إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

فلسفة النهضة الحسينية في فكر الإمام الشيرازي اعلى الله مقامه ..

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فلسفة النهضة الحسينية في فكر الإمام الشيرازي اعلى الله مقامه ..

    فلسفة النهضة الحسينية في فكر الإمام الشيرازي
    راجي أنور هيفا
    من الصعب جداً أن نجد في كتاب الإنسانية وفي تاريخ البشرية الطويل يوماً كيوم أبي عبد الله الحسين (ع) أنه اليوم الذي تجسد وتجلى فيه قول الله سبحانه وتعالى بأوضح صوره وبأبلغ تعبيره أنه التجسيد الأمثل للقول السماوي الخالد: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله ألا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) (التوبة: 32).
    ولذلك فإن الحديث عن القضية الحسينية وعن الأثر الذي تتركه تلك القضية في نفوس وقلوب العظماء من العلماء والمفكرين لهو حديث طويل عن التضحية والفداء وعن العروج إلى السماء بحبال من النور (الدامي) من أجل أن تبقى الرسالة الإسلامية محمدية في وجودها، حسينية في بقائها واستمرارها إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، يوم تأتي فاطمة (ع) حاملة قميص ابنها الإمام الحسين (ع) وهو ملطخ بالدماء عارضة إياه على الله أحكم الحاكمين.

    أما الأثر الكربلائي على النفوس البشرية فإنه يتفاوت في قوته وعظمته، فالأثر عظيم بقدر عظمة النفس وحجم عزتها واتساع إبائها.

    وبالطبع، فإني لا أريد هنا أن استعرض الدروس والعبر التي استخلصها العديد من علماء ومفكري العالم الإسلامي ولا أريد أيضاً أن أفلت العنان لقلمي المتواضع كي يسجل الآثار التي تركتها النهضة الحسينية المباركة في نفوس الكثير من الأدباء والمفكرين المسيحيين الذين رأوا في الدماء الحسينية المسفوحة ظلماً صورة النبي المصطفى (ص) المقتول غدراً من خلال قتل سبطه الذي أعطى الإنسانية دروساً لا تنسى في اختصار الطريق الموصل إلى ملكوت الله.

    فالكلام عن النهضة الحسينية عند المسيحيين من أمثال جورج جرداق وبولس سلامة وعبد المسيح الإنطاكي وروكس بن زايد العزيزي وجبران خليل جبران وغيرهم من عمالقة الفكر والأدب سيكون له مكان آخر في أبحاث لاحقة، ولكن ما نود قوله الآن هو أن هناك مرجعاً إسلامياً خالداً بآثاره وأعماله، استطاع أن يسبر أغوار الحركة الحسينية بحكمة بالغة وببصيرة نافذة قلما نجد لها نظيراً أو مثيلاً في مؤلفات ومصنفات العلماء والمفكرين المسلمين والمسيحيين على حد سواء.

    لقد تناول فقيه الأمة الإسلامية المرجع الديني الراحل والإمام المجدد آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) الحركة الحسينية في الكثير من مؤلفاته التي بلغ عددها الألف ومئتي كتاباً ونيف.

    وربَّ سائل يسأل قائلاً:
    لماذا اهتم الإمام الشيرازي من خلال ما كتبه بقضية الحركة الحسينية بعد مضي قرون وقرون عليها؟!
    وما هي الدروس التي يريدنا الإمام الشيرازي (ره) أن نتعلمها من فلسفة تلك الحركة التي هزت الضمير الإنساني على مرَّ العصور؟!

    ربما يسأل السائل هذه الأسئلة وربما يسأل أكثر من ذلك أيضاً، ومن حق كل إنسان أن يسأل ما يشاء، فالحوار البناء والسؤال الهادف والكلمة الطيبة هي المحاور الإيجابية الثلاثة التي تظهر وتتجلى من خلالها الحقائق والثوابت بعد أن تنجلي عنها غيوم الشك والجهل والارتياب.

    ومهما يكن من أمر، فإن الإمام الشيرازي يرى أن الإمام الحسين (ع) قد لخص لنا ولكل الأجيال السابقة واللاحقة فلسفة نهضته المباركة من خلال قوله الشريف: (إني لم اخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص) أريد أن أمر بالمعروف، وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي) (1).

    فالإمام الحسين (ع) لم يخرج طلباً للسلطة ولا حباً بمنصب دنيوي أو كرسي زائل، بل خرج طلباً لإعادة النبض الدافق إلى وريد الرسالة الإسلامية التي أنهكتها الأهواء والمطامع من الحكام الذين حاولوا جاهدين طمس معالم تلك الرسالة السماوية الخالدة من جهة وتفريغها من محتواها الروحي والفكري من جهة ثانية.

    ولا نعتقد أن هناك من يعارض في أن يكون للحسين (ع) الحق الكامل في أن يخرج من أجل المطالبة بإحياء التراث الروحي لرسالة المصطفى أول خلق الله وخاتم رسله (ص).

    فالإمام الحسين (ع) يمثل من خلال خروجه إلى كربلاء الإيمان الأسمى والطاعة الكاملة لله والرسول، ولذلك كانت معركة كربلاء لله ولكلمته، تلك الكلمة المحفورة على شغاف قلب الإمام الحسين مثلما كانت محفورة من قبل في قلب جده المصطفى (ص).
    ألم يقل المصطفى (ص): (أنا من حسين وحسين مني)(2)؟
    أليس في هذا دليل على أن الحسين (ع) ليس مجرداً إمام من نسل الرسول (ص) جسدياً بل هو من نسل الرسول عقائدياً وروحياً، أي أنه ابن الرسالة الإسلامية ذاتها.
    وانطلاقاً من هذه الحقيقة الثابتة، فقد رأى الإمام الشيرازي (ره) أن لعاشوراء رسالة عظيمة تعتبر الامتداد الحقيقي لرسالة جده الصادق الأمين (ص).

    وهاهو سماحته يقول عن فلسفة الحركة الحسينية في عاشوراء أنها (إحياء الإسلام، وإرجاع القرآن إلى الحياة، وهذا هو ما كان يستهدفه الإمام الحسين (ع) من نهضته وشهادته، وذلك لأن الإسلام الذين أنزله الله تعالى في كتابه، ونطق به قرآنه، وبلغ له رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وضحى من أجله أهل البيت عليهم السلام، وخاصة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء يوم عاشوراء، هو الدين الكامل والقانون الشامل الذي باستطاعته في كل عصر وزمان أن يسعد الإنسان والمجتمع البشري ويضمن له التقدم والرقي والتطلع والازدهار)(3)
    وهذا يعني أن الحركة الحسينية بالنسبة للإمام الشيرازي لم تكن مجرد حركة منبثقة عن معركة حامية الوطيس بين الإمام الحسين (ع) ويزيد اللعين، وإنما هي حالة صراع بين تيارين يمثلان كمال الخير وكمال الشر، فالإمام الحسين )(ع) هو الدين الكامل والقانون الشامل الذي يضمن للإنسان الارتقاء بإنسانيته إلى مستوى تحمل المسؤولية الفردية أمام ما تقتضيه المسؤوليات والواجبات الجماعية في ظل تعاليم خاتمة الرسالات الموجهة إلى بني آدم أجمعين.

    وقد رأى الكثير من المفكرين صحة ما سبقهم إليه الإمام الشيرازي عن الصراع المبدئي الدائم بين الأيديولوجيتين المتناقضتين. فمازال المرء يجد أمامه دوماً حسيناً ويزيداً في كل زمان ومكان، وهما يتنازعان بين الحق والباطل، وأن هذا النزاع هو في الواقع تجسيد للصراع بين الخير والشر الذي ما زال قائماً وعلينا اتخاذ موقف ثابت وواضح منه.(4)
    ولأن الصراع أبدي بين الإيمان والكفر، بين الحق والباطل، بين المبدأ واللامبدأ، فعلينا أن نلتزم دائماً جانب الحق والخير والفضيلة في هذا الصراع فعندما خرج الإمام الحسين (ع) بأهل بيته الكرام (ع) لخوض المعركة الحاسمة بين أتباع العقيدة الأموية القائمة على تحويل الدين إلى سلعة تجارية تأخذ في حسبانها سياسة الربح والخسارة دون إقامة أي وزن للتعاليم الروحية وللمبادئ الأخلاقية التي أرادت تلك الرسالة السماوية أن يتحلى بها كل إنسان على وجه البسيطة.
    لقد أراد الإمام الحسين (ع) كما يقول الإمام الشيرازي (ره): (أن ينشل الأمة من الحضيض الذي أركست فيه إلى العز، وذلك عندما رضيت الأمة الإسلامية بواقعها المتردي، المتمثل بالخمول، والركون إلى الدنيا، والسكوت على الظلم، وتسلط الظالمين من أمثال يزيد وأبيه وأضرابهم، فأراد الإمام الحسين (ع) أن يبث روح الإيمان والحق فيها لتنهض من جديد، كما كانت في عهد رسول الله (ص)) (5)

    ومن النقاط الهامة التي يجب أن نتذكرها دائماً عند الحديث عن الفاجعة الكربلائية إنها قضية التآخي في الله والاعتصام في كل حدث وفي كل موقف من مواقف الحياة، وبما أن الحركة الحسينية هي حركة التآخي بين المؤمنين، فقد كان لخروج أهل بيت الحسين (ع) دلالة عميقة على الأبعاد الروحية لعملية التآخي تلك.

    فالكل يعلم أن الإمام الحسين (ع) كان قائداً لجيشه الصغير المكون من بعض الشباب والرجال وحتى من النساء والأطفال، وكان ضمن جيشه الصغير وجوه عربية ووجوه غير عربية، وكان في جيشه البالغ على بعض الروايات (73) شخصاً فقط، الأبيض والأسمر والأسود، وهذا يعني أن هناك فلسفة وحكمة خفية أراد الإمام الحسين (ع) إظهارها وتوضيحها للناس من خلال إبراز أهل بيته (ع) للقيام بأدوارهم على رمال كربلاء.

    وتنكشف الغيوم عن تلك الحكمة عندما ندرك أن الإمام الحسين (ع) أراد أن يقول لنا أن المؤمنين أخوة لأن ثورته لا تعترف باللون الأبيض ولا باللون الأسود، وحركته لا تعترف بقومية دون أخرى، وإنما كل الألوان وكل القوميات تسقط أمام ثورته وحركته لأن نهضته كانت من أجل الله ومن أجل كرامة الإنسان إينما كان فهو (ع) المحيي لشريعة جده (ص)، وجده بعث للناس كافة وكان رحمة للعالمين.
    وانطلاقاً من هذه الحقائق، فقد رأى سماحة السيد محمد الحسيني الشيرازي (ره) أن نهضة الإمام الحسين (ع) (كانت نبراساً لسائر النهضات التحريرية في العالم ضد الظالمين، وكانت هي الانفجار العظيم الذي هز عرش كل الطغاة المستبدين، كما ومهدت الطريق أمام الثورات الأخرى)(6)
    ولا أريد أن أضرب إلا مثالاً واحداً للتأكيد على قول الإمام الشيرازي (ره) أن الحركة الحسينية كانت النبراس لسائر النهضات التحريرية في العالم ضد الظالمين، ومثالنا هو قول الزعيم الهندي (المهاتما غاندي) الذي أستطاع أن يحرر الأمة الهندية من براثن الاستعمار الإنكليزي البغيض، حيث وقف قائلاً بكل ثقة وصدق مخاطباً أبناء الهند: (على الهند إذا أرادت أن تنتصر، أن تقتدي بالإمام الحسين)(7).
    والإمام الشيرازي بدوره يرى أن الثورة الحسينية لم تكن في يوم من الأيام إرثاً للمسلمين فحسب، وإنما الثورة الحسينية إرث للبشرية جمعاء، ولذلك إذا أرادت الإنسانية الجريحة أن تشفى من جراحها وأن تعافى من آلامها، عليها أن تعيش كربلاءها المستمدة من كربلاء الحسين (ع).

    ويؤكد الإمام الشيرازي (ره) في كتابه (رؤى عن نهضة الإمام الحسين (ع)) على (أن يكون المحرم منطلقاً مناسباً لإبلاغ أهداف الإمام الحسين (ع) إلى البشرية المتعطشة.. حيث أن الإسلام دين عالمي لإنقاذ جميع النسا من الظلمات إلى النور، وليس دين ألف مليون مسلم فقط)(8)
    فالأمة التي لا تعود لقراءة تاريخها ولا ترتبط بجذورها ولا تقتدي برموزها لهي أمة لا يمكن أن تعيش الحاضر مع بذور القدرة على اللحاق بموكب الحضارة والرقي في المستقبل.
    والأمة التي لا تجعل نصب عينها ضرورة الإقتداء والامتثال لتعاليم عظمائها، خاصة إذا كان عظماؤها من المعصومين الذين يمثلون سفن النجاة ومصابيح الهدى، فلن يمكنها أن تفلح في السير على نهج التقدم ولا يمكنها أن تعيش السعادة والرفاهية المطلوبتين، تلك الرفاهية والسعادة القائمتين على مبدأ التوازن بين احتياجات الدنيا ومتطلبات الآخرة.
    ولو توقفنا مع أحد كتب الإمام الشيرازي (ره) عن فلسفة الحركة الحسينية وما أكثرها في مؤلفاته القيمة، ونقصد بذلك كتاب (رؤى عن نهضة الإمام الحسين (ع))، لوجدنا أن سماحته قد أوجز لنا أهداف خروج الإمام الحسين (ع) بشكل واضح ومبسط، ولكن سماحته ركز بشكل واضح على نقطة هامة مركزية في قضية الخروج والاستشهاد، إنها الغاية الأخلاقية التي أراد الإمام الحسين (ع) أن يعيد إليها البهاء والنضارة كما كانت عليه في زمن رسول الله (ص).
    ألم يأتِ في الحديث الشريف: (تخلقوا بأخلاق الله)(9)؟
    إذاً، فالأخلاق حجر الأساس في الشريعة الإسلامية وذلك لأن الأخلاق هي الناظم الذي يحدد علاقة الفرد بالآخرين، ويحدد أيضاً علاقة ذلك الفرد بذاته وبالله عز وجل.
    ولذلك فإن سماحة الإمام الشيرازي قد ركز على هذا الجانب من حركة الإمام الحسين مع أهل بيته (ع) مركزاً على أن أحد أهداف تلك الحركة (تصحيح سلوك الناس وتقويمه، بعد أن تلون سلوك الناس وأخلاقهم في ظل النظام الأموي بطابع العنف والاستبداد والوحشية والاستهتار بما لا يتناسب مع الخلق الإسلامي والإنساني، فأعاد الإمام (ع) بنهضته الشريفة مكارم الأخلاق التي بناها جده الكريم (ص) وقدمها إلى البشرية ودعى الناس للتخلق بها في كل مراحل الحياة)(10)
    وعلينا هنا أن نتوقف قليلاً للإشارة إلى ملاحظة نرى أنه من الواجب علينا أن نشير إليها وذلك لأنها تتعلق مباشرة بسيرة ومسيرة الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (ره) وهذه الملاحظة يمكن أن توجز بقولنا إن الإمام الشيرازي كان يقفو أثر الإمام الحسين (ع) في حياته وفي حركته وأهدافه.
    فالذي يقرأ سيرة حياة الإمام الراحل (ره) يدرك أنه لم يكن مجرد فقيه تجاوزت موسوعته الفقهية المائة والخمسين مجلداً، ولم يكن أيضاً مجرد رجل أنشأ الكثير من المؤسسات الدينية والخيرية، بل من يدرس سيرته العطرة يرى أن له حكايات بطولية ومواقف عز مع الحكام، فهو المجاهد الصلب في سبيل الله وفي سبيل رسالة رسوله (ص) يقارع الظالمين ويؤلب الأمة عليهم صابراً محتسباً على ما يلاقيه في هذا الطريق(11)، وقد برهن خلال رحلة عمره على أنه محمدي الأخلاق والسيرة، علوي الجهاد والمسيرة.
    ومما تدمع له العين حزناً هي تلك الصورة التي نستطيع أن نتخيلها عندما صعدت روح الإمام الراحل إلى جوار ربها الكريم، وإن دلت تلك الصورة على شيء، فإنما تدل على مدى ارتباط الإمام الشيرازي بأخلاقيات ومبادئ الحركة الحسينية الخالدة، فبعد أن انتشر نبأ وفاة الإمام الشيرازي في محيط المستشفى الذي لفظ فيه أنفاسه الأخيرة ضجت القاعة بالبكاء والعويل، وكانت أول صرخة ارتفعت من ذاك الجو الرهيب، والحزين نداء شق عنان السماء، واحسين، مات أبو الحسينيين جميعاً، لقد كانت النهضة الحسينية تجري في كل عروقه، وكان الحسين (ع) يحتل كل خلايا فكره.(12)
    ويحق للإمام الشيرازي أن يكون كذلك، فهو حسيني بالدم وبالعقيدة والولاء، وهو سليل أسرة عريقة بالعلم والعمل الصالح والولاء الصادق لأهل البيت المحمدي (ع) وللتعاليم التي تمخضت عنها النهضة الحسينية بقيادة سيد شباب أهل الجنة وأحد ريحانتي رسول الله (ص).
    ولا نعتقد أننا نتجاوز حدود الحقيقة عندما نقول أن المشروع النهضوي عند الإمام الشيرازي (ره) هو عبارة عن مشروع حضاري متكامل، ويأتي التكامل فيه من خلال إقامته وتأسيسه على الأهداف المباشرة التي خرج من أجلها الإمام الحسين (ع) ليؤدي دوره (القيادي – النهضوي) على مسرح الفاجعة الكربلائية.
    ولذلك نرى أنه من الطبيعي جداً أن يولي الإمام الراحل (ره) قضية إحياء الشعائر الحسينية أهمية كبيرة في مختلف مؤلفاته وأعماله، فالمشروع الحضاري الذي طرحه الإمام الشيرازي من خلال منظومته الفكرية الموسوعية الشاملة ترتكز أساساً على عملية تجذير الشعائر الحسينية في النفوس والعقول عند كافة المسلمين الذين يريدون حقاً بناء وصياغة الشخصية الإسلامية على أعلى وأسمى المستويات الإنسانية الراقية.
    ويمكن اعتبارا الباعث الأول للمواكب الحسينية هو التأكيد على صدق الموالاة لأهل البيت (ع) فكراً وممارسة، بالإضافة إلى التعاطف الوجداني لما لحق بهم (ع) من فواجع ونكبات بعد غياب صاحب الرسالة الإسلامية (ص) والتي لا يمكن لكل ذي بصيرة أن يرى في تلك الفواجع والنكبات التي لحقت بهم (ع) إلا محاولة جادة لإجهاض رسالة محمد (ص) من خلال محاولات أعداء محمد (ص) الدؤوبة الانتقام منه عن طريق إلحاق الأذى و (تصنيع) الفواجع والنكبات لذريته المتمثلة بأولاد علي وفاطمة (عليهما السلام).
    وبالقدر الذي كان يركز فيه الإمام الشيرازي على المواكب الحسينية كجزء من إحياء الشعائر الحسينية، كان يركز سماحته أيضاً على دور المنبر الحسيني في رفع منظومة القيم والأخلاق الإسلامية الأصيلة.
    فالمنبر الحسيني محطة هامة في المسيرة الحسينية الداعية للعودة إلى مبادئ وتعاليم السماء الموحى بها إلى الرسول الأمين (ص) آخر سفير للسماء على الأرض.
    ولذلك يرى سماحة الإمام الراحل (ره) ضرورة أن (نرفع من كَمِّها (أي المنابر الحسينية) وكيفها باستمرار ودوام، وذلك بأن نقيم المجالس إقامة حسنة، وأن نراعي فيها الكيفية المطلوبة لدى الناس، وخاصة ما يفيد الشباب والناشئة، وأن ندعو الخطباء البارعين والمبلغين الحسينيين المبرزين لإدارة المنبر والخطابة في الناس وإلقاء المحاضرات المفيدة والقوية عليهم، متضمنة متطلبات العصر، وملبية لحاجيات المجتمع، ومتفاعلة مع النفوس والقلوب، والأفكار والعواطف)(13)
    وهذا يعني أن للمنبر الحسيني – وجهة نظر الإمام الشيرازي – دوراً إضافياً آخر غير دوره الأول المتمثل بإعادة الصور المأساوية واستذكار الأهداف الأخلاقية واسترجاع القيم الروحية في الأذهان، بل يرى الإمام الشيرازي (ره) أن على المنبر الحسيني أن يلعب دور صلة الوصل بين قضايا الماضي الزائل وبين قضايا العصر الراهن، فنحن نستطيع أن نناقش قضايانا ومتطلبات عصرنا من خلال المنبر الحسيني ذاته.
    ولا يغيب عن ذهن الإمام الشيرازي ما للمجالس الحسينية من أهمية في تعبئة وتنظيم الجماهير الشعبية وتوجيهها ضمن مسار الخط المحمدي والنهج العلوي الحسيني، ويقول سماحته عن قيمة هذه المجالس حرفياً: (هناك تجمع وتنظيم أساسي لا يمكن التغافل عنه، وعلينا أن نعيره أكبر اهتمامنا ألا وهو (التنظيم الحسيني) فمجالسنا الحسينية التي يقيمها أبناء الشعب في أيام عاشوراء وأربعين الإمام الحسين (ع) ووفاة النبي (ص) والصديقة الطاهرة (ع) ومجالس الوفيات للأئمة عليهم السلام والمجالس الأسبوعية والشهرية التي تقام في المساجد والمدارس والبيوت هذه المجالس يجب أن تكون ضمن تنظيم حسيني في كل مدينة وفي كل قرية، وتكن هناك قيادات منتخبة وتنسيق بين المجالس في اختيار الخطباء، وتنظيم المواكب العزائية واختيار الشعارات الإسلامية التي تنمي في نفسية الشعب روح الحركة والاندفاع..)(14)
    ولو أننا أعدنا قراءة الكتب التي كتبها سماحة الإمام الراحل (ره) عن فلسفة النهضة الحسينية وعن أيديولوجية الحركة الاستشهادية التي تسير في خط الموت الجسدي بهدف الوصول إلى البقاء الروحي، لاستطعنا أن نلخص فلسفة تلك الحركة في مؤلفات الإمام الشيرازي بالنقاط التالية:
    أ) النهضة الحسينية هي التجسيد الحقيقي للكثير من المفاهيم والقيم الإنسانية النبيلة في الحياة كالتضحية والعدالة والحق والحرية والرفعة الإنسانية.
    ب) النهضة الحسينية استنفار دائم للإنسان كي يعيش في كل لحظة من عمره حالة الاستعداد الدائم لمواجهة الباطل والشر إينما وجد وفي أي عصر كان، لأن الحياة بمتناقضاتها تتطلب من المؤمن الحقيقي أن يكون كل يوم عنده عاشوراء وأن تكون كل ارض له كربلاء.
    ج) النهضة الحسينية تحقيق لقول الله سبحانه وتعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) (العنكبوت:69) فجهاد الحسين (ع) امتداد لحركة الأنبياء الجهادية.
    ء) النهضة الحسينية عبارة عن إعادة تشكيل وبلورة الشخصية الإسلامية الرسالية القادرة على إدراك معاني وأهداف وجوده في الحياة من خلال متغيراتها الحركية وخط سيرها للأمام.
    هـ) النهضة الحسينية، وما يتبعها من مراسم وطقوس كالمنابر والمجالس الحسينية، عبارة عن وسيلة فعالة لشحن وتفعيل عوامل التحدي ضد قوى الاستكبار مهما كان حجمها ومهما كانت قوتها ومظاهر جبروتها.
    و) على الرغم من أن النهضة الحسينية هي الوريثة الشرعية للرسالة الإسلامية المحمدية، إلا أن واقعها الحركي وغاياتها الإنسانية الشاملة حولتها من ثورة إسلامية إلى ثورة عالمية لا تستطيع الحواجز القومية أو الاعتبارات العرقية أن تصمد أمام عنفوانها وأهدافها الإنسانية السامية.
    وهكذا نرى أن الإمام المجدد الشيرازي الثاني (ره) قد تفاعل عملياً مع النهضة الحسينية حيث أنه نذر الكثير من جهده ووقته، وحتى ماله في سبيل إعادة وإحياء الشعائر الحسينية بعد أن رفع النقاب عن العديد من الجوانب الفلسفية لتلك النهضة التي كانت نقطة انطلاقها كربلاء في عاشوراء، أما حدودها فهي حدود العالم في كل زمان وأوان، ولعل خير ما نختم به هذا المقال عن فقيد الإنسانية – ولا أقول فقيد الإسلام فقط – الإمام الشيرازي رحمه الله تعالى هو دعاؤه الشجي قبيل وفاته بفترة قصيرة حيث يشكو بثه وحزنه الخريفي إلى الله سبحانه وتعالى:
    (لقد اشتقت إلى كربلاء.. وأدعو ربي أن يريني يوماً أعود فيه للصلاة من جديد في حرم جدي الحسين عليه السلام)(15)

    لقد عاش سماحة الإمام الراحل (ع) نهج الحركة الحسينية في كل ذرة وخلية من خلايا عقله وقلبه، وعاشها في كل نفس من أنفاسه حتى صعدت روحه الطاهرة إلى عتبات مملكة الخلود إلى جوار جده أبي الثوار وسيد الشهداء الإمام الحسين (ع) مصباح الهدى وسفينة النجاة.

    المصادر:
    ______________
    1- الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (عاشوراء والعودة إلى الإسلام) دار صادق بيروت ط2/2003م ص11.
    2- توفيق أبو علم (الحسين بن علي) دار المعارف بمصر – القاهرة ط2/1982 ص18.
    3- الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رسالة عاشوراء) طبع هيئة محمد الأمين – بيروت ط1/1422هـ ص3.
    4- إبراهيم الحيدري (تراجيديا كربلاء) دار الساقي – بيروت ط1/1999م ص16.
    5- الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قبس من شعاع الإمام الحسين –ع-) دار صادق بيروت ط2/2002 ص30.
    6- ثقافة عاشوراء في فكر الإمام الشيرازي إعداد ونشر مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات بيروت – دمشق ط1/ 2002م ص12.
    7- عبد الله عدنان المنتفكي (الثورة الحسينية في الفكر العالمي) مجلة الثقافة الإسلامية إصدار المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق – راجع عدد تموز – آب 1993م العدد (50) ص44.
    8- الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (الحسين مصباح الهدى) مؤسسة السيدة زينب (ع) بيروت د.ت ص15.
    9- الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (الحسين مصباح الهدى) مؤسسة السيدة زينب (ع) د.ت ص19.
    10- الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (الحسين مصباح الهدى) مؤسسة السيدة زينب (ع) د.ت ص16.
    11- في رحاب الإمام الشيرازي إعداد المؤسسة العالمية لإحياء تراث الإمام الشيرازي مؤسسة المجتبى بيروت ط1/2002م ص15.
    12- نفس المصدر السابق ص57.
    13- الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (عاشوراء والقرآن المهجور) مؤسسة المجتبى بيروت ط1/ 1421هـ ص36.
    14- الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام) مؤسسة الفكر الإسلامي بيروت ط3/ 1413هـ ص728.
    15- الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي عشت في كربلاء مركز الرسول الأعظم (ص) بيروت ط2/2003م ص77.

    http://shrsc.com/articles/015.htm

  • #2


    عاشوراء اسم خط في تاريخ الانبياء والرسل وحياة الشعوب والامم كمناسبة دينية واجتماعية وسياسية، أسطورة ملحمة لم يدخل الخيال في نسج أحداثها ولم يبدع الشعراء إلا من وحيها، فكانت الحقيقة هي التي تشبع فقرات الادب الحسيني عظمة وواقعية جعلت من المناسبة حدثاً تاريخياً وواقعاً معاشاً في كل زمن.
    ونحن كمسلمين كيف نستفيد من هذه المناسبة؟ وإلى أي مدى يمكننا الاحتفاء بها بعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة؟ هذا ما يجيب عنه كتاب (الاستفادة من عاشوراء) فيقدمها على أنها مناسبة لتكريس
    المــــثل والقيم والاخلاق الإسلامية ومناسبة لحقوق الإنسان لإعادتها إلى القوانين التي شرعها الإسلام مستفيداً من ثورة الامام الحسين (عليه السلام). ولم يقتصر عرض الكتاب على المناسبة من الناحية الدينية والاخلاقية بل وجعلها موسماً لتنشيط العملية التنموية للمسلمين وتقوية الجانب الاقتصادي بالحث على الكسب واستحصال التبرعات لبناء المؤسسات الإسلامية، لتكون مناسبة عاشوراء فرصة للعـــودة إلى الإسلام عن طريق الاستفادة مــن بركات هذه المناسبة المقدسة.

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.
    (عاشوراء) موسمُ العطاء الرباني، موسم الفضيلة والتقوى والأخلاق، موسم العلم والمعرفة، ورمز لانتصار مبادىء الحق على جيوش الضلال.. وإذا كان عطاؤه قد بلَغَ (غاندي) محرِّر الهند الذي تعلمَ من الحسين (عليه السلام) كيف يكون مظلوماً لينتصر، فإنّ المسلمين عامة وشيعة الإمام (عليه السلام) خاصة أولى بهذا العطاء.
    إنّ المطر الذي ينزل من السماء ليحيي الله به الأرضَ بعدَ موتها، إن استفيد منهُ على الوجه الأكمل، أعطى مختلف الثمار والأزهار، وملأ الأرض بالرياض، والقلوب بالبهجة، فإذا هبطت نسبة الاستفادة من المطر هبطت نسبة الأرباح التي يُتوقّع حصولها أيضاً.
    فإن لم يستفد منه فإنّه يتسرّب إلى باطن الأرض، وبذلك يخسر الإنسان النعمةَ التي أسداها الله إليه.
    وربّما اجتمع في المنخفضات ليتحوّل إلى ماء راكد وآسن يحملُ الأوبئة والجراثيم التي تكون مصدراً لكثير من الأمراض، وكذلك كثير من نعم الله.
    والعنب ـ مثلاً ـ قد يكون طعاماً وغذاءاً وقد يستفاد منه في علاج بعض الأمراض وتقوية الناقهين، وقد يهمل ليلقى في القُمامة، وقد تصنع منه الخمرة الضارّة.
    فالأول: من مصاديق (كُلُوا وَاشْرَبُوا..)(1).
    والثاني: (يَأخُذوا بِأحْسَنِها..)(2).
    والثالث: إسراف وتبذيرٌ وقد نُهي عنه، قال تعالى: (وَلا تُسْرِفُوا)(3) و(إنَّ المُبَذِّرينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطين..)(4).
    والرابع: تبديل نعمة الله كفراً، فيكون مصداقاً لقول الله سبحانه: (ألَمْ تَرَ إلى الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ الله كُفْراً..)(5)، هذا في الجانب المادي، والأمر في الجانب المعنوي أيضاً كذلك، كما قال سبحانه بالنسبة إلى القرآن الحكيم: (ونُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنينَ وَلا يَزيدُ الظّالِمينَ إلاّ خَساراً)(6) و(قُلْ هُوَ لِلَّذينَ آمَنوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ في آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمى..)(7).
    وعشرة عاشوراء كالمطر، فقد يحوّل العصاة والطغاة هذه المناسبة الدينية إلى نقيض أهدافها المثالية، وذلك حينما تُستغل لقتل الناس الأبرياء وحرق المساجد والحسينيات والمؤسسات والاعتداء على المواكب العزائية وتكريس الفرقة والاختلاف، كما تفعله بعض الجماعات في بعض الدول الإسلامية(8) تنفيذاً لمخطط الاستعمار (فرِّق تَسُد).
    وقد يستغلها بعض العصاة ـ والعياذ بالله ـ لاقتراف بعض المحرّمات(9) والإسراف في المأكل والمشرب وتضييع الأوقات في اللهو واللعب(10).
    وقد يُستفاد منها لإحياء ذكرى سيد الشهداء (عليه السلام) وما يحتفُ بها من المزايا المتعارفة ـ ولا شك أنّه من أفضل القربات الموجبة لخير الدنيا والآخرة(11) ـ.
    لكن قول الله سبحانه: (يَأخُذُوا بِأحْسَنِها..)(12) يقتضي الاستفادة من هذا الشهر الحرام أفضل استفادة وأكمل استثمار وفي شتّى الأبعاد.
    ونظير هذا، قول الله سبحانه وتعالى في باب التمثيل: (أجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاجّ وَعِمارَةَ المَسْجِد الحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ واليَوْم الآخِرِ وَجاهَدَ في سَبيلِ اللهِ..) (13)، فإنّ (السقاية) و(العمارة) من أفضل القربات عند الله سبحانه، لكن تكريس الإيمان والجهاد في سبيله سبحانه والعمل وفق سننه، أفضل من السقاية والعمارة، بدرجات كبيرة.
    وهذا الكراس يهدف إلى بيان الطريق الأمثل والأشمل للاستفادة من هذه المناسبة ولاستثمارها على الوجه الأحسن لخدمة الدين والإنسانية ولإنقاذ البشرية من التخلّف والضلالة.
    (اقتلوا كربلاء) مقولة صرّح بها لينين، الغايةُ منها القضاء على كربلاء المعنوية بتأريخها الحافل بالبطولات وبمقارعة الجبابرة والطغاة، وبمعنوياتها الأخلاقية والإنسانية.
    فما دامت (كربلاء) حيّة في القلوب والضمائر، فستبقى مصدراً للإشعاع الديني، ومدرسة للعلماء والخطباء والكتّاب، ومركزاً للفضيلة والإيمان والأخلاق والتقوى و.. كل ذلك مما يناقض أسس الشيوعية(14).
    لم يكن ذلك كلام لينين وحدهُ وإنّما صرّح بذلك قبله (يزيد) و(الحجّاج) و(هارون) و(المتوكّل)(15).
    و(الحكومة العثمانية)(16).
    و(البهلوي الأول)(17) وعشرات الطغاة الآخرين(18)، من أمثال (البكر وصدام) حيث هدما الحوزة العلمية في النجف وكربلاء، وقتل الثاني منهما في (الانتفاضة) أكثر من ثلاثين ألف إنسان، وهدّم المساجد والحسينيات والمدارس والمكتبات والمستوصفات ومقابر العلماء وألوف الدور والبساتين والأسواق والمراكز التجارية، وضرب بمدافعه قبّة الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام(19).
    وارتكب مجزرة بشعة في الحرمين المطهّرين يندى لها الجبين، فكانت الدماء تلطخُ كل مكان(20)، كما فعل جيش يزيد بالمدينة المنوّرة وحرم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفعل الحجّاج بالمسجد الحرام بأمر الخليفة الأموي.
    لكن سنّة الله في الحياة إعلاء راية الحق وإظهاره وإزهاق الباطل واندحاره، لذا ذهب الطغاة والجبابرة (وأتْبِعُوا في هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيامَةِ) (21) وبقيت كربلاء حيّة نقية، مصدراً للإشعاع الديني والفكري، ومنبعاً للأخلاق والفضيلة والحركة.
    وبقيت كربلاء نبراساً للمجاهدين والأحرار، وسراجاً للأمم والشعوب، ومدرسة لتربية العلماء والمبلّغين وحملة الأقلام، منذ استشهاد الإمام (عليه السلام) وإلى يومنا هذا وإلى يوم ظهور الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف).
    وكما قالت عقيلة الهاشميين زينب (سلام الله عليها) للإمام زين العابدين (عليه السلام): (وينصبون ـ الناس ـ لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء (عليه السلام) لا يُدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيّام، وليجتهدنَّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلاّ علوّاً) (22).
    وقالت (عليها السلام) ليزيد:
    (فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تُميت وحينا) (23).
    وسيذهب صدام قريباً بإذن الله، كما ذهب من قبله الطغاة والجبابرة (وَسَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبونَ)(24).
    إن الواجب علينا إن أردنا الله واليومَ الآخر أن نصبّ اهتمامنا لإحياء كربلاء وبقية العتبات المقدسة مادياً ومعنوياً، وأن نكثر الاستفادة من هذا السراج الوهاج، الذي ينير الدربَ لكل من يطلب السعادة في الدنيا، والفوز بالجنّة في الآخرة فـ(الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة).
    وعاشوراء أهم موسم لتحقيق كل ذلك، والله المستعان.
    محمد الشيرازي

    1 ـ الأعراف: 31.
    2 ـ الأعراف: 145.
    3 ـ الأعراف: 31.
    4 ـ الإسراء: 27.
    5 ـ ابراهيم: 28.
    6 ـ الإسراء: 82.
    7 ـ فصّلت : 44.
    8 ـ كالوهّابيين في الباكستان.
    9 ـ كالاختلاط بين الفتيان والفتيات على وجه الحرام.
    10 ـ كما يفعله بعض الشباب المتجمهرين خارج الحسينيّات والمساجد وأطراف المواكب.
    11 ـ حول الشعائر الحسينية وأقسامها وضرورتها وأهميتها راجع كتاب: (الشعائر الحسينية) للشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي وبحار الأنوار: ج45 للعلاّمة المجلسي، ونفس المهموم للمحدّث القمّي.
    12 ـ الأعراف: 145.
    13 ـ التوبة: 19.
    14 ـ إن طبيعة المبادىء المنحرفة تكون خلاف العقل والفطرة والإنسانية، وخلاف الأديان السماوية، ومن هذه المبادىء التي حكمت بالحديد والنار وقتلت عشرات الملايين من الناس وسجنت الملايين من الأحرار وسببت في إفقار الشعوب ونهب ثرواتها سواء في الاتحاد السوفياتي السابق وأوربا الشرقية والصين وعلى مدى نصف قرن من الزمن هو النظام الشيوعي وينص هذا المبدأ على اللاءات الخمسة: (لا إيمان) و(لا أخلاق) و(لا عائلة) و(لا ثروة) و(لا حرية).
    15 ـ إن السلوك العملي للجبابرة والطواغيت لا يختلف، وإن تعدّدت أسماءهم، وتفاوتت أزمانهم، واختلفت خارطتهم الجغرافية، فإنّ الكفر ملّة واحدة والتاريخ يُعيد نفسه.
    فسياستهم مبنية على العداء لرسالات السماء ومحو الأخلاق والفضيلة في المجتمع وتكبيل الحريات والحظر للشعائر والمقدّسات.
    فيزيد وخلال فترة حكمه ثلاث سنوات ارتكب ثلاث جرائم يندى لها الجبين وتقشعرّ لها الإنسانية: 1 ـ قتل سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته واصحابه وأسر عياله وأطفاله وسعى لإخماد لهيب الثورة وصداها ولكن (وَمَكروا وَمَكَرَ الله وَاللهُ خَيْرُ الماكِرينَ). 2 ـ أباح مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثة أيام لعسكره وتجاوزوا على النساء حتّى أنه ولد في ذلك العام ألف طفل أو أكثر من الحرام. 3 ـ أرسل جيشاً ومعهم المنجنيق لهدم الكعبة وفعل ذلك.
    والحجّاج الأموي: صبّ جلّ اهتمامه للقضاء على أتباع وأنصار مدرسة الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسين (عليه السلام) والقضاء على كربلاء، وكتب السيرة والتاريخ خير شاهد على هذه الحقيقة.
    وهارون العباسي: سعى لمحو كربلاء وآثارها وكرب قبر الإمام الحسين (عليه السلام) وهدم الأبنية التي كانت محيطة به، وقطع السدرة التي كان يستدل بها الزوّار موضع القبر ـ والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لعن قاطع السدرة ثلاثة مرّات، أُنظر البحار ج45 ص398ـ ومنع بناء البيوت في كربلاء وفتح الأسواق فيها.
    (أُنظر تراث كربلاء ص34 والبحار ج45).
    والمتوكّل العباسي: كان أكثر عنفاً وأكثر ضراوة وقسوة في العداء لأهل البيت (عليهم السلام) ومواليهم فكان يتبع آل أبي طالب وشيعة الإمام الحسين (عليه السلام) وزوّاره في كل مكان، ومنع زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وأصدر حكم الإعدام على زوّار قبره، وأقام في المسالح أناساً يتربّصون لزيارة القبر أو يهتدي لموضع القبر، ولكن شيعة الإمام ومحبيه كان نداءهم: (لو قُتِلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منّا عن زيارته)، وأمر بتهديم قبر الإمام (عليه السلام) وحرث أرضه سبع عشرة مرّة وأسال الماء عليه، وفي إحدى المرّات أمر المتوكل بالأبقار لتمرّ على قبر شهداء كربلاء فلمّا بلغت قبر الإمام الحسين (عليه السلام) لم تمر عليه وضربوا الأبقار بالعصي وتكسّرت العصي وما جازت على قبر الإمام (عليه السلام) ولا تخطّته؛ كما أنّ التاريخ يحدّثنا أنّه لم يستطع علوي واحد أن يستوطن كربلاء من بعد مصرع الإمام الحسين (عليه السلام) عام 61 هجرية حتى وفاة المتوكل عام 247هـ: (أنظر تراث كربلاء وتاريخ الطبري ج11 والبحار ج45 ص397).
    16 ـ تعرضت مدينة كربلاء ـ كبقية الولايات الأخرى ـ لأطماع الولاة العثمانيين ونزواتهم وصراعاتهم الشخصية، فنهبوا خيراتها وفرضوا الضرائب والمكوس على أهلها، وحاصرها الوالي العثماني داود باشا عام 1241هـ ولمدة أربع سنوات، وكرّ عليها عدة مرات وقطع نخيلها وأغار على مياهها وقتل من الأهالي (6) آلاف نسمة وأضحى الناس في مجاعة شديدة.
    كما وتعرضت لحصار من قبل نجيب باشا في عهد السلطان عبد المجيد الثاني عام 1258هـ حيث دخل المدينة بعد أن ضربها بالمدافع، واستباحها ثلاثة أيام سلباً ونهباً وقتلاً، وارتكب فيها كل فضاعة وشناعة، وعمل السيف في رقاب الناس الآمنين، فقتل (20) ألف شخص ـ كما في كتاب شهداء الفضيلة ـ، ولجأ الناس إلى ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) يستنجدونه ويستغيثوا به، لكن الجيش دخل الحرم، وقتل كل من لاذ بالقبر. (أنظر تراث كربلاء ص376 وص385 وكتاب السلاسل الذهبية للسيد محمد صادق بحر العلوم) وكما تعرضت المدينة المقدسة لحوادث أخرى وعلى مدى حكم آل عثمان.
    17 ـ اتّبع الطاغية رضا بهلوي سياسة التعلمن ـ محو الدين ـ، فقتل رجال الدين وهداة الأمة، ومنع من ارتياد الزيّ الديني، ومنع بناء الحسينيات والمساجد والمدارس الدينية، وأجبر النساء على التبرّج والاختلاط، وسلب الحريات وصادر الأموال، وحارب الشعائر والمقدّسات ومنع عقد المآتم والبكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) وتخليد ذكراه، ومنع توزيع الماء في الشوارع والأزقة مواساة لشهيد الطف (عليه السلام)، ومنع نصب الرايات السوداء على البيوت في إحياء ذكرى سيد الشهداء (عليه السلام).
    18 ـ وهكذا دأب كل جبار متكبّر لمحاربة كربلاء ومقدساتها وشعائرها وبشتّى الوسائل والطرق لأنها تكشف زيفهم وانحرافهم ودجلهم (يُريدون أنْ يطفئوا نورَ الله بِأفْواهِهِمْ ويأبَى اللهُ إلاّ أنْ يُتِمَّ نُورَه ولو كره الكافرون) (التوبة: 32).
    19 ـ وأضرحتهما.
    20 ـ عن الانتفاضة وأهدافها وأبعادها وما حققته من مكاسب وإنجازات وما اقترف النظام الصدامي من جرائم وموبقات راجع كتاب (العراق بين الماضي والحاضر والمستقبل).
    21 ـ هود: 60.
    22 ـ كامل الزيارات: ص362.
    23 ـ ورد في زيارة السيدة زينب (عليها السلام).
    24 ـ الشعراء: 277.


    http://www.alshirazi.com/compilation...ora/fehres.htm
    التعديل الأخير تم بواسطة جواد الحيدري; الساعة 08-01-2008, 11:08 PM.

    تعليق


    • #3
      تكريس المثل والقيم
      يلزم الاستفادة من ذكرى عاشوراء لتركيز الإيمان والفضيلة والتقوى والمثل الأخلاقية الرفيعة في المسلمين، وتوسعة دائرتها.
      إنّ تحلي المسلمين بالصفات النفسية الرفيعة يمنحهم الحصانة من الأمراض النفسية التي انتشرت في العالم المادي؛ كما ويجب توسعة دائرة هذه المثل والقيم لاشتمالها على مراتب ودرجات.
      ومن الضروري أن يجعل هذا الموسم منطلقاً للإرشاد والتبليغ ونشر أحكام الله وتعاليم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الداعية إلى الحياة الطيّبة عبر تطبيق الشورى وإطلاق الحريات الإسلامية والأمة الواحدة والأخوّة الإسلاميّة والسلام، وعبر تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
      فالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن (عليهما السلام) جاهداً من أجل تطبيق هذه المفاهيم وتركيزها في المجتمع، وسار على خطاهم الإمام الحسين (عليه السلام) في ثورته المباركة.
      فقال الإمام الحسين (عليه السلام): (إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي وشيعة أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام)(1).
      وقال (عليه السلام): (نحن وبنو أميّة اختصمنا في الله عزّ وجلّ قلنا: صدق الله، وقالوا: كذب الله، فنحن وإياهما الخصمان يوم القيامة)(2).
      وقال (عليه السلام) أيضاً: (اللهم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنرى المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك..)(3).
      فمثلاً إذا فرضنا أن مليون مجلس حسيني ـ على الأقل ـ يُعقد في شهر محرم وصفر في كل البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، وتكفلت الهيئة الإدارية لكل مجلس بطبع كتاب تثقيفي أخلاقي أو عقائدي أو ما أشبه، وتوزيعه مجاناً.
      وإذا فرضنا أن كل مؤسسة اهتمّت بأن تجعل لها امتداداً في المناطق الأخرى بأن تؤسّس حسينية أو مسجداً أو تعقد مجلساً حسينياً أو تقوم بإنشاء مركز في المناطق الأخرى ـ قريبة كانت أم بعيدة ـ.
      فمعنى ذلك إسهام الهيئة الإدارية في توعية الناس وإرشادهم وهدايتهم، وتخفيف آلامهم ومعاناتهم من المشاكل العالقة بهم.
      قال الإمام علي (عليه السلام): (الناس صنفان: إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)(4).
      إن الشهرين المباركين ـ محرّم وصفر ـ من أفضل الأوقات للدعوة للإسلام ومذهب التشيّع ونشر مبادىء الحق وقيمه، وتوسيع دائرتهما، إذا كان للمسلمين القائمين بالعزاء هذا الهدف.
      ففي الحديث الشريف: (ما أخذ الله على الجهّال أن يتعلّموا إلاّ وقد أخذ على العلماء أن يعلّموا)(5).
      وقال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا ظهرت البدع في أمّتي فليظهر العالم علمه وإلاّ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)(6).
      وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم وسغب مظلوم)(7).
      الاهتمام بالإنسان
      على المؤسسات الدينية والمجالس الحسينية والمواكب العزائية الاهتمام بالشباب والنساء والعجزة والأطفال.
      أما الشباب فهم عماد المستقبل، والغفلة عنهم توجب انحرافهم عن المنهج السليم والأفكار الصحيحة، وانحرافهم مع التيارات السقيمة، ووقوعهم في شبكات الإلحاد والفساد والإفساد، فتتحول الطاقات الشبابية الخيرة إلى معاول للهدم.
      والاهتمام بالشباب معناه الاهتمام بتربيتهم وتعليمهم وتوفير العمل الشريف لهم وتزويج عزابهم و..
      أما النساء: فلكونهنّ عاطفيات، فإنهنّ معرّضات للاستغلال من قبل المفسدين في الأمور المحرّمة والمنافية للعفّة الاجتماعية(8)، فتكون أنوثتهنّ سلعة لاستدرار المال للمنحرفين.
      ومن الضروري تزويج النساء لئلا يتركن عوانس، فإن العنوسة توجب الأمراض النفسية والجسدية فضلاً عن الاجتماعية.
      ومن الضروري توجيههنّ ـ وتوجيه آبائهنّ وأزواجهنّ أيضاً ـ لكي يكون التعامل بين الزوجين إنسانياً وفقاً للضوابط الإســـلامية التي تكفل حقوقهنّ المشروعة وتوفّر للطرفين الحياة السعيدة(9)، وفي الحديث: (عَلِمَ الله ضعفهنّ فرحمهن).
      أمّا العجزة: فإنهم أولى بالرحم، قال الإمام علي (عليه السلام) في نصراني يتكفّف: (استعملتموه حتّى إذا كبر وعجز تركتموه)، وترك العجزة وشأنهم سِمَةُ المجتمع المتخلّف.
      ثم أليس الشاب مرشحاً لأن يكون من العجزة في المستقبل فإذا لم يحترم العجزة، فمعناه: أنه لم يحترم نفسه.
      قال سبحانه: (إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وإنْ أسَأتُمْ فَلَها..)(10).
      أمّا الأطفال: فإن الشعوب التي تبحث عن سعادتها، لا بدّ لها أن تهتمّ بجيلها المستقبلي: بأن يكون صحيح الجسم، خالياً من العقد النفسية.
      فالأطفال عون للآباء والأمّهات، فما يأخذونه من قبل آبائهم ومجتمعهم يُسترجع عبرهم بعد سنوات و(من لا يحسن لا يحسن إليه) و(ما أعطيته بيدك اليُمنى تأخذه بيدك اليسرى).
      إرجاع الحقوق الإنسانية
      يمكن أن يستفاد من واقعة الطف في حل المشاكل السياسية التي تعاني منها الأمة، والتي منها:
      أولاً: مشكلة الإستبداد والدكتاتورية السائدة في العالم الثالث، وفضح الطواغيت الذين اتَّخذوا عباد الله خولاً وماله دولاً ودينه دغلاً.
      فإن المصالح الشخصية لجملة من الحكّام وبعض الأثرياء المترفين وعلماء السوء تقتضي وجود التمييز والفرقة والعبودية بين الناس؛ فإنّ الإمام الحسين (عليه السلام) جاهد للقضاء على هذه الأمور، أليس هو القائل:
      (إنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمَّة جدّي وشيعة أبي علي بن أبي طالب أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر..)(11).
      و(على الإسلام السَّلام إذا بُليت الأمّة براع مثل يزيد، ولقد سمعتُ جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان)(12).
      وقال أيضاً: (إنّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة... ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله)(13).
      وقال (عليه السلام):
      (ألا وإنّ الدّعي بن الدّعي قد ركّز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة ونفوس أبيّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام)(14).
      وفي هذا يكمن سرّ محاربة الطغاة للإمام الحسين (عليه السلام) فكراً ونهجاً وبلداً وحرماً وزيارةً وشعائرَ ومصاباً وبكاءاً وذكراً.
      ثانياً: العنصرية التي تعاني منها أغلب بلاد العالم ـ حتى التي تطلق على نفسها المتحضّرة ـ فالتمييز العنصري والفروق اللغوية والجغرافية والقومية والعرقية هي الحاكمة في عالم اليوم(15).
      ثالثاً: إخماد نار الحروب في البلاد الإسلامية التي أضرمتها الدوائر الإستعمارية في بلادنا ومنذ خمسين عاماً، فإن 80% من صراعات العالم مسرحها الدول الإسلامية.
      رابعاً: إيحاد المؤسسات الإنسانية لإنقاذ بني الإنسان من الجوع والفقر والمرض وأمثال ذلك.
      ويتم حل المشاكل ـ إلى حدّ ما ـ عبر قيام الخطباء بأداء دورهم الديني، وقيام الهيئات الإدارية للمساجد والحسينيات بتوزيع الكتب التثقيفية والتوعوية، وقيام وسائل الإعلام بأدوارها الحقيقية، تطبيقاً لقول الله سبحانه: (يَرْفَع اللهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والَّذينَ أوتُوا العِلْمَ دَرَجاتٍ...)(16).
      وتطبيقاً للآية المباركة: (إنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكرٍ وأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقاكُمْ...)(17).
      ومن الضروري توسيع دائرة الإستفادة من محرّم ومعنوياته الهائلة لخدمة الإنسانية ولتحقيق السَّلام في العالم.
      ومن الضروري أيضاً أن لا نترك هذه المناسبة تسير سيراً بطيئاً وبدون استفادة كاملة ـ كما هو المعتاد عند بعض المتصدين للمجالس خطيباً كان أو هيئة إدارية ـ.
      إزالة المنكرات
      يمكن الاستفادة من موسم عاشوراء في إزالة المنكرات أو التقليل ـ على الأقل ـ من شيوعها وانتشارها، حسب المقدور.
      ويتم ذلك بطريقين:
      الأول: الطلب من الحكومات بل والضغط عليها(18) لإلغاء القوانين المنكرة المبيحة للمحرّمات(19). ـ فإن ذلك شايع في بلاد الإسلام ـ.
      الثاني: الاهتمام الجماعي أو الفردي لإزالة المنكرات ـ بقدر المستطاع ـ.
      فمثلاً: تجمع الأموال لتزويج اللاتي اضطررن للبغاء من الفقر أو الحاجة، وشبه ذلك(20).
      وقد ورد أن علياً (عليه السلام) زوّج مومسة.
      ومثلاً: تجمع الأموال لتبديل حانات الخمور إلى محلات لبيع البضائع المحللة، ولو بدفعها لأصحابها تشويقاً لهم على تغيير المهنة.
      وربما يتوهّم البعض أن الأعمال الجزئية لا تعطي النتائج المطلوبة.
      ولرفع هذا التوهّم نقول:
      أولاً: (ما لا يدرك كله لا يترك كلّه)، وهذه قاعدة عقلية قبل أن تكون شرعية، (والميسور لا يسقط بالمعسور)(21).
      ثانياً: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لئن يهدي الله بكَ رجلاً واحداً خيرٌ لك مما طلعتْ عليه الشمس)، وهذا الحديث الشريف يشير إلى عظم الفائدة وقيمة العمل الإرشادي وقداسته.
      ثالثاً: إن هذه الجزئيات لها امتدادات، وإلغاؤها إلغاءٌ لامتداداتها أيضاً، وهو امتداد هام للمعروف وهو واجب.
      فمثلاً: غلق حانة الخمر ومنع المرأة الباغية عن البغاء له امتدادات في الأسرة وفي المجتمع أفقياً وعمودياً في عمق الزمن.
      رابعاً: بملاحظة كثرة الجزئيات المنحرفة وتحطيمها ـ كمجموع ـ للمجتمع نكتشف أن استثمار الموسم للحيلولة دونها شيء عظيم وذو فائدة كبيرة مرجوة، فإن إلغاء ألوف المقامـــر والمخامر والمباغي والحانات والملاهي والمراقص ومراكز الاختلاط وأندية الشذوذ الجنسي و.. عمل يؤدي إلى طهارة المجتمع وسلامته إلى درجة كبيرة ثم إنه عمل يحبُه الله ورسوله وصالح المؤمنين فضلاً عن أنّه عمل بالوظيفة الشرعية في النهي عن المنكر.
      ومن الضروري أن تتظافر الجهود لإعادة الشباب إلى أحضان الفضيلة والتقوى، وردعهم عن المخدرات بل وحتى عن التدخين(22) ونحوهما من العادات الضارة صحياً، والموجبة لتلف المال والعُمر، أو الداخلة في عنوان اللعب واللهو واللّغو سواء بدرجة الحرمة أم الكراهة.

      1 ـ ناسخ التواريخ.
      2 ـ راجع كتاب الإمام الحسين للسيد علي جلال المصري.
      3 ـ تحف العقول.
      4 ـ بحار الأنوار: ج33 ص600.
      5 ـ بحار الأنوار: ج1.
      6 ـ بحار الأنوار: ج54 ص234.
      7 ـ نهج البلاغة: الخطبة الشقشقية.
      8 ـ كعارضات للأزياء، ولوحات للإعلانات.
      9 ـ لقد فصل الإمام المؤلف (دام ظله) الحديث عن الحقوق والواجبات في الأسرة في موسوعة الفقه (كتاب النكاح) و(الفقه: الآداب والسنن).
      10 ـ الإسراء: 7.
      11 ـ ناسخ التواريخ.
      12 ـ قالها الإمام الحسين (عليه السلام) لمروان عندما طلب منه البيعة ليزيد (أنظر نفس المهموم: ص70) للمحدث القمي.
      13 ـ قالها الإمام الحسين (عليه السلام) للوليد والي المدينة عندما طلب منه البيعة ليزيد. (أنظر مقتل الخوارزمي).
      14 ـ من خطبة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم العاشر من محرم (راجع نفس المهموم: ص247).
      15 ـ راجع كتاب (القوميات في خمسين سنة) للإمام المؤلف (دام ظله).
      16 ـ المجادلة: 11.
      17 ـ الحجرات: 13.
      18 ـ عبر الأحزاب والمنظمات والجمعيات والصحافة الحرة والرأي العام.
      19 ـ لمزيد من التوضيح عن تلك القوانين راجع كتاب (الصياغة الجديدة) للإمام المؤلف (دام ظله).
      20 ـ أو تحريض الشباب للتزويج بهنّ.
      21 ـ راجع كتاب (القواعد الفقهية) للإمام المؤلف (دام ظله).
      22 ـ فإن (2.5) مليون إنسان في العالم يموتون سنوياً بسبب التبغ. (أنظر جريدة الاتحاد العدد 5150).

      تعليق


      • #4
        ضرورة العودة إلى الإسلام
        يمكن أن يستفاد من عاشوراء في التأكيد على ضرورة العودة إلى الإسلام وإلى أحكامه وشعائره.
        لقد قال لينين (اقتلوا كربلاء) ـ كما سبق ـ، وقال: (غلادستون) الرئيس البريطاني قبل قرن: (إن أردتم ترسيخ أقدامكم في بلاد الإسلام فعليكم برفع القرآن من بين المسلمين ومنع الحج عنهم)، وقد فعل الغربيون كلا الأمرين.
        فالحج تحول إلى حملات محدودة بحدود، ومضيّقة بأيام معدودة، ومراقبة من قبل الجواسيس، فلا تعارف ولا تبادل هموم ولا مؤتمرات ولا حل لمشاكل المسلمين و...
        فأضحى الحج خاوياً ـ إلى درجة كبيرة ـ عن كونه (قِياماً للنّاس..)(1) و(لِيَشْهَدُوا مَنافعَ لَهُمْ..)(2). بالإضافة إلى هدم القباب المطهّرة لآل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه، كما جُعِل الحج مركزاً للتنازع والتخاصم والتشاجر بين المسلمين وفي كل موسم(3)، وأبعدوا المسلمين عن أحكام القرآن الداعية إلى الحياة السعيدة.
        فقضوا على: (الأخوة الإسلامية) فصار أهل كل قطر في القطر الآخر أجنبياً.
        وفرقوا (الأمة الإسلامية الواحدة) فأصبح المسلمون أمماً عدة، محددين بحدود جغرافية ما أنزل الله بها من سلطان.
        وخنقوا (الحريات الإسلامية) فلا حرية لإبداء الرأي ولا حرية للكلمة، ولا حرية للفكر.
        ووضعوا (القوانين الجائرة) لتكون قيوداً لتكبيل الناس وتحديد حركتهم في الأعمار والتجارة والزراعة والصناعة والسفر والإقامة وسائر شؤون الحياة ولوازمها.
        وألغوا (الإستشارة في الحكم) فصار الحكام يستبدون فلا انتخابات حرّة ولا مؤسّسات دستوريّة.
        ومنعوا (التنظيم) فأصبح محظوراً في بلاد الإسلام، فلا تعددية حزبية وإنّما الحق للحزب الواحد والحاكم الواحد(4).
        وحللوا (حرام الله) كالخمر والخنزير والبغاء والغناء والربا وسائر المحرمات الأخرى.
        ونسوا قول الله تعالى في محكم كتابه:
        (إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (5) و(إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أمَّةً واحِدَةً..)(6) و(يَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتي كانَتْ عَلَيْهِمْ..)(7) و(أمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُم)(8) و(مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُون)(9). وفي الحديث: (نظم أمركم)(10)، وفي الآية المباركة: (إنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ والأنْصابُ والأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ..)(11) و(إنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ والْفُؤادَ كُلُّ أولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئولا)(12) و(أحَلَّ اللهُ البَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبا)(13).
        فاللازم أن نتّخذ من عاشوراء سبيلاً للتركيز على إعادة أحكام الإسلام وآيات القرآن وتوجيهات العترة المطهّرة.
        هداية غير المسلمين
        من مجالات الاستفادة في موسم عاشوراء توسيع دائرة التبليغ لتشمل غير المسلمين.
        فالإسلام بمعناه القرآني الذي طبقه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وسار على نهجه الإمام علي (عليه السلام) يهدف لإنقاذ الإنسان من براثن العبودية والظلم والجهل والاســـتغلال والفقر والمرض والـــجشع والفوضى: (إذا دَعـــاكُمْ لِما يُحييْكم)(14) وأكثر البشرية وبسبب ابتعادهم عن أحكام السماء وتعاليم الأنبياء ابتلوا بهذه المشاكل(15).
        و(مَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْري فَإنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكاً..)(16).
        فإنّه وبعد قرابة (خمسة عشر) قرناً من بعثة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لا زالت الوثنية منتشرة في الكرة الأرضية، كما في الهند والصين واليابان وكوريا بقسميها وبعض بلاد افريقيا.
        ولا زالت الوثنية المغلّفة تسود في أرض الله كالذين يقولون أن المسيح ابن الله أو عزير ابن الله أو الذين يعتقدون بإلهين اثنين ـ مع أن المنطق العقلائي مع وحدة الإله وصفاته الثبوتية والسلبية المعروفة في علم الكلام ـ(17).
        إن الطبيعة البشرية والفطرة السليمة مجبولتان على قبول الحق واتباع مناهجه (فطرة اللهِ الّتي فَطَرَ النّاس عَلَيْها)(18) والمعاند قليل وشاذ عادةً، لذا فالواجب علينا أن ننشر القيم السماوية بسبب المجالس الحسينية بكل ما نملك من وسائل وطرق.
        والتاريخ يحدثنا أنه بسبب التبليغ والإرشاد ساد الإسلام في الهند قرابة ألف عام، ولكن نتيجة لجهل الحكام وكبار القوم وانشغالهم بالمنازعات الداخلية والحروب الأهلية والأمور الشخصية، ونتيجة لتكاسل أو جهل من كانت تقع عليهم مهمّة التبليغ ضـــعـــف انتشار الديـــن الإسلامي في الـــهند، فلم تتعـــد نسبة المسلمين فيها في الوقت الحاضر باستثناء الباكستان (20%) من الشعب.
        وبسبب التبليغ انتشر الإسلام في الجملة في أوربا وأمريكا واستراليا وبقية دول العالم، والتاريخ الإسلامي حافل بالقصص والشواهد التي تبيّن دور التجّار والعلماء في نشر الإسلام وهداية البشر، ومن الممكن أن يتكرّر ذلك الدور في موسم عاشوراء ـ مؤقتاً أو بشكل مستمر ـ فإذا ساهم التجّار والأثرياء بنشر تعاليم الإسلام بأنفسهم أوبإرسال أو بتأسيس المبلّغين أو بطبع الكتب الإسلامية الحيوية وتوزيعها أو بتأسيس إذاعات وتلفزيونات أو بإصدار الصحف والمجلات وتكثير الأشرطة التسجيلية إلى غير ذلك كان له أكبر الأثر.
        وبذلك نكون قد أسهمنا في إبلاغ رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) الداعية إلى إحياء معالم الحق وطلب الإصلاح ممّا يسبب إنقاذ البشرية من الظلمات والمتاهات الفكرية والعملية.

        1 ـ المائدة: 97.
        2 ـ الحج: 28.
        3 ـ تطرّق الإمام المؤلف في الحديث عن المشاكل التي حلّت بالمسلمين في موسم الحج، وكيف كان الحج سابقاً، وكيف أضحى اليوم، وما هي الحلول المقترحة للاستفادة من هذا التجمّع الإسلامي في كراس: (الحج بين الأمس واليوم والغد).
        4 ـ لقد فصل الإمام المؤلف (دام ظلّه) الحديث عن أحكام الله الباعثة للحياة في الكتب التالية: (الفقه: الحرية) و(الفقه: السياسة) و(الحرية الإسلامية) و(الشورى في الإسلام) و(ممارسة التغيير) و(السبيل إلى إنهاض المسلمين) و(لماذا تأخّر المسلمون) و(إنقاذ المسلمين) و(من أوّليات الدولة الإسلامية).
        5 ـ الحجرات: 10.
        6 ـ الأنبياء: 92.
        7 ـ الأعراف: 157.
        8 ـ الشورى: 38.
        9 ـ الحجر: 19.
        10 ـ بحار الأنوار: ج42 ص256.
        11 ـ المائدة: 90.
        12 ـ الإسراء: 36.
        13 ـ البقرة: 275.
        14 ـ الأنفال: 24.
        15 ـ حتى البلاد الغربية التي يقال عنها أنها بلاد الحرية والديمقراطية، والرفاه الاقتصادي والتقدم العلمي، انتشرت فيها جرائم القتل والاغتصاب والبطالة والعنوسة والمرض والفقر. فقد ذكرت بعض الإحصاءات أنّ في أمريكا (37) مليون فقير: (أنظر جريدة الدستور الأردنية العدد 9411). وقد فصل الإمام المؤلف (دام ظله) الحديث عن أمراض المجتمع الغربي ومؤاخذاته على الواقع الغربي وما سيحل بالغرب من أفول حضارته إن لم يغيِّروا واقعهم في كتابه القيّم: (الغرب يتغيَّر).
        16 ـ طه: 124.
        17 ـ الصفات الثبوتية: هي الصفات التي يتصف بها الله سبحانه كـ(القدرة) و(العلم) و(الحياة) و(الإرادة والكراهة) و(الإدراك) و(السرمدية) و(الكلام) و(الصدق).
        والصفات السلبية: هي الصفات التي يجلّ الله عن الاتصاف بها (ليس الله بمركّب) و(لا جسم ولا عرض ولا جوهر) و(ليس محلاً للحوادث) و(ليس بمحتاج) و(ليس له شريك) و(تستحيل عليه الرؤية البصرية) و(نفي المعاني والأحوال عنه).
        للمزيد راجع كتاب (النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر) لفاضل المقداد، وكتاب (القول السديد في شرح التجريد) و(شرح منظومة السبزواري) للإمام المؤلّف (دام ظله).
        18 ـ الروم: 30.

        تعليق


        • #5
          التكافل الاجتماعي
          إنّ الأهواء النفسانية من جهة والسياسة الاستعمارية غربية وشرقية من جهة أخرى جعلت كثيراً من المسلمين يعرضون عـــن قوانين الله، ويتكالبون على الدنيا وملذّاتها، لذلك بقيت الملايين من الحاجات معطّلة، فقلّت نسبة الزواج، وتفشت العزوبة بما تحمله من سلبيات، وأصبح كثير من الناس دون مسكن ومأوى، وفُقد الدواء أو قلّ أو ارتفعت قيمته، ولم يتوفر العدد الكافي من المدارس والمعاهد العلمية، وتقلصت موارد الاكتساب وتعقدت شرائطه وكثرت قيوده، ممّا زاد في نسبة العاطلين عن العمل.
          وبقيت كثير من الخدمات العامة متوقفة أمثال: تعبيد الطرق، وتوفير شبكات الري والكهرباء والماء، وكذلك مخازن المياه على الخصوص في القرى والأرياف، وتشجير البلاد وغير ذلك، كالمعامل والمصانع وشبهها.
          فإذا استثمرت المجالس الحسينية ـ باعتبارها تثير الكوامن العاطفية في النفس، وبما تحمل من التوجيه العقلي المؤثر في تغيير السلوك الإنساني ـ في قضاء حوائج الناس وفي التراحم والتوادد وإنجاز الخدمات الفردية والعامة، لقضيت ملايين الحاجات كل عام، وهذا يتوقف على مشاركة ثلاث جهات:
          1 ـ الخطيب: بتوجيه الناس وإرشادهم إلى أهمية التكافل الاجتماعي، وإلى أعمال الخير، وذكر القصص المشوقة، وسرد الآيات والروايات التي تحث على ذلك.
          فقد ورد: (من قضى لأخيه المؤمن حاجةً قضي له يوم القيامة سبعين حاجة أيسرها دخول الجنّة).
          وقال الإمام الحسين (عليه السلام):
          (واعلموا أنّ حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، فلا تملّوا النعم فتحور نقماً) (1).
          2 ـ هيئة أمينة ومخلصة تتشكل في كل مسجد وحسينية ومدرسة و... وتنبثق من كل مجلس حسيني، لجمع التبرعات وقضاء حوائج الناس وفق سُلّم الأولويات.
          3 ـ مساهمة الناس الخيريين والتجّار الأثرياء في التبرع والتمويل، فقد قال الإمام الحسين (عليه السلام) في الحث على التبرع والإنفاق في سبيل الله: (مالك إن لم يكن لك إن كنت له منفقاً فلا تبقه بعدك فيكون ذخيرة لغيرك، وتكون أنت المطالب به المأخوذ بحسابه، واعلم أنك لا تبقى له ولا يبقى عليك، فكله قبل أن يأكلك)(2).
          وإني قد شاهدتُ أحد العلماء وقد تمكن من بناء أكثر من ثلاثمائة وخمسين مؤسسة في مدة نصف قرن، باستثمار مجالس الإمام الحسين (عليه السلام) وتحريض الناس على ذلك.
          ورأيت عالماً آخراً تمكن من بناء أربعين مؤسسة في مدّة عشرة أعوام.
          الاهتمام بالمؤسسات وترميمها
          تعيش المؤسسات الإسلامية أزمتين:
          الأولى: في الجانب الكمّي.
          والثانية: في الجانب الكيفي.
          ففي الجانب الكمّي نلاحظ نقصاً كبيراً في كمية المؤسّسات الإسلامية والثقافية والعبادية والاجتماعية للمسلمين في العالم الإسلامي وللجاليات الإسلامية في البلاد الأخرى.
          ولنا في الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أسوة حيث بنى في المدينة المنوّرة ـ على صغرها ـ ما يقارب خمسين مسجداً.
          ومن الممكن سدّ النقص الكمّي عبر استثمار مناسبة عاشوراء بأن يهتم الخطباء وأصحاب المجالس بإنشاء المؤسسات، وذلك عبر تحريض الناس وتشجيعهم على الإسهام في تهيئة الوسائل والمقدمات.
          فإذا أمكن عبر المجالس المنتشرة في شتى بقاع الأرض تأسيس مائة ألف مؤسسة خلال كل عام من: مدرسة، ومسجد، وحسينية، ومكتبة، ومستشفى، ومستوصف، ودور الأيتام، وإذاعات، وتلفزيونات، ومراكز للدراسات، وإصدار المجلات والجرائد(3)، كان الأمر بعد خمس عشرة سنة يعادل ما للمسيحية في إفريقيا وحدها من المؤسسات حيث أنهم أسَّسوا ـ كما في بعض التقارير ـ مليوناً ونصف مليون مؤسسة(4).
          وليس ذلك بالأمر المتعسّر، إذا امتلك الإنسان إرادة قوية وعزماً راسخاً وهمة عالية، ولربّما كان بمقدور الفرد الواحد أن يصنع الكثير، فـ(إنّ إبراهيم كان أمّة)(5) و(المؤمن وحده جماعة)، وقد ورد في الشعر المنسوب للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):
          أتزعم أنّك جــرم صغيـــر وفيك انطوى العالم الأكبر
          والتاريخ يشهد بأنّ أفراداً قلائل استطاعوا أن يغيّروا مسار الأمم وحياة الشعوب.
          وأما في الجانب الكيفي:
          فكثيراً ما تبنى مؤسّسة خيرية ـ سواء كـــانت مدرسة أو مسجد أو حسينية أو مكتبة أو دار نشر ـ وتبقى ناقصة من حيث الأفراد الأكفاء والمدراء(6)، والاستشارة في الأمور الإدارية(7)، أو العمل، أو لا يفي مال أهل الخير والمتبرّعين لإتمام البناء أو ترميم القديم المشرف على الخراب.
          وتكميل النواقص يتم عبر الاستفادة من الإندفاع العقلائي أو العاطفي إلى حب الخير، فمن جاشت عواطفه يكون قلبه مبعث الخيرات.
          وهكذا الأمر بالنسبة للمؤسسات الانتفاعية والتجارية، وما أشبه، مما يخدم الإنسان والإسلام.
          ولعله إذا توجّه المجتمع إلى هذا الجانب في هذا الموسم فإنه سيأتي بثمار جمّة كماً وكيفاً، إن شاء الله تعالى.

          1 ـ من خطبة الإمام الحسين (عليه السلام) في مكارم الأخلاق: كشف الغمة: ج2 ص242.
          2 ـ نفس المهموم للمحدّث القمي.
          3 ـ لقد ذكر الإمام المؤلّف الحديث عن المؤسّسات ودورها في المجتمع في كتاب (الفقه: الدولة الإسلامية) و(الفقه: الاجتماع) و(الوصول إلى حكومة واحدة إسلامية) وكراس (رسالة المساجد والحسينيات).
          4 ـ تضم القارة الإفريقية أربعين دولة، ويبلغ عدد سكانها (600) مليون، منهم (332) مليون مسلم والباقي غير مسلمين، اهتم (الفاتيكان) ومنذ عدة عقود من الزمن في تنصير القارة الإفريقية، فأرسلوا (104) ألف قسيس ومتنصّر و(93) ألف معاون قسيس ومعاون متنصر لأجل التبليغ المسيحي ـ علماً أن للمسيحيين في العالم (4.250.000) مبلّغ متفرغ للتبليغ ـ وفتحوا دوراً لترجمة الإنجيل إلى اللغات المتداولة في القارة الإفريقية البالغة عددها (422) لغة، ووزعوا (128) مليون نسخة من الإنجيل خلال عام (1993م)، كما خصصوا (22) مليار دولار للنشاط في إفريقيا عام (1994م) وإليك بعض الأرقام التي تبيّن النشاط المسيحي في إفريقيا قد تصدرها:
          1 ـ تأسيس (16.671) ألف معهد كنيسي حتى عام 1999م.
          2 ـ إشراف الكنائس على (500) جامعة وكلية.
          3 ـ تأسيس (489) مدرسة لاهوتية لتخريج القساوسة والمتنصرين.
          4 ـ إشراف المجمع الكنيسي على (2594) مدرسة ثانوية، و(83900) مدرسةابتدائية، و(11130) روضة أطفال، و(115) مدرسة للمكفوفين. علماً أن (6) ملايين مسلم يدرسون في مدارس التنصير في إفريقيا.
          5 ـ تمتلك الكنائس (600) مستشفى و(5112) مستوصف في إفريقيا.
          6 ـ تمتلك (256) معهد للأيتام، و(130) ملجأ للمرضى و(85) ملجأ للأرامل.
          7 ـ 75 مجلّة تعتني بالنشاط التبليغي المسيحي وبالشؤون الدينية.
          8 ـ مئات دور النشر لطباعة الكتب وتوزيعها مجاناً.
          9 ـ تربية الكادر الكتابي وإصدار (62.800) ألف عنوان جديد يتحدث عن النصرانية في عام 1987م.
          5 ـ النحل: 120.
          6 ـ كالطبيب والمهندس والعالم والمدرّس والمدير والموظّف، لقد فصل الإمام المؤلف الحديث عن المؤسسات وما هي آلية استمراريتها في كتاب: (استمرارية المؤسسات الإسلامية).
          7 ـ كما يلزم على الهيئة الإدارية أن تقوم بتربية أفراد آخرين ليقوموا بالمهام الإدارية في المستقبل.

          تعليق


          • #6
            الحث على الكسب والاكتساب
            يمكن الاستفادة من ذكرى كربلاء في تحسين الشؤون الاقتصادية للمسلمين فإنّ: (من لا معاش له لا معاد له).
            والاقتصاد الناجح إنّما يكون بالاكتساب والاستثمار والزراعة والتجارة والصناعة وحيازة المباحات.
            فمن الضروري أن يحرَّض الناس على الاكتساب ويشجعوا على النشاط والهمّة والتوسيع في الأعمال، وهذا ممّا يوجب تقليل نسبة البطالة بين صفوف المسلمين وغيرهم.
            إن عدم القيام بالخطوات السابقة يزيدُ في البطالة والفقر، وهما مبعث كل شرّ‍ وانحراف (كاد الفقر أن يكون كفراً)(1).
            وكان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا علم أنّ إنساناً لا يعمل يقول: (سقط من عيني).
            أما التمسّك بالثقافة الاقتصادية الغربية من جعل الأموال في البنوك والعيش على فوائدها الربوية ـ كما يصنعه البعض في بلاد الإسلام ـ فذلك مما يزيد في البطالة ويسبّب نقل الناس من قطاع الإنتاج إلى قطاع الإستهلاك، فيلقي بكَلِّ هؤلاء على العاملين، في حين أنهم يعيشون على البطالة والترهل، ويكدح آخرون في سبيل تحصيل لقمة العيش لأنفسهم وللعاطلين.
            والربا دائماً شرارة الحروب، كما يقول الاقتصاديون(2).
            وللمجالس الحسينية مهام عديدة فهي تقوم:
            أولاً: بتقويم الانحراف وهداية الناس إلى الحياة السليمة.
            ثانياً: إرجاع قاعدة (السبق والحيازة) إلى التنفيذ، فقد ورد: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له)(3).
            وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
            (عادي الأرض لله ولرسوله ثم إنّها لكم مني أيها المسلمون) و(من حار ملك)(4) و(من أحيى أرضاً مواتاً فهي له)(5).
            ثالثاً: إرجاع قاعدة (السلطنة على النفس والمال) إلى حيز التطبيق فإن (الناسَ مسلّطون على أموالهم وأنفسهم) (6) إلى غير ذلك من النصوص والقواعد(7)، التي كانت دارجة في بلاد الإسلام إلى قبل نصف قرن تقريباً، ثم جاء الحكّام المستبدّون وبإيعاز من أسيادهم، بقوانين وضعية، كابحة للطاقات، وكابتة للحريات، ومصادة للفطرة، ومخالفة للشريعة، فأوقعوا المسلمين في أزمة لم يسبق لها مثيل في التأريخ الإسلامي.
            فلنجعل من محرّم مناسبةً لإرجاع المسلمين إلى حالتهم الإسلامية السابقة وإلى عزّهم وسيادتهم.
            جمع التبرعات
            من المناسبات المهمّة التي يتوجه فيها الناس إلى الله ولنجاة عباد الله الفقراء والمساكين شهر محرّم وصفر.
            فاللازم استثمار هذا الموسم لجمع التبرّعات للمنكوبين والفقراء والمعوزين من المسلمين وغير المسلمين فإن: (لكلّ كبد حرى أجر) و(ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)(8) كما وأعطى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الماء لكفّار بدر، وأعطى الإمام علي (عليه السلام) الماء لأصحاب معاوية في صفين، وأعطى الإمام الحسين (عليه السلام) الماء للّذين جاءوا لقتاله في كربلاء.
            قال سبحانه: (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ في الدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ ديارِكُمْ أنْ تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطوا إلَيْهِمْ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ)(9).
            واللازم استثمار هذا الموسم لجمع الحقوق الشرعية من أخماس وزكوات لصرفها في مواردها من تقوية الحوزات العلمية والمؤسّسات الإسلامية.
            ومن الضروري على الخطباء والمبلّغين تحريض الناس بالوصيّة بـ(الثلث) للأمور الخيرية والمؤسسات الإسلامية ثقافية كانت أو صحية أو مهنية أو غيرها.
            ومن الأمور المهمّة التي يجب ملاحظتها في صرف التبرّعات قانون: (الأهمّ والمهمّ) و(الحسن والأحسن) فمثلاً جمع التبرّعات للفقراء والمحتاجين، قد يعطى بصورة نقدية آنيّة، وقد يعطى نماؤه بعد أن يوضع رأس المال في المضاربة أو يشترى برأس المال الأملاك للإنتفاع من إيجارها أو يستأجر للفقراء منازل ليسكنوا فيها أو يشترى لهم دور توقف لسكناهم ماداموا فقراء.
            ولا شك أن الثاني بأقسامه ـ إن أمكن ـ أفضل من الأول، وفي المثل: (اعط لإنسان ثمن سمكة تشبعه يوماً، واعطه شبكة صيد تشبعه عمراً).

            1 ـ بحار الأنوار: ج69 ص29 ح26.
            2 ـ عن الربا وأسبابه، والأمراض الناجمة عنه، وطرق علاجه، تحدث الإمام المؤلف (دام ظله) في كتابه: (الفقه: الاقتصاد) و(الاقتصاد الإسلامي المقارن) و(لماذا تأخّر المسلمون؟) و(البنك الإسلامي).
            3 ـ وسائل الشيعة: ج17، ص328 مع تفاوت.
            4 ـ يظهر من الجواهر إنها رواية.
            5 ـ تهذيب الأحكام: ج7 ص152 ح22.
            6 ـ بحار الأنوار: ج2 ص272 ح7.
            7 ـ للمزيد راجع: كتاب (القواعد الفقهية) و(الفقه: إحياء الموات) للإمام المؤلف (دام ظله).
            8 ـ نهج الفصاحة.
            9 ـ الممتحنة: 8.

            تعليق


            • #7
              الخاتمة
              من الضروري على الخطباء والهيئات الإدارية وأصحاب المجالس أن يهتموا بشأن مجالسهم، حتى تكون مجالس الإمام الحسين (عليه السلام) منبعاً للفكر والوعي، ولا بد أن تتضمن تحليلاً علمياً سليماً للأحداث والوقائع، وربط الماضي بالحاضر والمستقبل، إذ بدون ذلك لا يمكن للمجتمع أن يقاوم الأخطار المحدقة به ولا الأعمال المشينة التي تعرض عليه.
              ويلزم أن يكون المستوى الفكري للمنابر عميقاً ليتحصّن الشباب من الانحراف عند هبوب رياح الإنحراف، فإن المستوى السطحي كثيراً ما يكون سببا لانحراف الشباب ولإدخالهم السجون والمعتقلات أو القبور أو التشريد عن أوطانهم، فيكون حالهم كما يقول الشاعر:
              كريشةٍ في مَهبِ الريح طائشةً لا تستقـــرّ على حال من القَلَق
              فعلى أصحاب المجالس والهيئات الإدارية التوجّه للنقاط التالية:
              أولاً: تحريض الخطباء على إلقاء أفضل التحليلات النفسية والاجتماعية والتاريخية والعقيدية و.. وهذا من أفضل الطرق لشد الناس إلى الايمان ولغرس معالم الدين والفضيلة في حياتهم.
              ثانياً: دعوة أفضل الخطباء القادرين على أداء هذه المهمّة، فإنّ تقويم وإصلاح المجتمع أو الفرد الواحد لا يثمن بشيء، وقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك مما طلعتْ عليه الشمس).
              ثالثاً: المساهمة في تدوين ونشر المحاضرات التي تلقى في مراكزهم وتوزيعها بين الناس.
              ثم إنّ المنبر الناجح: هو الذي يتوفر فيه الأمور التالية:
              أوّلاً: تحريك وتهييج الأحاسيس العاطفية وتفجيرها وتوجيهها نحو الخير والصلاح والإصلاح، حتى تكون واعيةً وموجَهةً لا أن يمر المنبر عليها بدون إعطاءها حقّها من التوجيه الرباني والاندفاع الواعي.
              ثانياً: تكثير رصيد المعلومات في مختلف الأبعاد والحقول، فإنّ الإنسان كلّما ازداد علماً ازداد قدرة على توجيه الناس وهدايتهم كما يزداد قرباً إلى الواقع، وبذلك يكون أقرب إلى الاستقامة وأبعد من الانزلاق والتفريط والإفراط، ولذلك كانت الدعوة في الآيات والروايات إلى التفكّر والتدبّر والسير في الأرض والاعتبار بقصص الماضين وشبه ذلك.
              ثالثاً: تقوية ملكة المستمع في ربط الأحداث، وفهم الروايات والآيات، واستنباط الصغريات من الكبريات، وردّ الفروع إلى الأصول، بحيث تتوفر للمستمعين حصانة في مقابل الشبهات الفكرية والعقائدية والتاريخية التي يثيرها المنحرفون وبحيث يكونون قادرين على توجيه الآخرين وهداية الضالّين أيضاً.
              رابعاً: أن يفهم الملاكات الموجبة للتعدي من مصداق إلى مصداق، وأن يعرف الميزان في كل مورد بحيث لا يتعدى في غير مورد التعدي ولا يقف جامداً في مورد التعدّي.
              ثم من الجدير أن تشكل ـ ولو في كل قطر ـ مؤسسة تقوم بمتابعة كل النقاط التي ذكرناها في هذا الكراس، والله المسؤول أن يتفضّل على الجميع باتّباع مراضيه، وهو الموفّق المستعان.
              (سُبحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمّا يَصِفونَ وسلامٌ عَلى المُرْسَلينَ والحَمْد للهِ رَبِّ العالَمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى مُحَمَّدٍ وآلهِ الطّاهِرينَ)
              قم المقدسة
              6/ شوال/ 1414 هـ ق
              محمّد الشيرازي

              تعليق


              • #8
                مشكورين على الموضوع القيم.

                تعليق


                • #9
                  احسنتم على الموضوع و اعلى الله مقام فقيه علوم اهل البيت الامام الشيرازي.

                  تعليق


                  • #10
                    عظم الله أجوركم
                    أحسنتم و بارك الله بكم

                    لا يوم كيومك يا أبا عبد الله

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    x

                    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                    صورة التسجيل تحديث الصورة

                    اقرأ في منتديات يا حسين

                    تقليص

                    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                    يعمل...
                    X