وروى الطبري ( 169 ) أنه لما بلغ طلحة والزبير منزل علي بذي قار انصرفوا إلى البصرة فأخذوا على المنكدر ، فسمعت عائشة ( رض ) نباح الكلاب فقالت : أي ماء هذا ؟ فقالوا : الحوأب . فقالت : إنا لله وإنا إليه راجعون إني لهيه ، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وعنده نساؤه : ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب ، فأرادت الرجوع ، فأتاها عبد الله بن الزبير فزعم أنه قال : كذب من قال إن هذا الحوأب ، ولم يزل بها حتى مضت ، فقدموا البصرة .
ولما انتهت عائشة وطلحة إلى حفر أبي موسى ( 170 ) قريبا من البصرة أرسل عثمان بن حنيف ( 171 ) وهو يومئذ عامل علي على البصرة إلى القوم أبا الاسود الدؤلي يعلم له علمهم ، فجاء حتى دخل على عائشة ، فسألها عن مسيرها . فقالت : أطلب بدم عثمان . قال : إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد ! قالت : صدقت ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله ، أنغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من
( 169 ) الطبري 5 / 178 ، وط . أوربا 1 / 3127 ، وراجع تفصيل الحوأب في : " عبد الله بن سبأ " ص 100 103 .
( 170 ) الامامة والسياسية 1 / 57 وابن أبي الحديد 2 / 80 81 .
( 171 ) عثمان بن حنيف بن واهب بن الحكيم الأنصاري الاويسي أبو عمرو أو أبو عبد الله . شهد أحدا وما بعدها . استعمله عمر على مساحة العراق واستعمله علي على البصرة فبقي عليها إلى أن قدمها طلحة والزبير وعائشة وسكن عثمان بعدها الكوفة وكان حيا إلى زمان معاوية . أسد الغابة 3 / 371 . ( * )
- ج 1 ص 187 -
سيوفكم ؟ فقال لها : ما أنت من السوط والسيف ؟ إنما أنت حبيسة رسول الله صلى الله عليه وآله أمرك أن تقري في بيتك ، وتتلي كتاب ربك ، وليس على النساء قتال ، ولا لهن الطلب بالدماء ، وإن عليا لأولى منك وأمس رحما ، فإنهما ابنا عبد مناف .
فقالت : لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت إليه ، أفتظن أبا الاسود ! أن أحدا يقدم على قتالي ؟ قال : أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد .
ثم قام فأتى الزبير ، فقال : يا أبا عبد الله عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك ، تقول : لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب وأين هذا المقام من ذاك ؟ فذكر له دم عثمان ، قال : أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا . قال : فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول فذهب إلى طلحة ، فوجده سادرا في غية مصرا على الحرب والفتنة . . الحديث .
وروي عن أبي الاسود قال : بعثني وعمران بن حصين ( 172 ) عثمان بن حنيف إلى عائشة ، فقلنا : يا أم المؤمنين اخبرينا عن مسيرك هذا ، أعهد عهده رسول الله صلى الله عليه وآله ام رأي رأيته ، قالت : بل رأي رأيته حين قتل عثمان إنا نقمنا عليه ضربة السوط ، وموقع المسحاة المحماة ، وامرة سعيد والوليد ، فعدوتم عليه ، فاستحللتم منه الحرم الثلاث حرمة البلد وحرمة الخلافة وحرمة الشهر الحرام ، بعد ان مصناه كما يماص الاناء فاستبقيناه .
فركبتم منه هذه ظالمين ، وغضبنا لكم من سوط عثمان ، ولا نغضب لعثمان من سيفكم ؟ قلت : " ما أنت وسيفنا وسوط عثمان وأنت حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله ، أمرك أن تقري في بيتك ، فجئت تضربين الناس بعضهم ببعض ! " . قالت : " وهل أحد يقاتلني ، أو يقول غير هذا ؟ ! " . قلت : " نعم " .
( 172 ) عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي الكعبي أسلم عام خيبر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله بعدها بعثه عمر معلما للبصرة ، ولما ولي ابن عامر استفضاه فأقام قاضيا يسيرا ، ثم استعفى وكان به استسقاء فثقب له سرير ، فبقي عليه ثلاثين سنة ، وتوفي بالبصرة سنة اثنتين وخمسين . أسد الغابة 4 / 137 138 . ( * )
- ج 1 ص 188 -
قالت : من يفعل ذلك ؟ أزنيم بني عامر ؟ . . الحديث ( 173 ) .
وقال ابن قتيبة : لما انتهوا إلى البصرة ، خرج إليهم عثمان بن حنيف عامل علي عليها ، وتقابلوا في المربد ، فخطبت أم المؤمنين وقالت : إن أمير المؤمنين عثمان كان قد غير وبدل ، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا ، وإنما نقموا عليه ضربة بالسوط ، وتأميره الشبان ، وحمايته موضع الغمامة ، فقتلوه محرما في الشهر الحرام وحرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل ، ألا وإن قريشا رمت غرضها بنبالها ، وأدمت أفواهها بأيديها ، وما نالت بقتلها إياه شيئا ، ولا سلكت به سبيلا قاصدا . أما والله ليرونها بلايا عقيمة ، تنبه النائم وتقيم الجالس ، وليسلطن عليهم قوم لا يرحمونهم يسومونهم سوء العذاب .
أيها الناس ! إنه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل دمه ، مصتموه كما يماص الثوب الرحيض ، ثم عدوتم عليه ، فقتلتموه بعد توبته وخروجه من ذنبه وبايعتم ابن أبي طالب من غير مشورة من الجماعة : ابتزازا وغصبا . ترونني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه ولا أغضب لعثمان من سيوفكم ؟ ألا إن عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته ، فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ، ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر ، ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان ( 174 ) .
( 173 ) بلاغات النساء ص 9 ، وراجع العقد الفريد 3 / 98 . والبيان والتبيين للجاحظ ، ط . السندوبي 2 / 209 210 . " المسحاة المحماة " : موضع لسرف كان عثمان قد حماه لخليه وخيل بني أمية وكان عمر قد حماه لخيل المسلمين ، و " الموص " : الغسل اللين والدلك باليد .
( 174 ) الامامة والسياسة 1 / 60 ، وابن أبي الحديد 2 / 499 . والمربد : كان به سوق للابل قديما ، ثم سكنها الناس ، وأصبحت محلة عظيمة يجتمع فيها الادباء ويتبارون فيها . و " الموص " : الغسل اللين والدلك باليد . و " الرحيض " : المغسول . ( * )
- ج 1 ص 189 -
وفي رواية الزهري ( 175 ) قام طلحة والزبير خطيبين ، فقالا : يا أهل البصرة ! توبة بحوبة ، إنما أردنا أن يستعتب أمير المؤمنين عثمان ، ولم نرد قتله ، فغلب سفهاء الناس الحلماء حتى قتلوه ، فقال الناس لطلحة : يا أبا محمد ! قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا ، فقال الزبير : فهل جاءكم مني كتاب في شأنه ؟ ثم ذكر قتل عثمان ( رض ) وما أتي إليه وأظهر عيب علي ، فقام إليه رجل من عبد القيس ، فقال : أيها الرجل أنصت حتى نتكلم فقال عبد الله بن الزبير : ومالك والكلام .
فقال العبدي : يا معشر المهاجرين ! أنتم أول من أجاب رسول الله صلى الله عليه وآله فكان لكم بذلك فضل ، ثم دخل الناس في الإسلام كما دخلتم ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله بايعتم رجلا منكم ، والله ما استأمرتمونا في شئ من ذلك ، فرضينا واتبعناكم ، فجعل الله عزوجل للمسلمين في إمارته بركة ، ثم مات ( رض ) ، واستخلف عليكم رجلا منكم ، فلم تشاورونا في ذلك ، فرضينا وسلمنا ، فلما توفي الأمير جعل الأمر إلى ستة نفر ، فاخترتم عثمان ، وبايعتموه عن غير مشورة منا ، ثم أنكرتم من ذلك الرجل شيئا فقتلتموه عن غير مشهورة منا ، ثم بايعتم عليا من غير مشورة منا ، فما الذي نقمتم عليه فنقاتله ؟ هل استأثر بفئ أو عمل بغير الحق أو عمل شيئا تنكرونه فنكون معكم عليه وإلا فما هذا ؟ فهموا بقتل ذلك الرجل ، فقام من دونه عشيرته ، فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من كان معه ، فقتلوا سبعين رجلا .
وأخرج الطبري ( 176 ) عن نصر بن مزاحم ، قال : وأقبل جارية بن قدامة السعدي ( 177 ) ، فقال : يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان بن عفان أهون من
( 175 ) الطبري 5 / 178 ، وط . أوربا 1 / 3127 3128 .
( 176 ) الطبري 5 / 176 ، وط . أوربا 1 / 3120 3121 .
( 177 ) جارية بن قدامة بن مالك بن زهير التميمي السعدي ، اختلفوا في إدراكه النبي ، شهد حروب علي ، وهو الذي حصر عبد الله بن الحضرمي بالبصرة وحرق عليه الدار بالبصرة لما أرسله معاوية إليها ، أسد الغابة 1 / 263 . ( * )
- ج 1 ص 190 -
خروجك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح ، إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة ، فهتكت سترك وأبحت حرمتك ، إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك ، إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك ، وإن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالناس ، قال : فخرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال : أما أنت يا زبير ! فحواري رسول الله صلى الله عليه وآله وأما أنت يا طلحة : فوقيت رسول الله صلى الله عليه وآله بيدك وأرى أمكما معكما ، فهل جئتما بنسائكما ؟ قالا : لا ، قال : فما أنا منكما في شئ . واعتزل ، وقال السعدي في ذلك :
صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * هذا لعمرك قلة الانصاف
أمرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تشق البيد بالايجاف
غرضا يقاتل دونها أبناؤها * بالنبل والخطي والاسياف
هتكت بطلحة والزبير ستورها * هذا المخبر عنهم والكافي
وأقبل غلام من جهينة على محمد بن طلحة ، وكان محمد رجلا عابدا ، فقال : أخبرني عن قتلة عثمان فقال : نعم ، دم عثمان ثلاثة أثلاث ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة وثلث على صاحب الجمل الاحمر يعني طلحة وثلث على علي بن أبي طالب ، فضحك الغلام وقال : لا أراني على ضلال ، ولحق بعلي وقال :
سألت ابن طلحة عن هالك * بجوف المدينة لم يقبر
فقال : ثلاثة رهط هم * أماتوا ابن عفان واستعبر
فثلث على تلك في خدرها * وثلث على راكب الاحمر
وثلث على ابن أبي طالب * ونحن بدوية قرقر
فقلت صدقت على الاولين * وأخطأت في الثالث الازهر
وقال الطبري ( 178 ) : فقدموا البصرة وعليها عثمان بن حنيف ، فقال لهم عثمان : ما نقمتم على صاحبكم ؟ فقالوا : لم نره أولى بها منا وقد صنع ما صنع .
( 178 ) الطبري 5 / 178 ، وط . أوربا 1 / 3127 . ( * )
- ج 1 ص 191 -
قال : فإن الرجل أمرني فأكتب إليه فأعلمه ما جئتم له على أن أصلي بالناس حتى يأتينا كتابه ، فوقفوا عليه ، وكتب فلم يلبث إلا يومين حتى وثبوا عليه فقاتلوه بالزابوقة عند مدينة الرزق فظهروا ، وأخذوا عثمان فأرادوا قتله ، ثم خشوا غضب الأنصار فنالوه في شعره وجسده .
ولما انتهت عائشة وطلحة إلى حفر أبي موسى ( 170 ) قريبا من البصرة أرسل عثمان بن حنيف ( 171 ) وهو يومئذ عامل علي على البصرة إلى القوم أبا الاسود الدؤلي يعلم له علمهم ، فجاء حتى دخل على عائشة ، فسألها عن مسيرها . فقالت : أطلب بدم عثمان . قال : إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد ! قالت : صدقت ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله ، أنغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من
( 169 ) الطبري 5 / 178 ، وط . أوربا 1 / 3127 ، وراجع تفصيل الحوأب في : " عبد الله بن سبأ " ص 100 103 .
( 170 ) الامامة والسياسية 1 / 57 وابن أبي الحديد 2 / 80 81 .
( 171 ) عثمان بن حنيف بن واهب بن الحكيم الأنصاري الاويسي أبو عمرو أو أبو عبد الله . شهد أحدا وما بعدها . استعمله عمر على مساحة العراق واستعمله علي على البصرة فبقي عليها إلى أن قدمها طلحة والزبير وعائشة وسكن عثمان بعدها الكوفة وكان حيا إلى زمان معاوية . أسد الغابة 3 / 371 . ( * )
- ج 1 ص 187 -
سيوفكم ؟ فقال لها : ما أنت من السوط والسيف ؟ إنما أنت حبيسة رسول الله صلى الله عليه وآله أمرك أن تقري في بيتك ، وتتلي كتاب ربك ، وليس على النساء قتال ، ولا لهن الطلب بالدماء ، وإن عليا لأولى منك وأمس رحما ، فإنهما ابنا عبد مناف .
فقالت : لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت إليه ، أفتظن أبا الاسود ! أن أحدا يقدم على قتالي ؟ قال : أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد .
ثم قام فأتى الزبير ، فقال : يا أبا عبد الله عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك ، تقول : لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب وأين هذا المقام من ذاك ؟ فذكر له دم عثمان ، قال : أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا . قال : فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول فذهب إلى طلحة ، فوجده سادرا في غية مصرا على الحرب والفتنة . . الحديث .
وروي عن أبي الاسود قال : بعثني وعمران بن حصين ( 172 ) عثمان بن حنيف إلى عائشة ، فقلنا : يا أم المؤمنين اخبرينا عن مسيرك هذا ، أعهد عهده رسول الله صلى الله عليه وآله ام رأي رأيته ، قالت : بل رأي رأيته حين قتل عثمان إنا نقمنا عليه ضربة السوط ، وموقع المسحاة المحماة ، وامرة سعيد والوليد ، فعدوتم عليه ، فاستحللتم منه الحرم الثلاث حرمة البلد وحرمة الخلافة وحرمة الشهر الحرام ، بعد ان مصناه كما يماص الاناء فاستبقيناه .
فركبتم منه هذه ظالمين ، وغضبنا لكم من سوط عثمان ، ولا نغضب لعثمان من سيفكم ؟ قلت : " ما أنت وسيفنا وسوط عثمان وأنت حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله ، أمرك أن تقري في بيتك ، فجئت تضربين الناس بعضهم ببعض ! " . قالت : " وهل أحد يقاتلني ، أو يقول غير هذا ؟ ! " . قلت : " نعم " .
( 172 ) عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي الكعبي أسلم عام خيبر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله بعدها بعثه عمر معلما للبصرة ، ولما ولي ابن عامر استفضاه فأقام قاضيا يسيرا ، ثم استعفى وكان به استسقاء فثقب له سرير ، فبقي عليه ثلاثين سنة ، وتوفي بالبصرة سنة اثنتين وخمسين . أسد الغابة 4 / 137 138 . ( * )
- ج 1 ص 188 -
قالت : من يفعل ذلك ؟ أزنيم بني عامر ؟ . . الحديث ( 173 ) .
وقال ابن قتيبة : لما انتهوا إلى البصرة ، خرج إليهم عثمان بن حنيف عامل علي عليها ، وتقابلوا في المربد ، فخطبت أم المؤمنين وقالت : إن أمير المؤمنين عثمان كان قد غير وبدل ، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا ، وإنما نقموا عليه ضربة بالسوط ، وتأميره الشبان ، وحمايته موضع الغمامة ، فقتلوه محرما في الشهر الحرام وحرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل ، ألا وإن قريشا رمت غرضها بنبالها ، وأدمت أفواهها بأيديها ، وما نالت بقتلها إياه شيئا ، ولا سلكت به سبيلا قاصدا . أما والله ليرونها بلايا عقيمة ، تنبه النائم وتقيم الجالس ، وليسلطن عليهم قوم لا يرحمونهم يسومونهم سوء العذاب .
أيها الناس ! إنه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل دمه ، مصتموه كما يماص الثوب الرحيض ، ثم عدوتم عليه ، فقتلتموه بعد توبته وخروجه من ذنبه وبايعتم ابن أبي طالب من غير مشورة من الجماعة : ابتزازا وغصبا . ترونني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه ولا أغضب لعثمان من سيوفكم ؟ ألا إن عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته ، فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ، ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر ، ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان ( 174 ) .
( 173 ) بلاغات النساء ص 9 ، وراجع العقد الفريد 3 / 98 . والبيان والتبيين للجاحظ ، ط . السندوبي 2 / 209 210 . " المسحاة المحماة " : موضع لسرف كان عثمان قد حماه لخليه وخيل بني أمية وكان عمر قد حماه لخيل المسلمين ، و " الموص " : الغسل اللين والدلك باليد .
( 174 ) الامامة والسياسة 1 / 60 ، وابن أبي الحديد 2 / 499 . والمربد : كان به سوق للابل قديما ، ثم سكنها الناس ، وأصبحت محلة عظيمة يجتمع فيها الادباء ويتبارون فيها . و " الموص " : الغسل اللين والدلك باليد . و " الرحيض " : المغسول . ( * )
- ج 1 ص 189 -
وفي رواية الزهري ( 175 ) قام طلحة والزبير خطيبين ، فقالا : يا أهل البصرة ! توبة بحوبة ، إنما أردنا أن يستعتب أمير المؤمنين عثمان ، ولم نرد قتله ، فغلب سفهاء الناس الحلماء حتى قتلوه ، فقال الناس لطلحة : يا أبا محمد ! قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا ، فقال الزبير : فهل جاءكم مني كتاب في شأنه ؟ ثم ذكر قتل عثمان ( رض ) وما أتي إليه وأظهر عيب علي ، فقام إليه رجل من عبد القيس ، فقال : أيها الرجل أنصت حتى نتكلم فقال عبد الله بن الزبير : ومالك والكلام .
فقال العبدي : يا معشر المهاجرين ! أنتم أول من أجاب رسول الله صلى الله عليه وآله فكان لكم بذلك فضل ، ثم دخل الناس في الإسلام كما دخلتم ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله بايعتم رجلا منكم ، والله ما استأمرتمونا في شئ من ذلك ، فرضينا واتبعناكم ، فجعل الله عزوجل للمسلمين في إمارته بركة ، ثم مات ( رض ) ، واستخلف عليكم رجلا منكم ، فلم تشاورونا في ذلك ، فرضينا وسلمنا ، فلما توفي الأمير جعل الأمر إلى ستة نفر ، فاخترتم عثمان ، وبايعتموه عن غير مشورة منا ، ثم أنكرتم من ذلك الرجل شيئا فقتلتموه عن غير مشهورة منا ، ثم بايعتم عليا من غير مشورة منا ، فما الذي نقمتم عليه فنقاتله ؟ هل استأثر بفئ أو عمل بغير الحق أو عمل شيئا تنكرونه فنكون معكم عليه وإلا فما هذا ؟ فهموا بقتل ذلك الرجل ، فقام من دونه عشيرته ، فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من كان معه ، فقتلوا سبعين رجلا .
وأخرج الطبري ( 176 ) عن نصر بن مزاحم ، قال : وأقبل جارية بن قدامة السعدي ( 177 ) ، فقال : يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان بن عفان أهون من
( 175 ) الطبري 5 / 178 ، وط . أوربا 1 / 3127 3128 .
( 176 ) الطبري 5 / 176 ، وط . أوربا 1 / 3120 3121 .
( 177 ) جارية بن قدامة بن مالك بن زهير التميمي السعدي ، اختلفوا في إدراكه النبي ، شهد حروب علي ، وهو الذي حصر عبد الله بن الحضرمي بالبصرة وحرق عليه الدار بالبصرة لما أرسله معاوية إليها ، أسد الغابة 1 / 263 . ( * )
- ج 1 ص 190 -
خروجك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح ، إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة ، فهتكت سترك وأبحت حرمتك ، إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك ، إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك ، وإن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالناس ، قال : فخرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال : أما أنت يا زبير ! فحواري رسول الله صلى الله عليه وآله وأما أنت يا طلحة : فوقيت رسول الله صلى الله عليه وآله بيدك وأرى أمكما معكما ، فهل جئتما بنسائكما ؟ قالا : لا ، قال : فما أنا منكما في شئ . واعتزل ، وقال السعدي في ذلك :
صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * هذا لعمرك قلة الانصاف
أمرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تشق البيد بالايجاف
غرضا يقاتل دونها أبناؤها * بالنبل والخطي والاسياف
هتكت بطلحة والزبير ستورها * هذا المخبر عنهم والكافي
وأقبل غلام من جهينة على محمد بن طلحة ، وكان محمد رجلا عابدا ، فقال : أخبرني عن قتلة عثمان فقال : نعم ، دم عثمان ثلاثة أثلاث ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة وثلث على صاحب الجمل الاحمر يعني طلحة وثلث على علي بن أبي طالب ، فضحك الغلام وقال : لا أراني على ضلال ، ولحق بعلي وقال :
سألت ابن طلحة عن هالك * بجوف المدينة لم يقبر
فقال : ثلاثة رهط هم * أماتوا ابن عفان واستعبر
فثلث على تلك في خدرها * وثلث على راكب الاحمر
وثلث على ابن أبي طالب * ونحن بدوية قرقر
فقلت صدقت على الاولين * وأخطأت في الثالث الازهر
وقال الطبري ( 178 ) : فقدموا البصرة وعليها عثمان بن حنيف ، فقال لهم عثمان : ما نقمتم على صاحبكم ؟ فقالوا : لم نره أولى بها منا وقد صنع ما صنع .
( 178 ) الطبري 5 / 178 ، وط . أوربا 1 / 3127 . ( * )
- ج 1 ص 191 -
قال : فإن الرجل أمرني فأكتب إليه فأعلمه ما جئتم له على أن أصلي بالناس حتى يأتينا كتابه ، فوقفوا عليه ، وكتب فلم يلبث إلا يومين حتى وثبوا عليه فقاتلوه بالزابوقة عند مدينة الرزق فظهروا ، وأخذوا عثمان فأرادوا قتله ، ثم خشوا غضب الأنصار فنالوه في شعره وجسده .
تعليق