بسم الله الرحمن الرحيم
اسم الكتاب : هل اغتيل النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )
المؤلف : نجاح الطائي
طباعة : علي اشكناني
تدقيق : احمد اشكناني
المقدمة
عاصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظروفاً صعبة وقاهرة في مكة والمدينة يصعب على افراد الأمة تحملها لكنه هيأ نفسه وجهزها لتحمل الصعاب .
وعظمت الرزايا وزادت الخطوب وكثرت الآلام مع اعلانه عن البعثة النبوية المباركة إذ هاجت وتكالبت عليه قوى الشر والطغيان .
فحمل عتاة الظلم والجهل اسلحتهم المختلفة ليطفئوا نور الله تعالى .
فتعرض خاتم الأنبياء لشتى صنوف الأذى والحرمان والبغي .
ولم يكتف رجال الكفر بجهودهم واعمالهم في سبيل كيد الإسلام والمسلمين بل تحركت نسائهم واولادهم في هذا الطريق فكان منهم حمالة الحطب .
وقد قال تعالى : ] تبّت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى ناراً ذات لهبٍ وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد [ (1)
وشرع آخرون في سلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هدوءه وسكينته فكانوا يهاجمونه بعد منتصف الليل في ساعات عبادته في بيت الله الحرام .
فقال صلى الله عليه وآله وسلم لمن هاجمه : يا ( فلان ) أما تتركني ليلاً ونهاراً .
وشرع الكافرون في ازهاق أرواح المؤمنين فكانت سمية أول شهيدة في الإسلام واستشهد زوجها ياسر وتقاطرت قوافل الشهداء .
فأعطى الكثير من المسلمين أرواحهم ودماءهم في هذا السبيل قرباناً في سبيل الله تعالى.
ولم يكتف فراعنة قريش بذلك بل حصروا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبني هاشم في شعب ضيق وقاطعوهم اقتصادياً واجتماعياً ! حتى أصبح الخبز عندهم سلعة نادرة .
وبينما كان أفراد بني هاشم يضحون بالغالي والرخيص في سبيل اعلاء كلمة الله تعالى كان جهلة قريش يبذلون ما عندهم في سبيل اعلاء راية اصنامهم !
وذهب ابو طالب مؤمن قريش وخديجة أم المؤمنين ضحية هذه المقاطعة .
وازداد الاحتكاك بين المؤمنين والكافرين فهاجر المسلمون الى
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المسند : 1-5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحبشة مرّتين فارِّين بدينهم وجلدهم هرباً من عتاة قريش .
وافرج الله سبحانه وتعالى فرجه للمسلمين باسلام وهداية أهالي يثرب , فعلت راية الإسلام وانتصرت راية التوحيد .
واستمر الكفار في جهودهم لاطفاء نور الله تعالى : ] يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمُّ نوره ولو كره الكافرون [ (1) .
فتحول بعض منهم الى الإسلام كذباً ونفاقاً , ومع ازدياد قوة الإسلام ازدادت اعداد المنافقين .
والمنافقون هم الذين يدَّعون الإسلام زوراً ويكتمون الكفر ولأجل ذلك أنزل الله تعالى سورة قرآنية اسمها سورة المنافقون .
ولما ازدادت اعداد المنافقين بعد فتح مكة كثرت الحركات كانت حركتهم في معركة حنين وحركتهم في حملة تبوك .
ففي معركة حنين انسحب المنافقون انسحاباً خطيراً بشكل هزيمة غادرة تسبب في هزيمة عامة لجيوش المسلمين , وانتصار ساحق لقوات هوازن الكافرة .
وكان ابو سفيان وقادة الشرك القرشيون يقودون ذلك الانهزام . ولولا نصر الله تعالى لكانت أعظم هزيمة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
والحركة الثانية لقوى المنافقين قد برزت في حملة تبوك :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الصف : 8 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ففي هذه الحركة الخائنة التي اشتركت فيها ابو سفيان كان الهدف الأعظم للخطة شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ذلك ان الكفار والمنافقين واليهود قد حاولوا اغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطرق مختلفة فلم يفلحوا :
إذ حاولوا قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف مرّات عديدة في مكة والمدينة فلم ينجحوا .
وحاولوا قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقاء صخرة عليه في حي بني النضير عند اليهود فلم يوفَّقوا .
وحاولوا اغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالطعام المسموم في خيبر فبان كيدهم وخابت ظنونهم .
وفي تبوك حاول المنافقون الاستفادة من خطة جديدة قد تسبب لهم النجاح وتتمثـل في القاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فوق مرتفع العقبة الى الوادي السحيق .
لقد كانت خطة شيطانية قاهرة نسبة النجاح فيها عالية ولكن الله سبحانه وتعالى خيَّب ظنهم مرّة اخرى وذلك باخباره رسوله بما اجمعت عليه فلول المنافقين .
فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذيفة بن اليمان بتخويفهم وافشال مشروعهم فتحرك حذيفة في هذا الطريق فخاف المجرمون وهربوا .
ولم يتوقف اعداء الله سبحانه وتعالى عن البحث عن سبل جديدة لاطفاء نور الله تعالى وقتل شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وبعد سنتين من ذلك التاريخ أرشدتهم شيطانهم الى طريقة جديدة في قتل رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم, تتمثّل في سقيه شراباً ساماً في اثناء نومه .
وتصوّروا نجاح هذه الخطة لاختلافها عن الخطط السابقة : ففي مؤامرة خيبر تكلمت الشاه المسمومة وأبطلت مشروعهم .
وفي تبوك أخبر الله تعالى رسوله بخطتهم المدبّرة فردعها وكبحها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
أما الخطة الجديدة فهي تبعد الشبهة عنهم لأن ظاهرها صالح وباطنها طالح , ففي الظاهر يريدون سقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دواءاً , وفي الحقيقة يريدون سقيه سماً .
لقد كانت الاعمال الخطيرة ضد انبياء الله كثيرة لا تعد ولا تحصى تسببت في شهادة قسم منهم .
وتعرّض معظم انبياء الله تعالى لعمليات اغتيال آثمة من قبل المعارضين للنصوص الإلهية والمخالفين للسنن السماوية .
فهذا القرآن الكريم يحدّثنا عن بعض تلك القصص وحدّثنا انبياء الله تعالى عن البعض الآخر .
ويدخل هذا كله في الموضوع الخطير الذي تناوله الله تعالى في قوله :
] إنّهم يكيدون كيداً وأكيدُ كيداً فمهّل الكافرين أمهلهم رويدا [ (1) .
] ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين [ (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الطارق : 15 , 16 , 17 ,
(2) الانفال : 30 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولما أخبرت حليمة اليهود بكراماته قالوا : اقتلوه . فقالوا : أيتيم هو ؟
فقالت : لا هذا أبوه وان أمه , فقالوا لو كان يتيماً قتلناه (1) .
ولما ذهبت به الى سوق عكاظ نادى كاهن : اقتلوه هذا الغلام فإنَّ له ملكاً فمالت به وحادت عن الطريق فأنجاه الله تعالى (2) .
وفي طريقها على نجران انذر القساوسة بخروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم واشاروا الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يد حليمة ودعاهم الشيطان لقتله فحالت بينه وبينهم ناراً احرقتهم (3) .
انني في بحثي هذا أحاول دراسة ما تعرض له رسول الله في حياته من محاولات الاغتيال قاصداً كشف الحقيقة عن جانب من جوانب التاريخ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم راجياً من الله تعالى التوفيق فيما اتوخاه وما توفيقي إلاّ بالله .
نجاح الطائي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السيرة الحلبية 1\95 .
(2) السيرة الحلبية 1\95 .
(3) البحار 15\375 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من آباء واجداد مؤمنين بدلالة الحديث والقرآن قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم )) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( لم يزل ينقلني الله تعالى من أصلاب الطاهرين الى أرحام المطهرات حتى أخرجني من عالمكم هذا ، لم يدنسني بدنس الجاهلية )) .
بينما قال الله تعالى عن المشركين : انما المشركون نجس (1) .
والدليل القرآني قوله تعالى : ] الذي يراك حين تقوم وتقلُّبك في الساجدين [ (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
(1) راجع بحار الأنوار 15/117 – 122 ، دلائل النبوة ، ابو نعيم في نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، دلائل النبوة ، البيهقي , الدرج المنيفة في الآباء الشريفة , السيوطي , المقامة السندسية في النسبة المصطفوية , السيوطي .
(2) الشعراء : 218 , 219 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكان عبد المطلب في الجاهلية قد حرَّم نساء الآباء على الأبناء (1) .
هل اغتالت اليهود عبد الله بن عبد المطلب ؟
حاول اليهود في مرات عديدة قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم كان في ظهر أبيه و حين أصبح في رحم أمه و بعدما ولد ثم بعث :
1- حاول الكهنة والأخبار قتل عبد الله فقال كبيرهم , ويسمى ربيان : اعملوا طعاماً وضعوا فيه سماً , ثم ابعثوا به الى عبد المطلب . فصنعوا طعاماً ووضعوا فيه سماً , وارسلوه مع نساء متبرقعات الى بيت عبد المطلب .
ولما خرجت إليهم فاطمة ورحَّبت بهن قلن : نحن من قرابتك من بني عبد مناف . فقال عبد المطلب : هلمُّوا الى ما خصّكم به قرابتكم , فقاموا وارادوا الأكل منه وإذ بالطعام قد نطق بلسان فصيح وقال : لا تأكلوا منّي فإنّي مسموم . وكان هذا من دلائل نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فامتنعوا من أكله وخرجوا يقتفون أثر النساء فلم يروا لهنَّ أثراً ! (2)
2- وحاول الأحبار قتل عبد الله بن عبد المطلب مرَّة أخرى فجاءوا من الشام الى مكة بصفة تجار ، ومعهم سيوف مسمومة ، وفي مكة تحينوا الفرصة لقتله فحصلوا على فرصتهم اثناء ذهاب عبد الله الى الصيد خارج مكة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 15/127 .
(2) بحار الأنوار 15/90, 91 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولما حاصروه واوشكوا على قتله أنجاه الله تعالى منهم بمساعدة بني هاشم .
فقُتِل بعض الأحبار واسر الآخرون ! (1) .
وقد مات عبد الله بن عبد المطلب وعمره 17 سنة او 25 سنة في ظروف مشكوكة !
قال الكازروني في كتابه المنتقى :
(( ولد عبد الله لأربع وعشرين سنة ، ثم تزوج آمنة ، فلما حملت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي في المدينة )) (2) ، واصابع الاتهام تشير الى ضلوع اليهود في سمه لأنهم سعواً كراراً لقتل عبد الله في مكة فكيف إذا جاء عبد الله الى المدينة !
فالهدف رسول الله صلى الله عليه وآله والضحية عبد الله !
اهتمام سيف بن ذي يزن بحياة الرسول صلى الله عليه وآله
اهتم الكثير من الناس بعمليات الاغتيال واجتهدوا في وسائل اخفائها وسترها وأول من اغتال في هذه الدنيا هو قابيل يوم قتل هابيل متسبباً في مصرع ربع العالم بعملية اغتيال واحدة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 15/91 – 98 .
(2) البحار 15/124 , 125 , المنتقى , الكازروني , الفصل الخامس , طبقات ابن سعد 1/99 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ووصلت عمليات الاغتيال في عصرنا الحاضر مرحلة خطيرة تتمثل في زرق الضحايا بفيروسات أمراض قاتلة , وبطرق فنية ماهرة .
وكان عبد المطلب قد وفد على سيف بن ذي يزن مع جلة قومه لما غلب على اليمن ، فقدمه سيف عليهم جميعاً وآثره . ثم خلا به فبشره برسول الله ووصف له صفته .
فكبَّر عبد المطلب ، وعرف صدق ما قاله سيف ، ثم خرَّ ساجداً , فقال له سيف : هل أحسست بما قلته نبأ ؟
فقال له : نعم ! ولد لابني غلام على مثال ما وصفت أيها الملك .
قال : فاحذر عليه اليهود وقومك , وقومك أشد من اليهود , والله مُتِمُّ أمره ومعلٍ دعوته . وكان أصحاب الكتاب لا يزالون يقولون لعبد المطلب في رسول الله منذ ولد ، فيعظم بذلك ابتهاج عبد المطلب (1) .
فازداد اهتمام عبد المطلب بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم .
قال اليعقوبي : كان يفرش لعبد المطلب بفناء الكعبة ، فلا يُقرب فراشه حتى يأتي رسول الله ، وهو غلام , فيتخطى رقاب عمومته ، فيقول لهم عبد المطلب : دعوا ابني , إن لابني هذا شأناً (2) .
اعتقاد أبي طالب باغتيال قريش للنبي صلى الله عليه وآله وسلم
كان أبو طالب يهتم اهتماماً بالغاً بحياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويحاول جاهداً
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ اليعقوبي 2/12 , طبعة ليدن .
(2) سيرة ابن هشام 1/109 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التضحية بحياة أولاده وأولاد اخوانه في سبيل الحفاظ على حياته .
فال الواقدي في اسناده : (( كلم وجوه قريش – وهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة و أُبَيُّ بن خلف وأبو جهل والعاص بن وائل ومطعم وطعيمة ابنا عدي ومنبه ونبيه ابنا الحجاج والأخنس بن شريق الثقفي – أبا طالب في ان يدفع إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويدفعوا إليه عمارة بن الوليد المخزومي .
فأبى ذلك وقال : أتقتلون ابن أخي وأغذو لكم ابنكم , إن هذا لعجب !
فقالوا : ما لنا خير من ان نغتال ( كذا ) محمداً , فلما كان المساء فَقَدَ أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخاف ان يكونوا قد اغتالوه فجمع فتية من بني عبد مناف وبني زهرة وغيرهم وأمر كل فتى منهم ان يأخذ معه حديدة ويتبعه , ومضى .
فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : اين كنت يا بن أخي ؟ أكنت في خير؟
قال : نعم والحمد لله .
فلما أصبح أبو طالب دار على أندية قريش والفتيان معه , وقال : بلغني كذا و كذا , واللهِ لو خدشتموه خدشاً ما ابقيت منكم أحداً إلاّ ان أُقتل قبل ذلك .
وجاء : طلب أبو طالب من ولده ومواليه ان يتفقوا صباحاً في المسجد , فان أصبح ولم يَرَ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خبراً أو سمع فيه سوءاً أومأ إليهم بقتل القوم , ففعلوا ذلك . فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله استبشر ثم قال لولده ومواليه : أخرجوا أيديكم من تحت ثيابكم , فلما رأت قريش ذلك انزعجت ورجعت الى أبي طالب بالعتب والاستعطاف فلم يحفل بهم (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) طبقات ابن سعد 1/186,الحجة على الذاهب ص61 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاعتذروا إليه وقالوا : أنت سيدنا وافضلنا في أنفسنا )) (1) .
قال المؤرخون : (( وكان أبو طالب في طول مدتهم في الشعب يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شراً أو غائلة , فاذا نام الناس أمر أحد بنيه أو اخوته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله, وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله ان تأتي بعض فرشهم فيرقد عليها , فلم يزالوا في ذلك الى تمام ثلاث سنين ))(2) .
وقال أبو طالب :
ألم تـعلموا أنَّ ابـــننا لا مُكـــــــذبٌ
لديـنا ولم يــــعبأ بــقـول الاباطيــــل
وابــــيض يســـــتقى الغـــــــمام بـــوجهه
ثــــــمـال اليــــــــــتامى عــــصمة للأرامــل
وقال صلى الله عليه وآله عند وفاة أبي طالب : وصلتك رحم وجُزيتَ خيراً فلقد ربيت وكلفت صغيراً وآزرت ونصرت كثيراً , ثم أقبل على الناس فقال : أما واللهِ لأشفعن لعمي شفاعة يعَجب منها أهل الثقلين (3) .
وقال صلى الله عليه وآله : عندما سُئِل عن أبي طالب : ارجوا له كل خير من ربي (4) .
وهكذا بقي أبي طالب محافظاً على رسول الله صلى الله عليه وآله ومدافعاً عنه حتى لحق بربه بعد خروجهم من الشعب , وقد مات أبو طالب مسلماً مجاهداً في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انساب الأشراف ، البلاذري 2/32 .
(2) عيون الأثر , ابن سيد الناس 1/166 , السيرة النبوية , ابن كثير 2/44 .
(3) الحجة على الذاهب ص67 ، الدرجات الرفيعة ص61 .
(4) شرح نهج البلاغة 3/311، الدرجات الرفيعة ص49, اسنى المطالب ص24 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبيل الله , مضحياً بحياة أفراد قبيلته في سبيل الابقاء على حياة رسول الله صلى الله عليه وآله .
اسم الكتاب : هل اغتيل النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )
المؤلف : نجاح الطائي
طباعة : علي اشكناني
تدقيق : احمد اشكناني
المقدمة
عاصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظروفاً صعبة وقاهرة في مكة والمدينة يصعب على افراد الأمة تحملها لكنه هيأ نفسه وجهزها لتحمل الصعاب .
وعظمت الرزايا وزادت الخطوب وكثرت الآلام مع اعلانه عن البعثة النبوية المباركة إذ هاجت وتكالبت عليه قوى الشر والطغيان .
فحمل عتاة الظلم والجهل اسلحتهم المختلفة ليطفئوا نور الله تعالى .
فتعرض خاتم الأنبياء لشتى صنوف الأذى والحرمان والبغي .
ولم يكتف رجال الكفر بجهودهم واعمالهم في سبيل كيد الإسلام والمسلمين بل تحركت نسائهم واولادهم في هذا الطريق فكان منهم حمالة الحطب .
وقد قال تعالى : ] تبّت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى ناراً ذات لهبٍ وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد [ (1)
وشرع آخرون في سلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هدوءه وسكينته فكانوا يهاجمونه بعد منتصف الليل في ساعات عبادته في بيت الله الحرام .
فقال صلى الله عليه وآله وسلم لمن هاجمه : يا ( فلان ) أما تتركني ليلاً ونهاراً .
وشرع الكافرون في ازهاق أرواح المؤمنين فكانت سمية أول شهيدة في الإسلام واستشهد زوجها ياسر وتقاطرت قوافل الشهداء .
فأعطى الكثير من المسلمين أرواحهم ودماءهم في هذا السبيل قرباناً في سبيل الله تعالى.
ولم يكتف فراعنة قريش بذلك بل حصروا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبني هاشم في شعب ضيق وقاطعوهم اقتصادياً واجتماعياً ! حتى أصبح الخبز عندهم سلعة نادرة .
وبينما كان أفراد بني هاشم يضحون بالغالي والرخيص في سبيل اعلاء كلمة الله تعالى كان جهلة قريش يبذلون ما عندهم في سبيل اعلاء راية اصنامهم !
وذهب ابو طالب مؤمن قريش وخديجة أم المؤمنين ضحية هذه المقاطعة .
وازداد الاحتكاك بين المؤمنين والكافرين فهاجر المسلمون الى
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المسند : 1-5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحبشة مرّتين فارِّين بدينهم وجلدهم هرباً من عتاة قريش .
وافرج الله سبحانه وتعالى فرجه للمسلمين باسلام وهداية أهالي يثرب , فعلت راية الإسلام وانتصرت راية التوحيد .
واستمر الكفار في جهودهم لاطفاء نور الله تعالى : ] يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمُّ نوره ولو كره الكافرون [ (1) .
فتحول بعض منهم الى الإسلام كذباً ونفاقاً , ومع ازدياد قوة الإسلام ازدادت اعداد المنافقين .
والمنافقون هم الذين يدَّعون الإسلام زوراً ويكتمون الكفر ولأجل ذلك أنزل الله تعالى سورة قرآنية اسمها سورة المنافقون .
ولما ازدادت اعداد المنافقين بعد فتح مكة كثرت الحركات كانت حركتهم في معركة حنين وحركتهم في حملة تبوك .
ففي معركة حنين انسحب المنافقون انسحاباً خطيراً بشكل هزيمة غادرة تسبب في هزيمة عامة لجيوش المسلمين , وانتصار ساحق لقوات هوازن الكافرة .
وكان ابو سفيان وقادة الشرك القرشيون يقودون ذلك الانهزام . ولولا نصر الله تعالى لكانت أعظم هزيمة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
والحركة الثانية لقوى المنافقين قد برزت في حملة تبوك :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الصف : 8 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ففي هذه الحركة الخائنة التي اشتركت فيها ابو سفيان كان الهدف الأعظم للخطة شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ذلك ان الكفار والمنافقين واليهود قد حاولوا اغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطرق مختلفة فلم يفلحوا :
إذ حاولوا قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف مرّات عديدة في مكة والمدينة فلم ينجحوا .
وحاولوا قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقاء صخرة عليه في حي بني النضير عند اليهود فلم يوفَّقوا .
وحاولوا اغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالطعام المسموم في خيبر فبان كيدهم وخابت ظنونهم .
وفي تبوك حاول المنافقون الاستفادة من خطة جديدة قد تسبب لهم النجاح وتتمثـل في القاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فوق مرتفع العقبة الى الوادي السحيق .
لقد كانت خطة شيطانية قاهرة نسبة النجاح فيها عالية ولكن الله سبحانه وتعالى خيَّب ظنهم مرّة اخرى وذلك باخباره رسوله بما اجمعت عليه فلول المنافقين .
فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذيفة بن اليمان بتخويفهم وافشال مشروعهم فتحرك حذيفة في هذا الطريق فخاف المجرمون وهربوا .
ولم يتوقف اعداء الله سبحانه وتعالى عن البحث عن سبل جديدة لاطفاء نور الله تعالى وقتل شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وبعد سنتين من ذلك التاريخ أرشدتهم شيطانهم الى طريقة جديدة في قتل رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم, تتمثّل في سقيه شراباً ساماً في اثناء نومه .
وتصوّروا نجاح هذه الخطة لاختلافها عن الخطط السابقة : ففي مؤامرة خيبر تكلمت الشاه المسمومة وأبطلت مشروعهم .
وفي تبوك أخبر الله تعالى رسوله بخطتهم المدبّرة فردعها وكبحها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
أما الخطة الجديدة فهي تبعد الشبهة عنهم لأن ظاهرها صالح وباطنها طالح , ففي الظاهر يريدون سقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دواءاً , وفي الحقيقة يريدون سقيه سماً .
لقد كانت الاعمال الخطيرة ضد انبياء الله كثيرة لا تعد ولا تحصى تسببت في شهادة قسم منهم .
وتعرّض معظم انبياء الله تعالى لعمليات اغتيال آثمة من قبل المعارضين للنصوص الإلهية والمخالفين للسنن السماوية .
فهذا القرآن الكريم يحدّثنا عن بعض تلك القصص وحدّثنا انبياء الله تعالى عن البعض الآخر .
ويدخل هذا كله في الموضوع الخطير الذي تناوله الله تعالى في قوله :
] إنّهم يكيدون كيداً وأكيدُ كيداً فمهّل الكافرين أمهلهم رويدا [ (1) .
] ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين [ (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الطارق : 15 , 16 , 17 ,
(2) الانفال : 30 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولما أخبرت حليمة اليهود بكراماته قالوا : اقتلوه . فقالوا : أيتيم هو ؟
فقالت : لا هذا أبوه وان أمه , فقالوا لو كان يتيماً قتلناه (1) .
ولما ذهبت به الى سوق عكاظ نادى كاهن : اقتلوه هذا الغلام فإنَّ له ملكاً فمالت به وحادت عن الطريق فأنجاه الله تعالى (2) .
وفي طريقها على نجران انذر القساوسة بخروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم واشاروا الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يد حليمة ودعاهم الشيطان لقتله فحالت بينه وبينهم ناراً احرقتهم (3) .
انني في بحثي هذا أحاول دراسة ما تعرض له رسول الله في حياته من محاولات الاغتيال قاصداً كشف الحقيقة عن جانب من جوانب التاريخ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم راجياً من الله تعالى التوفيق فيما اتوخاه وما توفيقي إلاّ بالله .
نجاح الطائي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السيرة الحلبية 1\95 .
(2) السيرة الحلبية 1\95 .
(3) البحار 15\375 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من آباء واجداد مؤمنين بدلالة الحديث والقرآن قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم )) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (( لم يزل ينقلني الله تعالى من أصلاب الطاهرين الى أرحام المطهرات حتى أخرجني من عالمكم هذا ، لم يدنسني بدنس الجاهلية )) .
بينما قال الله تعالى عن المشركين : انما المشركون نجس (1) .
والدليل القرآني قوله تعالى : ] الذي يراك حين تقوم وتقلُّبك في الساجدين [ (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
(1) راجع بحار الأنوار 15/117 – 122 ، دلائل النبوة ، ابو نعيم في نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، دلائل النبوة ، البيهقي , الدرج المنيفة في الآباء الشريفة , السيوطي , المقامة السندسية في النسبة المصطفوية , السيوطي .
(2) الشعراء : 218 , 219 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكان عبد المطلب في الجاهلية قد حرَّم نساء الآباء على الأبناء (1) .
هل اغتالت اليهود عبد الله بن عبد المطلب ؟
حاول اليهود في مرات عديدة قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم كان في ظهر أبيه و حين أصبح في رحم أمه و بعدما ولد ثم بعث :
1- حاول الكهنة والأخبار قتل عبد الله فقال كبيرهم , ويسمى ربيان : اعملوا طعاماً وضعوا فيه سماً , ثم ابعثوا به الى عبد المطلب . فصنعوا طعاماً ووضعوا فيه سماً , وارسلوه مع نساء متبرقعات الى بيت عبد المطلب .
ولما خرجت إليهم فاطمة ورحَّبت بهن قلن : نحن من قرابتك من بني عبد مناف . فقال عبد المطلب : هلمُّوا الى ما خصّكم به قرابتكم , فقاموا وارادوا الأكل منه وإذ بالطعام قد نطق بلسان فصيح وقال : لا تأكلوا منّي فإنّي مسموم . وكان هذا من دلائل نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فامتنعوا من أكله وخرجوا يقتفون أثر النساء فلم يروا لهنَّ أثراً ! (2)
2- وحاول الأحبار قتل عبد الله بن عبد المطلب مرَّة أخرى فجاءوا من الشام الى مكة بصفة تجار ، ومعهم سيوف مسمومة ، وفي مكة تحينوا الفرصة لقتله فحصلوا على فرصتهم اثناء ذهاب عبد الله الى الصيد خارج مكة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 15/127 .
(2) بحار الأنوار 15/90, 91 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولما حاصروه واوشكوا على قتله أنجاه الله تعالى منهم بمساعدة بني هاشم .
فقُتِل بعض الأحبار واسر الآخرون ! (1) .
وقد مات عبد الله بن عبد المطلب وعمره 17 سنة او 25 سنة في ظروف مشكوكة !
قال الكازروني في كتابه المنتقى :
(( ولد عبد الله لأربع وعشرين سنة ، ثم تزوج آمنة ، فلما حملت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي في المدينة )) (2) ، واصابع الاتهام تشير الى ضلوع اليهود في سمه لأنهم سعواً كراراً لقتل عبد الله في مكة فكيف إذا جاء عبد الله الى المدينة !
فالهدف رسول الله صلى الله عليه وآله والضحية عبد الله !
اهتمام سيف بن ذي يزن بحياة الرسول صلى الله عليه وآله
اهتم الكثير من الناس بعمليات الاغتيال واجتهدوا في وسائل اخفائها وسترها وأول من اغتال في هذه الدنيا هو قابيل يوم قتل هابيل متسبباً في مصرع ربع العالم بعملية اغتيال واحدة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 15/91 – 98 .
(2) البحار 15/124 , 125 , المنتقى , الكازروني , الفصل الخامس , طبقات ابن سعد 1/99 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ووصلت عمليات الاغتيال في عصرنا الحاضر مرحلة خطيرة تتمثل في زرق الضحايا بفيروسات أمراض قاتلة , وبطرق فنية ماهرة .
وكان عبد المطلب قد وفد على سيف بن ذي يزن مع جلة قومه لما غلب على اليمن ، فقدمه سيف عليهم جميعاً وآثره . ثم خلا به فبشره برسول الله ووصف له صفته .
فكبَّر عبد المطلب ، وعرف صدق ما قاله سيف ، ثم خرَّ ساجداً , فقال له سيف : هل أحسست بما قلته نبأ ؟
فقال له : نعم ! ولد لابني غلام على مثال ما وصفت أيها الملك .
قال : فاحذر عليه اليهود وقومك , وقومك أشد من اليهود , والله مُتِمُّ أمره ومعلٍ دعوته . وكان أصحاب الكتاب لا يزالون يقولون لعبد المطلب في رسول الله منذ ولد ، فيعظم بذلك ابتهاج عبد المطلب (1) .
فازداد اهتمام عبد المطلب بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم .
قال اليعقوبي : كان يفرش لعبد المطلب بفناء الكعبة ، فلا يُقرب فراشه حتى يأتي رسول الله ، وهو غلام , فيتخطى رقاب عمومته ، فيقول لهم عبد المطلب : دعوا ابني , إن لابني هذا شأناً (2) .
اعتقاد أبي طالب باغتيال قريش للنبي صلى الله عليه وآله وسلم
كان أبو طالب يهتم اهتماماً بالغاً بحياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويحاول جاهداً
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ اليعقوبي 2/12 , طبعة ليدن .
(2) سيرة ابن هشام 1/109 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التضحية بحياة أولاده وأولاد اخوانه في سبيل الحفاظ على حياته .
فال الواقدي في اسناده : (( كلم وجوه قريش – وهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة و أُبَيُّ بن خلف وأبو جهل والعاص بن وائل ومطعم وطعيمة ابنا عدي ومنبه ونبيه ابنا الحجاج والأخنس بن شريق الثقفي – أبا طالب في ان يدفع إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويدفعوا إليه عمارة بن الوليد المخزومي .
فأبى ذلك وقال : أتقتلون ابن أخي وأغذو لكم ابنكم , إن هذا لعجب !
فقالوا : ما لنا خير من ان نغتال ( كذا ) محمداً , فلما كان المساء فَقَدَ أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخاف ان يكونوا قد اغتالوه فجمع فتية من بني عبد مناف وبني زهرة وغيرهم وأمر كل فتى منهم ان يأخذ معه حديدة ويتبعه , ومضى .
فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : اين كنت يا بن أخي ؟ أكنت في خير؟
قال : نعم والحمد لله .
فلما أصبح أبو طالب دار على أندية قريش والفتيان معه , وقال : بلغني كذا و كذا , واللهِ لو خدشتموه خدشاً ما ابقيت منكم أحداً إلاّ ان أُقتل قبل ذلك .
وجاء : طلب أبو طالب من ولده ومواليه ان يتفقوا صباحاً في المسجد , فان أصبح ولم يَرَ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خبراً أو سمع فيه سوءاً أومأ إليهم بقتل القوم , ففعلوا ذلك . فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله استبشر ثم قال لولده ومواليه : أخرجوا أيديكم من تحت ثيابكم , فلما رأت قريش ذلك انزعجت ورجعت الى أبي طالب بالعتب والاستعطاف فلم يحفل بهم (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) طبقات ابن سعد 1/186,الحجة على الذاهب ص61 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاعتذروا إليه وقالوا : أنت سيدنا وافضلنا في أنفسنا )) (1) .
قال المؤرخون : (( وكان أبو طالب في طول مدتهم في الشعب يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شراً أو غائلة , فاذا نام الناس أمر أحد بنيه أو اخوته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله, وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله ان تأتي بعض فرشهم فيرقد عليها , فلم يزالوا في ذلك الى تمام ثلاث سنين ))(2) .
وقال أبو طالب :
ألم تـعلموا أنَّ ابـــننا لا مُكـــــــذبٌ
لديـنا ولم يــــعبأ بــقـول الاباطيــــل
وابــــيض يســـــتقى الغـــــــمام بـــوجهه
ثــــــمـال اليــــــــــتامى عــــصمة للأرامــل
وقال صلى الله عليه وآله عند وفاة أبي طالب : وصلتك رحم وجُزيتَ خيراً فلقد ربيت وكلفت صغيراً وآزرت ونصرت كثيراً , ثم أقبل على الناس فقال : أما واللهِ لأشفعن لعمي شفاعة يعَجب منها أهل الثقلين (3) .
وقال صلى الله عليه وآله : عندما سُئِل عن أبي طالب : ارجوا له كل خير من ربي (4) .
وهكذا بقي أبي طالب محافظاً على رسول الله صلى الله عليه وآله ومدافعاً عنه حتى لحق بربه بعد خروجهم من الشعب , وقد مات أبو طالب مسلماً مجاهداً في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انساب الأشراف ، البلاذري 2/32 .
(2) عيون الأثر , ابن سيد الناس 1/166 , السيرة النبوية , ابن كثير 2/44 .
(3) الحجة على الذاهب ص67 ، الدرجات الرفيعة ص61 .
(4) شرح نهج البلاغة 3/311، الدرجات الرفيعة ص49, اسنى المطالب ص24 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبيل الله , مضحياً بحياة أفراد قبيلته في سبيل الابقاء على حياة رسول الله صلى الله عليه وآله .
تعليق