إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

رواية النطح شبهات و ردود ، بحث السيد هاشم الهاشمي دام ظله .

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رواية النطح شبهات و ردود ، بحث السيد هاشم الهاشمي دام ظله .

    المقدمة



    سئل السيد فضل الله:

    ينسب إليها (أي زينب بنت أمير المؤمنين عليها السلام) نقاط ضعف وتخاذل كضربها رأسها بالمحمل وإدمائها جبهتها، وقد اتخذ هذا الموقف المزعوم أساسا لجواز أو استحباب ضرب الرأس، هل لديكم تحقيق تاريخي لهذا الادعاء؟ وهل يصح انتزاعه لإباحة واستحباب ضرب الرؤوس وإدمائها؟

    فأجاب:

    المفارقة أن الذين يقرأون هذا مع كل محبتنا لهم يقرأون أيضا أن زينب (ع) وقفت على جسد الحسين وقالت: "أتينا بالنياق مهزولة لا موطئة ولا مرحولة" أي على نياق بدون محامل؟!

    إننا لا نستطيع أن نوازن بين موقف الضعف الذي ينسب إليها وبين موقفها في الكوفة موقف القوة أمام ابن زياد وموقف القوة أمام أهل الكوفة، فليست زينب (ع) التي يشمت بها الأعداء، ولم تعمل بهذه الطريقة، فإنها كانت ستثير الإشفاق كونها مسكينة وثاكلة ومخذولة.

    وعندما ندرس هذه القضية نجد أنها لم ترد بسند موثق، ويكفي دلالة على ضعفها في مضمونها الإيحائي أنها لا تنسجم مع طبيعة موقف زينب (ع) ووصية الحسين (ع): "لا تخمشي علي وجها، ولا تشقي علي جيبا"، وذلك فليس القضية مجرد استبعاد لصحة الرواية ولكن بالمقارنة من خلال موقع ومسؤولية زينب (ع) ووصية الحسين (ع) لزينب ألا تشمت به الأعداء، الأمر الذي يجعلها تقف موقفا غير الذي تصفه الرواية.

    ونقطة ثانية، فلو صح سند الرواية، وهو غير صحيح، فإنها كانت في موقف حقيقي وهي مثقلة بكل هذا الكم من الأحزان، تقاد من مكان إلى مكان، ثم بعد ذلك السبي المشين وهي ترى رأس الإمام الحسين (ع) مرفوعا على الرمح، فمن الطبيعي أن كل ذلك قد يبرر الموقف، لأنه موقف قد يخرج به الإنسان من الحزن الهادئ إلى الحزن العنيف، أما أننا نريد أن نضرب رؤوسنا بعقل بارد حتى يصير الكفن مغطى بالدم، وحتى تصرخ النساء، فهذا ليس حزنا ... فلماذا نضرب رؤوسنا بالسيف والسلاسل، هل هي مواساة للحسين؟ هذه ليست مواساة، إن المواساة أن تجرح في الطريق الذي جرح فيه الحسين، وأن تجلد في الموقع الذي جلد فيه".

    المصدر: كتاب الندوة، الجزء الأول، الصفحة 342.

  • #2
    الاعتراض الأول:


    إن من يستشهد برواية النطح لتأييد التطبير هم الخطباء، ولايوجد في علمائنا من استشهد بها.




    الرد:


    ما ذكر مجرد ادعاء يخالفه الواقع، فقد استشهد بالرواية جمع من الفقهاء، منهم:


    1 – آية الله العظمى السيد محمد الوحيدي (قد) حيث يقول:


    "والتطبير وشدخ الرؤوس بالقامات واللطم على الصدور وضرب السلاسل على الظهور إذا لم تكن مضرة بالنفس لا إشكال فيها، بل يؤكدها ما في الرواية المعروفة أن عقيلة بني هاشم (ع) مع ما نعتقد فيها من أنها تالية لمقام العصمة، وخريجة لمدرسة الإمامة والولاية، عندما واجهت رأس أخيها الحسين (ع) فوق الرمح نطحت جبينها بمقدم المحمل حتى سال الدم وتقاطر من أطرافها". (فتاوى علماء الدين حول الشعائر الحسينية ص167)


    2 – آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي (قد) مؤلف كتاب "فضائل الخمسة من الصحاح الستة" و "السبعة من السلف" حيث يقول:


    "وأما التطبير فإذا لم يكن بحد الضرر أو خوف الضرر فلا بأس به، وفعل زينب بنت علي (ع) من نطح جبينها بمقدم المحمل حتى جرى الدم معروف مشهور". (فتاوى علماء الدين حول الشعائر الحسينية ص118)


    3 – آية الله السيد حسين الموسوي القمصري (قد) حيث ينقل عنه ابنه السيد محمد باقر الموسوي القصة التالية:


    "أتذكر جيدا أنه في إحدى مجالس العزاء في قمصر سألوا والدي: ما هو رايكم فيمن يلطمون أنفسهم في عاشوراء ويجرحون صدورهم وفيمن يخرجون الدم من نواصيهم بالتطبير؟


    فأجاب: لا تسألوني في هذا الأمر، بل اذهبوا إلى الشام واسألوا زينب بنت أمير المؤمنين (ع) وأخت الإمام الحسين (ع) كيف أنها علاوة على البكاء والنياحة نطحت رأسها بمقدم المحمل عندما رأت رأس الحسين (ع) المخضب بالدماء مرفوعا على الرمح في سكك الكوفة حتى جرى الدم من رأسها". (عزاداري سنتي شيعيان (بالفارسية) ج1 ص809، تأليف: سيد حسين معتمدي، مؤسسة انتشارات عصر ظهور ، قم ، 1378 هـ ش الموافق 1999م، راجع الملحق 1.)

    تعليق


    • #3
      الاعتراض الثاني:


      كيف يستدل هؤلاء العلماء على رواية النطح وهي لم ترد بسند موثق لأنها مرسلة؟



      الرد:

      إن المعترض على الرواية إما يكون اعتراضه متوجها إلى التعامل مع الرواية كمستند فقهي أو تاريخي.

      فعلى الأول فإن الاعتراض مبتن على أنه لايصح الاحتجاج في المسائل الفقهية إلا على الوارد بسند معتبر، وبعض المباني الفقهية لاترى ضرورة السند المعتبر باعتبار أن الملاك عند أصحابها هو الوثوق بالصدور الذي قد يحصل لهم من غير السند، علما بأن فضل الله يزعم أنه يتبنى هذا الرأي. (راجع على سبيل المثال الجواب رقم 15 و16 من أجوبته التي أجاب عنها بتاريخ 11 جمادى الثانية 1417هـ، الحوزة العلمية تدين الانحراف، الطبعة الثانية، ص284 و287.)

      غير أنه لا حاجة لإثبات شرعية التطبير إلى مبنى الوثوق بالصدور.

      أما على القول بالجواز، فالأصل في الأشياء الإباحة والجواز حتى يثبت المنع والتحريم، وحيث أنه لم يرد دليل على المنع فالتطبير جائز ولا نحتاج إلى رواية لإثبات الجواز، ويكون ما ذكر في الرواية مؤكدا للجواز الثابت بالأصل.

      أما على القول بالاستحباب فإن بعض المباني الفقهية واستنادا لفهم بعض الروايات تذهب إلى التسامح في أدلة المستحبات فيعملون بالخبر الضعيف أيضا، فيثبت لهم الاستحباب وإن كانت الرواية غير معتبرة سندا، أما عند من لا يقبل بهذا الرأي فإنه يصح العمل بالرواية من باب رجاء المطلوبية، وروايات رجاء المطلوبية وهي روايات صحيحة السند تؤكد على حصول العامل بالرواية الأجر وإن لم يكن صادرا عن المعصوم (ع).(راجع الوسائل ج1 ص80، الباب 17 من أبواب مقدمة العبادات وخاصة الحديث رقم 3 و6، وقد قال الشيخ الأنصاري عن هذه الروايات: "وهذه الأخبار مع صحة بعضها غنية عن ملاحظة سندها لتعاضدها وتلقيها بالقبول بين الفحول". فراجع ما كتبه في رسالته: "التسامح في أدلة السنن" ص17.)

      هذا من الناحية النظرية، أما في مقام العمل فإننا لم نجد من الفقهاء من استند إلى رواية النطح كدليل مستقل، فالرواية مرسلة من ناحية السند، وقد أوردوها من باب المؤيد والشاهد والمؤكد للدليل الدال على الجواز أو الاستحباب، وهناك فرق كبير بين الارتكاز على رواية كدليل مستقل، وبين ذكرها كشاهد ومؤيد يدعم دليل الجواز أو الاستحباب، ولايوجد أي محذور من إيراد الرواية غير الموثقة سندا كمؤيد إذا كان مضمونها لا يتنافى مع الدليل، بل هو منسجم مع منهج علمائنا وواضح لكل من قرأ كتبهم الاستدلالية.

      وممن استدل على رواية النطح كمؤيد آية الله العظمى شيخ الشريعة الاصفهاني (قد) كما نقله عنه الشيخ حسن المظفر حيث قال:

      " إنه لا إستبعاد فيه (أي النطح) إلا من جهة ظهور الجزع منها وإيلامها نفسها، والإيلام غير المؤدي إلى الهلاك لا دليل على عدم جوازه، والجزع على الإمام الحسين (ع) مندوب إليه ومرغب فيه في كثير من الأخبار". (نصرة المظلوم ص68، ط دار الكتب العلمية – بيروت)

      وكذلك آية الله العظمى السيد محمد الوحيدي (قد) في عبارته السابقة.

      وعلى الثاني أي كون الاعتراض نحو التعامل مع الرواية كمستند تاريخي، فإن فضل الله يعتبر ما جاء في تاريخ الطبري واللهوف في قتلى الطفوف للسيد ابن طاووس من أوثق المصادر. (راجع الجواب رقم 15 من أجوبته التي أجاب عنها بتاريخ 11 جمادى الثانية 1417هـ، الحوزة العلمية تدين الانحراف ص290 الطبعة الثانية)

      هذا بالرغم من أن روايات تاريخ الطبري ضعيفة السند، وروايات اللهوف مرسلة، فلا يصح منه المطالبة أو التأكيد على التوثيق السندي وهو يعد روايات فيها نفس الإشكال من أوثق الروايات!!!

      تعليق


      • #4
        الاعتراض الثالث:


        لن نطالب بصحة السند في الرواية التاريخية ولكننا نشترط لقبولها أن ترد في كتاب معتبر، ورواية النطح لم ترد في الكتب المعتبرة كمقتل أبي مخنف أو اللهوف للسيد ابن طاووس.



        الرد:

        لقد صرح العلامة المجلسي في البحار ج45 ص114 أنه نقل رواية النطح عن بعض الكتب المعتبرة، ولم يقل أحد انحصار الكتب المعتبرة بالكتب التي استشهد بها المعترض، فهي كثيرة، وبعضها لم يكن موجودا عند بعض من ألف في مقتل الحسين (ع) أو أنه رآها ولكنه لم ينقل كل ما وجده فيها.

        تعليق


        • #5
          الاعتراض الرابع:


          الرواية التاريخية لكي يتم قبولها يجب أن تكون خالية من الخلل في المضمون، فما احتوى على ما يسيء إلى أهل البيت (ع) لا يمكن قبوله، ورواية النطح تسيء إلى زينب بنت أمير المؤمنين (ع) وهي التي ورد في مواقفها وما ورد في مدحها والثناء عليها ما يكشف عن عظمتها وصبرها، حيث أنها تظهرها ضعيفة.

          كما أن زينب (ع) لا تشمت بنفسها الأعداء، فإنها بهذا الفعل ستثير الإشفاق كونها مسكينة وثاكلة ومخذولة.



          الرد:

          إن كون زينب (ع) مخذولة وثاكلة حقيقة واضحة لايرتاب فيها مؤمن وإن كانت مؤلمة، فقد ثكلت بأخيها الحسين (ع) والعباس وأبناء أخيها وأولادها، وهي التي خذلها أهل الكوفة.

          والتصريح بخذلان الأشقياء لأهل البيت (ع) جاء في موارد عديدة لم يكونوا فيها في موقف ضعف، فتقريع الآخرين بأنهم خذلوا من يجب نصرته والشكاية منهم لايعني أن المخذول الشاكي قد أوقع نفسه في الضعف، ودعاء النبي (ص) في حديث الغدير على من خذل أمير المؤمنين (ع) بالخذلان يلازم تحقق الخذلان خارجا.

          ولقد أكثر الإمام علي (ع) من الشكاية في خطبه وكلماته من خذلان من بايعه وكان تحت أمره في الحرب، ومنها خطبته المعروفة في الجهاد حيث قال فيها:

          "يا أشباه الرجال ولا رجال ...... قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان". (الكافي ج5 ص6 ح6، ونهج البلاغة – الخطبة 27، وراجع موارد أخرى مثل الخطبة 25 من نهج البلاغة.)

          ومن جملة الموارد التي أظهر فيها أهل البيت (ع) خذلان الآخرين لهم وما أصابهم من الانكسار والشماتة قول الإمام الحسين (ع):

          "اللهم احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسني يوسف (ع)، وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة، ولايدع فيهم أحدا إلا قتله قتلة بقتلة، وضربة بضربة، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم، فإنهم غرونا وكذبونا وخذلونا". (عوالم الإمام الحسين للشيخ عبد الله البحراني ص253، وبحار الأنوار ج45 ص10، وتاريخ الطبري ج4 ص344)

          وقوله (ع) بعد شهادة أخيه العباس:

          "الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي". (بحار الأنوار ج45 ص42، وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج3 ص192)

          وكذلك ما ورد من دعاء مسلم بن عقيل (رض) عندما أصعدوا به القصر ليقتلوه، وهو يقرأ ويسبح ويكبر فقال: "اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا ثم خذلونا". (الثقات لابن حبان ج2 ص308، عوالم الإمام الحسين للبحراني ص207 وبحار الأنوار ج44 ص358 عن المسعودي.)

          وروى الشيخ الصدوق بسند معتبر عند جمع غفير من علمائنا (ممن يقول بقبول رواية من ترضي عنه الصدوق) عن الإمام الرضا (ع) أنه قال:

          "إن يوم الحسين (ع) أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء". (الأمالي ص190 المجلس 27 ح2)

          وهذه تصريحات واضحة منهم بالخذلان، فهل يصح بعد هذا نقض ضرب زينب (ع) رأسها بمقدم المحمل أو التشكيك في ذلك، كونه يدل على وقوعها في الخذلان؟!

          وقد يقول المعترض: إننا لا ننكر الوقوع الذي يتحمل تبعته المتخاذل ولكن هذا إيقاع في الخذلان من قبل زينب (ع)؟

          ويقال في جوابه:

          مما لاشك فيه أن المؤمن لا يذل نفسه، غير أن عدم التفريق بين إبراز الحزن والأسى على المصائب وبين الإذلال هو الذي أوقع المعترض في الاشتباه، وعلى أقل تقدير: ليس كل إبراز حزن من الإذلال، فأهل البيت (ع) بكوا في موارد عديدة كبكاء الزهراء (ع) على أبيها (ص) أو بكاء الإمام الحسين (ع) على ابنه علي الأكبر أو إظهار زينب (ع) التفجع في كربلاء حينما خاطبت جدها رسول الله (ص) وهي تندب الحسين (ع).

          ثم إن تحديد وتشخيص ما هو موجب للذل من غيره قد يخفى على من لم يستوعب سيرتهم، ولم يميز بين مكامن القوة في النفس وبين الغاية من مظاهر الأفعال في الخارج، ولهذا نجد التخبط والتناقض في أقوال فضل الله، فهو على سبيل المثال يستنكر طلب الإمام الحسين (ع) من أعدائه الماء بحجة أن ذلك يدعو إلى الشماتة ويوحي بالضعف ولا يوحي بالقوة. (من وحي عاشوراء ص28-29)

          ومن جهة أخرى يقول عن طلبه (ع) الماء لابنه الرضيع:

          "إن طلبه الماء ليس من الضروري أن يكون لإقامة الحجة بل كان طلبا حقيقيا، وغاية الأمر أن مواجهتهم لهذا الطلب بهذه الطريقة المستنكرة والمستهجنة قد أصبحت حجة عليهم في داخلهم وحجة عليهم في التاريخ، أما متى يكون طلب الماء إضعافا للمبدأ، فهو عندما يتنازل طالب الماء عن مبدئه أو بعض مبدئه في مقابل شربة ماء، وهو ما لم يحصل في كربلاء، لا في مقابل الماء ولا في مقابل غيره". (الندوة ج6 ص502)

          فهل تنازل الإمام الحسين (ع) عن أي مبدأ من مبادئه في مقابل طلبه الماء لنفسه؟ مع ما في طلبه الماء من إتمام الحجة على أعدائه؟

          تعليق


          • #6
            الاعتراض الخامس:


            إن ما صدر من زينب (ع) هو شبيه بما صدر من النساء اللاتي قطعن أيديهن حينما رأين جمال يوسف (ع)، ولأجل ذلك لم يستقبحه القرآن الكريم، وزينب (ع) كانت في حالة من اللاوعي (والعياذ بالله) حينما رأت الرأس الشريف، ولايمكن بناء على ذلك المقارنة بين الضرب الذي يكون عن عزم وقصد ويعيش فاعله حالة من الوعي الكامل، وبين الضرب الذي كان في حالة اللاوعي، والاستقباح يزول من التصرف الكائن في الحالة الأولى دون الثانية.



            الرد:

            هناك مجال للمناقشة في دعوى القائل أن تصرف النساء اللاتي قطعن أيديهن كانت في حالة اللاوعي، فإن عدم إحساسهن بتقطيع أيديهن منشؤه شدة الانجذاب، والانجذاب من أنواع الأفعال الإرادية، وعلى فرض التنزل فإن مقدماته اختيارية، وشدة الانجذاب هي التي تجعل الشخص المنجذب نحو المحبوب غير مكترث بما يجري عليه .. لا أن تصرفه كان عن غير وعي.

            بل حتى الإغماء الذي يصيب المحزون وإن كان غير اختياري ولكن مقدماته اختيارية بمعنى أن النفس لشدة تعلقها بالمحبوب، توقع صاحبها في الحزن الشديد الذي ينجم عنه الإغماء، وليس ضرب زينب (ع) رأسها بمقدم المحمل بأشد من لطم المثكولة بزوجها والتي رأته مقتولا أمامها فضربت رأسها بالجدار.

            إن هذا الاعتراض لهو إهانة لزينب (ع) من حيث لا يشعر المعترض، فزينب (ع) أجل من أن تكون فاقدة للاختيار لا تعلم ما تفعل، وإنما هو فعل إرادي منها من أفعال الحزن والتفجع، وأفعال الحزن من بكاء ولطم وغير ذلك تعود لمناشئ نفسانية لايمكن فصلها عن الاختيار، فإن الذي يرى ما يصيب المحبوب تدمع عينه تلقائيا ومع ذلك لا يقال أن بكاءه فعل غير اختياري، ، ولا معنى للتفريق بين البكاء وبين ضرب الرأس فكلاهما فعلان اختياريان، وكلاهما من أفعال الحزن.

            ولو تجاوزنا ما فات وقلنا أن من الجائز أن يصدر منها الفعل غير الاختياري، فإن قياسه على النسوة اللاتي قطعن أيديهن فاسد، وذلك لأن المتبادر من الآية الشريفة: (يوسف /31) هو صدور التقطيع من غير شعور لوجود القرائن العديدة وظهور السياق في ذلك من قبيل: وليس في قصة نطح زينب (ع) أية قرينة يستظهر منها صدور الفعل عن غير وعي، فيبقى الصدور عن غير وعي مجرد احتمال، والمحاورات العرفية لا تقيم وزنا للاحتمالات لتحمل العبارة معنى محتملا وهي غير ظاهرة فيه، وبالتالي فلا يمكن مساواة الظاهر في صدوره عن لا وعي لوجود القرائن بالمحتمل في صدوره عن لا وعي مع فقدان القرائن.

            ولو تأملنا في سيرة زينب (ع) بعد شهادة أخيها الحسين (ع) ورباطة جأشها وقدرتها على التحكم في المواقف العصيبة التي يهتز ويضعف فيها الأبطال لعلم أن ما صدر منها لم يكن خارج نطاق وعيها واختيارها، بل كان عن إرادة كاملة وقصد وهدف.

            تعليق


            • #7
              الاعتراض السادس:


              إن زينب (ع) إنما ضربت رأسها بالمحمل لحظة رؤيتها للرأس الشريف، مما يعني إنه منطلق من موقف عاطفي صادق على أثر الحزن الشديد لرؤية المشهد ... أما من يضرب رأسه بعد أكثر من ثلاثة عشر قرنا فهذا يضرب بعقل بارد، ولاينطلق فعله عن عاطفة ولا يمكن أن يعد حزنا.



              الرد:

              لابد للمعترض الذي يحاول الفصل بين الحدث الذي يبعث على الحزن وبين الزمان اللاحق به البعيد عنه أن يثبت بالدليل لا الاستحسان أن الحزن يؤطر من الناحية الشرعية في جانب الزمان فلا يعم مع بعد العهد، فإن فعل – ولن يقدر – فسيكون قد شارك الوهابية اعتراضهم على الشيعة في البكاء على الإمام الحسين (ع) لبعد العهد بعاشوراء.

              لاتوجد أية علاقة في الحزن بين مظهر ومظهر آخر، وبين زمان زمان، فكما استحب للمؤمن أن يبكي على الإمام الحسين (ع) بعد قرون متمادية من مقتله كمظهر من مظاهر الحزن، فكذلك الأمر بالنسبة للمظاهر الأخرى، فإذا أباح المعترض اللطم الهادئ مع بعد الزمان، فمن حق الآخرين أن يعملوا بنفس الأمر في التطبير، فلا يمكن للزمان أن يمنع من الحزن ولا من مظاهره.

              ولو قلنا أنه يعلم بما قلوب المطبرين من نوايا ويتهمهم بعدم الحزن والتفجع بالمصاب، فهل يملك دليلا على عدم جواز أو رجحان التظاهر بالحزن كالتباكي أو لبس السواد أو غير ذلك من مظاهر الحزن؟

              تعليق


              • #8
                الاعتراض السابع:


                إن الذين ينقلون رواية النطح على المنابر يذكرون أيضا أن النياق التي حملت أسارى كربلاء كانت بغير وطاء، وهو يعني عدم وجود المحامل، وبالتالي تنتفي قصة الضرب بالمحمل لانتفاء وجود المحمل، فضلا عن وجود التناقض بين الروايتين فواحدة تثبت وجود المحمل والأخرى تنفي وجوده فلا يحصل الوثوق بالرواية المثبتة لوجود المحمل.



                الرد:

                التأمل في الرواية يدفع هذا التوهم، فقد روى مسلم الجصاص:

                "فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ أقبلت نحو أربعين شقة تحمل على أربعين جملا فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة (ع)، وإذا بعلي بن الحسين (ع) على بعير بغير وطاء وأوداجه تشخب دما .....، وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال على المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم أم كلثوم وقالت: إن الصدقة (أي زكاة غير الهاشمي على الهاشمي) علينا حرام، وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض.

                قال مسلم:

                كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم، ثم إن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقلت: صه يا أهل الكوفة، تقتلنا رجالكم وتبكينا نساؤكم؟! فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم يفصل القضاء. فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين (ع)، وهو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله (ص) ولحيته كسواد السبج (أي الخرز الأسود)، قد انتصل منها الخضاب، ووجهه دارة قمر طالع، والرمح تلعب بها يمينا وشمالا.

                فالتفتت زينب (ع) فرأت رأس أخيها، فنطحت جبينها بمقدم المحمل حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها، وأومأت إليه بخرقة، وجعلت تقول:

                يا هلالا لما استتم كمالا غاله خسفا فأبدى غروبا

                ....... الخ". (البحار ج45 ص114)

                فالمعترض توهم أن الوطاء والمحمل لهما معنى واحد، أو توهم أن عدم وجود الوطاء يلازم عدم وجود المحمل، وهو توهم فاسد، لأن المحمل المصنوع من الخشب هو ما يحيط بسنام الجمل ويركب عليه، ويطلق عليه الهودج أيضا غير أن الهودج خاص بالنساء، وسمي محملا لأن به يحمل المحمول، ويكون للمحمل جانبان وشقان يحمل بهما العديلان والشخصان المحمولان. (راجع لسان العرب ج3 ص334، مع مراجعة الهامش رقم 2 في نفس الصفحة، والقاموس المحيط ج1 ص328، والعين ج1 ص429 وفي القاموس المحيط للفيروزآبادي ج2 ص98: أن الخشبة التي في مقدم الهودج يقال لها: العير.)

                أما الوطاء فهو كالفرش والغطاء الذي يوضع على ظهر الإبل تفاديا للجلوس على الظهر والوبر مباشرة، وما تسببه حركة البعير حال سيره من أذى ومشقة للراكب.

                إن رواية النطح حين تصرح بعدم وجود الوطاء الذي يوضع على ظهر الجمل تؤكد في نفس الوقت على وجود المحمل المحيط بالظهر، وهذا أمر ممكن وجائز، أي أن الجمال كانت قد ركبت عليها المحامل ثم عمدوا إلى إزالة الوطاء الذي فيها أو لم يضعوه من الأساس بغرض إلحاق الأذى بأسارى آل محمد.

                ويؤكد التغاير والاثنينية ما بين المحمل والوطاء ما نقله الكليني ضمن رواية تحكي اعتقال جمع من الحسنيين من قبل جنود المنصور:

                "فصفدوا في الحديد، ثم حملوا في محامل أعراء لا وطاء فيها". (الكافي ج1 ص361، عنه البحار ج47 ص283، وراجع أيضا هامش الصفحة 258 من نفس الجزء)

                ومن ثم لا مانع من وجود محمل من غير وطاء، ولا ملازمة بين عدم وجود الوطاء وعدم وجود المحمل.

                ولو سلمنا وقلنا بالتلازم فمن الممكن أن الجمل الذي نطحت زينب (ع) رأسها بمقدم محمله لم يكن من الجمال التي تحمل السبايا بل التي تحمل المتاع.

                أما ما زعمه فضل الله من أن بعض الخطباء قال: "أتينا بالنياق مهزولة لا موطئة ولا مرحولة" فلا وجود له بعد البحث والتقصي في أهم كتب الحديث والسيرة مثل: العوالم للبحراني، والمناقب لابن شهراشوب، والبحار للمجلسي، وتاريخ دمشق لابن عساكر، وكشف الغمة للأربلي، والإرشاد للمفيد، وإعلام الورى للطبرسي، وكذا في كتب المقاتل والتاريخ مثل: مقتل الحسين للخوارزمي، ومقتل أبي مخنف، ونفس المهموم للشيخ القمي، وأسرار الشهادة للدربندي، وعبرات المصطفين للمحمودي.

                تعليق


                • #9
                  الاعتراض الثامن:


                  إن زينب (ع) حينما ضربت رأسها بالمحمل لم تكن تعلم أن هذا الضرب سينجم عنه خروج الدم، وعليه فلا يصح مقارنته بالتطبير حيث يعلم المطبر بما سيسفر عنه التطبير من خروج الدم.



                  الرد:

                  إن نص الرواية يؤكد على أن زينب (ع) ضربت جبينها بمقدم المحمل، وأن الدم الذي نتج عن الضرب لم يكن قليلا، لأن كميته بلغت ما جعله يرى وهو يخرج من تحت قناعها، وهذا إما يعني أن مقدم المحمل كان مدببا، وفي هذه الحال فإن مقارنة الفعل الزينبي بالتطبير الجاري اليوم بالسيوف ستكون واضحة، وإما يعني أن الضرب كان قويا وشديدا، والعادة تقضي في مثل الضرب الاختياري الشديد خروج الدم، فتصح المقارنة أيضا بين الضربتين من جهة اقتضاء كل واحدة منهما بحسب الطبع والعادة خروج الدم.

                  مضافا إلى أن المطبرين لا ينظرون للأمر على هذا النحو، فهم يعمدون لإخراج الدم مواساة لزينب والإمام الحسين عليهما السلام في انبعاث الدم منهما، أي أن الباعث مأخوذ بلحاظ نتيجة ضرب زينب (ع) رأسها، وليس بما قبل شروعها في الضرب.

                  تعليق


                  • #10
                    الاعتراض التاسع:


                    إذا جاز لكم ضرب رؤوسكم بالسيف لأن زينب (ع) فعلت ذلك، ومواساة لها وللإمام الحسين (ع)، فلماذا لا تقطعون أيديكم لأن الحسين (ع) قطعت يده؟ كما إن "المواساة أن تجرح في الطريق الذي جرح فيه الحسين، وأن تجلد في الموقع الذي جلد فيه" وليس في العزاء.



                    الرد:

                    إن المواساة أمر حسن ومرغوب، ولكنها مقيدة بقيود شرعية وليست مطلقة، فالعبادات - المستحب منها والواجب - مشروطة بأن لا تستوجب الضرر والهلاك باستثناء الواجبات التي أخذ في ذاتها الضرر كالجهاد.

                    ومن يستشهد بفعل زينب (ع) لا يقول أنه يجوز للإنسان أن يلحق بنفسه ما بدا له من الضرر، بل يجب عليه التقيد بالحدود المقررة في الشرع كعدم إتلاف عضو أو فقدان حاسة وكما ذكر ذلك الفقهاء.

                    والإمام الحسين (ع) قطعت يده في الجهاد وليس في العزاء، ولو أنه قطعت يده أحد الأئمة في عزاء الحسين (ع) فمن المؤكد أن في شيعته من سيفعل ذلك.

                    ومواساة الإمام الحسين (ع) لم يقيد حسنها بشكل خاص، بأن تقتصر على الجهاد في المعركة، بل تشمل جميع الأشكال، سواء في المال أو تحمل الجوع أو عدم إظهار الفرح أمام المكروب.

                    والمعترض يريد أن يحصر المواساة بشكل واحد بحيث يسلب عن الأشكال الأخرى صفة المواساة، فأي ضير في الاتيان بالجهاد والتطبير معا، وكما فعل المطبرون في يوم عاشوراء في جنوب لبنان عام 1982م حينما استخدموا سيوف التطبير في مواجهة الصهاينة؟

                    تعليق


                    • #11
                      الاعتراض العاشر:




                      إن زينب (ع) ليست بمعصومة ولايمكن الاستناد إلى فعلها للعمل بالحكم الشرعي؟



                      الرد:

                      إن مقام زينب (ع) أجل من أن تنسب إليها العصية والذنب، وهي التي تربت في بيت النبوة والإمامة، وأخذت من منهل أهل البيت (ع) وتربت في حجرهم.

                      وسنكتفي بما قاله الفقيه الرباني والرجالي الكبير آية الله العظمى الشيخ المامقاني (قد) في حق الصديقة الصغرى زينب بنت أمير المؤمنين (ع):

                      "ولو قلنا بعصمتها لم يكن لأحد أن ينكر، إن كان عارفا بأحوالها في الطف وما بعده". (تنقيح المقال، الجزء الثالث، الصفحة 79 من فصل النساء)

                      ومن جهة أخرى فإن ما صدر عن زينب (ع) كان بحضور الإمام السجاد (ع)، وسكوته وإقراره على هذا الفعل كاف في إثبات جوازه أو رجحانه.

                      تعليق


                      • #12
                        الاعتراض الحادي عشر:


                        إن ردة فعل زينب (ع) تجاه رؤية الرأس الشريف بنطح رأسها بمقدم المحمل كانت لحظية ومحصورة في زمانها ومكانها، ولو كان أمرا راجحا لفعلته كل عام، ولفعله المعصومون كذلك.



                        الرد:

                        لم يقل أحد من الفقهاء الشيعة أنه يجب أن يثبت من خلال الروايات أن نفس الإمام أو جميع الأئمة (ع) قد مارسوا نفس العمل مرارا حتى يثبت رجحانه، بل لم يقل أحد من أهل السنة أنه يجب أن يثبت تكرار فعل النبي (ص) للمستحب حتى يحكم باستحبابه، فهناك العشرات من المستحبات الثابتة بالأسانيد الصحيحة قد ثبت استحبابها برواية واحدة عن واحد من المعصومين فقط من دون أن يثبت ممارسة نفس المعصوم أو بقية المعصومين له في فترات زمانية أخرى، فلا وجه لاشتراط شرط زائد في التطبير وخاصة أن التشريع الديني جاء لكي يدوم ويثبت لا لكي يتقيد بزمان وظرف، فحلال محمد (ص) حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

                        ومن الكلمات المهمة في عدم تقيد استحباب مظاهر العزاء بالزمان وأنها أقيمت في أكثر من زمان من أزمنة المعصومين (ع) ما قاله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قد):

                        "ولا تقل إن هذا مخصوص بيوم الطف وما قاربه، فقد روى الصدوق (رض) أن دعبلا لما أنشد تائيته المشهورة التي فيها: "إذا للطمت الخد فاطم عنده" لطمت النساء وعلا الصراخ من وراء الستر، وبكي الرضا حتى أغمي عليه مرتين حال إنشاد القصيدة، فإذا جاز للرضا (ع) أن يتعرض لسبب الإغماء الذي هو أخ الموت، فلماذا لا يجوز لشيعته ضرب الرؤوس والظهور ولطم الصدور وأمثالها مما هو دون الإغماء بكثير". (فتاوى علماء الدين حول الشعائر الحسينية ص79)

                        ومن المثير للغرابة أن من يؤيد فضل الله في رأيه من التطبير يغفل عن أن فضل الله لايشجع أي نوع من أنواع العزاء الحماسي فهو يقول برجحان العزاء غير المثير للتفاعل كاللطم الهادئ (حديث عاشوراء ص 135)، وهو ما يصح أن يوصف بأنه في الطرف المقابل لرأي بقية علمائنا القائلين برجحان إقامة العزاء الذي يدعو للحماس والتفاعل مع المصيبة وخاصة السيد الخميني (قد) الذي يقول:

                        "إن كل مدرسة تحتاج إلى الجلبة والصيحة (الضجيج)، ويجب أن تلطم عندها الصدور، وكل مدرسة لايوجد فيها لاطمو الصدر، ولا يوجد عندها البكاءون، ولا يوجد عندها الضاربون على الرأس والصدر فإنها لا تحفظ". (صحيفة نور -بالفارسية- ج8 ص69)

                        وسؤالنا في المقام هو:

                        هل ثبت أن أحد المعصومين كرر اللطم الهادئ كل عام حتى يصح أن يوصف بأنه راجح ومستحب؟

                        تعليق


                        • #13
                          الاعتراض الثاني عشر:


                          إن موقف زينب (ع) بضرب رأسها بمقدم المحمل لا ينسجم مع وصية الإمام الحسين (ع) لها: "لا تخمشي علي وجها ولا تشقي علي جيبا".



                          الرد:

                          إن هذه الوصية لا تخلو إما أن تكون خاصة بزينب (ع) وإما أن تكون شاملة لغيرها.

                          فعلى الاحتمال الأول يسقط الاستدلال للربط بين التطبير وهذه الوصية، كما أن من الجائز أن يكون النهي مختصا بخمش الوجه وشق الجيب فقط دون غيره فلا يعم النطح.

                          وهناك إشكالان آخران على هذه الوصية يرتبطان بالسند والمتن.

                          أما من ناحية السند فإن الوصية قد وردت بسند مرسل (الإرشاد للشيخ المفيد ص232)، فهي كرواية النطح مرسلة، ولا موجب لتقدمها عليها من ناحية السند، غير أن رواية النطح متوافقة في مضمونها مع ما دل على حسن الجزع على الإمام الحسين (ع)، وقد روى الشيخ الطوسي بسند صحيح عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:

                          "كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين (ع)". (الأمالي ص 162، المجلس 6 الحديث 20)

                          وبناء عليه يكون التقدم لرواية النطح لموافقتها للوارد بالسند المعتبر.

                          أما من ناحية المتن فليس كل نهي يدل على الحرمة، وكما يوجد النهي التحريمي فهناك النهي التنزيهي أيضا، ومن الجائز أن يكون طلب الإمام الحسين (ع) من أخته زينب (ع) من باب الشفقة أو لوجه آخر وقطعت مولاتنا بانتفاء ذلك الوجه في خصوص ذلك المورد فزال حتى النهي التنزيهي.

                          وبما أن دواعي صيغة لا تفعل متعددة في اللغة، وبما أنه لايوجد دليل على إنفراد إحدى الاحتمالات بالمراد، فلا مجال لإثبات الحرمة التكليفية.

                          وعلى الاحتمال الثاني:

                          فإنه كما توجد مثل هذه الوصية، فهناك روايات أخرى تفيد الجواز، مثل ما رواه الشيخ الطوسي بسنده عن خالد بن سدير عن الإمام الصادق (ع) قال:

                          "وقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب". (تهذيب الأحكام ج8 ص325)

                          ولايمكن ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى، ولكن رواية لطم الخد متناسبة مع الرواية الصحيحة المثبتة لاستحباب الجزع.

                          والوصية لو ثبتت فهي تدل على حرمة الخمش، ولكن السيد الخوئي (قد) يقول تعليقا على قول صاحب العروة: "لايجوز اللطم والخمش" الآتي:

                          "وهذا كسابقه وإن ورد النهي عنه في بعض الأخبار ..... إلا أن الأخبار لضعفها سندا لا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بالحرمة". (التنقيح في شرح العروة الوثقى ج9 ص231)

                          وعلى فرض القول بالحرمة فقد استثنيت في عزاء سيد الشهداء وبقية المعصومين (ع)، يقول السيد الخوئي:

                          "نعم استثنى الأصحاب من حرمة تلك الأمور الإتيان بها في حق الأئمة والحسين بن علي (ع) من لطم الخد وشق الجيب كما ورد في رواية خالد بن سدير". (المصدر السابق ص235)

                          تعليق


                          • #14
                            الاعتراض الثالث عشر:



                            إن كلمة نطحت استعملت في اللغة في ضرب الحيوان برأسه، وليس في ضرب الإنسان، وقد قال الخليل بن أحمد: "النطح للكباش ونحوها". (ترتيب كتاب العين ج3 ص1806، وكذا في لسان العرب ج14 ص184)

                            ومن ثم تكون الرواية توهيناً للسيدة زينب (ع)، فالأولى الإعراض عن الرواية صونا لبنت أمير المؤمنين (ع) من الهتك. وقبل سنوات وفي إحدى حسينيات الكويت قال أحد الخطباء: "وهل زينب نعجة لتنطح رأسها"؟!



                            الرد:

                            إذا سلمنا بأن كلمة النطح لا يصح استعمالها في اللغة مع الإنسان فهذا لا يضر بمضمون الرواية وإرادة الضرب بشدة، ويحمل الخطأ – إن كان – على خطأ الراوي في التعبير، فإن كلمة نطحت لم ينقلها الراوي عن إمام معصوم بل هي من إنشائه، ولا يصح أن نرد رواية بكاملها لخطأ في لفظ صدر من الراوي، ولا مانع أن يستعمل من يعتقد بأن في الكلمة إهانة لزينب كلمة أخرى تسد مسدها.

                            ولكن الدعوى السابقة بامتناع استعمال كلمة النطح في الإنسان غير تامة، وفقا لما لدينا من أخبار معتبرة السند واستعمالات المتحدثين بالعربية.

                            فقد روى الشيخ الصدوق بسند صحيح عن الإمام الصادق (ع) قال:

                            "لو حلف الرجل أن لايحك أنفه بالحائط لابتلاه الله تعالى حتى يحك أنفه بالحائط، ولو حلف الرجل أن لا ينطح برأسه الحائط لوكل الله عز وجل به شيطانا حتى ينطح برأسه الحائط". (من لايحضره الفقيه ج3 ص229 ح1080 ط دار الكتب الاسلامية، عنه الوسائل ج23 ص199 ح8 ط آل البيت، وطريق الصدوق إلى بكر بن محمد الأزدي صحيح كما ذكر ذلك السيد الخوئي في المعجم ج3 ص356، وهو ثقة وقد روى الحديث عن أبي بصير عن الإمام الصادق فالرواية معتبرة، وقد أكد على اعتبارها بعض علمائنا كالشيخ حسين آل عصفور في تتمة الحدائق الناضرة ج2 ص139)

                            ومما لاشك فيه أن الحديث الوارد بسند معتبر عن آل محمد (ع) سادة فصحاء العرب مقدم على قول لغوي لا يعلم من أين استقى تحديد المعنى اللغوي؟

                            هذا مضافا إلى كلمات كثير من المتحدثين بالعربية وفي مصادر متعددة:

                            فقد روى ابن عساكر عن أبي الصقر الصوفي قال: "... فخرجت فنطح الباب وجهي ففتحته فمسحت الدم ومشيت فلقيني الشبلي، فقلت: يا أبا بكر رجل مشى في طاعة الله ينطح وجهه، ما يوجب هذا؟ قال: لعله أراد أن يجيء إلى شيء صاف فيكدره". (تاريخ مدينة دمشق ج66 ص74)

                            وروى الذهبي حول كيفية وفاة أحمد بن الطيب السرخسي تلميذ الكندي ومؤدب المعتضد ونديمه ثم المقتول من قبله!! أن المعتضد خيره في مقتله، فاختار أن يطعم كباب اللحم وأن يسقى خمرا كثيرا حتى يسكر ويفصد في يديه، ففعل به ذلك فصفي من الدم وبقيت فيه حياة وغلبت عليه الصفراء، وجن وصاح وبقي ينطح الحائط لفرط الآلام ويعدو كثيرا حتى مات. (سير أعلام النبلاء ج13 ص449)

                            وذكر ابن الجوزي في قوله تعالى: (الحجر / 95) أنهم كانوا خمسة منهم الأسود بن عبد المطلب وأنه قيل في وفاته أنه جعل ينطح برأسه الشجر ويضرب وجهه بالشوك، فاستغاث بغلامه فقال: لا أرى أحدا يصنع بك هذا غير نفسك، فمات وهو يقول: قتلني رب محمد. (زاد المسير ج4 ص309، وكذا نقله السيوطي في الدر المنثور ج4 ص107 غير أنه ذكر أن الذي جعله ينطح برأسه جبرائيل.)

                            ومن طريف استعمالات الكلمة في الإنسان ما بلغني من بعض طلبة العلم في السنوات الأولى من تواجدي في مدينة قم المقدسة أن السيد المرعشي (قد) كان يقول: "لو وضعت جهلي تحت قدمي لنطحت رأسي السماء".

                            وأما قول ذلك الخطيب فهو من سوء الأدب والجسارة في حق زينب (ع)، ومما يؤسف له أن البعض يقتات على موائد أهل البيت (ع) ويسيء إليهم في نفس الوقت!!

                            تعليق


                            • #15
                              المصدر ، موقع المشكاة الرسمي لسماحة السيد هاشم الهاشمي
                              http://al-meshkah.com/maaref_detail.php?id=3894

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 10-08-2015, 10:24 PM
                              ردود 23
                              3,128 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة وهج الإيمان
                              بواسطة وهج الإيمان
                               
                              يعمل...
                              X