قال:
(مسألة 4): الظاهر أنّه لا نفقة للزوجة الصغيرة الغير القابلة للاستمتاع منها علىٰ زوجها، خصوصاً إذا كان صغيراً غير قابل للتمتّع و التلذّذ.. (وسيلة النجاة ص763)
9. الأراكي، فقد صرّح بعدم إمكان شيء من الاستمتاعات في حقّ الرضيعة وإن لم يكن ذلك مانعاً من مجرّد إجراء العقد عليها، قال:
في جواز عقد المتعة على الصغيرة أو غير القابلة للاستمتاع... و على هذا فلا مانع من جهة عدم إمكان شيء من الاستمتاعات في حقّ الرضيعة عن صحّة نكاحها وتزويجها.(كتاب النكاح ص389-391)
10. مكارم الشيرازي، حيث منع من الاستمتاع بالصغيرة التي لا يتعارف ذلك بمثلها كالرضيعة، قال:
الأحوط في الاستمتاع أن يكون فيمن يتعارف فيها ذلك بما يتعارف؛ و أمّا في مثل الرضيعة على نحو ما ذكره في المتن، فلا دليل على جوازه؛ و التمسّك بأصالة الإباحة أو إطلاق الأدلّة في أمثال المقام ممنوع، بعد انصراف الأدلّة إلى ما هو المتعارف (العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص: 772)
11. الصافي الكلبايكاني، حيث قسم الصغيرة إلى قسمين: من تصلح للاستمتاع ومن لا تصلح، فمنع النفقة عن الاولى دون الثانية إن مكنت من نفسها بما دون المقاربة، قال:
(مسألة 1329) المتيقن ممن تجب نفقتها هو الزوجة الكبيرة الممكّنة للزوج الكبير، فلا نفقة على الزوج للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع بها، خصوصا إذا كان الزوج صغيرا غير قابل للتمتع و التلذذ، و كذا للزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيرا غير قابل لأن يستمتع بها، نعم لو كانت الزوجة صغيرة و كان الزوج كبيرا و مكنته من نفسها بما يمكنه التلذذ به منها، فالأحوط (وجوبا) أن ينفق عليها. (هداية العباد ج2، ص: 376)
12. اللنكراني، حيث فصل في الصغيرة بين من يمكن الاستمتاع بها باللمس والنظر ومن لا يمكن ذلك، فقال:
و لو كان المراد جواز الالتذاذ و الاستمتاع و لو باللمس و النظر ففي الصغيرة يمكن ذلك. نعم فيما إذا كانت صغيرة جدّاً لا يترتّب علىٰ لمسها و نظرها التذاذ أصلًا لا يتحقّق هذا المعنىٰ، فاللّازم حينئذٍ التفصيل في الصغيرة بالنحو المذكور، فتدبّر جيّداً.(تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - النكاح، ص: 573 اللنكراني)
13. السيستاني، وقد فرّق أيضاً بين من يمكن الاستمتاع بها ومن لا يمكن فقال:
و الأظهر عدم ثبوت النفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع منها علىٰ زوجها خصوصاً إذا كان الزوج صغيراً غير قابل للتمتع و التلذذ، و كذا الزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيراً غير قابل لأن يستمتع منها، نعم لو كانت الزوجة مراهقة و كان الزوج مراهقاً أو كبيراً أو كان الزوج مراهقاً و كانت الزوجة كبيرة لم يبعد استحقاق الزوجة للنفقة مع تمكينها له من نفسها علىٰ ما يمكنه من التلذذ و الاستمتاع منها.(منهاج الصالحين، ج3، ص: 124)
وأخيراً نقول..
هذه بعض أقوال الفقهاء المتقدمين والمتأخرين الذين لم يلتزموا بما يشنع به الطرف المقابل على العلماء، وقد ذكرنا الوجه والدليل في من جوّز ذلك، فلا وجه للتشنيع على أحد من هؤلاء الفقهاء سواء التزموا بالجواز أو عدمه، وإن استمرار الطعن فيهم بعد هذا البيان والإصرار عليه يكشف عن نوايا مبيّتة غير طيبة، والإقرار بالحق والارتداع عن الطعن في العلماء يكشف عن سلامة النوايا وخطأ الأفكار..
اللهم اهدنا وجميع الاخوة لما تحب وترضى.
والحمد لله رب العالمين
شعيب العاملي
والحمد لله رب العالمين
وبعد
رغم أني كنت قد تجاهلت عامداً مسألة جانبية طرحها الأخ (شيعي اخباري) محاولاً من خلالها إسقاط المنهج العلمي الذي سار عليه علماؤنا منذ أيام الأئمة وإلى يومنا هذا، وهي ما أسماه (تفخيذ الرضيعة)، إلا أن إصراره على محاولته هذه والترويج لها بطريقة غير لائقة يدعونا للرد عليها بعد أن ذكرت في هذا الموضوع:
http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=185201
فنقول:
أولاً: إن هذه المسألة من المسائل الخلافية كالكثير من المسائل الفرعية التي تختلف فيها الأدلة ويرجح كل عالم ما يراه الأقرب فيها من حيث الأدلة، ولا يمكن إسقاط منهج الفقهاء بمسألة وقع الكلام والاختلاف فيها كهذه المسألة.
ثانياً: أثار الطرف الآخر المسألة مبتورة كما فعل العامة (وعندهم من الشناعات ما يكفيهم مما لسنا بوارد الدخول فيه) بحيث أخرجها عن سياقها الذي يتضح معه وجه الدليل فيها، والبحث في المسألة يقع عند البحث في تزويج الصغير والصغير من قبل أوليائهم، مما لا كلام في ثبوته في الشريعة.
وبعد أن دلّت الأدلة الشريعة على صحة تزويج الصغيرة منعت من الدخول عليها ومقاربتها ما لم تبلغ تسع سنين، ولم تمنع عن غير ذلك من الاستمتاعات.
ففي الخبر الصحيح عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ وَ هِيَ صَغِيرَةٌ فَلَا يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى يَأْتِيَ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ. (الكافي ج5 ص398)
وعليه لا يحتاج من أفتى بالجواز لرواية خاصة تسوّغ ذلك، لانطباق عمومات أدلة النكاح عليها، وقد خرجت المقاربة فقط بدليل خاص فيبقى الباقي مندرجاً تحت العموم، وثابتاً بالأصل.
ثالثاً: بما ذكرنا يتّضح أن لمن التزم من الفقهاء بجواز الاستمتاع بالصبية التي لم تبلغ وجه يركن إليه، سواء كان ذلك تاماً في نظرنا أم لا، فلا يصح التشنيع عليهم بمثل هذه الشبهات التي يظهر بطلانها.
على أن هناك عدداً كبيراً من الفقهاء لم يقبل ذلك لعدم تمامية هذا الوجه من الاستدلال عنده، وفيما يلي سرد لأقوالهم التي يعد بعضها (نصّاً) في المنع، والآخر (ظاهراً) في ذلك.
1. الشيخ الطوسي، حيث التزم بأنه لا قسم للزوجة الصغيرة التي لم تبلغ حدّ الاستمتاع فقال:
والمرأة الكبيرة الناشزة لا قسم لها، و كذلك الصغيرة التي لم تبلغ حد الاستمتاع لا قسم لها.. (المبسوط في فقه الإمامية، ج4، ص: 327)
وقال: إذا مرضت زوجته لم تسقط نفقتها بمرضها، لأنها من أهل الاستمتاع، و لأنها قد يألفها و يسكن إليها و تفارق الصغيرة بهذين المعنيين..(الجزء 6 ص13)
ففرّق بين الزوجة المريضة التي يمكن الاستمتاع بها والسكن إليها وبين الصغيرة التي لا يمكن ذلك فيها..
بل صرّح في مورد ثالث بأن الصغيرة قد لا تكون صالحة للرجال فقال:
و إن كانت لا تصلح للرجال بأن يكون لها الست و السبع، على حسب حالها... فإذا كانت لا تصلح لم يجب على أهلها تسليمها إليه، و إن ذكر أنه يحضنها و يربيها، و أن له من يقوم بخدمتها و جميع أمورها لأنه لم يملك رقبتها، و إنما ملك الاستمتاع بها و هذه فما خلق فيها الاستمتاع و لأنه لا يؤمن أن تشره نفسه إلى مواقعتها فربما جنى عليها فقتلها، فكان لهم منعها.(المبسوط ج4 ص315)
فمنع من تسليمها لزوجها حيث لم تخلق مثل هذه للاستمتاع، ولا يؤمن عليها منه.
2. فخر المحققين الحلي، حيث منع من وجوب تسليم الصبية غير البالغة للزوج لأن إمساكه إنما يكون للاستمتاع التام وهي ليست مؤهلة لذلك، قال:
أقول: لا يجب تسليم الصبية غير البالغة إلى الزوج لأن إمساك الصغيرة حضانة و إمساك الزوج للاستمتاع التام لا للحضانة و ليست أهلاً له (إيضاح الفوائد في شرح مشكلات القواعد، ج3، ص: 197)
وشرط في مورد آخر تمكين المرأة بأن لا تكون صغيرة حتى لو أمكن الاستمتاع منها بغير الوطأ، قال:
و من فروع التمكين أن لا تكون صغيرة يحرم وطء مثلها سواء كان زوجها كبيرا أو صغيرا، و لو أمكن الاستمتاع منها بما دون الوطء لأنه استمتاع نادر لا يرغب إليه في الغالب.(شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، ج2، ص: 292)
3. العلامة الحلي، حيث قسّم الاستمتاع بالصغيرة بغير الوطأ إلى قسمين: أحدهما غير ممكن رأساً، والآخر الممكن جعله مما لا يعتدّ به لأنه نادر لا يرغب فيه غالباً، قال:
لو كان الزّوج كبيرا و هي صغيرة لا يجامع مثلها لم يجب لها نفقة قاله الشيخ و قال ابن إدريس تجب عليه النفقة مع أنّه شرط في وجوب النفقة التمكين و لو أمكن الاستمتاع منها بما دون الوطي لم يعتدّ به لأنّه استمتاع نادر لا يرغب فيه غالبا (تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية ، ج4، ص: 23)
ومثله قوله ايضا: وكذلك كل امرأة لا تلزمه نفقتها، كغير المدخول بها إذا لم تسلم إليه، و الصغيرة التي لا تمكن الاستمتاع بها، فإنه لا تلزمه نفقتها و لا فطرتها.(نهاية الإحكام في معرفة الأحكام، ج2، ص: 436)
4. الفاضل الهندي في كشف اللثام، قال:
و لا قسمة للصغيرة.... و لعلّ السرّ في انتفاء القسم لها أنّ الحكمة فيه الانس و زوال الحياء و الاستيحاش ليكمل الاستمتاع بها، و الصغيرة لا تقبل الاستمتاع..(ج7 ص510)
فهو صريح في منع الاستمتاع بالصغيرة مطلقاً.
5. الشهيد الثاني، حيث منع من تسليمها إن لم تصلح للاستمتاع مطلقاً، أما إن صلحت للاستمتاع دون الوطأ، فقد ذكر أدلة القولين ثم قوّى ما قواه الشيخ الطوسي من أنها ليست صالحة للاستمتاع فلا يجب تسليمها له، قال:
و محلّ الإشكال ما لو لم تصلح للاستمتاع مطلقا. أما لو صلحت لغير الوطء فطلبها الزوج لذلك، ففي وجوب إجابته وجهان:
من تحقّق الزوجيّة المقتضية لجواز الاستمتاع، فلا يسقط بعضه بتعذّر بعض، فيجب التسليم للممكن.
و من أن القصد الذاتي من الاستمتاع الوطء و الباقي تابع، فإذا تعذّر المتبوع انتفى التابع. و إمساكها لغير ذلك حضانة، و الزوج ليس أهلا لها، و إنما هي حقّ للأقارب.و لأنه لا يؤمن إذا خلا بها أن يأتيها فتتضرّر.
و على هذا فلو بذلت له لم يجب عليه القبول، لأن حقّه الاستمتاع و لم يخلق فيها. و لو وجب للزمه نفقة الحضانة و التربية، و هو منتف. و هذا أقوى، و هو خيرة المبسوط.(مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، ج8، ص: 196)
6. المحقق الكركي، فإنه بعد أن ذكر الوجهين في جواز تسليم الصغيرة أو عدمه رجّح وجوب تسليم المهر وإن لم يجب تسليم الصغيرة لأنها غير صالحة للاستمتاع، قال:
قوله: (و لو كانت صبية فالأقرب وجوب التسليم مع طلب الولي). هذا في حكم الاستثناء من إطلاق ما قبله، فإن الصغيرة و هي من لم تستكمل تسع سنين غير مهيأة للاستمتاع، فإنه لا يجوز له الدخول بها قطعا، و مع ذلك فالأقرب عند المصنف وجوب تسليم مهرها إذا طلبه الولي، و لو طلب الزوج تسليمها اليه لما عدا الوطء من الاستمتاعات ففي الوجوب وجهان:
أحدهما: يجب، لأن الممنوع الوطء دون غيره، و باقي الاستمتاعات حق له فيجب التسليم بها.
و الثاني: لا، لأن الصغيرة ليست محل الاستمتاع و إمساكها شرعا حضانة، و الزوج ليس أهلا لها، و إنما هي حق للأقارب. و أيضا فإن الزوج إذا خلا بها لم يؤمن أن يأتيها فتتضرر، و ربما أدى ذلك إلى إفضائها و هلاكها، و على هذا لو بذلت له على هذا الوجه لم يجب القبول.
إذا تقرر ذلك فوجه قرب وجوب التسليم أنه حق ثابت حال طلبه من له حق الطلب، فوجب دفعه كغيره من الحقوق الثابتة.
لا يقال: النكاح معاوضة و حكم المعاوضات عدم وجوب تسليم أحد العوضين إلّا مع تسليم الآخر، و صغر الزوجة مانع من وجوب تسليمها فلا يجب تسليم الصداق.
لأنا نقول: إن الزوج لما عقد على الصغيرة بمهر حال أوجب على نفسه العوض في الحال، و رضي بتأخير قبض العوض الى زمان البلوغ، بناء على القول بعدم وجوب تسليمها الى الزوج، فلم يكن له منع التسليم الى زمان التسليم.(جامع المقاصد في شرح القواعد، ج13، ص: 356-357)
7. صاحب الجواهر، حيث فصل في الصغيرة بين من تقبل الاستمتاع وتلتذ به (دون المقاربة) فلها القسمة كسائر الزوجات، وبين الصغيرة التي ليس لها قابلية الاستمتاع ولا تلتذ به، قال:
المسألة الرابعة لا قسمة للصغيرة.... و أما الصغيرة القابلة للاستمتاع الملتذة به فلا دليل عليه، لاندراجها في اسم الزوجة التي قد سمعت ما يدل على استحقاقها الليلة من الأربع(جواهر الكلام ج31 ص190)
وذكر في الصفحة 45 الوجهن الذين ذكرهما الشهيد الثاني، وعدّ وجوب تسليم الصغيرة التي يمكن الاستمتاع بها احتمالاً لا أكثر.
8. السيد أبو الحسن الأصفهاني، حيث أسقط النفقة عن الزوجة الصغيرة التي لا تقبل الاستمتاع، فهو يلتزم بأن الصغر مانع من الاستمتاع، قال:
(مسألة 4): الظاهر أنّه لا نفقة للزوجة الصغيرة الغير القابلة للاستمتاع منها علىٰ زوجها، خصوصاً إذا كان صغيراً غير قابل للتمتّع و التلذّذ.. (وسيلة النجاة ص763)
9. الأراكي، فقد صرّح بعدم إمكان شيء من الاستمتاعات في حقّ الرضيعة وإن لم يكن ذلك مانعاً من مجرّد إجراء العقد عليها، قال:
في جواز عقد المتعة على الصغيرة أو غير القابلة للاستمتاع... و على هذا فلا مانع من جهة عدم إمكان شيء من الاستمتاعات في حقّ الرضيعة عن صحّة نكاحها وتزويجها.(كتاب النكاح ص389-391)
10. مكارم الشيرازي، حيث منع من الاستمتاع بالصغيرة التي لا يتعارف ذلك بمثلها كالرضيعة، قال:
الأحوط في الاستمتاع أن يكون فيمن يتعارف فيها ذلك بما يتعارف؛ و أمّا في مثل الرضيعة على نحو ما ذكره في المتن، فلا دليل على جوازه؛ و التمسّك بأصالة الإباحة أو إطلاق الأدلّة في أمثال المقام ممنوع، بعد انصراف الأدلّة إلى ما هو المتعارف (العروة الوثقى مع التعليقات، ج2، ص: 772)
11. الصافي الكلبايكاني، حيث قسم الصغيرة إلى قسمين: من تصلح للاستمتاع ومن لا تصلح، فمنع النفقة عن الاولى دون الثانية إن مكنت من نفسها بما دون المقاربة، قال:
(مسألة 1329) المتيقن ممن تجب نفقتها هو الزوجة الكبيرة الممكّنة للزوج الكبير، فلا نفقة على الزوج للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع بها، خصوصا إذا كان الزوج صغيرا غير قابل للتمتع و التلذذ، و كذا للزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيرا غير قابل لأن يستمتع بها، نعم لو كانت الزوجة صغيرة و كان الزوج كبيرا و مكنته من نفسها بما يمكنه التلذذ به منها، فالأحوط (وجوبا) أن ينفق عليها. (هداية العباد ج2، ص: 376)
12. اللنكراني، حيث فصل في الصغيرة بين من يمكن الاستمتاع بها باللمس والنظر ومن لا يمكن ذلك، فقال:
و لو كان المراد جواز الالتذاذ و الاستمتاع و لو باللمس و النظر ففي الصغيرة يمكن ذلك. نعم فيما إذا كانت صغيرة جدّاً لا يترتّب علىٰ لمسها و نظرها التذاذ أصلًا لا يتحقّق هذا المعنىٰ، فاللّازم حينئذٍ التفصيل في الصغيرة بالنحو المذكور، فتدبّر جيّداً.(تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - النكاح، ص: 573 اللنكراني)
13. السيستاني، وقد فرّق أيضاً بين من يمكن الاستمتاع بها ومن لا يمكن فقال:
و الأظهر عدم ثبوت النفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع منها علىٰ زوجها خصوصاً إذا كان الزوج صغيراً غير قابل للتمتع و التلذذ، و كذا الزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيراً غير قابل لأن يستمتع منها، نعم لو كانت الزوجة مراهقة و كان الزوج مراهقاً أو كبيراً أو كان الزوج مراهقاً و كانت الزوجة كبيرة لم يبعد استحقاق الزوجة للنفقة مع تمكينها له من نفسها علىٰ ما يمكنه من التلذذ و الاستمتاع منها.(منهاج الصالحين، ج3، ص: 124)
وأخيراً نقول..
هذه بعض أقوال الفقهاء المتقدمين والمتأخرين الذين لم يلتزموا بما يشنع به الطرف المقابل على العلماء، وقد ذكرنا الوجه والدليل في من جوّز ذلك، فلا وجه للتشنيع على أحد من هؤلاء الفقهاء سواء التزموا بالجواز أو عدمه، وإن استمرار الطعن فيهم بعد هذا البيان والإصرار عليه يكشف عن نوايا مبيّتة غير طيبة، والإقرار بالحق والارتداع عن الطعن في العلماء يكشف عن سلامة النوايا وخطأ الأفكار..
اللهم اهدنا وجميع الاخوة لما تحب وترضى.
والحمد لله رب العالمين
شعيب العاملي
تعليق