إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

حرب الجمل..الجزء الثاني

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حرب الجمل..الجزء الثاني

    وروى الطبري ( 169 ) أنه لما بلغ طلحة والزبير منزل علي بذي قار انصرفوا إلى البصرة فأخذوا على المنكدر ، فسمعت عائشة ( رض ) نباح الكلاب فقالت : أي ماء هذا ؟ فقالوا : الحوأب . فقالت : إنا لله وإنا إليه راجعون إني لهيه ، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وعنده نساؤه : ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب ، فأرادت الرجوع ، فأتاها عبد الله بن الزبير فزعم أنه قال : كذب من قال إن هذا الحوأب ، ولم يزل بها حتى مضت ، فقدموا البصرة .


    ولما انتهت عائشة وطلحة إلى حفر أبي موسى ( 170 ) قريبا من البصرة أرسل عثمان بن حنيف ( 171 ) وهو يومئذ عامل علي على البصرة إلى القوم أبا الاسود الدؤلي يعلم له علمهم ، فجاء حتى دخل على عائشة ، فسألها عن مسيرها . فقالت : أطلب بدم عثمان . قال : إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد ! قالت : صدقت ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله ، أنغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من

    ( 169 ) الطبري 5 / 178 ، وط . أوربا 1 / 3127 ، وراجع تفصيل الحوأب في : " عبد الله بن سبأ " ص 100 103 .
    ( 170 ) الامامة والسياسية 1 / 57 وابن أبي الحديد 2 / 80 81 .
    ( 171 ) عثمان بن حنيف بن واهب بن الحكيم الأنصاري الاويسي أبو عمرو أو أبو عبد الله . شهد أحدا وما بعدها . استعمله عمر على مساحة العراق واستعمله علي على البصرة فبقي عليها إلى أن قدمها طلحة والزبير وعائشة وسكن عثمان بعدها الكوفة وكان حيا إلى زمان معاوية . أسد الغابة 3 / 371 . ( * )

    - ج 1 ص 187 -


    سيوفكم ؟ فقال لها : ما أنت من السوط والسيف ؟ إنما أنت حبيسة رسول الله صلى الله عليه وآله أمرك أن تقري في بيتك ، وتتلي كتاب ربك ، وليس على النساء قتال ، ولا لهن الطلب بالدماء ، وإن عليا لأولى منك وأمس رحما ، فإنهما ابنا عبد مناف .

    فقالت : لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت إليه ، أفتظن أبا الاسود ! أن أحدا يقدم على قتالي ؟ قال : أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد .

    ثم قام فأتى الزبير ، فقال : يا أبا عبد الله عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك ، تقول : لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب وأين هذا المقام من ذاك ؟ فذكر له دم عثمان ، قال : أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا . قال : فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول فذهب إلى طلحة ، فوجده سادرا في غية مصرا على الحرب والفتنة . . الحديث .


    وروي عن أبي الاسود قال : بعثني وعمران بن حصين ( 172 ) عثمان بن حنيف إلى عائشة ، فقلنا : يا أم المؤمنين اخبرينا عن مسيرك هذا ، أعهد عهده رسول الله صلى الله عليه وآله ام رأي رأيته ، قالت : بل رأي رأيته حين قتل عثمان إنا نقمنا عليه ضربة السوط ، وموقع المسحاة المحماة ، وامرة سعيد والوليد ، فعدوتم عليه ، فاستحللتم منه الحرم الثلاث حرمة البلد وحرمة الخلافة وحرمة الشهر الحرام ، بعد ان مصناه كما يماص الاناء فاستبقيناه .

    فركبتم منه هذه ظالمين ، وغضبنا لكم من سوط عثمان ، ولا نغضب لعثمان من سيفكم ؟ قلت : " ما أنت وسيفنا وسوط عثمان وأنت حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله ، أمرك أن تقري في بيتك ، فجئت تضربين الناس بعضهم ببعض ! " . قالت : " وهل أحد يقاتلني ، أو يقول غير هذا ؟ ! " . قلت : " نعم " .


    ( 172 ) عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي الكعبي أسلم عام خيبر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله بعدها بعثه عمر معلما للبصرة ، ولما ولي ابن عامر استفضاه فأقام قاضيا يسيرا ، ثم استعفى وكان به استسقاء فثقب له سرير ، فبقي عليه ثلاثين سنة ، وتوفي بالبصرة سنة اثنتين وخمسين . أسد الغابة 4 / 137 138 . ( * )

    - ج 1 ص 188 -


    قالت : من يفعل ذلك ؟ أزنيم بني عامر ؟ . . الحديث ( 173 ) .


    وقال ابن قتيبة : لما انتهوا إلى البصرة ، خرج إليهم عثمان بن حنيف عامل علي عليها ، وتقابلوا في المربد ، فخطبت أم المؤمنين وقالت : إن أمير المؤمنين عثمان كان قد غير وبدل ، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا ، وإنما نقموا عليه ضربة بالسوط ، وتأميره الشبان ، وحمايته موضع الغمامة ، فقتلوه محرما في الشهر الحرام وحرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل ، ألا وإن قريشا رمت غرضها بنبالها ، وأدمت أفواهها بأيديها ، وما نالت بقتلها إياه شيئا ، ولا سلكت به سبيلا قاصدا . أما والله ليرونها بلايا عقيمة ، تنبه النائم وتقيم الجالس ، وليسلطن عليهم قوم لا يرحمونهم يسومونهم سوء العذاب .

    أيها الناس ! إنه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل دمه ، مصتموه كما يماص الثوب الرحيض ، ثم عدوتم عليه ، فقتلتموه بعد توبته وخروجه من ذنبه وبايعتم ابن أبي طالب من غير مشورة من الجماعة : ابتزازا وغصبا . ترونني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه ولا أغضب لعثمان من سيوفكم ؟ ألا إن عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته ، فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ، ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر ، ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان ( 174 ) .


    ( 173 ) بلاغات النساء ص 9 ، وراجع العقد الفريد 3 / 98 . والبيان والتبيين للجاحظ ، ط . السندوبي 2 / 209 210 . " المسحاة المحماة " : موضع لسرف كان عثمان قد حماه لخليه وخيل بني أمية وكان عمر قد حماه لخيل المسلمين ، و " الموص " : الغسل اللين والدلك باليد .
    ( 174 ) الامامة والسياسة 1 / 60 ، وابن أبي الحديد 2 / 499 . والمربد : كان به سوق للابل قديما ، ثم سكنها الناس ، وأصبحت محلة عظيمة يجتمع فيها الادباء ويتبارون فيها . و " الموص " : الغسل اللين والدلك باليد . و " الرحيض " : المغسول . ( * )


    - ج 1 ص 189 -


    وفي رواية الزهري ( 175 ) قام طلحة والزبير خطيبين ، فقالا : يا أهل البصرة ! توبة بحوبة ، إنما أردنا أن يستعتب أمير المؤمنين عثمان ، ولم نرد قتله ، فغلب سفهاء الناس الحلماء حتى قتلوه ، فقال الناس لطلحة : يا أبا محمد ! قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا ، فقال الزبير : فهل جاءكم مني كتاب في شأنه ؟ ثم ذكر قتل عثمان ( رض ) وما أتي إليه وأظهر عيب علي ، فقام إليه رجل من عبد القيس ، فقال : أيها الرجل أنصت حتى نتكلم فقال عبد الله بن الزبير : ومالك والكلام .

    فقال العبدي : يا معشر المهاجرين ! أنتم أول من أجاب رسول الله صلى الله عليه وآله فكان لكم بذلك فضل ، ثم دخل الناس في الإسلام كما دخلتم ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله بايعتم رجلا منكم ، والله ما استأمرتمونا في شئ من ذلك ، فرضينا واتبعناكم ، فجعل الله عزوجل للمسلمين في إمارته بركة ، ثم مات ( رض ) ، واستخلف عليكم رجلا منكم ، فلم تشاورونا في ذلك ، فرضينا وسلمنا ، فلما توفي الأمير جعل الأمر إلى ستة نفر ، فاخترتم عثمان ، وبايعتموه عن غير مشورة منا ، ثم أنكرتم من ذلك الرجل شيئا فقتلتموه عن غير مشهورة منا ، ثم بايعتم عليا من غير مشورة منا ، فما الذي نقمتم عليه فنقاتله ؟ هل استأثر بفئ أو عمل بغير الحق أو عمل شيئا تنكرونه فنكون معكم عليه وإلا فما هذا ؟ فهموا بقتل ذلك الرجل ، فقام من دونه عشيرته ، فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من كان معه ، فقتلوا سبعين رجلا .


    وأخرج الطبري ( 176 ) عن نصر بن مزاحم ، قال : وأقبل جارية بن قدامة السعدي ( 177 ) ، فقال : يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان بن عفان أهون من

    ( 175 ) الطبري 5 / 178 ، وط . أوربا 1 / 3127 3128 .
    ( 176 ) الطبري 5 / 176 ، وط . أوربا 1 / 3120 3121 .
    ( 177 ) جارية بن قدامة بن مالك بن زهير التميمي السعدي ، اختلفوا في إدراكه النبي ، شهد حروب علي ، وهو الذي حصر عبد الله بن الحضرمي بالبصرة وحرق عليه الدار بالبصرة لما أرسله معاوية إليها ، أسد الغابة 1 / 263 . ( * )

    - ج 1 ص 190 -


    خروجك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح ، إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة ، فهتكت سترك وأبحت حرمتك ، إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك ، إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك ، وإن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالناس ، قال : فخرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال : أما أنت يا زبير ! فحواري رسول الله صلى الله عليه وآله وأما أنت يا طلحة : فوقيت رسول الله صلى الله عليه وآله بيدك وأرى أمكما معكما ، فهل جئتما بنسائكما ؟ قالا : لا ، قال : فما أنا منكما في شئ . واعتزل ، وقال السعدي في ذلك :

    صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * هذا لعمرك قلة الانصاف
    أمرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تشق البيد بالايجاف

    غرضا يقاتل دونها أبناؤها * بالنبل والخطي والاسياف
    هتكت بطلحة والزبير ستورها * هذا المخبر عنهم والكافي

    وأقبل غلام من جهينة على محمد بن طلحة ، وكان محمد رجلا عابدا ، فقال : أخبرني عن قتلة عثمان فقال : نعم ، دم عثمان ثلاثة أثلاث ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة وثلث على صاحب الجمل الاحمر يعني طلحة وثلث على علي بن أبي طالب ، فضحك الغلام وقال : لا أراني على ضلال ، ولحق بعلي وقال :

    سألت ابن طلحة عن هالك * بجوف المدينة لم يقبر
    فقال : ثلاثة رهط هم * أماتوا ابن عفان واستعبر

    فثلث على تلك في خدرها * وثلث على راكب الاحمر
    وثلث على ابن أبي طالب * ونحن بدوية قرقر
    فقلت صدقت على الاولين * وأخطأت في الثالث الازهر

    وقال الطبري ( 178 ) : فقدموا البصرة وعليها عثمان بن حنيف ، فقال لهم عثمان : ما نقمتم على صاحبكم ؟ فقالوا : لم نره أولى بها منا وقد صنع ما صنع .

    ( 178 ) الطبري 5 / 178 ، وط . أوربا 1 / 3127 . ( * )

    - ج 1 ص 191 -


    قال : فإن الرجل أمرني فأكتب إليه فأعلمه ما جئتم له على أن أصلي بالناس حتى يأتينا كتابه ، فوقفوا عليه ، وكتب فلم يلبث إلا يومين حتى وثبوا عليه فقاتلوه بالزابوقة عند مدينة الرزق فظهروا ، وأخذوا عثمان فأرادوا قتله ، ثم خشوا غضب الأنصار فنالوه في شعره وجسده .

  • #2
    اين المتابعين للمسلسل

    لنكمل المسلسل
    لن اكمله دون متابعين

    تعليق


    • #3
      تسجيل متابعة

      تعليق


      • #4
        بارك الله فيكم ياموالين

        تعليق


        • #5
          يرفع لخاطر بطلة المسلسل
          ماما عائشة



          تعليق


          • #6
            أختي متابعين معاج

            يعطيج ألف عافية يا رب

            تعليق


            • #7
              تسلمين حبيبتي مكسورة الخاطر

              تبتنا الله واياكم على ولاية اميرالمؤمنين



              ان اتممتوا هذا الجزء ساكمل المسلسل واضع الثالث

              تعليق


              • #8
                يرفع بالصلاة على محمد وال محمد

                تعليق


                • #9
                  السلام على حيدر الكرار

                  تعليق


                  • #10
                    وهنا الحديث عن السيده عائشه رضي الله عنها
                    ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن بشار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏غندر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏الحكم ‏ ‏سمعت ‏ ‏أبا وائل ‏ ‏قال ‏
                    ‏لما بعث ‏ ‏علي ‏ ‏عمارا ‏ ‏والحسن ‏ ‏إلى ‏ ‏الكوفة ‏ ‏ليستنفرهم ‏ ‏خطب ‏ ‏عمار ‏ ‏فقال ‏ ‏إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها
                    صحيح بخاري (3488)

                    تعليق


                    • #11
                      تابع واقرأ بتمعن

                      اين ستذهبون

                      تعليق


                      • #12
                        الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

                        فإن معتقد أهل السنة والجماعة الإمساك عما جرى بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والترضي عنهم جميعاً، واعتقاد أنهم مجتهدون في طلب الحق، للمصيب منهم أجران، وللمخطئ أجر واحد.

                        ولما كانت كتب التاريخ مشحونة بكثير من الأخبار المكذوبة التي تحط من قدر هؤلاء الأصحاب الأخيار، وتصور ما جرى بينهم على أنه نزاع شخصي أو دنيوي، لما كان الأمر كذلك فإننا نسوق إليك جملة من الأخبار الصحيحة حول هذه المعركة، وبيان الدافع الذي أدى إلى اقتتال الصحابة الأخيار رضي الله عنهم.

                        أولاً: بويع علي رضي الله عنه بالخلافة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وكان كارهاً لهذه البيعة رافضاً لها، وما قبلها إلا لإلحاح الصحابة عليه، وفي

                        ذلك يقول رضي الله عنه: (ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاءوني للبيعة فقلت: والله إني لأستحي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة"، وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد،

                        فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس فسألوني البيعة، فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين، فكأنما


                        صدع قلبين، وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى). رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

                        ثانياً: لم يكن علي رضي الله عنه قادراً على تنفيذ القصاص في قتلة عثمان رضي الله عنه لعدم علمه بأعيانهم، ولاختلاط هؤلاء الخوارج بجيشه، مع كثرتهم واستعدادهم للقتال، وقد بلغ عددهم ألفي مقاتل كما في بعض الروايات، كما أن بعضهم ترك المدينة إلى الأمصار عقب بيعة علي.

                        وقد كان كثير من الصحابة خارج المدينة في ذلك الوقت، ومنهم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، لانشغال الجميع بالحج، وقد كان مقتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة، سنة خمسة وثلاثين على المشهور.

                        ثالثاً: لما مضت أربعة أشهر على بيعة علي دون أن ينفذ القصاص خرج طلحة والزبير إلى مكة، والتقوا بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، واتفق رأيهم على الخروج إلى البصرة ليققوا بمن فيها من الخيل والرجال، ليس لهم غرض في القتال، وذلك تمهيداً للقبض على قتلة عثمان رضي الله عنه، وإنفاذ القصاص فيهم.

                        ويدل على ذلك ما أخرجه أحمد في المسند والحاكم في المستدرك: أن عائشة رضي الله عنها لما بلغت مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب، قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: "كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب". فقال لها الزبير: ترجعين!! عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس.

                        قال الألباني: إسناده صحيح جداً، صححه خمسة من كبار أئمة الحديث هم: ابن حبان، والحاكم، والذهبي، وابن كثير، وابن حجر (سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 474).

                        رابعاً: وقد اعتبر علي رضي الله عنه خروجهم إلى البصرة واستيلاءهم عليها نوعاً من الخروج عن الطاعة، وخشي تمزق الدولة الإسلامية فسار إليهم رضي الله عنه (وكان أمر الله قدراً مقدوراً).

                        خامساً: وقد أرسل علي رضي الله عنه القعقاع بن عمرو إلى طلحة والزبير يدعوهما إلى الألفة والجماعة، فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال: أي أماه، ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني الإصلاح بين الناس.

                        قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية: فرجع إلى علي فأخبره، فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه، ورضيه من رضيه، وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء، وقام علي في الناس خطيباً، فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها، وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة، وأن الله جمعهم بعد نبيه صلى الله عليه وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان، ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الأمة، أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي منَّ الله بها، وأرادوا رد الإسلام والأشياء على أدبارها، والله بالغ أمره، ثم قال: ألا إني مرتحل غدا فارتحلوا، ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور

                        الناس، فلما قال هذا اجتمع من رؤوسهم جماعة كالأشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء... وغيرهم في ألفين

                        وخمسمائة، وليس فيهم صحابي ولله الحمد، فقالوا: ما هذا الرأي؟ وعلي والله أعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان، وأقرب إلى العمل بذلك، وقد قال ما سمعتم، غداً يجمع عليكم الناس، وإنما يريد القوم كلهم أنتم، فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم.

                        فقال الأشتر: قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلا اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم، فإنما اصطلح على دمائنا... ثم قال ابن السوداء قبحه الله: يا قوم إن عيركم في خلطة الناس، فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون...) انتهى كلام ابن كثير.

                        وذكر ابن كثير أن علياً وصل إلى البصرة، ومكث ثلاثة أيام، والرسل بينه وبين طلحة والزبير، وأشار بعض الناس على طلحة والزبير بانتهاز الفرصة من قتلة عثمان فقالا: إن علياً أشار بتسكين هذا الأمر، وقد بعثنا إليه بالمصالحة على ذلك.

                        ثم قال ابن كثير: (وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورن، وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس، فنهضوا من قبل

                        طلوع الفجر، وهم قريب من ألفي رجل، فانصرف كل فريق إلى قراباتهم، فهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وقام الناس

                        من منامهم إلى السلاح، فقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلاً، وبيتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملأ من أصحاب علي، فبلغ الأمر علياً فقال: ما للناس؟

                        فقالوا: بيتنا أهل البصرة، فثار كل فريق إلى سلاحه، ولبسوا اللأمة، وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم بما وقع الأمر عليه في نفس الأمر، وكان أمر

                        الله قدراً مقدراً، وقامت على الحرب على ساق وقدم، وتبارز الفرسان، وجالت الشجعان، فنشبت الحرب، وتواقف الفريقان، وقد اجتمع مع علي

                        عشرون ألفاً، والتف على عائشة ومن معها نحوا من ثلاثين ألفاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والسابئة أصحاب ابن السوداء قبحه الله لا يفترون عن القتل، ومنادي علي ينادي: ألا كفوا ألا كفوا، فلا يسمع أحد...) انتهى كلام ابن كثير رحمه الله.

                        سادساً: وإن أهم ما ينبغي بيانه هنا، ما كان عليه هؤلاء الصحابة الأخيار من الصدق والوفاء والحب لله عز وجل رغم اقتتالهم، وإليك بعض النماذج الدالة على ذلك:

                        1- روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن الحسن بن علي قال: (لقد رأيته - يعني علياً - حين اشتد القتال يلوذ بي ويقول: يا حسن، لوددت أني مت قبل هذا بعشرين حجة أو سنة).

                        2- وقد ترك الزبير القتال ونزل وادياً فتبعه عمرو بن جرموز فقتله وهو نائم غيلة، وحين جاء الخبر إلى علي رضي الله عنه قال: بشر قاتل ابن صفية بالنار. وجاء ابن جرموز معه سيف الزبير، فقال علي: إن هذا السيف طال ما فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                        3- وأما طلحة رضي الله عنه، فقد أصيب بسهم في ركبته فمات منه، وقد وقف عليه علي رضي الله عنه، فجعل يمسح عن وجهه التراب، وقال: (رحمة الله عليك أبا محمد، يعز علي أن أراك مجدولاً تحت نجوم السماء، ثم قال: إلى الله أشكو عجري وبجري، والله لوددت أني كنت مت قبل لهذا اليوم بعشرين سنة). وقد روي عن علي من غير وجه أن قال: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان ممن قال الله فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:47].

                        4- وقيل لعلي: إن على الباب رجلين ينالان من عائشة، فأمر القعقاع بن عمرو أن يجلد كل واحد منهما مائة، وأن يخرجهما من ثيابها.

                        5- وقد سألت عائشة رضي الله عنه عمن قتل معها من المسلمين، ومن قتل من عسكر علي، فجعلت كلما ذكر لها واحداً منهم ترحمت عليه ودعت له.

                        6- ولما أرادت الخروج من البصرة، بعث إليها علي بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وسيرَّ معها أخاها محمد بن أبي بكر - وكان في جيش علي - وسار علي معها مودعاً ومشيعاً أميالاً، وسرَّح بنيه معها بقية ذلك اليوم.

                        7- وودعت عائشة الناس وقالت: يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه على معتبتي لمن الأخيار، فقال علي: صدقت، والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.

                        8- ونادى مناد لعلي: (لا يقتل مدبر، ولا يدفف على جريح، ومن أغلق باب داره فهو آمن، ومن طرح السلاح فهو آمن). وأمر علي بجمع ما وجد لأصحاب عائشة رضي الله عنها في العسكر، وأن يحمل إلى مسجد البصرة، فمن عرف شيئاً هو لأهلهم فليأخذه.

                        فهذا - وغيره - يدل على فضل هؤلاء الصحابة الأخيار ونبلهم واجتهادهم في طلب الحق، وسلامة صدورهم من الغل والحقد والهوى، فرضي الله عنهم أجمعين.

                        وأما الكتب التي ينصح بقراءتها في هذا الموضوع فمنها كتاب (العواصم من القواصم لابن العربي)، ومنها (منهاج السنة لابن تيمية)، (والبداية والنهاية لابن كثير)، (وعصر الخلافة الراشدة للدكتور أكرم ضياء العمري).
                        والله أعلم.


                        هدانا الله وهداكم
                        النابغه

                        تعليق


                        • #13
                          يرفع بالصلاة على محمد وال محمد

                          تعليق

                          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                          حفظ-تلقائي
                          x

                          رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                          صورة التسجيل تحديث الصورة

                          اقرأ في منتديات يا حسين

                          تقليص

                          لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                          يعمل...
                          X